تقديرات

مصر والسعودية ترسيم الحدود وحدود العلاقة

بالرغم من حالة عدم التوافق بين الجانبين المصري والسعودي في أكثر من ملف من ملفات الإقليم الساخنة، إلا أن العلاقات المصرية السعودية عادت مرة أخرى إلى المشهد بعدة اتفاقيات واستثمارات بين الجانبين، ربما لتستفيد المملكة بأكبر قدر ممكن من تراجع الدور الإقليمي المصري، وتنتهز فرصة الانهيار الشامل للنظام عبر كافة المستويات، بحيث بات النظام المصري في أضعف حالاته منذ انقلاب 3 يوليو.

في هذا السياق جاءت زيارة الملك سلمان إلى مصر بين 7 و10 أبريل 2016، لتكون مثاراً لجدالات وأزمات سياسية واقتصادية، تجاوزت حدود الدولتين، في ظل تأثير ما ترتب عليها من اتفاقيات على العديد من الأطراف الإقليمية والدولية. داخلياً أحدثت الزيارة ضجة إعلامية واهتمام شديد لدى الشارع المصري، ربما لم يكن السبب الرئيسي في الاهتمام عائداً إلى الاتفاقيات التي وقعها الجانبان المصري والسعودي والتي وصل عددها إلى17 اتفاقية، تقدر بحوالي 25 مليار دولار، بل ارتبط الاهتمام الأكبر بقضية جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين عند مضيق تيران في البحر الأحمر، هو الملف الأبرز والحاضر في المشهد بقوة.

فقد تم التوقيع على اتفاقية تم بموجبها نقل السيادة على الجزيرتين من الجانب المصري إلى الجانب السعودي في إطار اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعها السيسي وسلمان، وجاء التوقيع مفاجئا وصادما للأوساط الشعبية والسياسية المصرية، وكانت نقطة الخلاف الأبرز حول أحقية احد الجانبين في امتلاكه للجزيرتين، حيث باتت الجزيرتان تيران وصنافير هما حديث الساعة في الإعلام المصري، إلا أن غالبية من تناول الحديث عن الجزيرتين انطلق من سؤال عما اذا كانت الجزيرتان للسعودية أم لمصر من الزاويتين التاريخية والوثائقية، لكن المعيار المهم هو ما يحمله التنازل المصري عن الجزيرتين من دلالات وتداعيات أو إلى التقارب المصري السعودي وانعكاسه على علاقة مصر بالأطراف الإقليمية الأخرى، وهو ما سنحاول أن نشير إليه هنا.

أولاً: دلالات التنازل عن “تيران” وصنافير”:

ربما تبدو دلالة المشهد في هذا التوقيت أكثر وضوحا من أي وقت مضى فيما يخص الجانب المصري والسعودي من زاوية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، إلا أن طرفا ثالثا يبدو منزويا في المشهد بالرغم من حضوره القوي كأكبر المستفيدين من ملف الجزيرتين، وهو الكيان الصهيوني.

ففي وقت سابق وقبل زيارة سلمان إلى مصر، أخبر نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، حكومته بالاتفاقية التي سيبرمها الجانبان المصري والسعودي، ويتنازل خلالها الجانب المصري عن جزيرتي تيران وصنافير إلى الجانب السعودي، وبعد أسبوعين من إطلاع نتنياهو لحكومته عن تفاصيل الاتفاقية، تكشف أكثر من صحيفة إسرائيلية عن معرفة نتنياهو بتفاصيل الاتفاقية، فيما تبدي إسرائيل تخوفات منطقية من استقرار النظام الحاكم في مصر حاليا وما يمر به من أزمات اقتصادية وصراع مكشوف بين أجهزته الأمنية، ومن ناحية أخرى تدرك إسرائيل أن الأوضاع في شبه جزيرة سيناء تزداد تعقيدا وارتباكا وتمتد إلى مناطق تعد عمقاً استراتيجياً لدولة الاحتلال، وهو ما دفعها إلى المسارعة في تأمين المناطق الأكثر حساسية وضمان بقائها وسط منظومة دولية أكثر استقرارا.

وثمة نظرة استراتيجية للظروف الإقليمية دفعت الكيان الصهيوني إلى الموافقة على انتقال السيادة على الجزيرتين إلى السعودية، بحيث يصبح مضيق تيران وهو الممر المائي الذي يربط البحر الأحمر مع خليج العقبة، ممرا دوليا لا تتحكم فيه مصر بمفردها بل يصبح هناك طرفا آخر مرتبط بالتحكم في الممر المائي.

من ناحية أخرى يبدو أن نقل السيادة للسعودية على جزيرتي تيران وصنافير سيعيد فتح، إن لم يكن توسيع البوابة الخلفية للعلاقات بين الجانبين السعودي والإسرائيلي، حيث يبدو الجانب السعودي عازما على المضي قدما في تكوين تحالف قوي يستطيع من خلاله مجابهة النفوذ الإيراني الممتد في المنطقة، وهو الأمر الذي دفع الجانب السعودي إلى الدخول في علاقات غير مباشرة مع الجانب الإسرائيلي، يضمن من خلالها مقعدا خفيا لإسرائيل في تحالفها مع القوى الإقليمية الأخرى ضد إيران، وهو ما بدأت مؤشراته قوية في الحرب الصهيونية الأخيرة على غزة في 2014.

ثانياً: تداعيات التنازل عن «تيران» وصنافير» للسعودية

إن القول بأن هذا التنازل جاء من أجل إنقاذ الاقتصاد المصري، بعد الربط بين التوقيع على اتفاقية الجزر وعدد من الاتفاقيات الاقتصادية، وهو ما فسره بعض المحسوبين على النظام العسكري الحاكم في مصر بأنها “إجراءات إصلاحية للاقتصاد المصري”، إلا أن ما يعتبرونه اليوم إصلاحات، ستكون له آثاره الكارثية في المستقبل من الناحية السياسية والاقتصادية، وهو ما يمكن أن يبرز من خلال عدد من المؤشرات، من بينها:

1-إثارة صراعات قديمة حول الأراضي المصرية المتنازع عليها كما هو الحال في ملف حلايب وشلاتين وهي المنطقة التي تشهد خلافا متجددا بين الجانبين المصري والسوداني، وهو الأمر الذي بدا واضحا في تناول الإعلام السوداني لتنازل مصر عن الجزيرتين إلى السعودية، والذي طالب الحكومة السودانية أن تحذو نفس حذو الجانب السعودي بشأن مثلث حلايب وشلاتين.

2- بات الوضع الاقتصادي المتأزم لمصر، أحد الدوافع الأساسية، للنظام المصري لتخطي مسلمات الأمن القومي، بداية من التوقيع على مشاريع وصفقات باهظة تحمل في طياتها فوائد مرهقة للحكومة المصرية في مقابل قروض ضئيلة، ووصولا إلى التنازل عن أراض مصرية في مقابل عدة صفقات، لتعيد الحياة مرة أخرى إلى اقتصاد البلاد المتهاوي، وهو ما يعني أن النظام المصري رسخ لمبدأ التعويض المادي أثناء التفاوض السياسي على المناطق المتنازع عليها، وهو ما يشير إلى تكرار سيناريو الجزيرتين في أي تفاوض مستقبلي على مناطق تنازع تكون مصر طرفاً فيها، وهو ما أشار إليه السيسي بالفعل في خطابه أمام عدد من القوى السياسية في 13 أبريل 2016، وخاصة ما يتعلق بالحدود المصرية مع كل من قبرص واليونان.

3-استمرار تزايد حدة الصراع الدائر بين أجهزة الدولة السيادية وهو ما ظهر بوضوح خلال التغطية الإعلامية بشأن التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، حيث شهدت انقساماً حاداً بين تأييد ورفض، وهو ما يعكس غياب للتنسيق بين هذه الأجهزة، بما يُعزز من فرضية تنامي الصراع بينها، وهو ما يمكن أن ينعكس على استقرار إن لم يكن استمرار النظام العسكري الحاكم بعد انقلاب 3 يوليو 2016.

ثالثاً: آثار التقارب المصري السعودي على العلاقات المصرية الخارجية

لعل مشهد التقارب المصري السعودي الأخير يحمل دلالات في سياق ما يحدث في الإقليم من تغيرات تسير بوتيرة متسارعة تتجه في الأغلب إلى تكوين تحالفات وتكتلات هنا أو مقاربات هناك، حيث تسعى المملكة إلى تكوين تحالف إقليمي متماسك يتضمن حضوراً قوياً لتركيا ولمصر، إلا أن التمثيل المصري في القمة الإسلامية التي شهدتها تركيا، والمواقف التي شهدتها عملية نقل رئاسة القمة من وزير الخارجية المصري إلى الرئيس التركي، تشير إلى مزيد من التوتر في العلاقات المصرية التركية، في مقابل تنامي في العلاقات التركية ـ السعودية، بعد التوقيع رسمياً بين الدولتين على محضر إنشاء مجلس التنسيق السعودي التركي في 14 أبريل 2016، والذي سبق وتقرر إنشاءه خلال زيارة الرئيس التركي إلى العاصمة السعودية الرياض في ديسمبر 2015.

وبجانب ملف العلاقات مصر وتركيا، كان لزيارة سلمان، وما شهدته من اتفاقيات، أثر على طبيعة لدور الإماراتي في مصر، حيث تعددت المؤشرات الدالة على القلق الإماراتي من هذه الزيارة، ومن اتفاقية ترسيم الحدود، وهو ما يبدو بديهياً في ظل التنافس المحموم بين الإمارات والسعودية على تقديم الدعم للنظام المصري الحالي والتحكم في مسرح المشهد السياسي المصري وتقاطعاته مع الإقليم، وفي هذا السياق جاء زيارة “طحنون بن زايد” مستشار الأمن القومي ل “محمد بن زايد”، أثناء زيارة الملك سلمان لمصر، وكذلك زيارة محمد بن سلمان إلى أبي ظبي، لتقديم تطمينات للإمارات، وكأن الأمر توزيع أدوار على حساب حاضر مصر ومستقبلها، ولما لا والنظام العسكري الحاكم في مصر الآن، يستمد شرعيته ووجوده مما تقدمه هاتان الدولتان (السعودية، والإمارات) من غطاء سياسي واقتصادي وإعلامي له.

خالد فؤاد

باحث بالمعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، متخصص في العلاقات الدولية، وقضايا الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى