أوروبا وأمريكاقلم وميدان

نيوزيلندا: عام على مذبحة كرايستشيرش .. كنت شاهداً

رغم مرور عام على مذبحة كرايستشيرش فى نيوزيلندا إلا أن صدمة الحدث مازالت على الوجوه حتى اللحظة بين سكان نيوزيلندا، لم يعرف العالم عن هذه البلد الخلابة الهادئة أي حوادث إرهابية من قبل، بلد شعارها الحب (Aroha) وأروهــا تــعــني الحــب فــي لــغــة المــاوري (السكان الأصليين)، وتعنى أيضا الحب فى لغة الكيوي (النيوزلنديين الجدد).

نيوزيلندا بلد متعدد الثقافات بكل ما يتخيله العقل البشرى من معنى، ويعيش الجميع فى سلام ومودة ومحبة وعدل وحرية وأمان لا حدود له، لم يتخيل أحد أن تكون هذه المذبحة التى هزت العالم كله، على أرض الحب والسلام.

اليوم المشؤوم

فى 15 مارس 2019 استيقظت مدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا، على خبر الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجدين، فى مشهد لا يصدق إلا فى أفلام العنف والحروب قام المسلح الإرهابي بفتح النار على المصلين أثناء صلاة الجمعة وقُتل 50 شخصاً، وأصيب 50 آخرون، وعثرت الشرطة على سيارتين ملغومتين وأَبطَلت مفعول المتفجرات فيهما.

بث القاتل المذبحة كلها على مقطع فيديو مباشر على الإنترنت أثناء ارتكابه المذبحة داخل المسجد، وأظهرت اللقطات القاتل مرتدياً لباس القتال ويفتح النار من بندقيته داخل المسجد مسقطاً العشرات بين قتيل وجريح.

ويُظهر الفيديو السلوك الهادئ لضحايا الغدر والإرهاب والذي يدل بشكل واضح بأنهم لا يشعرون بأي غدر على هذه الأرض، حتى إن داوود نبي وهو أول شهداء المذبحة، قد قام بتحية القاتل قبيل مقتله ونداه بأخيه (Hello Brother).

القاتل يميني متطرف، كان ينشر باستمرار صوراً لبندقيته مصحوبة بكتابات متطرفة، ونشر بياناً من 87 صفحة قبل ارتكاب جريمته بساعات، عنوانه “الاستبدال العظيم” في إشارة إلى نظرية مؤامرة الإبادة الجماعية البيضاء، في البيان أيضاً، قال إنه كان يخطط لهجوم قبل عامين وأنه اختار مدينة كرايستشيرش قبل الحادث بثلاثة أشهر، وأعلن أنه كان “شيوعياً” و “أناركياً” و “متحرراً”.

جاسيندا أرديرن

رئيسة وزراء نيوزليندا تعانق إمرأة مسلمة
رئيسة وزراء نيوزليندا تعانق إمرأة مسلمة

أبهرت رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن العالم كله منذ اللحظات الأولى للحادث، كانت أول التصريحات لها بأنه حادث إرهابي، وتواجدت أرديرن مع أهالي الضحايا منذ الساعات الأولى للحادث واضعة غطاء الرأس عليها من بابا التأكيد أن الحزن واحد فى نيوزيلندا.

وقالت أرديرن وقتها “نيوزيلندا تعاني معكم، نحن واحد”، واستشهدت رئيسة الحكومة النيوزيلندية فى كلامها بحديث نبوي شريف قائلة “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.

وتعهدت جاسيندا أرديرن، فى خطابٍ ألقته أمام البرلمان، بعدم نطق اسم مُنفِّذ الهجوم بمدينة كرايستشيرش أبداً، وقالت متوسلة إلى الجميع ألا يذكروا اسم القاتل الذى أراد الشهرة.

الشرطة النيوزيليندية

نساء من الشرطة النيوزلندية تضع الحجاب تضامنا مع المسلمين

نأسف أن نقول بأن جهاز الشرطة فى مجتمعاتنا العربية والإسلامية، هو العدو الأول للشعوب، لأن وظيفته الأولى هو تحقيق الأمن والأمان لمن يجلسون على عروش الحكم، أما ما شهدناه بعد مذبحة كرايستشيرش شيء آخر عما هو مألوف فى مجتمعاتنا، أو حتى بعض المجتمعات فى أوروبا وأمريكا، فبالورود والسلاح وارتداء الحجاب الإسلامي كنوع من التضامن والدعم النفسي للضحايا من قبل بعض أفراد الشرطة من النساء، وقع العالم بأسره في حب الشرطة النيوزيلندية.

اتخذت الشرطة فى نيوزيلندا بعد 72 ساعة من الحادث الإرهابي، قوانين جديدة صارمة بشأن امتلاك أسلحة نارية تحظر حيازة أسلحة نارية نصف آلية عسكرية الطراز وغيرها من الأدوات، وأعطت الشرطة مهلة حتى سبتمبر 2019 لتسليم الأسلحة، وبالفعل سرعان ما قام السكان المحليون بتسليم آلاف القطع للشرطة.

الإعلام النيوزلندي

كان للإعلام النيوزلندي دور فعال لبث الطمأنينة بين مسلمي نيوزيلندا، والتأكيد المستمر بأن الجرح واحد وأن الألم واحد، وكانت التغطية واسعة على سير محاكمة الإرهابي، بالإضافة إلى التغطية المستمرة لكل حملات التضامن سواء الرسمية أو غير الرسمية.

قامت وسائل الإعلام النيوزيلندية ببث مباشر لآذان الصلاة لأول صلاة جمعة بعد المذبحة، كشكل من أشكال التضامن مع المسلمين.

كما أعلنت كل وسائل الإعلام فى نيوزيلندا عن وقفة صمت لمدة دقيقتين فى هذه الجمعة أيضاً، وغطى الإعلام حفل تأبين الضحايا وشارك في هذه المناسبة ممثلين عن 59 دولة ووفود عن عدد من المنظمات الرسمية والأهلية بينها منظمة التعاون الإسلامي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي حملت اسم “كلنا واحد”.

المجتمع النيوزلندي

عام على مذبحة كرايستشيرش-3

عن تجربتي الشخصية وكوني كنت حديثة العهد بالحياة فى نيوزيلندا وقت المذبحة، فكان هناك كسرة قلب شديدة اجتاحت القلوب فى نيوزيلندا، إلا أن الحب والرحمة والتضامن الواسع الذى قام به المجتمع النيوزلندي بكل أطيافه كان له تأثير قوى لتضميد الجراح النازفة، ونبذ الفرقة ورفض العنصرية.

دعت الحركات المجتمعية النيوزيلندية المواطنين من جميع الأطياف، إلى مشاركة مسلمي نيوزيلندا فى المساجد، لإظهار الدعم لهم بعد الحادث، وتحت هاشتاغ #head scarf for harmony التي تعني «حجاب من أجل الألفة» قالت الحركة، نريد أن نعبر عن حبنا ودعمنا وأننا حزانى لفقدان 50 أماً وأباً وطفلاً وزميلاً وصديقاً فى الهجوم الإرهابي بكرايستشيرش.

ولا ننسي الدعم الواسع من قبل شعب الماوري (السكان الأصليين في نيوزيلندا) وأدائهم لرقصة «هاكا – Haka» خارج مسجد النور في كرايستشيرش وأماكن متعددة.

الإسلاموفوبيا

يُعَّرْف مصطلح “الإسلاموفوبيا” بأنه الخوف الجماعي المرضي من الإسلام والمسلمين، لكنه في الواقع نوع من العنصرية، فللعنصرية أشكال متعددة منها العنصرية على أساس العرق أو اللون أو الدين أو النوع على سبيل المثال.

وبعد هجمات 11 سبتمبر 2001، والتي وقعت في الولايات المتحدة، تم استعمال مفهوم “الإسلاموفوبيا” بشكل واسع، ولكن أرى أن سبب الإسلاموفوبيا الحقيقي ليست تلك الأحداث، وإنما احتواء التاريخ على الكثير من وقائع الصراعات بين الإسلام والغرب، والتي يعود تاريخها إلى عصر الفتوحات الإسلامية، وهو ما يحتاج بالفعل إلى توضيح للغرب من قبل المختصين والمستشرقين، خاصة أن الصورة المنقولة عن تلك الفتوحات أنها عداء ودم وقتال.

وتؤكد مذبحة كرايستشيريش هذا الكلام بشكل واضح، ولكن ما هو غير واضح حتى بعد مرور عام كامل على المذبحة، هو استمرار الخطاب المعادي للإسلام ليس فقط من أتباع اليمين المتطرف ولكن أيضا هناك تصريحات توصف بالمقززة تصدر من بعض السياسيين والإعلاميين، تشجع على مثل هذه الأنواع من الهجمات وتزيد من الحقد العنصري.

بالإضافة أنه لا يوجد علاقة بين الدين الإسلامي والواقع المرير الذي تعيشه الشعوب الإسلامية، فالشعوب الإسلامية تعانى منذ قرون من تداعيات السياسات الديكتاتورية لحكام لم تختاروهم الشعوب ولم يصوتوا لهم، فكانت النتيجة الطبيعية لسرقة موارد البلاد هي جهل متعمد وإفقار للشعوب من قبل حكام معترف بهم بالخارج فقط، ومدعومين من ممن ينادون بالحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان.

ختاماً

وفى النهاية يجب أن ينتبه العالم كله إلى أن مذبحة كرايستشيرش هي نتيجة متوقعة لتصاعد حملات التحريض والإسلاموفوبيا ضد المسلمين التي يتزعمها اليمين المتطرف فى العالم، ولم يكن اختيار مكان المذبحة فى المدينة الهادئة اختياراً عشوائياً، وإنما كان استهداف أبعد بقاع الأرض مقصود حتى يسمع به العالم كله.

ما فعلته نيوزيلندا حكومة وشعبا شيء عظيم، ولكنه غير كافي لمواجهة تكرار هذا الإرهاب، فعلى العالم كله أن يستيقظ، وأعتقد أنه آن الأوان لسنّ قوانين واضحة يمكن تطبيقها على المسؤولين لضمان عدم تكرار مثل تلك الحوادث الإرهابية، فالإرهاب لا دين له وهذا ما يتضح جلياً للعالم كله بعد مذبحة كرايستشيريش.

برينتون تارانت الاستبدال العظيم

إقرأ أيضا: برينتون تارانت الاستبدال العظيم

أسماء شكر

باحثة وإعلامية مصرية، وحدة الدراسات الإعلامية، المعهد المصري للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى