تقديرات

قانون بناء الكنائس التطورات والإشكاليات

 

تمهيد:

شهدت الاسابيع القليلة الماضية حالة من الشد والجذب بين النظام المصري من ناحية والكنيسة المصرية من ناحية أخرى بشأن مشروع قانون بناء وترميم الكنائس، كانت نبرة الحديث عن قانون بناء الكنائس قد ارتفعت مع بداية انعقاد أولى جلسات البرلمان في يناير 2016، حيث تنص المادة 235 من دستور 2014 الحالي، على أن يصدر مجلس النواب في أول انعقاد له، قانونا لتنظيم بناء وترميم الكنائس، بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية.

أولاً: التسلسل الزمني للأزمة:

بدأت أحداث الأزمة تتسارع مع لقاء السيسي وتواضروس في 28 يوليو 2016، حيث أعلنت الكنيسة بعد هذا اللقاء في بيان لها عن قرب صدور قانون بناء الكنائس بصورة مرضية، فيما يشير البيان إلى وعد من السيسي لقيادات الكنيسة بتمرير قانون بناء وترميم الكنائس بشكل مرضي للكنيسة، وهو ما أعقبه اعلان وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب مجدي العجاتي في 1 اغسطس 2016، أن الكنائس الثلاث المصرية وافقت على المسودة النهائية لمشروع قانون بناء وترميم الكنائس، على أن يتم تسليم مسودة القانون لمجلس الوزراء لمناقشتها.

وفي 17 أغسطس 2016، اجتمع ممثلو الكنائس المصرية مع ممثلى جهات عديدة بالدولة لمناقشة مشروع قانون بناء الكنائس، إلا أن الاجتماع لم يسفر عن توافق حول مشروع القانون، حيث أصدرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بيانا في 18 اغسطس 2016، تُبدي فيه اعتراضها على التعديلات التي استحدثت من جانب الحكومة ووصفتها بأنها “غير مقبولة واضافات تمثل خطرا على الوحدة الوطنية المصرية”.

مع تزايد حدة الإختلاف حول مشروع القانون، التقى تواضروس مع رئيس الحكومة شريف إسماعيل في 22 اغسطس 2016، لمناقشة مشروع القانون، وبدا أن الحكومة قد تراجعت عن التعديلات التي كانت قد أدخلتها على القانون وأحدثت حالة من الرفض لدى الكنيسة، حيث دعا تواضروس بعد لقائه مع شريف إسماعيل، المجمع المقدس للكنيسة لاجتماع طارئ في 24 أغسطس، وفي ساعة متأخرة من نفس اليوم، وقع شريف إسماعيل النسخة النهائية من القانون، بعد أن تم التوافق على المواد الخلافية فيه، وموافقة المجمع المقدس بالكنيسة عليه.

وفي 25 أغسطس 2016 وافق مجلس الوزراء على مشروع القانون لتصبح الخطوة المتبقية هي إرسال مشروع القانون إلى مجلس الدولة لمراجعته تمهيدا لعرضه على البرلمان في دورته الحالية لإقراره بشكل رسمي.

وفي 30 اغسطس 2016، يوافق مجلس النواب في جلسته قبل الأخيرة في دورة الانعقاد الأولى على مشروع قانون بناء وترميم الكنائس، بأغلبية بلغت ثلثي أعضاء المجلس.

ثانياً: المواد مثار الجدل:

كانت أهم المواد التي أصرت عليها الكنيسة، وضع مادة بضرورة تقنين الكنائس غير المرخصة، وعدم تغيير طبيعة المبنى الخاص بالكنيسة في حالة غلقها، وصدور قرار المحافظ دون الرجوع للجهات المعنية، بالإضافة إلى حرية ممارسة الشعائر، ووضع الصلبان والقباب فوق الكنائس.

وكذلك المادة 5 من مشروع القانون والخاصة بالإبقاء على موافقة الجهات الرسمية لإصدار القرار النهائى ببناء الكنائس، والتي كانت تُمثل العائق الأساسى لتمرير القانون، حيث تم الاتفاق في المسودة النهائية على إلغاء عبارة “التنسيق مع الجهات المعنية”.

وتمت زيادة مواد القانون من 8 إلى 10 مواد على أن تختص المادة 8 بتنظيم الكنائس غير المرخصة، ويتولى مجلس الوزراء حصرها بشرط مرور عام على الصلاة فيها، تمهيداً لتقنين أوضاعها بعد صدور القانون مباشرة، فيما تحظر المادة 7 تحويل مبنى الكنيسة فى حالة إغلاقه لأى سبب من الأسباب إلى مبنى آخر ويظل مخصصاً للكنيسة.

ثالثاً: إشكاليات تطبيق القانون

سيظل القانون بالرغم من توافق الكنائس المصرية الثلاثة على مواده، محل شك في إمكانية تطبيق مواده عمليا، وبالنظر إلى أكثر المواد إثارة للجدل بشأن الموافقة على بناء الكنائس والتي كانت تصدر بموافقة المحافظ وبالتنسيق مع الجهات المعنية وهو الأمر الذي كان يؤول إلى الجهات الأمنية والسيادية صاحبة القرار الأول والأخير في تصريحات بناء الكنائس، القانون الموافق عليه في البرلمان حذف جملة “التنسيق مع الجهات الأمنية” ليعطي الحق للمحافظ مباشرة في إصدار تصريحات بناء الكنائس في محافظته، إلا أن تلك الموافقة المنصوص عليها في القانون لا نستطيع أن نستنتج في ظل منظومة حكم أمنية بجدارة، أن ثمة استقلالية في قرار المحافظ بعيدا عن الجهات الأمنية والسيادية صاحبة القرار في الماضي، وهو ما يعني أن نص القانون لن يُعبر بأي شكل من الأشكال عن تغيير حقيقي على أرض الواقع، من ناحية أخرى لم يشر القانون لأسباب الرفض التي يمكن أن يستند إليها المحافظ في حال رفضه طلب انشاء كنيسة، وهو ما يعني أن الرفض من خلال المحافظ ليس مقيدا بأي مادة من مواد القانون.

وبالنظر إلى المادة التي تشير الى وجود تناسب ما بين مساحة الكنيسة المطلوب الترخيص ببنائها مع عدد المواطنين المسيحيين في المنطقة التي تقام بها، وهي مادة تقوم بالأساس على أوراق معتمدة من جهات رسمية بالدولة بعدد المسيحيين في المنطقة التي تقام بها الكنيسة وهو أمر لا نستطيع أن نجزم بأن جهة ما في الدولة قادرة أو تستطيع إثباب العدد بالأرقام في أوراق رسمية، وهو ما يعني أن المادة لن تكون محل تطبيق عملي في ظل غياب ما يثبت الاعداد الرسمية للمسيحيين في المنطقة التي تقام بها الكنيسة.

رابعاً: قراءة في الأزمة وأبعادها:

إن الاستجابة السريعة لمشروع القانون من خلال وعد السيسي لتواضروس في اللقاء الذي تم بينهما، ثم ادخال الحكومة لبعض التعديلات التي أثارت موجة اعتراضات داخل الكنيسة، ثم تراجع الحكومة عنها فيما بعد يشير إلى أكثر من أمر:

1ـ أنه فيما يعاني السيسي من موجة انتقادات حادة بسبب الأوضاع الاقتصادية المتأزمة يظهر ملف الأقباط كأحد الملفات التي يمكن أن تزيد من حجم الانتقادات الموجهة إليه وهو الأمر الذي يبدو أنه دفع السيسي لسرعة الاستجابة لمطالب الكنيسة وانهاء الأزمة قبل تفاقمها والتسبب في خسارة شريك مهم في وقت بات فيه السيسي في أمسْ الحاجة إلى داعميه وشركائه الأساسيين في انقلاب 3 يوليو 2013.

2ـ قد يبدو من تطورات الأزمة أن هناك حالة تخبط بين أجهزة الدولة، ولكن هذا غير دقيق وغير وارد في هذه الأزمة تحديدا، لما لها من حساسية، وأهمية، حيث لا يُمكن النظر إلى تصرف الحكومة في إحداث تعديلات على مشروع قانون بناء وترميم الكنائس في هكذا توقيت حرج، بمعزل عن أجهزة الدولة السيادية، وهي التي دأبت منذ سنوات على التعامل والتنسيق في ملف الكنيسة المصرية، والنظام أراد أن يظهر بمظهر المتنازل والمتراجع عن التعديلات التي استحدثها بهدف المراوغة مع الكنيسة واكتساب تأييد ودعم منها في الفترة القادمة.

3ـ ربما تشهد الايام القادمة دفع النظام من خلال بعض المعارضين للقانون، بدعاوي عدم دستورية القانون والمطالبة بقانون موحد لدور العبادة، في إشارة الى التهديد بالغائه ومن ثم العودة الى النقطة صفر في أي وقت بشأن قانون بناء الكنائس، بهدف ابتزاز الكنيسة واستمرار تأييدها ودعمها للنظام الحالي.

4ـ إن خروج القانون على هذا الشكل مع وجود مخاوف عدة من عدم تطبيقه بشكل عملي، ربما يزيد من حدة التوتر فيما بعد بين النظام والكنيسة في حال عدم شعور الكنيسة بجدوى للقانون الذي استمر الجدال علية فترة ليست بالقصيرة(1).

ملحق: نص قانون بناء الكنائس بعد موافقة البرلمان عليه في 30 أغسطس 2016

المادة الأولي: في تطبيق أحكام هذا القانون يقصد بالكلمات والعبارات التالية المعنى المبين قرين كل منها:

(1) الكنيسة: مبنى مستقل قد تعلوه قبة أو أكثر تمارس فيه الصلاة والشعائر الدينية للطوائف المسيحية على نحو منتظم ولها الشكل التقليدي، يتكون من طابق واحد أو أكثر وله سقف واحد أو أكثر، على أن يحاط المبنى بسور إذا زادت مساحة الأرض على 300 متر، ويجوز أن يشمل ما يلي:

(أ) هيكل أو منبر: المكان الذي يقوم فيه رجال الدين المختصون بأداء الصلاة والشعائر الدينية وفقا للقواعد والتقاليد الكنسية.

(ب) صحن الكنيسة: المكان الذي يتواجد فيه المصلون لأداء الصلاة والشعائر الدينية مع رجال الدين.

(ج) قاعة المعمودية: مكان يستخدم في أداء طقس العماد ويكون مزودا بالمرافق من ماء وكهرباء وصرف صحي.

(د) المنارة: جزء مرتفع من مبنى الكنيسة على شكل مربع أو مستطيل أو مثمَّن الأضلاع أو على شكل أسطواني أو غيرها من الأشكال، يكون متصلا بمبنى الكنيسة أو منفصلا عنه، وفق التقاليد الدينية كالجرس والصليب، مع مراعاة الارتفاع المناسب والتصميم الهندسي.

(2) ملحق الكنيسة: مبنى للكنيسة يشمل بحسب الاحتياج على الأماكن اللازمة لإدارة الكنيسة وقيامها بخدماتها الدينية والاجتماعية والثقافية.

(3) مبنى الخدمات: مبنى تملكه الطائفة يخصص لأغراض الخدمة المتنوعة ويشمل إقامة المغتربين والمسنين والمرضى وذوى الحاجة.

(4) بيت الخلوة: مبنى تابع للكنيسة يشمل على أماكن للإقامة وأماكن لممارسة الأنشطة الروحية والثقافية والترفيهية.

(5) مكان صناعة القربان: مكان داخل الكنيسة أو ملحق الكنيسة مجهز لصناعة القربان، ومستوفٍ لكل الاشتراطات الصحية ومعايير السلامة والأمان على النحو المحدد بالقانون.

(6) الرئيس الديني المختص: الرئيس الديني الأعلى للطائفة المسيحية المعترف بها في جمهورية مصر العربية.

(7) المحافظ المختص: المحافظ الذى تقع في دائرة اختصاصه لأعمال محل الترخيص التي ينظمها هذا القانون.

(8) الطائفة: الطائفة الدينية التي تعترف لها الدولة بشخصية اعتبارية.

(9) الممثل القانوني للطائفة: شخص طبيعي من غير رجال الدين، يختص دون غيره باتخاذ كل الإجراءات المتعلقة بأي من الأعمال المطلوب الترخيص بها وفق أحكام هذا القانون، ويحدده الرئيس الديني الأعلى لكل طائفة في كل حالة.10- الأعمال المطلوب الترخيص بها: بناء أو توسيع أو تعلية أو تعديل أو تدعيم أو ترميم أو هدم أو تشطيبات خارجية بالكنيسة أو ملحق الكنيسة أو مبنى الخدمات أو بيت الخلوة.

المادة الثانية: يراعى أن تكون مساحة الكنيسة المطلوب الترخيص ببنائها وملحق الكنيسة على نحو يتناسب مع عدد وحاجة مواطني الطائفة المسيحية في المنطقة التي تقام بها، مع مراعاة معدلات النمو السكاني، ويجوز أن تضم الكنيسة أكثر من هيكل أو منبر وأكثر من صحن وقاعة معمودية ومنارة.

المادة الثالثة: يتقدم الممثل القانوني للطائفة إلى المحافظ المختص بطلب للحصول على الموافقات المتطلبة قانونا للقيام بأي من الأعمال المطلوب الترخيص بها، وعلى الجهة الإدارية إعطاء مقدم الطلب ما يفيد استلام طلبه يوم تقديمه، ويجب أن يرفق بهذا الطلب مستندات الملكية والمستندات اللازمة لبيان طبيعة الأعمال المطلوبة وموقعها وحدودها، وفي جميع الأحوال، لا يقبل الطلب غير المستوفى للمستندات المشار إليها.

المادة الرابعة: يجوز للمثل القانوني للطائفة التقدم للمحافظ المختص بطلب للحصول على الموافقات المتطلبة قانونا لهدم وإعادة بناء كنيسة مقامة بترخيص أو تم توفيق وضعها وفق أحكام هذا القانون، وذلك بإتباع الإجراءات المنصوص عليها فيه.

المادة الخامسة: يلتزم المحافظ المختص في البت في الطلب المشار إليه في المادتين (3)، (4) من هذا القانون وإصدار الموافقة والتراخيص المطلوبة بعد التأكد من استيفاء كل الشروط المتطلبة قانونا في مدة لا تجاوز أربعة أشهر من تاريخ تقديمه، وإخطار مقدم الطلب بكتاب مسجل موصى عليه بعلم الوصول بنتيجة فحص طلبه.وفي حالة رفض الطلب يجب أن يكون قرار الرفض مسببا.

المادة السادسة: يحظر القيام بأي من الأعمال المشار إليها في المادتين (3) و (4) من هذا القانون، بعد الحصول على ترخيص في ذلك من الجهة الإدارية المختصة بشؤون التخطيط والتنظيم وفق أحكام قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008 ولائحته التنفيذية، بما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون، ويصدر الترخيص باسم الطائفة الدينية.

المادة السابعة: لا يجوز تغيير الغرض من الكنيسة المرخصة أو ملحق الكنيسة المرخص إلى أي غرض آخر، ولو توقفت إقامة الصلاة والشعائر الدينية بها، ويقع باطلا كل تصرف يتم على خلاف ذلك.

المادة الثامنة: يتقدم الممثل القانوني للطائفة بطلبات مرفقا بها كشوف بحصر المباني المشار إليها في المادتين (9، 10) من هذا القانون خلال سنة من تاريخ العمل به إلى لجنة يصدر بتشكيلها ونظام عملها قرار من رئيس مجلس الوزراء تضم في عضويتها الوزراء والجهات المختصة وممثل الطائفة المعنية، وتتولى اللجنة دراسة أوضاع هذه المباني واقتراح الحلول اللازمة لتوفيق أوضاعها، ولا يجوز للجنة النظر في أي طلبات ترد بعد الميعاد المشار إليه في الفقرة الأولى من هذه المادة، وعلى اللجنة تقديم تقرير برأيها يعرض على مجلس الوزراء لاتخاذ ما يراه بشأنها من إجراءات لتوفيق أوضاع هذه المباني وحسم أي خلاف بشأنها، ويجوز لمجلس الوزراء، متى كانت هناك ضرورة لذلك وفق ما تعرضه اللجنة، إصدار ما يلزم من قرارات في هذا الشأن، وفي سائر الأحوال لا يجوز منع أو وقف ممارسة الشعائر والأنشطة الدينية في أي من المباني المشار إليها أو ملحقاتها لأي سبب.

المادة التاسعة: يعتبر مرخصا ككنيسة كل مبنى قائم في تاريخ العمل بأحكام هذا القانون تُقام به الشعائر الدينية المسيحية بشرط ثبوت سلامته الإنشائية وفق تقرير من مهندس استشاري معتمد من نقابة المهندسين، وإقامته وفقا للاشتراطات البنائية المعتمدة، والتزامه بالضوابط والقواعد التي تتطلبها شؤون الدفاع عن الدولة والقوانين المنظمة لأملاك الدولة العامة والخاصة، وصدر قرار من مجلس الوزراء بتوفيق أوضاعه وفق حكم المادة (8) من هذا القانون.

المادة العاشرة: يعتبر مرخصا كل مبنى يستخدم كملحق كنيسة أو مبنى خدمات أو بيت خلوة قائم في تاريخ العمل بهذا القانون، متى كان مملوكا أو تابعا للطائفة وتوفرت فيه الشروط والضوابط المنصوص عليها في المادة (9) من هذا القانون، وصدر قرار من مجلس الوزراء بتوفيق أوضاعه وفق حكم المادة (8) من هذا القانون.

—————————-

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى