قلم وميدان

ميدان التحرير .. حالة استدعاء الأغنية الوطنية

المشهد من قلب ميدان التحرير 25 يناير 2011، الثوار بالميدان لمدة 18 يوماً، إلى تنحي مبارك، مصر كلها كانت في الميدان، اللي مشارك فيه أو من خلال الفضائيات، المؤيد أو حتى المعارض، الكل يتابع .. ولم يكن واضحا للكثيرين طبيعة الحراك، وسقف المطالب وقوة الزخم الشعبي للثورة، لكن كان هناك احتياج للغناء والفن والأدب للتعبير عن الثورة. ومن أهم ما لفت انتباهي وأنا أتحرك وسط الجموع شكل الغناء، الشباب في الميدن استدعوا أغاني 23 يوليو سنة 52، أغنية بالأحضان وأغنية صورة لعبد الحليم حافظ، وهما من كلمات الشاعر صلاح جاهين وألحان كمال الطويل مرورا بأغاني نكسة 67 والأغاني الوطنية المعبرة لفترة حرب الاستنزاف، أغنية عدى النهار، والمغربية جاية تتخفى ورا ضهر الشجر، وعشان نتوه في السكة شالت من ليالينا القمر، للشاعر عبد الرحمن الأبنودي ولحن بليغ حمدي، وأغنية الأرض بتتكلم عربي للشاعر فؤاد حداد ولحن سيد مكاوي

الأرض بتتكلم عربي وقول الله

إن الفجر لمن صلاه

ماتطولش معاك الآه

الأرض بتتكلم عربي

وأغاني أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام منها:

الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا

يا محلى رجعة ظباطنا من خط النار

إلى أغاني نصر أكتوبر “باسم الله الله أكبر باسم الله”، وما كتبه عبد الرحيم منصور ولحنه بليغ حمدي وغنته وردة:

حلوة بلادي السمرة بلادي الحرة بلادي، وانا ع الربابة بغني مملكش غير إني أغني وأقول تعيشي يامصر

والأغاني اللي عبرت عن الحدوتة المصرية واتغنت في الميدان لمحمد منير.

لا يهمنى اسمك لا يهمنى عنوانك

لا يهمنى لونك ولا بلادك مكانك

يهمنى الانسان ولو ملوش عنوان

ياناس ياناس يا مكبوته هى دى الحدوته

حدوته مصريه

حتى في ميدان التحرير والذي كان له وسائل إعلامه الخاصة به. كانت الإذاعة الداخلية تذيع من الأغنيات القومية والوطنية والسياسية ما يتناسب مع الحدث من وجهة نظر الثوار، فكانت تُذاع أغنيات عبد الحليم وعبد الوهاب وأم كلثوم وفايدة كامل والشيخ إمام، وكانت إذاعة الميدان خلال ال18 يوم سواء عن عمد أو غير عمد منها، كأنها تقصي الغناء الوطني لجيلي الوسط والشباب ما عدا البعض منهم.

قد يكون تفسير ذلك أن الأغانى القديمة فنيا أعلى أو قد يكون نوع من الرفض والعقاب لجميع الفنانين والفنانات الذين شاركوا في صناعة الأغنية والفن في عهد مبارك، وكأن لسان حال الثوار أنه ليس لكم مكان بيننا الآن ولا للتعبير عنا بفنكم الذى طالما سمعناه وتجاوبنا معكم.

وكانت من أولى أغنيات ثورة 25 يناير أغنية” إزاي” التى غناها محمد منير، وكتب كلماتها نصر الدين ناجي ولحنها ووزعها أحمد فرحات، وتم انتاجها قبل الثورة بشهور وفرض عليها الحظر لأنها كانت من الأغنيات التحريضية على النظام السياسي في مصر، بحسب ما ذكر في برنامج العاشرة مساء، تقديم منى الشاذلي قبل رحيلها عن البرنامج، وأذاعوا الأغنية وانتشرت بين المشاهدين، بسبب ترويجها وإذاعتها كتيرا. لأنها كانت الأنسب في توقيت الثورة . ولفتت الانتباه بالشكل الغربي للأغنية للألات المستخدمة والإيقاعات فكأنها أغنية في قالب موسيقي غربي يغنيها صوت مصري الفنان محمد منير.

وكان هناك حالة ترقب وانتظار أو بحث عن أغاني جديدة تعبر عن الحدث. وعندما بدأ عمل أول أعمال غنائية خاصة لثورة 25 يناير، بعد وقوع شهداء في الميدان، مثل أغنية يناير لأنغام، ومدتها حوالي دقيقة ونص وتم إذاعتها أول مرة في برنامج البيت بيتك في التليفزيون المصري تفديم الإعلامي محمود سعد.

ورغم حضور أنغام وصوتها الجميل وشكل الأغنية المختلف والمميز أيضا إلا أنها لم تنتشر الانتشار الكبير بين الجمهور .. ويمكن أن تكون إذاعتها في برنامج “البيت بيتك” من أسباب عدم اتنتشارها، لأنه محسوب على تليفزيون وبرامج النظام الحاكم، أو أن صوت أنغام ليس هو الصوت المعبر عن التمرد والثورة للشباب.

لقد خلق شهداء الثورة حالة غنائية كبيرة لأنه كان جديد علينا أن يموت شباب من أهالينا وأصدقائنا، برصاص الشرطة والجيش وهما يحملان شعار”في خدمة الشعب”.

فغنى حماده هلال أغنية شهداء 25 يناير ورغم حزن الأغنية على الشهداء لكن كثير من الجمهور سخروا من الأغنية من مطلعها وقالوا عليه ساذج .. شهداء 25 يناير ماتوا في أحداث يناير راحوا وفارقوا الحياة .. ما هو طبيعي شهداء 25 يناير، هيموتوا في أحداث يناير وطبيعي هيفارقوا الحياة. هذا ما قاله المستمعون وكتبوه في تعليقاتهم عن الأغنية.

وسمعنا أغاني “يا الميدان” لكايروكي وعايدة الأيوبي، بعد فترة انقطاعها عن الغناء وأغنية راجعين لفرقة اسكندريللا، وأعمالهم الغنائية المهمة، ويا أيها الشعب الأنتوخ، لفريق بساطة وفرقة أولاد الشوارع، وأغاني الألتراس وحضورهم الدائم وأغنية شمس الحرية وأغاني لمطربات ومطربين جدد، وأغاني عن الشيخ عماد عفت وأحمد حرارة ومينا دانيال وغيرهم من رموز الثورة.

كم كبير من الأغاني لكن ما عرف منه القليل، فالأمر أولاً وأخيراً يرتبط بمدى قوة وتأثير الأغنية في وعي الشعب وحراكه.

تشريح الثورة المصرية: عقبات وتحديات ومسارات

أسامة حجاج

كاتب مصري، متخصص في النقد الفني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى