دراسات

نطاق المسئولية الدولية عن انتهاكات حقوق الإنسان

تزايد الاهتمام بحقوق الإنسان بتزايد الإعلانات والمواثيق الدولية والإقليمية التي شكلت ما يشبه مظلة أخلاقية عالمية، تحيط التصرف في شؤون الأفراد والجماعات البشرية بمنظومة من الحدود والضوابط التي تتقلص بموجبها رقعة السيادة المطلقة التي كان يمارسها الحكام ([1]).وقد تعاظم الاهتمام بحقوق الإنسان في أعقاب الحرب العالمية الثانية، من خلال عدد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية في إطار الأمم المتحدة، والتي ظهر نشاطها في مجال حقوق الإنسان من خلال الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، والذي يضم لجنة حقوق الإنسان ولجنة حركة المرأة، كما توجد محكمة العدل الدولية والأمانة العامة التي يتبعها المفوض السامي لحقوق الإنسان. وتلجأ الأمم المتحدة إلي عدد من الوسائل لتعزيز احترام حقوق الإنسان مثل نشر الاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان وعمل الدراسات والاحتفالات وعقد الندوات إنشاء الصناديق الاستئمانية، وأهم هذه الوسائل هو إعداد الصكوك من إعلانات واتفاقيات، وقد اعتمدت الجمعية العامة ما يقرب من 24 إعلان خاص بحقوق الإنسان بدءً بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م، مروراً بإعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب والمعاملة القاسية أو غير الإنسانية أو المهنية والعقاب على ها عام 1975م، وصولاً إلي إعلان برنامج فيينا الصادر عن المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان عام 1993م([2]).

وقد أصبحت حقوق الإنسان فكرة عالمية، دل على ذلك القبول العالمي لهذه المواثيق والإعلانات من مختلف الأنظمة على اختلاف توجهاتها السياسية والاقتصادية، كما أنها أصبحت نظرية وواجهة جذابة لمختلف الأحزاب السياسية ([3]). ويمثل ميثاق الأمم المتحدة أول وثيقة دولية تسجل التطور الحاصل في مجال حقوق الإنسان، حيث نص في المادة الأولي على هدف الأمم المتحدة في تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الإنسانية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك دون تفرقة بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، وهو ما عبرت عنه المادة “55” من الميثاق كذلك، ثم جاء بعد ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948م، بعد أن أدي تناسي حقوق الإنسان وازدرائها إلي أعمال همجية آذت الضمير الإنساني العلمي([4])، وكرد فعل لأحداث عاصفة شهدها النصف الأول من هذا القرن، ثم جاءت الاتفاقية الدولية حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الثقافية، والاتفاقية الدولية حول الحقوق المدنية والسياسية في عام 1966م، هذا فضلاً عن اتفاقيات جنيف لعام 1949م، والبروتوكولات الملحقة بها في عام 1977م.

لا يمكن الحديث عن حقوق الإنسان في ظل غياب مبدأ المسئولية عن انتهاك هذه الحقوق. وإذا كانت المسئولية في ظل أحكام الشريعة الإسلامية الغراء واضحة جلية لا يداخلها لبس ولا يكتنفها غموض فإنها ليست كذلك في ظل أحكام القانون الدولي ذلك أن تطبيق المسئولية الجنائية على المستوي الدولي وكذلك صور عقاب الدولة منتهكة هذه الحقوق، والتطبيق الفعلي الواقعي لهذه المسئولية لا يزال يثير كثيراً من الجدل ولا يزال يمثل في كثير من الأحيان مجرد أمل فيما ينبغي أن يكون. أما ما هو كائن بالفعل فمضمونه أن التنظيم الدولي لا زال في بعض الأحيان خاضعاً لأهواء ومآرب دولة ما أو مجموعة من الدول، ولو كانت هذه الأهواء أو تلك المآرب في غير صالح حقوق الإنسان وحرياته عموماً.

وباتت المسئولية الدولية تنوء بأحمال ثقال في مواجهة ما يزخر به المجتمع الدولي المعاصر من تعذيب وإرهاب وتطهير عرقي أو تشويه جسدي أو إقصاء وكثير من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بالإضافة إلي جرائم تلوث البيئة وانتشار ظاهرة المخدرات والفساد الاجتماعي والأخلاقي مما جعل من المحتم على المسئولية الدولية أن تطور نفسها وبسرعة لمواجهة مثل هذه الجرائم والانتهاكات, وأن تكون هذه المواجهة عن طريق قواعد قانونية واضحة ومستقرة على المستوي الدولي, وعن طريق جهاز دولي يعمل بأسلوب موضوعي ومجرد، وأن يكون لهذا الجهاز كافة صلاحيات تطبيق قاعدة المسئولية الدولية بوضوح وتجرد بعيداً عن الاعتبارات السياسية أو محاولة بعض الدول فرض سيطرتها على العالم بما أوتيت من أسباب القوة العسكرية والاقتصادية لتطبيق قاعدة المسئولية بأسلوب.

ويمكن تناول نطاق المسئولية الدولية عن انتهاكات حقوق الإنسان، من خلال المطالب التالية:

المطلب الأول: أركان المسئولية الدولية عن انتهاكات حقوق الإنسان

يجب لكي تتوافر “المسئولية” عن انتهاكات حقوق الإنسان صفة “الدولية” أن تترتب المسئولية على فعل يعد جريمة دولية ([5]). وعلى ذلك فإن تحديد طبيعة الممارسات التي تمثل انتهاكا لحقوق الإنسان من حيث إنها تعد جريمة دولية أم لا أمر جوهري، فعلى أساسه تتحدد إمكانية إثارة المسئولية عن هذه الممارسات على المستوي الدولي، أو أن تظل المسئولية مثار فقط على المستوي الوطني.

وقد ذهب “رودلي ” إلي أن الجريمة الدولية “هي كل فعل (عمل أو امتناع) مخالف للقانون الدولي ويضر في نفس الوقت بمصالح الجماعة المحمية بهذا القانون، والذي يرسخ في علاقات الدول الاقتناع بأن هذا العمل ينبغي معاقبته جنائياً، ولا يشترط أن يكون هذا الاقتناع مجمعاً على ه من قبل كافة أعضاء الجماعة الدولية، إنما يكفي أن يكون اقتناعا عاماً في ضوء متطلبات العدالة واستناداً إلي الضرورات الاجتماعية، ولا يهم أن تكون قاعدة التجريم مقررة بمقتضي اتفاق دولي، إنما المطلوب أن تكون قاعدة التجريم قاعدة قانونية دولية أيا كان مصدرها”([6]).

ومن هنا فإن أركان الجريمة الدولية هي: ركن مادي، وركن معنوي، وركن دولي، ويتمثل الركن المادي: في السلوك غير المشروع المترتب على ه ضرر ويشمل الركن المادي على الفعل (العمل أو الامتناع) والنتيجة وعلاقة السببية بينهما. ويتمثل الركن المعنوي: في توافر القصد الجنائي، أي نية الإضرار بالغير أو المجتمع الدولي. ويتمثل الركن الدولي: في أن هذا السلوك ينطوي على مساس بمصالح الجماعة الدولية وهي المصالح التي أكدها وعمل على حمايتها النظام القانوني الدولي. وبقدر تعدد هذه المصالح تتعدد الجرائم الدولية التي توصف بها الأفعال المرتكبة من قبل الدول أو الأفراد والضارة بهذه المصالح بما يستأهل العقاب على ها. وتكتسب الجريمة صفة “الدولية” إذا وقع الفعل الضار على المصالح التي يحميها القانون الدولي، بغض النظر عن كون مرتكبها أو المضرور منها دولة من الدول أم لا ([7]).

وتتعدد تعريفات الجريمة الدولية، ومن ذلك أنها: واقعة إجرامية مخالفة لقواعد القانون الدولي تضر بمصالح الدول التي يحميها هذا القانون. أو هي: “تصرف غير مشروع معاقب على ه بالقانون الدولي نظراً لإضراره بالعلاقات الإنسانية في الجماعة الدولية ([8]). أو هي: “إن الجريمة تعد جريمة دولية إذا كانت عقوبتها تطبق وتنفذ باسم الجماعة الدولية”. أو هي: “تصرف يحتوي على العناصر الإجرامية طبقاً للقوانين الجنائية الداخلية بالإضافة إلى عنصر أخر هو العنصر الدولي المتمثل في مخالفة هذا التصرف لقانون الأمم المتجسد في العرف الدولي أو الاتفاقيات الدولية”([9]). وقد مثل هذا الرأي للجريمة الدولية بعدة أمثلة منها: الاستخدام المنتظم للتعذيب بواسطة الحكومات ([10]).

وقد حدد البعض الآخر مفهوم الجريمة الدولية بأن وضع أسس قانونية معينة إذا توافرت إحداها في سلوك ما اعتبر هذا السلوك جريمة دولية، وتلك الأسس هي : وجود معاهدات دولية تعتبر الفعل محل المسائلة جريمة دولية، واعتبار القانون الدولي العرفي هذا الفعل مكونا لجريمة دولية، واعتبار المبادئ العامة للقانون أن الفعل يعد أو ينبغي أن يعد انتهاكا للقانون الدولي ، ويوجد بشأنه مشروع معاهدة معروضة على الأمم المتحدة، ومنع الفعل بمعاهدة دولية رغم عدم النص صراحة على أنه يشكل جريمة دولية طالماً اعتبر كذلك وفقاً لكتابات الفقهاء([11]).

كما ذكر هذا الاتجاه عشر خصائص جنائية إذا توافر واحد منها أو أكثر في معاهدة دولية تحظر فعل أو سلوك ما عدا هذا الفعل أو السلوك جريمة دولية. وتتمثل هذه الخصائص الجنائية العشرة فيما يلي: الاعتراف الصريح بالسلوك المجرم باعتباره جريمة دولية. أو جريمة في ظل القانون الدولي ، والاعتراف الضمني بالطبيعة الجنائية للفعل عن طريق إنشاء التزام بالحظر أو المنع أو الاتهام أو العقاب أو ما شبه ذلك، وتحريم السلوك المحرم، وواجب أو حق الدولة في الاتهام، وواجب أو حق العقاب على الفعل المحرم، وواجب أو حق تسليم المجرم، وواجب أو حق التعاون في الاتهام، والعقاب (بما في ذلك المساعدة القضائية في الإجراءات الجنائية)، وإنشاء أسس قضاء جنائي ، والإشارة إلي إنشاء محكمة جنائية دولية أو محكمة دولية ذات طابع جنائي أو مزايا جنائية، واستبعاد الدفع بأوامر السلطة العلى ا([12]).

وفي هذا الإطار يمكن القول إن الفعل يعد جريماً دولية إذا كانت ممارسته تشكل جريمة ضد الإنسانية أو الضمير الإنساني أو الجماعة الدولية ويخالف التزام دولي ورد في القانون العام سواء كان مصدر هذا الالتزام عرفا دولياً أو الاتفاقيات الدولية أو مصادر القانون الدولي الأخرى. ومثال ذلك الانتهاكات الجسيمة (الصارخة) لحقوق الإنسان. سواء ارتكبت يشكل جماعي من قبل سلطة من سلطات الدولة، أو يشكل فردي تحت ستار الوظيفة العامة لمرتكب الفعل. وقد تأكد نفس المفهوم في مناقشات لجنة القانون الدولي إبان مناقشة مشروع الجرائم المخلة بسلم الإنسانية وأمنها ([13]).

فقد ذكر فريق من المناقشين للمشروع أن القائمة التي يشملها الأخير ليست سوي قائمة إرشادية وأن “الإنسانية” تؤخذ بمعني الجنس البشري، وأن الجريمة ضد الإنسانية حسبما تصورها المقرر الخاص بوضع المشروع تقوم على معني ثلاثي الأبعاد يتمثل في القسوة الموجهة ضد الوجود الإنساني، والنيل من الكرامة الإنسانية، وتدمير الثقافة الإنسانية ([14]).

وتأكيدا لما سبق استعان المقرر الخاص بإعداد المشروع المذكور بإعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975، في إعداده لمشروع قانون الجرائم المخلة بسلم الإنسانية وأمنها ([15]). وقد أكد المقرر الخاص بإعداد المشروع، على أنه ليس من الضروري حتما أن تكون الاعتداءات ذات طابع جماعي لكي تشكل جريمة ضد الإنسانية، فالفعل اللاإنساني الذي يرتكب ضد شخص واحد يمكن أن يشكل جريمة ضد الإنسانية إذا كان جزاءً من نظام ما، أو إذا تم تنفيذه وفقاً لخطة ما أو إذا اتسم بطابع التكرار مما لا يدع مجالا للشك في نوايا مرتكب هذا الفعل، وترتكب هذه الأفعال في أغلب الأوقات من قبل أفراد يستخدمون جهازاً الدولة أو إمكانيات مالية لها شأنها توفرها لهم الدولة، وأن هذه الجرائم ترتكب بدافع سياسي أو عنصري أو ديني ، ومثل المقرر لذلك بأعمال التعذيب([16]).

كما أشار إلى أن الخلاف بين القائلين “بالجريمة الجماعية”، والقائلين “بالجريمة الفردية”، يبدو كما لو كان مناقشة عقيمة ودلل على هذا بأن النظام الأساسي لمحكمة نورمبرج (المادة 6ج)، والنظام الأساسي لمحكمة طوكيو (المادة 5ج)، والقانون رقم 10 لمجلس الرقابة التابع للحلفاء يثبت أن الجريمة ضد الإنسانية قد وقعت على الأفراد وتمثلت في التعذيب. كما أستشهد المقرر الخاص كذلك بما ذهبت إليه لجنة الأمم المتحدة المعنية بجرائم الحرب والتي قد ذهبت في رأيها إلى نفس المعني ([17]). وأكد أن المسئولية عن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية تنشأ في أي وقت ترتكب فيه هذه الجرائم، فليس لها وقت دون آخر، وضد أي شخص، وبالذات بين رعايا البلد الواحد ([18]).

وقد أكد جانب آخر من المناقشين والمعلقين على المشروع نفس المعني، فذهبوا إلى القول بأنه عندما يصل انتهاك حقوق الإنسان إلى بعد معين أو إلى درجة معينة من القسوة في دولة ما، فإنه يصدم الضمير العالمي ويتجه نحو الدخول في مجال القانون الدولي ويمتزج بالجرائم ضد الإنسانية ويخضع مثلها للعقاب والمسائلة كجريمة دولية. وأن الانتهاك الجسيم لحقوق الإنسان من قبل دولة ما داخل المجال الخاص بسيادتها لا يختلف، في جوهره، عن “الجرائم غير الإنسانية”، التي ترتكبها دولة ما ضد رعايا دولة أخري.

واستشهد هذا الجانب، بما وصل إليه وضع الفرد على المستوي الدولي من حيث التوسع في الحماية الدولية التي يصبغها المجتمع الدولي على ه، ويشهد على ذلك ما تسمح به بعض المنظمات الإقليمية للأفراد، وفي حالات معينة، بأن يطعنوا أمام المحاكم الدولية، في أفعال حكوماتهم التي يرون أنها تناقض أو تنقص من الحقوق الأساسية للإنسان، ومثلوا لذلك بالمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان ([19]).

وقد انتهت المناقشات حول المشروع إلى إقرار المادة 18، والتي تعتبر انتهاكا لحقوق الإنسان التي ترتكب بشكل منتظم أو على نطاق واسع أو بتحريض أو توجيه من إحدى الحكومات أو من أي منظمة أو جماعة، جريمة ضد الإنسانية ([20])، وعلى هذا الأساس تكتسب صفة الجريمة الدولية.

وبالاطلاع على مشروع اتفاقية مسئولية الدول، يتضح أن المادة الثالثة من المشروع نصت على نفس المعني، حيث ركزت أن: “ترتكب الدولة فعلاً غير مشروع دولياً”: إذا أمكن تحميل الدول، بمقتضي القانون الدولي، تصرفا يتمثل في عمل أو امتناع عن عمل، وإذا كان هذا التصرف يشكل انتهاكا لالتزام دولي على الدولة ([21]).

وهكذا فإن الدولة إذا مارست الانتهاك بعمل إيجابي من ناحيتها، أو امتنعت عن إتيان عمل، وكان هذا الامتناع سببا في حدوث الانتهاك ترتبت مسئوليتها الدولية، لأنها في الحالتين قد انتهكت التزامها الدولي بتحريم ومنع ومقاومة الانتهاك هذا الالتزام قد تحملته الدولة بمقتضي القانون الدولي العرفي أو الاتفاقي ([22]).

المطلب الثاني: إثارة المسئولية الدولية عن انتهاكات حقوق الإنسان

تتعدد أسباب إثارة المسئولية الدولية عن انتهاكات حقوق الإنسان، ومن هذه الأسباب:

أولاً: إهمال الدولة في اتخاذ الإجراءات التي تمنع حدوث انتهاكات حقوق الإنسان:

إن التزام الدولة بعدم الإهمال في اتخاذ هذه الإجراءات هو التزام ذو شقين: يتمثل الشق الأول: في الالتزام الإيجابي للدولة باتخاذ الإجراءات سابقة الذكر والتي تكفل أن تكون انتهاكات حقوق الإنسان مجرمة طبقاً للقانون الداخلي للدولة المعنية. ويتمثل الشق الثاني: في “الالتزام السلبي ” لنفس الدولة بعدم إصدار تشريعات أو قرارات بالمعني الواسع والتي تهيئ المناخ لحدوث انتهاكات حقوق الإنسان، فعلى سبيل المثال: أكدت اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 على هذه الالتزامات فنصت في الفقرة الأولي من مادتها الثانية على أن: “تتخذ كل دولة طرف إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعالة أو أية إجراءات أخري لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي ([23]).

وهذه الاتفاقية عندما وصفت الإجراءات المطلوب اتخاذها بأن تكون إجراءات “فعالة” تكون قد قصدت أن يكون التزام الدولة المعنية في هذا الشأن فقط التزام باتخاذ وسيلة، بل هو أيضاً التزام بتحقيق نتيجة، تلك النتيجة هي عدم حدوث التعذيب، في أي إقليم يخضع لاختصاص الدولة القضائي، أياً كانت الوسيلة المتخذة. فإذا حدث تعذيب على الرغم من سبق اتخاذ الدولة المعينة للإجراءات المطلوبة، فتترتب أيضاً مسئوليتها عن ذلك، لأن الإجراءات المتخذة في هذه الحالة توصف بأنها إجراءات “غير فعالة”، ويستمر التزام الدولة بالإصلاح من هذه الإجراءات، قائماً حتى تصبح إجراءات “فعالة”.

بل لقد ذهبت اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان بوضوح إلى أبعد من ذلك، عندما قالت إنه حتى في غياب الضرر المادي أو الأدبي فإن عدم اتخاذ الدولة للإجراءات التشريعية والإدارية والقضائية، وكافة الإصلاحات المطلوبة، يرتب مسئوليتها الدولية على أساس مخالفتها لالتزامها التعاقدي وهو التزام له صفة موضوعية. كما ذهبت نفس اللجنة – فيما يتعلق بدول أوربا – إلي القول إن الدولة الطرف في الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان عندما تطالب باتخاذ عمل أو إجراء ما، فإن هذا ليس لتأمين الاتفاقية أو لضمان تنفيذ التزاماتها أو لحماية حقوق مواطنيها فقط، ولكن أيضاً وقبل كل شيء لتبرئه النظام العام الأوروبي ، وبناءً على هذا المفهوم تلتزم جميع دول أوربا وجها لوجه بحماية كل شخص ضمن ولايتها بصرف النظر عن جنسية الشخص أو جنسية الدولة، وهذه الحماية ليست قاصرة على مواطني الدولة، أو الأطراف الأخرى المتعاقدة، ولكنه لحماية مواطني الدول غير الأطراف في الاتفاقية أيضاً، طالماً كان هؤلاء الأجانب يخضعون للنظام القانوني للدولة الطرف المعنية “بسبب تواجدهم على ارض إقليم الدولة الطرف مثلاً. وقد دعم هذا المفهوم بواسطة المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان.

وقد ذهب “د. جعفر عبد السلام” إلى أن مسئولية الدولة عن تصرفات السلطة التشريعية تنشأ من وضعين: الأول: أن تمتنع الهيئة التشريعية عن اتخاذ اللازم لتنفيذ التزام دولي كما لو تقاعست عن إصدار تربع يلزم لتنفيذ اتفاقية دولية مثلاً، والثاني: أن تتخذ السلطة التشريعية عملاً يخالف الالتزامات الدولية سواء العرفية أم الاتفاقية. ومثال ذلك أن تصدر تشريعاً يتعارض مع اتفاقية التزمت بها دولياً ([24]).

وهذا ما ذهب إليه أيضاً “د. إبراهيم العناني ” عندما قال: تترتب مسئولية الدولة نتيجة الأعمال الصادرة عن سلطتها التشريعية، فإصدار تشريع مخالف لقاعدة دولية يستتبع مسئولية الدولة، فالتشريعات – على حد تعبير محكمة العدل الدولية الدائمة – هي مجرد مظاهر لإرادة الدولة، وعلى هذا – أيضاً – فإن الامتناع عن إصدار تشريع يقتضيه تطبيق قواعد القانون الدولي من شأنه أن يستتبع مسئولية الدولة”. وأضاف أن البحث في توافر المسئولية الدولية من عدمه عند إصدار أو عدم إصدار تشريع معين خروجاً على الالتزامات القانونية الدولية، مسألة يتم تقديرها حسب الظروف وحسب ما إذا كان الالتزام الدولي المخالف هو التزام بنتيجة أم هو التزام بوسيلة، وبحسب ما إذا كانت قد حددت لتنفيذ هذا الالتزام أو ذلك وسائل محددة أو وسائل عامة. والمرجع الفعال في تقدير هذه المسألة هو القاضي الدولي ([25]).

وقد أكد “د. عبد الواحد محمد الفار نفس المفهوم عن مسئولية الدولة إذا ما أهملت في اتخاذ الإجراءات التي تمنع حدوث الانتهاك، وذلك بمناسبة حديثة عن شروط قيام المسئولية الدولية، وبخصوص مسئولية الدولة عن تصرفات السلطة التشريعية. وعندما قال: “وكما تسأل عن نتيجة إصدار تشريع مخالف لواجباتها الدولية، فإنها تسأل أيضاً عن امتناع السلطة التشريعية عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ التزام دولي، كأن تتقاعس أو تمتنع عن إصدار تشريع يلزم لتنفيذ اتفاقية دولية”.

وهذا ما ذهب إليه “د. حامد سلطان ود. عائشة راتب ود. صلاح الدين عامر”، فقد قرروا أن الدولة تكون مسئولة مسئولية دولية عن القوانين التي تصدر عن سلطتها التشريعية – ولو صدرت صحيحة طبقاً لإجراءاتها الدستورية – إذا كانت مخالفة لالتزام دولي، كما لا يشترط لمسئولية الدولة عن أعمال سلطتها التشريعية أن يصدر ثمة قانون مخالف لأحكام القانون الدولي. فقد ترتب المسئولية الدولية أيضاً لتراخي الدولة في إصدار القوانين، إذا كان احترام الدولة لتعهداتها الدولية يستلزم أحكام تشريعية داخلية معينة ([26]).

وأكد “د. الشافعي بشير”، أن المسئولية هنا تنتج عن عمل أو امتناع عن عمل من جانب السلطة التشريعية وتوجد المسئولية عن العمل الإيجابي عندما تصدر السلطة التشريعية قانون يتعارض مع الالتزامات الدولية للدولة. كما توجد المسئولية عن الامتناع عن العمل في فرضين، وذلك بألا تصدر السلطة التشريعية القوانين اللازمة لتنفيذ التزامات الدولة دولياً، أو أن تتجاهل إلغاء قانون يتعارض مع الالتزامات الدولية للدولة”([27]).

واستنادا لما سبق، يمكن القول إن الدولة الطرف في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، أو أي اتفاقية أخري معينة بتحريم انتهاكات حقوق الإنسان. على ها التزام بعدم إصدار تشريعات تخالف أحكام هذه الاتفاقيات. كما تلتزم الدول الطرف باتخاذ ما يلزم من إجراءات تشريعية لوضع أحكام هذه الاتفاقيات موضع التنفيذ. فإن هي أهملت أو تراخت في ذلك كان هذا سبباً في إثارة مسئوليتها الدولية تجاه الدول الأخرى الأطراف في الاتفاقيات المعنية.

وإسلامياً، تلزم الشرعية الإسلامية الدولة الإسلامية بمراعاة الأحكام التي أتت بها والتي تكفل حماية الشخص المسلم أو غير المسلم. الذي يعيش في الدولة الإسلامية من انتهاك حقوقه الإنسانية، فإن قصرت في ذلك، فإن هذا يثير مسئوليتها على المستوي الإسلامي، لأنها عندئذ تكون معطلة لتطبيق شرع الله الذي أنزله على نبيه محمد (r)، ولا سيما أن الدولة الإسلامية دولة قانونية منذ لحظة ميلادها ([28]).

ولا تجد السلطة في الدولة الإسلامية أية صعوبة عن فحوى الإجراءات المطلوب اتخاذها لأنها محددة سلفاً. فإن هي طبقت إجراءات مخالفة لما أتت به الشريعة، فتكون هذه الإجراءات باطلة وغير مشروعة والدليل على ذلك قوله تعالي: “إن الحكم إلا الله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم”([29]). وقوله سبحانه: “اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء” (الأعراف: 3). وقوله: “ومن لم يحكم بم أنزل الله فأولئك هم الكافرون”(المائدة: 44). وقوله: “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون” (المائدة: 45). وقوله: “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون” (المائدة: 47)، وقوله: “وأن أحكم بينهم بما أنزل الله”(المائدة: 49).

وتتكون الإجراءات التي يجب أن تطبقها الدولة الإسلامية في هذا الشأن من مجموعة من القواعد تتدرج فيما بينها في شكل هرمي باعتبار مصدر كل منها ومكانه في سلم تدرج المصادر الشرعية ([30]). ويقع في قمة هذا التدرج القرآن الكريم، ثم السنة النبوية فالاجتهاد الجماعي أو إجماع ذوي الفكر المتخصصين، ثم الاجتهاد الفردي من قبل العلماء المجتهدين ([31]). وقد ربط بعض الفقهاء بين الشرعية الإسلامية للحكم واتخاذ الإجراءات التي تهدف إلى إقامة العدالة واحترام حقوق الإنسان ([32]).

ثانيا: ممارسة إحدى هيئات أو أجهزة الدولة أو أحد موظفيها لأفعال تمثل انتهاكا لحقوق الإنسان:

حيث تسأل الدولة عن أعمال أجهزتها وأدواتها الداخلية أو الخارجية. كما تسأل عن موظفيها العاملين باسم ولحساب هذه الأجهزة، مسئولية دولية، على المستوي الدولي، ويستوي في ذلك كبار الموظفين وصغارهم، وهذا ما أكده “د. حامد سلطان، ود. عائشة راتب، ود. صلاح الدين عامر”. حيث يرون أن المسئولية الدولية للدولة تنعقد عن اتخاذها الإجراء المخالف لالتزاماتها الدولية، أو امتناعها عن اتخاذ إجراء يجب على ها اتخاذه لوضع تلك الالتزامات موضع التطبيق، أيا كان الوضع الوظيفي للموظف أو السلطة التي اتخذت الإجراء أو امتنعت عن اتخاذه ([33]).

وفي هذا المعني يقول: “د. إبراهيم العناني العمل أو الامتناع عن العمل الصادر عن السلطة التنفيذية للدولة سواء أكانت السلطة المركزية أو اللامركزية، تسأل عنه الدولة مسئولية دولية أيا كانت درجة الموظف الذي صدر عنه التصرف. ويشترط لذلك أن يصدر التصرف عن الموظف أثناء أدائه لوظائفه أو بناء على تصريح من الدولة ووفقاً للرأي الراجح، تسأل الدولة حتى ولو تجاوز الموظف حدود اختصاصاته ما دام قد صدر عنه التصرف أثناء أو بمناسبة تأديته لعمله الرسمي ([34]).

وقد أكد “د. عبد الواحد محمد الفار، نفس المفهوم السابق، فقال: تسأل الدولة عن كل عمل أو تصرف يصدر عن سلطتها التنفيذية ويكون مخالفاً لالتزاماتها الدولية أو القواعد القانون الدولي ويستوي في هذا أن يكون العمل أو التصرف مما تسمح به قوانين الدولة أن يكون مخالفاً لهذه القوانين طالما أنه يتعارض أخر الأمر مع إحدى الواجبات الدولية ([35]).

وذلك ما ذهب إليه أيضاً د. الشافعي بشير بقوله: “وتسأل الدولة أيضاً عن سلوك جميع موظفيها العموميين دون تمييز بين سلطاتها المركزية وسلطاتها اللامركزية، وكذلك دون تمييز بين درجة الموظفين في السلم الوظيفي ولذلك فإن النظرية التي تثار أحياناً في أمريكا اللاتينية والقائلة بأن تصرفات الموظفين الصغار لا تثير المسئولية الدولية للدولة نظرية مرفوضة، فهي لا تجد أي سند من القانون ولا يؤخذ بها بصفة عامة من جانب القضاء الإداري ([36]).

كما أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة نفس المفهوم، وذلك في قراراتها التي اتخذتها بشأن حالة حقوق الإنسان في إقليم يوغوسلافيا السابقة عندما قالت: “إن الجمعية العامة. تؤكد من جديد أن الدول تعتبر مسئولة عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها عملاؤها في أقيمها أو في إقليم دولة أخري “([37]). وقد بينت لجنة القانون الدولي إبان مناقشة مشروع اتفاقية المسئولية الدولية، أن الالتزام بعقاب الأشخاص الذين يعملون في خدمة هذه الأجهزة لا يوقف المسئولية الدولية للدول عن هذه الأفعال المسندة إليها بسبب سلوك أنظمتها الداخلية أو الخارجية ([38]).

وقد نص المشروع على اعتبار تصرف جهاز من أجهزة الدولة بمثابة فعل صادر عن هذه الدولة بمقتضي القانون الدولي، سواء أكان هذا الجهاز ينتهي إلي السلطة التأسيسية أو التشريعية، أو التنفيذية، أو القضائية، أو غيرها من السلطات، وسواء كانت وظائفه ذات طبيعة دولية أو داخلية، وسواء كان له في تنظيم الدولة مكان الرئيس أو المرؤوس([39]). وقد أيد مشروع اتفاقية المسئولية الدولية ما استقر على ه الفقه، فنص في مادته الثامنة على أن: يعتبر أيضاً فعلاً صادراً عن الدولة بمقتضي القانون الدولي تصرف شخصي أو فريق من الأشخاص: إذا ثبت أن ذلك الشخص، أو ذلك الفريق من الأشخاص كان يعمل في الواقع لحساب هذه الدولة. أو إذا كان ذلك الشخص، أو ذلك الفريق من الأشخاص، يمارس في الواقع بعض اختصاصات السلطة الحكومية في غياب السلطة الرسمية. وهي ظروف كانت تبرر ممارسة تلك الاختصاصات ([40]).

فالدولة تسأل عن أعمال موظفيها أيا كانت درجة سلمهم الوظيفي أو الرئاسي، كما تسأل عن الأفراد الذين يعملون تحت أمر أو إذن موظفيها حتى ولو لم تنطبق على هم صفة الموظف العام طبقاً لقواعد القانون الإداري ([41]). لا سيما أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تمارس غالباًِ من خلال الوسطاء الذين يعتبرون مجموعة الأيدي المنفذة في الواقع لهذه الممارسات المحرمة، وقد يتمثل هؤلاء الوسطاء في مجموعات عسكرية أو أمنية أو أصحاب المهارات الفنية، وخبراء العلوم التكنولوجية، والكيميائية، والصحية والأطباء وعلماء النفس وغيرهم. وتسأل الدولة عن أفعال الموظف الرسمي أو أحد أجهزة الدولة أو أحد الوسطاء المنفذين لسياسة هؤلاء، حتى لو تصرف هذا الموظف أو هذا الجهاز أو هذا الوسيط خارج مجال سلطته أو وظيفته ظاهرياً أو واقعياً، أو في حالة إساءة استخدام السلطة ([42]).

وتبني هذا الموقف من جانب لجنة القانون الدولي ينبني على أسس منطقية وواقعية، حيث تثبت سوابق الممارسات عدم قدرة الضحية على النجاة من عواقب الضرر الناتج من السلوك الخاطئ أو المتعدي لهؤلاء. وقد دعم هذا التفسير المتسع للحماية عن طريق ممارسة اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان في قضايا عديدة، اعتبرت فيها كل من اللجنة والمحكمة أن التوسع في تفسير نصوص الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في هذا الشأن، هو جزء لا يتجزأ من السياسة الوقائية الفعالة. لذلك فإن المسئولية المترتبة على الدولة بسبب الأعمال المحرمة، المرتكبة بواسطة أشخاص وليسوا موظفين رسميين، أو بواسطة أشخاص غير معروفين يمكن أن يولد مسئولية الدولة ليس من أجل الفعل ذاته، وإنما من أجل تقصيرها في الاجتهاد لمنع الانتهاك طبقاً للواجبات المفروضة على ها بموجب القانون الدولي ([43]).

المطلب الثالث: عقبات إثارة المسئولية الدولية عن انتهاكات حقوق الإنسان

نادرا ما يحدث أن تقوم دولة بشكوى دولة أخري وإثارة مسئولية الأخيرة على المستوي الدولي بسبب انتهاك حقوق الإنسان على الأقل، كمسألة منفردة بعيدا عن ربطها بمصالح ومكاسب أخري تريد أن تجنبها الدولية الشاكية. ومن أهم الأسباب التي تؤدي إلى تغاضي الدول عن إثارة المسئولية فيما بينها على المستوي الدولي ترجع إلى مفهومها التقليدي عن مبدأ السيادة، وطبيعة العلاقات الدولية.

أولاً: مبدأ سيادة الدولة:

يعد هذا المبدأ هو المشجع الأساسي للدول المرتكبة للممارسات المحرمة دون خوف من إثارة مسئوليتها على المستوي الدولي. وقد اعترض بعض الفقهاء صراحة بأن مسألة السيادة تمنع من إثارة المسئولية العقابية للدولة عن الجرائم الجنائية على المستوي الدولي ([44]). بينما ذهب البعض الأخر إلى أن مسألة “سيادة الدولة” لا تتعارض مع إقرار مسئوليتها العقابية إذا ما خرقت القانون الدولي لأن طبيعة العلاقات الدولية تقتضي أن تتنازل الدول عن جانب من سيادتها لصالح أفراد ودول المجتمع الدولي، وإن السيادة المطلقة للدول تؤدي إلي تهيئة مناخ الظلم والقهر، واستدلوا على ذلك بما حدث في عهد الدولة الألمانية النازية ([45]).

ويري د. الشافعي بشير”: أن فكرة السيادة قد أكدها ميثاق الأمم المتحدة ونص على ها باعتبارها ما زالت هي المميز الأفضل للسلطة السياسية للدولة رغم الهجوم على ها، إلا أنها يجب أن تؤخذ بمفهومها المعاصر الذي يضع لها إطارا في مدخل القانون الدولي يبعدها عن الإطلاق والتحكم ([46]).

ويري د. مفيد شهاب”: أن القانون الدولي يشهد تطورات هامة انعكاسا لتطور المجتمع الدولي، وقد كان القانون الدولي التقليدي يعتبر مسألة حقوق الإنسان من مسائل السيادة الوطنية التي لا يجوز التدخل فيها، إما الآن، فإن هناك تحولات هامة بهذا الصدد، بحكم تطور المجتمع الدولي ذاته، وهو ما يعني أن الاتجاه الحديث في العالم المعاصر هو اعتبار مسألة حقوق الإنسان من المسائل ذات الطابع الدولي التي يحق للدول الأخرى أن تضغط بشأنها.

فعلى أية دولة لا تريد تدخلا في شئونها أن تحترم تلك الحقوق، وأن تهيئ الظروف المجتمعة لممارسة كل مواطن فيها لحقوقه الأساسية، لأنه لم يعد من المبرر في أحوال كثيرة الاحتجاج بفكرة “السيادة الوطنية”، إذ أن تلك الفكرة في طريقها للتحول بصورة جذرية، وإن كان هذا لا يمنع بالتأكيد من أن نحتج ونقاوم أية تدخلات زرائعية لا مبرر لها، أو توجد مبالغات بشأنها، لكن مع ذلك فإن الاحتجاج والمقاومة لا يكونان بالشعارات فلم يعد أحد يقبل ذلك، وإنما بوجود احترام حقيقي لحقوق الإنسان في الداخل ([47]).

ويري “د. حامد سلطان ود. عائشة راتب ود. صلاح الدين عامر”: أن السيادة في عصر التنظيم الدولي لم تتماشي مع النظرة التقليدية القديمة لمفهوم السيادة المطلقة. فمع بداية القرن العشرين سار العمل والقضاء والفقه الدولي في حدود الضوابط القانونية المشروعة تأسيسا على مبدأ السيادة النسبية وقواعد القانون الدولي. وهكذا قد استقر المجتمع الدولي على الأخذ حاليا بمبدأ السيادة المقيدة فالسيادة حاليا هي مجموعة السلطات التي تتمتع بها الدولة في الحدود التي تقررها القواعد الدولية ([48]).

كم أكد “د. عبد الواحد محمد الفار”: تطور المفهوم التقليدي للسيادة عندما كما كانت في الماضي “وهكذا فإن “الدلالة الموضوعية” لفكرة السيادة، لم تعد كما كانت في الماضي “سيادة مطلقة” تستأثر بها السلطة السياسية في الدولة، لإدارة شئونها الداخلية والخارجية، دون أن تخضع لأي سلطة أخري … وإنما أصبحت صفة لصيقة بالدولة، تخول لها حرية التصرف داخل وخارج إقليمها في إطار ما تفرضه قواعد النظام القانوني الدولي من قيود والتزامات”([49]).

كما ذهب “د. مصطفي سلامة حسين” إلى نفس المعني عندما قال: “كانت الدول، ولا زالت تتمسك بسيادتها لذلك فإن أي تقييد يلحق بها فإنه لا يجيء – عادة – إلا بصورة استثنائية، إن هذا الوضع قد لحق به التطور متمثلا في الاستخدام المتصاعد للوسائل المفرطة في تقييدها لسيادة الدول….”. وضرب سيادته، لذلك مثر “بالتفتيش” كإجراء يمارس في مواجهة الدول للتحقق من مدي احترام الدول لالتزاماتها ([50]). وارجع سيادته تبريره لتقييد سيادة الدول بفكرة التضامن الدولي التي تفترض – كما يقول سيادته – تقييد سيادة الدول وصولا إلى هذا التضامن ([51]).

وقد أصدر الأمين العام السابق للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي خطة للسلام “Agenda for Peace” بناء على تكليف من قبل مجلس الأمن بعد جلسته في تاريخ 31/1/1992. وجاء في الفقرة 17 من هذه الخطة ما يلي: “إن حجر الزاوية في هذا العمل هو الدولة. ويجب أن يظل كذلك. فاحترام صميم سيادة الدولة وسلامتها هو أمر حاسم لتحقيق أي تقدم دولي مشترك. بيد أن زمن السيادة المطلقة الخالصة قد مضي. فالنظرية هنا تنطبق على الواقع ومهمة قادة الدول اليوم هي تفهم هذا الأمر وإيجاد توازن بين احتياجات الحكم الداخلي الجيد ومتطلبات عالم يزداد ترابطا يوما بعد يوم…”([52]).

كما اعتمدت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والأربعين المنعقدة عام 1993، قرارين هامين يعكسان مفهوم السيادة طبقا للقانون الدولي المعاصر، والي أي مدي لم يعد يأخذ بالمفهوم المطلق التقليدي لسيادة الدولة.

القرار الأول: صدر بتاريخ 10/3/1993 حول حالة حقوق الإنسان في العراق تضمن فقرة تطلب من الأمين العام للأمم المتحدة بالتنسيق مع المقرر الخاص عن العراق إرسال مراقبين لحقوق الإنسان. وقد تم هذا دون موافقة الدولة المعنية (العراق) مما يعد تدخلا في سيادتها، كما يعد تطورا هاما لمفهوم السيادة التقليدي المطلق.

القرار الثاني: قرار مجلس الأمن بتشكيل محكمة دولية لمحاكمة مجرمي انتهاكات حقوق الإنسان في الحرب الدائرة في البوسنة والهرسك ([53]).

وبذلك تكون الدورة التاسعة والأربعون للجنة حقوق الإنسان قد حسمت الأمر بالنسبة لمسألة السيادة وأقرت عدم قبول مسألة السيادة كعائق لإثارة مسئولية الدولية على المستوي الدولي عن ممارستها لانتهاكات حقوق الإنسان. وقد أكد الواقع التطبيقي للقضاء هذا التطور، ويظهر هذا من عرض النماذج الآتية:

1ـ قرار محكمة العدل الدولية عام 1980 حول الموظفين الدبلوماسيين للولايات المتحدة في طهران حيث قالت: “إن تجريد الإنسان تعسفا من حريته ووضعه في ظروف مؤلمة وممارسة “الإكراه الجسدي” على ه يعتبر متنافيا بصورة واضحة مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والحقوق الأساسية المعلنة في إعلان حقوق الإنسان”. وطالبت الدولة المنتهكة بإصلاح هذا الوضع فورا ([54]) وهكذا رسخ هذا القضاء التطور الذي لحق بالقانون الدولي وأخرج مسائل حقوق الإنسان – كحقه في عدم التعرض للإكراه الجسدي – من السلطان المطلق الداخلي للدول القائم على مبدأ السيادة التقليدي.

2ـ في حكم “فيلارتيجا” (الصادر من محاكم الولايات المتحدة) احتج المدعي على ه (القائم بالتعذيب) بعدم اختصاص محاكم الولايات المتحدة الأمريكية بنظر الدعوي ؛ لأنه وكذلك المدعيان لا يحملان جنسية الولايات المتحدة، وإنما يحملان جنسية “باراجواي” وفي نظر محاكم الولايات المتحدة الأمريكية بنظر الدعوي؛ أنه وكذلك المدعيان لا يحملان جنسية الولايات المتحدة، وإنما يحملان جنسية “باراجواي” وفي نظر محاكم الولايات المتحدة للقضية اعتداء على “سيادة باراجواي”؛ إلا أن المحكمة الاستئنافية للولايات المتحدة رفضت الدفع بمبدأ السيادة في جريمة التعذيب. حيث لا يتصور أن يتمتع مرتكب التعذيب بأية حصانة ولا يعتبر عمل التعذيب من أعمال السيادة أو أعمال الدولة غير الخاضعة لرقابة القضاء كما لا يتصور أن يمنح القضاء الأمريكي رخصة الامتناع عن نظر الدعوي ضد مرتكب التعذيب بحجة المسألة السياسية أو عمل السيادة أو الحصانة ([55]).

وبالرغم من أن اتفاقية مناهضة التعذيب لسنة 1984 لم تشمل على أي نص يتعلق بعد استفادة مرتكبي التعذيب من قواعد الحصانة وأعمال الدولة وما شابه ذلك إلا أنه يمكن القول إن نصوص هذه الاتفاقية في مجموعها. وكذلك تحقيق أهداف الاتفاقية وأغراضها تؤدي بحكم الضرورة إلى عدم إمكانية استفادة مرتكبي التعذيب والأمرين به من قواعد الحصانة وعمل الدولة والمسألة السياسية كأمور تؤدي إلى منع القضاء أو امتناعه عن نظر دعاوي التعذيب المرفوعة أو المحركة ضدهم وإلا انهزم غرض الاتفاقية في منع التعذيب ومعاقبة مرتكبيه ([56]).

كما تأكد نفس المفهوم وترسخ بعد إنشاء اللجنة المنبثقة عن الاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب لعام 1987، حيث أعطت الأخيرة اللجنة المذكورة صلاحيات واسعة في دخول أماكن الاحتجاز أو السجون في أي من الدول الأعضاء بصورة مفاجئة، ولا يلتزم بإعلان الدولة الطرف عن موعد الزيارة، ويكفي فقط أن ترسل لها إخطار عام بعزمها على الزيارة، ثم تفاجئها بالزيارة في أي وقت ([57]).

ويعد هذا تطوراً هاماً في مفهوم السيادة والتضييق فيه إلي أقصي الحدود، من جانب الدول الأطراف لصالح حق الإنسان في الحماية من التعذيب، ويعني أيضاً أن مبدأ السيادة لم يعد عائقاً لإثارة المسئولية الدولية للدولة إذا ما ارتكبت انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان.

ثانياً: طبيعة العلاقات الدولية

يبدو أن طبيعة العلاقات الدولية وما تتسم به من تشابك في المصالح السياسية والاقتصادية، يجعل الدول تتغاضي فيما بينها عن إثارة المسئولية الدولية عن انتهاكات حقوق الإنسان. وإذا ما أثيرت المسئولية الدولية من قبل دولة ما ضد أخري على المستوي الدولي، فإن هذا غالباً ما يكون بهدف تحقيق كسب سياسي أو عسكري يهم الدولة الشاكية وليس منصباً على الممارسات المحرمة أو مقتصراً على ها. وتفضل الدول أن تتغاضي عن الأعمال المحرمة التي تمارسها دولة أخري خوفاً من إفساد العلاقات السياسية أو التعاون أو المصالح الاقتصادية فيما بينها وتعطي هذا أولوية عن مسألة حقوق الإنسان.

وهذا ما أكده د. أبو بكر أحمد باقادر عند الحديث عن تعذيب الأقليات في العالم وتعارض ذلك مع حقوق الإنسان، وتكاسل العالم عن نجدة الضحايا فقال: إن الأخلاق السياسية الحديثة ذات نزعة نفعية وبذلك فإنه في عديد من الحالات تصم أكثر الدول آذانها أمام عذاب الأقليات المستضعفة طالما كانت على علاقة جيدة مع الدول الظالمة كما أنه في نهاية التحليل تجد أن عذاب الأقليات ذو بال فحسب حينما يكون ذو فائدة للدولة. فهذا الموقف في كثير من الأحيان يؤكد لبعض الدول أن لها الحرية المطلقة في إهانة وتعذيب مواطنيها دون اعتراض من العالم. وهذا يقود إلى حالة من التبادلية في تعذيب الأقليات، وفي العديد من الحالات تستغل القوي العظمي أوضاع الأقليات كوسيلة للتدخل في سياسة الدول الضعيفة ([58]).

كما أكدت د. سعاد الشرقاوي الاستنتاج نفسه، بمناسبة حديثها عن تعذيب الأقليات وإهانتهم وموقف المواثيق الدولية والإقليمية من هذه المسألة، فذكرت أن المسألة ليست نصوص قانونية وإنما هي طريقة تفكير وأسلوب حياة وأكدت أن وراء استمرار هذه الممارسات وعدم إثارة المسئولية الدولية عنها، أسباباً سياسية ونفسية واجتماعية ودينية قوية، رغم وجود النصوص المحرمة لتلك الممارسات. وقد ضربت على ذلك مثالاً. بموقف حكومة (بريتوريا) وتحديها للمواثيق الدولية. وقد بررت ذلك بتلويح حكومة بريتوريا بمنع تصدير المعادن الاستراتيجية إلى حكومات الدول الغربية مما سيكون له أثر اقتصادي خطير على الدول الغربية، حيث تحتل جنوب أفريقيا مكاناً هاماً في إنتاج المعادن الاستراتيجية بالنسبة للعالم بصفة عامة وبالنسبة للدول الغربية بصفة خاصة.

فقد هدد بيتر بوتا (Pieter Botha) بصفة منتظمة قائلاً إن حفر الدول الغربية حفرة لدفن نظام جنوب أفريقيا يؤذي هذه الدول الغريبة في المقام الأول. وقد صدر عنه هذا التصريح في اجتماع سياسي في 1985م. كما سبق لرئيس الأقلية البيضاء أن هدد في عام 1981 بنفس المعني فقال: إن الدول الغربية تقول إننا لا نستطيع أن نعيش بغيرها، ولكن على هذه الدول أن تعترف أنها لا تستطيع أن تعيش بدوننا.. إننا لا نقبل أن يملوا علينا ما يجب عمله في بلدنا وإلا فإنكم ستجدون أمتنا الصغيرة تعترض طريقكم ([59]).

كما أعلن رئيس جنوب أفريقيا في عام 1985 إمكانية وقف تصدير الكروم إلى الدول التي تطبق عقوبات ضد نظامه، مؤكداً بهذا أنه يستطيع أن يدفع مليون عامل أمريكي إلى البطالة خاصة في مجال صناعة الطائرات والسيارات. وقد أثار هذا الحديث مخاوف كبيرة في الغرب وفي الولايات المتحدة ذكرتها بما حدث عام 1973 خلال أزمة البترول. واستناداً إلى ما سبق، فإن العلاقات الدولية الاقتصادية يمكن أن تؤدي إلى إحجام الدول عن إثارة مسئولية جنوب أفريقيا – كنموذج – على المستوي الدولي لانتهاكها حقوق الإنسان ([60]).

وقد أكد د. مصطفي سلامة حسين ما سبق عندما قال: أن قبول الدول واحترامها لحقوق الإنسان لم يحدث إلا في مقابل الحصول على مزايا واستناداً إلي مصالح متبادلة أن تحرك الدول حاملة لواء الدفاع عن حقوق الإنسان لا يحدث من الناحية العملية إلا بهدف الحصول على مزايا واستناداً إلي مصالح متبادلة وأن تحرك الدول حاملة لواء الدفاع عن حقوق الإنسان لا يحدث من الناحية العملية إلا بهدف الحصول على مكاسب أو الحفاظ على مصالح سياسية أو اقتصادية معينة، وقد لا تكترث هذه الدول بما يحدث من انتهاك لحقوق الإنسان من قبل دول معينة إذا كانت تربطها بالأخيرة مصالح سياسية أو استراتيجية([61]).

كما أن الاعتبارات السياسية تلعب دوراً مؤثراً في اتجاهات الدول بشأن حقوق الإنسان، وذلك في عدة مجالات، منها:

1ـ توجيه السياسة الخارجية للدول وفقاً لمدي احترام حقوق الإنسان في الدول الأخرى: مثال ذلك سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس جيمي كارتر حيث تبني الأخير حقوق الإنسان. غير أن الولايات المتحدة ولاعتبارات سياسية لم تلتزم بهذه السياسة الخارجية. وقد وضح هذا في موقفها من مشكلة من منظمة العمل الدولية مع إسرائيل، عندما أدانت المنظمة المذكورة سياسة إسرائيل الحقوق الإنسان، حيث لوحت الولايات المتحدة للمنظمة بالتهديد حتى لا تعترض الأخيرة على سياسة إسرائيل أو تستنكرها. وإزاء إصرار المنظمة على موقفها، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالانسحاب من منظمة العمل الدولية. وبرغم ثبوت انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان، وبذلك غلبت الولايات المتحدة الاعتبارات السياسية على الاعتبارات القانونية الواجب الاعتداد بها ([62]).

2ـ تظهر المجالات التي تلعب فيها الاعتبارات السياسية أيضاً دوراً في اتجاهات الدول بشأن حقوق الإنسان في سلوك الدول، عندما تركز الأخيرة على مخالفات لحقوق الإنسان ترتكبها بعض الدول، بينما تغفل انتهاكات تقوم بها دول أخري. وهذا أمر يكاد ينطبق بطريقة شبه كاملة على جميع دول العالم، فالدول الاشتراكية تركز على مخالفات حقوق الإنسان في جنوب أفريقيا، وتغفل أي حديث أو إشارة عن الانتهاكات التي ترتكب في دول العالم الثالث ذات النظم الثورية أو حتى الصديقة، هذا بالإضافة إلى التغافل بالطبع عن أوضاع حقوق الإنسان في الدول الشرقية. والدول الغربية تهتم بمخالفات حقوق الإنسان حيث لا تكون لها أية مصالح، وهي حينما تذكر القليل من هذه المخالفات في بعض الدول التي لها فيها مصالح استراتيجية أو اقتصادية. فلا ترتب أي نتائج قانونية على هذه الدول المنتهكة لحقوق الإنسان، ويؤكد ذلك – كما يقول الأستاذ الدكتور مصطفي سلامة- استمرار علاقاتها وتعزيزها مع دول ذات نظم استبدادية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ([63]).

كما اتبعت دول العالم الثالث نفس النهج، فالغالبية العظمي من حكوماتها لا تري ضرورة احترام حقوق الإنسان أو حتى تقريرها، ولا تهتم بهذه المسألة إلا في نطاق ما يجري في غير دولها. وإذا ما نوهت عن التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية المتعلقة بحالة حقوق الإنسان، فإنها تقتطف منها ما يمس الدول المعادية، وتسقط أو تحذف ما يتناول هذه الحقوق في الدول الصديقة وفي الدول المعنية ذاتها.

وتدخل الاعتبارات السياسية على هذا النحو يضعف من حقوق الإنسان عن الهدف المنشود منها، ويجعلها أداة طيعة لتحقيق أهداف سياسية يجب ألا يؤدي ذلك بنا إلى التشاؤم حول مصير حقوق الإنسان ([64]).

المطلب الرابع: ضمانات احترام حقوق الإنسان على المستوي الدولي

تتعدد الضمانات التي أقرتها مصادر القانون الدولي لاحترام حقوق الإنسان، وحمايتها من الانتهاكات، ومن بين هذه الضمانات:

أولاً: الرقابة الدولية على تنفيذ مواثيق حقوق الإنسان:

صدرت عن المجتمع الدولي عدة وثائق تكفل احترام حقوق الإنسان الأساسية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقيات الأمم المتحدة للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية لعام 1966، واتفاقيات قمع التفرقة العنصرية، واتفاقيات المحاكمة عن ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية لعام 1998، ولا شك أن هذه الاتفاقيات تنشئ على عاتق الدول فيها التزامات بوجوب احترامها وتنفيذها، كما تنشئ وسائل وأساليب دولية لكفالة احترامها.

1ـ الرقابة الدولية على تنفيذ العهدان الدوليان لعام 1966:

أنشأت اتفاقيات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التزامات على عاتق الدول وألزمتها هي وبعض مؤسسات المجتمع الدولي بالسهر والإشراف على تحقيقها وتنفيذها. ولكن يلاحظ بعض الفروق بين الاتفاقيتين من حيث طبيعة الالتزامات ووسائل الرقابة على ها: فمن حيث طبيعة الالتزامات فإن التزامات اتفاقية الأمم المتحدة للحقوق المدنية والسياسية، التزامات فورية الأداء من قبل الدول المتعهدة بينما التزامات اتفاقية الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تتراخي إلي فترات زمنية غير محددة ووفقاً لتوافر الموارد المالية التي تجعل الدولة قادرة على الوفاء بهذه الالتزامات، فهي التزامات ببذل عناية على فترات طويلة غير محددة في حين أن التزام الحقوق المدنية والسياسية هو التزام بتحقيق نتيجة ولا يتراخى تنفيذه أية مدة لأنه لا يحمل الدولة أية أعباء مالية.

وتتضح طبيعة هذه الالتزامات من المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة للحقوق المدنية والسياسية التي تنص على تتعهد الدول المتعاقدة باحترام وتأمين الحقوق المقررة لكافة الأفراد ضمن إقليمها والخاضعين لولايتها دون تمييز من أي نوع سواء أكان ذلك بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الانتماء السياسي أو غيره أو الأصل الاجتماعي أو الملكية أو صفة الولادة” وبالتالي فهو التزام بتحقيق نتيجة فورية.

في حين نصت المادة الثانية من العهد الدولي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على: “تتعهد الدول الأطراف فهي الاتفاقية باتخاذ الخطوات اللازمة خاصة الاقتصادية ولأقصي ما تسمح به مواردها المتاحة من أجل التوصل تدريجيا للتحقيق الكامل للحقوق المعترف بها في العهد الحالي بكافة الطرف المناسبة بما في ذلك على وجه الخصوص الإجراءات التشريعية اللازمة”. وهو بالتالي التزام ببذل العناية الممكنة، وهو التزام لا يوضع موضع التطبيق إلا تدريجياً عكس الحقوق السياسية والمدنية فهي فورية وذلك يرجع إلى أن تحقيق الحقوق الاقتصادية يتوقف على ظروف الدولة الاقتصادية ومواردها التي قد لا تتاح فوراً وإنما تحتاج الدول لتدبيرها فترات زمنية متعاقبة، كما أن تنفيذها يختلف بحسب قدرات الدول الاقتصادية والمادية على عكس الحقوق المدنية والسياسية فإن الدول تتساوي في تنفيذها أي كان نظام الحكم السائد فيها وأياً كان تقدمها الاقتصادي أو الاجتماعي أو العسكري.

2ـ تختلف وسائل الرقابة على تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية الاجتماعية عن تلك القائمة في اتفاقية الأمم المتحدة للحقوق السياسية والمدنية:

فوسائل الرقابة الدولية على تنفيذ اتفاقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: وتتمثل في التزام الدول بوضع تقارير عامة وتقارير على مراحل بشأن أوضاع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فيها: ويستشف هذا الالتزام من المادة 16 من الاتفاقية والتي تنص على “تتعهد الدول الأطراف في العهد الحالي بأن تضع تماشياً مع هذا القسم من العهد تقارير عن الإجراءات التي اتخذتها والتقدم الذي أحرزته في تحقيق مراعاة الحقوق المقررة في هذه الاتفاقية”، وتعرض جميع التقارير على الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يقوم بإرسال نسح منها إلي المجلس الاقتصادي والاجتماعي للنظر فيها طبقاً لنصوص العهد الحالي ، وعلى الأمين العام للأمم المتحدة كذلك أن يبعث إلي الوكالات المتخصصة نسخاً من التقارير، أو أية أجزاء منها ذات صلة التي تضعها الدول الأطراف في هذه الاتفاقية والتي تكون أيضاً من بين أعضاء هذه الوكالات المتخصصة طالما كانت هذه التقارير أو أجزاء منها متصلة بأي من الأمور التي تدخل ضمن مسئوليات الوكالات طبقاً لمستنداتها الدستورية”.

وتورد المادة 17 من الاتفاقية نظام التقارير على مراحل حيث تنص هذه المادة على أنه ” تنشئ بجانب التقارير العامة، نظام التقارير على مراحل، والتي تلتزم الدول بالتقدم بها طبقاً للبرامج التي يضعها المجلس الاقتصادي والاجتماعي خلال عام من بدء تنفيذ الاتفاقية بعد التشاور مع الدول الأطراف فيها والوكالات المتخصصة المعنية، ويجوز أن تشمل التقارير على بيان العوامل والصعوبات التي تؤثر على ودقة الوفاء بالالتزامات المنصوص على ها في الاتفاقية، وليس هناك ما يستوجب إعادة تقديم المعلومات ذات الصلة التي سبق للدولة الطرف أن قدمتها للأمم المتحدة أو لأية منظمة متخصصة ويكتفي في هذه الحالة بإشارة موجزة للمعلومات التي سبق تقديمها.

كما أن هناك قواعد عامة تحكم نظام التقارير بنوعيها، وأهم هذه القواعد أن الدول تلتزم بتقديم التقارير عن أوضاع حقوق الإنسان فيها وأن هذا التزام قانوني تلتزم الدول بأدائه جبراً عنها وليس باختيارها طالما وافقت وانضمت إلي اتفاقيات حقوق الإنسان تلك، وبالتالي يجب على ها تقديم تقارير عن أوضاع حقوق الإنسان فيها سواء كانت تقارير عامة تتقدم بها الدول بصورة دورية أو تقارير على مراحل موضوعة بواسطة برنامج حدده لها المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

ويستشف هذا التعهد من عبارات المادة 16 التي تقول ” تتعهد الدول.. بتقديم تقارير عن أوضاع حقوق الإنسان فيها. وعبارات المادة 17 التي تقول ” على الدول الأطراف في الاتفاقية أن تقدم تقاريرها على مراحل..”.

ويجب على الدول أن توضح في هذه التقارير أوضاع حقوق الإنسان فيها والإجراءات التي اتخذتها سواء كانت تشريعية أو إدارية من أجل كفالة تعزيز واحترام حقوق الإنسان فيها وإن تبين مدي التقدم الذي أحرزته باتخاذ هذه الإجراءات. وذلك لكي يستطيع المجلس الاقتصادي والاجتماعي تقييم تلك الإجراءات سواء بالاستمرار على ها أو زيادتها أو استبدالها بغيرها لكي يتحقق الهدف الرئيسي منها وهو كفالة احترام حقوق الإنسان الواردة في الاتفاقية.

كما أن هذه التقارير قد تكون عامة ودورية تلتزم جميع الدول بتقديمها شارحة فيها أوضاع حقوق الإنسان فيها، كما قد تكون هذه التقارير على مراحل تلتزم بعض الدول بتقديمها وفقاً للبرنامج التدريجي الذي رسمه لها المجلس الاقتصادي والاجتماعي حتي يوازن بين احترام حقوق الإنسان فيها وعدم زعزعة الأمن والاستقرار الداخلي.

كذلك فإن هذه التقارير ترسل إلي الأمين العام للأمم المتحدة الذي على ه أن يرسل نسخ منها إلي المجلس الاقتصادي والاجتماعي لكي يتخذ المزيد من التوصيات بالإجراءات التي يراها مناسبة من أجل تدعيم حقوق الإنسان فيها كما يجب على الأمين العام للمنظمة إرسال نسخ من هذه التقارير إلي المنظمات المتخصصة المعنية بالأمر أو التي يدخل موضوع التقرير في جانب من نشاطها لكي يمكنها من تقديم توصياتها ومساهمتها الممكنة.

3ـ دور الأمين العام للأمم المتحدة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمنظمات الدولية المتخصصة في مجال حماية حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية:

خولت اتفاقية الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأمين العام للأمم المتحدة الاختصاص بتلقي التقارير الدورية العامة من الدول أو التقارير على مراحل، كما خولته حق طلب المزيد من المعلومات من الدول الأطراف في الاتفاقية عن أوضاع حقوق الإنسان فيها، وأوجبت على ه أن يقدم هذه التقارير إلي المجلس الاقتصادي والاجتماعي أو المنظمات الدولية المتخصصة لكي يتقدموا بالتوصيات والإجراءات التي يروها مناسبة، والتي يمكن للأمير العام أن يرفعها إلي الجمعية العامة أو مجل سالاً من وذلك لاتخاذ ما يراه مناسباً من إجراءات.

أما عن سلطات المجلس الاقتصادي والاجتماعي في مجال حماية حقوق الإنسان في ضوء فحصه للتقارير عن أوضاع حقوق الإنسان في الدول فهو وارد في مواد عديدة من اتفاقية الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إعمالاً لمسئولاته طبقاً لميثاق الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية أن يتفق مع المنظمات الدولية المتخصصة على تلقي تقارير تلك المنظمات حول أوضاع حقوق الإنسان في الدول المقدمة لهذه التقارير ويجوز للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يطلب من تلك المنظمات أن توضح مدي ما تحرزه الدول من تقدم في تحقيق احترام نصوص الاتفاقية، كما يجوز للمجلس أن يطلب منها توصياتها والاقتراحات التي تراها أجهزة هذه المنظمات من أجل تطبيق نصوص الاتفاقية وكفالة احترام حقوق الإنسان.

أما عن سلطة المجلس الاقتصادي والاجتماعي في تكليف لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في دراسة التقارير واتخاذ التوصيات التي تراها مناسبة: وهذه السلطة مستمدة من المادة التاسعة عشر، وهي سلطة مهمة من حيث أن لجنة حقوق الإنسان كجهاز تابع للأمم المتحدة ومرتبط بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي هي صاحبة الاختصاص العام في مسائل حقوق الإنسان بما في ذلك الاختصاص التشريعي والتي يرجع إليها الفضل في عقد العديد من الاتفاقيات الدولية واتخاذ توصيات وإجراءات فعالة في مجال حماية حقوق الإنسان وهي بالتالي لجنة متميزة عن لجنة حقوق الإنسان التي ورد أسمها في البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأمم المتحدة للحقوق المدنية والسياسية. حيث تعتبر الجهاز المختص بالرقابة والإشراف على تنفيذها.

كذلك يحق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، طبقا للمادة 20 من الاتفاقية، أن يتلقى من الدول الأعضاء والمنظمات الدولية المتخصصة المعنية- اقتراحاتها وتعلى قاتها وتوصياتها حول أي إجراء أو اتفاق يتم اتخاذه في مجال حماية حقوق الإنسان.

ويحق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في مخاطبة الجمعية العامة للأمم المتحدة، طبقاً للمادة 21 من الاتفاقية، أن يرسل للجمعية العامة التقارير التي ترد إليه سواء من الدول أو المنظمات المتخصصة المعنية مشفوعة بما يراه من توصيات وإجراءات من أجل تعزيز احترام حقوق الإنسان مع المعلومات المتوافرة حول مدي التقدم الذي تم إحرازه في هذا المجال، وقد خولت المادة 22 المجلس حق طلب المساعدة الفنية من الأجهزة المتاحة للأمم المتحدة المعنية وتشمل تلك المساعدة تقديم الخبراء والمشورات الفنية وإبرام الاتفاقيات، وتنظيم المؤتمرات والاجتماعات الفنية والإقليمية بالاتفاق مع الحكومات المعنية. وقد نصت الاتفاقية صراحة على عدم جواز تفسير أي نص في الاتفاقية بطريقة تؤدي إلى تعطيل نصوص ميثاق الأمم المتحدة ودساتير الوكالات المتخصصة أو تؤدي إلى سلبها اختصاصها بالأمور الواردة في الاتفاقية.

4ـ وسائل الرقابة الدولية على تنفيذ الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية:

تضع اتفاقية الأمم المتحدة للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، التزامات قانونية فورية بتحقيق نتيجة مؤداها كفالة الاحترام الكامل للحقوق الواردة فيها، وأن تنفيذه هذه الالتزامات يتم بصورة فورية وبمجرد تصديق الدولة على ها ولا يعلق تنفيذها على ظروف الدولة الاقتصادية والمادية كما هو الحال في اتفاقية الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وليس هذا هو الفارق الوحيد بين الاتفاقيتين ولكن تختلف كذلك آليات وسائل الرقابة في كل منهما.

فإذا كانت الرقابة على تنفيذ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تقتصر على ما تقدمه الدول من تقارير إلي الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة والتي يبلغها إلي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والمنظمات المتخصصة وأجهزة الأمم المتحدة الأخرى كالجمعية العامة من أجل اتخاذ توصيات أو إجراءات أو عقد اتفاقيات أو تقديم المساعدات الفنية للدول لتعزيز احترام حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية. فإن الأمر على خلاف ذلك في ظل اتفاقية الأمم المتحدة للحقوق المدنية والسياسية التي أنشأت آليات ووسائل خاصة بها من أجل تنفيذ الالتزامات الواردة فيها وتتمثل هذه الوسائل في ثلاث آليات هي: لجنة حقوق الإنسان، ولجنة التوفيق، ونظام الشكاوى والطعون الفردية.

ثانياً: الحماية الجنائية الدولية لحقوق الإنسان

احتكم الضمير الإنساني إلي صوابه فقرر إنشاء محكمة جنائية دولية يتم أمامها محاكمة مرتكبي هذه الجرائم بعدما تم النص على أن مثل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان الجماعية تعد جرائم دولية مخالفة لقواعد القانون الدولي الآمرة وبالتالي فيجب محاكمة مرتكبيها أيا كانوا سواء حكاما أو محكومين قادة آمرين أو مأمورين منفذين، ولا تمنع من المحاكمة حصانات أو امتيازات سواء كان مصدرها القانون الدولي أو القانون الداخلي ، ولا تسقط هذه الجرائم بالتقادم، وتخول للمجتمع الدولي القبض على مرتكبيها ومحاكمتهم ولا تحميهم سيادة الدول أو حصانتها القضائية أو الادعاء بعدم التدخل في الشئون الداخلية. وهذا يعد بلا شك نقله نوعية ضخمة لمبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية ولكن بشرط أن نحسن تنفيذها ويعمم تطبيقها على الجميع على حد سواء. ([65])

وقد تحدد اختصاص المحكمة الجنائية في المادة الخامسة من نظامها الأساسي حيث نصت على أنه “يقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسرة، وللمحكمة بموجب هذا النظام الأساسي النظر في الجرائم التالية: جريمة الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان. وهذا التقسيم هو ذاته الذي سردناه فيما سبق عند تعريف وأنواع الجرائم الدولية وهو التقسيم الذي اعتمده النظام الأساسي للمحكمة والذي تعريف هذه الجرائم وبيان الأفعال المكونة لها.

وقد أوضحت المادة السادسة مفهوم جريمة الإبادة الجماعية حيث قالت أنها تعني أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاكا كلياً أو جزئياً: قتل أفراد الجماعة، والحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة، واخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كليا أو جزئياً، وفرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة، ونقل أطفال الجماعة عنوة إلي جماعة أخري.

ثم قامت المادة السابعة ببيان الأفعال المكونة للجرائم ضد الإنسانية بعد بيانه المقصود بها حيث قالت “بشكل أي فعل من الأفعال التالية” جريمة ضد الإنسانية “متي ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم: ومن هذه الأفعال: القتل العمد، والإبادة، والاسترقاق، وإبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، والسجن أو الحرمان الشديد على أي نحو أخر من الحرية البدائية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي ، والتعذيب، والاغتصاب أو الاستبعاد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو العمل القسري ، أو التعقيم القسري أو أي شكل أخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة، واضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنيه أو ثقافية أو دينية، أو متعلقة بنوع الجنس على النحو المعروف في الفقرة 3، أو لأسباب أخري من المسلم عالمياً بأن القانون الدولي لا يجيزها، وذلك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو أية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة، والاختفاء القسري للأشخاص، وجريمة الفصل العنصري ، والأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو في أذي خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية.

وقد قامت الفقرة الثانية من هذه المادة السابعة بتوضيح معاني المصطلحات الواردة فيها كتحديد معني “هجود موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين “وعبارة” الإبادة”، “والاسترقان” و “التعذيب”.. الخ. ثم قامت المادة الثامنة بتحديد اختصاصها في جرائم الجرب فقالت فقرتها الأولي “يكون للمحكمة اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب، ولاسيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم.

ثم قامت الفقرة الثانية من هذه المادة بتوضيح معني جرائم الحرب وقامت بتعداد أفعالها على سبيل الحصر وذكرت أنها تعني الانتهاكات الأخرى الخطيرة للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة في النطاق الثابت للقانون الدولي. أما في حالة وقوع نزاع مسلح غير ذي طابع دولي، فهي تختص بمحاكمة الانتهاكات الجسيمة للمادة 2 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع المبرمة في 12 أغسطس 1949، ر- كما تنطبق الفقرة 2ج على المنازعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي، وبالتالي فهي لا تنطبق على حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية مثل أعمال الشغب أو أعمال العنف المنفردة وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة.

وتعد مشكلة القانون الواجب التطبيق أمام المحكمة الجنائية الدولية من المشاكل الرئيسية التي تواجه المحكمة حيث إن تعداد المصادر الواردة في المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية لا يكفي ، في رأينا – لتبيان القانون الواجب التطبيق من المحكمة حيث إنها تختص بالمحاكمة عن جرائم دولية يهيمن على ها مبدأ أساسي هو مبدأ الشرعية والذي يعني أنه لا تجريم ولا عقاب على أفعال ما لم تكن مجرمة ومعاقب على ها بنص قبل وقوعها وذلك حتي تتحدد الجرائم وأركانها والعقاب على ها بصورة واضحة وغير قابلة للجدل أو التأويل قبل المحاكمة عنها.

ومن أجل ذلك قررت المادة 21 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية القانون الذي تطبقه المحكمة حينما تفصل في القضايا التي تعرض على ها وتختص بالنظر فيها، وتطبق في المقام الأول النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أي الأحكام الواردة في هذا النظام والمتعلقة بتحديد النطاق الموضوعي والشخصي والزمني لاختصاص المحكمة، والقواعد الواردة أيضاً في هذا النظام والمتعلقة بأركان الجرائم وإجراءات التحقيق وعرض الدعوي ونظرها والحكم فيها والقواعد الخاصة بالإثبات وغيرها من القواعد والأحكام ذات الصلة بنظر الدعوي .

وفي المقام الثاني تطبق المحكمة المعاهدات الواجبة التطبيق ومبادئ القانون الدولي وقواعده، بما في ذلك المبادئ المقررة في القانون الدولي للمنازعات المسلحة. ويقصد بالاتفاقيات الدولية الواجبة التطبيق المعاهدات الدولية الواجبة التطبيق على الجرائم التي تختص المحكمة بالنظر فيها والمنصوص على ها في المادة الخامسة من هذا النظام، مثل اتفاقيات جنيف الأربع لحماية ضحايا النزاعات المسلحة والمبرمة في 12 أغسطس 1949، وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977، واتفاقية منع جريمة إبادة الجنس والعقاب على ها المعتمدة في 9 ديسمبر 1948، والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان لعام 1966 واللذين دخلا حيز النفاذ القانوني في عام 1976، والاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز لسنة 1965، والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والعقاب على ها لعام 1973، وغيرها من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالجرائم التي تنظرها المحكمة كما تطبق المحكمة مبادئ القانون الدولي وقواعده أيا كان مصدرها، وذلك إذا لم تكفي القواعد السابقة الواردة في النظام الأساسي والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالجرائم والعقوبات الدولية.

ويجوز للمحكمة أن تطبق وتأخذ بالتفسيرات القانونية لمبادئ القانون وقواعده، والتي سبق للمحكمة أن استقرت على ها في أحكامها السابقة. ولكن تتقيد المحكمة الدولية في تفسيرها وتطبيقها مع حقوق الإنسان المعترف له بها دولياً، وألا يتضمن هذا التفسير أي تفرقة أو تمييز يستند إلى نوع الجنس أو السن أو العرق أو اللون أو اللغة أو الدين أو المعتقد أو الرأي السياسي أو غير السياسي أو الأصل القومي أو الإثني أو الاجتماعي أو الثروة أو أي سبب أخر. ([66]).


الهامش

([1]) مصطفى الفيلالي، نظرة تحليلية في حقوق الإنسان من خلال المواثيق وإعلان المنظمات، مجل المستقبل العربي، العدد 223، السنة التاسعة، 1997م، ص 83.([2]) وائل أحمد علام، الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، دار النهضة العربية، القاهرة، ص 21 وما بعدها.

([3]) أميرة فتوح، حقوق الإنسان في مصر المعاصرة، ترجمة إسماعيل صادق، الزهراء للإعلام العربي، الطبعة الأولى، ص 19.

([4]) صلاح الدين عامر، الحماية الدولية لحقوق الإنسان، نظرة عامة، “في” حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية والقانون المصري، أحمد فتحي سرور وآخرين “محررون”، بحث تم إعداده بالتعاون بين كلية الحقوق جامعة القاهرة ومنظمة اليونسكو، 1993م، ص 294.

([5]) Nigel. S. Rodley., “The International Legal Consequences of Torture, Extra – Legal Execution, and Disappearance (State Responsibility for Torture), Now Directions in Human Rights, University of Pennsylvania Press, 1989, PP. 169-172.

([6]) د. إبراهيم العنانى، النظام الدولي الأمني، مرجع سابق، ص121-122.

([7]) د. إبراهيم العنانى، المرجع السابق، ص122-124.

([8]) د. عبد الرحيم صدقي، القانون الدولي الجنائي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986، الصفحات، 75،74،11.

([9]) Edward M. Wise., “International Crimes and Domestic Criminal Law”. Depaul Law Review, Vol. 38, No. 4, 1989 PP. 923-927.

([10]) ibid, p 936.

([11]) د. محمود شريف بسيونى، المدخل لدراسة القانون الجنائي الدولي، المعهد الدولي العالي للدراسات الجنائية سيراكوزا – إيطاليا، 1991، ص57، وما بعدها.

([12]) المرجع السابق مباشرة، ص60.

([13]) كلفت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة القانون الدولي بقرارها رقم 177 (د-2) المؤرخ في 21 نوفمبر 1974، بإعداد مشروع قانونه للجرائم المخلة بسلم الإنسانية وأمنها. وفى دورتها السادسة المعقودة في عام 1954، اعتمدت اللجنة المشروع مصحوباً بتعليقات وقدمته إلى الجمعية العامة.

([14]) حولية لجنة القانون الدولي 1988، المجلد الثاني، الجزء الأول، الأمم المتحدة، نيويورك، 1990، ص20، وما بعدها.

([15]) حولية لجنة القانون الدولي، 1984، المجلد الثاني، الجزء الثاني، تقرير لجنة القانون الدولي الى الجمعية العامة عن أعمال دورتها السادسة والثلاثين، الأمم المتحدة، نيويورك، 1986، ص22، وما بعدها.

([16]) انظر: حولية لجنة القانون الدولي 1986، المجلد الأول، المحاضر الموجزة لجلسات الدورة الثامنة والثلاثين، 5 مايو – 11 يوليو 1986، الأمم المتحدة، نيويورك، 1986، ص7،6. وكذلك حولية لجنة القانون الدولي 1989، المجلد الثاني، الجزء الثاني، الأمم المتحدة، نيويورك، 1992، ص11.

([17]) حولية لجنة القانون الدولي 1989، المجلد الثاني، الجزء الأول، الأمم المتحدة، نيويورك، 1992، ص129.

([18]) حولية لجنة القانون الدولي 1984، المجلد الثاني، الجزء الأول، الأمم المتحدة، نيويورك، 1987، ص155.

([19]) حولية لجنة القانون الدولي 1984، المجلد الثاني، الجزء الأول، الأمم المتحدة، نيويورك، 1987، ص 155، وما بعدها.

([20]) تنص المادة (18)، من المشروع على الجرائم ضد الإنسانية بقولها: “يقصد بالجريمة المرتكبة ضد الإنسانية كل فعل من الأفعال التالية، عند ارتكابه بشكل منتظم أو على نطاق واسع أو بتحريض أو توجيه من إحدى الحكومات أو من أي منظمة أو جماعة: القتل العمد، والإبادة، والتعذيب، والاسترقاق، والاضطهاد لأسباب سياسية أو عنصرية أو دينية أو لثنية، والتمييز النظامي لأسباب عنصرية أو أثنية أو دينية الذى يشمل الحقوق والحريات السياسية للإنسان ويؤدى إلى إلحاق ضرر جسيم بجزء من السكان، والإبعاد التعسفي أو النقل القسري للسكان، والاحتجاز التعسفي، والإخفاء القسري للأشخاص، والاغتصاب والدعارة القسرية والأشكال الأخرى من الاعتداء الجنسي، والأعمال اللاإنسانية الأخرى التي تلحق ضرراً جسيماً بالسلامة الجسدية أو العقلية وبالصحة أو بالكرامة الإنسانية، مثل التشويه والإصابة الجسدية الجسيمة. راجع: تقرير لجنة القانون الدولي عن أعمال دورتها الثامنة والأربعين، 6 مايو، 26 يوليه 1996، الجمعية العامة، الوثائق الرسمية: الدورة الحادية والخمسون، الملحق رقم (10)، الأمم المتحدة، نيويورك 1996، ص75-76.

([21]) تقرير لجنة القانون الدولي، عن أعمال دورتها الثامنة والأربعين، 1996، ص102، مرجع سابق.

([22]) د. طارق عزت رخا، قانون حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق في الفكر الوضعي والشرعية والإسلامية، القاهرة، دار النهضة العربية، 2006، ص ص 294-303.

([23]) د. طارق عزت رخا، تحريم التعذيب والممارسات المرتبطة به، مرجع سابق.

([24]) د. جعفر عبد السلام، مبادئ القانون الدولي العام، الطبعة الرابعة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995، ص247.

([25]) د. إبراهيم العنانى، القانون الدولي العام، مرجع سابق، ص 95 ـ 96.

([26]) د. حامد سلطان، ود. عائشة راتب، ود. صلاح الدين عامر، القانون الدولي العام، مرجع سابق، ص 304 ـ 309.

([27]) د. الشافعي بشير، القانون الدولي العام، مرجع سابق، ص152.

([28]) د. محمد أنس جعفر، الوسيط في القانون العام “القضاء الإداري”، القاهرة، دار النهضة العربية، 1987، ص19-2.

([29]) سورة يوسف، الآية 40.

([30]) د. عثمان عبد الملك الصالح، مرجع سابق، ص76-77.

([31]) أنظر: د. إبراهيم العنانى، حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص14-15. ود. وهبه الزحيلى، الفقه الإسلامي وأدلته، مرجع سابق، ص652-660. ود. عبد الواحد محمد الفار، قانون حقوق الإنسان في الفكر الوضعي والشريعة الإسلامية، ص177-200، و د. عبد الواحد محمد الفار، “الثقافة الإسلامية تأصيلية لمضمون الرسالة الإسلامية في ضوء القرآن والسنة. دمشق، دار العم للطباعة والنشر، 1983، ص45.

([32]) د. عبد الواحد محمد الفار، القانون الدولي العام، مرجع سابق، ص391.

([33]) د. حامد سلطان، ود. عائشة راتب، ود. صلاح الدين عامر، القانون الدولي العام، مرجع سابق، ص309 ـ 311.

([34]) د. إبراهيم العنانى، القانون الدولي العام، مرجع سابق، ص96.

([35]) د. عبد الواحد محمد الفار، القانون الدولى العام، ص351، مرجع سابق الإشارة إليه.

([36]) د. الشافعى بشير، المرجع السابق، ص153.

([37]) التقرير رقم ((A/48/632/Add.3، الجلسة 85 تاريخ الاتخاذ 20 ديسمبر 1993، منشور فى القرارات والمقررات التى اتخذتها الجمعية العامة فى الجزء الأول من دورتها الثامنة والأربعين فى الفترة من 21 سبتمبر إلى 23 ديسمبر 1993، الأمم المتحدة، بيان صحفى، نيويورك، 4 مارس 1994، ص449.

([38]) حولية لجنة القانون الدولى، المجلد الثانى، الجزء الثانى، تقرير لجنة القانون الدولى عن أعمال دورتها الثانية والثلاثين 5 مايو – 25 يوليو 1985، الملحق رقم (10/35/A)، الأمم المتحدة نيويورك 1980، ص570-571، وللتعليق على ما جاء به هذا المشروع.

([39]) المادة (6)، من المشروع راجع ذلك فى تقرير لجنة القانون الدولى عن أعمال دورتها الثامنة والأربعين، 1996، مرجع سابق، ص103.

([40]) حولية لجنة القانون الدولى، عام 1980، ص571، المرجع السابق، تقرير لجنة القانون الدولى عن أعمال دورتها الثامنة والأربعين، عام 1996، مرجع سابق، ص 104.

([41]) يقصد بالموظف العام فى مفهوم القانون الإدارى ذلك الشخص الذى يعهد إليه على وجه قانونى بأداء عمل على وجه الاعتياد والانتظام فى مرفق عام تديره الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة إدارة مباشرة.

انظر: د. سليمان الطماوى، مبادئ القانون الإدارى، دراسة مقارنة، الكتاب الثانى نظرية المرفق العام وعمل الإدارة العامة، 1973، ص282، وما بعدها.

([42]) تقرير لجنة القانون الدولى، لعام 1996، المرجع السابق، ص105، (المادة 10 من مشروع الاتفاقية)

([43]) د. طارق عزت رخا، قانون حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق فى الفكر الوضعى والشريعة الإسلامية، القاهرة، دار النهضة العربية، 2006، ص ص 337 ـ 352.

([44]) د. عبد الرحيم صدقي، القانون الدولي الجنائي، ص6-30، مرجع سابق، دكتور محمد السعيد الدقاق، حقوق الإنسان في إطار نظام الأمم المتحدة، مرجع سابق.

([45]) مشار إليه من طرف دكتور بشير، القانون الدولي الجنائي، ص10 وما بعدها، مرجع سابق.

([46]) د. الشافعي بشير، القانون الدولي العام، ص142، مرجع سابق الإشارة إليه.

([47]) د. مفيد شهاب، نقاط حول حقوق الإنسان بين السيادة الوطنية والتدخل الدولي دراسة منشورة في كتاب حقوق الإنسان الثقافة العربية والنظام العالمي، ص188-189، مرجع سابق.

([48]) ورد ذلك في مؤلفهم، “القانون الدولي العام”، ص721-728، مرجع سابق.

([49]) د. عبد الواحد محمد الفار، المصلحة الدولية المشتركة كأساس لتطوير النظام الاقتصادي الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة 1984، ص108.

([50]) د. مصطفى سلامة حسين، تطور القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، القاهرة 1992، ص214-216.

([51]) د. محمد السعيد الدقاق، حقوق الإنسان في إطار نظام الأمم المتحدة ص68 مرجع سابق.

([52]) مشار إليها من طرف الأستاذ باسيل يوثف في دراسة بعنوان حماية حقوق الإنسان بين مبدأ عدم التدخل والحق في التدخل والموقف العربي المطلوب، منشورة في كتاب حقوق الإنسان بين الثقافة العربية والنظام العالمي، النشار مركز اتحاد المحامين العرب للبحوث والدراسات القانونية، القاهرة، 1993، ص172.

([53]) القرار رقم 808 (1993)، 728 (1993)، الأمم المتحدة، بيان صحفي، إدارة شئون الاعلام. دائرة الخدمات الإخبارية، نيويورك، 4 مارس 1994، ص747-750.

([54]) تقرير محكمة العدل الدولية لعام 1980 ص44، الفقرة 95، منشور في حولية لجنة القانون الدولي لعام 1988، المجلد الأول (باء)، المحاضر الموجزة للجلسات 2070 إلى 2094 للدورة الأربعين، 9 ايار/مايو – 29 يوليو 1988، الأمم المتحدة، نيويورك عام 1991 ص52.

([55]) التطبيق المباشر للقانون الدولي لحقوق الإنسان في النظام القانوني الأمريكي، ص 71-72.

([56]) د. جميل محمد حسين، ص 72 – 73 المرجع السابق.

([57]) المادة 5 والمادة 8 من الاتفاقية المذكورة.

([58]) د. أبو بكر أحمد باقادر، الأقليات وحقوق الإنسان، بحث منشور في مجلة الحقوق، تصدرها كلية الحقوق بجامعة الكويت، السنة السابعة، العدد الثالث سبتمبر 1983م ص 349.

([59]) د. سعاد الشرقاوي، التمييز وحماية الأقليات وحماية الأقليات في المواثيق الدولية والإقليمية، بحث منشور في مجلة الحق، مجلة فصلية يصدرها اتحاد المحامين العرب، السنة 19, العدد3, عام 1988، ص 97.

([60]) المرجع السابق، ص 99.

([61]) أنظر:

R.J Vincent., Human Rights and International Relations, Cambridge University Press, 1987, pp. 11, 71, 97, 107, 145.

([62]) د. مصطفى سلامة حسنين، العلاقات الدولية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية 198، ص 75-76.

([63]) المرجع السابق مباشرة ص 76 – 77.

([64]) د. طارق عزت رخا، قانون حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق في الفكر الوضعي والشريعة الإسلامية، القاهرة، دار النهضة العربية، 2006، ص.ص 373-385.

([65]) د. حسين حنفى عمر، التدخل فى شئون الدول بذريعة حماية حقوق الإنسان،” دور التسويق السياسى فى إدارة الحملات الانتخابية”، بالتطبيق على انتخابات مجلس الشعب، جامعة قناة السويس – كلية التجارة ببور سعيد، قسم إدارة الأعمال، 2006، ص.ص. 262- 283.

([66]) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

الوسوم

د. مسعود عبد السلام

باحث وأكاديمي ليبي، دكتوراه في القانون الدولي، كلية الحقوق، جامعة القاهرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى