أوروبا وأمريكاتقارير

كيف يمكن فهم دور واشنطن في أمريكا اللاتينية؟

تتأرجح السياسة الأمريكية في العالم منذ نشأتها وحتى وقتنا الحالي بين من ينادي بالانعزالية ومن يطالب بالإمبريالية. وبين هذا وذاك تطورت السياسة الأمريكية في العالم من الانعزالية إلى قيادة النظام العالمي وتشكيل معطيات الأمور بما تمليه المصلحة الأمريكية، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لعبت بشكل أو بآخر على مدار تاريخها دوراً في تشكيل النظام العالمي إلا أننا نشهد حالياً نمطاً مغايراً من القيادة العالمية يريد الانفراد بالقرار العالمي، والتخلص من قيود الاتفاقيات الدولية وأخلاقيات المعاملات الإنسانية. [1]

وتشكل أمريكا اللاتينية عموما وفنزويلا خصوصا الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية منذ استقلال الولايات المتحدة الأمريكية، فقد سعت هذه الأخيرة إلى الحفاظ على نفوذها في هذه القارة تارة عبر الدبلوماسية وتارة عبر دعم الانقلابات العسكرية. فبأي مبرر تتدخل الويلايات المتحدة في شؤون أمريكا اللاتينية؟ وكيف يتعامل الأخر الأكبر مع جيرانه ويفرض وصايته عليهم؟[2]

أولا: إحياء مبدأ مونرو كأداة للهيمنة الأمريكية على أمريكا اللاتينية

أعاد التدخل الأمريكي في الأزمة الفنزويلية الأخيرة إحياء مبدأ مونرو في السياسة الأمريكية (1823) [3]، والذي يصوغ لها مبررات التدخل في الشئون الداخلية لدول أمريكا اللاتينية، باعتبارها ضمن محددات الأمن القومي الأمريكي، وكرّست الولايات المتحدة قدراتها العسكرية وصعودها الاقتصادي عبر القرنين الماضيين لتأمين احتياجاتها من المواد الخام، واحتكار السوق اللاتيني لبيع سلعها بعيدًا عن التنافس الأوروبي على أفريقيا، والصين واليابان حول منطقة جنوب شرق آسيا.

“إن لم تكن معنا فأنت ضدنا”، تختصر هذه الجملة السياسة الأمريكية المتعجرفة تجاه دول أمريكا الجنوبية التي لا تدور في فلكها، فالفكر الثوري الذي حمله الثائر سيمون بوليفار محرر دول أمريكا الجنوبية من الاحتلال الإسباني، والقائد الكوبي المناضل فيديل كاسترو والرئيس الفنزويلي الثوري هوغو تشافيز والمناضل الأرجنتيني تشي غيفارا، سيبقى شوكة في حلق واشنطن مدى الحياة، شوكة لن تنجح الولايات المتحدة باقتلاعها مهما حاكت من مؤامرات للإطاحة بقادة دول أمريكا الجنوبية، فالإرث الثوري الجنوبي العظيم كاف للحفاظ على الثورة بوجه إمبريالية الولايات المتحدة.[4]

تمر الأحداث في أمريكا اللاتينية بسرعة فتسقط حكومات ورؤساء، وتُدبر انقلابات لإسقاط الأنظمة المنتخبة، في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة الأمريكية إلى تغذية هذه الاضطرابات واقتناص الفرص، لفرض هيمنتها وسياساتها على الدول التي تتبع سياسات معادية لأمريكا وحليفتها الصهيونية.

وبعد نشر فوضاها «الخلاقة» في الوطن العربي يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تبحث عن منطقة جديدة لتضرم فيها نيران الحرب والفوضى، وخاصة بعد أن فشلت مهمتها في الشرق الأوسط، وبداية الانسحاب من مشاكل الشرق الأوسط. ووقع الخيار الأمريكي الثاني بعد الوطن العربي على أمريكا اللاتينية، التي ترفض دائماً هيمنة الولايات المتحدة، وتسعى إلى الاستقلال بقرارها عن واشنطن، في ظل حكومات يسارية تسير في هذا الاتجاه، فاختارت الولايات المتحدة أن تكثف جهودها لـ «إسقاط» هذه الحكومات، لتحل محلها حكومات يمينية أكثر موالاة لها.[5]

ثانيا : من حسن الجوار إلى أسلوب الانقلابات

 بعد الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918) عملت الولايات المتحدة على تحسين علاقتها مع دول أميركا اللاتينية. وأعلن الرئيس فرانكلين روزفلت (1933 ـ 1945) في مستهل فترة رئاسته سياسة حسن الجوار مع دول أميركا اللاتينية. وقال: «يجب على جميع الأميركيين أن يساهموا في دعم مبدأ مونرو، وبالتالي أصبح الدفاع عن نصف الكرة الغربي واجبا جماعيا».

وفي عام 1948 في بوغوتا بكولومبيا أعلن عن تأسيس منظمة الدول الأميركية وعقدت عدة مؤتمرات لبحث الشؤون الداخلية في القارة الأميركية. ولم توقف الولايات المتحدة التدخل الاستخباري في دول اميركا اللاتينية من تنظيم الانقلابات الى حماية حلفائها الى دعم ثورة الكونترا في نيكاراغوا، ومنذ أزمة كوبا عام 1962 تدخلت عسكريا مرتين الأولى في جزيرة غرانادا عام 1983 على إثر معلومات عن حدوث انقلاب يساري على السلطة واحتلت الجزيرة من دون ان تواجه أي مقاومة، وجرت هذه العملية في خضم الحرب الباردة وحرصت الولايات المتحدة على عدم تكرار نموذج كوبا مهما كان صغيراً، أما الثانية فكانت خارج إطار الحرب الباردة وهي غزو باناما واحتلالها واعتقال رئيسها الجنرال نورييغا واقتياده الى السجن بتهمة تورطه في عمليات تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة.[6]

في تشيلي، في عام 1970، ونتيجة لتطورات سياسية واقتصادية متلاحقة، ومع تصاعد قوى اليسار في أميركا اللاتينية، وقع الاختيار على السناتور السلفادور الليندي، المرشح عن الجبهة الشعبية التي تمثل قوى اليسار، حيث صدق البرلمان على فوزه في الاقتراع الرئاسي، وفقا لتعديل دستوري أجري عام 1952 يقضي بتخويل البرلمان حق التصديق على نتيجة الاقتراع الشعبي.

وتقدم الرئيس الليندي ببرنامج إصلاحي أقرب إلى اليسار، تضمن تشكيل حكومة تضم الحركات والأحزاب اليسارية كافة، وصيانة حق المعارضة في إطار القانون، وتحرير وسائل الإعلام من الطابع التجاري والاحتكاري، وتغيير النظام الاقتصادي القائم بآخر ذي طابع اشتراكي.

وقد أثار فوز الليندي موجة عارمة من الردود في أوساط قوى اليمين داخل تشيلي، بلغت ذروتها باغتيال رينيه شنادر القائد العام للجيش الذي كان يعد من أشد المؤمنين بإبقاء الجيش بعيدا عن السياسة، ووقع الاغتيال قبيل تصديق البرلمان على انتخاب الليندي، مما اضطر الحكومة لإعلان حالة الطوارئ في البلاد.

وقد مثلت سياسات الليندي مواجهة كبرى مع الولايات المتحدة الأميركية، واعتبرت واشنطن أن قرارات الرئيس التشيلي ذات الطابع الاشتراكي ضربت مصالحها في أميركا اللاتينية، لكنها لم تستطع الطعن أو التشكيك في شرعية الرئيس الذي وصل إلى السلطة بانتخابات لا يوجد أدنى شك في نزاهتها.[7]

 عملت الولايات المتحدة الامريكية على اسقاط حكومة سلفادور الليندي من خلال جملة من الاجراءات التي اتبعتها ضمن سياستها تجاه شيلي، فقد كان الدعم المالي الذي اسهمت به الادارة الامريكية في مقدمة الاجراءات التي اتبعتها لأسقاط حكومة الليندي وجاء ذلك الدعم لمساعدة الاحزاب والجماعات الديمقراطية على مقاومة الجهود المنظمة لليندي الهادفة الى قمعها، وهدف الولايات المتحدة هو الابقاء على حياة الجماعات المعارضة حتى تتنافس في الانتخابات المختلفة، لذا صادقت لجنة خاصة في الادارة الامريكية على تقديم الدعم المالي للأحزاب السياسية واجهزة الاعلام المهددة بالإبادة، فتم في عام 1971 التخويل في صرف مبلغ قدره 3,88 مليون دولار وكذلك مبلغ 2,54 مليون دولار في عام 1972. [8]

كما وافقت الادارة الامريكية في 21 اب/ أغسطس 1973 على موازنة اضافية بمقدار مليون دولار لزيادة دعم الاحزاب السياسية المعارضة في شيلي وبذلك يرتفع المبلغ الكلي للتمويل السري خلال مدة حكم الليندي ما يقارب 6,5 مليون دولار.[9]

كما قامت الولايات المتحدة بتنفيذ خطة حصار اقتصادي محكمة لضرب الاقتصاد الشيلي ومساعدة اليمين، وكان من نتيجة تلك السياسة الامريكية ان انخفضت اسعار النحاس الى جانب حصار القروض وتهريب رأس المال الشيلي الى خارج البلاد الامر الذي ادى الى استنفاذ احتياطات شيلي من العملة الصعبة من دون ان تتلك مصدراً اخر يعوضها ذلك النقص الخطير كالقروض، اذ ان حكومة الوحدة الشعبية التي يتزعمها ليندي لم تكن تتوقع ان توقف كل بنوك الولايات المتحدة عن اقراضها ولا يمنحها البنك الدولي ولا بنك التنمية الامريكية قروضا جديدة, وبسبب حصار القروض الامريكية ان انخفضت الواردات من البضائع الاستهلاكية غير الزراعية بنسبة 58% في عامي 1971،1972، لقد ذهبت العملة الصعبة المتوفرة لاستيراد قطع الماكينات اللازمة والمواد الغذائية التي تشكل اكثر اهمية في سياسة حكومة الوحدة الشعبية.

ومن الاجراءات التحريضية ضد حكومة الليندي، والتي عملت عليها الولايات المتحدة الامريكية الى جانب المصاعب الاقتصادية والحصار الاقتصادي هو زرع بذور التفرقة والانقسام بين القوى المكونة لكتلة الوحدة الشعبية واستقالة اجزاء من الوزارة. بعدما قدم الاشتراكي اليساري (مليجوفن) استقالته من منصبة كنائب وزير دولة لشؤون النقل بعد ان كان اصحاب سيارات النقل يطالبون بعزله كشرط مسبق لقبولهم الدخول في مفاوضات مع الحكومة الشيلية وهو ما اعتبر ضمن سياسة التراجع من قبل حكومة الليندي امام اليمين وفتح ثغرة في صفوف اليسار.

 وللإشارة غلا يمكن إغفال التأثير السياسي غير المباشر للشركات عابرة القومية أو المتعددة الجنسية في التدخل في الشؤون الداخلية لدول الاستقبال[10] وهو ما تجلى بوضوح في الدور التخريبي الذي لعبته شركة البرق والهاتف الدولية (I T.T) في اسقاط حكومة الوحدة الشعبية عندما وضعت خطة في اذار عام 1972 بالتنسيق مع وكالة المخابرات الامريكية[11]، وكانت الخطة تهدف الى اغراق شيلي في حالة من الفوضى الاقتصادية من اجل دفع العسكريين للقيام بانقلاب عسكري، وقد اعترف المدير السابق لــ ( C I A) (جاك كون) بأن الاخيرة تداولت بالفعل مثل هذه الخطة مع شركة (I T.T) وتعهد الاخيرة بدفع مبلغ مليون دولار للوكالة الاستخبارية من اجل تمويل الخطة التخريبية.[12]

ومن الاسباب الاخرى التي اسهمت في سقوط سلفادور الليندي تمرد العسكريين الشيليين بتنظيم التمرد مع تقديم المساعدة المباشرة لهم بتنظيمه واعطي الدور الرئيسي في الانقلاب المرسوم للقيادة العسكرية الشيلية وبشكل علني، اذ ان اغلب الضباط والجنرالات الشيلية تلقوا تعليمهم او اجتازوا اعداداً خاصاً في المراكز التعليمية الامريكية او الكليات العسكرية الامريكية ومنهم على سبيل المثال الجنرال بينوتشي. قائد الانقلاب العسكري الذي اطاح بالليندي. فقد كان احد اسباب اشتراك العسكريين في الحكومة الشيلية هي مطالبتهم الرئيسية لا سيما الضباط من الرتب العليا هو تبوؤهم لمراكز المسؤولية الادارية والاقتصادية وخاصة في قطاع التموين والتوزيع وهي من القطاعات التي تتصل مباشرة بالحياة اليومية للشعب الامر الذي اسهم في خلق ازمة مستمرة ومستحكمة في مواد التموين الأساسية.[13]

لذلك الولايات المتحدة قررت إزالة الليندي عن السلطة، وكان رجلها المختار لهذه المهمة هو قائد الجيش الجنرال أوغستو بينوشيه، الذي تمكن من الاستيلاء على السلطة في 11 سبتمبر 1973، بعد أن حاصر القصر الرئاسي بدباباته مطالبا الرئيس الليندي بالاستسلام أو الهروب، لكن الرئيس المنتخب رفض الاستسلام، وارتدى الوشاح الرئاسي الذي ميز رؤساء تشيلي طوال قرنين من الزمان، وصمد في قصره إلى أن سقط قتيلا رافضا التخلي عن حقه الشرعي، مع تضارب الروايات حول الطريقة التي قتل بها.

لأنه “شيوعي صريح”، كما وصفته المخابرات الأمريكية، عملت الولايات المتحدة، عام 1963 على الإطاحة بخواو غولارت، الرئيس البرازيلي آنذاك، والعضو في “حزب العمال” البرازيلي.

حدث ذلك عبر سلسلة من الأحداث، تولى أمر إدارتها قائد أركان الجيش البرازيلي، أومبرتو كاستيلو برانكو. وحصل الجيش البرازيلي على دعم الولايات المتحدة الأمريكية؛ للإطاحة بغولارت؛ إذ كانت واشنطن تخشى من أن تتحول البرازيل إلى “صين الستينيات”، كما قال السفير الأمريكي لينكولن جوردون.

واعترفت وكالة الاستخبارات الأمريكية، بأنها مولت التظاهرات في شوارع البرازيل ضد الحكومة، وأنها قدمت الوقود والأسلحة للجيش البرازيلي؛ كي يتمكن من حسم المعركة، ثم تولي برانكو زمام حكم البرازيل حتى عام 1985. حين ذاك، قال الرئيس الأمريكي ليندون جونسون، لمستشاريه الذين كانوا يخططون للانقلاب “أعتقد أننا يجب أن نتخذ كل خطوة ممكنة، وأن نكون مستعدين للقيام بكل ما يتعين علينا القيام به”، وذلك وفق سجلات الحكومة الأمريكية، من أرشيف الأمن القومي، التي رفعت عنها السرية. [14]

قبل أكثر من أربعين عامًا، دعمت الولايات المتحدة انقلابًا عسكريًا، أدى إلى إبادة جماعية في الأرجنتين: كان ذلك في 24 مارس عام 1976، عندما استولى العسكر بقيادة الجنرال «جورج رافائيل فيديلا Jorge Rafael Videla »، على السلطة، بعد إطاحته بالرئيس الأرجنتيني “إيزابيل بيرون”.[15]

استمر هذا الانقلاب حتى 1983، مُتسببًا في مقتل نحو 30 ألف شخص، وزُجّ خلاله بالآلاف من الأرجنتينيين في السجون، دون محاكمات، وتعرضوا للتعذيب، وقد عُرفت هذه الفترة باسم “الحرب القذرة”.[16]

ورغم وفاة فيديلا، عام 2013، أثناء قضائه عقوبته في السجن؛ بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، إلا أن الأرجنتين كانت، ومازالت، تسلط جل غضبها على الولايات المتحدة الأمريكية، التي دعمت انقلابه.[17]

ثالثا: القوة الناعمة كبديل للانقلابات العسكرية

يتحكم فى التغيرات الجيو – سياسية لأمريكا الجنوبية مؤثر حيوى ومستمر، لا يمكن أن يتغير بمرور الزمان، لأنه محسوم بعامل الحتمية الجغرافية، فقد سبق للمفكر الألمانى RATZEL أن قال “إن تاريخ دولة ما هو فى الوقت نفسه إلا جزء من تاريخ الدولة المجاورة”. ولذلك، فإن الجوار مع الولايات المتحدة الأمريكية كان، ولا يزال، يؤثر في مختلف المحطات التاريخية التي تمر منها القارة الأمريكية.[18]

يبدو أن الولايات المتحدة تخلت عن أسلوب الانقلابات العسكرية التي كانت تدبرها الـ«سي آي إيه»، كما حصل في تشيلي والبرازيل، والأرجنتين، وفنزويلا، وغواتيمالا، والإكوادور، وغيرها من دول أمريكا اللاتينية، وأصبحت تلجأ إلى الأساليب الناعمة التي لا تشوّه سمعتها، وهي أساليب خفية تستعمل فيها الاقتصاد والمساعدات، والشركات الكبرى، والعولمة، ووسائل التواصل، ومراكز الأبحاث، والأحزاب اليمينية الداخلية، ورجال الأعمال في إطار متكامل بهدف تشويه سمعة الأنظمة المقصودة، ومن ثم التحريض عليها وتشكيل غطاء شعبي مموّل تقوده الأحزاب اليمينية، يتم تحريكه كأداة ضغط مباشرة للإيحاء بعدم شرعية الأنظمة المستهدفة، وهو الأسلوب الذي يستخدم الآن في البرازيل، وفنزويلا، وبوليفيا، وتشيلي، واستخدم من قبل في الأرجنتين ضد الرئيسة السابقة كريستينا فرنانديز التي يجمع المراقبون على أن النهضة الاقتصادية التي عرفتها الأرجنتين منذ وصولها سدة الرئاسة كانت حاسمة في إعادة انتخابها.

حيث سارعت كريستينا إلى تطبيق جملة من الخطط والبرامج الهادفة لإخراج بلادها من الأزمة الاقتصادية الخانقة، وكانت أولى ملامح هذه الخطة تقوم على سياسة تقشفية صارمة مكنت الأرجنتين من تسديد الجزء الأكبر من ديونها المترتبة بذمتها تجاه البنك الدولي، ثم اتجهت نحو التشجيع على إحداث مواطن شغل وخلق الثروة عبر “مغازلة” الشركات الكبرى بتخفيف الضرائب والضغط الجبائي، وهو ما مكن من تقليص نسب البطالة بشكل ملحوظ. وكانت ترجمة كل ذلك على صعيد الأرقام واضحة وجلية، إذ ارتفع الناتج القومي في الأرجنتين من 307 مليار دولار عام 2009، إلى 7368 مليار دولار عام 2010، وارتفع الدخل الفردي من 7650 دولارا إلى 9200 دولار خلال الفترة نفسها[19]

ورغم أن كريستينا كيرشنر لم تبتعد كثيرا عن ظل زوجها سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي إلا أنها توصلت إلى تحقيق أرقام ومعدلات أفضل بكثير من تلك التي تحققت أثناء رئاسة زوجها، وهذا لا يحجب النجاحات التي تحققت في عهد نيستور كيرشنر التي مثلت الأرضية التي بنت عليها كريستينا نجاحها.

لم تترك الولايات المتحدة الأرجنتين في حالها، وهي (الأرجنتين) الدولة التي تعد نقطة ارتكاز مهمة لفتح آفاق التعاون السياسي والأمني مع «أمريكا اللاتينية»، إلا بعد فوز «موريسيو ماكري»، مرشح يمين الوسط، في الانتخابات الرئاسية الأرجنتينية العام 2015؛ إذ إن فوزه يعني بالنسبة لأمريكا، إنهاء 12 عامًا من تاريخ حكم الأحزاب اليسارية.

ويعتبر البعض أن فوز «موريسيو ماكري» بمثابة انقلابٍ ناعمٍ هو الآخر؛ إذ تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية، من إزاحة الرئيسة الأرجنتينية «كريستينا كوشنر»، في انتخابات قادها الإعلام الأمريكي، في ديسمبر 2015 فكوشنر أعلنت انحيازها للشعوب المقهورة على منبر الأمم المتحدة، واتهمت الولايات المتحدة بدعم الإرهاب، بينما جعل ماكري تطوير العلاقات الأرجنتينية الأمريكية ضمن أهدافه الرئيسة.

بالنظر للديناميات الاقتصادية الكامنة خلف تلك التحولات في الرأي العام بالبرازيل والأرجنتين وفنزويلا، لا يمكننا إغفال أخطاء الحكومات الاشتراكية الاقتصادية، والتي أنفقت بشكل متنامي وسريع على برامج الرفاهة لترسيخ شعبيتها بين الطبقات العاملة والوسطى البسيطة دون خطط بديلة لمواجهة أية أزمات اقتصادية مستقبلية، متصورة أن الطلب العالمي على النفط سيظل على حاله، وأن معدلات إنتاج النفط لن تتغير بدخول النفط والغاز الصخريين الأمريكيين على الخط، وكذلك معتقدة أن الاقتصاد الصيني سيظل ينمو بشكل سريع للأبد.

تأتي الرياح أحيانًا بما تشتهي السفن، هذا ملخص ما يجري في أمريكا اللاتينية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وصناع القرار في واشنطن، والذين شهدوا في الآونة الأخيرة تباطؤ نمو العملاق الصيني، مع هبوط أسعار النفط نتيجة الإنتاج المتزايد بفعل الغاز والنفط الأمريكيين، وهي أحداث أدت لضرب الاقتصادات المعتمدة كليًا على النفط أولًا، والمعتمدة بشكل كبير على التجارة مع الصين ثانيًا، أبرزها بالطبع اقتصادات أمريكا اللاتينية مثل البرازيل وفنزويلا والأرجنتين، والتي تشهد اضطرابات اقتصادية واجتماعية بسبب تلك التحولات الأخيرة تصب في الحقيقة في صالح الولايات المتحدة، وتقوّض موجة اليسار التي غلبت في القارة قبل 15 عامًا[20].

رابعا: هل يتكرر سيناريو خليج الخنازير بفنزويلا؟

لإيضاح صورة الأزمة السياسية في فنزويلا في إطار التفاعلات الدولية يمكن القول أن ما يحدث في فنزويلا هو أزمة جيوسياسية، ففي السياق العالمي هناك رغبة من الولايات المتحدة نفسها وأوروبا لإنهاء الحكومات التقدمية التي رفعت المستوى الاجتماعي وحاربت الفقر، وأعادت الطبقة الوسطى، وحققت العدالة الاجتماعية، وحافظت على الديمقراطية وتنتهج سياسة الاستقلال، وهناك الآن موجة اليمين الذى انتصر بالفعل في الانتخابات الرئاسية في الأرجنتين ومعظم دول أمريكا اللاتينية، والآن يحاول أن يسيطر على فنزويلا.

محاولات واشنطن لتغيير نظام هوغو شافيز في كراكاس، كانت واضحة من البداية ولا شك فيها. والتدهور الحالي لاقتصاد فنزويلا؛ بسبب تراجع أسعار النفط، وضعف القيادة “الكاريزمية” للرئيس الحالي، شكلا فرصة جديدة أمام واشنطن؛ لإعلان مباركتها للمعارضة، كبديل سياسي في فنزويلا.[21]

وفي تطور خطير وتصعيد مفاجئ على صعيد الأزمة السياسية في فنزويلا، هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتدخل العسكري ضد فينزويلا متعللا بوجود آلاف من الجنود الأميركيين في أماكن بعيدة كثيرا عن الولايات المتحدة، بينما فنزويلا بلد جار ويشهد أزمة إنسانية كبيرة تستلزم تدخلا أميركيا، وهو ما يختلف عن السياسات التي اعتمدتها الإدارات الأميركية السابقة في العقدين الماضيين، ضاف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فنزويلا إلى لائحة الدول المحتمل أن تتعرض لتدخل عسكري أميركي مباشر، وقال تعليقا على تطورات الأزمة بين المعارضة الفنزويلية ونظام الرئيس نيكولاس مادورو، وبعد اجتماع عقده في منتجعه في نيوجرسي، مع مستشاره السابق للأمن القومي الجنرال إتش آر ماكمستر، ووزير الخارجية السابق ريك تيلرسون، والمندوبة السابقة للولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي، نيكي هايلي، إن إدارته تبحث جميع الخيارات المطروحة لحل الأزمة الفنزويلية، بما فيها خيار التدخل العسكري المباشر للإطاحة بالنظام الديكتاتوري في كراكاس.[22]

جعلت الولايات المتحدة من أولوياتها ضمان تولي حكومات موالية لها في القارة عمومًا، وفنزويلا على وجه الخصوص. ومثّلت الأزمة التي تمر بها فنزويلا فرصة جيدة سعت لاقتناصها. ولا يتمثل الدور الأمريكي فقط في تأييد “جوايدو” في الأزمة الحالية، فقد سبقتها محاولات كثيرة لإسقاط نظام “مادورو”، والتي يعتقد الأخير أنها تمت بدعم أمريكي، وقد تمثل أهمها في محاولة الانقلاب الفاشلة في 21 يناير 2019، والتي على إثرها هرب إلى الولايات المتحدة بعض الضباط المتورطين، أي قبل الأزمة الأخيرة بأيام معدودة.

دعوة زعيم المعارضة الفنزويلية خوان غوايدو الأخيرة للانتفاضة السياسية جعلت الخبراء والمختصين في مجال السياسة الدولية يتساءلون عن أسباب عدم اعتقال السلطات الفنزويلية لرئيس الجمعية الوطنية بعد.

فحقيقة ترك خوان غوايدو حرا يعود إلى سببين وهما الضغط الداخلي والخارجي واعتماد مادورو على دعم الجيش. “من الواضح أن اعتقال غوايدو من شأنه أن يتسبب في تصعيد الوضع بشكل خطير، على خلفية تأزم موقف الأطراف والدعم الدولي كما أن هامش المفاوضات سيتقلص بشكل كبير، وهذا قد يؤدي إلى تدهور الوضع الذي ستصعب السيطرة عليه”.[23]

ومنذ اللحظة الأولى التي نصّب فيها “جوايدو” نفسه رئيسًا، اعترفت به الولايات المتحدة، بل إنها دعمته بطرق مختلفة آخرها إعلان وزارة الخارجية الأمريكية في 30 يناير 2019حق “جوايدو” في السيطرة على أي أصول تابعة لحكومة فنزويلا أو بنكها المركزي، في حوزة بنك نيويورك الاحتياطي الاتحادي، أو أي بنوك أخرى تضمنها الولايات المتحدة.

وسعت الولايات المتحدة إلى تصعيد ضغطها الاقتصادي على فنزويلا، حيث فرضت عقوبات جديدة على الشركة الوطنية للنفط في فنزويلا، والتي تمتلك شركة النفط “سيتجو” (Citgo) التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًّا لها. وتتضمن العقوبات تجميد أصول مملوكة لشركة النفط الفنزويلية في الولايات المتحدة، والتي تقدر قيمتها بنحو 7 مليارات دولار، الأمر الذي سيؤدي إلى تكبد الشركة خسائر تزيد عن 11 مليار دولار خلال عام 2019.. [24]

في حديثه لقناة الأعمال بشبكة فوكس يوم الاثنين 28 يناير 2019، قال بولتون إن الإدارة تخوض محادثات مع شركات النفط الأميركية الكبرى الآن العاملة في فنزويلا، أو الفنزويلية المالكة لحصص في السوق الأميركية كشركة “CITGO”، وهي شركة ضخ وقود أميركية تمتلك الحكومة الفنزويلية معظمها، وأنه سيكون من المفيد إن استطاعت الشركات الأميركية الاستثمار في فنزويلا واكتشاف واستخراج النفط هناك، وأضاف أن إدارة ترامب تعمل على الوصول بالحالة الفنزويلية الآنية لأفضل ناتج ممكن للولايات المتحدة واقتصادها.[25]

يُمثّل التصريح إشارة بالغة الوضوح على تورط واشنطن الفعلي في دعم الانقلاب الناعم، على أفضل الظروف، أو تدبيره كاملا على أسوأها، ويُرجح الاحتمال الثاني خاصة بعدما نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” مقالا يوم الجمعة 25 يناير 2019 توضح فيه أن تحرك “غوايدو” لتولي السلطة تم بترتيب على مدار الشهر الحالي مع أساطين إدارة ترامب: نائب الرئيس مايك بنس، ووزير الخارجية بومبيو، وبالطبع جون بولتون، أكثر من يفضل تغيير الأنظمة المناهضة للمصالح الأميركية، ومن يطلق على فنزويلا وكوبا ونيكاراجوا منذ زمن طويل مصطلحه الشهير “مثلث الطغيان اللاتيني” (Troika of tyranny).[26]

ومن ناحية أخرى، تلوح الولايات المتحدة بالتصعيد العسكري، حيث تؤكد أن كل الخيارات متاحة أمامها. ويمكن القول إن هذا التهديد يهدف إلى الضغط على قيادة القوات المسلحة الفنزويلية للتخلي عن “مادورو” والانحياز للتيار الآخر. 

طبول الحرب التي تدق في المنطقة أعادت إلى الأذهان حرب خليج الخنازير، وهي عملية عسكرية نفذتها واشنطن عام 1961 لقلب نظام كوبا الذي كان يقوده فيدل كاسترو، مستخدمة مقاتلين كوبيين، فتطورت لأزمة دولية بين أميركا والاتحاد السوفياتي استمرت أسبوعين ثم حُلت سلميا، لكنها أصبحت إحدى الأزمات الكبرى خلال الحرب الباردة بعد أن وضعت العالم على شفا حرب نووية طاحنة، ورسمت مسار العلاقات الأميركية الكوبية طوال خمسة عقود.[27]

تكرر المعارضة دعوتها لتدخل عسكري أجنبي على غرار ذلك الذي حدث في بنما عام 1989، عندما أطاحت القوات الأمريكية بالديكتاتور مانويل نورييغا.

لكن فنزويلا بلد أكثر تعقيدا، فلديها جيش كبير، وميليشيا مدنية منتشرة في أنحاء البلاد، كما أنها مدعومة من قوى كبرى مثل روسيا والصين. فالقوات المسلحة في فنزويلا تعتبر نفسها بوليفارية معادية للإمبريالية، والكثير من أعضائها لا يثقون في معارضة متحالفة مع واشنطن.

وبالتالي، فإن سيناريو الانقلاب العسكري لن يحل بالضررورة المشكلة السياسية، بل قد يؤدي إلى مزيد من هشاشة الوضع. [28]

وللإشارة فقد كان يوم الثلاثاء 30 أبريل/ نيسان 2019 مصيرياً بالنسبة للمعارضة الفنزويلية. ساعات قليلة بالنسبة لها، كانت كفيلة بإزاحة نيكولاس مادورو عن الحكم، بمساعدة الجيش، الذي تمكنت، بحسب رأيها، من استمالته إليها. لكن الرياح لم تجر في اللحظة الأخيرة بحسب ما تشتهيه، لتبقى تفاصيل ذلك اليوم الذي ظهر فيه زعيمها خوان غوايدو من قاعدة عسكرية بكاراكاس ليعلن تمرد الجيش، ثم ليعلن مادورو إحباط انقلاب صغير، غير واضحة.[29]

حكومة مادورو هي امتداد لإرث هوغو تشافيز وهو إرث وظيفي عسكري، وقد منح مادورو فور وصوله إلى السلطة حقائب وزارية لعدد من الشخصيات العسكرية، كما وزع مناصب حكام الولايات على أفراد من الجيش ووضع عساكر على رأس قطاعات اقتصادية حساسة. وفي هذا الشأن أشار مالامود إلى المزايا التي يحصل عليها أفراد الجيش وخاصة الربح غير المشروع، مضيفا أن أصحاب المصلحة الرئيسيون في الحكومة قلقون أيضا، ولكنهم يدركون أنهم سيخسرون كثيرا إذا انهار نظام مادورو.

“للولايات المتحدة الأمريكية تاريخ طويل في تغيير الأنظمة ودعم الانقلابات في أمريكا اللاتينية، مثلما حدث في تشيلي، والبرازيل، وجواتيمالا، وجمهورية الدومينيكان في سبيعنيات وثمانينيات القرن الماضي. يجب ألا نسير هذا الطريق مرة أخرى، يجب أن نتعلَّم من الماضي”

هكذا أكد السيناتور الأمريكي اليساري، المرشح الرئاسي للانتخابات الأمريكية القادمة في 2020، بيرني ساندرز، مُعلِّقًا على دعم الولايات المتحدة الأمريكية لرئيس البرلمان الفنزويلي الذي أعلن نفسه رئيسًا للبلاد؛ إذ لفت ساندرز إلى خطورة ما أسماه «العواقب غير المرئية للتدخل الأمريكي»، مشددًا على ضرورة النأي عن قضايا الانتخابات والشؤون الداخلية في فنزويلا، مؤكدًا أن الشعب الفنزويلي مسؤول عنها، مستنكرًا دعم ترامب للانقلاب على مادورو، قائلًا: «ماذا عن آخر انتخابات في السعودية؟ لماذا لا يقلق الرئيس ترامب بشأنها؟».[30]

يظل التساؤل حول الحد الذي قد تذهب إليه إدارة ترامب لإزالة نظام مادورو، ففيم قد ينتهي الأمر إلى المزيد من
العقوبات الدولية، كما حدث مسبقًا مع النظام الإيراني، وبينما أعطى قادة الاتحاد الأوروبي مادورو
إنذارًالإجراء انتخابات في أقرب وقت أو الاعتراف بغوايدو رئيسًا، فإن التحركات العسكرية تجاه فنزويلا لا تبدو هي الأخرى مستبعدة، خاصة مع الإعلان السابق لـ ترامب حول إمكانية الوصول لحل عسكري إذا لم تُفلح سواه في حل الأزمة الفنزويلية، وهو اتجاه لن يمانعه بالتأكيد صقور واشنطن الحاليين الذين يفضلون القبضة العسكرية الأمريكية لحل المشكلات السياسية المربكة وتغيير الأنظمة، كمستشار الأمن القومي “جون بولتون”، ووزير الخارجية “مايك بومبيو”.[31]

إن المحاولات الخارجية لتغيير النظام في فنزويلا عبر الإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو لن تُفلح، وإن الحل فقط سيكون من الداخل، والتاريخ شاهد على ذلك.

فجميع الأزمات تأتي من الخارج، حينما تأتي جميع الحلول من الداخل – وفنزويلا هي أحدث مثال على ذلك. فما إنأعلن السياسي الطموح الشاب، خوان غوايدو، نفسه رئيساً مؤقتاً لفنزويلا ، ليحل محل الثوري المُسن نيكولاس مادورو، حتى تدافعت دول العالم للتدخل في الأمر.[32]

على الرغم من الكره الشعبي لمادورو، فإن 65% من الفنزوليين يعارضون أي عملية عسكرية أجنبية للتخلص من مادورو. وبدلًا من التخطيط لانقلاب آخر، أعتقد أن الجهود الأمريكية يجب أن تدعم عمل مجموعة ليما، وهو تحالف يضم 12 دولة من دول أمريكا اللاتينية، منها المكسيك وغواتيمالا والبرازيل، بالإضافة إلى كندا.

تبدو مجموعة ليما وثيقة الصلة بقوة عسكرية من فنزويلا، حيث شملت حملة الضغط التي قامت بها لإجبار مادورو على الخروج سلميًا عزل نظامه دبلوماسيًا، ومطالبة الجنود الفنزويليين بالولاء لجوايدو. هدفهم الأساسي هو التفاوض إلى تسوية تؤدي إلى مغادرة مادورو لمنصبه طواعيةً.

الدبلوماسية الإقليمية أبطأ بكثير من التدخل الأجنبي، لكنها تُجنب المزيد من إراقة الدماء وتقلل من الشعور المتزايد بالمعاداة لأمريكا في أزمة فنزويلا. وربما تفتح فصلًا جديدًا في تاريخ العلاقات الأمريكية – الأمريكية اللاتينية، فصلًا تكون الهيمنة فيه لأمريكا، لا لأعدائها. [33]

الأوروبيين اتخذوا موقفا حازما ضد احتمال التدخل العسكري الأميركي في فنزويلا، كما عارضوا في نفس الوقت منع نظام الرئيس نيكولاس مادورو وصول المعونات الإنسانية للبلاد. ويرى الاتحاد الأوروبي أن “الأزمة لها أسباب سياسية ومؤسسية، ويجب أن يكون حلها سياسيًا وسلميًا وديمقراطيًا. وأي تدخلات عسكرية، من داخل أو خارج البلاد لن تكون مقبولة”. وقد أنشأ الاتحاد الأوربي مجموعة اتصال دولية مع بلدان أميركا اللاتينية وأوروبا، للمساعدة في تهيئة الظروف لانتخابات رئاسية حرة ونزيهة، وفقًا للمعايير الدولية والدستور الفنزويلي”.[34]

خاتمة:

لا تتورع الولايات المتحدة عن أي وسيلة لاقامة نظام في قارة امريكا اللاتينية يضمن الى درجة قصوى مصالح الاحتكارات ويتيح امكانيات غير محدودة لزيادة توسع الولايات المتحدة الاقتصادي واي دولة تخالف هذا النهج وهذه السياسة مثل فنزويلا الآن، تمارس ضدها كل أساليب التآمر والتدخل والحصار الاقتصادي[35].

ولقد بينت الخبرة التاريخية ان الشكل الامثل لبناء الدولة في امريكا اللاتينية هو من وجهة نظر واشنطن انظمة الدمى الدكتاتورية التي تسير بطاعة عمياء في ركاب الاستراتيجية الامريكية في العالم والتي تعتمد على اجهزة قمعية قوية مبنية ومكونة وممولة من قبل الولايات المتحدة.([36]).


الهامش

[1] – اسماعيل سراج الدين: تطور نظرية الإمبراطورية الأمريكية» من الانعزالية إلي قيادة العالم (1-2)، المصري اليوم، 17 /08/2006 على الرابط

[2] -ما علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بمحاولة انقلاب فنزويلا 2019؟ قناة عربي +AJ على اليوتيب، 31 يناير 2019 على الرابط

[3] – في عام 1823 أصدر الرئيس الأمريكي الخامس جيمس مونرو بيانًا رسميًّا بـ”مبدأ مونرو”، يهدف إلى تحجيم الإمبراطوريات الأوروبيات في مستعمراتها بأمريكا اللاتينية، والذي طوره رؤساء أمريكا اللاحقين، لحماية المصالح الأمريكية ضد التدخلات الأوروبية، ولا سيما ضد النفوذ البريطاني بها، بجانب تعزيز المصالح التجارية معها، لتصبح هي الدولة صاحبة الامتياز الأول في تلك الدول. وفي فترة الحرب الباردة، شددت الولايات المتحدة على تبني دول أمريكا اللاتينية للنظام الرأسمالي، ومعاداة الدول التي تبنت المنهج الاشتراكي.

أساءت الولايات المتحدة استعمال مبدأ مونرو، الذي بُني على حماية القارة اللاتينية من الاستعمار الأوروبي، إلى ضرورة التبعية الأمريكية، واتخذت سياسة مفتوحة تجاه الدول المعارضة للتوجهات الأمريكية، سواء بدعم الانقلابات العسكرية، أو دعم المعارضة، أو التدخل العسكري المباشر إذا اقتضى الأمر. أنظر: محمود رشدي: أزمة فنزويلا.. تعيد إحياء مبدأ مونرو والتدخلات الأمريكية، شبكة رؤية الإخبارية، 26 يناير 2019 على الرابط

[4] – ضياء الصفدي: الإرث الثوري لأمريكا الجنوبية يفشل مكائد الولايات المتحدة، موقع صحيفة تشرين السورية بتاريخ 18/10/2017 على الرابط

[5] -ضياء الصفدي: المرجع السابق.

[6] – الياس فرحات، هل تعود أمريكا إلى مبدأ مونرو، الأنباء الكويتية، 05/12/2010 .على الرابط

[7] -هيثم أبو زيد: عرض كتاب: التجربة التشيلية: من بينوشيه إلى الديمقراطية، موقع الجزيرة نت 16/01/2016 على الرابط

[8] -م.م منذر عبيد رضيوي/ م.م عبد الله مسلم شطب: حكومة الرئيس سلفادور الليندي في شيلي واسباب سقوطها عام 1973، مجـلة جــــامعة ذي قــــــــــار المجلد.11 العـدد.1 اذار 2016، ص: 138 ومابعدها.

[9] – م.م منذر عبيد رضيوي/ م.م عبد الله مسلم شطب …..المرجع السابق، ص: 137.

[10] -محمد السيد سعيد: الشركات عابرة القومية ومستقبل الظاهرة القومية، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة و الفنون والاداب ، الكويتـ، العدد 107، نوفمبر 1986، ص: 72.

[11] Voir : Guillaume Devin, Sociologie des relations internationales, Paris, La Découverte, 2002, p.23.

[12] – م منذر عبيد رضيوي/ م.م عبد الله مسلم شطب: حكومة الرئيس…..المرجع السابق، : 139؟

[13] – المرجع نفسه.

[14] – يد واشنطن الخفية تواصل تاريخا حافلا من الإنقلابات في أمريكا اللاتينية، موقع katehon بتاريخ 19 مايو 2016 على الرابط

[15]-ظلت إيزابيلا في الحكم حتى عام 1976، عندما أطيح بها في انقلاب عسكري نفذته القوات المسلحة بقياده خورخي فيديلا تعتبر إيزابيلا مارتينيز دي بيرونأول رئيسة للأرجنتين، وفي أميركا اللاتينية، وتولت الحكم في العام 1974، إثر وفاة زوجها الديكتاتور خوان بيرون، وشهدت فترة حكمها العديد من الاضطرابات من قبل المتطرفين السياسيين المحافظين والليبراليين.

ولم تتولى المنصب انتخاباً وإنما باعتبارها نائبة رسمية لزوجها، حيث تولت المنصب حتى قبل وفاته بسبب الاعتلال الشديد لصحته .

[16] -How many Desaparecidos were there; Which is the right number ? available at : link

[17] – المرجع السابق.

[18] -محسن منجيد: الولايات المتحدة وسباق التسلح فى أمريكا الجنوبية، مرصد أمريكا اللاتينية، مرصد أمريكا اللاتينية، على الرابط

[19] – أنظر : كريستينا كيرشنر نجاح المحامية اليسارية في الإقلاع بالدولة، صحيفة العرب الأحد 2014/08/03 على الرابط

[20] -أمريكا اللاتينية: إلى اليمين در، فريق تحرير موقع نون بوست بتاريخ 17 مايو 2016 على الرابط 

[21] – تدخل واشنطن في الشئون الداخلية لفنزويلا، راديو هافانا كوبا، 15 أبريل 2017 على الرابط

[22] -أحمد الأمين: ترامب يهدد بالتدخل العسكري المباشر في فنزويلا، العربي الجديد، 12 أغسطس 2017 على الرابط

[23] -عادل دلال : لأزمة الفنزويلية: لماذا لم يلقِ مادورو القبض على غوايدو بعد؟ موقع يورونيوز ،04/05/2019 على الرابط

[24] -هالة الحفناوي : تنازع الشرعية، سيناريوهات فنزويلا.. حسم الجيش أم حرب أهلية؟ مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 31 يناير 2019 على الرابط

[25] -Brittany De Lea, Trump administration sanctions Venezuela’s state-owned oil company, Foxbusiness, January 28, 2019 available at link

[26] -هيثم قطب: من هو جون بولتون؟ الذي يهندس حروب ترامب القادمة، الجزيرة ميدان، 30 يناير 2019. على الرابط

[27] . -في مطلع عام 1959 نجح الثوار الكوبيون الشيوعيون بزعامة فيديل كاسترو وتشي غيفارا في الاستيلاء على السلطة في البلاد، فشهدت جزيرة كوبا واقعا جديدا أثار قلق الولايات المتحدة برئاسة دوايت أيزنهاور (حكم خلال 1953-1961)، فالجزيرة لا تبعد سوى 145 كيلومترا من ولاية فلوريدا الأميركية وهي على بعد دقائق فقط من مدن أميركية أخرى.

وعملت واشنطن على رسم خطة للإطاحة بالنظام الجديد المناهض لمصالحها، بغرض حرمان الاتحاد السوفياتي من موقع قريب من الحدود الأميركية.وقد تجسدت محاولة الإطاحة بكاسترو في إرسال قوات كوماندوز من الكوبيين اللاجئين في أميركا، بعد تدريبهم وتسليحهم في معسكرات وكالة المخابرات المركزية (سي آي أي)، وهي العملية التي عُرفت بـ”عملية زاباتا” أو “غزو خليج الخنازير”، نسبة إلى خليج يقع جنوبي كوبا ويسميه الكوبيون أيضا “بلايا خيرون”. وبدأت العملية في 15 أبريل/نيسان 1961 بتنفيذ العملية بحملة قصف جوي شنتها طائرات أميركية الصنع يقودها متمردون كوبيون واستهدفت القواعد الجوية الكوبية، ثم أتبِعت بهجوم بري يوم 17 أبريل/نيسان.

وقوبل الهجوم البري بمقاومة عنيفة من القوات المسلحة الكوبية، وفي 19 أبريل/نيسان 1961 انتهت العملية بفشل ذريع.

وعلى إثر فشل الهجوم، اتفقت هافانا مع موسكو على نشر صواريخ بالستية سوفياتية في كوبا، مما أدى إلى توتر العلاقات بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة إلى حد كبير كاد يتسبب بنشوب حرب نووية، قبل أن تنتهي الأزمة بسحب موسكو صواريخها. أنظر: واشنطن تدق طبول الحرب ضد فنزويلا.. هل يتكرر “خليج الخنازير”؟ الجزيرة نت 10 مارس 2019 على الرابط

[28] – خمسة سيناريوهات محتملة لحل الأزمة في فنزويلا ، هيئة الإذاعة البريطانية BBC ، 03 مايو 2019 على الرابط

[29] -“واشنطن بوست”: كواليس فشل خطة المعارضة الفنزويلية لإطاحة مادورو، العربي الجديد 04 مايو 2019 على الرابط

[30]– بعيدًا عن فنزويلا.. التاريخ المظلم للولايات المتحدة في أمريكا الجنوبية، موقع ساسة بوست، 11 مارس 2019 على الرابط

[31] – هند عبد الحميد، لعبة فنزويلا الأميركية.. ماذا تريد واشنطن من كاراكاس؟ الجزيرة ميدان، 27 يناير 2019 على الرابط

[32] -Simon Tisdallm, Only Venezuela can solve its problems – meddling by outsiders isn’t the solution, The Guardian, Sat 2 Feb 2019, available at : link

[33] – شفاء ياسر: تدخلات دموية: تاريخ أمريكا الأسود في أمريكا اللاتينية، موقع إضاءات، 06 مارس 2019 على الرابط

[34] – “مبادرة دولية” لإنهاء الأزمة في فنزويلا: لا للتدخل العسكري، العربي الجديد، 12 مارس 2019 على الرابط

[35] – خليل إندراوس، الولايات المتحدة – محور الشر في امريكا اللاتينية، الاتحاد الإماراتية، 15 فبراير 2019.على الرابط

[36] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

الوسوم

د. محمد بوبوش

استاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الاول بوجدة، المغرب

اعمال اخرى للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى