fbpx
تقارير

مظاهرات الأرض: مشاهد واستنتاجات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد

أثارت اتفاقية تنازل الجنرال المنقلب عن جزيرتين مصريتين للمملكة العربية السعودية وهما جزيرتي (تيران وصنافير)، موجة غضب واسعة النطاق فى الشارع المصري ضد النظام الذي ما فتئ يتهم كل معارضيه بالخيانة والتخابر، ويُروج لانقلابه ضد الرئيس المنتخب من مدخل الأرض وحمايتها ممن لديهم أفكار عابرة للحدود القومية للبلاد وفقا لرواية الجنرال فى أكثر من مناسبة.

ما إن تم توقيع الاتفاقية بين الجنرال وملك السعودية على هامش زيارته لمصر يوم 9 أبريل، حتى اكتست مواقع التواصل الإجتماعي بألوان مختلفة للغضب والتهكم والسخرية تجلت فى انتشار واسع النطاق لهشتاج “عواد باع أرضه”، فى نفس الوقت بادرت حركة 6 أبريل إلى الدعوة للتظاهر يوم الجمعة الموافق 15 أبريل احتجاجا على هذه الاتفاقية، ثم الدعوة مرة أخرى للتظاهر يوم عيد تحرير سيناء الموافق الاثنين 25 أبريل.

يقوم هذا التحليل على تقييم فعاليات جمعة الأرض 15 أبريل ومظاهرات 25 أبريل ومشاهدهما المختلفة، ونقاط الضعف والقوة وصولا إلى السيناريوهات القادمة والتوقعات المختلفة لدعوات التظاهر القادمة فى إطار نفس الموجة الاحتجاجية التي بدأت منذ توقيع اتفاقية التنازل عن الجزيرتين بداية الشهر الجاري.

أولاً: الاستعداد والتحضير للتظاهرات:

سادت حالة من التفاعلات الإيجابية الواسعة لدعوة حركة 6 أبريل للتظاهر يوم الجمعة 15 أبريل وسط حالة من التفاؤل الشديدة بإمكانية توجيه ضربة قاضية للنظام فى مثل هذا اليوم، اتسعت حالة التفاعل لتمتد إلى أحزاب وحركات ورموز سياسية لم تخف تأييدها للنظام فى وقت سابق مثل حزب الدستور، حزب التحالف الشعبي الإشتراكى، حزب الكرامة، حزب التيار الشعبي (تحت التأسيس)، حزب العيش والحرية (تحت التأسيس)، حزب العدل، حزب مصر الحرية، حزب مصر القوية، الاشتراكيون الثوريون، حركة 6 أبريل – الجبهة الديمقراطية، حركة شباب العدالة والحرية، تيار الشراكة الوطنية.

كذلك امتد التفاعل إلى رموز سياسية لم تخف تأييدها للنظام فى فترات سابقة ولازالت – بشكل مباشر أو غير مباشر -مثل حمدين صباحي وخالد على المرشحين السابقين للرئاسة، غير أن تفاعل الأخير كان أكثر حركية من الأول، فقام برفع دعوى قضائية للمطالبة ببطلان الاتفاقية، ثم شارك فى مظاهرات جمعة الأرض الرافضة للاتفاقية يوم 15 أبريل أمام نقابة الصحفيين، وإن كان قد اختفى فى مظاهرات يوم 25 أبريل.

لكن عادت حالة الاستقطاب السياسي تطفو على السطح فور إعلان جماعة الإخوان المسلمين تأييدها لدعوات التظاهر رفضا لاتفاقية الجزر وتشجيع أنصارها للمشاركة فيها، وانتشرت دعوات الإقصاء والعنصرية ضد جماعة الإخوان من قبل معظم الداعيين لتظاهرت جمعة الأرض 15 أبريل، وقال حزب الدستور على سبيل المثال فى بيان صحفي “لا مكان للإخوان بين القوى الثورية واصفا إياها بالشوكة فى حلق الثورة”، وهو ما أحدث حالة من الشد والجذب على مواقع التواصل الإجتماعي تطورت إلى حالة من التلاسن بين أنصار الفريقين أثرت سلبيا على حالة الحشد.

كما ثار الجدل حول موقف الإخوان المسلمين من التظاهرات وسط انقسامها إلى تيارين منذ بداية أزمة داخلية فى نهاية 2014، فالبيان المنشور عن مشاركة الإخوان المسلمين فى التظاهر واعتراضها على اتفاقية التنازل عن الجزيرتين، صدر من احدى تيارات الإخوان، الأمر الذي أثار عدد من التساؤلات حول هذا الانقسام وأسبابه وسط تكهنات بأن أحد تيارات الجماعة يسعى إلى عقد مصالحة مع النظام برعاية تركية –سعودية-قطرية.

ثانياً: جمعة الأرض والطريق نحو 25 أبريل:

نجح كثير من المتظاهرين فى تجاوز الروح الاستقطابية النخبوية التقليدية، ونزلوا فى مظاهرات جمعة الأرض 15 أبريل بجوار بعضهم البعض فى أكثر من مكان لأول مرة منذ سنوات، وكان مشهد التظاهر أمام نقابة الصحفيين من أكثرها حشدا وثقلا وتنوعا فى المشاركة من كل التيارات فضلا عن انضمام خالد على المرشح السابق للرئاسة إليه الأمر الذي رفع أهمية هذا المكان، فاحتاطت له السلطات فيما بعد. انتهى اليوم دون قتلى ولا إصابات، فلم تحدث احتكاكات قوية مع أجهزة الأمن باستثناء بعض المناطق التي أطلق فيها الأمن قنابل الغاز ونجح فى تفريق عدد من التظاهرات واعتقال عشرات المتظاهرين من عدة أماكن.

إلا أنه قبل انتهاء فاعليات جمعة الأرض حددت الحركات الداعية للتظاهرات يوم عيد تحرير سيناء 25 أبريل لمواصلة التظاهر فى إشارة رمزية إلى معنى التنازل عن الأرض فى يوم الانتصار، وفى خلال العشرة الأيام الفاصلة دشنت تلك الحركات جبهة تحت عنوان “الحملة الشعبية لحماية الأرض”، فحصدت تفاعلات واسعة النطاق من كافة التيارات خلال الأيام الأولى من إطلاقها وصولا إلى يوم 24 أبريل حيث فوجئ الجميع ببيانين للحملة وحزب الدستور يعززان نفس الحالة الاستقطابية التي أثيرت قبل جمعة الأرض 15 أبريل، وقالت الحملة فى البيان “لا مكان للقوى ‫‏الرجعية والطائفية‫وأهمها‏ تنظيم الإخوان بين الثوار ..نرفض أي تنسيق أو أي عمل مشترك معهم، كما نرفض أي ربط بين الحملة وبين أي دعوات أو مواقف تصدر عن الإخوان للتمسح بالقوى الوطنية المدنية”.

بادر النظام فى هذه المرة واستبق المتظاهرين، بحملة اعتقالات واسعة منظمة وعشوائية لبث رسالة إرهاب وتخويف فى نفوس العازمين على استكمال التظاهر، فكانت الاعتقالات من المقاهي والشوارع ومترو الأنفاق بشكل عشوائي إلى جانب اعتقال عدد من الرموز الشبابية لبعض الحركات الداعية للتظاهر، من بينهم شريف الروبي المنسق العام لحركة 6 أبريل وآخرين ليصل إلى العدد إلى أكثر من مائة معتقل قبل انطلاق التظاهرات.

ثالثاً: مظاهرات 25 أبريل:

حددت حركة 6 أبريل عددا من الأماكن لانطلاق الفاعليات فى الساعة الثالثة عصر، منها دار الحكمة بالقصر العيني وميدان المساحة بالدقي وأمام نقابة الصحفيين وغيرها، ولكن النظام هذه المرة قد نجح فى إجهاض بعض المسيرات قبل انطلاقها من خلال محاصرة مداخل ومخارج الأماكن ذات الفاعلية مثل نقابة الصحفيين، وهو ما أثر على فاعليات اليوم فى ظل عدم وجود خطة بديلة بأماكن أخرى فى حالة ضرب أي تظاهرة، الأمر الذى أربك المتظاهرين فاضطروا إلى إلغاء بعض الفاعليات فى بعض الأماكن فى ظل تراجع أعداد المتظاهرين مقارنة بتظاهرات جمعة الأرض 15 أبريل، واختفاء بعض الرموز السياسية المتواجدة من تظاهرات سابقة مثل خالد على، وانتهى اليوم باعتقال عشرات المتظاهرين ( حوالى 100 متظاهر أو أكثر وفقا لتقديرات مختلفة).

لكن أهم ما يلفت الانتباه فى هذا اليوم، هو لجوء النظام إلى ممارسات تقليدية، سبق له أن استخدمها مرارا وتكرارا حتى صارت محل تهكم واستنكار حتى من بعض أنصاره، حيث لجأ النظام إلى تأجير بعض المتظاهرين، مستغلا فقرهم وجهلهم، لم يتجاوز عددهم العشرات ليطوفوا ميدان التحرير وبعض الأماكن الأخرى بأعلام السعودية تأييدا لمسألة التنازل عن الجزيرتين، وكان من الملفت للنظر أن كثير منهم لا يعرف اسم الجزيرتين بل إن بعضهم لم يعرف سبب نزوله حتى قالت احدى السيدات المشاركات وفقا لبعض الفيديوهات المنتشرة “أنا نازلة انتخب السيسى”، وقالت أخرى “لو الملك سلمان طلب الأهرامات هانديهاله، وهانديله كمان أبو الهول وأم الهول لو عايز”، بينما حملت أخرى بيادات العساكر فوق رأسها فى مشهد مهين للغاية من الناحية الإنسانية فضلا عن السياسية.

كشفت هذه التظاهرات المضادة عن وجه النظام فى استغلال حاجة الناس وفقرهم وجهلهم واستخدامهم لأغراض سياسية وامتهان كرامتهم إلى أقصى الحدود، حتى وصل الأمر إلى حد استخدامهم فى الترويج لبيع جزء من أرضهم لدولة أجنبية، مهما كانت هذه الدولة وطبيعة العلاقات معها.

رابعاً: خلاصات:

1ـ نجحت الموجة الاحتجاجية الممتدة منذ أسبوعين تقريبا فى توصيل رسالة للنظام بأن الروح مازالت موجودة وإن كانت أقل قوة مما سبق، وهو أمر إيجابي فى معركة تتسم بالنفس الطويل.

2ـ نجحت الموجة الاحتجاجية فى إظهار حالة الإفلاس السياسي للنظام من خلال مشهد تأجير المظاهرات ورفع الأعلام السعودية فى عيد تحرير سيناء.

3ـ كما نجح كثير من المتظاهرين فى تجاوز الحالة الاستقطابية المتنامية بين قيادات ورموز التيارات التي تسمى نفسها مدنية.

4ـ جاءت نتائج التظاهرات أقل من التوقعات بكثير، وخاصة من جانب منظميها من الحركات والتيارات المدنية، فقد منت هذه التيارات نفسها بإمكانية توجيه ضربة قاسمة أو قاضية أو حتى موجعة للنظام، ولكن لم تستطع المظاهرات الدخول إلى ميدان التحرير كما كان متوقعاً، وانحصرت فى أماكن أخرى تحيطها قوات الأمن من كل اتجاه.

5ـ استمرار الحالة الاستقطابية خلال الأسبوعين السابقين للفعاليات وتعدد البيانات الإقصائية المتكررة التي صدرت من بعض الأحزاب والحركات، والتي أضعفت الروح المعنوية لكثير من المتظاهرين من الطرفين، وربما كان ذلك سببا فى تراجع القدرة على الحشد إذا قارنا جمعة الأرض 15 أبريل بتظاهرات 25 أبريل.

6ـ بالنسبة لتأثير التظاهرات على النظام، ففيها تقييمان: الأول يتعلق بالداخل وقد خسره بشكل واسع النطاق ومرشح أن يخسر المزيد بالنسبة لصورته الداخلية وشعبيته المتآكلة إلى حد كبير، أما التقييم الثاني ويتعلق بالخارج وبالأخص دول الخليج، فمن المتوقع أن يستغل النظام التظاهرات فى مزيد من ابتزاز السعودية ودول الخليج لتقديم مزيد من الدعم المفتوح، على اعتبار أن بقاء الجزيرتين صار رهنا ببقائه فى ظل حالة شعبية رافضة، وفي هذا السياق يمكن فهم توزيع أعلام السعودية والطوفان بها فى ميدان التحرير من قبل بعض المحسوبين على النظام، والتي لم تكن عفوية بل مقصودة لتوجيه رسالة إلى السعودية تحديدا بأن النظام على استعداد لفعل المزيد من الممارسات المشابهة.

7ـ بالنسبة لمسألة استمرار التظاهرات، فقد كشفت مظاهرات أبريل أن أجهزة الأمن قد احترفت التعامل مع التظاهرات التقليدية واحتوائها على عكس أدائها السابق، ومن ثم وجب التفكير فى أشكال غير تقليدية للتظاهر والاحتجاج تساعد فى كسر الحالة الراهنة وتزيد من ارتباك النظام، لكن يبقى التأكيد على أن استمرار التظاهر، أياً كان شكله ومستواه وتأثيره، لحين تطويره أفضل من إيقافه أو تراجعه.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close