بحوث

نظم ووظائف التعددية الحزبية

شهدت الأدبيات السياسية العديد من محاولات تصنيف النظم السياسية أحد هذه التصنيفات هي تلك التي تميز بين:

  • النظم الديمقراطية والتي تتسم بوجود ضوابط على شاغلي المناصب السياسية وتعدد القوى السياسية كالأحزاب السياسية وجماعات المصالح ووجود معارضة سياسية منظمة وانتخابات حرة وحياد سياسي للجيش، وسيادة حكم القانون.
  • النظم الشمولية تتسم بغياب المعارضة والصحافة الحرة واختفاء أو ضعف المؤسسات السياسية وتركز السلطة في يد فرد أو مجموعة صغيرة وتدخل الجيش في السياسة وغياب حكم القانون أو تغييبه.
  • نظم الديمقراطية المقيدة فتتسم بوجود سلطة تنفيذية مهيمنة وأحزاب محدودة النشاط عادة ما يجمع شخص واحد بين رئاسة الحزب المهيمن والدولة ومجموعة محددة من الأشخاص هم المسيطرون على الحزب الحاكم والدولة، وعادة ما يكون دور البرلمان محدداً بفعل سيطرة الحزب وطغيان السلطة التنفيذية(1 ).

وهنا تجدر الإشارة إلى أن النظم السياسية الحديثة تظل غالباً نظماً “حزبية سواء كانت ليبرالية أو سلطوية، تعددية أو أحادية، إذ أن الارتباط القوى بين الظاهرة الحزبية والنظم السياسية وخاصة الحديثة يضفي أهمية خاصة على موقع الأحزاب داخل إطار النظام السياسية المختلفة. فالأحزاب السياسية هي إحدى المقومات الأساسية للنظام الديمقراطي، إذ أنها من خلال مباشرتها للعمل السياسي تقوم بأكثر من دور في تدعيم النظام الديمقراطي، فهي تعتبر إحدى قنوات الاتصال بين الحاكم والمحكوم، وهي بمثابة قنوات للمشاركة السياسية والتجنيد السياسي، ولها العديد من الوظائف مثل التنشئة السياسية والمشاركة السياسية والتجنيد السياسي وغيرها، هذا بالإضافة إلى الدور التحديثي للحزب السياسي والذي بدأ واضحاً في الارتباط الواضح بين الحزب والتحديث السياسي في الدراسات السياسية، كما أنه من المهم أن تتسم الأحزاب السياسية بالمؤسسة، لأنه لا يوجد توافق على السمات التي ينبغي أن تتوافر الحزب السياسي، أو نوع النظام الحزبي والذي من شأنه أنه يسهم بشكل أكبر في الحكم الديمقراطي في هذا الإطار قدمت الأدبيات السابقة مجموعة من الشروط المختلفة، مثل العدد المثالي للأحزاب، المستوى الأمثل من الاستقطاب الايديولوجي، والميزة النسبية لنظام الحزبين، أو التعدد الحزبي أو الحزب المهيمن ولكن الشرط الذي حظي بأكبر قدر من الاهتمام بشأن تعزيز الحكم الديمقراطي هو ” مؤسسية الحزب”.
وفي مجال التعريف بالحزب السياسي: يرى “سيجموند نيومان” Sigmund neuman ” أن الحزب هو تنظيم للعناصر السياسية النشطة في المجتمع، والذين عادة ما يتنافسون سعياً للحصول على التأييد الشعبي. (2 )
هناك أيضاً تعريف أبسن Apstein أن الأحزاب السياسية هي نتاج تلاقي عوامل عديدة، وهي أحد العناصر المؤثرة على الحياة السياسية، أي أن الأحزاب يمكن النظر إليها باعتبارها نظاماً فرعياً ضمان النظام السياسي الكلي يؤدي وظائف وأدواراً معينة، حيث يؤكد لابالومبارا Lapalombara أنه أينما وجد الحزب السياسي فإنه يؤدي مجموعة من الوظائف على اختلاف النظام السياسية التي ينتمي إليها.
أما “لاسويل وكابلان ” Lasswell & Kaplan فأنهما يريا أن الحزب السياسي هو مجموعة من الأفراد، تصوغ القضايا الشاملة، وتقدم مرشحين في الانتخابات.
كما يرى كولمان وروزبرج أن الأحزاب السياسية هي اتحادات منظمة رسميا، ذات غرض واضح ومعلن يتمثل في الحصول على و(أو) الحفاظ على السيطرة الشرعية (سواء بشكل منفرد، أو بالتآلف، أو التنافس الانتخابي مع اتحادات متشابهة). (3 )
أما ماكس ويبر Max Weber فيرى أن اصطلاح الحزب يستخدم للدلالة على علاقات اجتماعية تنظيمية، تقوم على أساس من الانتماء الحر، والهدف هو إعطاء رؤساء الحزب سلطة داخل الجماعة التنظيمية، من أجل تحقيق هدف معين او الحصول على مزايا عادية للأعضاء(4 ).
ويمكن تعريف الحزب السياسي أيضاً على أنه منظمة طوعية من الأفراد الذين تجمع بينهم غايات سياسية مشتركة، بعضهم يكتفون بتأييد هذه الغايات بينما يسعى آخرون إلى مزاولة السلطة بالترشيح في الانتخابات، ويتولى بعضهم الحكم عندما ينجح الحزب في الانتخابات، ويكون لهذا الحزب في العادة دستور، وقواعد للعضوية وإجراءات لتحديد كيفية تولى المناصب القيادية فيه.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أغلب دارسي الأحزاب السياسية قدموا تعريفات لمفهوم الحزب السياسي، فإن البعض الآخر من الدارسين لم يهتم بمسألة التعريفات بشكل مباشر على سبيل المثال فإن كتاب موريس ديفرجيه. الأحزاب السياسية لا يتضمن تعريفاً واضحاً للحزب السياسي، كما أن سارتوري في كتابه “الأحزاب والنظم الحزبية” قام باستعراضه للتعريفات التي وضعها عددا من الدارسين الآخرين، ثم تساءل عن جدوى التعريف وأهميته(5 ).

المبحث الأول: نظم التعددية الحزبية

تسود النظم الحزبية في دول الديمقراطية التقليدية قاعدة أساسية وهي قاعدة تعدد الأحزاب السياسية بما يعني وجود أكثر من حزبين سياسيين في كل دولة من هذه الدول. ورغم ذلك يمكن التمييز بين عدة نظم حزبية مختلفة تتميز بها كل دولة من هذه الدول. وتتمثل الاختلافات بين هذه النظم الحزبية في الديمقراطية في عدة أمور وهي:

  • عدد الأحزاب داخل كل دولة من هذه الدول.
  • حجم كل حزب بالنسبة لغيرة من الأحزاب.
  • طريقة تعاون الأحزاب مع بعضها البعض.
  • الاستراتيجية الخاصة بكل حزب.

ويترتب على هذه الاختلافات في العلاقات بين الأحزاب من دولة لأخرى من دول الديمقراطية التقليدية اختلاف نظام الحزب فيما بينهم، فقد يكون النظام الحزبي قائماً على نظام تعدد الأحزاب أو قائماً على نظام الحزبين السياسيين أو على نظام الحزب المسيطر وتوصف هذه النظم الحزبية ” بالنظم التنافسية”.

أولاً: نظام تعدد الأحزاب

تميل الدول إلى تبني نظام تعدد الأحزاب إذا أن تعدد الموضوعات التي يمكن أن يثار الخلاف حولها في ظل جماعة ما يترك في الساحة السياسية العديد من الأحزاب المتصارعة:
فهناك الاختلافات السياسية، التي تعكس الخلاف بين الجماعات حول شكل نظام الحكم أيكون ملكياً أم جمهورياً، وهناك الاختلافات الاجتماعية، التي تعكس موقف كل طبقة من الطبقات الاجتماعية من النظام السياسي ككل، وهناك الصراعات الدينية، كالصراع بين رجال الدين العلمانيين في الدول الكاثوليكية وما بين الكاثوليك والبروتستانت في الدول التي تنقسم شعوبها بين هذين المذهبين، وهناك الخلافات العنصرية، والقائمة علي العصبيات وخاصة في الحالة التي تجمع بن عدة جماعات مختلفة من حي الأصل والجنس، كدعاة الاستقلال في إقليم ” إلباسك” وإقليم “الكاتلان” في إسبانيا والايرلنديين في إنجلترا، والصراع بين الفلاحين والوالون في بلجيكا(6 ).
وفي سبيل تحديد صور نظام تعدد الأحزاب، يبرز اتجاهان رئيسيان في هذا المجال:

الاتجاه الأول:

ويذهب إلى تقسيم نظام تعدد الأحزاب تقسيماً أولياً، اعتماداً علي ” عدد الأحزاب المتنافسة علي الساحة السياسية ” بحيث يمكن القول – وفقاً لهذا الاتجاه – إن هناك نظام “الأحزاب الثلاثة” أو ” الأحزاب الأربعة” أو ” الأحزاب المتعددة” إذا تجاوز عددها أربعة أحزاب، ويعترف أصحاب هذا الاتجاه بقصوره عن إعطاء صورة حقيقية عن تعدد الأحزاب ومن ثم فهم يرون انه ينبغي عند تحليل أنظمة تعدد الأحزاب الامتناع عن المبالغة “بعامل التعدد”، حيث تتضمن أنظمة تعدد الأحزاب في الغالب عدداً من الأحزاب الصغيرة، والتي لا تؤثر –عادة- بدرجة طفيفة في نتيجة الانتخابات، لذلك فقد يصل عدد الأحزاب إلى ستة أحزاب أو اكثر، ولكن –في نظر أصحاب هذا الرأي –ينبغي تخفيض هذا المجموع سياسياً إلى رقم واقعي ومن ثم ينتهي أصحاب هذا الاتجاه إلى القول بان الغالب في الأمر أن يقوم نظام ” تعدد الأحزاب علي ثلاثة أو أربعة أحزاب تدور المنافسة فيما بينهم، وتتوقف نتيجة المعركة السياسية علي العلاقات فيما بين هذه الأحزاب.

الاتجاه الثاني:

ويذهب أصحابه إلى تقسيم نظام تعدد الأحزاب اعتماداً على مدي وجود تحالفات ثابتة ومتجانسة بين الأحزاب تخلق تكتلات أو تجمعات تضم عدد من الأحزاب المتقاربة في الاتجاهات السياسية. وعلي ذلك فانه إذا كان هناك محاولة لوجود تحالف ثابت ومتجانس بين أحزاب النظام، كنا بصدد نظام ” تعدد الأحزاب المعتدل” أما إذا لم يكن هناك أي محاولة لوجود تحالفات ثابتة ومتجانسة بين أحزاب النظام كنا بصدد نظام” تعدد الأحزاب التام أو المطلق. ونحن من جانبنا نميل إلى تبني منهج الاتجاه الثاني باعتباره يجعل تصنيف الأحزاب أقرب إلى الواقع السياسي كما انه يمكننا فهم طريقة سير أي نظام سياسي من الناحية الواقعية لما يقدمه لنا من صورة واضحة عن النظام الحزبي وعلاقات الأحزاب ببعضها البعض، وكيفية امتزاج النظام الحزبي بهذا النظام السياسي ككل.
ويقصد بنظام تعدد الأحزاب “التام” أو ” المطلق” ذلك النظام الذي يوجد فيه عدد كبير من الأحزاب الصغيرة التي لا تحاول التكتل أو التجمع؛ إذ يحاول كل حزب أن يتمسك بموقفة المتشدد الذي يعبر به عن مصالح فئة محدودة، دون أن يهتم بمحاولة التوفيق بين مصالح هذه الفئة ومصالح الفئات الأخرى. وهكذا يتصرف كل حزب في ظل نظام تعدد الأحزاب التام أو المطلق كما لو كان جماعة من جماعات الضغط يدافع عن المصالح الخاصة اكثر من اهتمامه بالمصلحة العامة(7 ).
– ولم يطبق هذا النظام في الواقع العملي إلا في ثلاث حالات فقط، في فنلندا وهولندا وفي ظل الجمهورية الرابعة في فرنسا. حيث شهدت هذه الحالات الثلاث ارتفاعاً في عدد الأحزاب المكونة للبرلمان، والذي تراوح ما بين ستة أو ثمانية أحزاب، ولم ينجح أحداً في تخطي نسبة (30%) إلى (35%) من مجموع الأصوات والمقاعد البرلمانية، ولذا تبدو فكرة الائتلاف في ظل هذه الأنظمة ضرورية، وتختلف صور هذا الائتلاف باختلاف أنواع وطبيعة الأحزاب الممثلة فيه واتجاهاتها السياسية.
ويؤخذ على نظام تعدد الأحزاب التام انه يتضمن ثلاثة عيوب أساسية:

1: عجز النظام عن القيام بوظيفة تجميع المطالب وإغفاله للمصلحة العامة:

ويبين ذلك بوضوح من المقارنة بين نظام تعدد الأحزاب ونظام الحزبين السياسيين في القيام بوظيفة تجميع المصالح والحرص علي المصلحة العامة. ذلك انه في نظام الحزبين السياسيين يحول كل من الحزبين المتنافسين جمع اكبر عدد من المناصرين، ولذلك يسعي إلى الحصول علي مساندة شعبية. وتحقيقاً لهذا الهدف يتنازل كل حزب من الحزبين الكبيرين عن بعض مطالبة ويحصر أهدافه في عدد محدود من الأهداف الاجتماعية، وهو بهذا يتفادى العيب الأساسي الذي يعيب نظام تعدد الأحزاب التام وهو عجزها عن الاهتمام بالمصلحة العامة والمبالغة في الاهتمام بالمصالح الخاصة.

2: عدم مساهمة الناخب في اختيار الحكام واتخاذ القرارات الوطنية الهامة:

في ظل نظام تعدد الأحزاب التام يجد الناخب نفسه أمام عدد كبير من البرامج يمكن أن يختار من بينها، غير أن هذه الحرية المتاحة للناخب رغم سعتها فهي حرية وهمية، ذلك أن الناخب في نظام تعدد الأحزاب لا يختار مباشرة الحكام، ولا يساهم في اتخاذ القرارات الوطنية الهامة، وإنما يعهد بهذه المهمة إلى وسطاء وهم النواب الذين يتولون تحقيق الائتلاف والتحالف البرلماني بين الأحزاب لتشكيل الحكومة، نظراً لصعوبة حصول أي حزب على الأغلبية البرلمانية المطلقة التي تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده. ومن ثم فان نظام تعدد الأحزاب التام لا يحقق الديمقراطية التي تتيح للناخب اختيار الحكام مباشرة، وإنما يحقق فقط الديمقراطية التي يعهد فيها للناخب إلى النواب بتشكيل الحكومات.

3: غياب الأغلبية البرلمانية الثابتة والمتجانسة والقادرة علي مساندة الحكومة بإخلاص لمدة طويلة

يمثل عدم الاستقرار الوزاري أو الحكومي النتيجة المباشرة السيئة لنظام تعدد الأحزاب التام. ذلك أن هذا النظام يؤدي إلى تقسيم أعضاء البرلمان إلى مجموعات تنتمي كل منها إلى حزب معين، وتتألف هذه المجموعات لتشكل حكومة مؤقتة ثم ما تلبث أن تتفرق فتسقط هذه الحكومات، مما يخلق ظاهرة ” عدم الاستقرار الوزاري أو الحكومي” في الدولة.

نظام تعدد الأحزاب المعتدل.

يقصد بنظام تعدد الأحزاب المعتدل وجود تحالف ثابت ومتجانس بين الأحزاب يؤدي إلى تكوين جبهتين كبيرتين، بحيث تضم كل جبهة عدداً من الأحزاب المتقاربة في الاتجاهات السياسية، في هذه الحالة يتكون ائتلاف من كبيران يعملان معاً أثناء فترة الانتخابات وداخل البرلمان بعد تكوينه، مما يخلق نظاماً يقترب كثيراً من نظام الحزبين السياسيين، ويجعل من نظام تعدد الأحزاب المعتدل مرحلة وسطي بين نظام تعدد الأحزاب التام ونظام الحزبين السياسيين في منحني تدرج التنافس بين الأحزاب.و يعتمد نظام تعدد الأحزاب المعتدل في الأنظمة السياسية المعاصرة علي آمرين:
الأول: هو درجة صلابة التحالف وعلي كيفية تحقيق الائتلاف، أي طبيعة الأحزاب الداخلة في التحالف وما إذا كانت أحزاباًُ مرنة تترك لأعضائها حرية التصويت.
فطريقة ودرجة تنظيم الأحزاب الداخلة في التحالف تؤثر علي نظام تعدد الأحزاب.
الثاني: هو النظام الانتخابي حيث يؤدي نظام الاقتراع بالأغلبية علي دورين إلى قيام نظام تعدد الأحزاب المعتدل. وهذا ما حدث في ألمانيا من سنة 1870 إلى سنة 1914، وكذلك في فرنسا في ظل الجمهوريتين الثالثة والخامسة.
و يحقق تعدد الأحزاب المعتدل ميزتين أساسيتين:
1-انه يسهل علي الناخب عملية اختيار الحكام حيث تتقدم الجبهتين ببرنامجين له يسهل الاختيار بينهما.
2-انه يحقق الاستقرار الوزاري أو الحكومي، حيث تقوم كل جبهة مكونة من عدد من الأحزاب بالعمل معاً كوحدة واحدة داخل البرلمان، مما يؤدي إلى إدخال عنصر جوهري علي نظام تعدد الأحزاب إلى حد يجعله شبيهاً بنظام الحزبين السياسيين.
ويتميز نظام تعدد الأحزاب بطابعين:
1-تخلق لنوعين من المعارضة داخل النظام السياسي، معارضة داخلية تمارس بواسطة أحزاب الأغلبية التي تحكم، ومعارضة خارجية تؤلف من أحزاب المعارضة التي توجد خارج الحكم(8 ).
2- ميل الأحزاب –في ظل هذا النظام- لان تصبح أحزاباً جامدة، بمعني خضوع النائب لحزبه وتبعيته له تبعية كاملة، وليس لاقتناعه الشخصي، مما يؤدي إلى نقل البرلمان إلى اللجان العليا للأحزاب، وهي هيئات غير مسئولة، ويتم عملها بطريقة سرية لا يطلع عليها الجمهور، ولا يقتصر علي هذا الخضوع علي النواب بل يمتد إلى الوزراء أنفسهم، فإذا ما وليا أحدهم الحكم التزم بتنفيذ إرادة حزبه وسارع إلى شغل المناصب الرئيسية في وزاراته من أنصار هذا الحزب، مما يؤدي إلى تنازع الأحزاب علي الوزارات الرئيسية، مما ينجم عنة –في أحيان كثيرة- تعطيل تشكيل الوزارات لفترات طويلة، مما يترك أسوا الآثار في نظم الحكم المختلفة(9 ).

ثانياً: نظام الحزبين السياسيين

تتلخص الخطوط العامة لدراسة نظام الحزبين السياسيين في مسألتين أساسيتين:
1-ماهية النظام أي تحديد المقصود به.
2-تصنيفاته أو صوره.
نظام الحزبين السياسيين يقصد به النظام الذي يوجد فيه حزبان كبيران يحوز أحدهما الأغلبية المطلقة في البرلمان، بحيث يمكنه أن يؤلف حكومة بمفردة، دون أن يحتاج إلى التالف مع حزب أخر. ولا ينفي نظام الحزبين السياسيين وجود حزب ثالث أو اكثر، ولكن المهم أن وجود مثل هذه الأحزاب لا يؤثر في حيازة أحد الحزبين الكبيرين للأغلبية المطلقة في البرلمان( 10).
غير أن بعض الفقه يضيف شرطين آخرين للقول بوجود نظام الحزبين السياسيين رغم وجود حزب ثالث أو اكثر.
1- ألا يكون لاكثر من فريق في أي وقت، أمل في تولي الحكم. (11 )
2-أن يتناوب هذان الحزبان علي الحكم خلال سنوات طويلة، وذلك بالطبع إلى جانب الشرط الأساسي وهو أن يتمكن أحد الحزبين من الفوز بالأغلبية اللازمة لتولي الحكم والبقاء فيه دون مساعدة حزب ثالث(12 ).
– ولا يعني نظام الحزبين السياسيين بالضرورة وجود ائتلاف بين الحزبين في المبادئ أو البرامج أو الدين أو القومية أو في الطبقة، وأن كان ذلك لا يمنع من ظهور بعض هذه الاختلافات من وقت لاخر. وذلك خلافاً لما يراه البعض من ضرورة أن يمثل كل الحزبين اتجاهاً مختلفاً كان يكون أحدهما يسارياً والاخر يمينياً13، ويستهدف أصحاب الرأي الأول بنظام الحزبين السياسيين في الولايات المتحدة الأمريكي، حيث لا يوجد اختلاف كبير بين مبادئ وبرامج كل من الحزبين الرئيسيين الديمقراطي والجمهوري، وقد اعترف بهذا الوضع أصحاب الرأي الثاني والذين يشترطون وجود معيار واضح من المبادئ للتفرقة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
و يعبر نظام الحزبين السياسيين عن حاجة الشعب إلى الدول الديمقراطية إلى بسط رقابته علي الأجهزة الحكومية من جهة، وعن حاجته إلى إيجاد معارضة منظمة من جهة أخرى.و يعد نظام الحزبين السياسيين في نظر بعض الفقه المعاصر نظاماً طبيعياً بمعني أن الاختيارات السياسية تكون دائماً بين سياستين، فكل سياسة تحتم الاختيار بين حلين، حيث تضم الحلول الوسطي إلى أحد الحلين ، فالوسطية لا توجد في السياسة، فربما يكون هناك حزب وسط، ولكن ليس هناك اتجاه وسط أو فكر وسط. فالصراع بين أنصار الاستقرار وأنصار الحركة.و الصراع بين الميول يكون صراعاً بين ذوي الميول المحافظة وأنصار الغير الجذري، ومثال الصراع بين الطبقات الصراع بين الطبقة البرجوازية وطبقة البروليتاريا. وهكذا يبدو مبدأ الثنائية – متفقاً مع طبائع الأمور.
كذلك كانت كل الصراعات الكبرى علي مر التاريخ تتم بين فئتين كبيرتين:الكاثوليك والبروتستانت، المحافظين واللبراليين، الرأسماليين والاشتراكيين، الغربيين والشيوعيين.و تاسيساً علي ذلك يصل هذا الفريق من الفقه إلى نتيجة مؤداها أن الرأي العام يجد نفسة –أمام المشاكل الكبرى- منقسماً إلى اتجاهين متعارضين، بما يعني أن حركة المجتمعات الطبيعية تميل نحو نظام الحزبين السياسيين(14 ).
و لا يسلم فريق أخر من الفقه بهذا التحليل ويأخذ علي مأخذين أساسين

  • أن هذا التحليل يستند الافتراض غير ثابت ولا يمكن التأكد من صحته من الناحية العملية، إذ كيف يمكن التأكد من أن لكل مشكلة حلين فقط بحكم طبيعة الأمو؟.

2- أن هذا التحليل يخالف تاريخ العديد من الشعوب والذي يؤكد أهمية الدور الذي يلعبه المعتدلون الذين يتبنون حلاً وسطاً بين الحلين المتطرفين.
وبصرف النظر عن طبيعة نظام الحزبين السياسيين وهل هو نظام “طبيعي” “أم لا” فإنه يتعين القول إنه نظام “مفيد” بما يحققه من مزايا تساعد في حسن سير النظام السياسي. ويمكننا تلخيص هذه المزايا في عدة أمور وهي:
1- تسهيل عملية تجميع المصالح وتقليل المطالب، حيث يمنع نظام الحزبين السياسيين الوساطة في حسم المسائل الأساسية، فيقوم الناخب بدور مباشر في العملية السياسية، خلافاً لدورة في ظل نظام تعدد الأحزاب(15 ).
2- يختار الناخب النواب والحكومة مباشرة، باعتبار أن رئيس الحكومة سيكون بالضرورة زعيم الحزب المنتصر في العملية الانتخابية. وهكذا تتحدد الحكومة عبر صناديق الاقتراع، دونما الحاجة إلى ائتلاف أو تحالف بين الأحزاب المختلفة.
3- يحقق نظام الحزبين السياسيين ” الاستقرار الوزاري” طالما أن الحزب الذي يتولي زمام السلطة يحظي بالأغلبية المطلقة لمجموع المقاعد في البرلمان.

تصنيفات نظام الحزبين السياسيين

ينطوي نظام الحزبين السياسيين علي عدة تصنيفات فرعية، والتي يمكننا أجمالها في ثلاث تصنيفات رئيسية، والتي سوف نعرض لها بالدراسة في الفروع الثلاث التالية.

نظام الحزبين الجامد ونظام الحزبين المرن

يقوم هذا التصنيف من تصنيفات نظام الحزبين السياسيين علي أساس “كيفي” يتعلق بدرجة تنظيم كلا الحزبين، ومن هذا المنطلق يقوم نظام الحزبين الجامد علي أساس تنظيم كل حزب لعملية تصويت أعضائه في البرلمان، بينما يقوم نظام الحزبين المرن علي أساس أن يترك كل حزب لأعضائه حرية التصويت في البرلمان 16.
– وتعبر بريطانيا نموذجاً لنظام الحزبين الجامد، فعن التصويت علي المسائل الهامة داخل البرلمان، يلزم جميع نواب الحزب بالتصويت وفقاً لتعليمات الحزب والا ُوقعت عليهم عقوبة الفصل من تنظيمات الحزب.
– ويترتب علي هذا التنظيم البرلماني الجامد استقرار وسيطرة الحكومة، حيث يضمن رئيس الحكومة – وهو نفسة زعيم حزب الأغلبية – إخلاص أعضاء الأغلبية البرلمانية. وترتبط الحكومة والأغلبية بروابط “حالة الأغلبية” حيث يشكل أحزاب الحائز علي الأغلبية الحكومية، ويحترم نوابه هذه الحالة، حتى ينتقل تنظيم الحزب الغالب “حزب الأغلبية” إلى مجلس العموم
– وخلافاً لذلك تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية نموذجاً لنظام الحزبين المرن. حيث لا يفرض أي من الحزبين السياسيين علي اعضائة نظاماً معيناً عند التصويت، مما يمنح كل عضو من أعضاء الكونجرس سواء في مجلس الشيوخ أو مجلس النواب حرية التصويت دون الالتزام بأي تعليمات من جانب حزبه.
– ويترتب علي ذلك عدم إثارة أيه صراعات حزبية داخل الكونجرس، بما يعني أن نظام الحزبين لا يلعب أي دور داخلة. بل توجد أغلبية ومعارضة مختلفة بصدد كل مشكلة علي حدة، حيث تختلف الأغلبية والمعارضة بصدد مشكلة ما عن تلك التي توجد بصدد المشاكل الأخرى، ولا ترتبط هذه الأغلبية والمعارضة بانقسام الكونجرس إلى نواب جمهوريين وآخرين ديمقراطيين. 17
وفي واقع الأمر، تقترب هذا التصنيف من نظام تعدد الأحزاب مما يترتب علي نفس النتائج وبخاصة عدم الاستقرار الحكومي، وذلك إذا لم يكن هناك فصل عضوي بين السلطات يوفر استقرار وسيطرة السلطة التنفيذية. ولعل هذا هو السبب في أن نظام الحزبين المرن في الولايات المتحدة الأمريكية لا يؤثر علي استقرار السلطة التنفيذية لان النظام الرئاسي في الولايات المتحدة يقوم علي أساس ” الفصل العضوي بين السلطات “. 18.

نظام الحزبين التام ونظام الحزبين الناقص

يعد نظام الحزبين الخالص فرضية غير متحققة في الواقع العملي، فدائما ما يوجد إلى جانب الحزبين الكبريين الذين يسيطران علي المسرح السياسي، أحزاب صغيرة متفاوتة الأهمية، بحسب عدد الأصوات التي تحصل عليها هذه الأحزاب أثناء العملية الانتخابية،وتاسيساً علي ذلك يقوم هذا التصنيف علي أساس “كمي” متعلق بنسب عدد الأصوات التي يحصل عليها الحزبان الكبيران في العملية الانتخابية. ويقوم نظام الحزبين التام علي أساس حصول الحزبين الكبيرين علي (90%) فاكثر من مجموع الأصوات، مما يتيح لاحد الحزبين الحصول علي الأغلبية المطلقة لمجموع مقاعد البرلمان، من ثم يستطيع ان يتولي السلطة بمفردة ودونما حاجة إلى التحالف مع أحزاب أخرى، مما يترتب علية – من الناحية العملية- تنحية الأحزاب الصغيرة عن اللعبة السياسية2). ويعتبر الوضع في بريطانيا بالنسبة للحزب الليبرالي ابتداء من سنة 1979 – نموذجا لنظام الحزبين التام.بينما يقوم نظام الحزبين الناقص أو نظام الحزبين ونصف علي أساس حصول الحزبين الكبيرين علي نسبة من مجموع الأصوات تتراوح بين (75-80%)، بينما تحصل الأحزاب الصغيرة الأخرى علي النسبة المتبقية مما يسبب اختلالاً للحزبين الكبيرين، حيث لا يحصل أحدهما علي الأغلبية المطلقة لمجموع مقاعد البرلمان، مما يضطرها إلى اللجوء –عادة –إلى التحالف سواء مع الأحزاب الصغيرة أو مع بعضها البعض.
و يعتبر وضع التعددية الحزبية في ألمانيا ابتداء من سنة 1961 وحتى سنة 1982 نموذجاً لنظام الحزبين الناقص، حيث تحالف الحزب الديمقراطي المسيحي C.D.U مع الحزب الليبرالي من سنة 1961 وحتى سنة 1966، ثم كان التحالف الكبير بين الحزبين الكبيرين الديمقراطي المسيحي والاشتراكي الديمقراطي من سنة 1966 إلى سنة 1969. ثم ظهور تحالف بين الاشتراكيين والليبراليين في الانتخابات التي أجريت من سنة 1969 وحتى سنة 1982. وأخيراً ظهر تحالف جديد من سنة 1982، حيث تحالف الحزب الليبرالي الألماني F.D.P مع الحزب الديمقراطي المسيحي C.D.U ، ومن الجدير بالذكر أن هناك وضعاً شبيهاً بذلك في بلجيكا، حيث يحظي الحزب الإصلاحي الليبرالي بوضع قوي يحول دون إمكانية تكوين أغلبية مطلقة من الاشتراكيين والمتمثلين في الحزب الاشتراكي والحزب المسيحي الاشتراكي. و بهذا المعني يعد نظام الحزبين الناقص أو نظام الحزبين ونصف مرحلة وسطي بين نظام تعدد الأحزاب ونظام الحزبين التام في سلم تدرج التنافسية للأحزاب.

نظام الحزبين المتوازن ونظام الحزبين غير المتوازن

يقوم هذا التصنيف الأخير لنظام الحزبين السياسيين علي أساس “كمي” متعلق بعدد الأصوات التي يحصل عليها كل من الحزبين في العملية الانتخابية بشكل “مضطرد” ويعتبر نظام الحزبين المتوازن هو نظام الحزبين الحقيقي، حيث يكون حجم كل حزب من الحزبين الكبيرين –تقريباً مساوياً لحجم الحزب الأخر، كذلك تكون قوة كل منهما معادلة لقوة الأخر. ويتبادل الحزبان الكبيران السلطة وفقاً لحصول كل منهما علي أصوات الناخبين الهامشيين وتكون الأغلبية التي يحصل عليها أحد الحزبين ضعيفة، حيث يكون الفارق بين الأصوات التي يحصل عليها الحزبان ضئيلاً، وتعتبر بريطانيا في الفترة من سنة 1945 وحتى سنة 1979 نموذجاً لنظام الحزب المتوازن. حيث حكم المحافظين سبعة عشر عاماً، وكذلك حكم العمال حوالي سبعة عشر عاماً إلا انه ابتداء من سنة 1979 حقق المحافظون غي عهد “مارجريت تاتشر” ثم ” جون ميجور” الأربعة انتصارات متتالية في سنوات (1979-1983-1987-1992) 19 ، بينما يكون نظام الحزبين غير متوازن إذا كان الفارق بين الحزبين كبيراً إلى الحد الذي يفق الحزب الأخر الأمل في الوصول إلى السلطة.و من هنا نخرج من نطاق نظام الحزبين الحقيقي لندخل في نطاق نظام الحزب المسيطر. ولقد شهدت بعض الدول الإفريقية كدول بوركينافسو والنيجر ومالي وموروتانيا نظام الحزبين غير المتوازن في الفترة من سنة 1958 وحتى سنة 1963، حيث مارس أحد الحزبين تسلطة علي الأخر / مما عجل باختفاء نظام الحزبين السياسيين ليحل محلة نظام الحزب الواحد.

ثالثاً: نظام الحزب المسيطر

يقوم نظام الحزب المسيطر في ظل نظام تعدد الأحزاب، غير أن أحد هذه الأحزاب وهو الحزب المسيطر يستأثر بالسلطه نظراً لقوته ولحصوله علي أغلبية كبيرة تحول بين الأحزاب الأخرى وبين إمكانية وصولها إلى كراسي الحكم. ولا يقوم نظام الحزب المسيطر في ظل نظام الحزبين السياسيين إلا في أحوال نادرة، ذلك أن الحزب المسيطر في هذه الحالة يمحو الحزب المنافس نهائياً ليقيم نظام الحزب الواحد. ويرى البعض أن إطلاق اسم الحزب المسيطر علي الحزب الذي يتمتع بقوة اكبر من كل أحزاب نظام تعدد الأحزاب، وهي تسمية لا تنطبق تماماً علي النظام الذي نحن بصدد بيان ملامحه ويفسر هذا الفريق بقولة ن إطلاق اسم الحزب المسيطر يوحي بان هذا الحزب هو الذي يهيمن علي اغلب المقاعد في البرلمان وبالتالي يكون دائماً موجود في “الحكم”.
بعبارة أخرى فان هذا الحزب لا يتصور وجودة في ” المعارضة ” ولكن هذا التصور يبدو خاطئاً –في نظر هذا الفريق- على أساس أن هذا الحزب القوي يمكن أن يصبح في المعارضة ويسوقون مثالاً لذلك بحالة الاشتراكية الديمقراطية في النرويج والدانمارك وحالة حزب الاستقلال في أيسلندا.
وعلي هذا الأساس يفضل هذا الجانب من الفقه وصف هذا الحزب “بالحزب الأساسي” بمعني انه يمثل” العمود الفقري” للحياة السياسية، وترسم خطوط النشاط السياسي من حول هذا الحزب علي أساس أن تتشكل الحكومات بائتلاف يكون الحزب فيه هو (المحرك الأول)، وهذا هو الغالب أو علي العكس تشكل الحكومة بشكل يأخذ في الاعتبار وجود الحزب في المعارضة، وبمعني آن يتم الائتلاف بين الأحزاب الأخرى (كلها أو بعضها) بما يمكنها من الانتصار علي هذا الحزب ” الأساسي “، وعلي اعتبار أساسي وهو أن الحزب ” المسيطر ” لا يعني أن يهيمن الحزب القوي علي أغلبية مقاعد البرلمان فيكون دائماً في الحكم، ولا يتصور وجودة أبداً في صفوف المعارضة، بل يلزم للقول بوجود نظام الحزب المسيطر وجود خصيصتين أساسيتين في هذا الحزب(20 ):
1- أن يتفوق هذا الحزب على جميع الأحزاب المنافسة تفوقاً واضحاً خلال فترة طويلة نسبياً، حتى ولو فشلت في الانتخابات مرة أو مرتين. وهكذا يتصور –من ناحية- عدم تفوق هذا الحزب المسمي”الحزب المسيطر” بشكل دائم، كما يتصور –من ناحية أخرى- أن يصبح هذا الحزب في صفوف المعارضة.
2- أن يجسد هذا الحزب آمال الأمة وأفكارها، بحيث تجد الأمة نفسها في برنامج الحزب وطريقة عملة.
– ويمكن التمييز داخل نظام “الحزب المسيطر” بين صورتين أساسيتين:

نظام الحزب المسيطر العادي

يعتبر الحزب المسيطر في ظل نظام تعدد الأحزاب حزباً مسيطراً سيطرة عادية إذا كان هذا الحزب يأتي علي راس قائمة الأحزاب، ألا انه يترك مكاناً للأحزاب الأخرى. فالحزب المسيطر العادي لا يتعدي ما يحصل علية نسبة الأربعين في المائة من أصوات الناخبين، إلا في حالات استثنائية نادرة، ومن ضمن هذه الحالات الاستثنائية، حالة السويد من سنة 1940 إلى سنة 1944، وحالة النرويج من سنة 1945 إلى سنة 1961 وحالة فرنسا من سنة 1968 إلى سنة 1981.
– ويتميز الحزب المسيطر العادي بأنه يتمتع –من ناحية- بمركز وحجم كبيرين بشكل مطلق، فيتعين أن يحوز الحزب المسيطر علي نسبة (30-35%) من أصوات الناخبين، وهي نسبة تمثل ضعف ما يحصل علي الحزب التالي له في الترتيب، كما يتمتع الحزب –من ناحية أخرى- بمركز متميز بالمقارنة بجميع الأحزاب الأخرى إلى يصل عددها إلى أربع أو خمسة أحزاب والتي لا تحصل سوي علي نسبة منخفضة من الأصوات تتراوح بين (101% و20%) من مجموع أصوات الناخبين. ويختلف نظام الحزب المسيطر عم نظام الحزب الواحد اختلافاً جوهرياً فهو يحتفظ بمركزة المتفوق وبمكانته نتيجة لتعدد وضعف الأحزاب المنافسة له، علي خلاف نظام الحزب الواحد الذي يحتكر الحياة السياسية نتيجة لتحريم إنشاء أحزاب أخرى بنص القانون أو الدستور، ويتضح هذا الاختلاف بشكل اكبر عندما يكون الحزب المسيطر خارج السلطة لان الأحزاب الأخرى تتحالف ضده ومن ثم تصبح هي في الحكم ويصبح هو في صفوف المعارضة، ويحقق نظام الحزب المسيطر العادي ميزة أساسية للنظام السياسي الذي يقوم في ظله تتمثل في توفير الاستقرار الحكومي لنظام تعدد الأحزاب، ذلك أن الأمر ينتهي –في ظل نظام الحزب المسيطر-إلى تقوية سلطان الحكومة، نظراً لتمتعها بالأغلبية في البرلمان(21 ).

الحزب شديد السيطرة

يعتبر الحزب المسيطر في ظل نظام تعدد الأحزاب حزباً مسيطراً سيطرة شديدة إذا كان يحتل هذا الحزب القمة دون أن يترك للأحزاب الأخرى وضعاً لا يكاد يذكر.حيث يحصل الحزب شديد السيطرة علي الأغلبية المطلقة من مجموع أصوات الناخبين أو كثر كما يحصد اكثر من نصف مقاعد البرلمان(22 )، ويعتبر نظام الحزب شديد السيطرة نظاماً وسطاً بين نظام تعدد الأحزاب ونظام الحزب الواحد، وبيان ذلك انه في نظام الحزب شديد السيطرة توجد عدة أحزاب تنافس في الانتخابات، إلا أن حزباً واحداً من بين هذه الأحزاب يتفوق بشكل واضح علي منافسيه ويضمن بصفة دائمة ومنتظمة الأغلبية المطلقة لمجموع أصوات الناخبين، كما يضمن لنفسة نصف المقاعد البرلمانية، ويستحيل إزاحته عن سدة الحكم مما يتيح له التمتع بمركز ثابت ومستقر في ممارسته للسلطة، مما يمنحة وضعاً شبيهاً بوضع الحزب الواحد.غير أن وجود أحزاب أخرى ليس ممنوعاً بل هو مشروع وتستطيع ممارسة نشاطها بكل حرية، وتحوز علي ثقة وأصوات عدد غير قليل من أصوات مجموع الناخبين، كما يتعرض الحزب شديد السيطرة لانتقادات من جانب المعارضة التي رقابة وحوار بين الجانبين، وهذا يختلف تماماً عن نظام الحزب الواحد. ويجعل أسلوب الحياة السياسية أقرب إلى نظام تعدد الأحزاب منه إلى نظام الحزب الواحد

المبحث الثاني: وظائف التعددية الحزبية

تقوم التعددية الحزبية بعدة وظائف هامة، مما يزيد من أهميتها في عصرنا الحاضر. فهناك ما يسمي ” بالوظائف التقليدية ” للأحزاب السياسية ويقصد بها تلك الوظائف التي تضطلع بها الأحزاب السياسية في نظم الديمقراطية الليبرالية والتي تتعلق أساساً بعملية التمثيل السياسي، وعملية الاتصال بين الجماهير والسلطة، وكذلك عملية تجميعه المطالب. غير أن هناك بعض الوظائف التي يناط بالأحزاب السياسية القيام بها في نظم الدول النامية والتي تختلف في جوهرها عن تلك التي تقوم بها النظم الديمقراطية الغربية والتي تتعلق أساساً بعملية التحديث والتنمية السياسية التي تشهده هذه النظم. ومن ثم فسوف تكون دراستنا وظائف التعددية الحزبية في الأنظمة السياسية المعاصرة محددة على النحو التالي: وظائف التعددية الحزبية في نظم الديمقراطية الليبرالية، ووظائف التعددية الحزبية في الدول النامية.

أولاً: وظائف التعددية الحزبية في نظم الديمقراطية الليبرالية

تضطلع الأحزاب السياسية في نظم الديمقراطية الغربية بعدة وظائف هامة ترتبط بهذه النظم التي تتسم بدرجة عالية من المشاركة السياسية، والقبول بشرعية النظام السياسي القائم، والتكامل الوطني وعلي ذلك فسوف نتناول هذه الوظائف المتعددة للأحزاب السياسية في الأنظمة السياسية المعاصرة في عدة مطالب متتالية، حيث تخصص مطلباً مستقلاً لدراسة كل وظيفة من هذه الوظائف(23 ).

1: وظيفة التمثيل السياسي (2)

تضطلع الأحزاب السياسية في الأنظمة السياسية المعاصرة بمهمة أو وظيفة ” التمثيل السياسي” وذلك من خلال القيام بدور مزدوج في هذا المجال، حيث تقوم – من ناحية أولي – بوظيفة تتمثل في ” تجميع الناخبين “، وتقومك أيضاً بوظيفة تتمثل في ” تجميع النواب” من ناحية ثانية، وهي بهذا المعني تعتبر بمثابة حلقة اتصال بين الناخبين والنواب. مما يعني أن القيام بعملية التمثيل السياسي في الأنظمة الليبرالية دون وجود الأحزاب السياسية يكاد يكون مستحيلاً. وعلي ذلك فسوف نتناول هاتين الوظيفتين لنظام التعددية الحزبية في فرعين متتاليين:

(الفرع الأول): الأحزاب السياسية ووظيفة تجميع الناخبين

تقوم الأحزاب السياسية بوظيفة تجميع الناخبين – في إطار دورها في عملية التمثيل السياسي- في نظم الديمقراطية الليبرالية من خلال قيامها بمهمتين أساسيتين: وهما: نشر أيديولوجيتها وأفكارها بين هيئة الناخبين من ناحية، واختيار مرشحيها في العملية الانتخابية من ناحية أخري.

1: مهمة نشر الأيديولوجيات والأفكار بين هيئة الناخبين:

تتمثل في قيام الأحزاب السياسية بنشر أيديولوجياتها وأفكارها بين الناخبين، حيث تضمن الأحزاب السياسية التجمع الأيديولوجي للناخبين، حيث يمكنها التعرف بوضوح علي السياسة التي يرغبها هؤلاء الناخبين والتي تحدد المرشح الذي يحظى بثقة هؤلاء الناخبين، والأحزاب السياسية لا غني عنها في هذا الصدد(24 ). وفي واقع الأمر لا يمكن لأي حزب أو أيديولوجية أن تحقق نجاحاً إذا لم يكونا قادرين علي التعبير عن المشاعر والآمال الكامنة لذي قطاع من المواطنين بحيث يشعر هذا القطاع أنه يجد نفسه في أيديولوجية الحزب، صحيح أن الحزب يطور المشاعر والآمال والأفكار ويعطيها قوة ووضوحاً، إلا أن هذه الأفكار تكون موجودة قبل الأحزاب وبدونها. ومن ثم تفقد أيديولوجية أي حزب تأثيرها تدريجياً إذا فقدت هذه الأيديولوجية استجابتها لأمال وأفكار الرأي العام
وهكذا تساعد الأحزاب السياسية عي وجود السياسة وعلي جود وتنمية الوعي السياسي لدي المواطنين. وهي في قيامها بهذا الدور تتيح للمواطن فرصة الاختيار بوضوح أثناء عملية الاقتراع. وبغير الأحزاب تصبح الجماهير غير قادرة علي التمييز بين اتجاهات المرشحين، ومن ثم تجد نفسها مضطرة إلى تأييد الشخصيات البارزة التقليدية، وهم الأشخاص الذين تعرفهم قليلاً في المجتمع(25 )، ولعل هذا هو السبب في أن الأحزاب السياسية تطورت أولاً من خلال اليسار (الأحزاب اللبرالية في القرن التاسع عشر، والأحزاب الاشتراكية في القرن العشرين). وكان الهدف الأساسي لهذه الأحزاب هو الوقوف في وجه الشخصيات البارزة التقليدية في المجتمع، ولقد ساعد نمو الأحزاب في تحقيق هذا الهدف، ولقد قام اليمين بعد ذلك بتقليد اليسار في هذا الشان، ولكنها اعتبرت (أي الأحزاب اليمينية) أحزاب قبيحة أو شريرة، ثم استخدمت الجماهير –بداية- وسيلة الدعاية للوقوف في وجه اليمين (26 ).

2: مهمه اختيار المرشحين في العملية الانتخابية:

وتتمثل في قيام الأحزاب السياسية باختيار مرشحي الحزب، حيث تقوم الأحزاب السياسية بمهمه اختيار المرشحين في العملية الانتخابية وتقوم بتقديمهم للناخبين. صحيح أن الأحزاب لا تحتكر عملية تقديم المرشحين للانتخابات، حيث يوجد بعض المرشحين الذين يتقدمون بأنفسهم للانتخابات كمستقلين عن كافة الأحزاب ويحقق بعضهم نجاحاً دون مساندة الأحزاب غير أن الغالية العظمي من المرشحين تقدم بواسطة الأحزاب السياسية. وهناك عدة وسائل لاختيار المرشحين، وتختلف هذه الوسائل باختلاف تركيب الحزب. فالنسبة لأحزاب القلة المنتقاة، يعهد في هذا الصنف الأحزاب بعملية اختيار المرشحين إلى لجان من الشخصيات البارزة في الحزب، ويسمي هذا النظم في الدول الأنجلوسكسونية، ويعني أن عملية انتقاء المرشحين تضطلع بها طبقة اوليجارشية ضيقة ومغلقة
وفي نهاية القرن التاسع عشر اتبعت الأحزاب في الولايات المتحدة الأمريكية نظاماً جديداً هو نظام الانتخابات الأولية (. ويعني أن تجرى انتخابات تمهيدية داخل الحزب لتحديد مرشحي الحزب في الانتخابات العامة. ويتم هذا الاختيار من خلال ظهور عدة أسماء في قائمة مرشحي الحزب في الانتخابات الأولية، التي تجري داخل الحزب، وعلي الناخب أن يضع علامة أمام اسم المرشح الذي يختاره مرشحاً أو ممثلاً له. غير أن اللجان ” الاوليجارشية” أو ” الحزبية ” هي التي تختار المرشحين الذين يجري علهيم الانتخاب الأولى أو التمهيدي داخل الحزب، والذين يتم من بينهم انتخاب ممثلي الحزب في الانتخابات العامة(27 ).
أما بالنسبة لأحزاب الجماهير، فإنها تتبع طريقة أخرى في اختيار مرشحيها وتتلخص هذه الطريقة في عقد مؤتمرات علي المستوي القومي وعلي المستوي المحلي بمشاركة جميع أعضاء الحزب، علي أن يتم اختيار مرشحي الحزب عن طريق “الانتخابات ” في المؤتمرات المحلية ن وهكذا تتحقق الديمقراطية داخل الحزب.و تعد هذه الطريقة جيدة إذا كان عدد أعضاء الحزب كبيراً، أما إذا كان عدد أعضاء الحزب قليلاً بالنسبة لعدد الناخبين، فان هذه الطريقة تُعد مُعيبة، ومع ذلك يستطيع كل ناخب يرغب في المشاركة في اختيار المرشحين الدخول في الحزب الذي يريده. وفي كل الأحوال تحاول اللجان القائمة علي عملية الاختيار أن تهيمن علي اللجان الفرعية لكي تختار من يحوزون ثقتها، غير أنها لا تنجح دائماً (28 ).

الفرع الثاني: الأحزاب السياسية ووظيفة تجميع النواب

تقوم الأحزاب السياسية بالقيام بوظيفة تجميع النواب من خلال:
البند الأول: تحقيق الاتصال الدائم بين النواب والناخبين: هناك مصلحة أكيدة للنواب في احتفاظهم بصلة دائمة مع ناخبيهم، حتى يضمنوا إعادة انتخابهم. ومن الناحية العملية يتقابل النواب مع الناخبين في دوائرهم خلال حضور اجتماعات ومؤتمرات يقومون خلالها بإعطاء معلومات للناخبين ويتلقون طلباتهم ويتعرفون علي احتياجاتهم، فالأحزاب السياسية تيسر هذا الأمر علي النائب بتقديم مجموعة من مناضلي الحزب للنائب توفر له علاقة دائمة مع الناخبين، حيث يدافع هؤلاء المناضلون عن أراء النائب ويشرحون نشاطه البرلماني لناخبيه من ناحية، كما ينقلون مشاعر الناخبين وآمالهم ومصالحهم إلى نوابهم، مما يجعلهم وسيلة ممتازة أو فعالة لجمع المعلومات التي تفيد النائب.، وبلا شك فان هذه الثقة التي تودع في مناضلي الحزب ليست أمنه، وبيان ذلك انه يمكن أن يكون هؤلاء الوسطاء حاجزاً يحول دون اتصال النائب بناخبيه في الوقت الذي يوفرون فيه وسيلة للاتصال بين النواب وناخبيهم، ويتوقف هذا الأمر علي مدى فهم هؤلاء المناضلين لدورهم وعلي مدى إخلاصهم وولائهم للحزب. حيث يميلون إلى إعطاء النائب أراء ترتبط بآرائهم الأيديولوجية المسبقة. ولكن إذا أراد الأحزاب الاحتفاظ بناخبيه، فعلية ألا يثق فيهم وأن يحتفظ باتصال بين المناضلين والجماهير، لتكوين عقيدة سياسية تتفق مع الواقع، هكذا تصبح عملية التمثيل ذات مفهوم فردي حينما يعطي كل ناخب رأيه الشخصي في نائبة، وذات مفهوم جماعي حينما تتجمع جموع الناخبين في لإعطاء رأيها في مرشحهم للانتخابات، ويتعلق بهذا الأخير نظام التمثيل النسبي.
البند الثاني: تنظيم النواب في المجالس النيابية:
يوجد المفهوم الجماعي لعملية التمثيل على مستوي النواب، فقبل تطور الأحزاب السياسية كانوا النواب مستقلين في ممارسة نشاطهم داخل البرلمان، ولكن أدى تطور الأحزاب السياسية إلى تجميع نواب الحزب الواحد في جماعات برلمانية –groupes parlementaires ” وقد كانت هذه الجماعات البرلمانية ممنوعة في العصور الأولى للديمقراطية الليبرالية. فعلي سبيل المثال: كانت المجموعات البرلمانية منوعة في فرنسا قبل سنة 1914، ثم اعتبرت فيما بعد عنصراً رئيسياً في تنظيم البرلمانات، فهي تحقق انتقاء أعضاء اللجان البرلمانية وتفويض التصويت في البرلمانات عندما يكون ممكناً، وسكرتارية النواب….الخ.

وظيفة تجميع المصالح

يمثل الحزب السياسي كوسيط أو مؤسسة وسيطة بين القطاعات الجماهيرية المختلفة والسلطة الحاكمة في الدولة أداة لتجميع المصالح والتعبير عنها، فلكي يكون للحزب السياسي مكانة هامة في النظام السياسي يتعين علية أن يكون في مقدوره تجميع المصالح لأكبر عدد ممكن من المواطنين والتعبير عنها، فهو يعمل على التوفيق بين المصالح المتعددة حتى يستطيع تمثيل أكبر عدد ممكن من الناخبين لبرنامجه السياسي. ولذلك فإنه يتبني السياسات التي توفق بين اكبر عدد ممكن من المصالح، مما يتيح للحزب السياسي المساهمة في تشكيل السياسة العامة للدولة (29 )، تعني وظيفة ” تجميع المصالح ” الوظيفة أو العملية التي يتم من خلالها تحويل الأحزاب السياسية المطالب أو المصالح الشعبية والجماهيرية المختلفة إلى بدائل متعددة للسياسات العامة السائدة. بمعني أن الحزب السياسي بتلقي الشكاوي والمطالب المتنوعة من الجهات أو القطاعات الجماهيرية المختلفة، كاتحادات العمال وهيئات الفلاحين ومنظمات الأعمال وغيرها، ثم يقوم ببلورتها وصياغتها في شكل بدائل لسياسة عامة يسعي الحزب إلى تحقيقها( 30).
ولعل أوضح مثال علي ذلك، المطالب والمصالح التي تتقدم بها جماعات الضغط، والتي قد تسعي إلى أن يكون الحزب السياسي ممثلها أو المعبر عنها لدي الحكومة أو الهيئة الحاكمة في مطالبها، كمطلب إعادة توزيع الثروة عن طريق فرض نظام ضريبي أو تبني سياسة ضريبية جديدة من شانها عمل أو تحقيق إصلاحات اجتماعية أو تقديم معونات حكومية في شكل منح لدعم محصول زراعي معين، أو حتى مطلب ضرورة خوض حرب، بسبب إهانة كبيرة قد لحقت بالأمة ( 31)، وتبرز أهمية ممارسة الأحزاب السياسية لهذه الوظيفة لما تمثلة من أهمية كبيرة وعامل فعال لاستقرار النظام السياسي، وكذلك لاستقرار الرأي العام، وأيضاً لممارسة الديمقراطية وذلك علي التفصيل التالي:
تمثل هذه الوظيفة عاملاً مؤثرا في ” ضمان استقرار النظام السياسي ” وذلك من خلال دورها في التقليل من عبء المطالب علي مراكز صنع القرار، مما يؤدي بدورة إلى الاستجابة لهذه المطالب، وتلبيتها بشكل فعال. ومرد ذلك إلى أن وجود مؤسسات متخصصة لتجميع المطالب الجماهيرية أو مصالح القطاعات المختلفة قبل وصولها إلى مراكز صنع القرار من شأنه أن يسمح بتلبية المطالب أو الاستجابة للمصالح المرتبطة بمستويات متعددة من التغيير دون حدوث أي تهديد لمراكز صنع القرار المركزية، مما يؤدي إلى تدعيم النظام السياسي والحفاظ علي استقراره(32 ). ولعل ابلغ دليل علي ذلك، ما حدث في ظل الجمهوريتين الثالثة والرابعة –في فرنسا- حيث ينسب بعض المفكرين السياسيين ضعف وانهيار هاتين الجمهوريتين إلى فشل الأحزاب السياسية في القيام بمهمة التقليل من عبء المطالب أو المصالح الشعبية علي مراكز صنع القرار في فرنسا، حيث لم تقم الأحزاب السياسية بدورها في هذا الخصوص كما ينبغي بسبب استقلال الأحزاب وجماعات الضغط عن بعضها البعض ولم يكن ثمة تعاون بينهم في هذا المجال، كذلك سيطرت بعض الأحزاب علي بعض جماعات الضغط وذلك كله خلافاً لما كان سائداً في إنجلترا حيث قامت الأحزاب السياسية هناك بدورها –في هذا الخصوص- كما هو مطلوب، إذ عملت الأحزاب السياسية البريطانية علي التقليل من المطالب الجماهيرية أو المصالح الشعبية بدرجة كبيرة ( 33).
ولهذا السبب يري بعض الفكر السياسي أن الوضع السياسي في ظل الجمهوريتين الثالثة والرابعة في فرنسا وكذلك الوضع السياسي في إيطاليا عقب الحرب العالمية الثانية يمثلان نموذجاً سيئاً وغير فعال لممارسة وظيفة تجميع المطالب من قبل الأحزاب السياسية.
وصفوة القول إن عملية دمج المطالب الشعبية أو التقليل من عبء المطالب الجماهيرية تمثل أهمية خاصة لمراكز صنع القرار، حيث من شان القيام بهذه العملية بدرجة كبيرة أن يتوافر لدي مراكز صنع القرار رؤية متكاملة لمطالب القطاعات الاجتماعية المختلفة، مما يزيد من كفاءة النظام السياسي وقدرته علي التفاعل أو التجاوب مع الجماهير من خلال إلمامه بالمطالب الشعبية ومن ثم تلبيتها والاستجابة إليها سريعاً.
وإذا كانت وظيفة تجميع المطالب ذا أهمية بالغة في ضمان استقرار النظام السياسي، فان أهميتها في الحفاظ علي استقرار الرأي العام هي جد كبير ولا يمكن إنكارها.
ذلك انه بقيام الأحزاب السياسية تجميع المطالب الشعبية فأنها تقوم –في ذات الوقت- بتحديد الآراء الفردية وصياغتها وتعميقها وإضفاء الطابع الرسمي التنظيمي عليها مما يضفي عليها سلطاناً ويقينا ، ففي ظل غياب وظيفة تجميع المطالب تطفو علي سطح الحياة السياسية اتجاهات عامة غامضة تحكمها غرائز الأفراد وتتعدد تبعاً لها وتتعلق بالمزاج وبالتنشئة وبالعادات وبالأوضاع الاجتماعية، مما يؤدي إلى بقاء الرأي العام متقلباً ومتغيراً مما يزيد من حجم التوتر في المجتمع
وتفسير ذلك أن الأفراد أو الجماعات إذا لم يجدوا من الوسائل المتاحة للتعبير عن مطالبهم وحاجاتهم، يكون من شان ذلك أن يسود شعور بعد الرضا من جانب الجماهير تجاه النظام السياسي أو الهيئة الحاكمة، مما قد ينتج عنة اتجاه الأفراد إلى العنف، وفي المقابل تتجه الهيئة الحاكمة، أو تبادر باللجوء إلى اتباع سياسة القهر، فيسود في المجتمع ما يطلق علي سياسة ” العنف المضاد”، ويمكن القول أن ممارسة وظيفة تجميع المطالب سواء بمبادرة من جانب الهيئة الحاكمة ذاتها أو من خلال مطالبة الجماهير، تصبح الخلافات داخل النظام السياسي واضحة وملموسة، ويصبح –كذلك- التعبير عنها ذا فائدة إما في تقوية هذه الخلافات داخل النظام السياسي مما يثير النقاش حولها والسعي إلى حلها بطرح بدائل جديدة للسياسة العامة أو علي الأقل يلفت نظر النخبة الحاكمة أيها فتسعي إلى تلبيتها والاستجابة لها مما يدعم النظام السياسي ويسهم في تسييره.
– ثالثاً: كذلك يري جانب من الفكر السياسي أن وظيفة تجميع المطالب تمثل أهمية كبيرة للممارسه الديمقراطية، وذلك في ظل المجتمعات التي تضم أنظمة اجتماعية تحوي انقسامات عديدة وتضم فروقاً اجتماعية عميقة(34 ).
– وتفسير ذلك أن وجود الأحزاب السياسية وقيامها بممارسة وظيفة تجميع المطالب أو صياغة المصالح والآراء الجماهيرية تمثل انسب الظروف لممارسة الديمقراطية شريطة أن تجري عملية الانتخابات في أجواء تتسم بالحرية، حيث تصبح الفرصة سانحة لان تترجم هذه الانقسامات والفروق الاجتماعية في شكل أحزاب سياسية جديدة متنافسة تمثل مطالب هذه الجماعات عبر وسائل تنظيمية أو مؤسسية فاعلة في النظام السياسي.و تمر علمية ممارسة الأحزاب السياسية لوظيفة تجميع المطالب بعدة مراحل، يمكن تحديدها في ثلاث مراحل وهي: (35 )

الأولى: مرحلة تلقي الطلب:

يستطيع الحزب السياسي القيام بممارسة وظيفة تجميع المطالب عبر مؤتمراته الحزبية عندما يتلقي الشكاوي والمطالب من نقابات العمال وهيئات الفلاحين ومنظمات الأعمال وغيرها، حيث يتقدم الأفراد أو الجماعات بمطالبها أو شكواها مباشرة إلى الحزب باعتباره اقدر من يمثل هؤلاء الأفراد أو هذه الجماعات.
-كذلك يمكن أن يتم التقدم بهذه المطالب من جانب الأفراد أو الجماعات بطريق غير مباشر من خلال أعضاء في التنظيم الداخلي للحزب الذين يتولون توصيلها إلى قادة الحزب لبلورته وصياغتها.
– وتجدر الإشارة إلى انه لا فرق بين تقديم المطالب في الحالتين، حيث تبقي مهمة الحزب – بعد تجميع هذه المطالب والشكاوي من كلا الطريقين –نقلها إلى الحكومة.و غني عن البيان انه يقتضي أن تكون هذه المطالب الشعبية أو المصالح الجماهيرية التي تقدم من جانب الأفراد أو الجماعات إلى حزب ما متفقة مع مبادئ هذا الحزب أو ذاك، فلا يعقل أن تقدم مطالب اشتراكية من جانب الأفراد أو الجماعات إلى حزب يعتنق أو يدين بالولاء لمبادئ الفكر الليبرالي أو الرأسمالي.

الثانية: مرحلة تنقيح المطالب:

تقوم الأحزاب السياسية، قبل التقدم بالمطالب أو نقلها إلى الحكومة، بإخضاع هذه المطالب أو المصالح الجماهيرية إلى بعض الإجراءات المحددة، حيث يقوم الحزب أولا بفرزها، فيعارض بعض المطالب ويقبل البعض الأخر، ثم يتولى التحكيم والوساطة والتوفيق بين المصالح والتفاوض بشأنها، وغير ذلك من الأساليب التي تضمن التنسيق بين هذه المصالح علي نحو يتيح التقدم بها إلى الهيئات الحاكمة بعد تجميعها وصياغتها بشكل يتفق مع سياسة الحزب والقيم التي يدافع عنها ويتمسك بها أعضاؤه. ولا يخفي ما في ذلك من فائدة، حيث يفيد تجميع المطالب المتفقة مع مبادئ وبرامج حزب ما –من جهة- في زيادة تصدية للقضايا المطروحة علي الساحة السياسية والجماهيرية، ويفيد –من جهة أخرى – في زيادة إمكانية طرح وإيجاد بدائل حلول لكل قضية أو مسالة مطروحة بشكل يحظى برضاء المواطنين وبخاصة هيئة الناخبين وغيرهم من أصحاب المصالح والمتعاطفين مع الحزب وسياساته ومبادئه وأفكاره، وذلك علي طريقة ” أن لم يكن هذا الحل فذاك أقرب”، يتبين من ذلك أن عملية تجميع المطالب ليست مسالة سهلة، بل إنها تتطلب جهداً كبيراً بهدف التوفيق بين الآراء المتعارضة والمطالب المتضاربة بغية الوصول إلى قاعدة من الاتفاق أو الإجماع، وإذا تعذر التوفيق بينهما يشكل ما يسمي ” بائتلاف المصالح ” بغرض الجمع بين هذه المطالب أو المصالح المتعارضة في بوتقة واحدة.
و مجمل القول أن الأحزاب السياسية تقوم بعملية ” غربلة ” للمطالب الشعبية أو المصالح الجماهيرية ومن ثم بلورة ا صياغة اكبر عدد من البدائل السياسية بقصد تحويلها إلى سياسات عامة تتفق مع توجهات النظام السياسي(36 ).

الثالثة: مرحلة حشد التأييد:

عندما يفرغ الحزب من مرحلة فرز أو غربلة المطالب الشعبية أو المصالح الجماهيرية المقدمة إلية من جانب الأفراد أو الجماعات، يقوم الحزب بجهد مقابل لا يقل عن الجهد المبذول في المرحلة السابقة بقصد حشد التأييد والمؤازرة للموافقة علي هذه المطالب أو المصالح سواء بقبول بعضها أو معارضة البعض الأخر وسواء أكان ذلك داخل الحزب ذاته أو خارجة بين معارضة البعض الأخر وسواء أكان ذلك داخل الحزب أو خارجة بين القطاعات الجماهيرية المختلفة. وهكذا يتسنى للأحزاب السياسية أو تقوم بممارسة وظيفة تجميع المطالب كمؤسسة وسيطة أو حلقة اتصال دائم بين الجماهير في قواعدها العريضة ومطالبها المحددة من جهة وبين مراكز صنع القرار من جهة أخرى، بما يكون من شأنه زيادة نفوذ الحزب السياسي وقوته بين القطاعات الجماهيرية المختلفة حتى ولو لم يكن مشاركاً في الحكم، طالما قام بمهمته في تجميع المطالب وفرزها وحشد التأييد لها حتى تتبلور في شكل سياسات عامة بديلة تحوز رضاء هيئة الناخبين من ناحية، وتتفق مع توجهات النظام السياسي وتحظي بقبوله من ناحية أخرى.

وظيفة تكوين الكوادر السياسية

يقصد بوظيفة “التجنيد السياسي ” العملية التي يتم بمقتضاها إسناد الأدوار السياسية إلى الأفراد سواء سعوا إلى ذلك بأنفسهم أو وجههم آخرون إلى تقلد هذه المناصب(37 ). أو بمعني أخر هي” العملية التي يتم بموجبها اختيار أفراد من المجتمع لتولي المناصب السياسية(38 ).و تشتمل عملية “التجنيد السياسي ” للمناصب العامة علب ثلاث مستويات(39 ):
1-المستوي الأول: و يتمثل في ” مستوي الوظائف السياسية العليا ” ويسعي الفرد في هذا المستوي ومن خلال الحزب السياسي إلى الوصول إلى قمة الهرم السياسي في الدولة ولا يتلف هذا الوضع سواء في نظم التعددية الحزبية أو في نظم الحزب الواحد ، وتلعب جماعات الضغط في هذا المستوي، دوراً ملموساً في عملية اختيار المرشحين للمناصب السياسية العليا في الدولة.
2-المستوي الثاني: ويتمثل في ” مستوي الوظائف الحكومية” ويختلف الدور الذي يضطلع به الحزب في عملية التجنيد السياسي لهذا المستوي من دولة إلى أخرى.
3-المستوي الثالث: ويتمثل في ” مستوي الوظائف الحزبية ” ويتولي الحزب في هذا المستوي، تعيين الجهاز الإداري والتنظيمي الخاص به.
– وتمثل وظيفة ” التجنيد السياسي” وظيفة مشركة بين الأحزاب السياسية في الديمقراطية الليبرالية، والأحزاب السياسية في النظم السلطوية أو الشمولية أي في نظم: الحزب الواحد”.
– ويتمثل الاختلاف بين قيام الأحزاب السياسية في الديمقراطية الليبرالية بوظيفة ” التجنيد السياسي وقيام والأحزاب السياسية في النظم السلطوية بهذه الوظيفة في ” الإجراءات الداخلية التي يتم بموجبها تجنيد الحزب لأعضائه وما يرتبة ذلك من أثار”.
و تتم عملية تكوين الكوادر السياسية وتقديمها إلى الحكم في الديمقراطية الليبرالية بطريقتين:
أولهما: هي طريقة ” الإجراء المغلق “:
حيث يحدد قادة الحزب وزعماؤه الأشخاص الذين تقدم أسماؤهم إلى أعضاء الحزب للموافقة عليها
ثانيهما: هي طريقة ” الإجراء المفتوح “:
حيث يحدد الأشخاص المرشحون لتولي الوظائف السياسية العليا بمقتضى عملية انتخابية تقوم علي المنافسة داخل الحزب، وهو ما يطلق علية نظام الانتخابات الأوليةDes elections primarires وهو النظام المتبع في الولايات المتحدة الأمريكية. وتمثل الانتخابات العامة –في ظل النظم السلطوية- إلا أهمية رمزية فقط، وكذلك تتضاءل أهمية الوسائل التي تتكون بموجبها عملية الترشيح للمناصب السياسية العليا. ويرتبط قيام الحزب السياسي بوظيفة ” التجنيد السياسي ” بمدى إمكانية الوصول إلى المنصب السياسية، والتي تمثل مصدر لقوة كبيرة لحشد التأييد الشعبي للحزب السياسي.و ترتبط هذه الإمكانية –بدورها- بمدي قدرة حزب ما علي الوصول إلى الحكم، فإذا كان الحزب الحاكم حزباً مسيطراً شديد السيطرة –كالوضع في الهند واليابان –فان هذا يؤدي إلى عدم قدرة أي حزب أخر علي الوصول للحكم، مما يقلص من دورة ويضعف من قوته ما لم يدعم بواسطة عوامل أخرى. فقد يلجا الحزب إلى توزيع المناصب الحزبية علي أعضاء النخبة المسطرة علية أو الالتزام بأيديولوجية قوية، وهكذا لا يساعد نظام الحزب شديد السيطرة علي وجود أحزاب معارضة قوية، بل قد تختفي المعارضة أو تتبني مواقف راديكالية متطرفة في إطار سعيها لكسب التأييد الشعبي. وذلك خلافاً للوضع في حالة ما إذا كان هناك تغير متكرر بشكل نسبي في الحزب الحاكم كالوضع في ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
– وتعمل الأحزاب السياسية على تكوين كوادر نخبة ممتازة يُعهد أيليها بالحكم إذا ما ظفر الحزب بالأغلبية، حتى أضحى من الممكن ألان –إلى حد كبير- معرفة تشكيل الوزارة متي عرف الحزب المنتصر.
– وتتم عملية قيام الأحزاب السياسية كأداة للتجنيد السياسي وكمنظمات تعليمية تربي فيها الكوادر السياسية، عن طريق قيام الأحزاب السياسية باختيار العناصر الصالحة للعمل السياسي الذين تتوافر فيهم صفات معينة ثم تقوم بتلقينهم مبادئها ومدهم بالمعارف السياسية وتدريبهم علي مهارات العمل السياسي40.
-و ذلك علي اعتبار أن العمل السياسي هو عمل لا يتأتى بالفطرة، بل هو يحتاج إلى الخبرة والتدريب، ومن الملاحظ انه لا يحقق من الحكام نجاحاً في حياته سوي من تدرب منهم في صفوف الأحزاب السياسية، ثم تمكنوا من التحرر من النظرة الحزبية الضيقة والتي غالباً ما تكون قاصرة عن شمول كافة وجهات النظر، ولا تصلح أن تكون الرؤية التي ينظر بها رجل الدولة عندما يكون في سدة الحكم(41).
– وتتضح أهمية هذه الوظيفة من وظائف الأحزاب السياسية بالنظر إلى الاختلاف بين دول العالم الثالث –من ناحية-حيث يظل السؤال عمن يخلف القيادات الحالية بلا جواب. ومن هنا يتعاظم الشعور بالخوف من وقوع فراغ في الهيئة الحاكمة، حيث لا علم لأحد بالقادم من الظلام المجهول إلى قمة السلطة، ومن بن الوضع في دول الديمقراطية الليبرالية –من ناحية أخرى- حيث تقوم الأحزاب السياسية بدورها المرسوم لها في الحياة السياسية، فيزول الشعور بالخوف من وقوع فراغ سياسي بسبب وجود اكثر من إطار محددة اتجاهاته، ومعروفة فلسفته لسد هذا الفراغ حال حدوثه(42 ).
(2) وظائف التعددية الحزبية في الدول النامية
تختلف الوظائف التي تضطلع بها الأحزاب السياسية في الدول النامية في جوهرها عن تلك التي تقوم بها الأحزاب السياسية في الديمقراطية الليبرالية، حيث ترتبط هذه الوظائف أساسا بعملية التحديث والتنمية السياسية التي تتم في ظل النظم السياسية في نظم الدول النامية.
وتتبلور هذه الوظائف في عدة وظائف رئيسة وهي: وظيفة تنمية التكامل الوطني، ووظيفة التنشئة السياسية، ووظيفة حل أزمة الشرعية، ووظيفة المشاركة السياسية، ووظيفة تحقيق الاستقرار السياسي

وظيفة تنمية التكامل الوطن

تعبر “وظيفة تنمية التكامل الوطني ” للمجتمع من أهم وظائف الأحزاب السياسية في الدول النامية. وتعني” وظيفة التكامل الوطني ” –بشكل عام- إدماج العناصر الاجتماعية والاقتصادية والدينية والعرقية والجغرافية في الدول القومية الواحدة، ويتضمن هذا المفهوم “لوظيفة التكامل الوطني ” عنصرين متميزين:
1-العنصر المتعلق بقدرة الهيئة الحاكمة علي السيطرة علي” الإقليم” الخاضع لسيادتها القانونية.
2-العنصر المتعلق بتوافر مجموعة من الاتجاهات لدي الشعب، نحو الأمة عموما وتشمل الولاء والإخلاص والرغبة في إحلال الاعتبارات القومية فوق الاعتبارات المحلية أو الضيقة.
و كذلك يعني مفهوم ” التكامل القومي ” تنظيم المؤسسات والعمليات التي تتحول بمقتضاها العناصر المتفرقة في إقليم قومي إلى المشاركة الفعالة في النظام السياسي(43 ).
– وتقوم الأحزاب السياسية بهذه الوظيفة سواء في ظل نظام الحزب الواحد أو التعددية الحزبية. فمن ناحية كان أهم دواعي الأخذ بنظام “بنظام الحزب الواحد” في كير من الدول النامية ” العمل علي تحقيق التكامل القومي” بما يتضمنه ذلك من تجاوز الولاء المحلي الضيق للقبيلة أو المنطقة إلى دائرة الولاء الواسع للدولة، ويهتم الحزب الحاكم – في البلاد التي تأخذ بهذا النظام بالهيمنة في إقليم الدولة وبث قيم الانتماء في نفوس المواطنين وصهر الصفوة السياسية من كل أنحاء البلاد في بوتقة الحزب. وفي نفس الوقت يحظر أي نشاط يعرقل بناء الأمة مثل قيام منظمات علي أساس قبلي أو إقليمي أو ديني.
وقد بررت هذه النظم ذلك بما يشكله وجود تلك الأحزاب الأخيرة من تهديد للتكامل الوطني والإقليمي، مما كان يعد سبباً جوهرياً لظهور ” الحزب الواحد” من خلال حركات الاستقلال طويلة الأمد، والحاجة إلى خلق مشاعر وأحاسيس الهوية القومية الواحدة. (44 ).
ومن ناحية أخرى يميل الحزب الحاكم في نظام التعددية الحزبية إلى الاهتمام بإثارة الرموز القومية التي من شانها تنمية مشاعر الانتماء القومي، كما يحرص علي وضع سياسات توفق بين المصالح المحلية والقومية من جهة وبين مصالح الجماعات المختلفة من جهة أخرى. فليس هناك ما يمنع من قيام نظم التعددية الحزبية بعملية تنمية التكامل القومي علي شرط أن تتجاوز الأحزاب السياسية في ظل هذه النظم مرحلة الإسهامات اللفظية أو رفع الرموز والشعارات القومية إلى صياغة سياسات تجمع بين المصالح الضيقة والقومية الواسعة، ويمكن أن يكون التمسك القوي بتدبير معين أداة ناجحة وبعيدة الأثر في عملية التكامل القومي، والذي يمكن تحقيقه أيضا من خلال الاتفاق علي تدابير معقدة يتم التوصل إليها عن طريق المفاوضات الشاقة بين أطراف العملية السياسية، فيمكن التوصل إلى تحقيق هذا الأمر- الاتفاق علي تدابير معقدة لتحقيق التكامل القومي- من خلال تدابير مؤسسية تشجع الحوار، وتتيح قنوات مفتوحة للاتصال وبوجود قادة سياسيين علي استعداد تم لبلورة وتجميع المطالب المختلفة وبالتالي لبناء الوحدة القومية من خلل التعدد العرقي، ويتوقف نجاح الأحزاب السياسية في تحقيق عملية التكامل القومي –بوجه عام- علي أن يكون الانضمام إليها علي أساس البرامج والأفكار والمصالح، وليس علي أساس عرقي أو ديني أو غيرة من العوامل التي من شانها إشاعة الفرقة بين أبناء الوطن الواحد(45 ).
وظيفة التنشئة السياسية

لا يمكن القول بوجود تعريف محدد لمفهوم ” التنشئة السياسية”، بل هناك عدة تعريفات لهذا المفهوم. وتندرج هذه التعريفات تحت اتجاهين أساسين نعرض لهما فيما يلي(46 ):

أولا: الاتجاه الأول: ينظر إلى التنشئة السياسية كعملية يتم بمقتضاها تلقين الفرد مجموعة القيم والمعايير السياسية المستقرة في ضمير المجتمع بما يضمن بقاءها واستمرارها عبر الزمن.
ثانيا: الاتجاه الثاني: ينظر إلى التنشئة السياسية كعملية يُكتسب من خلالها المرء-تدريجيا- هويته الشخصية التي تسمح له بالتعبير عن ذاته وقضاء مطالبه بالطريقة التي تحلو له ، وعلي الرغم من الاختلاف بن الاتجاهين، حيث ركز الأول علي الاستمرارية والتوافق، بينما ركز الثاني علي التغيير والاختلاف، ألا انهما يقدمان نظرة متكاملة للمفهوم.
ويمكن تحديد عناصر مفهوم التنشئة السياسية فيما يلي(47 ): التنشئة السياسية هي أساساً عملية تعلم، وينصرف هذا التعلم إلى القيم والاتجاهات السياسية، وإلى القيم وأنماط الاجتماعية ذات الدلالة السياسية. التنشئة السياسية هي عملية مستمرة يتعرض لها الأفراد في مختلف مراحل حياته. التنشئة السياسية هي شرط ضروري لنشاط الفرد في داخل المجتمع السياسي. وتلعب التنشئة السياسية ثلاثة أدوار رئيسية وهي: (48 ) نقل الثقافة السياسية عبر الأجيال، وخلق الثقافة السياسية، وتغيير الثقافة السياسية.
وتقوم الأحزاب السياسية في الدول النامية بدور فعال في عملية التنشئة السياسية حيث يقترب هذا الدور- إلى حد كبير- من الدور الذي تلعبه الأسرة في عملية التنشئة السياسية أو في خلق وتغيير الثقافة السياسية ، ذلك أن الحزب سوف يصبح – في ظل تخلف نظم الدول النامية – اكثر من مجرد أداه انتخابية أو تجمع يعبر عن الموقف السياسي لدي طائفة معينة مجن الجماهير، فيستطيع الحزب أن يوفر العمل لعدد كبير من الناس وأن يجعل بينهم وبين الحكومة القائمة صلات متنوعة، وهو ما يوفر المعلومات، و يحقق التكامل بين الجماعات المختلفة ويقترح البرامج القومية وترتبط عملية التنشئة السياسية، كوظيفة متميزة للأحزاب في الدول النامية، بالتميز الشائع بين الحزب” التعبوي” أو ” حزب التغيير” وبين الحزب ” المتكيف” أو ” حزب التكييف”. وتفسير ذلك أن الحزب التعبوي أو حزب التغيير –كما سبق القول- يُستعمل كأداة لإحداث التغيير في الاتجاهات والسلوكيات داخل المجتمع، بينما يركز الحزب المتكيف ” اهتمامه على الدعم الانتخابي. وعلى هذا الأساس يسود في الدول النامية فكرة مؤداها أن الحزب التعبوي (حزب التغيير) أكثر ملاءمة لحاجات المجتمعات النامية من الأحزاب المتكيفة. وتقوم الأحزاب السياسية بوظيفة التنشئة السياسية عن طريق ما تملكه من صحافة وما تعقده من اجتماعات عامة لشرح فلسفتها والمبادئ التي تتبناها(49 )، ومن خلال هذا الدور التثقيفي والتعليمي تقوم الأحزاب السياسية بغرس قيم معينة أو الحفاظ علي قيم معينة، وهي بذلك إما أن تعمل علي تغيير أو تعديل الثقافة السياسية القائمة أو تعمل علي الحفاظ عليها ونقلها إلى الأجيال الجديدة( 50).

وظيفة حل أزمة الشرعية

تعرف ” أزمة الشرعية ” بأنها انهيار في البناء الدستوري وفي أداء الحكم، ينجم عن الاختلاف حول طبيعة السلطة في النظام السياسي، وعلي ذلك فان أزمة الشرعية يمكن أن تأخذ شكل تغير في هياكل الحكومة أوفى طابعها الأساسي، أو تغيير في المصدر الذي تستمد منه تلك الحكومة سلطتها النهائية، أو تغيير في المُثل التي تعبر عنها الحكومة. ويرتبط بأزمة الشرعية التغيير في الطريقة التي يم بها تصور السلطة أو الطريقة التي تعمل بها(51 )، وتثور أزمة الشرعية عادة عندما تعجز المؤسسات السياسية القائمة في المجتمع عن الاستجابة للمطالب المتزايدة والظروف المتغيرة، ويترتب علي هذا العجز من جانب الهيئة الحاكمة عن حسم مشكلة الشرعية تولد مشكلة المشاركة في السلطة وبروز الأحزاب السياسية في ذات الوقت(52 ). كذلك تثور مسالة شرعية النظام السياسي الجديد حينما يقوم النظام السياسي بتأسيس الأحزاب السياسية لكي تحل محا النظم الأوتوقراطية والملكية القديمة، حيث تجد الأحزاب تبريراً شرعياً لها في الاحتكام إلى القاعدة الشعبية.
بينما قد يواجه النظام السياسي الجديد أزمة شرعية ترجع إلى أن المراحل الأولى من نشأة أي نظام حكومي تجعل المجتمع يشهد مرحلة اضطراب أو عدم استقرار وليس من الضروري أن يكون نتاجاً للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية السريعة التي تمر بها المجتمعات النامية، وإنما عدم الاستقرار يصاحب دائماً النظم السياسية الجديدة التي تتضمن أنماطا جديدة من المشاركة السياسية. وتمثل الأحزاب السياسية دائماً أداه هامة، بل وناجحة بشكل عام، في توطيد أركان السلطة القومية الشرعية، فهي أدوات لكسب التأييد الشعبي، اكثر فعالية ومرونة من المؤسسات العسكرية أو الأجهزة البيروقراطية، مما يفسر لجوء النظم السلطوية –غالباً- إلى تنظيم حزب سياسي (53 ).
وتباشر الأحزاب السياسية هذه الوظيفة الهامة من وظائفها في لدول النامية من خلال ثلاثة جوانب:
الجانب الأول: وهو قيام الأحزاب بتعظيم أو ترقية شرعية النظام من خلال حشد التأييد الجماهيري له.
الجانب الثاني: وهو قيام الأحزاب بتجميع القطاعات الاجتماعية المختلفة من خلال إقامة مظلة واسعة من العلاقات المتشابكة.
الجانب الثالث: وهو قيام الأحزاب بالمطالبة الملحة بهدف وضع أهداف معينة للحكم تصوغها الأحزاب في إطار إيديولوجي محدد.
ومما هو جدير بالذكر أن قدرة النظم الحزبية علي حل أزمة شرعية النظم السياسية تواجه صعوبة أساسية تتمثل في نقص التماسك عند معظم الحكومات الحزبية الجديدة، فعلي الرغم من أن الحكومات الاستعمارية والأرستقراطية لا تحظي بشعبية كافية في الداخل، إلا أنها تبدو كمل لو كانت علي اعلي درجة من التماسك، ويضيف جانب من الفكر السياسي المعاصر صعوبتين أخريين تواجهان النظم الحزبية في قيامها بحل أزمة شرعية النظم السياسية، وهما:
1-استمرار القوي السياسية القديمة في ممارسة تأثير نفسي قوي علي قطاعات واسعة من السكان مما يؤثر علي قبول النظام الحزبي من جانب بعض الجماعات الاجتماعية الرئيسية في المجتمع.
2-عدم التزام بعض الأحزاب نفسها –في الواقع- بالنظام النيابي، ولكنها تشارك في النظام الحزبي للإطاحة بالنظام القائم فحسب. وتزداد أزمة الشرعية تعقيداً بسبب عدم التزام المؤسسين الأوائل للأحزاب أنفسهم بالحكم النيابي.

وظيفة المشاركة السياسية

يقصد بالمشاركة السياسية تلك الأنشطة الإرادية التي يزاولها أعضاء المجتمع بهدف اختيار حكامهم وممثليهم والمساهمة في صنع السياسات والقرارات بشكل مباشر أو غير مباشر.
و يمكن تعريف المشاركة السياسية بشكل أوسع بأنها ” عملية يقوم الفرد من خلالها بالإسهام الحر الواعي في صياغة نمط الحياة لمجتمعه في مجالات الاقتصاد والاجتماع والسياسة، وذلك بان تتاح له الفرصة الكافية للمشاركة في وضع الأهداف العامة لحركة المجتمع، وتصور افضل الوسائل لتحقيق هذه الأهداف، مع تحديد دور كل مواطن في إنجاز المهام التي تتجمع علي المستوي القومي في أهداف عامة ليضطلع بها الأفراد.
-و بوجه عام يشير مصطلح المشاركة السياسية إلى تلك الأنشطة المشروعة التي يضطلع بها المواطنون بقصد التأثير علي عملية اختيار أشخاص الحكام من جهة وعلي ما يتخذونه من قرارات وسياسات من جهة أخرى.و علي ذلك فلا يرتبط قياس درجة أو حجم المشاركة السياسية بالعملية الانتخابية فقط، فعملية المشاركة في العملية الانتخابية ليست بالضرورة هي اكثر الوسائل فاعلية في قيام المواطنين بالتأثير علي السلطة السياسية، فالأكثر فاعلية في هذا الخصوص مدى تأثير المواطنين عليها (أي الحكومة ) بين عملية انتخابية وأخرى، ومما هو جدير بالذكر أن مصطلح المشاركة السياسية التي نعنيها في هذا المقام هي تلك الأنشطة التي يقوم بها المواطنون بشكل تطوعي أو إرادي وليس نتيجة حشد أو تعبئة من جانب الحكومة في مناسبات معينة، لان مثل هذه النماذج لا تعبر عن مشاركة سياسية بالمعني الصحيح، فالمهم هو ما يطلق علية المشاركة الديمقراطية أي التي تنبع من المواطنين لكي تؤثر علي الجميع، وهي بهذه المثابة تُعد جزاُ من عملية تهدف إلى خلق وتشكيل المصالح القومية وهي أحد القيم الجوهرية اللصيقة بالديمقراطية.

وبهذا المعني فان اغلب الدول النامية لا تعرف المشاركة السياسية بالمعني الاختياري الذي تعرفة الدول الديمقراطية، ولنما يسود فيها نمط المشاركة من خلال التعبئة، أي أن المشاركة لا تتحقق نتيجة لعملية تطوعية من جانب المواطنين بل تتحقق نتيجة لجهد مبذول من جانب السلطة السياسية ( 54).و تمثل وظيفة ” المشاركة السياسية ” أحد الوظائف الهامة التي يضطلع بها الحزب السياسي، حيث يقدم الحزب السياسي للمواطن أداه وطريقة لتنظيم نفسه مع الآخرين الذين يشاركونه الرأي أو الفكر أو العقيدة السياسية / ومن ثم تجميع أنفسهم لممارسة التأثير علي السلطة السياسية، ويصبح الحزب بذلك أحد قنوات الاتصال بين الحكام والمحكومين، وأحد الأدوات التي تمكن المواطن من المشاركة والإسهام في الحياة العامة، ومن ثم يغدو الحزب إطارا لحركة وأداه للمشاركة السياسية (55 )، وبعبارة أخرى لا يتصور أن يكون بمقدور المواطن وحدة بدون الأحزاب التأثير علي المسائل المتعلقة بالحياة العامة، فالفرد منعزلاً عن أقرانه من أعضاء الجماعة لا تأثير له، حتى لو مارس حقوقه وبخاصة حق التصويت ، إذ كيف تتاح له فرصة اللقاء وتبادل الرأي مع غيره ممن يعتنقون نفس أفكار، وأياً كانت درجة “الاقتناع ” الفردي ومهما بلغت وجهة النظر الفردية من صحة، فان العمل الفردي لا يؤدي فلا إلى ضياع الجهود وتشتيت القوي، وهو ما تقوم به الأحزاب السياسية حيث تعمل علي تمكين الجماعات المختلفة من التعبير عن رغباتها ومعتقداتها بطريقة منظمة فعالة، عن طريق تجميع جهود الأفراد وإعطائه طابعا سياسي معبر عن الأفكار المشتركة لهؤلاء الأفراد، والتي يمثلها الحزب ويعطيها قوة سياسية تتناسب وقوة الجماعة التي يمثلها الحزب(56 ).
و هكذا تقدم الأحزاب السياسية –من جهة- الإطار الأكثر أهمية، والأكثر ملاءمة لتحقيق المشاركة السياسية. كما يمكن أن يكون ظهور الأحزاب السياسية نفسها- من جهة أخرى- سبباً في خلق الرغبة لدي الأفراد في المشاركة السياسية، طالما توفر لديهم التوقع أو الطموح بان تلك المشاركة سوف تكون منوطة بقراراتهم ومهاراتهم، وليس بمجرد أصولهم الاجتماعية أو الطبقية. ولذا كان من المعتاد أن تواجه نظم الحكم الحديثة والقائمة علي التعددية الحزبية عقب فترة من القمع السياسي، تزايد الميل للمشاركة الشعبية من جانب المواطنين(57 )، أن مجرد وجود الأحزاب السياسية أو قيام نظم تعددية حزبية لا يضمن بذاته تحقيق المشاركة السياسية الواسعة لأفراد الجماعة السياسية، وإنما تظل هناك أربعة احتمالات تماثل موقف الأحزاب الحاكمة في مواجهة المطالب الجماهيرية بالمشاركة السياسية وهي:

الاحتمال الأول:

ويتمثل في قمع المطالب بالمشاركة أو الحد منه هذه المشاركة وتتلخص ابرز تلك المواقف من جانب بعض الأحزاب الحاكمة إلى الحفاظ علي مكتسبات الطبقة المسيطرة، وامتيازاتها الاقتصادية، ومكانتها الاجتماعية. و تتبلور هذه الدوافع في عدة عوامل ترتبط بمسالة قمع المطالب بالمشاركة السياسية في الدول النامية، ويأتي علي راس هذه العوامل عامل الخشية من تهديد نظام القيم الذي تتبناه النخبة الحاكمة عندما يتبلور النظام الحزبي، سواء كانت تلك القيم دينية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها، كذلك هناك عامل متعلق بمدي الإجماع النيابي بحيث إذا كانت فكرة الحكم النيابي ليست ذات أهمية خاصة مقارنة بغيرها من القيم التي تتبناها النخبة الحاكمة، تردد الحزب الحاكم في قبول فكرة توسيع المشاركة ولا تسمح بها. وحتى إذا كانت فكرة الحكم النيابي هي اعلي القيم السائدة لدي النخبة الحاكمة، فإنه من المتصور أيضاً حدوث عدم استجابة من جانب الأحزاب والنظم الحزبية للمطالب بالمشاركة من جانب الجماعات التي تعرف بأنها ضد النظام كجماعات اليمين واليسار المتطرف في الدول الديمقراطية والجماعات التقليدية كالقبائل والأقليات الدينية في الدول النامية.

الاحتمال الثاني:

ويتمثل في المشاركة السياسية عن طريق ” التعبئة “. ويرتبط هذا النمط من المشاركة السياسية بنظام الحزب الواحد ” حيث تشجع دولة الحزب الواحد” المشاركة السياسية، ولكنها تسمح وفق حدود موصوفة ومحكومة بدقة. حيث تهتم دولة الحزب الواحد بالتأثير على الاتجاهات السياسية وسلوك الأفراد، مع استخدام الحزب جنباً إلى جنب مع قدرة الدولة ومع وسائل الأعلام الجماهيري لتحقيق هذا الهدف. وتستهدف “التعبئة” تنمية الشعور بالهوية القومية، وتعميق الولاء وإضفاء الشرعية على السلطة، دون السماح للمواطنين بالتأثير علي السياسة العامة والإدارة واختيار ممثليهم لتولي الحكم.
وتجدر الإشارة إلى أن الاختلاف بين الحزب الواحد الجماهيري، وحزب القلة المنتقاة فيما يتعلق بالمشاركة السياسية الفعلية، حيث أن عضوية حزب النخبة قد تؤدي إلى تجنيد الأفراد فعلياً للحكم، حيث أن عضوية الحزب الجماهيري لا تؤدي إلا إلى زيادة طفيفة في النفوذ السياسي للعضو وفي فرص العمل المتاحة له في المجال السياسي.

الاحتمال الثالث:

ويتمثل في السماح بالنشاط الحزبي المحدود، حيث يسمح للنظام السياسي للقوي الاجتماعية المختلفة بحق تنظيم أحزابها الخاصة، ولكن مع حرمانها من الوصول إلى الحكم، والعمل علي تقييد مشاركتها في النظام.
وهكذا قد تتحول المشاركة بالنشاط الحزبي المحدود” إلى شكل للقمع بحجة الحفاظ علي النظام النيابي نفسة، ويكون المبدأ الواضح للجميع آن الحكومة لن تسمح لأي قوة اجتماعية بمشاركتها في الحكم أو السلطة حتى لو فازت في الانتخابات.
ويتمثل هذا الوضع في حالة الأحزاب الفاشية والملكية في دول أوروبا الغربية اليوم والتي تعي تماماً انه لن يسمح للأحزاب الشيوعية في فرنسا وإيطاليا بالمشاركة في الحكم عبر صيغة ” الجبهة الشعبية” فان الشروط التي يسمح في ظلها بتلك المشاركة تنطوي على “حلول وسطي” وتنازلات أيديولوجية هامة.

الاحتمال الرابع:

ويتمثل في السماح بالنشاط الحزبي التام، حيث يمنح الأفراد والجماعات حقوق المشاركة السياسية الكاملة |، سواء من خلال الأحزاب القائمة أو السماح بقيام أحزاب جديدة. وذلك علي اعتبار أن توسيع المشاركة السياسية لا يمثل تهديداً خطيراً للنظام القائم، أو أن الالتزام بالمشاركة السياسية نفسة من القوة بحيث يطغي علي أي تهديد يتعرض له النظام السياسي القائم، أو يمس قيم النخبة الحاكمة، وهذا هو النمط السائد في نظم الديمقراطية الليبرالية.
وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كانت المشاركة السياسية تمثل إحدى وظائف التعددية الحزبية بالمعني السابق بيانه، فأنها تمثل كذلك وسيلة من وسائل تنشيط التعددية الحزبية. ذلك أن قوة الأحزاب وتأثيرها لا ترتبط بضخامة عدد أعضائها بقدر ما ترتبط بمدي نشاط هؤلاء الأعضاء وفاعليتهم. فإذا افترضنا أن حزباً ما يضم في عضويته مليون شخص ولكنهم يتسمون بالسلبية وانخفاض درجة ميلهم إلى العمل التطوعي والمبادرة، بينما هناك حزب أخر يضم في عضويته نصف مليون شخص فقط ولكنه يميلون للمشاركة السياسية والفاعلية، ففي هذه الحالة يصبح الحزب الثاني (صاحب العضوية الأقل ) اكثر تأثيرا وفاعلية من الحزب الأول (صاحب العضوية الأكثر).فالعبرة إذن ليست بعدد الأعضاء المنتمين للحزب وإنما بدرجة ميل هؤلاء الأعضاء للمشاركة السياسية فالأقلية النشطة افضل –من حيث التأثير السياسي- من الأغلبية الخاملة(58 ).

وظيفة تحقيق الاستقرار السياسي

يتكفل نظام التعددية الحزبية بتحقيق الاستقرار السياسي في المجتمع حيث يذهب بعض الفكر السياسي المعاصر إلى القول بوجود ارتباط قوي بين مدى الحرية التي تتمتع بها الأحزاب السياسية في ظل نظام سياسي معين وبين مدى الاستقرار السياسي الذي يتمتع به هذا النظام، فكلما ازدادت نظرة العداء الحكومي للأحزاب المعارضة وكانت القيود المفروضة علي النشاط الحزبي الحقيقي شديدة كما هو الحال في الدول النامية كلما زاد احتمال ظهور عدم الاستقرار السياسي في المجتمع وتفسير ذلك أن التعددية الحزبية توفر طريقة سليمة لتغيير القيادات وإحلالها من خلال الانتخابات العامة(59 ). وذلك يمكن ضمان الانتقال الشرعي والسلمي للسلطة بطريقة ديمقراطية إلى الحكومة والبرلمان المشكلين من الحزب الحائز علي الأغلبية ويحدث ذلك في حالة تغير اتجاه الرأي العام وفقاً للمتغيرات المختلفة من أراء وأوضاع ومصالح اجتماعية وسياسية(60 )، ويترتب علي ذلك عدم الحاجة إلى أساليب تتخطي الأطر والمؤسسات القائمة، لا التعددية الحزبية بمفهومها الصحيح إذا طبقت بشكل سليم تتيح فرصة الإحلال والتغير وتبادل الأدوار بين الحكومة والمعارضة بطريق سليمة ومنظمة يكفلها القانون.
علي اعتبار أن الآخذ بالتعددية الحزبية ينطوي في ذات الوقت علي التسليم بحق كل حزب من الأحزاب القائمة في تولي زمام السلطة طالما أن ذلك يتم وفق قواعد شرعية، مما يكون من شأنه أن يؤدي إلى الاستقرار السياسي داخل المجتمع، والعكس صحيح فحيث لا توجد تنظيمات سياسية تستوعب كل أو معظم الاتجاهات السياسية في إطار النظام السياسي وتضم المعارضين للحكومة، فحينئذ لا يكون ثمة خيار أخر أمام الاتجاهات السياسية المعارضة سوي الخضوع للسلطة الحاكمة أو التمرد عليها والخروج علي النظام(61 ).
كذلك تلعب الأحزاب السياسية دوراً هاماً في الحد من الآثار السلبية الناتجة عن انعدام الاستقرار السياسي في المجتمعات النامية أو ما يطلق علية ” التحلل السياسي” –political Decay ” والذي ينتج عن التوترات والمتمزقات الاجتماعية التي تصاحب عملية التحديث السياسي في هذه المجتمعات، حيث تضطلع المؤسسات السياسية وبخاصة الأحزاب بمواجهة المشاكل المرتبطة بعملية التحديث وبتنظيم اتساع المشاركة السياسية من جانب أعداد متزايدة من الجماهير بطريق فعالة دون تفجر التوترات الاجتماعية وانعدام الاستقرار السياسي، فالأحزاب السياسية الناضجة ذات أهمية محورية في الحد من التحلل السياسي وضمان الحفاظ علي الاستقرار السياسي في المجتمع اللازم لعملية التنمية والتحديث(62 ).

خلاصة:

مما سبق يمكن القول إن هناك العديد من أشكال وأنماط الأحزاب السياسية في مختلف النظم السياسية على اختلاف تكويناتها واشكالها، واعتماد هذه النظم شكل للتعددية يتيح قدراً أكبر من التنافسية وتداول السلطة بشكل سلمى، يجعل المشاركة السياسية لكافة تيارات المجتمع في النظام السياسي يرتبط بشكل واضح بشكل التعددية المطبقة فيه وفعاليتها في أداء دورها، هذا يجعله هناك تحويل في النظام السياسي بدرجة اكبر نحو الممارسات الديمقراطية، ويجعله نظامها يتميز بالتحول نحو الديمقراطية، وهذا لا ينفصل عن الوظائف التي تقوم بها التعددية الحزبية خاصة الوظائف المرتبطة أكثر بإحداث التحويل الديمقراطي داخل النظام السياسي، فهناك علاقة وثيقة وارتباطية بين شكل التعددية وأدائها لوظائفها بفاعلية وبين إحداث تحول ديمقراطي حقيقي في أي نظام سياسي(63 ).


(1) إيمان أحمد عبد الحليم، مرجع سابق، ص 145.

(2) عمرو هاشم ربيع, الأحزاب الصغيرة والنظام الحزبي في مصر, (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية 2003) ص ص 15-16.

(3) عبد الغفار رشاد, الرأي العام والنتائج السياسية, (القاهرة: مكتبة نهضة الشرق, 1984) ص137.

4 نيفين مسعد (محرر) , معجم المصطلحات السياسية, (ألقاهرة: مركز الدراسات والبحوث السياسية بجامعة القاهرة, 1994) ص191.

5 د أسامة الغزالي حرب, مرجع سابق ص13.

6 د. نبيلة عبد الحليم كامل ،الأحزاب السياسية ، مرجع سابق ، ص149.

7 د. نبيلة عبد الحليم كامل، الأحزاب السياسية ، المرجع سابق ، ص160 .

8 د. أنور رسلان: الديمقراطية ، مرجع سابق ، ص193 .

9 د. سليمان الطماوي: النظم السياسية ، مرجع سابق ، ص267-268 .

10د أنور رسلان : الديمقراطية ، مرجع سابق ، ص188 .

11د. نبيلة عبد الحليم كامل، الأحزاب السياسية ، مرجع سابق ، ص104 .

12د. بطرس غالي و د. محمود خيري عيسي: المدخل في علم السياسة ، مرجع سابق ، ص311 .

13

14د أنور رسلان : الديمقراطية ، مرجع سابق ، ص216 .

15د. نبيلة عبد الحليم كامل ، مرجع سابق ، ص114 .

16 د. بطرس غالي و د. محمود خيري عيسي: المدخل في علم السياسة ، مرجع سابق ، ص215 .

17 (1) ثناء فؤاد عبدالله ،اليات التغير الديمقراطي فى الوطن العرب( بيروت :مركز دراسات الوحدة العربية ،1997) ص231.

18 د. نبيلة عبد الحليم كامل ، مرجع سابق ، ص58 .

19ناء فؤاد عبدالله ،اليات التغير الديمقراطى فى الوطن العربى ، المرجع سابق ، ص 87 .

20 (2) حسنين توفيق ، دراسة الاحزاب فى العالم الثالث ،فى على الدين هلال ، محمود اسماعيل(محرر ) اتجاهات حديثة فى علم السياسية ، القاهرة ، المجلس الاعلى للجامعات ، اللجنة العلمية للعلوم السياسية والادارة العامة ) ص 124.

21 د. أنور رسلان : الديمقراطية ، مرجع سابق ، ص192 .

22 أ.د سعاد الشرقاوي : النظم السياسية ، مرجع سابق ،ص238 .

23 د. أسامة الغزالي حرب : الأحزاب السياسية ، مرجع سابق ص176 .

24 نجوى ابراهيم محمود ، الديمقراطية بين الاحزاب والمجتمع المدنى ، مجلة الديمقراطية (القاهرة : مركز دراسات الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ،ع4 ،خريف 2010 ص 81 .

25 (2) اسامة الغزالى حرب ، مرجع سابق ، ص 65 .

26 نجوى ابراهيم محمود ، مرجع سابق ، 43 .

27 د. فاروق يوسف أحمد: النظم السياسية، مرجع سابق ، ص68

28 ) أحمد عادل: الأحزاب السياسية والنظم الانتخابية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1992، ص109

29 د. فاروق يوسف احمد : النظم السياسية ، مرجع سابق ، ص157-158 .

30Gabriel A. Almond and G. Bingham powell : comparative politices – Adevelopmental approach , (Boston: Little, Browen and company ) , 1966 , p. 98 .

31احمد عادل : الأحزاب السياسية و النظم الانتخابية ، مرجع سابق ، ص116 .

32Gabriel A. Almond and G. Bingham powell: comparative politices , OP.CIT ., 105.

33Leon D. Eostein : politices parties , (London : pall Mall press ) , 1967 , p. 13 .

34A. Lijhphart : Democracy in plural societies –A comparative exploration (New Haven : yala university press) , 1977 , pp. 61-63 .

35 أحمد عادل : الأحزاب السياسية و النظم الانتخابية ، مرجع سابق ، ص 116-117 .

36د. فاروق يوسف احمد : النظم السياسية ، مرجع سابق ، ص147 .

37د. عبد الهادي الجوهري : أصول علم الاجتماع السياسي ، القاهرة ، الهيئة العامة للكتاب ، 2000 ، ص42-43 .

38إيمان محمد حسن : وظائف الأحزاب السياسية ، مرجع سابق ، ص66 .

39د. كمال محمود المنوفي : أصول النظم السياسية ، مرجع سابق ، ص197-198 .

40د. فاروق يوسف احمد : النظم السياسية ، مرجع سابق ، ص157 .

41د. نبيلة عبد الحليم كامل : الأحزاب السياسية ، نرجع سابق ، ص100-101 .

42 فتحي فكري : القانون الدستوري ، مرجع سابق ، ص20-21 .

43 د. أسامة الغزالي حرب : الأحزاب السياسية ، مرجع سابق ، ص203 .

44 د. فاروق يوسف احمد : الأحزاب السياسية ، مرجع سابق ، ص161 .

45 د. هالة مصطفي : الأحزاب ، مركز الدراسات السياسية و الاستراتيجية بالأهرام ، سلسلة موسوعة الشباب السياسية ، رقم 2 ، 2000 ، ص68 .

46 د. كمال محمود المنوفي : أصول النظم السياسية ، مرجع سابق ، ص325 .

47 د. عبد الهادي الجوهري : أصول علم الاجتماع السياسي ، مرجع سايق ، ص39 .

48د. كمال محمود المنوفي : أصول النظم السياسية ، مرجع سابق ، ص326 .

49د. محمد علي محمد : دراسات في علم الاجتماع السياسي ، دار الجامعات المصرية ، 1975 ، ص139-140 .

50د. فاروق يوسف احمد : الأحزاب السياسية ، مرجع سابق ، ص160 .

51د. أسامة الغزالي حرب : الأحزاب السياسية ، مرجع سابق ، ص197-198 .

52د. فاروق يوسف احمد : الأحزاب السياسية ، مرجع سابق ، ص167 .

53د. محمد علي محمد : دراسات في علم الاجتماع السياسي ، مرجع سابق ، ص391 .

54د. إكرام بدر الدين و د. عبد الغفار رشاد : الرأي العام المصري و قضايا الديمقراطية و الهوية – دراسات ميدانية استطلاعية ، مكتبة نهضة الشرق ، 1985 ، ص16-17 .

55 إيمان محمد حسن : وظائف الأحزاب السياسية ، مرجع ساق ، ص72 .

56 د. نبيلة عبد الحليم كامل ، الاحزاب السياسية ، مرجع سابيق ، ص97-98 .

57 د. أسامة الغزالي حرب : الأحزاب السياسية ، مرجع سابق ، ص188-189 .

58د. إكرام بدر الدين و د. عبد الغفار رشاد : الرأي العام المصري ، مرجع سابق ، ص18-19 .

59 Huntington Samuel :political order in changing societies , (New Haven : yale univeresity press,1968) , p.407 .

60 د. هالة مصطفي : الأحزاب ، مرجع سابق ، ص67 .

61 د. إكرام بدر الدين ود. عبد الغفار رشاد : الرأي العام المصري و قضايا الديمقراطية و الهوية ، مرجع سابق ، ص21-22.

62Huntington Samuel : political order in changing societies , op cit., pp. 397-399.

63 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

أبو زيد عادل القاضي

باحث مصري، يعد للحصول على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، جامعة القاهرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى