fbpx
تقديرات

ما بعد صالح: مسارات الحرب في اليمن

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تمهيد:

تشهد المنطقة العربية مرحلة مفصلية في التحول وخاصة بعد ثورات الربيع العربي 2011؛ فقد قامت تلك الثورات بإرادة شعبية مباشرة وغير مباشرة، ولكن الإرادة الشعبية المباشرة في اليمن غلبت الإرادة الخارجية غير المباشرة، وسرعان ما انقلب الغرب على إرادة الشعوب وقام بتلغيم تلك الثورات بعيونه وجواسيسه، واستدعى عملاءه من دول وأنظمة ومنظمات وهيئات وشخصيات إلى النفير العام لإسقاط تلك الإرادات الشعبية؛ التي لم تكن على ما أراده المستعمر وأدواته المنفذة في عالمنا العربي.

فأشعل الحرب الأهلية في سوريا وسكت عنها وتركها تأتي على الأخضر واليابس، وأشعل الحرب الأهلية في ليبيا، وجاء بخليفة حفتر المتقاعد في أمريكا، وشارك في انقلاب مصر وفرض الحكم العسكري، وأما في اليمن فكما تحدث أحد أبرز القيادات اليمنية بقوله: فقد رست المناقصة على الحوثي لإسقاط الدولة في اليمن بمشاركة داخلية، وبمباركة أممية، وتحت رعاية ما سُمي “بالمبادرة الخليجية”.

وستكون الورقة حول المواضيع الآتية:

مشكلة اليمن

مقدمة عن الحركة الحوثية

مظاهر التعاون الإيراني الحوثي

التحالف وسياساته المتعارضة ومساراته الملتبسة

المرجعيات الحقيقية والزائفة في اليمن

السيناريوهات المتوقعة

الحلول والمقترحات العاجلة

————-

المشكلة في اليمن

ثورة حصلت عام 2011 وأزاحت الرئيس السابق وفق مبادرة خليجية، وثورة قامت عام 2014 وأسقطت الرئيس الحالي ووضعته تحت الإقامة الجبرية مع حكومته، وأعادته دول خليجية. وأصبح الوضع في اليمن: رئيس سابق (علي عبدالله صالح)، أو رئيس مجلس سياسي حوثي (صالح الصماد)، أو رئيس مجلس انتقالي (عيدروس) في الداخل،، ورئيس شرعي في الخارج (عبد ربه).. حكومة شرعية في الخارج (بن دغر)، وحكومة إنقاذ في الداخل (بن حبتور).. 80 % من الأرض بيد الشرعية، و80% من الإنسان بيد الحوثي؛ حرب مشتعلة في تعز، وأخرى في مأرب، وأخرى في الجوف والبيضاء وشبوة وعدن.. الحوثي يضرب الحدود السعودية في المناطق الحدودية، وهي تقاتله في مأرب.. تتحرر الجنوب من الحوثي ويفتح باب الانفصال .. معارك في الفنادق وأخرى في الخنادق.

مقدمة عن الحركة الحوثية

بعد نجاح ثورة الخميني 1979م سافر حسين الحوثي إلى طهران في عدة سفرات، ثم سافر والده بدر الدين الحوثي يستنجدون بإيران ويطلبون منهم الدعم بغرض دعوى الحفاظ على المذهب الزيدي من ذوبانه وانكماشه وسط المذهب الشافعي والمدرسة الوهابية “كما يزعمون”، وتوصلوا في النهاية إلى إيجاد قاعدة مشتركة تقارب بين الاثني عشرية والزيدية، وتتفق مع ولاية الفقيه؛ فخرج هذا الاتفاق وتبلور في عقائد فرقة الجارودية المتطرفة، التي تورطت بتكفير الصحابة رضوان الله عليهم وتضليلهم، مع تأكيده على أهمية التفريق بين المذهبين وإبطال دعوى التماثل.

ورفعوا شعارات تتوافق مع شعارات إيران مثل: “الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسلام”؛ لاستجلاب الدعم واستدعاء الصراع في المنطقة بدعوى الحفاظ على المذهب الزيدي، ومحاولة منهم لجر أطراف الصراع الدولي إلى اليمن لمواجهة “الوهابية” كما صرح بذلك يحيى الحوثي لمجموعة العلاقات الدولية عن أن سبب قيام الزيدية بعد اندثارها هو: الحفاظ على ضياع الهوية، وقال: “عملنا الأساس هو مكافحة الوهابية”.

وفي عام 1982م بدأ تشكيل أول خلية أو نواة للحوثيين في صعدة باسم “تنظيم الشباب المؤمن”، وفي تلك الفترة ظهرت مدرسة أخرى للسلفيين في دماج، وتوسعت أكثر بعد عودة الشيخ مقبل الوادعي بصورة نهائية إلى اليمن نهاية الثمانينيات، وتحول الشيخ من مذهبه الزيدي إلى المدرسة السلفية المدعومة من السعودية.

وما بين حرب الخليج الأولى والثانية، أصبح التنافس واضحاً واشتدت ضراوته بين إيران والسعودية، وكان هو المحرك الأساس للحروب الإقليمية، وكان لهما دور بارز في تأجيج الصراع المذهبي والطائفي في الإقليم.. أما في اليمن فقد ظهر فصيلين: الأول حوثي بدعم إيراني، والثاني سلفي مدعوم من السعودية. وكان للرئيس السابق علي عبدالله صالح يد كبيرة في ظهور الفصيليين، وكان الدعم يأتي من إيران والسعودية عبره، ولكنه حاول توظيف ذلك سياسياً ضد شركاء العملية السياسية خلال تلك الفترة.

وبعد أحداث سبتمبر 2001م بدأوا بالتمرد على الرئيس السابق سياسياً، وبدأت تظهر من قِبل قياداتهم المخترقة للجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام بعض التصريحات المعادية للنظام الجمهوري، أمثال يحيى المتوكل، فشعر الرئيس السابق صالح بقلق بالغ من تنظيمهم، ولكنه كان يعلم أنه قادر على تصفيتهم في أي لحظة؛ فبدأت المواجهة العسكرية عام 2004 وسميت بالحرب الأولى، وكانت نتيجتها في نفس العام هزيمتهم وقتل قائدهم والأب الروحي لتنظيمهم حسين بدر الدين الحوثي، وتطهرت صعدة بالكامل،  وأُلقي القبض على من تبقى منهم أو اشتبه بالانتماء لهم في سجون الدولة؛ فتدخلت كثير من الوساطات للإفراج عنهم، كان من أبرزها بريطانيا وإيران وقطر.

وفي عام 2006م وبعد فوز الرئيس علي صالح بالانتخابات الرئاسية للفترة الثانية، تمكنت بعض الجهات في الداخل والخارج من إقناعه بالإفراج عنهم وأنهم سيلتزمون بترك الأسلحة الثقيلة وتسليم المباني الحكومية، وأنهم سيكونون الساعد الأيمن للتخلص من القيادات العسكرية والأمنية والقبلية التي تشكل أي خطر مستقبلي على نظامه، وبدأت الدولة بتمكينهم من بعض الوزارات لممارسة تلك التصفيات في جميع مؤسسات الدولة، وسمح لهم بأخذ الزكاة وجباية الأموال من المواطنين في صعدة، فازداد طموح أبناء البطنين بالسيطرة على دار النهدين.

وأثناء حروب صعدة الستة تدخلت مجموعة من علماء الزيدية للوساطة، ووضعوا للرئيس السابق عدة شروط لإيقاف الحرب في صعدة،كان من أهمها: سحب الوحدات العسكرية المستحدثة في صعدة، وأن المسؤول الأول أمام الدولة المحافظ الشامي الذي تم تعيينه نزولاً عند رغبة الحوثي، وأن عبد الملك الحوثي هو المسؤول عن الحوثيين ويمنع تدخل قائد المنطقة العسكرية علي محسن صالح في شؤون صعدة، وسحب جميع المراكز السنية واستبدال مراكز تتبع المذهب الزيدي من أبناء المنطقة بها، إعادة جميع الأساتذة الوافدين إلى صعدة من محافظات أخرى واستبدال أساتذة من نفس المحافظة بهم، وإنشاء جامعة زيدية على غرار جامعة الإيمان السلفية وجامعة الأحقاف الشافعية وغيرها. فحينما عرضوا تلك النقاط على الرئيس السابق صالح سخر منهم، وردّ عليهم بقوله: كان عليكم أن تذهبوا إلى السيستاني للمصادقة عليها. إشارة منه أن اليمن ليست ولاية فارسية شيعية، ولكنه في النهاية نفذ لهم جزءًا من تلك الشروط؛ لعل أبرزها إضعاف الفرقة الأولى مدرع، وتعيين المحافظ الشامي المعروف بولائه للحوثيين.

وبدأت الدعوات في دماج تقول أن الحوثي يريد استئصال السنة وتسوق ذلك في السعودية والحوثي يقول أن الوهابية والتكفيرين يريدون استئصال المذهب الزيدي وأنهم يكفرونهم كالشيخ محمد المهدي رئيس جمعية الحكمة السلفية وغيره الذين ينادون لاستئصال جذور الفتنة الحوثية.

مظاهر التعاون بين الحوثيين وإيران مذهبياً وسياسياً

عام 2010 صرح الأب الروحي للحوثيين في محافظة الجوف شايف العميسي لصحيفة أخبار اليوم، بأن الحوثيين يسعون إلى تحويل اليمن إلى ولاية فارسية ويزرعون خلايا نائمة في تعز، وأن جميع شعاراتهم ومناسباتهم وأموالهم من إيران وحزب الله.

وما بين 2009-2011 م نشرت تقارير سرية لخبراء في الأمم المتحدة رفعت إلى مجلس الأمن الدولي، أن إيران تقدم أسلحة إلى المتمردين الحوثيين في اليمن منذ عام 2009على الأقل، وقال التقرير إن سفينة صيد إيرانية جرى احتجازها في فبراير 2011 من جانب السلطات اليمنية، وكانت تحمل 900 صاروخ مضاد للدبابات إيراني الصنع، وكانت الشحنة موجهة للمتمردين الحوثيين، وبموجب قرار من الأمم المتحدة اعتمد في عام 2007، لا يحق لإيران بيع أسلحة بموجب الحظر المفروض عليها (إسكاي نيوز عربية).

وجاءت جميع الشعارات والاحتفالات المناسبات والأناشيد معدة إعداداً إيرانياً بحرينياً لبنانياً “حزب الله”، كما أن تصريحات القيادات الإيرانية في الحرس الثوري كالقائد علي رضا زاكاني وغيره عام 2014، وهم يباركون سقوط العاصمة اليمنية صنعاء ويبشرون بسقوط الرياض، وكانوا يصرحون قبل سقوط صنعاء بأن لديهم في اليمن أبطالاً وجنوداً أضعاف أضعاف حزب الله اللبناني، والدعم اللا محدود بالمال والسلاح للحوثي بدءًا بالاستقطاب والتدريب وإرسال البعثات والمنح والخبراء والمراكز العلاجية، وإرسال السفن المحملة بالأسلحة والمتفجرات كجيهان الأولى والثانية قبل وبعد 2011.

وبعد إسقاط الحوثيين لعمران وصنعاء 2014، قاموا بإخراج السجناء الإيرانيين من السجن المركزي بعمران وسجن الأمن القومي بصنعاء، تم تطويق منطقة الخليج من كل الجوانب بالمليشيات الشيعية تمهيداً لإسقاطها من جنوبها بالحوثيين، ومن القطيف والدمام ونجران، ومن الكويت والبحرين، وجاء تصريح القيادات الحوثية بأنهم سيقومون برفع شعار الموت لأمريكا على الكعبة 2014، ووصفه لجميع الأطراف السياسية اليمنية والمخالفين له بالجماعات التكفيرية والداعشية والوهابية، ويرسلون مقاتليهم إلى تعز وعدن من منطلق ثارات الحسين وتكفيرا ًلخصومه، ثم قيامه بتفجير وإغلاق المراكز الشرعية ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، باعتبارها مساجد الوهابيين التكفيريين النواصب الذين يعادون آل البيت، واحتلال جامعة الايمان أحد قلاع السنة في اليمن، مع أنها تدرس المذهب الزيدي أيضاً، وفرض خطباء للمساجد من مذهبهم بالقوة، وفرض الجبايات والزكوات على التجار لدعم مناسباتهم الدينية، ولتمويل جهادهم ضد البغاة كما يزعمون (المجهود الحربي، وملاحقة العلماء والدعاة والمفكرين والإعلاميين، الذين لا يؤمنون بالمذهبية والعنصرية واعتقالهم أو قتلهم، وتغيير المناهج والمقررات الدراسية بما يتوافق مع معتقداتهم، وإقامة الحوزات العلمية في كثير من المحافظات ورفع الشعارات المذهبية بين طلاب المدارس الابتدائية.

وكذلك إجبار القنوات على رفع الأذان موافقاً لمذهبهم، ومن ذلك (إذاعة يمن ميوزك)، وهذا لم يكن موجوداً في اليمن وليس بين اليمنيين وآل البيت الأطهار أي قطيعة؛ فهم يصلون عليهم ليل نهار كعقيدة، ولكن الحوثية الإيرانية “ينكشون” في الطائفية، ومنع صلاة التراويح والاعتداء على المصليين في كثير من المساجد، وإحراق الكتب والمكتبات التي تتحدث عن السنة، بما في ذلك المكتبات الزيدية، والإصرار على إدخال قضية صعدة من ضمن القضايا الرئيسة في أي حوار أو مصالحة، واعتقال كل رموز أطياف أهل السنة المختلفين معه، حتى الحجوريين الذين لا يحملون أي مشروع سياسي استهدفهم، ثم المناورة الحوثية على الحدود اليمينية السعودية بمشاركة خبراء ايران، وإرسال الخبراء لصناعة وتطوير الصواريخ البالستية حتى يتم ضرب العمق الخليجي.

كثير من المحافظات كانت ترفض القتال وتسلم للحوثي، ولكنه يأبى إلا أن يشعل فتيل القتال، حتى يفتحها عنوة ولا يكون لأهلها أي قرار يذكر، ثم مقتل الرئيس اليمني السابق علي صالح، وكان الحوثة يرددون عند مقتله أنه تم أخذ الثأر لقائدهم حسين الحوثي، وكان الرئيس السابق في اليمن كان يقول إن الحوثي يتلقى أموالاً من إيران، والطرف الآخر يقول إن الدولة تقاتله بأموال سعودية، وكان كل ذلك بغرض الابتزاز من السعودية وايران.

وأصبحت حرب صعدة ببعدها السني الشيعي الكامن والمضلل في آن واحد جزءًا من التنافس في المنطقة، حتى أن بعض الأطراف حاولت أن تلعب دورا في الصلح كدولة قطر خلال الحروب الستة، ولكن بعض المحللين السياسيين يرون أن السعودية كانت وراء إفشال ذلك.

وأما عن حقيقة الصراع المذهبي الطائفي العنصري قبل وبعد مقتل الرئيس صالح، فقد أصبحت واضحة الملامح والمآلات، ولديهم خبرة في الجمع بين الصراع المذهبي من جهة والسياسي من جهة أخرى، ومن أجل السلطة والنفوذ فإن قيادة الحوثيين لا تمانع من التحالف مع من يخالفها في المذهب كالمؤتمريين وبعض السلفيين، أو من اليساريين بأطيافهم كالاشتراكيين وغيرهم، وكذلك في تحالفه مع الاثني عشرية على خلافه معها هو تحالف سياسي.

ومن ذلك يذكر بعض المحللين أن القيادي الحوثي صالح هبرة كان يذهب إلى السعودية الدولة العدوة لهم بسرية ويستلم مخصصات الجماعة المالية، التي التزمت بها السعودية للجماعة وخاصة بعد 2010. والآن لديهم لقاءات مكثفة على الدوام في الظهران السعودية مع قيادات حوثية، من بينهم يوسف الفيشي والبخيتي وغيرهم. وفي النهاية فإن الحوثيين لم ولن يكون لديهم أي مشروع بناء دولة بمفهومه القديم أو الحديث، غير مشروع الهدم والهتك وغيرها، والواقع خير دليل في اليمن وسوريا والعراق ولبنان “إما أحكمك وإما أقتلك”.

التحالف وسياساته المتعارضة ومساراته الملتبسة:

في منتصف ليل الـ26من مارس/آذار 2015 انطلقت عملية “عاصفة الحزم” بمشاركة تحالف مكون من 10 دول بقيادة السعودية، هدفها المعلن صد الحوثيين الذين بسطوا سيطرتهم على أغلب المناطق في اليمن. المشهد السياسي في اليمن ازداد تعقيداً بعد مشاركة قوات التحالف العربي المنقسم على نفسه في أهدافه واستراتيجياته ما بين مؤيد ومعارض وساكت في تحرير اليمن، فأما المؤيد لتحرير اليمن من الحوثي فقد كانت السعودية هي المتصدرة وفقاً لأيدولوجيتها القائمة على محاربة التشيع، ولكنها انقسمت على نفسها ما بين مؤيد لحسم المعركة في اليمن ليكون البديل “الشرعية الضعيفة بقيادة هادي”، ومشاركة الإخوان المسلمين في الحكم بصورة ضعيفة، وما بين معارض لحسم المعركة في اليمن حتى يبعد الإخوان المسلمين -الإصلاح- عن المشهد تماماً، وهذا هو رأي تيار الدولة العميقة في السعودية، أو إضعافهم وتقزيمهم وإبقاء جزء من قوات الحوثي وصالح كقوة موازية لمواجهتها وردعها في يوم من الأيام.

وقد نُفذ جزء كبير من ذلك بإضعاف الإخوان سياسياً وعسكرياً ومحاصرتهم حتى في أماكن النفي الإجباري في فنادق الرياض، أو في الميدان، واشتُريت ولاءات عدد كبير من المشايخ والشخصيات لضمان التبعية للسعودية؛ وأُجري عدد من الزيارات والمحادثات السرية وغير السرية بين المملكة وبين صالح سابقاً من جهة والحوثي من جهة أخرى، وقد كان ذلك في سلطنة عمان أو ما صرح به وزير خارجيتها الجبير، وتأكدوا من أن اليمن لن تشكل أي تهديد عسكري للمملكة.

أما الإمارات فقد كان لديها أهداف أساسية من التحالف، أولها يتمثل في الهدف الاقتصادي القائم على وضع الاحتياطات اللازمة لإيقاف ميناء عدن، حتى لا يكون بديلاً عن دبي ولا يتم ذلك إلا بعد ترسيخ انفصال الجنوب عن الشمال، بعد إضعاف أكبر الكيانات المتواجدة في الجنوب وهم الإصلاح والمؤتمر والسلفيين، وتأسيس جيش جديد موالي للإمارات من الفقراء والبدو في المناطق الجنوبية أو ما يسمى بالعصبة الحضرمية، والقيام بإجراء تصفيات لجميع الخصوم في الجنوب، وعلى رأسهم الإصلاح والسلفيين، وإنشاء العديد من السجون والمعتقلات لتعذيب الناس وتخويفهم، وممارسة الضغوط المباشرة على الشرعية بفرض تعيينات في السلطة المحلية والقيادات العسكرية من الشخصيات الموالية لها ومن ذلك جميع محافظي المحافظات الجنوبية، وما المجلس الانتقالي الانفصالي ومنع الرئيس هادي من الرجوع إلى عدن إلا جزء لا يتجزء من مشروعها التدميري في فرض وصايتها اليمن.

السيناريوهات المتوقعة

  1. تحول الحرب في اليمن من حرب دينية عقدية بين السعودية والحوثي إلى حرب سياسية حدودية حول جازان ونجران وعسير، وهنا يستكمل المشروع الإيراني سيطرته على شمال اليمن وتحويلها إلى ولاية فارسية لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع حول استعادة الأراضي المحتلة واستنفار اليمنيين إلى جهاد المحتل ومواجهة الأعداء.
  2. خروج الإمارات من التحالف وترك السعودية لوحدها تخوض معركتها مع الشيعة، وخاصة بعد شعورها بخذلان السعودية لحليفها الاستراتيجي علي عبدالله صالح والمشاركة في قتله.
  3. محاولة الإمارات إقناع السعودية والأطراف الفاعلة في اليمن بفرض أحمد علي عبدالله صالح نائباً توافقياً للرئيس اليمني، أو رئيساً للحكومة وإقناع الإخوان المسلمين بذلك خصوصاً.
  4.  قيام الإمارات بدعم الإخوان وتقديمهم إلى المعركة منفردين كمحرقة لهم حتى تتمكن الإمارات من تطبيق نظام الأقاليم، القائم على فصل شمال اليمن عن جنوبه ودعم المليشيات من أبناء القبائل والسلطنات لفتح جبهات للقتال على المناطق الحدودية بين شمال اليمن وجنوبه سابقاً، أو بين القبائل المحادة لسلطنة عمان.
  5.  استكمال الحزام الأمني على بقية المناطق الشمالية في اليمن، واستدعاء العالم لضرب الجماعات الإرهابية المتقاتلة في اليمن ممثلة بالإخوان المسلمين والحوثيين، كونهما يهددان الأمن الإقليمي والدولي.
  6.  الدعوة إلى فرض الوصاية على اليمن بكامله أو على جزء منه بحجة أن اليمن دولة فاشلة وأصحبت تهدد الوضع الإقليمي والدولي، وقد حصلت مثل هذه الدعوة في مؤتمر لندن 27 يناير 2010 بدعوة من رئيس الوزراء غوردون براون، وحضر التمثل 24 دولة من بينها دول الخليج الست.

وكما تحالف الحوثي مع اللقاء المشترك سابقاً ونقضه ثم مع الرئيس هادي ونقضه ثم مع  المؤتمريين ونقضه، وفض الارتباط بتاريخ 2/12/2017م بخطاب ناري للرئيس السابق علي عبدالله صالح، وبدأت المواجهات المسلحة انتهت بمقتل رئيس اليمن سابقا رئيس المؤتمر الشعبي العام ومعه مجموعة من القيادات الحزبية والعسكرية والامنية يوم الاثنين 16 ربيع الأول الموافق 4 ديسمبر 2017م. ولا غضاضة في المستقبل أن يتحالفوا مع الإمارات أو يعيدوا علاقتهم مع السعودية طالما كانت هناك مصالح تدعو لذلك وقد أصبح ظاهرا بعد 2016 وتواصل السعودية مع كثير من قيادات الحوثي وتخفيف اللهجة تجاه الاثني عشرية .

المرجعيات الحقيقية والزائفة

كثر الحديث خلال الفترة الماضية عن المرجعيات الأساسية للحوار في اليمن أو لإيقاف الحروب والصراعات، وقد زاد الوضع تعقيدا لعدم وضوحها أو بالانجرار والانشغال وراء مرجعيات زائفة, ولأهميتها نختصرها بالآتي:

الأول: مرجعيات حقيقية وتعجل بحل الأزمة اليمنية وتتمثل:

  1. الدستور اليمني الحالي المتفق عليه بين جميع القوى وتم الاستفتاء عليه شعبياً.
  2. النظام الجمهوري المتفق عليه بين جميع القوى.
  3. الوحدة اليمنية.
  4. مجلس النواب المعبر عن الإرادة الشعبية وجاء في وقت أمن واستقرار.

الثاني: مرجعيات زائفة تؤجج الصراعات وتطيل أمد الحرب وتتمثل:

  1. المبادرة الخليجية.
  2. مخرجات الحوار الوطني: التي لا تمثل الشعب كون الشعب لم يمارس حقه في اختيار ممثلين عنه في مؤتمر الحوار وتم اختيارهم وفقاً لشروط وضعتها الدول الراعية.
  3. القرارات الدولية.
  4. عبد ربه منصور كونه أصبح غير مؤهلاً لقيادة البلد وجاء في فترة صلح وبدون منافس مخالفة للدستور وانتهت مدة ولايته قبل سنوات.

الحلول والمقترحات العاجلة

  1. الاحتكام إلى الدستور اليمني والقوانين النافذة في البلد، وأن يكونا هما المرجع الأول في أي حوار أو مبادرة ،كون الدستور هو المرجعية الأولى المتفق عليها بين جميع القوى الإسلامية والعلمانية.
  2. وقف ضربات التحالف في اليمن لأن دخول التحالف زاد الوضع تعقيداً، حتى تحولت إلى حرب بالوكالة عن المشروع الإيراني الروسي من جهة والسعودي الإماراتي الأمريكي من جهة أخرى.
  3. نقل السلطة اليمنية بصورة دستورية إلى مجلس النواب؛ كونه هو المؤسسة الوحيدة المتبقية من الشرعية اليمنية المنتخبة شعبياً وجاءت في فترة أمن واستقرار.
  4. التقدم بمبادرة خليجية (عمانية-كويتية-قطرية) أو دولية (روسية- تركية-ماليزية) إلى الرئيس عبدربه منصور بنقل صلاحياته وتسليمها إلى نائبه أو إلى مجلس رئاسي يتفق عليه جميع الأطراف، كما أُقنع الرئيس السابق صالح بتسليم السلطة ويبقى رئيساً شرفياً لمدة ستة أشهر لإجراء انتخابات رئاسية مع أن مدته الدستورية لم تنتهِ إلا في 2013، بالإضافة إلى أن أغلب الشعب قد قام بثورة 21 سبتمبر 2014 تقارب من ثورة 2011 والأهم من ذلك أن مدته الرئاسية كانت قد انتهت في 2014.
  5. الإسراع بتجهيز خطة إعمار وتعويض متزامنة أو مصاحبة مع أي عملية حوار أو مصالحة.
  6.  أن يكون الحوار مباشراً بين الحوثيين وإيران من جهة، والشرعية والسعودية من جهة، والمؤتمرين والإمارات من جهة في دول محايدة لم تتدخل بالحرب مثل تركيا أو ماليزيا أو عمان أو الكويت أو قطر.

ملاحظة: من الضرورة تمثيل وإشراك القيادات الميدانية للمقاومة في أي حوار أو مبادرة؛ لإيجاد الحلول المناسبة كونهم أعلم بالوضع من غيرهم.

خلاصة:

إن أي مصالحة بين أطراف الصراع لا تجعل الدستور اليمني مرجعيتها والجمهورية والوحدة أهم أسسها، فسيكون مصيرها الفشل، وأن أي مصالحة تتم دون الرجوع إلى القيادات والقوى الفاعلة داخل اليمن فإنها ستكون عبارة عن قنبلة موقوتة ستنفجر في وجوه أولئك الذين يسعون للإقصاء والتهميش وفرض الوصاية كما حصلت سابقاً، ولن يحدد مصير اليمن إلا أبنائه الذين هم في الميدان وقدموا أرواحهم دفاعاً عن وطنهم في حين تخلى الكثير (1).

——————

الهامش

1 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

 

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close