المشهد المصري

مصر: تطورات المشهد السياسي 11 مارس 2016

تمهيد

يتناول هذا التقرير تطورات المشهد السياسي المصري (الداخلي والخارجي) وذلك خلال الفترة بين 4 و10 مارس 2016، وذلك على النحو التالي:

أولاً: حدث الأسبوع:

اتهام حماس والإخوان بقتل النائب العام

بعد ثمانية أشهر من حادث اغتيال النائب العام هشام بركات في 29 يونيو 2015، أعلنت وزارة الداخلية الكشف عن تورط جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس بالضلوع في عملية اغتيال “بركات”، ويبدو أن توقيت الاتهامات الموجهة من النظام المصري للجماعة والحركة يحمل الكثير من الدلالات:

(1) من زاوية تعامل النظام المصري مع حركة حماس، حيث يأتي اتهام النظام المصري لحركة حماس بالإشراف على تنفيذ اغتيال بركات بالتزامن مع التقارب التركي الإسرائيلي، والذي يشير إلى قرب توقيع اتفاق بشأن ملف ميناء غزه البحري العائم لكسر الحصار عن غزة، وربما يهدف النظام المصري من تصدير أزمة مفتعلة مع حركة حماس في محاولة منه لإعاقة إبرام الاتفاق التركي الإسرائيلي المتوقع وما يستتبعه من فك للحصار عن قطاع غزة وإنشاء ميناء عائم لتبادل التجارة.

حيث يعارض النظام المصري أن يكون ملف فك الحصار عن غزه بمنأى عنه وضمن الملفات المطروحة لعودة العلاقات التركية الإسرائيلية، يأتي اعتراض النظام المصري على فك الحصار عن قطاع غزة من خلال ميناء عائم، تخوفا من أن يفقد النظام أحد أهم الأوراق التي يمتلكها وهي التحكم في غلق وفتح معبر رفح والتي يتمكن من خلالها كسب مواقف مع القوى الإقليمية المختلفة، بالإضافة إلى تخوف النظام المصري من التمدد التركي المحتمل داخل قطاع غزه وما يمكن أن يمثله له كتهديد في المستقبل.

(2) أنه في ظل الحديث عن تقارب بين النظام المصري وحزب الله بعد زيارة وفد من حزب الله للقاهرة، لتقديم العزاء في وفاة الكاتب محمد حسنين هيكل، يهدف النظام المصري من اتهام حركة حماس إلى إيجاد المسوغ للدعوة إلى اعتبار حركة حماس منظمة إرهابية على غرار ما أعلن عنه مجلس تعاون دول الخليج بإعتبار حزب الله منظمة إرهابية، وهو ما يمكن أن يفهم كمحاولة للنظام المصري للتخفيف من الضغط عليه من السعودية ودول الخليج لإعتبار حزب الله منظمة إرهابية عن طريق تصدير أزمة مع حركة حماس ومن ثم في المقابل المطالبة بإعتبارها حركة إرهابية وهو ما بدا واضحا من خلال التغطية الإعلامية للنظام المصري للكشف عن منفذي عملية اغتيال “بركات”، والتي طالبت السعودية وباقي الدول العربية بشكل واضح بإعتبار حركة حماس منظمة إرهابية.

(3) من زاوية تعامل النظام المصري مع الإخوان المسلمون، عاد النظام المصري مرة أخرى لتصدير مشهد اتهام جماعة الإخوان المسلمين بالإرهاب، يأتي المشهد متزامنا مع بعض الدعوات التي نادت في الأيام القليلة السابقة بإتمام مصالحة بين الإخوان والنظام المصري والتي ربما تكون في اطار سعي اطراف إقليمية إلى الدفع في هذا الاتجاه، يأتي إعلان النظام المصري باتهام جماعة الإخوان في عملية اغتيال “بركات”، بهدف قطع الطريق على أي دعوات للمصالحة مع الإخوان.

 

ثانياً: أهم تطورات المشهد السياسي:

1ـ مبادرة صناعة البديل

مبادرة صناعة البديل والتي خرجت بتوقيع ما يسمى “بيان اللجنة التحضيرية لتوحيد القوى الوطنية المدنية” ونشرت عبر صفحة حمدين صباحي على موقع “فيسبوك”، تتلخص في توحيد القوى المدنية والدعوة إلى صناعة البديل الحقيقي، في حين لم تشر المبادرة بشكل مباشر إلى إسقاط السيسي، إلا أن مضمون المبادرة يسير في هذا الاتجاه بوضوح، لا شك أن طرح المبادرة في هذا التوقيت يحمل دلالات وإشارات:

(أ) في ظل الأزمات التي يعاني منها النظام المصري وفي ظل صراع مراكز القوى الداخلي والذي بدا واضحا من خلال انفعالات ولهجة السيسي الحادة خلال الخطاب الذي القاه “رؤية مصر 2030″، والذي عكس بشكل غير مباشر حجم الأزمات بين مراكز القوى داخل الدولة وتهديد استمرار بقاءه في الحكم، خرجت المبادرة لتعبر عن محاولة بعض القوى السياسية استباق أي مشهد تغيير محتمل بالإعداد والتجهيز للبديل بدأ من هذه اللحظة، ومن ناحية أخرى ربما تهدف المبادرة إلى تكوين جبهة معارضة مكونة من أحزاب سياسية وشخصيات عامة وحركات شبابية، تستطيع الضغط على النظام الحالي وكسب مساحات للمعارضة انحسرت بشكل كبير في ظل النظام الحالي.

(ب) مغامرة حمدين صباحي بتصدره للمبادرة بالرغم من زعمه بأنه ليس قائدا لها، ربما يمكن فهمها من خلال شخصية حمدين التي من الصعب أن تتحرك في مبادرة بهذا الشكل وفي هذا التوقيت دون تنسيق مسبق، والذي لن يخرج عن تنسيق في اتجاه صناعة معارضة مستأنسة لا تخرج عن حدود المرسوم لها، أصبحت تمثل ضرورة ملحة للسيسي، أو تنسيق في اتجاه صناعة بديل حقيقي يمكن الدفع به في ظل الارتباك الواضح الذي يمر به السيسي في الوقت الحالي.

 

2ـ مداخلة السيسي مع “عمرو أديب”

في فترة زمنية تقل عن شهر ونصف الشهر، أجرى السيسي مداخلتين هاتفيتين مع “عمرو أديب” على قناة “اليوم”، حيث كانت المداخلة الأولى في 1 فبراير 2016، في أعقاب إحياء جماهير الأهلي “أولتراس أهلاوي” الذكرى الرابعة لأحداث مجزرة استاد بورسعيد، في حين جاءت مداخلة السيسي الثانية في 7 مارس 2016، دون وجود دوافع واضحة مثل سابقتها، استعرض السيسي خلال مداخلته بعض المشاريع التي تمت في الإسماعيلية الجديدة وشرق قناة السويس والمشاريع المستقبلية في سيناء وشرق بورسعيد، موضحا ان ما يقوم به هو كشف حساب للمصريين على حد تعبيره، إلا أن دلالة توقيت مداخلة السيسي ربما تشير إلى اكثر من أمر:

(أ) تخوفات السيسي من تهديدات حيال استمرار بقاءه في الحكم والتي انعكست بشكل واضح من خلال لهجته الغاضبة والانفعال والتوتر الذي بدا واضحا عليه خلال خطاب “رؤية مصر 2030″، والذي بدوره عكس حالة الاشتباك بين مراكز القوى داخل النظام الحالي والتي ربما يقف خلفها أطراف إقليمية تسعى إلى حلحلة المشهد المصري.

(ب) استشعار السيسي حالة القلق التي امتدت لقطاعات عريضة من الشعب على إثر الأزمات الاقتصادية المتتالية والتي كان آخرها وأشدها أزمة الدولار.

(ج) محاولة السيسي من خلال المداخلة إيصال رسالتين ضمنيتين واضحتين، الأولى توحي أن المستقبل سيكون أفضل من خلال مشاريع ومخططات للتنمية وان هناك مشاريع تم إنجازها بالفعل، والثانية طلب الثقة والاطمئنان إلى ما يقوم به، وهو ما يمكن أن يفهم في إطار استعطاف السيسي لقطاعات من الشعب في محاولة منه لجذبها إلى صفه والاستقواء بها والتكتل خلفها في مواجهة أي تهديدات محتملة لإخراجه من المشهد.

 

3ـ زيارة السيسي لكوريا الجنوبية

كانت كوريا الجنوبية المحطة الثالثة للسيسي بعد زيارة كازخستان واليابان، وجاءت الزيارة استكمالا لسياسية السيسي في الاتجاه شرقا إلى القارة الأسيوية، وعلى المستوى الاقتصادي يمكن حصر نتائج زيارة السيسي لكوريا الجنوبية في توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مجالات الطاقة والنقل والموانئ والتكنولوجيا، وتوقيع مذكرة تفاهم لتقديم القروض الكورية إلى مصر بإجمالي 3 مليارات دولار أمريكي مقسمة ل 700 مليون دولار لتمويل مشروعات تنموية من خلال قروض حكومية ميسرة، و2.3 مليار دولار لتمويل مشروعات من خلال قروض الصادرات الائتمانية، وذلك في مجالات النقل والطاقة الشمسية والطاقة الجديدة، حيث يمكن وضع مذكرة تفاهم القرض الكوري في اطار دراسة الجانب الكوري منح مصر قرض بقيمة 3 مليارات دولار، وليست في الاطار التنفيذي بعد.

 

4ـ مشاهد إعلامية:

شهدت الفترة التي يغطيها التقرير العديد من المشاهد الإعلامية التي تشير لوجود حالة من الصراع بين مراكز القوى داخل النظام الحالي وتشير أيضا إلى حالة من الاحتقان التي امتدت لقطاعات عديدة من الشعب، ومن بين هذه المشاهد:

(أ) التقرير الذي كتبه “حسام بهجت”، ونشره موقع “مدى مصر” تحت عنوان “هكذا انتخب السيسي برلمانه“، والذي أشار إلى حجم تداخل وتصارع أجهزة الدولة في إدارة الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتي تعكس إلى أي مدى تتحكم أجهزة سيادية في الانتخابات، وربما يعكس توقيت خروج التقرير حدة المعركة بين مراكز القوى داخل النظام الحالي.

(ب) في مقالة بعنوان “كلام على الحافة“، نشرته صحيفة “الشروق” أشار عبد الله السناوي إلى احتمالية الانهيار المفاجئ تحت ضغط الأزمة الاقتصادية، ولم يستبعد أي سيناريوهات مهما كانت قاسية.

(ج) في مقال بعنوان “حزين عليك يا وطني” ألمح السياسي “محمد أبو الغار”، إلى شعوره بيأس شديد من أحوال الوطن والذي يراه يتجه إلى انهيار محقق.

(د) في مقال للكاتب الصحفي “عبد الناصر سلامة”، بعنوان “اللعبة الخطرة” ومقال آخر بعنوان “حتى نُصبح بزرميط!“، تناول حالة التردي والفشل الذي وصلت إليها الدولة، والتي تدعو لوجوب محاسبة المسؤول عما وصلت إليه، في إشارة إلى السيسي ومن حوله.

(هـ) مهاجمة الإعلامية عزه الحناوي للسيسي، حيث أشارت على قناة “القاهرة” إلى فشل السيسي في تحقيق أي تقدم ملموس لأي من الملفات الحرجة منذ توليه الرئاسة، وقد تعرضت الحناوي للإحالة إلى نيابة أمن الدولة العليا، لمباشرة التحقيق في اتهامها بإهانة السيسي والتحريض على قلب نظام الحكم.

خالد فؤاد

باحث بالمعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، متخصص في العلاقات الدولية، وقضايا الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى