فورين بوليسي: حقيقة ما يجري في السعودية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
إذا كان على إسرائيل أن تقوم بنفسها بكل الأعمال القبيحة التي تريد القيام بها في المنطقة، فإن العالم سوف يرى بوضوح شديد أنها تستحق بجدارة أن تكون دولة “منبوذة” بحق، مجلة فورين بوليسي – جون تشاكمان.
في تعليقه على ما يحدث في المملكة العربية السعودية، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن النخب السعودية التي تم القبض عليها في تحقيق لمكافحة الفساد كانت “تحلب” المملكة منذ سنوات.
في الحقيقة، فإن مثل هذا التصريح هو مجرد هراء من دونالد ترامب. فالفساد كان ولا يزال منتشراً في كل مكان في المملكة العربية السعودية. وكيف يمكن ألا يكون الأمر كذلك في الوقت الذي يتم فيه تداول مليارات لا تعد ولا تحصى من الدولارات في هذا المجتمع المغلق؟ لذلك، فمن السهل على شخص مثل ولي العهد السعودي الجديد أن يرى بوضوح تام بعض مظاهر هذا الفساد بمجرد إلقائه نظرة على بعض من حوله ممن يرغب أساساً في تشويه سمعتهم. وقد يتجاوز الأمر مجرد تشويه السمعة إلى قيام ولي العهد بالاستيلاء على مئات المليارات من أموال هؤلاء، وهذه في حد ذاتها حصيلة جيدة لذلك اليوم (السبت 4 نوفمبر).
بن سلمان يقود انقلاب على النظام القديم للمملكة
ما يجري في المملكة العربية السعودية هو نوع من الانقلاب على النظام القديم من قبل ولي العهد الجديد الذي اغتصب هذا المنصب (من ابن عمه الأكبر محمد بن نايف) حيث جاء تعيينه وليا للعهد بقرار من والده الملك الذي يعاني من الخرف وأمراض الشيخوخة؛ فقد جاء هذا القرار بشكل مفاجئ ليمثل إخلالاً بالنظام المستقر في العائلة لكيفية انتقال السلطة ومخالفاً لكل المبادئ المتعارف عليها داخل الأسرة السعودية الحاكمة.
وعلى الرغم من أنه ربما لا نستطيع أن نقف على حقيقة ما جرى في هذه المملكة السرية، إلا أننا نعلم بالتأكيد أن هذه التغيرات المفاجئة كانت وراء تحول كثير ممن كان يجب على بن سلمان الاهتمام بهم والتعاون معهم (سواء من الأسرة المالكة أو من رجال الأعمال) إلى أعداء، ويبدو أن هذا ما يحدث فعلاً في المملكة.
وللأسف، فليس لدى هؤلاء الأعداء (أعداء بن سلمان) من أصدقاء في واشنطن يمكنهم اللجوء إليهم والتماس العون منهم. فقد عانى النظام القديم في المملكة العربية السعودية كثيراً في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها هذا النظام لتهدئة الولايات المتحدة من خلال تقديم آفاق جديدة من التعاون، إلا أنها فشلت كلها، وها هي رموزه يتم اجتياحها الآن.
وليس من قبيل المصادفة الآن أن تجد أن كل ما تراه الإدارة الأمريكية – شديدة العدوانية – أمراً جيدا،ً تنظر إليه حكومات بمنطقة الشرق الأوسط – التي تُعتبر مستعمرة أمريكية بحكم الواقع – من خلال نفس منظور هذه الإدارة.
ترامب وإسرائيل
وقد أثبت ترامب نفسه أنه أحد أفضل أصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة. فعلى الرغم من أنه من المعروف أن لإسرائيل منذ وقت طويل نفوذ كبير في الولايات المتحدة، إلا أن النفوذ الذي تتمتع به الآن يفوق كثيراً نفوذها في الماضي. وأوضح مثال على ذلك أن سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة (نيكي هالي) تتحدث كما لو كان تعيينها في منصبها جاء من كل من ترامب ونتنياهو مجتمعين. وفي هذا الصدد، نستطيع أن نقول إن منافس ترامب الوحيد في هذا الصدد هو الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون. (جونسون هو الرئيس السادس والثلاثين للولايات المتحدة من1963إلى 1969- وقد شغل المنصب بعد اغتيال جون كيندي وكان صديقا مقرباً لليهود وداعم قوي لإسرائيل)
وتتبنى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بشدة الأمير المغتصِب (إشارة إلى محمد بن سلمان الذي “اغتصب” منصب ولي العهد من ابن عمه محمد بن نايف) حيث أنه أثبت أنه جدير بالاعتماد عليه من خلال تنفيذه لمشاريع دموية في المنطقة مثلما حدث عندما شن حرباً غير قانونية على اليمن. هذه الحرب تشبه تماماً الحرب بالوكالة التي يشنها المرتزقة – من داعش والنصرة، وآخرون في سوريا، إلا أن ما يحدث في اليمن هو بمثابة حرب مفتوحة تقوم بها دولة ضد دولة أخرى. (السعودية “وحلفاؤها” ضد اليمن). والآن، فهو (ابن سلمان) ينضم إلى إسرائيل في توجيه التهديدات إلى لبنان.
في كل حروب المحافظين الجدد في الشرق الأوسط، بُذلت جهود كبيرة، بطريقة أو بأخرى، لإبعاد إسرائيل عن مركز الصدارة في هذه الحروب، حتى لا تظهر – أمام العالم والمنطقة – على أنها دولة معتدية. لكن هذه الحروب الرهيبة، في الحقيقة، لم تكن لتحدث أبداً دون الاستفادة بتأثير إسرائيل.
بن سلمان رجل إسرائيل في السعودية
نعم، سيكون ولي العهد عنصرا يمكن الاعتماد عليه في المشروع الأميركي الإسرائيلي طويل الأمد لبناء شرق أوسط جديد. فولي العهد السعودي هو في الأساس رجل إسرائيل في المملكة العربية السعودية، تماما كما أن عبدالفتاح السيسي موجود في مصر بهذه الصفة. إن إسرائيل تشعر بالارتياح لأنها محاطة بأنظمة حكم مطلقة، ما دامت هذه الحكومات المطلقة مملوكة لراعيها، الولايات المتحدة.
في الوقت الراهن، يقوم ولي العهد السعودي الجديد بخدمة دموية أخرى من أجل المصالح الإسرائيلية. وكان رئيس وزراء لبنان سعد الحريري قد دُعى من ملك السعودية للقدوم إلى الرياض من أجل مناقشة بعض الأمور، ولكن اتضح لاحقاً أن تلك الدعوة كانت مجرد حجة كاذبة لاستدعائه. وما حدث في الحقيقة أنه عند هبوط طائرة الحريري، حوصرت الطائرة تماماً وتم اعتقال رئيس الوزراء اللبناني بالفعل في المطار؛ وهذه قرصنة حديثة بكل معنى الكلمة. وفي وقت لاحق – لا ندري نوع التهديدات التي تعرض لها – أعلن الحريري استقالته المفاجئة وغير المتوقعة كرئيس لوزراء لبنان، وهو لا يزال في المملكة العربية السعودية حتى الآن.
إسرائيل وحزب الله
ومما يثير الدهشة، أنه منذ وقت قريب جدا، أثار نتنياهو وبعض وزرائه ضجةً مستهجنةً ضد لبنان، حتى إن اسرائيل قامت بعدد من المناورات والتدريبات الحربية واسعة النطاق، بما في ذلك استدعاء الاحتياط، مما يشكل تهديداً واضحاً لدولة لبنان.
والحقيقة أن إسرائيل لا تستطيع أن تتحمل فكرة أن يكون حزب الله جزءاً من الحكومة اللبنانية، بينما يرى مراقبون محايدون أن لبنان قد حقق بشكل سلمي توازناً ملحوظاً في تشكيل نظام حكم في دولة تضم العديد من الجماعات السياسية والدينية المتنوعة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه منذ وقت ليس بعيداً كان لإسرائيل دور في إشعال حرب أهلية رهيبة ودامية في لبنان، وذلك من خلال غزوها الدموي وغير المبرر للبنان. أما حزب الله، فلم يكن أبدا جماعة إرهابية حقيقية، بغض النظر عما تعتبره إسرائيل. وكان الحزبقد برز على الساحة من خلال مقاومة الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني لجنوب لبنان لفترة طويلة.
كان مقاتلو حزب الله يدافعون فقط عن أرضهم، ولكنهم أثناء القيام بذلك جعلوا صورة إسرائيل تبدو شديدة السوء، وهذه هي الجريمة التي لا تُغتفر في نظر إسرائيل.
أما بالنسبة لولي العهد السعودي الجديد فإنه يقوم بعمل أكثر شناعة عما قامت به إسرائيل، فهو في الحقيقة يشعل حروباً في المنطقة بالوكالة عن إسرائيل، كما يحدث الآن في حربه على اليمن حيث يقصف المدنيين بشكل منتظم، مما يوفر على إسرائيل أن تكون مضطرة للقيام بهذا العمل بنفسها من أجل الحصول على ما تريده في بلاد الغير.
ختاماً:
لابد أن القارئ يدرك الآن أنه إذا كان على إسرائيل أن تقوم بنفسها بكل الأعمال القبيحة التي تريد تنفيذها في المنطقة، فإن العالم سوف يرى بوضوح شديد أنها تستحق بجدارة أن تكون دولة “منبوذة” بحق، فهي المُسَعِر للحروب باستمرار. أما “الحرب بالوكالة” – سواء كانت عن طريق عصابات من المرتزقة مثل داعش وجبهة النُصرة في سوريا، أو من الطغاة مثل ولي العهد السعودي الجديد وما يفعله في اليمن ولبنان – فهي أحدث إصدارات تل أبيب(1[1]).
([1]) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.