تقديرات

ليبيا: حكومة السراج وحدود الدور المصري

(1) تمهيد

مثل وصول فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الليبية لطرابلس يوم الثلاثاء 29 مارس 2016، نقطة الانطلاق لتطورات سريعة ومتلاحقة على الساحة الليبية، ومع استمرار حالة الاختلاف السياسي بالرغم من الدعم الدولي لحكومة الوفاق وفي ظل إعلان الحكومة عن بدء العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة في سرت، يظل الدور المصري حاضرا ولا يغيب عن الساحة الليبية، وفي هذا التقدير نرصد آخر مستجدات وتطورات المشهد الليبي والدور المصري المتوقع إزاء هذه المتغيرات.

المشهد الليبي بعد اتفاق الصخيرات:

جاء اتفاق الصخيرات الذي تم توقيعه في ديسمبر 2015، بعد سلسلة طويلة من اللقاءات وجلسات الحوار امتدت لأكثر من أربعة عشر شهرا بين الأطراف الليبية والتي كان أبرزها المؤتمر الوطني العام المنعقد في طرابلس غربي ليبيا والبرلمان الليبي المنعقد في طبرق شرقي ليبيا، حيث خرج الاتفاق بعدة بنود كان أهمها تشكيل مجلس رئاسي برئاسة فايز السراج يضم خمسة أعضاء ممثلين لأقاليم ليبيا وثلاث وزراء كبار، ويقوم المجلس الرئاسي باختيار وزراء حكومة الوفاق الوطني، ويتولى السراج رئاسة الحكومة ومعه نائبان ممثلان عن البرلمان الليبي والمؤتمر الوطني، على أن يظل البرلمان الليبي بطبرق ممثلا للسلطة التشريعية في مرحلة انتقالية تستمر لمدة عامين تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية، ويتم تشكيل المجلس الأعلى للدولة من أعضاء المؤتمر الوطني بطرابلس، بحيث يكون المجلس استشاريا للحكومة، على أن تكون مدته عاما واحدا قابلا للتمديد، في حين منح اتفاق الصخيرات مجلس رئاسة الوزراء القيام بمهام القائد الأعلى للجيش الليبي.

كان وصول السراج إلى طرابلس لتولي مهام الحكومة بعد أكثر من ثلاثة شهور من توقيع اتفاق الصخيرات، إشارة على حالة الخلاف السياسي الذي امتد من مجرد خلاف حول بنود الاتفاق والحقائب الوزارية واختصاصات وصلاحيات حكومة الوفاق، إلى عدم الاعتراف بالاتفاق وما نتج عنه، وهو ما عبر عنه رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح ورئيس المؤتمر الوطني نوري بوسهمين من خلال رفضهما للاتفاق، ولم يكن الخلاف السياسي هو الحاضر بمفرده في المشهد حيث بدا واضحا الخلاف بين الجماعات والفصائل المسلحة، التي انقسمت بين مؤيد ورافض للاتفاق.

وكان أبرز القوات التي أبدت رفضها ما يسمى “الجيش الوطني الليبي” بقيادة اللواء خليفة حفتر، حيث يصر الأخير على عدم الاعتراف باتفاق الصخيرات وما نتج عنه من تشكيل مجلس رئاسي وحكومة وفاق، وربما تكون نقطة الخلاف الرئيسية بين حفتر وحكومة الوفاق هو منح اتفاق الصخيرات حكومة الوفاق القيام بمهام القائد الأعلى للجيش الليبي وهو ما يراه حفتر عدم اعتراف به كقائد أعلى للجيش الليبي وإقصاء له من الساحة الليبية.

وفي إطار هذه التعقيدات يمكن القول أن هناك سلطتان رئيستان موجودتان على الساحة الليبية الآن، هما حكومة الوفاق الوطني والبرلمان الليبي شرقي البلاد ومن خلفه حكومة عبد الله الثني ببنغازي، مع تواجد دعم دولي كبير لحكومة التوافق الوطني وحث للبرلمان الليبي على الاعتراف بحكومة الوفاق والتخلي عن السلطة شرقي البلاد.

عمليات البنيان المرصوص:

محاربة تنظيم الدولة وتحرير مدينة سرت الليبية، ربما هو الهدف الأبرز الذي تسعى حكومة الوفاق الوطني إلى تحقيقه، حيث تسعى الحكومة من خلال معركتها مع تنظيم الدولة إلى ترسيخ الاعتراف الدولي بها وإثبات قدرتها على فرض سيطرتها على البلاد من ناحية ومن ناحية أخرى توحيد جميع القيادات العسكرية في شرق وغرب وجنوب ليبيا، تحت قيادة وزارة الدفاع في حكومة الوفاق.

وكانت حكومة الوفاق قد قررت في وقت سابق، تشكيل غرفة عمليات خاصة لقيادة العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة في المنطقة الواقعة بين مصراتة وسرت، حيث دعا السراج يوم الخميس 28 أبريل 2016، جميع القيادات العسكرية في شرق وغرب وجنوب ليبيا لتشكيل غرفة عسكرية موحدة لمواجهة تنظيم الدولة في سرت، ثم أعلن العميد محمد الغصري الناطق الرسمي باسم غرفة العمليات العسكرية المشتركة يوم السبت 7 مايو 2016، بدء العمليات العسكرية بسرت ضد تنظيم الدولة تحت مسمى عملية “البنيان المرصوص”.

وبالرغم من حدة المعارك، والتي استمرت ما يقارب 12 يوما، تكبد فيها الطرفان خسائر كبيرة، إلا أن قوات حكومة الوفاق أعلنت انتهاء المرحلة الأولى من عملية “البنيان المرصوص”، وأكدت أنه تم طرد تنظيم الدولة من مناطق أبو قرين وزمزم وأبو نجيم، وأن قوات حكومة الوفاق صارت على بعد عشرات الكيلومترات من مدينة سرت، وترى حكومة الوفاق أنها حققت نجاحا وتقدما ملحوظا بعد حصولها على منطقة أبو قرين، لاسيما وان منطقة أبو قرين تعد منطقة حيوية نظرا لأنها تتوسط المسافة بين سرت ومصراته، وتقع على الطريق الرئيسي الذي يربط بين شرق ليبيا وغربها، وتعد نقطة ربط بين مصراتة وجنوب ليبيا. خريطة رقم (1)

خريطة رقم (1) توضح موقع مدينة أبو قرين الحيوي بين مدينة مصراتة ومدينة سرت

اجتماع فيينا والنتائج المترتبة:

حتى نستطيع رصد الدور المصري في ليبيا وتقاطعه مع مستجدات المشهد الليبي، يجدر بنا الإشارة إلى اجتماع فيينا وما تم التوافق عليه دوليا بشأن الملف الليبي، حيث عقد الاجتماع في فيينا يوم الاثنين 16 مايو 2016، بمشاركة 25 دولة وهيئة بينهم 20 وزير خارجية لدول أوروبية والولايات المتحدة ودول الجوار الليبي، لمناقشة الأزمة الليبية وتناول الملف الأمني، وانتهى الاجتماع إلى الاتفاق على عدة نقاط بالغة الأهمية تتلخص في رفع حظر الأسلحة المفروض على ليبيا وتسليم أسلحة إلى حكومة الوفاق الوطني من أجل مساعدتها في مواجهة تنظيم الدولة.

المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري ونظيره الإيطالي باولو جنتيلوني ورئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج عقب اجتماع فيينا، أشار بوضوح إلى اتفاق القوى الدولية على دعم حكومة الوفاق الوطني كسلطة رسمية معترف بها ورفع الحظر على تصدير السلاح إلى ليبيا، حيث صرح كيري إن المشاركين في الاجتماع الدولي شددوا على ضرورة زيادة الدعم للحكومة الانتقالية في ليبيا، والعمل على رفع العقوبات عن السلاح، للسماح للحكومة بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وأضاف أن المجتمع الدولي من خلال مجلس الأمن سيدرس الطلب الليبي بشأن رفع العقوبات عن الأسلحة، وطالب كيري البرلمان الليبي بالمصادقة على الحكومة الليبية ودعمها وتبنى اتفاق الصخيرات، بهدف تحقيق الوحدة الوطنية، وهدد بفرض عقوبات على من يقفون ضد الوحدة الليبية”.

وتعول القوى الدولية على حكومة السراج للقيام بدور بارز في مواجهة خطر تمدد تنظيم الدولة في ليبيا ومكافحة الهجرة غير الشرعية من السواحل الليبية نحو أوروبا، وهو الأمر الذي دفع القوى الدولية في اجتماع فيينا الأخير للاتفاق على دعم حكومة الوفاق الوطني والاعتراف بها دولياً من جهة ومن جهة أخرى إمدادها بالسلاح اللازم للمعارك التي تخوضها مع تنظيم الدولة عن طريق رفع حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، في حين يبدو من القرارات التي اتفق عليها في اجتماع فيينا أن هناك توافق بين القوى الدولية على إرجاء المشاورات السياسية بين حكومة الوفاق الوطني وبين البرلمان الليبي وإعطاء الأولوية للعمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة، وهو ما يمكن أن يترتب عليه زيادة حالة الانقسام السياسي في الساحة الليبية حيث أن تقديم دعم عسكري لحكومة الوفاق الوطني قبل الوصول إلى حل سياسي ربما يزيد من حالة الانقسام.

الدور المصري والسيناريوهات المتوقعة

لا يزال النظام المصري مستمرا في محاولة لعب دور محوري في المشهد الليبي من خلال تناقضات المشهد على الساحة الليبية والإمساك بأكثر من طرف من أطراف المعادلة في المشهد، حيث يرتكز النظام على مسارين متوازيين:

الأول: إنجاح المسار السياسي الناتج من اتفاق الصخيرات، دعم حكومة الوفاق الوطني، والمتابع للتحركات الخارجية لفايز السراج يكشف حجم الزيارات المتتالية التي يقوم بها إلى القاهرة، وربما كانت الساعات القليلة التي فصلت بين لقاء السراج والسيسي بالقاهرة يوم السبت 7 مايو 2016، وبين الإعلان عن بدء العمليات العسكرية بسرت، تمثل إشارة واضحة إلى حجم التنسيق بين حكومة الوفاق الليبي والنظام المصري.

الثاني: الإبقاء على دعم “خليفة حفتر” والمطالبة بدمجه في العملية السياسية، وربما بدا ذلك واضحا في تصريحات السيسي المتكررة والتي كان آخرها حين أكد خلال لقائه بالسراج على “مواصلة مصر دعمها للمجلس الرئاسي والمؤسسات الليبية، ومن بينها الجيش الوطني بقيادة حفتر”.

وفي الوقت الذي يُبدي فيه النظام المصري دعمه لحكومة الوفاق الوطني المنبثقة من اتفاق الصخيرات، والمقبول لدى أطراف دولية عدة، وهو ما يجعل النظام المصري يبدو متوافقا مع القوى الدولية بشأن الحل السياسي للازمة الليبية، ومن جهة أخرى يستمر النظام في تقديم الدعم والتعاون العسكري للواء خليفة حفتر وقواته، بحيثيضمن النظام المصري استمرار نفوذه على الساحة الليبية، والإبقاء على أوراق ضغط في حال فشل الحل السياسي، يستطيع من خلالها الحفاظ على التواجد في الساحة الليبية وفرض رؤيته التي تتوافق مع مصالحه.

إلا أن ما تم الاتفاق عليه من القوى الدولية في اجتماع فيينا سيفرض واقعا مغايراً أمام النظام المصري، حيث سترى القوى الدولية في استمرار النظام المصري لتقديم الدعم العسكري لحفتر، إضراراً صريحاً بالمسار السياسي الناتج عن اتفاق الصخيرات، وإضعاف لحكومة الوفاق الوطني وربما إفشال العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة، وهو ما سيدفع النظام المصري إلى التعامل مع المشهد الليبي ودعم حفتر وفق سيناريوهات مختلفة.

خلاصة

إن استمرار الدعم العسكري المصري لحفتر، سيناريو يسير في اتجاه مغاير لما تم الاتفاق عليه في اجتماع فيينا، فالقوى الدولية ترى في وجود حفتر في المشهد الليبي سبباً في تفكيك المسار السياسي وهو ما بدا واضحا فيما اتفق عليه في اجتماع فيينا الأخير، لذلك فإن استمرار النظام المصري في تقديم دعم عسكري لحفتر قد يتسبب في إحراج للنظام المصري أمام القوى الدولية، وهو ما يمكن أن يجبر النظام المصري على قطع الدعم العسكري عن حفتر ودفعه للالتزام بالمسار السياسي والقبول بالانضواء تحت حكومة الوفاق الوطني.

وفي المقابل قد لا يستطيع النظام المصري الوقوف أمام رغبة القوى الدولية في دعم حكومة التوافق وإقصاء حفتر من المشهد الليبي، لذلك يمكن أن يسعى إلى تخفيف الدعم العسكري لحفتر، والعمل على إقناع حفتر بالمشاركة في العمليات العسكرية في سرت تحت قيادة حكومة التوافق الليبي، وربما يكون هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحا، حتى يبقي النظام المصري ممسكا بورقة حفتر ويدفعه إلى إيجاد دور في المعركة المدعومة دوليا ضد تنظيم الدولة، بحيث يكون هناك حلا وسطا يستطيع حفتر من خلاله أن يكون له دور في حكومة الوفاق الليبي.

——————————

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

الوسوم

خالد فؤاد

باحث بالمعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، متخصص في العلاقات الدولية، وقضايا الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى