ملفات

هل مصر مرشحة لأن تصبح بؤرة لتوطن فيروس كورونا؟

في السابع من يناير الماضي تم الإعلان عن ظهور فيروس كورونا بالصين. ومنذ ذلك الحين وحتى الرابع عشر من فبراير، تاريخ ظهور أول حالة بمصر، كانت الدولة المصرية تتحدث عن تعظيم الإجراءات الاحترازية بجميع منافذ الدولة، وتفعيل نظام الحجر الصحي بالمطارات والموانئ لمنع دخول الفيروس إلى مصر. وفي تلك الأثناء توالت الإعلانات الدولية باكتشاف حالات قادمة من مصر وصاحب تلك الإعلانات المتوالية تأكيدات متتالية من وزارة الصحة المصرية بخلو مصر من الفيروس، وهذا ما أدى لتصاعد الضغوط وتوجيه الاتهامات المتتالية لوزارة الصحة المصرية بأنها عاجزة عن اكتشاف الحالات المصابة بفيروس كورونا، كما أعرب المصريون عن قلقهم بشأن نقص الشفافية من الحكومة وتزايدت التساؤلات حول احتمالية إخفاء العدد الحقيقي للإصابات الناجمة عن الفيروس في مصر.

في الوقت ذاته ومع انتقال وانتشار الفيروس في جميع أنحاء العالم ، وعلى عكس العديد من البلدان الأخرى في المنطقة ، وفي جميع أنحاء العالم ، لم تغلق مصر المدارس ، أو توقف صلاة الجمعة أو تمنع الأحداث الرياضية للحد من انتقال الفيروس، ومع تزايد الحالات المكتشفة بمصر حتى وصلت ل109 حالة بالإضافة إلى وفاة حالتين، بالإضافة إلى تزايد الضغوط الدولية بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا تحول إلى جائحة عالمية، بالإضافة إلى الإجراءات شديدة الصرامة في العديد من دول العالم وكذلك الدول العربية مثل السعودية والأردن والكويت، أعلنت الحكومة المصرية اتخاذ عدة إجراءات لمواجهة كورونا كان أبرزها تعليق المدارس والجامعات لمدة أسبوعين، ورصد 100 مليار جنيه لتفعيل إجراءات مواجهة كورونا.

وبغض النظر عن اللغط المثار حول احتمالية إخفاء النظام المصرى العدد الحقيقي للإصابات، وما يترتب عليه من تكهنات بشأن الأسباب الحقيقية لهذا الإخفاء، فإن التساؤل الأهم الذي تسعى الدراسة إلى الإجابة عليه هو: هل مصر مرشحة لأن تكون بؤرة لتوطن فيروس كورونا؟ وما الإجراءات التي يجب اتخاذها لتقليل هذا الاحتمال؟

وبناءً على هذا الطرح سيتم تقسيم الدراسة كالتالي:

أولاً: خبرات مصر السابقة في التعامل مع الفيروسات،

ثانيا: الإشكاليات المرتبطة بالحالة العمرانية،

ثالثا: تقييم القدرات الوقائية، (تراجع المؤشرات الوقائية – تردي مستشفيات الحميات)،

رابعا: فشل الإجراءات الاحترازية بالمطارات،

خامسا: إجراءات مواجهة كورونا.

أولا: خبرات مصر السابقة في التعامل مع الفيروسات

واجهت مصر إخفاقات متعددة في مواجهة الأمراض الفيروسية حتى إنها أصبحت الدولة الأعلى إصابة على مستوى العالم بفيروس سي إلى أن تم اكتشاف علاج للفيروس في عام 2014، كما توطنت بها أنفلونزا الطيور وأصبحت الدولة الأكثر إصابة على مستوى العالم، بالإضافة إلى فشلها في مواجهة إنفلونزا الخنازير، ولم تستطع مواجهة الفيروس إلى أن تحَور وتحوّل إلى أنفلونزا موسمية.

وفيما يلي عرض موجز لحالة مصر في التعامل مع الفيروسات الثلاث سالفة الذكر:

– فيروس سي

أشرنا في دراسة سابقة بعنوان “السياسات الصحية بعد 2013 – فيروس سي نموذجاً” إلى أن سياسات الدولة كانت السبب الأكبر الذي ساهم في انتشار المرض في مصر, والذي ينقل عن طريق الدم, نتيجة لاستخدام المحاقن الزجاجية متعددة الاستخدام لأكثر من فرد أثناء مرحلة مكافحة البلهارسيا، كذلك عدم إتباع الإرشادات والمواصفات الوقائية بالنسبة لمرضى الغسيل الكلوي بسبب تعاقب المرضى على أجهزة الغسيل الكلوي، ومن خلال عمليات نقل الدم وبدون أن تخضع عملية نقل الدم لإجراءات التحليل بل كانت تخضع لنظام توافق الفصيلة فقط.، وضعف رقابتها على عيادات الأسنان، ومحلات الحلاقة[1].

– أنفلونزا الطيور (H5N1)

ظهرت أنفلونزا الطيور في مصر في فبراير عام 2006، وانتقلت إلى البشر في مارس من نفس العام حين سجلت مصر أول إصابة بشرية بأنفلونزا الطيور، وقد توطن المرض بمصر وأصبحت مصر أكبر بؤرة عالمية نتيجة لارتفاع معدل الإصابات البشرية بها، فقد حققت مصر في الفترة من نوفمبر 2014 وحتى فبراير 2015، 101 حالة إصابة بشرية بفيروس أنفلونزا الطيور[2] .

وقد أكد جون جبور ممثل منظمة الصحة الحالي بمصر ومسؤول وحدة الأمراض الطارئة بالمكتب الإقليمي للشرق الأوسط أن من أهم أسباب سرعة انتشار الفيروس في مصر أن مصر مدينة كاملة متكاملة على ضفاف نهر النيل وهذه الطبيعة الجغرافية تجعل المناطق متشابكة مع بعضها؛ وأي وباء بالعالم يحتاج للسيطرة عليه أن يكون فى منطقة صغيرة يمكن السيطرة عليها، كما أشار إلى أن المنظمة طلبت من مصر التخلص من مزارع الخنازير المجاورة لمزارع الدواجن لأنها تساهم في نقل المرض للدواجن، وأن مصر استجابت لهذا الطلب[3].

وفي عام 2009، نشرت صحيفة المصري اليوم تقريراً عن دراسة علمية أعدها باحث يعمل استشاري تغذية بمعهد بحوث الإنتاج الحيواني أكد خلالها أن كارثة انتشار وباء أنفلونزا الطيور بين البشر ستبدأ من مصر، بسبب توطن المرض بها، وبسبب مزارع الخنازير المنتشرة بين الكتل السكنية، وأن الحكومة لم تتنبه لواقعة نفوق 90 خنزيراً عام 2006 بمزارع البراجيل والمعتمدية، واعتبرتها نتيجة «مرض غامض»، إضافة إلى تجاهلها تحذيرات منظمة الصحة العالمية لمصر ومطالبتها بسرعة نقل مزارع الخنازير خارج الكتل السكنية [4].

– أنفلونزا الخنازير H1N1

ظهرت أنفلونزا الخنازير في مصر في عام 2009؛ وبالرغم من أن مصر اتخذت عدة إجراءات إيجابية مثل قرار ذبح الخنازير والتي كان يقدر عددها بـ 200 إلى 300 ألف خنزير، كذلك قرار تأجيل الدراسة حتى الثالث من أكتوبر 2009، إلا أن مصر قد أخفقت في هذا الملف نظراً لأنها لم تستجب لتوصيات منظمة الصحة العالمية بضرورة التخلص من مزارع الخنازير الموجودة بالكتل السكنية، وفي هذا الصدد قد نشرت المصري اليوم 2009 تقريراً حول دراسة لأحد الباحثين بمعهد بحوث الإنتاج الحيواني أشار فيها إلى أن منظمة الصحة العالمية حذّرت فى مارس سنة 2008، من انتشار فيروس أنفلونزا الخنازير فى مصر في شتاء عام 2009 ، وبخاصة فى ظل تربية أكثر من 300 ألف خنزير بمختلف المحافظات المصرية[5] .

ثانيا: الإشكاليات المرتبطة بحالة العمران والبيئية المصرية

هناك عدة معوقات مرتبطة بحالة العمران في مصر والتركيبة السكانية والعوامل البيئية تجعل القدرة على التحكم في الفيروسات ليست بالأمر اليسير، ومن أهم تلك المعوقات:

– توزيع السكان في مصر

تعتبر مصر دولة صحراوية يتوسطها نهر النيل، وقد أدى ذلك إلى تركز ما يقرب من 95% من سكان مصر على امتداد نهر النيل ومنطقة الدلتا، وقد نتج عن ذلك التركيب السكاني بالإضافة إلى الكثافة السكانية المرتفعة تلاحماً وتداخلاً سكانياً يسْهل معه انتشار الفيروس عبر الأنشطة السكانية المختلفة.

– المشاكل المرتبطة بالمركز

تعتبر مصر دولة مركزية ومركزها إقليم القاهرة الكبرى ( القاهرة-الجيزة-القليوبية)، وقد أثر ذلك التمركز على الخدمات الطبية والتوزيع السكاني وما يترتب عليه من مشكلات مرتبطة بالكثافة السكانية، وبالتالي فإن المركز دائماً مهدد بتفشي الأوبئة والفيروسات أكثر من الأقاليم الأخرى والأطراف:

1- الخدمات الطبية.

فيما يخص توزيع الخدمات الصحية، فإن القاهرة تحتكر منظومة العلاج على نفقة الدولة وبالتالي فإن قرارات العلاج على نفقة الدولة لأكثر من 40% من السكان تصدر من القاهرة، كما أن القاهرة تحتكر مستشفيات الحميات الكبرى (حميات امبابه-حميات العباسية) والمستشفيات الجامعية، ومستشفيات وزارة الصحة الكبرى مثل معهد ناصر ودار الشفا والهلال للعظام.

وفي القاهرة توجد الإدارة العامة للمعامل المركزية بوزارة الصحة والسكان والمسؤولة عن تحليل فيروس سي للعاملين بالدول الخليجية، وقد شاهدنا منذ أيام التدفقات البشرية الكثيفة أمام المعامل من أجل تحليل فيروس كورونا[6] .

2- مشكلات الكثافة السكانية.

ساهمت الكثافة السكانية المرتفعة في إقليم القاهرة الكبرى في خلق تحديات كبرى أمام أي إجراءات وقائية؛ وذلك نظرا لوجود مناطق عشوائية كثيرة، بالإضافة إلى الضغط على المرافق الحيوية مثل مترو الأنفاق، ومشكلات القمامة والمصانع والغازات السامة المنبعثة منها، وتلويث ماء النهر بمخلفات تلك المصانع، وعدم القدرة على السيطرة على الأسواق وضعف الرقابة على الأغذية، وانتشار الباعة الجائلين والأطعمة المكشوفة.

– الخصائص السكانية

يعاني المجتمع المصري من انخفاض مستوى التعليم وانتشار الأمية، وانخفاض مستوى المعيشة وارتفاع معدل الفقر، وانتشار العشوائيات، في المقابل لم تستطع وزارة الصحة والسكان من خلال برامجها الوقائية رفع مستوى التثقيف الصحي للسكان، وتحفيز السلوك الوقائي لديهم والتعريف بأهميته في تقليل الإصابة بالأمراض، وانصب تركيزها على التوعية ببرامج تنظيم الأسرة وتحديد النسل ووسائل منع الحمل.

ثالثا: تقييم القدرات الوقائية

تعاني مصر من تراجع مؤشرات مكافحة العدوى بالمستشفيات الحكومية، وفي هذا السياق فقد أشار الدكتور علاء الغنام، خبير السياسات الصحية ومدير برنامج الصحة وحقوق الإنسان بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن 70% من حالات الإصابة بالفيروسات الكبدية سببها عدم تفعيل إجراءات مكافحة العدوي داخل مستشفيات وزارة الصحة في جميع أنحاء الجمهورية، مؤكدا أن البرنامج الخاص بمكافحة العدوي داخل المستشفيات الذي وضعه قطاع الطب الوقائي بوزارة الصحة بالجيد والقادر فعلياً على مكافحة العدوى والقضاء عليه، وعلى الرغم من ذلك إلا أنه مجرد حبر علي ورق، مما تسبب في نشر العدوي سواء بين المرضي أو بين الأطباء داخل المؤسسات الطبية[7].

انتشار العدوى بين الأطباء والتمريض، حيث يقول مدير مكتب الإعلام فى نقابة الأطباء، الدكتور هاني مهنى، إن النقابة لا تمتلك إحصاء بعدد أعضائها الذين أصيبوا بالعدوى منذ عام ٢٠١٣، لكنه أشار إلى أن «النقابة تقدر عددهم بالآلاف، موضحا أن «نسبة إصابة الأطباء فى مصر بالعدوى تتراوح بين ١٢ و١٣٪ من إجمالي عدد المُشتغلين فى المهنة، وعادة يكتشف الأطباء إصابتهم بالعدوى صدفة[8].

– ضعف البنية التحتية لمستشفيات الدولة

يعتبر ضعف البنية التحتية بالمستشفيات من التحديات الكبرى التي تواجه الدولة المصرية في حال انتشار فيروس كورونا، كما تعاني المستشفيات أيضاً من عجز شديد في أسِرّة الرعاية المركزة، وفي هذا الصدد فقد طالب نقيب الأطباء حسين خيرى عبد الفتاح السيسي بضرورة إطلاق مبادرة لدعم أسِرّة الرعاية المركزة بالمستشفيات، لكنه لاقى هجوماً عنيفاً من إعلام النظام حتى إن نقابة الأطباء أصدرت بياناً في فبراير الماضي تستنكر تلك الحملة غير المبررة بوصفها معركة وهمية حول قضايا بديهية[9].

– الخلل البنيوي بمستشفيات الحميات

وأوضحت وزيرة الصحة، الدكتورة هالة زايد، أن مستشفيات الحميات يكمن دورها في اكتشاف أي حالة ترتفع درجة حرارتها ومشتبه بها، ونقلها بعد ذلك للمستشفيات المخصصة للحجر الصحي، وفي حالة التأكد يتم تحويلها إلى مستشفى العزل[10].

وبالرغم من أن مستشفيات الحميات من المفترض أن تكون هي مستشفيات العزل الطبي للمصابين بفيروس كورونا إلا أن هذا التصريح ينطوي على حقيقتين متناقضتين وهما أن مستشفيات الحميات هي خط الدفاع الأول المكلف بالتصدي للأمراض المعدية والوبائيات بشكل عام ومنها كورونا المستجد، أما الحقيقة الثانية، وهي ما سوف نعرض له لاحقاً، أن مستشفيات الحميات غير مجهزة لاستقبال حالات العزل من كورونا، هذا وتعاني مستشفيات الحميات في مصر من أزمة هوية، فقد واجهت مستشفيات الحميات عدة قرارات وزارية أحدثت خللاً في تركيبة تلك المستشفيات، ومن أهم تلك القرارات:

– إلغاء 70 مستشفى حميات

قرار وزير الصحة بالإلغاء: قام وزير الصحة حاتم الجبلي فى فبراير 2008 بإغلاق 70 مستشفى حميات من أصل 106 بحجة أن نسبة الإشغال أقل من 25%، مما أدى إلى حدوث كارثة حينما اجتاح وباء أنفلونزا الخنازير مصر فى العام التالي 2009، واضطر الوزير لإدخال المرضى فى المستشفيات العادية مما أدى لحدوث حالات عدوى كثيرة بين المرضى بتلك المستشفيات والممرضات والأطباء[11] .

– التبعية المزدوجة

قام الدكتور عمرو حلمي وزير الصحة الأسبق بتقسيم تبعية الحميات ما بين الطب الوقائي والطب العلاجي فأسند للطب الوقائي المسئولية الإدارية وأسند للطب العلاجي المسئولية الفنية وتاهت تبعية مستشفيات الحميات أكثر وأكثر في ظل هذا القرار.

– نقل التبعية للقطاع الوقائي

ووافق مؤخراً الدكتور أحمد عماد، وزير الصحة والسكان، على نقل الإدارة العامة لمستشفيات الحميات من قطاع الطب العلاجي إلى قطاع الشئون الوقائية وفقاً لقرار وزير الصحة رقم 31 لسنة 2017 [12].

– تأخر الدخول ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل

أدى قرار نقل تبعية مستشفيات الحميات من الطب العلاجي إلى الطب الوقائي إلى تأخر دخولها ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل باعتبارها تتبع المكون الوقائي وليس المكون العلاجي، وتأثير ذلك القرار على مستقبل مستشفيات الحميات أنه يجعلها خارج أولويات برامج التطوير ورفع الكفاءة.

ففي بور سعيد تم اعتماد سبع مستشفيات وهي مستشفيات: “السلام بورسعيد، الحياة بورفؤاد، الرمد التخصصي، أطفال النصر التخصصي، التضامن، النساء والولادة، الزهور التخصصي) ولم يتم اعتماد مستشفى حميات بورسعيد داخل منظومة التأمين الصحي الشامل، وهو ما ترتب عليه اعتراضات من العاملين بمستشفى الحميات ومطالبات بالدخول في المنظومة[13].

كما طالبت نقابة الأطباء بضرورة ضم مستشفيات الصدر والحميات للمنظومة، حيث إن هذه المستشفيات تقدم أيضاً خدمات علاجية، وبالتالي يجب ضمها للطب العلاجي حتى يتسنى ضمها لمنظومة التأمين الصحي، وأن الطب الوقائي لن يدخل فى المنظومة طبقا للقانون الجديد[14].

– ندرة أطباء الحميات

أكد الدكتور عبد الحميد أباظة نائب وزير الصحة السابق أن هناك أمر في غاية الخطورة وهو أن أطباء الحميات أصبحوا عملة مندثرة، لافتاً إلى أنه قديماً كان يوجد أطباء للحميات لهم عيادات متخصصة لأمراض الحميات والأمراض المعدية ولكن الآن اصبح طبيب الحميات هو طبيب أمراض الباطنة التي يندرج تحتها الجهاز الهضمي والكبد والكلى والأمراض المعدية، ليس متخصصاً في أمراض الحميات، وأوضح أنه يجب على الجامعات أن تعيد تخصص الحميات ويدرس فيه الطبيب رسالة الماجستير والدكتوراه وكان في السابق يجري الطبيب دبلومة في الحميات[15].

ومن المهم الإشارة إلى أن القاسم المشترك بين السياسات الصحية من حاتم الجبلي وحتى هالة زايد تجاه مستشفيات الحميات هو الإهمال وعدم تقديم الدعم المالي أو الفني لتلك المستشفيات وهو ما جعل أهم مستشفيين للحميات في مصر وهما مستشفى حميات العباسية ومستشفى حميات امبابه يعانون من نقص الإمكانات والإهمال الشديد، بالرغم من أن مستشفيات الحميات هي خط الدفاع الأول لمواجهة الأوبئة والفيروسات والأمراض المعدية بشكل عام، وفيما يلي عرض مبسط للحالة التي أصبحت عليها المستشفيان الكبيران:

بالنسبة لحميات العباسية

لم تشهد حميات العباسية منذ بداية ظهور أنفلونزا الطيور في عام 2006 ثم الخنازير عام 2009، ثم كورونا عام 2014 وحتى الآن أي تطوير بالرغم من كونها أكبر مستشفى حميات في مصر ومقرها قلب العاصمة المصرية بمنطقة العباسية.

وقد نُشرت تقارير متعددة بالصحف المصرية المختلفة تتحدث عن الإهمال وانتشار القطط بالمستشفى ووجودها على أسِرّة المرضى، وفي عام 2014 عندما استقبلت المستشفى حالات مصابة بفيروس كورونا عندما ظهر الفيروس بمصر، كما أعدت جريدة المصري اليوم تقريراً مصوراً يبرز أجوه التقصير بالمستشفى الشهير[16] .

ومازال وضع حميات العباسية في غاية السوء، والمستشفى تحاول أن تحصل على تبرعات وزكوات بسبب ضعف الميزانية المخصصة لها[17]، وما زال الإهمال والتكدس وسوء التنظيم مستمراً[18] بالرغم من أن المستشفى تقوم بتوقيع الكشف الطبي فقط وليست مخصصة للعزل.

أما بالنسبة لحميات امبابه، فعند ظهور كورونا لأول مرة عام 2014 أعدت المصري اليوم أيضاً تقريراً من داخل حميات إمبابة يستعرض أوجه التقصير والإهمال ومعاناة المرضى وذويهم وانتشار القطط داخل المستشفى[19] .

ومن العرض السابق يتبين أن السياسات الصحية تجاه مستشفيات الحميات لم تتغير بالرغم من تغير الوضع الوبائي في مصر منذ عام 2006 حينما شهدت مصر تفشياً لأوبئة خطيرة متمثلة في أنفلونزا الطيور ثم الخنازير في 2009، وكورونا قبل أن يتحور في عام 2014؛ كل ذلك لم يدفع الحكومات المتعاقبة لإدراك أهمية تفعيل دور مستشفيات الحميات ولم تقم بتطويرها، ولم تهتم بتعظيم الاستفادة منها في الأزمة الحالية واكتفت فقط بجعلها مقراً للكشف عن كورونا ولم تقم بمهامها الأساسية في عزل المرضى ومتابعة حالتهم الصحية.

رابعا: فشل خطة الحجر الصحي بالمطارات

بعد ظهور فيروس كورونا المستجد بالصين في السابع من يناير الماضي سارعت وزارة الصحة المصرية بالإشارة إلى أنها وضعت خطة احترازية لمنع دخول الفيروس إلى مصر من خلال اتباع إجراءات الحجر الصحي بالمطارات والموانئ المصرية، لكن هذه الخطة بائت بالفشل وتمكن الفيروس من دخول البلاد، والأكثر غرابة أن العائدين من مصر مثلوا تحدياً كبيراً أمام قوة تلك الإجراءات، فقد تم اكتشاف ما يقرب من 100 حالة مصابة بفيروس كورونا عائدة من مصر[20].

كما أكدت النائبة البرلمانية إيناس عبد الحليم في تصريح لجريدة الشروق المصرية: «كنت في أمريكا منذ يومين، وهبطت للمطار، وكان معي صينيون ومسافرون من جنسيات مختلفة، ولم أجد الحجر الصحي، فسألت عنه، فجاء الرد أنه بالأسفل، فنزلت إلى الأسفل، وسألت مرة ثانية، فكان الرد من المطار أنهم أوقفوا إجراءات الحجر الصحي». وأضافت: «أنا أسأل، هل نحن آمنون لهذه الدرجة أم ماذا؟ [21].

خامسا: الحلول المقترحة

من الضروري أن نُسَلم بحقيقة مهمة بشأن فيروس كورونا المستجد وهي أنه ليس هناك علاج للفيروس حتى كتابة التقرير (23 مارس 2020)، وبالتالي فإن إجراءات المواجهة تتمثل في العزل والوقاية، وتنقسم إلى قسمين هما:

– إجراءات تقوم بها الدولة

1- إغلاق الحدود وتعليق السياحة

لم تستفد وزيرة الصحة من زيارتها للصين ولم تدرك أن الحل الوحيد للتفشي الوبائي لفيروس كورونا المستجد هو العزل فقط كما فعلت الصين، وأن الدول التي نجحت في احتواء الفيروس أو تقليل معدل انتشاره هي الدول التي نجحت في فرض سياسة عزل منضبطة، لكن وزيرة الصحة بعد عدة أيام من عودتها من الصين وبعد ظهور حالات إصابة على مركب نيلي بالأقصر ذهبت يوم 8 مارس إلى الأقصر في زيارة إلى معبد الكرنك لتشجيع السياح على القدوم إلى مصر، وأكدت أن حالة المصابين مطمئنة وأنه لا داعي للخوف والقلق[22] ، وفي نفس اليوم مساء سجلت مصر أول حالة وفاة بفيروس كورونا المستجد لسائح ألماني يبلغ من العمر 60 عاماً[23].

2- فرض إجراءات استثنائية

تقوم الدول عادة في مثل هذه الظروف الاستثنائية بفرض إجراءات استثنائية، ومصر بالفعل بدأت بالتوجه نحو تنفيذ تلك الإجراءات، لكنها بدأت بعد أن بدأ الفيروس في الانتشاء بداخلها، وتتمثل تلك الإجراءات في (تعطيل الدراسة بالمدارس والجامعات- تعطيل المصالح الحكومية باستثناء المصالح الحيوية ومصالح الطوارئ- إلغاء جميع أشكال التجمعات- إغلاق مترو الأنفاق- فرض حظر التجوال في حال اشتداد انتشار الفيروس).

3- تطهير وتعقيم المنشآت والمرافق العامة

من الواجب في مثل تلك الظروف الاستثنائية أن تقوم الدولة بتطهير المرافق والمنشآت العامة من الفيروس، وهو ما بدأ يحدث بالفعل حيث قامت القوات المسلحة بتطهير وتعقيم بعض الكليات والمنشآت الجامعية في عدد من الجامعات المصرية[24] .

– إجراءات مجتمعية

أصدرت منظمة الصحة العالمية عدة تدابير للوقاية الأساسية من فيروس كورونا (كوفيد-19) وهي:

– غسل اليدين بانتظام بالماء والصابون أو فركهما بمطهر كحولي من شأنه أن يقتل الفيروسات التي قد تكون على يديك- احرص على ممارسات النظافة التنفسية- احرص على تغطية الفم والأنف بثني المرفق أو بمنديل ورقي عند السعال أو العطس- تجنب الاقتراب كثيراً من الناس – تجنب لمس عينيك وأنفك وفمك – تجنب المصافحة بالأيدي.

– في حال بدأت تشعر بالتوعك، ولو بأعراض خفيفة كالصداع والحمى المنخفضة الدرجة (37.3 درجة مئوية أو أكثر) ورشح خفيف في الأنف، اعزل نفسك بالبقاء في المنزل حتى تتعافى تماماً. وإذا تطلّب الأمر الاستعانة بشخص ما لإحضار ما تحتاج إليه من لوازم أو كنت مضطراً إلى الخروج لشراء ما تأكله مثلاً، فارتد قناعاً لتجنب نقل العدوى إلى أشخاص آخرين.

– ارتداء القفازات المطاطية في الأماكن العمومية فعال ولكنه لا يمنع الإصابة ‏بعدوى فيروس كورونا المستجد بل المواظبة على غسل يديك العاريتين يضمن لك حماية أفضل من ‏الإصابة بعدوى كوفيد-19 مما ستضمنه القفازات المطاطية. إذ إن من الممكن ‏الإصابة بالفيروس عبر القفازات نفسها. فإذا لمست وجهك يمكن أن ينتقل الفيروس ‏من القفازات إلى وجهك ويصيبك بالعدوى[25].‏

سادسا: نتائج الدراسة

بعد أن قمنا باستعراض المؤشرات التي تجعل من مصر تربة خصبة لنمو فيروس كورونا، فقد خلصنا إلى النتائج التالية:

– أن مصر بسبب طبيعتها الديموغرافية يتحتم على صانع القرار بها أن يستوعب مقتضيات العامل الجغرافي المتشابك والكثافة السكانية العالية، وان يضع نصب عينيه أهمية تفعيل الإجراءات الوقائية بمجرد ظهور أي فيروس قاتل في أي دولة على مستوى العالم.

– إغلاق الجدود ومنع السياحة والعزل أهم أدوات مكافحة الفيروسات في ظل عدم اكتشاف علاج.

– مصر لها ماضٍ سيء مع الفيروسات يحتم عليها أن تتوجه بالإنفاق على القطاع الوقائي وألا ينصب اهتمامها في القطاع الصحي على القطاع العلاجي فقط.

– ضرورة تطوير مستشفيات الحميات وتمكينها من القيام بدورها كمستشفيات للاكتشاف والعزل وليس للاكتشاف فقط، كذلك الاهتمام بطبيب الحميات وإتاحة المجال أمام هذا التخصص بدلاً من الاستعاضة عنه بأطباء الباطنة.

– هناك خطورة على الشعب المصري نتيجة ضعف السياسات الوقائية وعدم اهتمام الوزراء المتعاقبين بها؛ كذلك يتمثل الخطر الأكبر في حظر النشر وإجبار الصحفيين على عدم انتقاد أوضاع المستشفيات وإجراءات الحجر الصحي، وهو ما ينذر بكارثة في ظل نظام قمعي يحجب المعلومات ويسيس قضايا الصحة.


الهامش

[1] – راجع أمجد حمدي، السياسات الصحية بعد 2013: فيروس سي نموذجاً، الرابط

[2] – منظمة الصحة العالمية، المكتب الإقليمي للشرق الأوسط، زيادة حالات أنفلونزا الطيور في مصر، 19 فيراير 2015، الرابط

[3] – حوار جون جبور مع اليوم السابع، 19 يونيو 2008، الرابط

[4] – المصري اليوم، 20 مايو 2009، دراسة: كارثة انتشار وباء أنفلونزا الطيور بين البشر ستبدأ من مصر، تاريخ الاسترداد 2020، الرابط

[5] – المصري اليوم، 20 مايو 2009، دراسة: كارثة انتشار وباء أنفلونزا الطيور بين البشر ستبدأ من مصر، تاريخ الاسترداد 2020، من المصري اليوم، الرابط

[6] – عبد الله الصبيحي، 8 مارس 2020، الآلاف يحتشدون أمام المعامل المركزية لإجراء تحاليل فيروس كورونا | صور، بوابة الأهرام، الرابط

[7] – مصعب فرج، 8 نوفمبر 2015، علاء الغنام: برنامج الصحة لحماية الأطباء من العدوى “حبر على ورق، تاريخ الاسترداد 2020، من الفتح، الرابط

[8] – محمد حميد، 8 ديسمبر 2015، غول العدوى” ينهش الأطباء في المستشفيات، تاريخ الاسترداد 2020، من البوابة نيوز، الرابط

[9] – عاطف بدر، 10 فبراير 2020، الأطباء: الهجوم على النقيب بسبب مبادرة «أسّرة العناية المركزة» معركة وهمية حول قضايا بديهية، المصري اليوم، الرابط

[10] – محمد غالي، 29 فبراير 2020، الصحة توضح: ماذا تفعل إذا شعرت بأعراض كورونا؟ فيديو، الرابط

[11] – كريستين داوود، 9 يناير 2016، حسن خليل : يوضح أهم مشاكل مشاريع قانون التأمين الصحي، تاريخ الاسترداد 2020، من وطني، الرابط

[12] – فاتن خديوي، 19 يناير 2017، الصحة: نقل تبعية مستشفيات الحميات للقطاع الوقائي بالوزارة، تاريخ الاسترداد 2020، من الدستور، الرابط

[13] – طارق الرفاعي، 3 سبتمبر 2019، بالصور.. وقفة للعاملين بمستشفى حميات بورسعيد للانضمام للتأمين الشامل، تاريخ الاسترداد 2020، من اليوم السابع، الرابط

[14] – آية دعبس، 17 فبراير 2020، نقابة الأطباء تطالب الصحة بضم مستشفيات الصدر والحميات للتأمين الصحي الجديد، من اليوم السابع، الرابط

[15] – ريهام سعيد، 8 فبراير 2019، مستشفيات الحميات «تائهة»، تاريخ الاسترداد 2020، من بوابة فيتو، الرابط

[16] – راجع اليوتيوب، الرابط

[17] – آية المليجي، 2 يونيو 2018، حميات العباسي.. معظم المتبرعين مرضى سابقون تماثلوا للشفاء بالمستشفى، تاريخ الاسترداد 2020، من الوطن، الرابط

[18] – راجع اليوتيوب، الرابط

[19] – ريهام العراقي، 11 مايو 2014 ، بالفيديو: مستشفيات الحميات تستقبل المرضى بالقطط والقمامة، تاريخ الاسترداد 2020، من المصري اليوم، الرابط

[20] – الشرق القطرية، 6 مارس 2020، العائدون من مصر قنابل كورونا عشوائية في ظل تكتم الحكومة، الرابط

[21] – إسماعيل الأشول 22 فبراير 2020، نائبة تكشف حقيقة الإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا: الحجر الصحي اتوقف بالمطار، بوابة الشروق، الرابط

[22] – أحمد جمعة، 8 مارس 2020، وزيرة الصحة من معبد الكرنك: السياحة آمنة ولا داعي للخوف، من مصراوي، الرابط

[23] – سكاي نيوز عربية، 8 مارس 2020، مصر تعلن أول حالة وفاة بفيروس كورونا، الرابط

[24] – اليوم السابع، 18 مارس 2020، فيروس كورونا.. القوات المسلحة تطهر وتعقم مبانى جامعة القاهرة، الرابط

[25] – راجع منظمة الصحة العالمية، الرابط

أمجد حمدي

باحث مصري متخصص في السياسات العامة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى