ترجمات

لماذا تنجح المقاومة المدنية؟ دروس وخلاصات


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


دراسة موسعة، يقوم المعهد المصري للدراسات بترجمتها حصرياً، ونشرها في حلقات، بعنوان: المنطق الاستراتيجي للكفاح السلمي، إعداد: ماريا ج. ستيفان وإريكا تشينويث

تحديد نجاح المقاومة أو فشلها

 تكشف الدراسة الذي أجريناها لثلاث حالات مختلفة من حالات المقاومة عن العديد من الأفكار في ضوء النتائج التي وصل إليها كل نوع من نوعي المقاومة، سواء كانت لاعنفية أو عنفية:

 أولا: في جميع الحالات الثلاث، فشلت الحملات العنيفة المسلحة إلى حد كبير في رفع الكُلفة السياسية لقمع الأنظمة. وعلى الرغم من تعاطف البعض مع المتمردين الذين انتهجوا العنف، فإن أيا من الحالات التي درسناها لم يتلق دعماً مادياً، ولم تفرض عقوبات دولية على الأنظمة لصالحهم. وعلى الرغم من أن التحليل الكمي الذي أجريناه لم يؤيد تماماً فرضية أن العقوبات التي تُفرض على الأنظمة والمعونات الخارجية التي تُقدم للمقاومة تدعم الحملات اللاعنفية، فإن دراسة الحالات التي قمنا بها تبين أن ممارسة الضغط على الأنظمة في الوقت المناسب أو سحب الدعم منها عن طريق الجهات الدولية الفاعلة الكبرى كان له أثر كبير في تغيير مسار حملات المقاومة في الفلبين وتيمور الشرقية.

ثانيا: من غير المرجَح أن تنجح حملات المقاومة التي لا تستطيع تحقيق تحولات في الولاء داخل المؤسسة الأمنية أو المدنية. وتشير دراستنا الموسعة إلى أن حملات المقاومة اللاعنفية تملك فرصاً أكبر في النجاح من الحملات العنيفة في مواجهة القمع الوحشي، ربما لأنهم أكثر عرضة لإحداث نتائج عكسية. ومن خلال الدراسة أيضا، وجدنا أنه على الرغم من أن انشقاقات قوات الأمن غالبا ما تكون حاسمة في نجاح الحملات اللاعنفية، إلا أنه ليس بالضرورة أن تحدث هذه الانشقاقات نتيجة المقاومة اللاعنفية. وطبقاً لدراستنا أيضاً، فإنه لم تحدث تحولات كبيرة في الولاء داخل قوات الأمن في بورما.

وتوفر لنا حالة الانحراف (الفشل) هذه (في بورما) رؤى مفيدة في متغيرات هامة لم يتم تحليلها في دراستنا الموسعة عن المقاومة تشمل:

1-التعبئة الجماهيرية

2-لامركزية المقاومة

3-استراتيجيات التواصل الإعلامي.

فالتعبئة الجماهيرية ولا سيما إذا كان مستوى المشاركة في التعبئة كبيراً ولا تعتمد الحملة على قائد واحد – وهذا ما حدث في كلتا حالتي النجاح للمقاومة المدنية. وكانت هذه التعبئة أكثر انتشاراً بين الحملات اللاعنفية عنها في الحملات العنيفة التي كانت تضم في عضويتها عدداً أقل من عدد المشاركين في المقاومة اللاعنفية. والواقع أن القمع الذي مارسته الأنظمة ضد المقاومة اللاعنفية، في حالتي تيمور الشرقية والفلبين، كان وراء التعبئة الجماهيرية الكبيرة، الأمر الذي أدى بدوره إلى زيادة الكُلفة السياسية لقمع النظام. وفي كلتا الحالتين، دفعت الأنظمة أثماناً باهظة: حيث حولت قوات الأمن ولاءها لصالح المقاومة اللاعنفية، وفرض المجتمع الدولي عقوبات كبيرة ضد الأنظمة.

من ناحية أخرى فشلت كلٌ من المقاومة اللاعنفية والعنيفة في بورما في رفع الكُلفة السياسية لقمع النظام إلى الحد الذي يمكن أن يؤدي إلى تهديد سيطرة النظام على زمام الأمور. وعلى الرغم من أن الحكومة في بورما عانت من العقوبات المفروضة عليها، إلا أن الكُلفة المحلية للقمع لم تكن كافية لتحقيق النتائج المرجوة، وكانت التعبئة الجماهيرية هناك انتقائية واعتمدت على شخصية الزعيم.

وتشير هذه النتائج إلى الحاجة إلى إضافة ملحق هام لدراستنا الموسعة عن المقاومة: وهو إدراج متغيرات عن درجة وطبيعة التعبئة الجماعية، فضلا عن دور استراتيجيات الإعلام والتواصل. وقد تكون التعبئة الجماهيرية عاملا حاسما في تحديد النجاح، باعتبار أن الحملة قد تكون أكثر فاعلية في رفع الكُلفة السياسية لقمع النظام إذا تمت على نطاق واسع وكانت شاملة ولامركزية. ويرجع ذلك إلى قدرتها على الصمود، والقبول الجماهيري، وعدم الكشف عن هوية المشاركين. وتشير نتائجنا أيضا إلى أن التغطية الإعلامية وسيلة حاسمة للتسبب في حدوث نتائج عكسية لقمع النظام.

الاستنتاجات والآثار المترتبة

أ) الاستنتاجات

من النتائج المحورية لهذه الدراسة هو التأكيد على أن أساليب المقاومة اللاعنفية تمتلك فرصاً أكبر للنجاح في تحقيق الأهداف الاستراتيجية من المقاومة العنيفة. لقد قمنا بمقارنة نتائج 323 حملة مقاومة لاعنفية وعنفية في الفترة من عام 1900 إلى 2006، وكذلك قمنا بمقارنة نتائج دراستنا مع دراسات حالة مقارنة لحملات المقاومة اللاعنفية في جنوب شرق آسيا.

واستنادا إلى البحوث الإحصائية والنوعية مجتمعة، يمكننا الخروج بالعديد من الاستنتاجات:

1) من المرجح أن تنجح حملات المقاومة التي تفرض حدوث تحولات في الولاء في صفوف قوات الأمن والمؤسسات المدنية. وتحدث مثل هذه النجاحات للحملات العنيفة من حين لآخر، ولكن للحملات اللاعنفية فرص أكبر في تحولات الولاء عنها في المقاومة المسلحة. وعلى الرغم من أن هذه النتائج تأثرت في دراستنا الكمية بالقيود التي تفرضها البيانات، فإن دراسات الحالة التي أجريناها تكشف عن أن ثلاث حملات عنيفة لم تتمكن من إحداث تحولات ولاء ذات دلالة في أوساط النخب المعادية، في حين حدثت مثل هذه التحولات نتيجة المقاومة اللاعنفية في الفلبين وتيمور الشرقية. وبالإضافة إلى ذلك، فقد أدى القمع ضد المقاومة اللاعنفية في الفلبين وتيمور الشرقية إلى فرض عقوبات دولية على الأنظمة في توقيتات مناسبة، مما أثبت فاعليته في نجاح هذه الحملات اللاعنفية. لذلك فإن الكُلفة السياسية المحلية والدولية لقمع الحملات اللاعنفية أعلى من تكاليف قمع الحملات العنيفة.

 2) تشير دراسات الحالة التي أجريناها أيضا إلى أن الحملات العنيفة واللاعنفية التي تفشل في تحقيق تعبئة شاملة، لامركزية، واسعة النطاق، من غير المنتظر أن تفرض حدوث انشقاقات أو تستدعي فرض عقوبات دولية من الأساس. ومن المرجح أن تؤدي حملات المقاومة واسعة النطاق إلى زرع الشكوك بين الجماهير حول شرعية الخصم. فالكُلفة السياسية لقمع عدة عشرات من الناشطين، والذين يسهل وصفهم بـ “المتطرفين”، أقل بكثير من كُلفة قمع مئات أو آلاف الناشطين يمثلون جميع السكان.

3) يلزم إجراء مزيد من الأبحاث للتوصل إلى قياس لدرجة وطبيعة التعبئة الجماهيرية على مر الزمن. وينبغي أن يُتاح قياس مستوى المشاركة في حملات المقاومة اللاعنفية، بما في ذلك مدى انتشار المقاومة على صعيد المنطقة الجغرافية، والقطاع، والتركيبة السكانية. وتمثل درجة الوحدة الداخلية بالنسبة للمقاومة اللاعنفية عاملاً مهماً آخر يمكن قياسه تجريبيا. وعلاوة على ذلك، يمكننا قياس تنوع التكتيكات اللاعنفية لتحديد ما إذا كان توسيع مجال التكتيكات اللاعنفية أو تسلسلها يعزز نجاح تلك الحركات.

ب) الآثار المترتبة

بالإضافة إلى هذه التوصيات للبحوث المستقبلية، تشير نتائجنا أيضا إلى العديد من الآثار المترتبة على السياسات:

أولا: على الرغم من عدم وجود مخطط للنجاح، فإن حملات المقاومة اللاعنفية التي تستوفي المعايير المحددة أعلاه تكون لها فرص نجاح تفوق الفرص الممكنة للحملات العنيفة التي لها نفس الخصائص.

ثانيا: أفادت أشكال الدعم الخارجي المقاومة اللاعنفية في حالات تيمور الشرقية والفلبين. وعلى الرغم من عدم وجود دليل على أن التعبئة الجماهيرية اللاعنفية يمكن أن تبدأ بنجاح أو تستمر في ذلك من خلال جهات خارجية فاعلة، فإن مجموعات التضامن المنظمة التي مارست ضغوطاً مطردةً على الحكومات المتحالفة مع الأنظمة المستهدفة كانت مفيدة على هذا الصعيد. وهذا يشير إلى أن المجموعات الدولية الداعمة يمكنها أن تعزز من فاعلية حملات المقاومة على النظام المستهدف، بيد أن الدعم الخارجي قد يسبب نتائج عكسية إذا أضرت بمصداقية الحركة.

ثالثا: نظرا للدور الحاسم الذي تلعبه وسائل الإعلام في حدوث نتائج عكسية، فإن دعم إنشاء مصادر مستقلة للإعلام والتکنولوجیا والحفاظ علیھا بحيث یسمح للنشطاء اللاعنفيين بالتواصل الداخلي والخارجي، ھو طریقة أخرى یمکن للناشطين الحکومیین وغیر الحکومیین من خلالها دعم حملات المقاومة اللاعنفية.

رابعا: يمثل بناء القدرات التقنية في مراقبة الانتخابات وتوثيق حقوق الإنسان أدوات أخرى مفيدة لدعم الناشطين اللاعنفيين.

 خامسا: طبقاً لنشطاء لاعنفيون فأن توفير مواد تعليمية (مثل الكتب واألأفلام وأقراص الفيديو الرقمية وألعاب الفيديو) لتسليط الضوء على الدروس المستفادة من الحركات التاريخية غير العنيفة األأخرى يعتبر عنصرا حاسما في حشد الجماهير.

سادساً: توفير الأدلة على مراقبة األأنظمة غير الديمقراطية للإنترنت، والقوانین المقيِدة التي تستھدف المنظمات غیر الحکومیة المحلیة والدولیة، وحالات التهدید والتخویف الموجھة إلی جماعات المجتمع المدني، كل ذلك من المرجح أن يمثل تحدیات إضافیة علی أولئك الذين يستهدفون التغییر السیاسي من خلال وسائل لاعنفية.

في نهاية المطاف، تجدر الإشارة إلى بعض ما كتب توماس شيلينج حول ديناميكيات الصراع بين المعارضين العنفيين واللاعنيفين: “يكاد يكون الطاغية ورعاياه في مواقف متناظرة .. فهم يستطيعون أن يمنعوه من فرض معظم ما يريده منهم إذا توفر لديهم انضباط تنظيمي يضمن مقاطعته وعدم التعاون معه. وفي المقابل، يستطيع الدكتاتورأن يمنع عنهم جميع مطالبهم – وذلك باستخدام القوة التي تحت إمرته. . . . وبينما يستطيع الشعب أن يقض مضجع الدكتاتور ويحرمه من الاطمئنأن إلى خضوع البلاد له، فهو في نفس الوقت يستطيع أن يقلق راحتهم ويحرمهم من حكم أنفسهم . . . . إنها حالة مساومة يستطيع فيها أي من الجانبين، إذا كان مرتباً ومنظما على نحو كاف، أن يرفض معظم ما يطلبه الآخر، ويبقى أن ننتظر لنرى من يكسب في النهاية.”

الباحثان:

ماريا ج. ستيفان: مديرة المبادرات التعليمية في المركز الدولي للنزاعات اللاعنفية.

إريكا تشينويث: أستاذ مساعد في قسم “الحكومة” في جامعة ويسليان وزميل دراسات ما بعد الدكتوراه في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية في كلية جون كينيدي لـ الحكومة” في جامعة هارفارد ([1])


([1]) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


اعمال اخرى للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى