fbpx
قلم وميدان

مشروعية المعاهدات الدولية للنظم الانقلابية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

ما حدث في مصر في الثالث من يوليو 2013م هو انقلاب عسكري على حكم شرعي، حيث تدخل الجيش المصري بقوته العسكرية لإيقاف نظام يديره رئيس مدني منتخب ديمقراطياً، بعد أن أصدر وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، عبد الفتاح السيسي، في 1 يوليو 2013 بياناً أمهل فيه القوى السياسية 48 ساعة للاتفاق على مخرج من الأزمة، وذكر أن القوات المسلحة ستعلن “خريطة طريق للمستقبل” إذا لم تتحقق مطالب الشعب مع الإجراءات التي تشرف عليها القوات المسلحة بمشاركة أطياف الاتجاهات الوطنية.

وفي 3 يوليو 2013، كان بيان الانقلاب العسكري، معلناً: تعطيل الدستور وعزل رئيس الجمهورية والإطاحة بالمؤسسات الدستورية القائمة وتعيين رئيس جمهورية مؤقت، ومنح القائد العام سلطة إصدار القوانين فقط، وسلطة إصدار الأحكام الدستورية، وتم اعتقال رئيس الجمهورية الدستوري المنتخب، ثم حل المجلس النيابي.

عقب ذلك قام الأدنى (وزير الدفاع، الذي يمثل جزءًا من السلطة التنفيذية) بتعيين الأعلى (رئيس الجمهورية، رأس السلطة التنفيذية) في شكل من أشكال السطو المسلح على السلطة بالمخالفة للقانون في تفسير حرفي لمعنى كلمة “الانقلاب العسكري”

ثم شرعت إدارة الانقلاب في التمكين لها فقامت بعمل دستور وإجراء انتخابات رئاسية انتخب فيها قائد الانقلاب رئيساً للجمهورية بنسبة بلغت حوالي (98%) من أصوات الناخبين وهي نسب لا تتكرر سوى في الأنظمة الشمولية، ثم انتخب مجلس نواب جديد.

وإذا كنا قد انتهينا إلى أن ما حدث بمصر كان انقلاباً عسكرياً، فإن الانقلاب العسكري عمل مؤثم في المنظومة القانونية المصرية بحكم الدستور والقانون حيث يشكل جريمة معاقب عليها بعقوبة السجن المؤبد والتي قد تصل إلى الإعدام على النحو الوارد صراحة بنص المادة (87) من قانون العقوبات المصري والتي جرى نصها على أن: “يعاقب بالسجن المؤبد أو المشدد كل من حاول بالقوة قلب أو تغيير دستور الدولة أو نظامها الجمهوري أو شكل الحكومة. فإذا وقعت الجريمة من عصابة مسلحة يعاقب بالإعدام من ألف العصابة وكذلك من تولى زعامتها أو تولى فيها قيادة ما”.

والفقه القانوني يرى أن “النص كما يتضح يعاقب على المحاولة، إذ لم يشترط المشرع المصري في الفعل أن يصل إلى مرتبة الشروع فضلاً عن ارتكاب الجريمة، وقد قضت محكمة النقض بأن المحاولة هي ما دون الشروع من الأعمال التي يقصد بها الوصول إلى الجريمة إن لم تصل إلى البدء في التنفيذ. وهنا لا يكفي مجرد الأعمال التحضيرية بل يجب تجاوزها بحد يسير… والقوة التي يعنيها النص هي القوة المادية وتتمثل في جميع أفعال الإكراه أو العنف أو القسر… وقد تكون القوة عسكرية متمثلة في استعمال السلاح”(1).

وعلى ذلك تكون السلطة الحاكمة في مصر عقب انقلاب الثالث من يوليو سلطة مغتصبة باطل حكمها لكونها نتاج انقلاب عسكري غاشم والانقلاب العسكري عمل مادي منعدم، غير مشروع، لا يرتب أثراً ولا يحدث نتيجة، فضلاً عن كونه جريمة جنائية يرتب مسئولية فاعليه الجنائية لانقلابهم على الشرعية على نحو ما سلف، ومن ثم وتبعاً للقاعدة القانونية التي تحكم نظرية البطلان في المنظومة القانونية المصرية يعد الانقلاب عملاً باطلاً، وبالتالي فإن كل ما نتج عنه من أعمال مثل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وما ترتب عليها من آثار مثل ممارسة أعمال السيادة وإبرام المعاهدات وتوقيع الاتفاقيات ينسحب عليها حكم البطلان هي الأخرى وتنحدر إلى منزلة العدم وتكون باطلة كذلك بطلاناً مطلقاً “لأن ما بني على باطل فهو باطل”.

ومن المعلوم بالضرورة أن تصرفات حكومة الانقلاب لا تقف عند حد ممارسة السلطة المغتصبة في الداخل، بل تمتد إلى إدارة شئون مصر الخارجية وعلى رأسها توقيع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، والتي الأصل فيها عدم اعتراف المجتمع الدولي بها، لو كان يحكمه قانون ومبادئ ولا تتحكم فيه مصالح وأهواء، لذلك فإن قواعد الشرعية القانونية الدولية، على نحو ما سبق، تُبطل كل تصرف أبرمته إدارة الانقلاب في مصر مع العالم الخارجي لكون السلطة التي أبرمتها نتاج نظام باطل جاء عبر انقلاب عسكري والتي تعد هي والعدم سواء.

ومن ناحية ثانية وبفرض جدلي بتولي الفريق/ عبد الفتاح السيسي لمقاليد الأمور في مصر بغير انقلاب عسكري، فإن حكمه وكافة ما نتج عنه من مظاهر استخدام السلطة باطل بطلان مطلق كذلك لافتقاده للشرعية والمشروعية ومخالفة الدستور والقانون في ممارسته لأعمال السلطة على التفصيل التالي:

تقوم المجتمعات المدنية الحديثة على مبدأ خضوع الـدولة للقانون، والذي يعد الدعامة الأساسية التي يرتكز عليها أي مجتمع ديمقراطي، لذا نجد أغلب دساتير دول العالم المتحضر تنص على أن القانون أساس الحكم في الدولة – وقد نصت دساتير مصر المتعاقبة عليه كدستور 1971م ودستور الثورة (2012م) وحتى ما يسمي “دستور 2014م”، نص في المادة (65) منه نص على خضوع الـدولة للقانون وأن استقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات.

وغاية ذلك التدليل على أن الدولة القانونية هي التي تتقيد في كافة مظاهر نشاطها – وأيا كانت طبيعة وشكل سلطاتها – بقواعد قانونية تعلو على الدولة وتكون بذاتها ضابطاً لأعمالها وتصرفاتها فى أشكالها المختلفة، ذلك أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازا شخصيا لأحد، ولكنها تباشر نيابة عن المجتمع (الجماعة) ولصالحه.

وبإسقاط ما تقدم على واقع السلطة الحاكمة في مصر بعد 3 يوليو 2013م يتضح لنا جلياً افتقادها للشرعية والمشروعية على نحو يبطلها ويبطل كل ما صدر عنها من أعمال. أما عن انعدام ما أبرمته تلك السلطة من معاهدات لمخالفتها للدستور والقانون فمرده إلى ما نصت عليه المادة (151) من دستور 2014م والتي جرى نصها على أن: “يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً لأحكام الدستور، ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة. وفي حميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة”.

وعلى ذلك لا يحق لأي سلطة في الدولة مهما علت – في ظل هذا النص الدستوري الذي يمثل قيداً عليها تبعاً لقاعدة تدرج التشريع – أن تبرم معاهدات دولية تتنازل فيها عن أي جزء – مهما صغر من إقليم الدولة المصرية، ولا حتى بإجازة الشعب مصدر السلطة وصاحب السيادة، لخروجها عن سلطته لمساسها بحقوق الأجيال القادمة.

أما ما عداها من معاهدات الصلح والتحالف فيلزم قبل التصديق عليها إقرار الشعب لها في استفتاء عام حر مباشر بوصفه صاحب الحق الأصيل ومصدر السلطة وصاحب السيادة، وذلك كشرط لازم لتصديق السلطة الشرعية المختصة عليها (البرلمان) ومن ثم نفاذها.

هذا بخصوص المنظومة القانونية الداخلية أما في القانون الدولي، فالأصل هو عدم الاعتراف بالأنظمة الانقلابية وعدم التعامل معها سواء من جانب الدول أو المنظمات الدولية، ويعكس القانون الاتحادي في الولايات المتحدة الأمريكية هذا المبدأ في رفض الانقلابات العسكرية ويمنع أي مساعدة مالية لحكومة أي بلد يحدث فيه انقلاب على رئيس حكومة منتخبة، والأمر لا يختلف بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي أصدر قانونا مشابها عام 1991.

أما منظمة الوحدة الإفريقية قديما “الاتحاد الإفريقي حديثا” فقد قامت بإدراج بند في ميثاق الاتحاد يحظر على الدول الأعضاء الاعتراف بشرعية الانقلابات العسكرية كوسيلة لاستلام السلطة وبناء الشرعية السياسية على أساس من الانقلابات، ومن أهم الاتفاقيات الدولية التي تحظر الانقلابات العسكرية كوسيلة للوصول إلى السلطة “اتفاقية كوتونو” التي تربط بين الاتحاد الأوروبي ودول إفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي (ACP)، والموقعة في يونيو 2000م في عاصمة بنين، وهي الاتفاقية الأكثر تعقيدا في هذا الصدد حيث تربط هذه الاتفاقية دول المجموعة بأوروبا وتكرس إطاراً قانونياً ضابطاً للعلاقة بين الطرفين، وتضمنت بنودها مجالات خطيرة وحيوية كربط التعاون مع أوروبا بمدى تقدم الحوار السياسي الذي يتضمن منع وقوع النزاعات وضمان حقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية، وتربط حجم المساعدات بمدى استجابة الأطراف للسياسات الأوروبية وبنودها المعلنة والخفية على حد سواء.

غير أن الذي حدث واقعاً في الحالة المصرية أن الدول الغربية لم تُغلب مبادئها وقوانينها، وإنما قدمت مصالحها فاعترفت بالانقلاب العسكري الذي وقع في مصر وما نتج عنه من سلطة مغتصبة، وتعاملت معها على أنها حكومة نظام شرعي متغافلة عن عمد من أنها نتاج انقلاب عسكري، إلا أن هذا الاعتراف في ميزان القانون الدولية لن يشرعن النظام الحاكم في مصر لأن القاعدة القانونية أنه “لا شرعية سياسية على أساس من الانقلابات”(2).

ومهما فرضت المصالح والتحالفات السياسية من واقع – طالما كان الدافع الأساسي لمواقف الدول والتكتلات الكبرى هو المصلحة فقط وإن أهدرت في سبيلها قواعد القانون والشرعية الدولية – سيظل القانون وقواعد الشرعية هي الأولى بالإتباع والواجبة التطبيق لأنها تمثل قواعد الشرعية الأخلاقية المبررة لوجود المجتمع الدولي الحاكمة لحركته في الأصل والتي لا يمكن أن تتقدم البشرية أو يرقى سلوكها الإنساني بدونها.

الخلاصة:

أننا أمام نظام باطل حكمه لأنه نتج عن انقلاب عسكري فضلاً عن فقده للشرعية والمشروعية ومن ثم لا اعتداد بكل ما يمارسه من مظاهر السلطة وأعمال السيادة سواء الداخلية أو الخارجية ولا أثر لما يبرمه من معاهدات أو اتفاقيات دولية – أياً كان نوعها أو تسميتها أو موضوعها، وذلك مؤداه براءة ذمة الدولة المصرية وخلو طرفها من جميع الاتفاقات الدولية التي أبرمتها سلطة الانقلاب في مصر وما نتج عنها من التزامات وعدم سريانها في حق الشعب المصري والدولة المصرية وعدم التزامها بما ينشأ عنها من آثار مستقبلاً، وذلك استناداً للقواعد العامة في القانون الدولي ومبادئ العدالة والقانون الطبيعي والدستور والقانون المصري والتي تقضي جميعها بإبطال تصرف من ليس أهلاً ولا يملك التصرف في شيئ ما لم يجزه مالكه الأصلي واعتبار المتصرف إليه غير مستحق لأية حقوق على ذلك الشيئ (موضوع التصرف).

(1) د. حامد الشريف، شرح قانون العقوبات المصري، الجزء الثاني، ص 23.

(2) محمد الحافظ ولد الغابد، شرعية الانقلابات العسكرية في ضوء الشرعية الدولية، الرابط

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close