الشرق الأوسطتقارير

إشكاليات تشكيل الحكومة الإسرائيلية بعد انتخابات 2019

أنهى الرئيس الإسرائيلي” رؤوفين ريفلين” الجدل القائم بشأن رئيس الحكومة الجديدة في 25 سبتمبر 2019 حيث كلف “بنيامين نتنياهو” رئيس الوزراء وزعيم حزب الليكود اليميني بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة[1]، وبموجب هذا التكليف يكون أمام نتنياهو مهلة 28 يومًا يلتزم خلالها بتشكيل حكومة ينبغي أن تنال ثقة (61) عضوًا من أعضاء الكنيست الـ 120 مع إمكانية تمديد هذه المهلة لأسبوعين إضافيين (14 يومًا) حسب قانون الكنيست، ولكن التحديات والصعوبات التي تواجه هذه المهمة لاتزال قائمة مما قد يؤدي لحالة من الشلل السياسي. [2]

مبررات تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة

على الرغم من تصدر حزب “أزرق-أبيض” أو كاحول-لافان الذي ينتمي لتيار يسار الوسط بزعامة “بيني جانتس” المركز الأول في الانتخابات التشريعية الأخيرة في 17 سبتمبر 2019- التي أجريت بعد الدعوة إلى انتخابات مبكرة [3]، حيث حل الكنسيت الـ 21 نفسه والذي استمر لمدة شهر ونصف فقط من تاريخ انتخابه إثر الأزمة السياسية التى شهدتها إسرائيل بعد انتخابات 9 إبريل 2019 وفشل “نتنياهو” بتشكيل الحكومة الائتلافية، والذي تمكن في الانتخابات الأخيرة من الحصول على 33 مقعداً من أصل 120 مقعداً في الكنيست، بفارق مقعد واحد عن حزب الليكود حيث حصل الأخير على 32 مقعدًا[4].

وبشكل عام أفرزت نتائج الانتخابات الإسرائيلية عمليًا أربع كتل في الكنيست: كتلة اليمين وتشمل معظم الأحزاب اليمينية ويقودها نتنياهو، وكتلة الوسط يسار بزعامة غانتس، والقائمة المشتركة، وحزب إسرائيل بيتنا اليميني.

إلا أن اليمين الإسرائيلي سيطر على نتائج انتخابات الكنيست الثاني والعشرين، والتي أجريت في سبتمبر 2019، حيث تمكّن الليكود من الحصول على تأييد 55 نائباً لتشكيل ائتلاف بينما حصل منافسه على تأييد 54 نائبًا[5]، لكن لا أحد منهما استطاع الوصول إلى رقم 61 نائباً الذي يتيح تشكيل أغلبية حكومية، مما أدى إلى تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة[6].

موقف زعيم إسرائيل بيتنا

رفض “أفيغدور ليبرمان” اليميني المتطرف زعيم حزب (إسرائيل بيتنا) الانضمام لحكومة نتنياهو، ويحاول ممارسة الضغوط والابتزاز السياسي في اتجاه المصادقة على مشروع “قانون التجنيد” وهو الأمر الذي ترفضه الأحزاب الدينية التي تشكل مصدر قوّة لنتنياهو لا يمكنه التخلي عنها بسهولة[7]، وينص القانون بدوره على إلزام اليهود المتدينين بالخدمة في الجيش أسوة بباقي الإسرائيليين، كذلك يسعى “ليبرمان” لتشكيل حكومة وحدة وطنية علمانية تضم أحزاب “الليكود” و”أزرق- أبيض” و”إسرائيل بيتنا” فقط[8].

رفض بعض أحزاب التكتل اليميني لنتنياهو

هناك أحزاب داخل التكتل اليميني رفضت تأييد نتنياهو ومنها: حزب “در يمينًا” بقيادة زعيمته “شاكيد” والتي صرحت بأنهم أحرار في اتخاذ الموقف الذي يروق لهم، في إشارة إلى توقف دعمهم له أو توجههم لتأييد فصيل آخر[9].

اتهامات بالفساد

بعد تحقيقات الشرطة على مدى فترة طويلة أعلن النائب العام الإسرائيلي “أفيخاي ماندلبليت” توجيه الاتهام لنتنياهو في ثلاث قضايا فساد، وبدأت جلسات الاستماع التي تسبق المحاكمة في 2 أكتوبر 2019، وهو الوقت ذاته الذي يزعم أن يبدأ فيه نتنياهو مفاوضاته لتشكيل الحكومة القادمة[10].

وتتعلق القضية الأولى التي تسمى “الملف 1000″، بتلقي رئيس الوزراء وبعض أفراد عائلته لهدايا فاخرة تتجاوز قيمتها 700 ألف شيكل (240 ألف دولار)، من عدة أثرياء بينهم المنتج الإسرائيلي “الهوليوودي أرنون ميلتشان” والملياردير الأسترالي “جيمس باكر”، مقابل حصولهم على امتيازات مالية شخصية، وفي ظل ذلك حاول نتنياهو تقديم قانون ضريبي كان سيعود بالفائدة على “ميلتشان” بملايين الدولارات لكن وزير المالية آنذاك اعترض على هذا القانون.

وتسمى القضية الثانية بـ “الملف 2000″، ويتهم نتنياهو فيها بمحاولة التوصل إلى اتفاق مع الناشر “أرنون موزيس” مالك الصحيفة المعروفة في إسرائيل “يديعوت أحرونوت”، للحصول على تغطية إيجابية له.

بينما القضية الثالثة المسماة بـ “الملف 4000″، فالمحققون يوجهون شبهة تأمين امتيازات حكومية لرئيس مجموعة بيزيك للاتصالات وموقع “والا” “شاؤول إيلوفيتش” من قبل نتنياهو عادت بأرباح قدرت بملايين الدولارات على “إيلوفيتش” مقابل الحصول على تغطية إيجابية في هذا الموقع[11].

وقد أشار حلفاء نتنياهو إلى استعدادهم لتقديم دعم لمنحه حصانة برلمانية، وهو ما بات مستبعدًا في الوقت الراهن، وفي حال ظل نتنياهو رئيسًا للوزراء، أو تناوب على المنصب، فإن القانون لا يحتم عليه التنحي حتى إذا تم توجيه الاتهام رسميًا له، وأشار بعض المحللين إلى احتمال طرح صفقة يتنحى بمقتضاها نتنياهو عن المنصب في مقابل تقليص التهم الموجهة إليه.

وضع الاقتصاد الإسرائيلي

طالما تحدثت حكومة نتنياهو عن الابتكارات ومشاريع التحديث في تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، لكنها لم تذكر الفقر الذي يجتاح إسرائيل وتسعى إلى تجاهل التقارير التي تتحدث عنه، فقد وصلت معدلات البطالة في إسرائيل ٤%، وانخفضت معدلات النمو إلى ٣.٧% في شهر يوليو 2019، حسب الأرقام الرسمية، فيما بلغ متوسط الراتب في إسرائيل إلى ١١١٧٥ شيكلاً شهريًا أي ما يقدر بـ ٣١٧٥ دولارًا[12].

ووفقًا لمؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلي، يعيش نحو ١.٨ مليون شخص من سكان البلاد تحت خط الفقر، من أصل تسعة ملايين هو عدد السكان الإجمالي، ووفقًا لمعايير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، فإن إسرائيل لا تزال في مرتبة متدنية في مجال المساواة الاجتماعية، وقد حذرت في تقريرها الأخير من تزايد جموع “العمال الفقراء” في إسرائيل، وبالتالي فإن الوضع الاقتصادي لايزال يشكل تحديا أمام الحكومة القادمة.

المنافسة على رئاسة الليكود:

أعرب نتنياهو عن رغبته في إجراء انتخابات تمهيدية داخل حزب الليكود؛ وذلك إنهاءً لما يدور حول وجود تمرد داخل الحزب يحول دون انضمام بعض الأحزاب إلى حكومة وحدة وطنية[13]، ولكشف من يسعون لمنافسته على رئاسة الحكومة والإطاحة بهم، وفي هذا الإطار أعلن “جدعون ساعر” وزير الداخلية والتعليم السابق في حكومة “نتنياهو” وعضو الكنيست عن حزب الليكود، استعداده للمنافسة في هذه الانتخابات[14].

الفشل في توحيد الحزبين المسيطرين

رفض زعيم حزب “أزرق – أبيض” العرض الذي قدمه نتنياهو بتشكيل حكومة وحدة وطنية، من خلال توحيد الحزبين في ائتلاف حاكم برئاسة الأخير، وهو ما رفضه الحزب، ويمكن تفسير هذا الرفض بما يلي: [15]

  • اشتراط حزب أزرق – أبيض أن تكون رئاسة الحكومة لـ “جانتس”، حتى في حال التحالف مع الليكود ينبغي الإطاحة بنتنياهو.
  • الاتفاق بين أعضاء تكتل “أزرق أبيض” تم وضع لائحة موقعة بينهم أنه في حال فوزهم وتكليفهم بتشكيل الحكومة فالولاية الأولى لـ “جايتس” والثانية لـ “أبيد” وبالتالي لا مكان لنتنياهو.
  • تورط نتنياهو في قضايا فساد، وتشكيل مثل هذه الحكومة لن تضمن له الحصول على حصانة أو الإفلات من الاتهامات الموجهة له، فهو يتطلع لمثل هذه الحصانة حتى لا توجه له لائحة الاتهامات بالفساد[16].

وبالتالي فإن “جانتس” آثر أن يأخذ موقف المتربص حيث ينتظر فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة بدلاً من أن يظهر كأنه يستند إلى أصوات العرب المعارضين لـ “الصهيونية”، لاسيما مع تجاهله تأييد القائمة المشتركة لترشيحه لرئاسة الحكومة، وتصريحه في الوقت ذاته بأن الفرص لم تنعدم نهائيًا بشأن تشكيل حكومة وحدة.

الأقلية العربية

التي طالما لجأ نتنياهو إلى استخدامها كفزاعة لترسيخ حكمه، فقد أوصى 10 أعضاء من 13 عضوًا يشكلون القائمة المشتركة التي وضعتها الأحزاب ذات الأغلبية العربية- الفلسطينية في إسرائيل بدعم “جانتس” ليتفوق على نظيره “نتنياهو” ويفوز برئاسة الحكومة – في أول توصية من نوعها لحزب أو قائمة من أصحاب الأغلبية العربية لحزب صهيوني منذ 1992، حين دعم خمسة نواب من عرب إسرائيل لإسحق رابين الحصول على غالبية قبل اتفاقات أوسلو- ويذكر أن هذه الأقلية عانت من القوانين العنصرية التي تم الموافقة عليها وتطبيقها بدعم من اليمين في عهد حكومة نتنياهو، ومن بينها قانوني: القومية و قانون كيمينتس، حيث يمنح قانون القومية اليهود في إسرائيل فوقية على جميع الفئات والأقليات الأخرى، ويعلن إسرائيل وطنًا قوميًا لليهود فقط، فيما يهدف قانون كيمينتس لوضع آليات لتسريع تدمير آلاف البيوت العربية، بدعوى بنائها دون الحصول على ترخيص، ورفع قيمة الغرامات على أصحاب هذه البيوت [17].

وإجمالاً نجد أن هذا الوضع أفصح عن مثالب نظام الحكم المتبع في إسرائيل؛ حيث يعرض الأحزاب الكبيرة إلى الابتزاز السياسي من جانب الأحزاب الصغيرة لتكوين الحكومات، مما يعزز من فرص تشكيل حكومات غير مستقرة مستقبلاً، وهو ما ولد مطالب متزايدة بتغيير النظام المعمول به، حيث ذكر جلعاد شارون الكاتب السياسي بصحيفة (يديعوت أحرونوت) [18]: “أن طريقة الانتخاب لدينا واجبة التغيير، فعندما تتوجه إسرائيل في غضون ٥ أشهر، مرتين إلى الانتخابات ولا نعرف من انتصر، يبدو أن هناك شيئًا خاطئًا يجب تغييره”[19].


الهامش

[1] نتائج الانتخابات تضع إسرائيل بمأزق.. والسيناريوهات محدودة. الرابط

[2] الرئيس الإسرائيلي يكلّف نتنياهو مجدداً بتشكيل الحكومة، الرابط .

[3] نتنياهو: التحديات التي تواجهها إسرائيل تتطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية، الرابط

[4] Final election result: link

[5] نتنياهو” في مواجهة تحديات تشكيل الحكومة أو نهاية مستقبله السياسي نتنياهو” في مواجهة تحديات تشكيل الحكومة أو نهاية مستقبله السياسي الرابط

[6] Israeli Prime Minister Netanyahu Tasked with Forming a New Government After Tight Electionhttps://time.com/5686251/israel-prime-minister-netanyahu-government

[7] ليبرمان-يرفض-دخول-حكومة-إسرائيلية-متحالفة-مع-متدينين-يمينيين-أو-مع-عرب https://24.ae/article.

[8] ليبرمان-يتقدم-بمبادرة-لتشكيل-حكومة-وحدة-وطنية https://www.elnashra.com .

[9] نتنياهو وتحديات تشكيل الحكومة https://arabic.rt.com

[10] https://www.france24.com/ar

[11] إسرائيل.. بدء التحقيق مع نتنياهو في قضايا “فساد واحتيال” الرابط

[12] الفقر يضرب تل أبيبhttps://www.albawabhnews.com/3727897

[13] نتنياهو يدرس إجراء انتخابات تمهيدية في حزب الليكود، https://arabic.rt.com/

https://www.shorouknews.com/news.

[14] قيامة نتنياهو.. كيف يتحرك خصوم رئيس الوزراء الإسرائيلي لإسقاطه؟ الرابط

[15] نتنياهو وتحديات تشكيل الحكومة https://arabic.rt.com

[16] غانتس يرفض الشراكة مع نتنياهو الرابط

[17] لوضع حد لحقبة نتنياهو.. القائمة العربية بإسرائيل تدعم غانتس لرئاسة الحكومة الرابط

[18] قيامة نتنياهو.. كيف يتحرك خصوم رئيس الوزراء الإسرائيلي لإسقاطه؟ الرابط

[19] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

الوسوم

د. فرناز عطية أحمد

باحثة مصرية، دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم سياسية – جامعة القاهرة، حول أثر التنوع العرقي والديني على الأمن القومي الإسرائيلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى