دراسات

مصادر السيادة ومبدأ التوازن بين السلطات في النظام السياسي الإيراني

مقدمة

تبحث الدراسة في مصادر السيادة في النظام السياسي الإيراني، على المستوى الفكري والدستوري، وانعكاساتها على مبدأ التوازن بين السلطات. وبالتالي فإنها تنقسم لمحورين رئيسيين: الأول يتعلق بتطور نظريات الفكر السياسي الشيعي، والتي اشتبكت مع مسألة الإمامة، ومع قضية السيادة ومصادرها، وبالأخص موقع الأمة منها، مع التركيز على أربع نظريات رئيسية: نظرية التقية والانتظار، والنيابة العامة المحدودة والملكية، وولاية الفقيه، وولاية الفقيه المطلقة. المحور الثاني، ويتعلق بدراسة مصادر السيادة في الدستور الإيراني، من خلال التطرق أولا لمصادر السيادة الثلاثة: الله والأمة والولي الفقيه، وثانياً المؤسسات السياسية الرسمية التي أقرها الدستور، ومدى هيمنة القائد “الولي الفقيه” على تلك المؤسسات، ومن ثم مدى تحقق مبدأ التوازن بين السلطات من عدمه.

إشكالية الدراسة:

تتمثل في سؤال رئيسي، ما هي مصادر السيادة في النظام السياسي الإيراني؟ 

ويتفرع عن هذا السؤال عدة أسئلة فرعية: ما هي مصادر السيادة في الفكر السياسي الشيعي عبر تطوراته المختلفة؟ ما هي مصادر السيادة في الدستور الإيراني؟ ما مدى تحقق مبدأ توازن السلطات في الدستور الإيراني؟

فرضية الدراسة:

تنطلق الدراسة من فرضية أنه بينما يعد الله وشريعته المصدر الأعلى للسيادة في كل من الفكر السياسي الشيعي والدستور الإيراني كحاكمية تشريعية عليا مطلقة، فإن هذه السيادة حينما تنتقل للتطبيق العملي كحاكمية سياسية، فإنها تنتقل بشكل شبه كامل للولي الفقيه، مع أدوار هامشية للأمة، في ظل علاقة يظهر فيها هيمنة الولي الفقيه “القائد” على الأمة، ومن ثم على مؤسسات الدولة وسلطاتها، وهو ما يقود للعصف بمبدأ التوازن بين السلطات في النظام السياسي الإيراني.

الإطار المفاهيمي والنظري

يعد مفهوم السيادة هو المفهوم المركزي للدراسة، ما يتطلب تعريفه لغةً واصطلاحاً وعرض لنظريته السياسية. فلغةً: ساد يسود سيادة أي شرف ومجد، وفي اللغة العربية عامة تعني رفعة القدر والمكانة وشرف المنزلة وتدل على أن فلان سيد قومه وكبيرهم، فهو مفهوم يدل على الغلبة والقوة والمنزلة. أما اصطلاحا، فهناك شبه اتفاق بين فقهاء القانون الدستوري وأساتذته على أن أصول نظرية السيادة وتعريفها يعود للفيلسوف الفرنسي “جون بودان”، والذي عرف السيادة بأنها سلطة الدولة العليا المطلقة والأبدية والحازمة والدائمة، التي يخضع لها جميع الأفراد رضاءً أو كرهاً، وغير الخاضعة لأي قانون أو مقيدة به، ليستثني من ذلك القانون الإلهي أو الطبيعي المرتبط بالشرائع السماوية، ومن ثم فهو أول من وضع نظرية متكاملة للسيادة تحمل أبدية تواجدها رغم إمكانية زوال حاملها[1].

وبالتالي تُعرَّف السيادة بوصفها أساس القانون، أي أن القانون يكتسب شرعيته التي يضفيها لاحقاً على الإجراءات من خلال صدوره من قبل السلطة السيادية، فالسيادة هنا مصدر الشرعية، ويؤدي ذلك المفهوم عملياً للسلطة السيادية إلى معضلة، تتمثل في تحديد صاحب السيادة وتحديد ما يمنح سلطته شرعية أن تكون سيادية[2].

وفي طبيعة السيادة ومصدرها في الفكر الغربي تبرز ثلاث نظريات: النظرية المسيحية التي تقول إن السلطة السياسية مستمدة من الله، وبالتالي فهو صاحب السلطة؛ والنظرية الملكية التي تقول إن السلطة السياسية كالسلطة الأبوية قائمة على الطبيعة، فكما يحكم الأسرة أب، فإن الأمة أو الدولة يجب أن يحكمها ملك؛ وأخيراً النظرية التعاقدية التي تقول أن السلطة السياسية تقوم على أساس ميثاق أو عقد سياسي اجتماعي بين الحاكم والمحكومين، وتبعا لهذه النظرية فإن السيادة مصدرها الشعب. وعند هوبز وبودان فإن الملك هو صاحب السيادة؛ أما روسو فجعل السيادة للإرادة العامة، ومن بعده تأثرت به الثورة الفرنسية فنقلتها للأمة، فالسيادة هي إرادة عليا مستقلة آمرة تقيد الإرادات الأخرى ولا يمكن أن تتقيد بأي إرادة[3].

ومن ثم فإن مفهوم السيادة من المفاهيم المركزية في النظم الدستورية والسياسية، إذ أنه يحدد من يمتلك السلطة العليا المطلقة التي تعلو فوق الجميع، أو بمعنى آخر من هو مصدر السلطة وصاحبها، والذي يمنحها للحاكم، ومن ثم يمتلك حق نزعها منه.

ويعد مفهوم “الحاكمية” في الفكر الإسلامي بشقيه الشيعي والسني، والذي يعني أن السيادة العليا الله وشريعته ولا حكم إلا لله، المقابل لمفهوم السيادة في الفكر السياسي الغربي. وقد أثار هذا المصطلح العديد من الإشكاليات الجدلية، من أهمها موقع الأمة من هذه الحاكمية.

فالحاكمية في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر كما عند منظريها أبي الأعلى المودودي وسيد قطب، نقيضاً لفكرة السيادة الشعبية ولأي سيادة أرضية معرّفة بحق التشريع[4]. ولذلك انقسم الفقهاء المسلمون في رؤيتهم للسيادة إلى ثلاثة آراء: الأول يرى أن السيادة لله عز و جل دون أن يكون لأحد غيره من الأمة أي صورة من السيادة؛ الثاني وهي السيادة المزدوجة، حيث أن السيادة لله فيما ورد فيه نص قطعي من الكتاب والسنة، وما لم يرد فيه نص فإن السيادة تكون للأمة؛ والرأي الثالث يذهب إلى أن السيادة للأمة، فهي صاحبة السيادة ومنبع السلطات في الدولة، لكنها مقيدة بأحكام الشريعة الإسلامية[5].

لكن مفهوم الحاكمية أو السيادة في الفقه الشيعي وإن كان يتفق مع نظيره السني، في أن السيادة لله وشريعته كمظلة عليا حاكمة، إلا أن الاختلاف يظهر حينما يتم إسقاط هذه السيادة على أرض الواقع. والنقطة المفصلية هنا هي نظرية الإمامة في الفكر الشيعي، والتي تعد الدعامة المركزية لهذا الفقه، حتى إنها ربطت مفهوم الحاكمية بهذه النظرية، إذ أناطت ممارسة هذه الحاكمية للإمام. وبالتالي بينما يقوم الإمام أو الولي الفقيه الذي يتولى القيام بمهام الإمام في ظل غيبته، بدور محوري في ممارسة الحاكمية بشقها السياسي، ما يجعله مصدر رئيسي من مصادر السيادة، فإن هذا البعد غير موجود في الفكر السني، إذ أن الحاكم في الدولة الإسلامية وفق التصور السني ليس له نفس درجة القدسية التي للولي الفقيه أو الإمام، ما تجعله مجرد حاكم عادي، وليس صاحب سيادة أو مُصدّراً لها كما في الفقه الشيعي.

منهج الدراسة

تبحث الدراسة في مصادر السيادة في النظام السياسي الإيراني، مستخدمةً منهج تحليل النص، سواء بتحليل بعض نصوص نظريات الفكر السياسي الشيعي وتطوراته المختلفة، التي تناولت قضية الإمامة والسيادة وموقع الأمة منها في المدخل الفكري، وتحليل نصوص الدستور الإيراني التي تناولت موضوع السيادة في المدخل الدستوري. وذلك في إطار مقارن بين المدخلين الفكري والدستوري، ومدى التباين والتطابق بين المدخلين، خاصة وأن التمظهر الأخير لنظريات الفكر السياسي الشيعي والمتمثل في نظرية ولاية الفقيه المطلقة للخميني، هي التي قام على أساسها دستور الجمهورية الإسلامية الصادر عام 1979.

المطلب الأول، مصادر السيادة في الفكر السياسي الشيعي

لقد تركزت بؤرة الجدل في الفكر السياسي الشيعي حول نظرية الإمامة، وهل من الأفضل انتظار الإمام المهدي، أم إنابة أحد الفقهاء عنه فيما يتعلق بالحكم وإدارة الدولة. وتعد الإمامة وفق المذهب الشيعي، أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها؛ إذ لابد أن يكون لكل عصر إمام وهادياٌ للناس، يخلف النبي محمد في وظائفه ومسؤولياته، ويتمكن الناس من الرجوع إليه في أمور دينهم ودنياهم، بغية إرشادهم إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم، والإمام طبقا للمفهوم الشيعيّ معصوم واجب الطاعة[6]. أي أن الإمامة هنا تعني القيام بأمور الحكم والسياسة، ومن ثم لا تقتصر على الجوانب الدينية وإنما الدنيوية أيضا.

وتعتقد الفرقة الشيعية الإمامية الاثنا عشرية بوجوب إتباع الأئمة الاثني عشر، وكان آخرهم “الحسن العسكري”، وهو الإمام الحادي عشر. وبعد وفاة الأخير بدون أن يكون لديه ولد، وُضعت نظرية الإمامة في مأزق، ما دفع الشيعة الاثنا عشرية للقول بوجود ولد له في السر، واسمه “محمد المهدي بن الحسن العسكري”، وهو الإمام الثاني عشر المتمم لسلسلة الأئمة، والمهدي المنتظر الغائب عن الأنظار، وسيظهر يوماً ما ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، كما يعتقدون.

وفي ظل تلك الغيبة تعددت النظريات السياسية الشيعية التي حاولت معالجة تلك الإشكالية، وما يرتبط بها من قضية اشتباك الفقهاء مع مسألة الحكم. كان أهمها: نظرية التقية والانتظار، نظرية النيابة العامة  المحدودة والملكية، نظرية ولاية الفقيه وأخيراً نظرية ولاية الفقيه المطلقة. وفي إطار تلك النظريات، سوف تبحث الورقة في مصادر السيادة، وموقع الأمة منها.

أولاً، نظرية التقية والانتظار

ترتب على اعتقاد الشيعة الاثنا عشرية بفكرة التقية والانتظار، رفض معظم فقهائهم التصدي للإمامة والتطلع للحكم، فحرموا العمل السياسي وحتى الثورة في عصر الغيبة، أي غيبة الإمام المهدي المنتظر، وذلك لأن الإمامة تشترط إماماً معصوماً ومنصوصاً عليه، ومعيناً من الله بحسب اعتقادهم[7]. كما تعتقد النظرية بأن الشورى باطلة، ولا يجوز انتخاب الإمام من قبل الأمة، وأن الإمامة تتسلسل بشكل وراثي عمودي في ذرية عليّ والحسين إلى يوم القيامة[8]. وذلك على الرغم من أن الإمام “علي بن أبي طالب” وولديه “الحسن” و”الحسين” من بعده، لم يؤمنوا بنظام العمودية الملكية في أهل البيت، كما كانوا يتمسكون بمبدأ الشورى في الحكم[9].

والمفارقة في هذه النظرية هو تعارضها مع فلسفة الإمامة الإلهية نفسها، التي تقول بأنه لا يجوز أن تخلو الأرض من إمام، أي من حكومة ودولة، وقد وصل الأمر بهم لتحريم تطبيق قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود، وتحريم الجهاد في عصر الغيبة، وعدم جواز تحصيل الزكاة والخمس والأنفال والخراج، بل وحرموا صلاة الجمعة؛ لأن إقامة الصلاة من مهام الإمامة التي لا يجوز لغير الإمام إقامتها[10].

وقد رفضت نظرية التقية والانتظار نظرية ولاية الفقيه، لأنها تقوم على الاجتهاد، وبنوا موقفهم على إيمانهم باشتراط العصمة والعلم الإلهي والنص في الإمام (أي الحاكم أو الرئيس) من ناحية، وإيمانهم بوجود الإمام المعصوم المنصوص عليه من قبل الله “محمد بن الحسن العسكري” من ناحية ثانية، وإيمانهم بحرمة الاجتهاد وحرمة تصدي غير المعصوم للأمور السياسية من ناحية ثالثة، وأدى هذا الموقف السلبي من الاجتهاد لحدوث أزمة في التشريع عند هذه المدرسة[11].

ومن أهم رواد تلك النظرية “محمد بن أبي زينب النعماني”، وكان من أهم النصوص التي اعتمد عليها النعماني في تنظيره لفكرة الانتظار، ما رواه عن أبي جعفر الباقر أنه قال: “الزم الأرض، لا تحركن يدك ولا رجلك أبدا حتى ترى علامات أذكرها لك…وإياك وشذاذ آل محمد، فإن لآل محمد وعلى راية ولغيرهم رايات، فالزم الأرض ولا تتبع منهم رجلا أبداً، حتى رجلا من ولد الحسين معه عهد النبي ورايته وسلاحه، فالزم هؤلاء أبداً وإياك ومن ذكرت لك”[12]. إن المصطلحات المذكورة في النص السابق كــ (الزم) و(لا تحرك يدك) و(إياك)، فضلا عن تكرار كلمة (الزم) في النص ثلاث مرات، وتكرار كلمة (إياك) مرتين، تشير لمدى الإلزامية والتشديد على فكرة الانتظار.

بالتالي وبينما يظل الإمام المهدي في غيبته، وعدم وجود نص يشير لوجوب تنصيب شخص ما إماماً للأمة، فإن على الشيعة وفقهائهم الانتظار، مبتعدين عن ممارسة العمل السياسي وقيادة الأمة، والتعامل مع السلطة السياسية القائمة من مبدأ التقية. وفي المحصلة، فإنه وفقا لنظرية التقية والانتظار يعد موقع الأمة ودورها كمصدر للسيادة منعدم، إذ ليس لديها القدرة على اختيار الإمام أي الحاكم، فلا تحدده الشورى أو الانتخاب وإنما نص مكتوب، كما تؤمن بالعمودية الملكية في أهل البيت كمحدد للاختيار.

ثانياً، نظرية النيابة العامة المحدودة والملكية

مع تطور علم أصول الفقه ونشوء مفهوم الاجتهاد والتقليد، نشأت نظرية النيابة العامة المحدودة للفقهاء عن الإمام الغائب في إدارة الأمور الحسبية، التي تتضمن إدارة أموال الأوقاف والسفهاء والخُمس والزكاة ومن لا ولي له وتكفّل اليتامى والمحتاجين، وهي من الأمور التي لا ينبغي تركها لضرورة حفظ النظام العام[13].

ومن أوائل من نظر لهذه النظرية هو الشيخ “محمَد بن محمد بن النعمان” المعروف بـ”المفيد”، حيث تحدث عن تفويض الأئمة للفقهاء في إقامة الحدود في عصر الغيبة، لكنه لم يتحدث عن نظرية النيابة العامة في سائر أبواب الفقه كالخمس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وصلاة الجمعة والثورة وإقامة الدولة، وكان أول من استخدم مصطلح النيابة عن ولي الأمر هو “أبو الصلاح الحلبي”، إلا أن القاضي “ابن براج” أول من أوصى بحفظ الخمس لدى الفقهاء وإيداعه أمانة لديهم إلى ظهور المهدي، وكان العلامة “المحلي” أول من طرح نظرية النيابة العامة في مجال الزكاة حيث قال “ولو تعذر الإمام فالأولى صرفها للفقيه المأمون وكذا حال الغيبة لأنه أعرف بمواقعها ولأنه نائب الإمام فكان له ولاية ما يتولاه”[14]. وفي هذا النص على الرغم من أنه يشير مقتصراً على الزكاة، لكن فلسفته في تقرير هذا الحق للفقهاء، ينطبق على باقي المباحث، بما فيها الحكم بشكل عام، إذ يبرر “المحلي” هذا الحق بأن الفقيه نائب الإمام وله ولاية ما يتولاه، وبما أن للإمام حق الإمامة أي الحكم، فإن هذا الحق ينطبق على الفقيه، وليس فقط سلطة صرف الزكاة.

ولم تصمد نظرية النيابة العامة المحدودة للفقهاء عن الإمام المهدي أمام التطورات السياسية الواقعة في الدول الشيعية، خاصة ما يتعلق بنشأة الدولة الصفوية، والتي رأت ضرورة تجاوز نظرية الإمامة القديمة، والتي تحتم ضرورة الانتظار، مما يعرقل أهدافهم الطامحة لنشأة دولة عقائدية. ولذلك قام الشاه “إسماعيل الصفوي” بتأسيس دولة عقائدية مرتبطة بالأئمة الاثنا عشرية بصورة روحية غيبية، والتي اعتمدت على فكرة الحق الإلهي للملوك الإيرانيين قبل الإسلام من ناحية، وأن جدهم الإمام الحسين بن علي تزوج بنت يزدجر فأولدها الإمام زين العابدين من ناحية أخرى، فاجتمع الحقان حق أهل البيت في الخلافة وحق الملوك الإيرانيين فيهم بالإضافة لنيابة المهدي، وبناءً عليه فقد كان الشاه إسماعيل يعتبر نفسه نائب الله وخليفة الرسول والأئمة الاثني عشر وممثل الإمام المهدي في غيبته[15].

ومن أهم المحطات في العهد الصفوي والتي نشأت فيها علاقة تكاملية بين الفقيه والسلطان، هي تجربة المحقق “علي الكركي” مع الشاه “طهماسب”، الذي كان في حاجة للسلطة الدينية ليواجه بها القزلباش، الذين كانوا يهيمنون على مفاصل الدولة آنذاك، وكان قد أنهى تمرداً لهم تواً، فأسس الكركي من خلال تنظيره لنظرية النيابة العامة، لباب يضفي الشرعية المجملة على الملوك الصفويين، مقابل إعطاء طهماسب للكركي وكالة للحكم باسم نائب الإمام الفقيه العادل[16].

وعزز طهماسب في إطار هذا التحول سلطة الكركي بوصفه “نائب الإمام”، فشغل الكركي في عهده منصب “صدر الصدور”، ولقبه الشاه بخاتم المجتهدين، وكان منصب الصدارة في الدولة الصفوية يعني القيام بالأمور الشرعية والنقابة وتولية الأوقاف وتقسيم الحقوق الشرعية التي وضعها السلطان وتولية ديوان المظالم وتعمير المعارف باسم الإمام الغائب. وقد قوبلت هذه النظرية بالنقد من قبل مرجعية النجف، بالأخص نقدر الشيخ “إبراهيم القطيفي” للكركي، حيث انتقد تعيين الشاه له “نائباً للإمام”، و شرعنته جباية الخراج للسلطان، وسبب ذلك هو اتخاذ مرجعية النجف موقفاً حذراً وسلبياً من شرعنة الدولة الصفوية، ثم القاجارية، باعتبارهما دولة زمنية لا دينية[17].

وبالتالي فقد استغل ملوك الصفويين الفقهاء ورجال الدين لتثبيت ملكهم وشرعنة سلطنتهم، في حين أن الممارسة العملية لرجال الدين لم تكن ولاية فقهية مطلقة، بل كانت تحالفاً وتشاركاً في السلطة بين الملوك ورجال الدين، فالفقهاء لم يتولوا شؤون الدولة بأنفسهم، وإنما أضفوا الشرعية على ملوك البلاط الصفوي مقابل ازدياد نفوذهم السياسي والاقتصادي في الحكم[18]. وذلك على الرغم من ذكر الكركي بأنه: “اتفق أصحابنا على أن الفقيه العدل الإمامي الجامع لشرائط الفتوى، المعبر عنه بالمجتهد في الأحكام الشرعية، نائب من قبل أئمة الهدى في حال الغيبة في جميع ما للنيابة فيه مدخل… فيجب التحاكم إليه والانقياد على حكمه”[19].

وفي هذا النص، فإن الكركي يرسخ لنظرية ولاية الفقيه، وليست نظرية النيابة العامة المحدودة أو الملكية، للدرجة التي جعلت البعض يرى في الكركي المنظر الأول لولاية الفقيه. ويمكن تفسير التناقض هنا في أن قبول الكركي بتولي السلطة الدينية بالتشارك مع الشاه الذي تولى السلطة الزمنية أو السياسية، بشكل يخالف ما دعا إليه في النص السابق، أنها كانت خطوة ومدخل يمهد من خلاله الكركي لتدخل العلماء في السياسة، ومحاولة لكسر الحاجز الذي كان بين الفقيه والحكم، كمقدمة لسيطرة كاملة للفقهاء على الحكم بعد ذلك.

ومن ثم على الرغم من تطوير نظرية النيابة العامة بشكلها المحدود لأدوار اجتماعية للفقيه في المجتمع، إلا أنها لم تؤسس لدور الفقهاء في السياسة وقيادة الأمة، كما أنها لم تقرر دوراً للأمة في اختيار الفقهاء الذين ينوبون عن المهدي في تلك الأدوار. أما النيابة العامة الملكية فهي لم تمكن الفقهاء من الحكم، بقدر ما مكنت الأسرة الصفوية، وهو حكماً ملكياً مبني على أساس الحق الطبيعي كونهم ملوك والحق الديني لكونهم نواب عن الإمام في الحكم. وسواء الصيغة التي أقرها الشاه إسماعيل والتي جمع فيها بين السلطة الزمنية والدينية، والصيغة التي أقرها طهماسب والتي ميز فيها بين السلطة الزمنية فكانت له، والدينية وكانت للفقيه، فإنه لا يوجد دور للأمة أيضا في اختيار الحاكم أو الفقيه، ومن ثم غياب دورها كمصدر للسيادة أو السلطة.

ثالثاً، نظرية ولاية الفقيه

تعرف ولاية الفقيه في عرف فقهاء الشيعة على أنها: ولاية الفقيه الجامع للشرائط الحجة في عصر غيبة الإمام، بحيث ينوب عن الإمام المنتظر في قيادة الأمة وإقامة حكم الله على الأرض[20]. ولقد جاءت نظرية ولاية الفقيه كرد فعل على ألف سنة تقريباً عاشها الشيعة الاثنا عشرية في مقاطعة تامة للسلطة، ومع طول غيبة المهدي، والحاجة الملحة للخروج من نظرية الانتظار، بدأ بعض علماء الشيعة، في التأصيل لإمكانية تصدي الفقيه المجتهد الجامع للشروط المعتبرة في كفاءته وكفايته، لأمور الدولة[21]. ويعد الشيخ “أحمد النراقي” أول فقيه بحث بالتفصيل في مسألة “ولاية الفقيه”، وأقام عليها الدليل العقلي والنقلي، فرأى النراقي أن للفقيه ما للإمام المعصوم من الوظائف في مجال الحكم والإدارة والسياسة، وهو تحوّل مهم، إذ منح الفقيه دور القيادة السياسية بعدما كان دوره مقتصراً على المرجعية الفقهية والدينية[22].

وفي هذا السياق يقول النراقي: “إن كل فعل متعلق بأمور العباد في دينهم أو دنياهم، ولا بد من الإتيان به، ولا مفر منه إما عقلاً أو عادة….وإناطة انتظام أمور الدين أو الدنيا به، أو شرعاً من جهة ورود أمر به أو إجماع أو نفي ضرر أو إحراز أو عسر أو حرج أو فساد على مسلم أو دليل آخر أو ورد الإذن فيه من الشارع ولم يجعل وظيفة لمعين واحد أو جماعة فيه، فهو وظيفة الفقيه وله النصر فيه والإتيان به”[23]. وفي هذا النص، يلاحظ شمولية واتساع وظيفة الفقيه لكل الأمور الدينية والدنيوية، واستخدام لفظ “النصر” في هذا السياق، يشير لمدى ضرورية وأهمية الإمامة في عصر الغيبة وفق فكر النراقي.

وفي الموقف من نظرية ولاية الفقيه، يمكن الإشارة لتيارين مركزيين: الأخباري والأصولي. بالنسبة للتيار الأخباري فيتمسك بنظرية الانتظار وأنه لا يجوز الزيادة أو الحذف من موروث الأئمة ولا يجوز الاجتهاد بعدهم، ويحصر الإمامة في الأئمة المعصومين المعينين من قبل الله. أما التيار الأصولي فعمل في إطار مجموعة من القواعد المنطقية والضوابط العقلية لقبول الأخبار، بعكس الأخبارية التي ارتأت أن الخبر مادام قد روى فيجب العمل به. وبرغم اتحاد الأصوليين في مواجهة الأخباريين، إلا أنهم لم يتفقوا على موقف موحد من النيابة العامة وولاية الفقيه، بل إن هناك أجنحة داخل التيار الأصولي رفضت نظرية ولاية الفقيه[24]

وقد شهد القرن الثالث عشر انتعاش المد الأصولي وقيام العلماء بتطبيق الحدود وممارسة القضاء والإفتاء وتولي أمور الرعية والتصرف بأموال اليتامى وتقسيم الخمس وممارسة المهمات الأخرى للحكومة، وكان هذا دليلاً على تطور نظرية النيابة العامة، من إجازة الملوك إلى تصدي الفقهاء بأنفسهم للحكم وتجاوز نظرية الانتظار، بل والتخلي عنها تماماً، كما شهدت الفترة تشكيل حكومات لا مركزية في بلاد شيعية واسعة[25].

إن الإشكالية الكبرى التي واجهتها نظرية ولاية الفقيه في تلك الفترة، أنه لم تحن لها الفرصة لكي تُطبق عمليا على أرض الواقع بشكل حقيقي متكامل، سواء في شكل دستوري أو سلطوي، ما أدى لخفوتها وانحسارها، وعودة سيطرة التيار الأخباري، ونظرية الانتظار على الفكر السياسي الشيعي من جديد.

رابعاً، نظرية ولاية الفقيه المطلقة عند الخميني

منذ أطروحة “النراقي” حول ولاية الفقيه حتى ما قبل قدوم “الخميني” لم يتجذر القول بهذه النظرية، وإنما تمسك الفقهاء بنقد أدلتها وعدم التسليم بها، وظلت على هامش الثقافة الشيعية، حتى جاء الخميني فقام بعملية إحياء وترميم لنظرية ولاية الفقيه، وسط معارضة مستمرة من فقهاء الشيعة أيضا باختلاف مرجعياتهم، ومن ثم يعد ظهور الخميني نقطة تحول في الفقه الشيعي، فهو أول فقيه شيعي يحمل مشروعاً للدولة ويسعى لتطبيقه استناداً لنظرية ولاية الفقيه[26].

ويرى الخميني ضرورة الإمامة في عصر الغيبة، وفي هذا السياق يقول: “إن ما هو دليل الإمامة بعينه دليل على لزوم الحكومة بعد غيبة ولي الأمر، لا سيّما مع هذه السنين المتمادية، ولعلّها تطول، والعياذ بالله، إلى آلاف السنين.” وقال “أية حاجة كالحاجة إلى تعيين من يدبّر أمر الأمة ويحفظ نظام بلاد المسلمين طيلة الزمان ومدى الدهر في عصر الغيبة، مع بقاء أحكام الإسلام التي لا يمكن بسطها إلاّ بيد والي المسلمين وسائس الأمة والعباد”. واستشهد بقول السيدة فاطمة الزهراء بنت الرسول محمد (ص) في خطبتها المعروفة “الطاعة نظاماً للملّة والإمامة لمّاً من الفرقة”، كدليل على لزوم بقاء الولاية والرئاسة العامة[27].

والنصوص السابقة تجمع بين أداتين استخدمهما الخميني في تنظيره لولاية الفقيه المطلقة وهما: الأداة النقلية، وذلك باستشهاده بقول السيدة فاطمة. والأداة العقلية، وهي الأبرز والتي اعتمد عليها الخميني بشكل أكبر في إضعاف الأحاديث التي كانت توصي بالانتظار، ويظهر في النص السابق في قوله “غيبة ولي الأمر.. ولعلها تطول”، ومن ثم يستدل باحتمالية طول مدة غياب الإمام على وجوب تولي الفقهاء الإمامة نيابة عنهم.

وفي ذات سياق الأدلة العقلية أيضا يقول الخميني “بديهي أنّ ضرورة تنفيذ الأحكام (الشرعية) لم تكن خاصة بعصر النبي (ص) بل الضرورة مستمرة، لأن الإسلام لا يحد بزمان أو مكان. لأنه خالد فيلزم تطبيقه وتنفيذه والتقيّد به إلى الأبد. وإذا كان حلال محمد حلالاً إلى يوم القيامة، وحرامه حراماً إلى يوم القيامة، فلا يجوز أن تعطّل حدوده، وتهمل تعاليمه، ويترك القصاص أو تتوقف جباية الضرائب المالية، أو يترك الدفاع عن أمة المسلمين وأراضيهم”[28].

وفي شروط الإمام، يقول الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية: “لو قام الشخص الحائز لهاتين الخصلتين (العلم بالقانون والعدالة) بتأسيس الحكومة، تثبت له نفس الولاية التي كانت ثابتة للرسول الأكرم (ص) ويجب على جميع الناس إطاعته. فتوهم أن صلاحيات النبي (ص) في الحكم كانت أكثر من صلاحيات أمير المؤمنين وصلاحيات أمير المؤمنين أكثر من صلاحيات الفقيه، هو توهم خاطئ وباطل”[29]. لكنه في نفس الوقت قسم الولاية لقسمين: ولاية تكوينية وتختص بالنبي (ص) والأئمة من بعده، وولاية اعتبارية والتي يندرج تحتها ولاية الفقيه[30]. وفي النص السابق، يمكن رصد المدخل الذي منح من خلاله الخميني للفقيه صفة العصمة، حيث لا يرى فرقا بين الصلاحيات التي كانت للنبي وللأئمة من بعده وتلك التي للفقهاء.

وقد جعل الخميني الولي الفقيه فوق الدولة والمجتمع، وأعطاه حق الوصاية على المجتمع وخياراتها السياسية والفقهية معا، لذلك نبذ نظرية “ولاية الأمة” التي بذر بذورها الشيخ “محمد حسين النائيني”، لأنه (الخميني) رأي أن الفقيه يجب أن يتصدر المشهد السياسي وأن يقود بنفسه، فدوره يجب أن يتعدى من حافظ لحقوق الأمة ومدافع عن مطالبها، لوصي على الأمة ومنفذ لسياسات يراها متماشية مع منهج الإمام المعصوم، سواء وافقت الأمة أو خالفت فهي قاصرة عن بلوغ أهدافها، حيث يتعامل الخميني مع الشعب كله كالأطفال الصغار، الذي يحتاج لقيم وولي أمر يتولى أمره ويقرر مصيره[31]. كما بنى الخميني أساس الحكومة الإسلامية على ولاية الفقيه، فشرعية الحكومة مستمدة منها، بوصف الفقيه العادل ولياً للأمة ونائباً عاماً للإمام المهدي[32].

وفيما يتعلق بالنائيني، وهو المنظر الأول للثورة الدستورية 1905، ونظريته عن ولاية الأمة، فهي على النقيض من نظرية ولاية الفقيه المطلقة، سواء لرفض النائيني العصمة للأئمة والسلاطين، أو لتأكيده دور الأمة في الرقابة على الحكام، وبالتالي يبرز هنا حق الأمة كمصدر للسيادة، بخلاف نظرية ولاية الفقيه المطلقة التي تعصف بهذا الحق.

وفي هذا السياق يقول النائيني “إذا كانت العصمة أو التقوى تحدد الحاكم وتمنعه من الطغيان والتجاوز والاعتداء، فإننا يمكن أن نصل إلى هذه النتيجة بالقوانين المسددة التي تحدد الصلاحيات للحاكم، وذلك عن طريق: أولا الدستور الذي يحدد الحقوق والواجبات للحاكم والمحكومين… وثانياً ترسيخ مبدأ المحاسبة والمسؤولية عبر مجلس شورى…وهو الذي يمنع الولاية من التحول إلى الملك والمالكية، وهو مسؤول أمام الشعب”[33].

وبالتالي رفض الخميني نظرية الانتظار وأفتى بضرورة الإمامة في عصر الغيبة، ومن ثم أعطى للفقهاء حق الاشتباك مع الواقع السياسي، وممارسة الحكم وقيادة الأمة. ورافضاً مبدأ الشورى، منح الولي الفقيه ولاية مطلقة في الحكم، مبنية على عصمته كامتداد لعصمة الأنبياء والأئمة الاثني عشر، وهو ما يمكن الولي الفقيه من بسط سيادته وسيطرته على الأمة، ومنع الأخيرة من أن تكون مصدراً حقيقياً للسيادة، بل إن الولي الفقيه هو مصدر الشرعية للحكومة، وهو ما يقود لهيمنة الولي الفقيه على الدولة والمجتمع.

المطلب الثاني، مصادر السيادة في الدستور الإيراني

يتشابه الدستور الإيراني مع غيره من دساتير البلدان الأخرى في تقسيمه سلطات الحكم لثلاث سلطات، تنفيذية وتشريعية وقضائية. لكنه افترق عنها من خلال ملمحين رئيسيين:

الأول أنه في سياق هذه السلطات الثلاث، وضع الأساس لمجموعة من المؤسسات الرسمية الفريدة من نوعها في جزء كبير منها، والتي تتشارك عملية صنع القرار وإدارة الدولة، على رأسها منصب القائد “الولي الفقيه”، والذي يتحكم ويهمين على بقية المؤسسات بأدوات دستورية مباشرة وغير مباشرة، وتشمل تلك المؤسسات منصب رئيس الجمهورية، مجلس الشورى الإسلامي، مجلس صيانة الدستور، مجمع تشخيص مصلحة النظام، مجلس خبراء القيادة والمجلس الأعلى للأمن القومي. الملمح الثاني، ترسيخ الدستور لسيادة “حاكمية” ذات ثلاثة أبعاد، وهي سيادة الله وسيادة الأمة وسيادة الولي الفقيه.

أولاً، سيادة ثلاثية الأبعاد

انطلاقاً من نصوص الدستور، يمكن الإشارة لثلاثة أبعاد تتجلى فيها مفهوم السيادة، وهي سيادة الله، سيادة الأمة وسيادة الولي الفقيه.

(1) السيادة الإلهية

يمكن تلمس دور سيادة الله وشريعته الإسلامية كمظلة عليا وكحاكمة وضابطة للنظام السياسي والاجتماعي في الدستور الإيراني بدءاً من ديباجته وحتى نصوص مواده. ففي ديباجة الدستور، أكدت على إسلامية الثورة والتي تجلت في مسميات المؤسسات التي رسخها الدستور، بدءا من مسمى الدولة “الجمهورية الإسلامية”، و”الحكومة الإسلامية”، و”مجلس الشورى الإسلامي”.

كما نصت الديباجة على أن “بناء المجتمع يعتمد على البنى والمؤسسات السياسية القائمة على التعاليم الإسلامية…وأن يتم التشريع في ضوء القرآن والسنة حيث يبين هذا التشريع الأسس اللازمة لإدارة المجتمع”.[34] وفي سياق التأسيس لدور الجيش، نصت الديباجة على أنه “لا تلتزم القوات المسلحة بمسؤولية الحامية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أيضا أعباء رسالتها الإلهية وهي الجهاد في سبيل الله، والنضال لبسط حاكمية القانون الإلهي في العالم.”[35]

أما مواد الدستور، ففي المادة (2) نصت على أن نظام الجهورية الإسلامية يقوم على أساس الإيمان بالله وتفرده بالحاكمية والتشريع، ودور الوحي الإلهي في بيان القوانين، والإيمان بعدل الله في الخلق والتشريع[36]. أما المادة (4) فنصت على أن “تكون الموازين الإسلامية أساس جميع القوانين والأنظمة المدنية والجزائية والمالية والاقتصادية والإدارية والثقافية والعسكرية والسياسية وغيرها.”[37] وفي المادة (12)، أقرت نصوص الدستور أن الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثنا عشر، مؤكدة أن هذا المبدأ غير قابل للتغيير إلى الأبد[38]. أخيراً، نصت المادة (56) على أن “السيادة المطلقة على العالم وعلى الإنسان لله.”[39]

وبالتالي فإن النص على دور الإسلام وفق التصور الشيعي الاثنا عشري كأساس لنظام الحكم، وعلى سيادة الله وشريعته في الأرض قد تجلي في العديد من نصوص مواد الدستور، بشكل مطلق لا نسبي، وبدون وضع استثناءات، أو حتى وضع مصادر تشريعية وحاكمة عليا أخرى مكملة له.

إن النص بهذا الشكل على الدور الحاكم للإسلام في النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الدستور، يخدم نظرية ولاية الفقيه، ودور القائد في الحكم والضبط والسيطرة؛ إذ أنه طالما كانت الشريعة الإسلامية هي المحدد المركزي والوحيد للحكم ومصدر التشريع، فإنه من يتطلع لعملية الحكم يجب أن يكون ملماً بالعلم الشرعي، ومن ثم يرسخ لمركزية رجال الدعوة كرجال دولة ولنظرية الفقيه الحاكم. أخيراً، إن السيادة لا يمكن أن تظل مقتصرة على هذا البعد “الإلهي”، فلابد من أبعاد مكملة، تنقل هذا المفهوم من الحيز النظري لواقع عملي ممارساتي، وهنا يأتي الحديث عن البعدين الآخرين، وهما الأمة والولي الفقيه.

(2) سيادة الأمة

يمكن تلمس دور الأمة كمصدر للسيادة والسلطات في الدستور الإيراني من خلال عدد من النصوص، فضلا عن ديباجته. ففي الديباجة تم النص على أن “الدستور يقوم بتهيئة الظروف اللازمة لمشاركة جميع أفراد المجتمع في جميع مراحل اتخاذ القرارات السياسة والمصيرية”[40]. أما المادة (6) فنصت على أن شؤون الدولة تدار بالاعتماد على رأي الأمة الذي يتجسد في الانتخابات، بما فيها انتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشوري الإسلامي أو عن طريق الاستفتاء العام في الحالات التي ينص عليها الدستور[41].

وفي المادة (56) والتي نصت على السيادة المطلقة لله على العالم والإنسان، فإنها نصت أيضا على أن الله منح الإنسان حق السيادة على مصيره الاجتماعي، ولا يحق لأحد سلب هذا الحق منه، والشعب يمارسه بالطرق التي بينها الدستور[42]. أيضا نصت المادة (59) على جواز ممارسة وظائف السلطة التشريعية في المسائل الهامة، بالرجوع لآراء الناس مباشرة عبر الاستفتاء العام بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشورى[43].

وبالتالي فإنه من النصوص السابقة، تظهر عدة مؤشرات لدور الأمة كمصدر للسيادة والسلطة، وتظهر عمليا في دوره في انتخابات الرئاسة ومجلس الشورى ومجلس الخبراء، فضلا عن الاستفتاءات. وعلى الرغم من تلك النصوص، إلا أنه يمكن القول بأن دور الأمة كمصدر للسيادة في الدستور الإيراني يعد ضعيفاً؛ ويرجع ذلك لنظرية ولاية الفقيه التي تعد الدعامة المركزية التي قام عليها الدستور. ففي المادة (2) والتي نصت على الأسس الحاكمة للنظام السياسي، تم الإشارة لسيادة وحاكمية الشريعة، ثم لسيادة وحاكمية الإمامة والقائد، دون الإشارة لسيادة الأمة، ودلالة ذلك تتمثل في أن سيادة الأمة تأتي في مرتبة ثالثة بعد السيادة الإلهية وسيادة ولاية الفقيه “القائد”، بل إن دورها مهمش. ويمكن رصد العديد من النصوص الدستورية التي تمكن الولي الفقيه من السيادة على الأمة والهيمنة على كل السلطات.

(3) سيادة الولي الفقيه “القائد”

أصبح مفهوم الحاكمية ذات أهمية مركزية في الفكر الشيعي مع بروز نظرية الولي الفقيه، بالأخص في شكلها المطلق في فكر الخميني، والذي رأي أن الولي الفقيه هو خليفة الله في أرضه، وأن ولايته على الناس من قبل الله كولاية الرسول والأئمة من أهل البيت، ومن ثم ربط تطبيق الحاكمية بالولي الفقيه. فهل تم ترجمة تلك الأفكار في نصوص الدستور؟

لقد تم ترجمة أفكار الخميني حول نظرية ولاية الفقيه المطلقة في الدستور، بدءاً بديباجته وانتهاءً بنصوص مواده. فنصت الديباجة على أنه “تماشياً مع ولاية الأمر والإمامة، يهيئ الدستور الظروف المناسبة لتحقيق قيادة الفقيه جامع الشرائط الذي يعترف به الناس قائداً.”[44] وفي المادة (2) من الدستور، نصت على “الإيمان بالإمامة والقيادة المستمرة ودورها الأساسي في استمرار ثورة الإسلام.”[45] كأحد الدعائم التي يقوم عليها نظام الجمهورية الإسلامية.

أما المادة (5)، فهي المادة المركزية في هذا الصدد، إذ نصت على أنه “في زمن غيبة الإمام المهدي تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتقي البصير بأمور العصر؛ الشجاع القادرة على الإدارة والتدبير…”[46] ونصت المادة (57) على أن السلطات الثلاث في الدولة تمارس صلاحياتها بإشراف ولي الأمر المطلق وإمامة الأمة[47].

وبالتالي فإن الدستور أكد بشكل لا لبس فيه على ولاية الفقيه المطلقة، ودورها المركزي في نظام الحكم، وجعلها أحد دعائم النظام السياسي الجديد، وجعلت ممارسة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تحت إشرافها، أي أن القائد هو صاحب السيادة العليا على كل السلطات.

وقد حددت المادة (107) طريقة اختيار الولي الفقيه “القائد”. حيث نصت على توكيل مهمة تعيينه إلى مجلس خبراء القيادة المنتخبين من الشعب، ويتدارس هؤلاء الخبراء ويتشاورون بشأن كل الفقهاء جامعي الشروط المحددة، وفي حال عدم وجود هذه الصفات، ينتخبون واحداً منهم ويعلنونه قائداً، ويتمتع القائد المنتخب من مجلس الخبراء بولاية الأمر ويتحمل كل المسؤوليات الناشئة عن ذلك[48].

أما المادة (110) فحددت صلاحيات القائد وهي: رسم السياسات العامة للدولة والإشراف على تنفيذها، إصدار الأمر بالاستفتاء العام، القيادة العامة للقوات المسلحة، إعلان الحرب والسلام والنفير العام، تنصيب وعزل وقبول استقالة كل من فقهاء مجلس صيانة الدستور والمسؤول الأعلى في السلطة القضائية ورئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون ورئيس أركان القيادة المشتركة والقائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية والقيادات العليا للقوات المسلحة.

وحل الخلافات بين أجنحة القوات المسلحة الثلاث، توقيع مرسوم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من الشعب، عزل رئيس الجمهورية بعد صدور حكم المحكمة العليا بمحالفته لوظائفه الدستورية أو بعد تصويت مجلس الشوري الإسلامي بعدم كفاءته السياسية، وأخيراً إصدار العفو أو تخفيف عقوبات المحكوم عليهم[49]. وأخيراً المادة (111) فتنص على أنه في حال عجز القائد عن أداء وظائفه الدستورية، أو فقد أحد الشروط التي اشترطها الدستور لهذا المنصب، فإنه يعزل عن منصبه، وتعود صلاحية هذا الأمر لمجلس خبراء القيادة[50].

وبالتالي فإن الصلاحيات المذكورة هي صلاحيات سيادية عليا وحاكمة وضابطة لكل السلطات. وفي هذا السياق، يمكن الإشارة للأزمة التشريعية السياسية التي حدثت بعد 10 أعوام من إقرار الدستور، عندما رفض مجلس صيانة الدستور التصويت على قانون العمل الذي أعده مجلس الشورى، بحجة مخالفته للإسلام، مما اضطر وزير العمل للاستنجاد بالخميني، وأجاز الخميني للوزير تطبيق القانون الذي شرّعه مجلس الشورى دون أن يصوت مجلس صيانة الدستور عليه، واستغل وزير العمل هذا الحادث في توسيع صلاحياته وتفعيل العديد من القوانين، وهو ما أثار حفيظة رئيس الجمهورية آنذاك “علي خامنئي”، فخطب الجمعة آنذاك مندداً بذلك، فامتعض الخميني، ووجه له رسالة شديدة، عبّر فيها عن إيمانه بالولاية المطلقة للفقيه، التي لا تحدها حدود، وهي ما مثلت قفزة كبيرة في توسيع الولاية وإطلاقها، وأسست الرسالة لمرحلة جديدة، هي مرحلة الديكتاتورية الثيوقراطية، التي يغيب فيها دور الشعب[51].

إن هذه الواقعة، تدفع باتجاه مناقشة مدى وجود فصل حقيقي بين السلطات في النظام السياسي الإيراني. وفي هذا الصدد، يرى الكاتب “نوج فيلدمان” في كتابه “قيام الدولة الإسلامية وسقوطها”، أن طبيعة النظام السياسي وما يتضمنه من سلطات متعددة وهيمنة دور الولي الفقيه في الدستور الإيراني، قلب الدور التاريخي للعلماء رأسا على عقب، حيث عمل العلماء قديماً ككفة موازية للسلطة التنفيذية أو الحاكم، أما في الحالة الإيرانية الحالية، فقد أصبحوا الطبقة الحاكمة ذاتها، وبإحكام قبضتهم على السلطة التشريعية لم يعد هناك سلطة موازية للعلماء، والنتيجة سلطة علماء تنفيذية عليا بلا قيد، وهو ما يدفع الكاتب لاستنتاج أن إحياء طبقة العلماء ليس كافيا لحل مشكلة الاستبداد طالما لا يوجد توازن بين السلطات[52].

وبالإضافة إلى كل هذه الصلاحيات الدستورية، وكي يتمكن القائد من القيام بمهامه، فإنه يقوم بتعيين ممثّلين له، ينتشرون في كافة مؤسسات الدولة وأجهزتها، وفي كل الوزارات والسفارات والمراكز الثقافية داخل إيران وخارجها، وفي محافظات إيران الثماني والعشرين، وهؤلاء هم ممثّلو الإمام، المسؤولون أمامه شخصياً، والذين يبلغ عددهم نحو ألفي ممثّل[53].

أخيراً فيما يتعلق بوجود مواد تحجم وتكبح جماح القائد أو المرشد، فيمكن الإشارة إلى الآتي:

  • منصب القائد “الولي الفقيه” أبدي مدى الحياة، وكما لم يمنح الدستور الشعب حق اختياره، لم يمنحه حق مساءلته ومحاسبته، ولا حتى منح هذا الحق لنواب الشعب ممثلين في مجلس الشورى، وإنما منحته لمجلس خبراء القيادة. وهناك مواد دستورية تحد من قدرة هذا المجلس على عزل القائد، سوف يتم الحديث عنها تفصيلا في السطور القادمة.
  • المادة (142) والتي تنص على أن رئيس السلطة القضائية يتولى التحقيق في أملاك القائد[54]. فإن هذه المادة لا تمثل قيداً كبيراً على الأخير، إذا ما رجعنا للمادة (110)، والتي تنص على صلاحيات القائد، ومنها تعين وعزل وقبول استقالة رئيس السلطة القضائية. فكيف يمكن عملياً أن يحقق رئيس السلطة القضائية في أملاك من يعينه!.

وبالتالي، إذا ما تم التسليم بأن الله وشريعته المصدر الأعلى للسيادة في الدستور الإيراني كحاكمية تشريعية عليا مطلقة، فإن هذه السيادة حينما تنتقل للواقع كحاكمية سياسية، فإنها لا تنتقل للأمة بشكل رئيسي، ولا حتى تنقسم مناصفةً بين الأمة والولي الفقيه، وإنما تنتقل بشكل شبه كامل للولي الفقيه، مع أدوار هامشية للأمة، حتى وإن بدت محورية كانتخاب رئيس الجمهورية. إذ أن الدستور يحفل بالعديد من الأدوات التي تمكن الولي الفقيه والمؤسسات التابعة له من التحكم في من يترشح لرئاسة الجمهورية ومجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة، بحيث يصبح الشعب أمام مرشحين تمت الموافقة عليهم سابقاً من قبل القائد، وبالتالي ويصبح اختيار الشعب تحصيل حاصل.

ثانياً، المؤسسات السياسية الرسمية والتوازن بين السلطات

رسخت نصوص الدستور سيادة وهيمنة لمؤسسة ولي الفقيه أو القائد على مجمل النظام السياسي الإيراني ومؤسساته. ومن خلال عرض لبنية هذه المؤسسات وصلاحياتها وطرق تشكيلها، انطلاقاً من نصوص الدستور، يمكن رصد مدى تحكم القائد في كل هذه المؤسسات، بأدوات دستورية، مباشرة وغير مباشرة، لاغياً بذلك مبدأ التوازن بين السلطات.

(1) رئيس الجمهورية

أولاً فيما يتعلق بعملية الانتخاب، تنص المادة (114) على أن انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب لمدة أربع سنوات، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لولاية واحدة تالية فقط. وتشترط المادة (115) من ضمن شروط الواجب توافرها في شخص الرئيس، أن يكون مؤمن بالمبادئ الأساسية لجمهورية إيران الإسلامية والمذهب الرسمي للبلاد[55].

ثانياً فيما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية، فإنه يعتبر أعلى سلطة في الدولة بعد مقام القيادة أو المرشد، وهو المسئول عن تنفيذ الدستور، ورئيس السلطة التنفيذية إلا في المجالات التي ترتبط مباشرة بالقائد، وهو ما تنص عليه المادة (113). ووفقا للمادة (123) يوقع على التشريعات التي يقرها مجلس الشورى، وعلى الاستفتاءات. أما المادة (125) فتنص على أنه يوقع الرئيس بعد موافقة مجلس الشورى، على المعاهدات والعقود والاتفاقيات التي تبرمها الحكومة الإيرانية. ووفق المادة (126) يتولى رئيس الجمهورية أمور التخطيط والموازنة والتوظيف في الدولة. فيما تنص المادة (128) على أن الرئيس يوافق على تعيين السفراء باقتراح من وزير الخارجية ويوقع أوراق اعتمادهم[56].

وأخيراً ما يتعلق بأدوات الكبح الدستورية في مواجهة رئيس الجمهورية، تنص المادة (118) على أن مجلس صيانة الدستور يتولى مسؤولية الإشراف على انتخابات رئاسة الجمهورية، فضلا عن أنه المخول بالموافقة على القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة. وتنص المادة (123) على أن الرئيس مسؤول أمام الشعب والقائد ومجلس الشورى الإسلامي. كما تنص المادة (130) على أن رئيس الجمهورية إذا رغب في تقديم استقالته، فإنه يقدمها للقائد ويستمر في تأدية مهامه حتى يقبل استقالته. فيما تنص المادة (133) على أن مجلس الشورى الإسلامي يمنح الثقة للوزراء الذي يعينهم رئيس الجمهورية. وتشير المادة (134) إلى أن رئيس الجمهورية مسؤول أمام مجلس الشورى عن إجراءات مجلس الوزراء. في حين تنص المادة (135) على أن مجلس الشورى لديه الصلاحية في مساءلة الوزراء وحجب الثقة عنهم. وأخيراً المادة (142) والتي تنص على أن رئيس السلطة القضائية يتولى التحقيق في أملاك رئيس الجمهورية ونوابه ووزرائه وأسرهم قبل توليهم مناصبهم وبعده[57].

وبالتالي فإنه مع الإقرار بصلاحيات رئيس الجمهورية الواسعة على المستوى التنفيذي، إلا أن هناك عدد من الكوابح التي تحجم الرئيس عن ممارسته لهذه الصلاحيات، وهي تحمل دلالة ذات بعدين متناقضين. فهي من ناحية وبينما تضمن مبدأ التوازن بين السلطات إذ تمنع الرئيس من التمتع بصلاحيات مطلقة، فإنها من ناحية أخرى تنقض هذا المبدأ، حيث تمكن هذه النصوص القائد من السيطرة والتحكم في منصب الرئيس، سواء في عملية وصوله للمنصب، أو حتى في ممارسته لصلاحياته.

بالنسبة لمبدأ توازن السلطات، فإنه يمكن رصده في قدرة مجلس الشورى على مساءلة الوزراء وحجب الثقة عنهم، وأن الرئيس مسؤول أمام القائد ومجلس الشورى، إذ يمتلك الأخيرين صلاحية عزل الرئيس. كما أن رئيس السلطة القضائية مخول بالتحقيق في أملاك رئيس الجمهورية. أما ما يتعلق بسيطرة القائد وتحكمه، فيمكن رصده في قدرة القائد على عزل الرئيس، كما أن قبول استقالة الأخير مرهونة بموافقة القائد. والنقطة الأهم في هذا السياق، فهو مجلس صيانة الدستور، والذي يجب موافقته على مرشحي الرئاسة قبل خوضهم السباق، وهو المجلس الذي يعين القائد نصفه بشكل مباشر، في حين يتحكم في تعيين النصف الآخر بشكل غير مباشر، وهو مدخل مباشر يتحكم من خلاله القائد في تحديد هوية رئيس الجمهورية.

وقد شهدت التجربة الإيرانية حالة إقالة المرشد أو القائد لرئيس الجمهورية، وكانت مع أول رئيس للجمهورية الإسلامية بعد الثورة، “أبو الحسن بني الصدر”، الذي اختلف مع الخميني، حتى توصل الأخير إلى اقتناع، مفاده أن بقاء أبو الحسن أصبح مصدر إزعاج وقلق داخلي، فقرر في 27 مايو 1981 عزله، بعد استيفاء الإجراءات الدستورية، حيث اتهمه بالخيانة، وبرر تلك التهمة بمسؤوليته عن إعاقة عمل القوات المسلحة، لصد الهجوم العراقي على الأراضي الإيرانية[58].

(2) مجلس الشورى الإسلامي

أولا ما يتعلق بمدة ولايته، تنص المادة (58) على أن مجلس الشورى الإسلامي والمؤلف من ممثلي الشعب المنتخبين يمارس السلطة التشريعية. وتنص المادة (63) على أن مدة الولاية في المجلس أربع سنوات[59].

ثانياً صلاحيات المجلس، فتنص المادة (71) على أن المجلس له حق سن القوانين. وتنص المادة (76) على أن لمجلس الشورى الحق في التدقيق والتحقيق في جميع شؤون البلاد. فيما تنص المادة (77) على أن المجلس يصادق على المواثيق والعقود والمعاهدات والاتفاقيات الدولية. كما تنص المادة (78) على أن إحداث أي تغييرات في حدود البلاد يشترط مصادقة أربعة أخماس نواب المجلس. ويشترط مصادقة المجلس على أي قوانين أو أحكام عرفية مقيدة للحركة تفرضها الحكومة وذلك وفقاً للمادة (79).

أما المادة (80) فتشترط موافقة المجلس على عمليات الاقتراض والإقراض ومنح المساعدات داخل البلاد وخارجها. كما تنص المادة (87) على أنه فور تشكيل مجلس الوزراء لابد وأن تحصل الحكومة على ثقة مجلس الشورى. ووفقا للمادة (88) يستطيع المجلس مساءلة الرئيس ووزرائه. وأخيرا تنص المادة (89) على طريقة محاسبة ومساءلة المجلس لمجلس الوزراء والرئيس، حيث يقبل المجلس طلب استجواب مجلس الوزراء أو أحد الوزراء إذا وقع عليه عشرة نواب على الأقل، وإذا لم يمنح المجلس ثقته يعزل مجلس الوزراء أو الوزير المستجوب. أما بالنسبة لرئيس الجمهورية، ففي حال تقديم ثلث عدد النواب على الأقل استجواباً لرئيس الجمهورية، فإن على الأخير تنفيذ الطلب، وإذا صوتت أكثرية ثلثي النواب على عدم كفاءة رئيس الجمهورية يرفع الأمر لمقام القيادة أي القائد لاطلاعها عليه[60].

وأخيراً ما يتعلق بأدوات الكبح الدستورية في مواجهة مجلس الشورى، فإن المادة (72) تنص على أن مجلس صيانة الدستور يتولى مهمة البت في مدى مطابقة القوانين التي يشرعها المجلس مع أحكام الدستور[61]. وهو ذات المجلس الذي يبت في مدى أهلية مرشحي مجلس الشورى للترشح. إن المواد السابقة تعبر أيضا عن توفر مبدأ توازن السلطات، ففي الوقت الذي تستطيع فيه السلطة التشريعية محاسبة ومساءلة السلطة التنفيذية، فإن مجلس صيانة الدستور، يراقب التشريعات والقوانين التي تصدرها السلطة التشريعية، ويبت في مدى دستوريتها، فضلا عن موافقته اللازمة على مرشحي البرلمان قبل انتخابهم. لكن في الوقت ذاته، يظل القائد وصلاحياته المباشرة وغير المباشرة مسيطر على هذا المجلس، عامل معوق لهذا التوازن، من خلال تحكمه في تشكيل مجلس صيانة الدستور، ما يمكنه من التحكم في تركيبة البرلمان من ناحية، وفي صلاحية مراقبة صيانة الدستور للقوانين التي يصدرها مجلس الشورى.

(3) مجلس صيانة الدستور

أولاً ما يتعلق بتشكيل المجلس، يعد هذا المجلس من أهم وأخطر المؤسسات الرسمية التي أقرها دستور الجمهورية الإسلامية بعد الثورة، سواء لصلاحياته المركزية الحاكمة للعديد من الهيئات والسلطات، أو لقدرة القائد على التحكم فيه، من خلال دوره في تشكيل هذا المجلس. وتنص المادة (91) على أن المجلس يتكون من ستة أعضاء من الفقهاء العدول ويختارهم القائد، وستة أعضاء من الفقهاء المختصين في القانون ويرشحهم رئيس السلطة القضائية، وينتخبهم مجلس الشورى الإسلامي. وتنص المادة (92) على أن مدة ولاية المجلس ست سنوات[62].

ثانياً صلاحيات المجلس، وفقا للمادة (4)، يتولى فقهاء مجلس صيانة الدستور تشخيص مدى توافر الموازين الإسلامية في جميع القوانين والأنظمة المدنية والاقتصادية والعسكرية والثقافية وغيرها. أما المادة (91) فتنص على أنه يشكل مجلس صيانة الدستور بهدف ضمان الأحكام الإسلامية والدستور وللتأكد من تطابق قرارات مجلس الشورى مع الإسلام. في حين تشير المادة (96) إلى أن إقرار عدم تعارض تشريعات مجلس الشورى مع أحكام الإسلام بأغلبية الفقهاء في مجلس صيانة الدستور، أما تحديد عدم تعارضها مع الدستور فيتم بأكثرية جميع أعضائه. وتؤكد المادة (98) أن تفسير الدستور من اختصاص مجلس صيانة الدستور، ويتم بموافقة ثلاثة أرباع أعضائه. وأخيراً المادة (99) تنص على أن المجلس يتولى الإشراف على انتخابات مجلس خبراء القيادة ورئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشورى الإسلامي والاستفتاء العام[63].

أخيراً ما يتعلق بأدوات الكبح الدستورية في مواجهة مجلس صيانة الدستور، فيبرز دور القائد في تعيين نصف أعضاء المجلس، والتحكم بشكل غير مباشر في النصف الآخر، حيث من يرشح النصف الثاني رئيس السلطة القضائية، وهو الشخص الذي يعينه القائد أيضا. وإذا كان للقائد كل هذا القدر من التحكم والسيطرة في هذا المجلس، فإنه يصبح لديه القدرة غير المباشرة على التمتع بصلاحيات المجلس الواسعة، سواء تفسير الدستور، أو فحص مدى مطابقة القوانين للإسلام والدستور، والأهم الموافقة على المرشحين للرئاسة والبرلمان ومجلس الخبراء.

(4) مجمع تشخيص مصلحة النظام

هو هيئة استشارية عليا للقائد، تأسس عملياً عام 1988، ويتكون من 31 عضوا يعين القائد أعضاءه الدائمين وغير الدائمين، ما عدا رؤساء السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) الذين ينضمون إلى المجمع بشكل آلي، ومدة عمل أعضائه خمس سنوات[64]. ووفقا للمادة (112) يجتمع المجمع بأمر من القائد في أي وقت يحدث فيه خلاف بين مجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى حول مدى مطابقة مقترح قانون معين للشريعة أو الدستور. كما يجتمع لدراسة أي قضية تحال إليه من القائد. وتشير المادة (111) إلى أنه في حالة موت القائد أو عجزه عن القيام بعمله، يختار مجمع تشخيص مصلحة النظام عضوا من مجلس خبراء القيادة، ليتولى مهام المرشد حتى انتخاب مرشد جديد[65].

ويعد المجمع من أكثر المؤسسات التي يسيطر عليها القائد، سواء لكونه هو من يعين جميع أعضائها، باستثناء الثلاث الممثلين للسلطات الثلاث، والذين يتحكم فيهم بطريقة أو بأخرى، أو لأن قرارات المجمع لا تصبح نافذة إلا بعد مصادقة القائد عليها.

(5) مجلس خبراء القيادة

هيئة دينية تأسست عام 1982، تتكون من 88 عضوا، يتم انتخابهم من قبل الشعب لمدة ثماني سنوات، ونادراً ما يتدخل المجلس في الشؤون السياسية للبلاد؛ إذ إنه مختص بالحفاظ على تطبيق أسس وأركان نظام ولاية الفقيه.[66]. فوفقا للمادة (107) فإن المجلس توكل له مهمة تعيين القائد، من ضمن مجموعة من الفقهاء جامعي الشروط المنصوص عليها في الدستور، وفي حال عدم توافر هذه الصفات ينتخبون واحداً منهم ويعلنونه قائداً. ووفقا للمادة (111) فإنه حينما يعجز القائد عن أداء وظائفه أو فقده أحد الشروط المنصوص عليها دستورياً، فإن مجلس الخبراء هو يقوم بعزله من منصبه، وفي حال وفاة القائد، فإن مجلس الخبراء يتولى بأسرع وقت تعيين القائد الجديد[67].

وبالتالي فإن أهمية مجلس خبراء القيادة تكمن في كونه المسؤول عن اختيار القائد ومحاسبته وانتهاءً بعزله. وعلى الرغم من هذه الصلاحيات شديدة الأهمية التي يتمتع بها المجلس في مواجهة القائد، إلا أن الأخير يظل له السلطة والسيادة العليا على مجلس الخبراء؛ لأن مجلس صيانة الدستور، الذي يسيطر عليه القائد هو الذي يبت في أهلية مرشحي مجلس خبراء القيادة، قبل انتخابهم في هذا المجلس.

 (6) مجلس الأمن القومي الأعلى

تنص المادة (176) على بنية المجلس وصلاحياته، فوفقا لها، يتألف المجلس من رؤساء السلطات الثلاث، رئيس هيئة أركان القيادة العامة للقوات المسلحة، مسؤول شؤون التخطيط والموازنة، مندوبان يعينان من قبل القائد، وزراء الخارجية والداخلية والإعلام، الوزير المختص في القضية المعنية، كبار الضباط في الجيش وحرس الثورة، ويقود رئيس الجمهورية المجلس لغرض تأمين المصالح الوطنية وحراسة الثورة والسيادة الوطنية ووحدة أراضي البلاد.

وفيما يتعلق بصلاحياته فتشمل إقرار السياسات الدفاعية والأمنية للبلاد، تنسيق النشاطات السياسية والمخابراتية والاقتصادية وغيرها من النشاطات ذات العلاقة بالسياسات الدفاعية والأمنية، وتنص المادة على أن قرارات مجلس الأمن القومي تصبح نافذة المفعول بعد مصادقة القائد عليها[68]. وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أن  هذا المجلس قد صادق على الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الست في عام 2013، بصفته المرجع الأعلى للنظام في اتخاذ القرارات السياسية والعسكرية[69].

وبالتالي فإن سيطرة القائد على مجلس الأمن القومي، تكمن في بُعدين، الأول في بنيته وتشكيلته، حيث يعين القائد عضوين في هذا المجلس، الثاني في كون قرارات المجلس لا تصبح سارية إلا بموافقة القائد.

خاتمة

خلصت الدراسة لعدد من النتائج على النحو التالي:

أولاً، تعددت نظريات الفكر السياسي الشيعي، والتي تعاملت مع قضية الإمامة، بدءاً من نظرية التقية والانتظار للنيابة العامة المحدودة والملكية لنظرية ولاية الفقيه وانتهاءً بولاية الفقيه المطلقة. وبينما لم تُجز التقية والانتظار الإمامة في ظل الغيبة، ومن ثم وجوب الابتعاد عن ممارسة العمل السياسي وقيادة الأمة من قبل الفقهاء، فإن النيابة العامة المحدودة طورت أدواراً اجتماعية للفقيه، بالأخص ما يتعلق بالخمس والزكاة، في حين أضفت النيابة العامة الملكية الشرعية الدينية على حكم الملوك، مقابل دور نسبي للفقهاء في العمل السياسي، لكن نظرية النيابة العامة بشكلها المحدود والملكي لم تعطي للفقهاء حق الحكم وقيادة الأمة، وهو الحق الذي كفلته نظرية ولاية الفقيه للفقهاء، حيث أجازت الإمامة في ظل الغيبة، وهي النظرية التي أعاد الخميني إحيائها، وطورها في شكل سلطات مطلقة للفقيه في الحكم وقيادة الأمة.

وعلى اختلاف موقف تلك النظريات من قضية الإمامة، فإنها اتفقت بعد التأكيد على مرجعية الشريعة الإسلامية كمصدر أعلى للسيادة، على تغييب دور الأمة كمصدر للسيادة والسلطة، لصالح الإمام أو الملك أو الولي الفقيه. ويمكن استثناء نظرية “ولاية الأمة” للنائيني، والتي عظمت من دور الأمة كمصدر أعلى للسيادة، سواء لرفضها العصمة للأئمة والسلاطين، أو لتأكيدها دور الأمة في الرقابة على الحكام، لكنها لم تحظى بنفس القوة والدعم في الأوساط الشعبية والفقهية الشيعية، التي حظت بها النظريات الأربعة السابقة، وبالتالي لا يمكن وضعها في مقارنة معهم.

ثانياً، يتشابه الدستور الإيراني مع غيره من دساتير البلدان الأخرى في تقسيمه سلطات الحكم لثلاث سلطات، تنفيذية، تشريعية وقضائية. لكنه افترق عنها من خلال ملمحين رئيسيين:

  • ترسيخه لسيادة “حاكمية” ذات ثلاثة أبعاد، وهي سيادة الله وسيادة الأمة وسيادة الولي الفقيه. وإذا ما تم التسليم بأن الله وشريعته المصدر الأعلى للسيادة في الدستور الإيراني كحاكمية تشريعية مطلقة، فإن هذه السيادة حينما تنتقل للواقع العملي كحاكمية سياسية فإنها لا تنتقل للأمة بشكل رئيسي، ولا حتى تنقسم مناصفةً بين الأمة والولي الفقيه، وإنما تنتقل بشكل شبه كامل للأخير، مع أدوار هامشية للأمة.
  • في سياق السلطات الثلاث، وضع الأساس لمجموعة من المؤسسات الرسمية الفريدة من نوعها في جزء كبير منها، والتي تتشارك عملية صنع القرار وإدارة الدولة، وتشمل تلك المؤسسات منصب القائد، منصب رئيس الجمهورية، مجلس الشورى الإسلامي، مجلس صيانة الدستور، مجمع تشخيص مصلحة النظام، مجلس خبراء القيادة والمجلس الأعلى للأمن القومي. وقد مكن الدستور القائد “الولي الفقيه” من التحكم والهيمنة على بقية المؤسسات والسلطات، بأدوات دستورية مباشرة وغير مباشرة، لاغياً بذللك مبدأ التوازن بين السلطات.

الهامش

[1] حنان زهران، تشريح مفهوم السيادة، المركز الديموقراطي العربي، 27/3/2019، (تاريخ الدخول:24/12/2020)، الرابط

[2] محمود هدهود، نقد جدل السيادة والحاكمية، الجمهورية نت، 30/1/2020، (تاريخ الدخول:24/12/2020)، الرابط

[3] أحمد فؤاد عبد المجيد، البيعة عن مفكري أهل السنة، والعقد الاجتماعي في الفكر السياسي الحديث، القاهرة، 1998، ص ص 332 337

[4] محمود هدهود، مصدر سابق،  الرابط

[5] عبد العظيم أحمد عبد العظيم، مفهوم سيادة الدولة عند جماعات الإسلام السياسي، مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 12، 3/1/2018، (تاريخ الدخول:24/12/2020)، الرابط

[6] منزلة أئمة الشيعة الاثني عشرية، الإسلام سؤال وجواب، (تاريخ الدخول:6/12/2020)، الرابط

[7] من التقية والانتظار إلى ولاية الفقيه، ميدل إيست أون لاين، 10/1/2018، (تاريخ الدخول:6/12/2020)، الرابط

[8]آرام الدمشقي، الجذور المذهبية والسياسية والإثنية لولاية الفقيه، سورية حرة، (تاريخ الدخول:6/12/2020)، الرابط

[9] آرام الدمشقي، مصدر سابق، الرابط

[10] المصدر السابق.

[11] أحمد الكاتب، تطور تاريخ الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه، دار الجديد، بيروت، 1998، ص ص 281 282

[12] المصدر السابق، ص 272

[13] مصدر سابق، الرابط

[14] مصدر سابق، أحمد الكاتب، ص ص 367 372

[15] مصدر سابق، أحمد الكاتب، ص ص 376 378

[16] شفيق شقير، نظرية ولاية الفقيه وتداعياتها في الفكر السياسي الإيراني المعاصر، الجزيرة نت، 3/10/2004، (تاريخ الدخول:6/12/2020)، الرابط

محمد جمال باروت، الصراع العثماني الصفوي وآثاره في الشيعة في شمال بلاد الشام، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2018، الرابط [17]

[18] الفقيه والدين والسلطة جدلية الفكر السياسي الشيعي، محمد الصياد وآخرون، مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، الرياض، 2017، ص 76

[19] المرحلة الثالثة: دور (الكركي والنراقي) في تطوير ولاية الفقيه، الدرر السنية، (تاريخ الدخول:6/12/2020)، الرابط

[20] بدر الدين شيخ رشيد إبراهيم.، شكل الدولة المسلمة ومصدر سلطتها في الفكر الإسلامي المعاصر، رسالة دكتوراة، كلية الآداب، جامعة كيب الغربي، ص 132

[21] خالد بن سليمان العضاض، ولاية الفقيه وداعش.. مقاربة على مستوى النظرية، عين أوروبية على الراديكالية، 26/8/2019، (تاريخ الدخول:6/12/2020)، الرابط

[22] مصدر سابق، الرابط

[23] مصدر سابق، شفيق شقير، الرابط

[24]محمد الصياد وآخرون، مصدر سابق، ص ص 92 97

[25] آرام الدمشقي، مصدر سابق، الرابط

[26] محمد الصياد وآخرون، مصدر سابق، ص 82

[27] مصدر سابق، الرابط

[28] مصدر سابق، الرابط

[29] شفيق شقير، مصدر سابق، الرابط

[30]  بدر الدين شيخ رشيد إبراهيم، مصدر سابق، ص 133

[31] المصدر السابق، ص ص 102 105

[32]  بدر الدين شيخ رشيد إبراهيم، مصدر سابق، ص 218

[33] أحمد الكاتب، مصدر سابق، ص 408

[34]الدستور الإيراني الصادر عام 1979 شاملا تعديلاته حتى عام 1989، ص 4

[35] مصدر سابق، الدستور الإيراني، ص 5

[36] مصدر سابق، الدستور الإيراني، ص 6

[37] مصدر سابق، الدستور الإيراني، ص 8

[38]مصدر سابق، الدستور الإيراني، ص 9

[39]مصدر سابق، الدستور الإيراني، ص 15

[40] مصدر سابق، الدستور الإيراني، ص 5

[41] مصدر سابق، الدستور الإيراني، ص 8

[42] مصدر سابق، الدستور الإيراني، ص 15

[43] مصدر سابق، الدستور الإيراني، ص 16

[44] مصدر سابق، الدستور الإيراني، ص 6

[45] مصدر سابق، الدستور الإيراني، ص 7

[46]مصدر سابق، الدستور الإيراني، ص 8

[47] مصدر سابق، الدستور الإيراني، ص 15

[48]مصدر سابق، الدستور الإيراني، ص 22

[49]مصدر سابق، الدستور الإيراني، ص ص 23 24

[50] مصدر سابق، الدستور الإيراني، ص 24

[51] أحمد الكاتب، مصدر سابق، ص ص 423 424

[52] نوج فيلدمان، سقوط الدولة الإسلامية وسقوطها، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2014، ص 160

[53] هلا رشيد أمون، قراءة في الدستور الإيراني الحلقة (1 – 3)، الشرق الأوسط، 9/1/20216، (تاريخ الدخول:13/12/2020)، الرابط

[54]مصدر سابق، الدستور الإيراني، ص 28

[55] مصدر سابق، الدستور الإيراني، ص 24

[56] مصدر سابق، الدستور الإيراني، ص ص 24 26

[57] مصدر سابق، الدستور الإيراني، ص ص 26 28

[58] أبو الحسن بني صدر.. رئيس أزعج الخميني فعزله، الجزيرة نت، 3/11/2016، (تاريخ الدخول:14/12/2020)، الرابط

[59] الدستور الإيراني الصادر عام 1979 شاملا تعديلاته حتى عام 1989، ص 16

[60] الدستور الإيراني الصادر عام 1979 شاملا تعديلاته حتى عام 1989، ص ص 17 20

[61] الدستور الإيراني الصادر عام 1979 شاملا تعديلاته حتى عام 1989، ص 18

[62] الدستور الإيراني الصادر عام 1979 شاملا تعديلاته حتى عام 1989، ص 20

[63] الدستور الإيراني الصادر عام 1979 شاملا تعديلاته حتى عام 1989، ص ص 20 21

[64] زهير حمداني، هيكل نظام الحكم ومؤسساته في إيران، الجزيرة نت، 11/4/2017، (تاريخ الدخول:14/12/2020)، الرابط

[65] الدستور الإيراني الصادر عام 1979 شاملا تعديلاته حتى عام 1989، ص 24

[66] زهير حمداني، مصدر سابق، الرابط

[67] الدستور الإيراني الصادر عام 1979 شاملا تعديلاته حتى عام 1989، ص ص 22 24

[68] الدستور الإيراني الصادر عام 1979 شاملا تعديلاته حتى عام 1989، ص 33

[69] هلا رشيد أمون، مصدر سابق، الرابط

الوسوم

طارق دياب

باحث سياسي مصري، متخصص في العلاقات الدولية وشؤون الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى