دراسات

الإدراك الاستراتيجي لمكانة جنوب شرق آسيا في الاستراتيجية الأميركية

الإدراك الاستراتيجي لمكانة جنوب شرق آسيا

يعد الإدراك متغير ضروري لأي سلوك تنتهجه الدولة في إطار النظام الدولي وخاصة في صياغة مبادئها الجيوبوليتيكية التي تتبعها في سلوكها الخارجي. وبغياب الإدراك الإستراتيجي تنعدم قدرة الدولة على التقويم الإيجابي للمناطق السياسية والجغرافية ذات الأهمية الحيوية لها، مما يترتب عنه فقدان القدرة على تقويم التهديدات التي يمكن أن يحملها هذا الإقليم أو غيره تجاه أهداف الدولة وأمنها القومي.

المطلب الأول: تطورات الإدراك الإستراتيجي الأمريكي للأمن القومي الأمريكي

يقتصر هذا العنصر على تتبع عملية تطور الإدراك الإستراتيجي الأمريكي لمفهوم الأمن القومي الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر2001 ومرحلة التعددية القطبية.

الفرع الأول: تأثير أحداث 11 سبتمبر 2001 على المفهوم الأمريكي للأمن القومي

بعد وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001 انخرط فريق الأمن القومي الخاص بإدارة الرئيس بوش(الابن) والذي لقب بـالفولكينز* في عملية التفكير الجماعي، لاستيعاب أحداث سبتمبر ورسم السياسات الخارجية والأمنية التي تصون أهداف الأمن القومي الأمريكي والمصالح العليا للولايات المتحدة والتي تمخض عنها مجموعة من الإدراكات تمثلت في: [1]

الإدراكات السياسية: من أهمها:

إعلان الحرب العالمية على الإرهاب

تصنيف دول العالم إلى دول الخير (الولايات المتحدة وحلفائها) ودول محور الشر (العراق، إيران، ليبيا وكوريا الشمالية)

تضمين السياسات الأمريكية (الدفاعية) فكرتي الحرب الوقائية والضربات الاستباقية لإجهاض أي ضربات أخرى موجهة للولايات المتحدة وحلفائها.

الإدراكات العسكرية: وتمثلت في

استخدام أسلوب الضربات الاستباقية للقضاء على معاقل الإرهاب.

شّن الحرب على تنظيم طالبان في أفغانستان وتنظيم القاعدة المتحالف معه.

احتلال العراق عسكريا وتغيير النظام الحاكم.

انتهاجها لسياسة الانتشار العسكري الواسع في كل من اليمن؛ الفلبين؛ ماليزيا؛ إندونيسيا؛ السودان والصومال.

الإدراكات الاستخباراتية: وتمثلت في

إعادة هيكلة منظومة الاستخبارات الأمريكية لتضم ستة عشرة وكالة استخباراتية.

تشكيل تحالف دولي استخباراتي لتعقب خلايا الإرهاب.

إعادة هيكلة وكالة الاستخبارات المركزية CIA للتكيف مع متطلبات الحرب على الإرهاب.

إنشاء مراكز استخباراتية في مختلف أرجاء العالم.

الإدراكات الأمنية: وتمثلت في

إنشاء وزارة للأمن الوطني وظيفتها حماية البنية التحتية الأمريكية.

إنشاء مركز قومي لمكافحة الإرهاب سنة 2004.

إصدار تشريعات جديدة لمكافحة الإرهاب كقانون باتريوت، الذي يعطي صلاحيات واسعة للأجهزة الأمنية في مكافحة الإرهاب خاصة مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI

الإدراكات الاقتصادية: وتجسدت من خلال تجميد الأصول المآلية للإرهابيين ومراقبة حركة رؤوس الأموال في العالم وإلزام جميع المؤسسات المآلية بضرورة الالتزام بتشريعات غسيل الأموال.

الفرع الثاني: الإدراك الإستراتيجي الأمريكي خلال مرحلة التعددية القطبية 2008 -2020

شكل وصول باراك أوباما إلى سدة الحكم تغييرا في الإدراك الإستراتيجي الأمريكي، وإحداث نقلة نوعية في السياسة الخارجية الأمريكية بالانتقال من تيار المحافظين الجدد إلى التيار الليبرالي. وتمثلت أهم الإدراكات السياسية؛ العسكرية والاقتصادية المشكلة لمجموع الإدراك الإستراتيجي الأمريكي للأمن القومي خلال هذه المرحلة في:

الإدراكات السياسية: تمثلت في :

تبني “التغيير” كنهج جديد للتخلص من إرث السياسة الداخلية والخارجية للرئيس بوش الابن، الذي خلف تركة ثقيلة من أبرزها تراجع المكانة الأمريكية العالمية.

تبني إدارة ترامب لشعار “أمريكا أولا” لتنفيذ سياستها الخارجية.

توجيه الاهتمام من منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان إلى إقليم آسيا-الباسيفيك وتحديدا منطقة جنوب شرق آسيا.

الإدراكات الاقتصادية: تجسدت من خلال اعتماد إدارة أوباما للشراكات متعددة الأطراف مع المنتديات الإقليمية، في حين فضلت إدارة ترامب الشراكات الثنائية.

الإدراكات الأمنية: تمثلت في:

الإعلان عن إستراتيجية إعادة التوازن في 2011 اتجاه إقليم آسيا-الباسيفيك

انتهاج إدارة ترامب لإستراتيجية “إحداث التوازن عن بعد ” بعد إخفاق الإستراتيجية السابقة في تحقيق جلّ أهدافها.

فرضت تحولات النظام الدولي عن عودة أمريكية لسياسات الاحتواء من خلال نهج متعدد الأطراف قوامه الشراكة مع الدول الآسيوية وإعادة تعريف منظومة الأمن الإقليمي.

المطلب الثاني: أثر مبادئ الجيوبوليتيكا على الإدراك الإستراتيجي الأمريكي بجنوب شرق آسيا

تتجسد العلاقة بين المبادئ الجيوبوليتيكية والإدراك الإستراتيجي بصورة واضحة في البناء والأداء الإستراتيجي للولايات المتحدة من خلال صياغتها لمبادئها الجيوبوليتيكية. فمنذ تأسيسها لم يقتصر إدراك الولايات المتحدة وفهمها لدورها على المستوى المحلي أو الإقليمي بل تجاوزه إلى المستوى العالمي، لهذا فمبادئها الجيوبوليتيكية عالمية وهذا نتيجة للدور الذي تريد لعبه من نشر قيمها ومبادئها الفكرية خارج المجتمع الأمريكي وبأنها تملك من الإمكانات والقدرات ما يؤهلها للقيام بذلك.

فالقيم والتجارب التاريخية التي ساهمت في تشكيل الولايات المتحدة كدولة واحدة هي من تحدد “الذات” الوطنية الأمريكية، هذه الأخيرة هي ما تتخذه الولايات المتحدة كنموذج في تعاملها مع العالم. لذا يوجد مستويين “الوطني والدولي” اللذان يمكن من خلالهما الوقوف على العوامل التي تؤثر على المبادئ الجيوبوليتيكية الأمريكية وهو ما يوضحه الجدول الموالي:

الجدول رقم05: العوامل المؤثرة في المبادئ الجيوبوليتيكية الأمريكية

المستوى الوطني

المستوى الدولي

القدر المحتوم Manifest Destiny

التوسعية /التدخلية

النزعة الفردية Individualism

الانعزالية

الجمهورية Republicanism

التهديد الألماني/ الياباني

الحرية Liberty

التهديد السوفياتي

النزعة الاستثنائية Exceptionalism

التهديد الصيني

Source: Norman Gregor David Rae, Op. Cit, p135

من جهة أخرى، تتجلى العلاقة بين المبادئ الجيوبوليتيكية والإدراك الإستراتيجي من خلال التأثير الذي مارسته المدارس الفكرية والنظرية على الإدراك الإستراتيجي الأمريكي كمحفزات للتفسير وفهم النظام الدولي، وانعكاسها على صياغة المبادئ الجيوبوليتيكية من خلال فرضياتها وتصوراتها. وتجسدت هذه الأفكار في المدرستين الليبرالية والواقعية باتجاهيها التقليدي والحديث. ونستعرض فيما يلي أهم تلك الأفكار.

أولا- المدرسة الليبرالية (التقليدية والجديدة)

زودت الليبرالية الإدراك الإستراتيجي الأمريكي بالعديد من المفاهيم والقيم والمبادئ ضمن طرح جديد لفكرة المجال الحيوي والمتمثلة في:[2]

مفهوم الجيو-ديمقراطية: ومعناه أن الديمقراطية ينبغي ألا تقتصر في انتشارها وتمددها على أساس محلي أو إقليمي محدد، بل ينبغي أن تكون ذات أبعاد عالمية وهو ما أكده ودعا إليه فرنسيس فوكوياما في أطروحته “نهاية التاريخ” من خلال التأكيد على البعد العالمي في انتشار الديمقراطية إلى باقي أنحاء العالم.

مفهوم الجيو-اقتصادية: اتضح من خلال مفهوم العولمة واقتصاد السوق، بمعنى جعل الأسواق العالمية سوقا واحدا وتجاوز هذ المفهوم النطاق المحلي والإقليمي لينتقل بالاقتصاد الليبرالي إلى مفهوم العالمية، وأسس في ضوء ذلك مبادئ جيوبوليتيكية تتفق وهذا المفهوم من حيث تقويمها للمناطق الجغرافية الحيوية.

مفهوم الجيو-مؤسساتية: يعمل هذا المفهوم على خلق مؤسسات سياسية واقتصادية ذات طابع عالمي قائمة على المفاهيم الليبرالية وبقيادة الولايات المتحدة بما يضمن لها القيادة العالمية.

مفهوم الجيو-ثقافية: يتعلق هذ المفهوم بالعمل على جعل المفاهيم، القيم، المبادئ والثقافة الأمريكية ذات طابع وأبعاد عالمية لتنعكس في النهاية كقوة جاذبة مؤثرة في الدول بما يحقق المصالح الأمريكية دون الاعتماد الكلي والوحيد على القوة الصلبة وهو ما ذهبت إليه أطروحة “القوة الناعمة” لجوزيف ناي.

وبفعل هذه المفاهيم، أخذ الإدراك الإستراتيجي الأمريكي يطمح ويبحث عن مجالات جغرافية توسعية لتنتشر فيها هذه المفاهيم وتجسيدها. وبهذا قدمت الليبرالية فهماً جديدا للمفاهيم الجيوبوليتيكية بالتركيز على البعد العالمي في رسم وتنفيذ المبادئ الجيوبوليتيكية الأمريكية، لينتقل بها إلى مفاهيم مثل إذابة الحدود والترابط عبر الحدود والانتقال عبر المسافات الكونية في تحقيق الأهداف الأمريكية وعبر الترويج لمبادئها الأساسية.

ثانيا- المدرسة الواقعية : بدورها زودت المدرسة الواقعية بشقيها التقليدي والحديث الإدراك الإستراتيجي الأمريكي بمجموعة من المفاهيم تؤخذ في الحسبان عند وضع الفرضيات الإستراتيجية والتصورات الجيوبوليتيكية والتي تمثلت في:[3]

مفهوم الجيو -أمن: عملت الولايات المتحدة من خلال هذا المفهوم على ربط الأمن العالمي بالأمن الأمريكي، ما أعطى هذا الأخير بعدا عالميا في تناوله للقضايا الدولية خاصة في المناطق الجيوبوليتيكية ذات الأهمية الحيوية للمصالح الأمريكية.

مفهوم الجيو-قوة: بموجبه أصبح استخدام القوة الأمريكية أو التهديد باستخدامها لا يقتصر على منطقة إقليمية معينة بل يشمل جميع مناطق العالم مما جعل من القوة الأمريكية ذات أبعاد عالمية.

مفهوم الجيو-مصلحية: وفقا لهذا المفهوم لم تعد تقتصر المصالح الأمريكية على منطقة جيوبوليتيكية محلية أو إقليمية فقط بل أصبحت ذات أبعاد عالمية.

مفهوم الجيو-أحلاف: جعل هذا المفهوم من الأحلاف الأمريكية المتعددة الأطراف والثنائية منتشرة في جميع المناطق والأقاليم الجغرافية حفاظا على المصالح الأمريكية.

ارتبطت هذه المفاهيم بأطروحة صدام الحضارات لصامويل هنتنغتون والتي ارتكزت على عملية البحث عن العدو من منطلقات الواقعية، إذ بعد انتهاء الحرب الباردة اختفى الاتحاد السوفياتي الذي كان العدو الواضح والمعروف للولايات المتحدة. فغياب العدو أفقد الولايات المتحدة إدراكها الإستراتيجي في تحديد أهدافها ومصالحها القومية سواء الإقليمية أو العالمية.

من جهة أخرى، عمل “زبيغنيو بريجنسكي” على وضع رؤية معمقة عن المصالح الإستراتيجية الأمريكية في عالم ما بعد الحرب الباردة في مؤلفه “رقعة الشطرنج الكبرى” ليمثل إطارا عمليا جديدا للمبادئ الجيوبوليتيكية الأمريكية من خلال ربطها بالإدراك الإستراتيجي للأهداف القريبة و المتوسطة و البعيدة،حيث حثّ بريجنسكي على أن تكون الإستراتيجية الأمريكية فضلا عن تطوير و صقل مختلف الأبعاد الجديدة للقوة،بأن تحافظ على اهتمامها بالبعد الجيوبوليتيكي و يجب أن تستخدم نفوذها في أوراسيا،أوروبا و آسيا بطريقة تخلق توازنا قاريا مستقرا مع استمرار الولايات المتحدة في القيام بدور الحكم السياسي.[4]

ومن ثم جاء فكر المحافظون الجدد ليحاول المزاوجة بين الأفكار الليبرالية والواقعية في صياغته للمبادئ الجيوبوليتيكية الأمريكية، لذا عملوا على الدمج والمزاوجة بين نشر الديمقراطية الليبرالية واقتصاد السوق ليس عن طريق الإقناع والمؤسسات الدولية والدعوات وإنما من خلال القوة خاصة العسكرية منها والتي ستحقق المصالح الأمريكية وتنظم توازنات القوى بما يخدم الهيمنة الأمريكية.

وانتقلت هذه الصياغات والأطر الفكرية إلى أرض الواقع والتطبيق العملي من خلال المبادئ والإجراءات التي انتهجتها الإستراتيجية الأمريكية منذ نشأتها إلى يومنا الحاضر والمتمثلة في:[5]

مبدأ مونرو المجسد للعزلة الأمريكية وعدم التدخل في العالم الجديد.

انتهاج مبادئ جيوبوليتيكية أكثر براغماتية وذرائعية وترك العمل بالمبدأ السابق ودخول الحربين العالميتين الأولى والثانية، لان الولايات المتحدة أصبحت أمام إدراك إستراتيجي مفاده أن ما يقع في أوروبا والباسيفيك سوف يجد تداعياته وانعكاساته وأثاره عل المصالح والأهداف الأمريكية سواء منها الداخلية أو الإقليمية.

انضمام الولايات المتحدة إلى منظمة الأمم المتحدة وظهور نظام القطبية الثنائية الذي جسده القطبين الأمريكي والسوفياتي ليرتبط بذلك الأمن العالمي بالأمن القومي الأمريكي.

فرض الواقع الجديد لعالم الحرب الباردة على الولايات المتحدة وضع إجراءات وفرضيات إستراتيجية تتماشى مع ذلك الواقع من أهمها: إستراتيجية الاحتواء، مبدأ ترومان، مشروع مارشال، إنشاء حلف الناتو، إستراتيجية الانتقام الشامل، سياسة الأحلاف في آسيا، مبدأ أيزنهاور، إستراتيجية الرد المرن، مبدأ نيكسون، مبدأ كارتر، إستراتيجية التصدي الشامل ومبادرة الدفاع الإستراتيجي.

شكل انهيار الاتحاد السوفياتي حافز جديد للإدراك الأمريكي بانتهاج مبادئ جيوبوليتيكية تتوافق وهذا التغيير، كان أولها “النظام الدولي الجديد” الذي أطلقه الرئيس السابق جورج بوش أوائل التسعينات.

وحاولت الولايات المتحدة من خلال هذا المفهوم إعادة ترتيب الخارطة الجيوبوليتيكية في جميع أنحاء العالم وإعطاء لنفسها الحق بالتدخل ضد أي قوة تهدد مصالحها أو خرق قواعد النظام التي وضعته. أما ثاني المبادئ الجيوبوليتيكية الأمريكية كان “توسيع حلف الناتو” خلال عهد كلينتون والذي جاء نتيجة الإدراك الإستراتيجي الأمريكي للبيئة الدولية الجديدة وعملت على توظيفه أمنيا من خلال ضمان بقاء الولايات المتحدة الطرف الرئيس في المعادلة الأمنية الأوروبية ومن ثم العالمية فضلا عن إحباط أي تحالفات مستقبلية قد تكون موجهة ضدها.

ثالث هذه المبادئ تمثل في “الحرب على الإرهاب” وتبنى إستراتيجية “الحرب الاستباقية أو الوقائية” والتي شكلت تجسيد عملي لأطروحة صدام الحضارات وفكرة إيجاد العدو، حيث اعتبر الإرهاب أحد التهديدات الأولية للمصالح الأمريكية. فخلال الفترة الأولى لإدارة بوش الابن أظهرت الخطابات والوثائق الرسمية الصلة الوثيقة بين المبادئ الجيوبوليتيكية الأمريكية والرغبة في الحفاظ على القيادة الأمريكية العالمية.

وشكلت أحداث 11 سبتمبر فرصة لتحديد مكونات تلك المبادئ، هذه المبادئ عكست تأثير الثقافة الجيوبوليتيكية والقيم الأمريكية على السلوك السياسي الأمريكي، فهذه الثقافة تعتبر الولايات المتحدة أرض مقدسة بها أشخاص مختارون مهمتها نشر الحرية والديمقراطية والدفاع عنها عالميا. هذه المهمة تصف غلبة القوة الأمريكية من أجل إبراز القيادة العالمية في مناطق جغرافية مختلفة.[6] وكان هذا سببا للحرب على الإرهاب وله صلة قوية بتغيير المبدأ الجيوبوليتيكي الأمريكي وتبني التوجه الإقليمي في السياسة الخارجية الأمريكية. كان هذا مرتبط بشكل مباشر بظروف ما بعد الحرب الباردة وتم ذلك لدعم الجهود الأمريكية لإعادة بناء النظام العالمي الجيوبوليتيكي الجديد والذي يعطي فكرة بأن أمريكا هي القوة العظمى الوحيدة المتبقية من النظام العالمي الجيوبوليتيكي السابق.

في الحقيقة، حددت المبادئ الجيوبوليتيكية الأمريكية خلال هذه الفترة السلوكيات الأمريكية العالمية من أجل الحفاظ على قيادة عالمية أمريكية قوية وتعزيزها. ووفقا لهذا تم متابعة ذلك من خلال شنّ حرب العراق 2003 لامتلاكه أهم احتياطات النفط العالمية ولأهمية النفط للمصلحة الإستراتيجية الأمريكية توجب الحفاظ على موقع الهيمنة الأمريكية كهدف نهائي لوجودها في الخليج الفارسي إلى جانب حماية تدفق النفط إلى الغرب.[7]

رابع هذه المبادئ تمثل في “إستراتيجية إعادة التوازن” التي تجسدت من خلال استخدام القوة الذكية والتي أطلقتها إدارة الرئيس أوباما سنة 2011، حيث انطلق أوباما من إدراك مفاده أن الاستخدام المفرط للقوة العسكرية من طرف إدارة جورج بوش الابن أدى إلى تعثر النموذج الأمريكي، لذا يجب التخلي عنها لصالح اعتماد القوة الذكية التي تمزج ما بين القوة الصلبة والقوة الناعمة. وجاء الخطاب التنصيبي للرئيس باراك أوباما ليؤكد على تبني السياسة الخارجية الأمريكية لآلية القوة الذكية: “قوتنا تنمو من خلال استخدامها المتعقل، أمننا ينبع من عدالة قضيتنا… صفات التواضع وضبط النفس مع أصدقائنا القدامى وخصومنا السابقين، سنعمل بلا كلل للتخفيف من التهديد النووي”[8]. وسلط البيان الضوء على تركيز أوباما على القوة الذكية، في حين عبر عن أمله للتعاون مع المنافسين السابقين.

مثل إقليم آسيا-الباسيفيك وتحديدا منطقة جنوب شرق آسيا أحد النماذج التطبيقية للقوة الذكية، حيث شكل كل من: تراجع وانحسار الهيمنة الأمريكية خاصة في هذا المنطقة، انعكاسات الأزمة المآلية لسنة 2008، ظهور تكتلات دولية وإقليمية (شنغهاي، بريكس) وكذا تنامي خطاب تهديد الصعود الصيني. افتراضات جيوبوليتيكية تم على أساسها تقييم الأهمية الإستراتيجية لجنوب شرق آسيا كمنطقة جغرافية مهمة للأمن الوجودي الأمريكي، فجاءت إستراتيجية إعادة التوازن ردة الفعل المناسبة لهذه التغييرات والتهديدات. ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال وثيقة الأمن القومي الأمريكي لسنة 2010 والتي ورد فيها: “يجب علينا إعادة التوازن لأولوياتنا طويلة المدى حتى نتجاوز بنجاح حروب اليوم، ونركز اهتمامنا ومواردنا على مجموعة أوسع من البلدان والتحديات يجب أن نغتنم الفرص التي يتيحها الترابط العالمي والاستجابة بفعالية وشمولية لمخاطره.”[9]

تضمنت الفقرة إشارة ضمنية بتوجيه الاهتمام من منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان (عبرت عنها بحروب اليوم) نحو منطقة آسيا-الباسيفيك وتحديدا جنوب شرق آسيا (عبرت عنه بتركيز الاهتمام والموارد على مجموعة أوسع من البلدان والتحديات)، فهذه المنطقة تمثل تحدي لاستمرار الهيمنة الأمريكية خاصة بعد تنامي الصعود الصيني بها.

الإشارة إلى أن التحركات الصينية وتطويرها لإستراتيجيتها البحرية وقواعدها العسكرية ببحر الصين الجنوبي أعاد إلى الأذهان كيفية تأثير الجيوبوليتك في رسم التصورات الأمريكية في العالم وفي تفسير السلوك الذي تعتمده للتفاعل مع القضايا التي تشكل محاور إستراتيجية بالنسبة إليها. فالإدارة الأمريكية تجد نفسها اليوم أمام تحد جيوبوليتيكي خطر يهدد مستقبل وجودها ومصالحها المتنوعة في هذا البحر. وهو ما أشارت إليه الوثيقة بشكل ضمني:” سنراقب برنامج التحديث العسكري الصيني ونستعد وفقا لذلك للتأكد من أن المصالح الأمريكية وحلفائها على الصعيدين الإقليمي والعالمي لن يتأثروا سلبا…”.[10]

انطلاقا من مدخل المبادئ الجيوبوليتيكية، تفسر إستراتيجية إعادة التوازن بأنها نتيجة مجموعة من التصورات والفرضيات التي رأتها وحملتها الدولة الأمريكية من خلال إدراكها الإستراتيجي لتغيير البيئة الجيوبوليتيكية لإقليم آسيا-الباسيفيك ومنطقة جنوب شرق آسيا خصوصا وأثار هذا التغيير على المصالح الأمريكية بالمنطقة ويمكن تمثيل ذلك من خلال الشكل الموالي:

وبهذا، مثلت إستراتيجية إعادة التوازن اتجاه آسيا-الباسيفيك المبدأ الجيوبوليتيكي للولايات المتحدة خلال القرن الحادي والعشرين والتي حاولت المزاوجة فيه بين استخدام القوة الناعمة والصلبة من خلال مفهوم “القوة الذكية”.

أما آخر هذه الإستراتيجيات فهي “إستراتيجية إحداث التوازن عن بعد” والتي جاءت نتيجة للإدراك الإستراتيجي الأمريكي بتغير البيئة والمشهد الجيوبوليتيكي الدولي وبالأخص في منطقة المحيط الهادئ-الهندي. تعد هذه الإستراتيجية من النسخ الحديثة والأكثر نشـاطاً لإستراتيجيات تمرير المسؤولية Buck-passing Strategies حيث تتجنب الدولة التدخل المباشر لمواجهة التهديدات، وتلقـي المسـؤولية فـي الموازنـة والمواجهـة العسـكرية إلـى قـوات الحلفـاء الإقليمييـن باعتبارهـم أصحـاب المصلحـة الأصليـة الأكبر في تحقيق التوازن ومنع الهيمنة، مع إمكانية تقديم الدعم اللوجسـتي لهـؤلاء الحلفـاء والتدخـل فقـط عنـد الضـرورة في حـال عجـز هـذه الـدول.[11] واستخدمت الإدارة مصطلح المحيط الهادئ-الهندي بدلا من آسيا-الباسيفيك وهو ما أشارت إليه وثيقة الأمن القومي الأمريكي لسنة 2017:

“… تجري منافسة جيوبوليتيكية بين الرؤى الحرة والقمعية للنظام العالمي في منطقة المحيط الهادئ-الهندي. هذه المنطقة التي تمتد من الساحل الغربي للهند إلى الشواطئ الغربية للولايات المتحدة، تمثل الجزء الأكثر اكتظاظا بالسكان وحيوية اقتصاديا في العالم. يمتد اهتمام الولايات المتحدة بإقامة منطقة حرة ومفتوحة في المحيط الهادئ-الهندي إلى الأيام الأولى لجمهوريتنا…”.[12] الأمر الذي دفع الرئيس دونالد ترامب لإطلاق مبادرة محيط الهادئ-الهندي حر ومفتوح في نوفمبر 2017 خلال قمة الأيباك APEC. وأوضحت الوثيقة أيضا تلك التغيرات:

“…يمكن أن يكون للتغيرات في توازن القوى الإقليمي عواقب عالمية وتهدد المصالح الأمريكية…تطمح الصين وروسيا إلى استعراض قوتهما في جميع أنحاء العالم لكنهما يتفاعلون أكثر مع الدول المجاورة لها، كما تشكل كوريا الشمالية وإيران أكبر خطر على المقربين منه. ومع انتشار أسلجة المدمرة وترابط الأقاليم بشكل أكبر، أصبح من الصعب احتواء التهديدات ومن المحتمل أن تجتمع التوازنات الإقليمية التي تتحرك ضد الولايات المتحدة بتهديد أمننا…”[13]

إلى جانب ذلك، اتخذت إدارة ترامب من شعار “أمريكا أولا” كمبدأ للسياسة الخارجية الأمريكية وهو ما تضمنته وثيقة الأمن القومي السابقة: ” أمريكا أولا كإستراتيجية للأمن القومي الأمريكي ترتكز على المبادئ الأمريكية، التقييم الواضح للمصالح الأمريكية والتصميم على مواجهة التحديات التي نواجهها. إنها إستراتيجية واقعية المبدأ تسترشد بالنتائج وليس الإيديولوجية.”[14]لهذا، تشكل إستراتيجية “إحداث التوازن من الخارج” المبدأ الجيوبوليتيكي الأمريكي تماشيا وتحديات القرن الحادي والعشرين.

خلاصة القول، إن تغير تحديد المبادئ الجيوبوليتيكية الأمريكية منذ تأسيس الدولة الأمريكية إلى غاية اليوم يرتكز بقوة على الأهداف العالمية للولايات المتحدة. تلك الأهداف التي تهدف بالدرجة الأولى إلى كسب الولايات المتحدة للقيادة العالمية والقوة المهيمنة، فلطالما كان الحفاظ على المكانة العالمية هو الهدف النهائي للمبادئ الجيوبوليتيكية الأمريكية و لا يزال ذلك. في الواقع، سعت اتجاهات العولمة والإقليمية في كل من أفكار الواقعية والمثالية إلى تعظيم مكانة الهيمنة الأمريكية في النظام العالمي.[15]

الملاحظ مما سبق، التحول الذي عرفته المبادئ الجيوبوليتيكية الأمريكية من النطاق المحلي إلى النطاق العالمي، جسدته إستراتيجيات عديدة كان أهمها إستراتيجية إعادة التوازن اتجاه منطقة آسيا-الباسيفيك. هاته الأخيرة التي جمعت ما بين مفاهيم المدرستين الليبرالية والواقعية، حيث تجسدت المفاهيم الليبرالية “الجيو -ديمقراطية” و “الجيو -ثقافية” في البعد الديمقراطي للإستراتيجية، ومفهوم “الجيو- اقتصادية” في البعد الاقتصادي وتجسد المفهوم الواقعي “الجيو -أمن” في البعد الأمني.

المطلب الثالث: إستراتيجية الحرب على الإرهاب خلال إدارة جورج ولكر بوش (2000-2008)

حملت مدرسة المحافظين الجدد رؤية نقدية لحقبتي جورج بوش الأب وبيل كلينتون، وذلك في سياق رؤية تلك المدرسة لعالم ما بعد الحرب الباردة وكيفية رسم إستراتيجية أمريكية فاعلة في هذه المرحلة. حيث رأى أنصار هذه المدرسة، أن المرحلة من سنة 1991 إلى غاية 2001، كانت فترة فقدان أمريكا لرؤيتها ولموقعها وذلك نتيجة عدم إدراك الفرص والمخاطر الحقيقية والمتوقعة التي أفرزها انهيار الاتحاد السوفياتي. وأوضح أحد قدامى المحافظين، بأن مشكلة بوش الأب واضحة في عدم امتلاكه لفهم واضح للدور الذي ينبغي للولايات المتحدة أن تلعبه في تشكيل العالم في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. أما كلينتون، حاول القيام بتدخلين خارجيين دون أن ينتج رؤية واضحة أو متقدمة لدور أمريكا في العالم.[16]

انطلاقا من ذلك، حاول المحافظين الجدد تحديد رؤية واضحة للإستراتيجية الأمريكية وكذا للدور الأمريكي العالمي، والذي اتضح خلال إدارة بوش الابن بتحديد هدف واضح هو تحقيق المصلحة القومية الأمريكية وفق أسس محددة هي:[17] الحفاظ على القوة العسكرية وتدعيمها لضمان التفوق الأمريكي، القضاء على الأنظمة المارقة عبر شنّ حروب استباقية عليها والحفاظ على الدور الأحادي للولايات المتحدة لقيادة العالم.

و فيما يتعلق بمنطقة جنوب شرق آسيا، لم تولى إدارة بوش في بدايتها هذه المنطقة الاهتمام الكافي،بالرغم من أهميتها الاقتصادية كأكبر شريك اقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية والأهمية الجيو إستراتيجية التي تمثلها الممرات البحرية بالمنطقة للأسطول البحري الأمريكي وكذا لنقل أغلب الإمدادات الطاقوية لآسيا.[18] حيث راوحت المنطقة موقعها الثانوي الذي احتلته في شؤون شرق آسيا منذ نهاية الحرب الباردة، وبسبب ردة فعل الإدارة السابقة اتجاه الأزمة الاقتصادية الآسيوية 1997-1998، تخوفت دول المنطقة من استمرار سياسة الإهمال خلال إدارة بوش، خاصة في ظل تداعيات تراجع العلاقات الأمريكية-الصينية على الاستقرار الإقليمي خاصة مع خطاب الإدارة الجديدة باعتبار الصين “منافسا إستراتيجيا”.[19]

خلال النصف الأول لسنة 2001، تبنت إدارة بوش خريطة طريق إدارة كلينتون التي كانت قد اقترحتها على جاكارتا والكونغرس الأمريكي والمتعلقة بإرساء العملية الديمقراطية بإندونيسيا، فقد هدفت كل من إدارتي كلينتون وبوش إلى إعادة العلاقات مع القوات المسلحة الإندونيسية على أساس أن الجيش هو عامل حاسم في عملية إرساء الديمقراطية، إلا أن إدارة بوش سعت لإزالة الروابط بين تحسينات حقوق الإنسان والعلاقات العسكرية الوثيقة بنزوعها أكثر نحو نظرية التناضح Osmosis Theory والتي كانت مفضلة لدى صناع القرار الأمريكيين خلال الحرب الباردة [20]. في السنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين، تغيرت السياسة الأمريكية اتجاه جنوب شرق آسيا، وهو ما أشار إليه تقرير لفرقة مستقلة برعاية مجلس العلاقات الخارجية بوجود ثلاثة أسباب تجعل الولايات المتحدة ترتبط بجنوب شرق آسيا: [21]

تظل منطقة جنوب شرق آسيا ذات أهمية إستراتيجية وسياسية وإنسانية هامة، لديها القدرة على إثارة اهتمام كبير.

حاجة السياسة الأمريكية اتجاه جنوب شرق آسيا لسياق إستراتيجي والتركيز.

تظل إندونيسيا أهم مصدري البترول والغاز وصمام اتحاد الآسيان وأهم دول المنطقة في خضم عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.

ارتباط إدارة بوش بجنوب شرق آسيا لوحظ بشكل رئيسي في تطور العلاقات الثنائية مع بعض الدول الرئيسية (الفلبين، إندونيسيا، تايلاند وماليزيا) وكذا القضايا الأمنية البحرية. فعلى سبيل المثال، في 2003 منحت الولايات المتحدة، الفلبين وتايلاندا مكانة الحليف الرئيسي من خارج الناتو، و في 18 أكتوبر 2003، تعهد بوش بمنح الفلبين سلسلة إضافية من المساعدة بقيمة 340 مليون دولار وتدريب أكثر للجيش الفلبيني لمحاربة جماعة أبو سياف خلال عهدته الثانية.

وإدراكا منها للأهمية المتزايدة للجغرافيا السياسة لجنوب شرق آسيا، أطلقت إدارة بوش الشراكة المعززة الأمريكية-الآسيانية في 2006 واتفاقية الإطار للتجارة والاستثمار 2006، التي تهدف لتقوية التعاون الإقليمي في مجالات متعددة خصوصا التعاون الاقتصادي.[22] في 2008، كانت الولايات المتحدة أول دول تعيين سفيرا لها باتحاد الآسيان. إلى جانب ذلك، تحسنت علاقاتها مع فيتنام، كمبوديا وإندونيسيا بشكل معتبر. إلا أن هذا النهج الذي سلكته الإدارة اتجاه المنطقة تغير بعد أحداث 11 سبتمبر 2001: أين برزت عدة تغيرات على ملامح الإستراتيجية الأمريكية، ففيما تمثلت أهم تلك التغيرات؟ وكيف انعكست على منطقة جنوب شرق آسيا؟

الفرع الأول: تأثير أحداث 11 سبتمبر 2001 على الإستراتيجية الأمريكية بمنطقة جنوب شرق آسيا

اعتبرت أحداث الثلاثاء الأسود منعرجاً حاسماً في مسار الإستراتيجية الأمنية الأمريكية والتي شكلت صدمة رهيبة للفعل الإستراتيجي الأمريكي [23]،حيث دفعت المسؤولين الأمريكيين لإعادة رسم إستراتيجياتهم الأمنية العالمية وفقا لتلك التغيرات وتغيير الأوليات في إستراتيجيتها، إذ أصبحت القضايا الأمنية الهاجس الأساسي المعلن للسياسات الداخلية والخارجية، وتم استخدام الهاجس الأمني داخليا لتبرير سياسات الرئيس بوش الابن الخارجية.[24] وتقوم عقيدة بوش الابن الإستراتيجية التي يدافع عنها التيار المحافظ على ثلاثة مبادئ أساسية حددت مهمة أمريكا المستقبلية ومسؤوليتها في العالم:

الانتقال من الردع إلى الاستباق لمواجهة المخاطر المتولدة عن الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل،

الانتقال من الاحتواء إلى تغيير الأنظمة باعتبار أن الأحكام الاستبدادية هي في ذاتها خطر على المصالح القومية الأمريكية،

الانتقال من الغموض إلى القيادة، أي وعي أمريكا بدورها الريادي في العالم وتبوأ مسؤوليتها بصفتها الأمينة على استقراره وأمنه.[25]

توضح هذه المبادئ، أن الرؤية الإستراتيجية الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر أصبحت تنتهج بوضوح مسلكاً جامعاً بين المثالية (الولسونية) والاستثنائية الأحادية للولايات المتحدة. أدركت إدارة جورج بوش الابن بعد هذه الأحداث، مدى إهمالها لمنطقة جنوب شرق آسيا في أجندتها الإستراتيجية وقررت إرجاع المنطقة إلى رادارها الإستراتيجي من خلال صياغة عقيدة جديدة حملت عنوان “الحرب الوقائية ضد الإرهاب*” معتبرة المنطقة كجبهة ثانية لحربها العالمية على الإرهاب[26].

ويظهر تأثير أحداث 11 سبتمبر 2001 على موقع منطقة جنوب شرق آسيا في الإستراتيجية الأمريكية من خلال:[27]

اكتساب المنطقة أهمية خاصة من حيث الرمزية والدبلوماسية كونها أصبحت هدفا للإرهابيين المتطرفين الإسلاميين وبالتالي تعالت الأصوات المؤيدة لاستمرار الارتباط الأمريكي،

قدمت الولايات المتحدة مخرجاً مناسباً للعمل العسكري الفوري واسع النطاق الذي قامت به إدارة بوش لإثبات أن الحرب على الإرهاب حربا عالمية،

باعتبارها أحد شبكات النقل البحري الحيوية الرابطة بين المحيطين الهندي والهادي، فالمنطقة شكلت محور اهتمام للمخاوف الأمريكية من التهديدات الإرهابية المرتبطة بأمن الحاويات ونقل وانتشار أسلحة الدمار الشامل.

انطلاقا من ذلك، احتلت المنطقة مكانة مهمة في السياسة الخارجية الأمريكية بعد وسمها بالجهة الثانية في حربها على الإرهاب، وجاء ذلك نتيجة اكتشاف العديد من الخلايا الإرهابية ذات توجهات إقليمية ودولية بدول المنطقة على غرار سنغافورة؛ إندونيسيا والفلبين، فالمنطقة تضم أكبر عدد من السكان المسلمين؛ الحركات الانفصالية المنشقة إلى جانب سهولة اختراق حدودها، كل هذه العوامل جعلت الملاحظين الأمريكيين يعتبرونها كأرضية تنشئة خصبة للعمليات الإرهابية. [28]

وأكدت هجومات بالي سنة 2002، جاكارتا سنة 2003 و2004، اعتقالات أبرز الإرهابيين بالمنطقة وعلاقة تنظيم القاعدة بالتنظيمات الإسلامية بالمنطقة كجماعة ابوسياف بالفلبين صحة هذه التقديرات. لهذا، ركزت إدارة بوش خلال فترة عملها على هدفين أساسين في سياستها اتجاه جنوب شرق آسيا: [29]

كسب التعاون ضد الجماعات الإسلامية الإرهابية المحلية التي لها علاقة مع تنظيم القاعدة، حيث ارتكزت السياسة الأمريكية لمكافحة الإرهاب في المنطقة على: التعاون العسكري، المساعدة التقنية لتعزيز الإجراءات القانونية والإدارية، دعم التعاون الإقليمي في مكافحة الإرهاب وحملة “القلوب والعقول” كجزء من الجهد العالمي لتعزيز دعم الولايات المتحدة في المجتمعات المسلمة. [30]

تعزيز اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية (FTAs) بخصوص التعاون بين الطرفين في مجال مكافحة الإرهاب، حيث لعبت قيادة المحيط الهادي الأمريكي PACOM دورا رئيسيا في التعاون الإقليمي لمكافحة الإرهاب.

فمنذ فبراير 2002، نشرت إدارة بوش المئات من القوات الخاصة الأمريكية لدعم عمليات مكافحة الإرهاب التي قادها الجيش الفلبيني في الجزر الجنوبية لمينداناووMindanao وأرخبيل سولو Solo ضد جماعة أبو سياف. [31]. كما شكل التمرد المناهض للحكومة الذي قاده مسلمون من أصل مالاوي في ثلاث مقاطعات في جنوب تايلاند مصدر قلق للإدارة الأمريكية نتيجة حصول المجموعات الانفصالية على الدعم والتدريب من المجموعات الإسلامية الراديكالية ذات الصلة بتنظيم القاعدة.[32] ولنفس الاعتبارات اتخذ قرار بإجراء التدريبات السنوية المشتركة بين قيادة المحيط الهادي الأمريكي (PACOM) والجيش التايلاندي، خاصة أن تايلاند حليف معاهدة Treaty Ally وتستضيف التدريبات متعددة الأطراف إلى جانب التعاون الثنائي في مجال الاستخبارات والشرطة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

الفرع الثاني: منطقة جنوب شرق آسيا: الجبهة الثانية للحرب على الإرهاب

أدركت إدارة بوش الابن بعد أحداث11 سبتمبر مدى إهمالها لمنطقة جنوب شرق آسيا في أجندتها الإستراتيجية وقررت إرجاع المنطقة إلى رادارها الإستراتيجي كوجهة ثانية للحرب على الإرهاب، [33] حيث شهد موقع دول جنوب شرق آسيا تغيرا نوعيا من مجرد كونها شريكاً في حرب الولايات المتحدة على الإرهاب إلى هدف ومسرح لها.

كان مبرر هذا التحول وجود عدد كبير من الجماعات والتنظيمات الدينية والإسلامية المتشددة في المنطقة، وبالتالي أصبحت المنطقة معقلا جديداً للجماعات الإرهابية حتى أن البعض أطلق اسم “طالبان الجديدة” على جماعة ابوسياف رغم صغر حجم هذه الأخيرة وضعف قدراتها التنظيمية وافتقادها إلى أجندة سياسية متكاملة، كما شبهت إندونيسيا بأفغانستان الثانية وربطت الأجهزة الأمنية الأمريكية بين التنظيمات الإسلامية في إندونيسيا وماليزيا وتنظيم القاعدة الذي يقوده اثنان من رجال الدين الإندونيسيين: أبو بكار باسير و رضوان عصام الدين المعروف بالحمبلي [34].

وفيما يلي نستعرض أهم الحركات والتنظيمات الإسلامية المتواجدة بمنطقة جنوب شرق آسيا، والوقوف على حقيقة تشكيل توجهها الإسلامي المتشدد خطرا حقيقيا على المصالح الأمريكية.

أولا- التنظيمات الإسلامية المتشددة في جنوب شرق آسيا

منذ بداية تسعينات القرن الماضي، تحولت الجماعات الإسلامية المتشددة في منطقة جنوب شرق آسيا إلى جماعات مسلمة تطالب بالانفصال عن دول المنطقة وتكوين مقاطعات خاصة بها تسميها “خلافة إسلامية” [35]. وشكلت منطقة جنوب شرق آسيا ملاذا للعديد من هذه الجماعات الإسلامية المتشددة لتدريب وتكوين عناصرها وتوسيع عملياتها وقواعدها، إذ يعد تركيز تلك الجماعات المسلحة لعناصرها في المناطق الممتدة بين إندونيسيا؛ ماليزيا والفلبين مصدراً لخطر يتجاوز البعد الإرهابي في عملياتها، ليشمل تدمير الاقتصاد، السياحة والتماسك الاجتماعي الذي يعتبر هشا بطبيعته.[36] وترتكز أغلب التنظيمات الإسلامية المتشددة في كل من إندونيسيا والفلبين وسنغافورة نورد أهمها فيما يلي:

التنظيمات الإسلامية المتشددة في إندونيسيا: بالعودة إلى تاريخ الجماعات الإسلامية في إندونيسيا نجد أنها قديمة العهد، حيث ارتبط ظهور أول حركة إسلامية بمقاومة الاحتلال الهولندي سنة 1803 عرفت بحركة Pardi في غرب سومطرة. وسعت تلك الحركات إلى تكوين دولة إسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية، لكن مع تطورها وتعدد الرؤى لتطبيق الخلافة والشريعة كثرة الانقسامات داخلها [37]، ونذكر من أهم تلك الحركات:

مجلس علماء إندونيسيا: تم تأسيس هذا المجلس من طرف الرئيس السابق سوهارتو، باعتباره ممثل الهيئة العليا لرجال الدين في إندونيسيا إل جانب تمثيله للاتجاه الراديكالي داخل النظام السياسي الإندونيسي[38]. غير أنه يتمتع بنفوذ محدود مقارنة بالتيار الإسلامي المعتدل، وقد اتخذ المجلس موقفا متشدداً اتجاه السياسات والمصالح الأمريكية.

2-حركة أتشيه الحرة Free Aceh Movement (GAM: اتخذت هذه الحركة طابعاً دينياً من خلال تبنيها الدعوة إلى إعادة السلطة الإسلامية القديمة، إلى جانب مطالبها الانفصالية ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية بإقليم أتشيه. وبعد أحداث 11 سبتمبر، أصدر قائد الحركة بياناً أوضح فيه تأييده لحرب أمريكا على الإرهاب، كما كشف عن الطابع المحلي للحركة ومحورية قضية الانفصال في تحديد مواقفها أكثر منها جماعة إسلامية متشددة.

3-الجماعة الإسلامية إندونيسيا: هي منظمة إسلامية مسلحة تأسست سنة 1993 على يد الشيخ أبو بكر باعشير ورفيقه عبد الله سنغكر، وهي تهدف منذ نشأتها إلى إقامة دولة نوسانتارا الإسلامية التي تضم ماليزيا؛ إندونيسيا وسلطنة بروناي؛ جنوب الفلبين وجنوب تايلاند [39]. وأثبتت التقارير روابطها القوية مع تنظيم القاعدة، واستهدفت الجماعة العديد من الأهداف والمؤسسات الدبلوماسية الأمريكية والبريطانية والأسترالية والإسرائيلية في سنغافورة.

4-جماعة أنصار التوحيد : هي جماعة راديكالية منشقة عن “مجلس مجاهدي إندونيسيا” سنة 2008، أسسها أبو بكر باعشير وبعض أعضاء المجلس. وباعتقال هذا الأخير وظهور تنظيم داعش، حصل انقسام داخل الجماعة ورفض 95% من أنصار الجماعة مبايعة داعش وأسس المنشقون سنة 2014 “جماعة أنصار الشريعة” رفضاً لخلافة البغدادي. [40] وصل عدد أعضاء الجماعة إلى ما يقارب 2000 عضو في سنة 2012 وتبنت الفكر السلفي الجهادي الأقرب لفكر تنظيم القاعدة المرتكز على ضرورة الاستعداد العسكري للجهاد.[41] عملت الجماعة على توظيف وسائل الاتصال الحديثة للتجنيد والقيام بالهجمات الانتحارية التي استهدفت المدنيين والعسكريين.

5- جماعة أنصار الشريعة: هي جماعة منشقة عن جماعة أنصار التوحيد، أسست سنة 2014 من قبل محمد أشوان وعبد الرحيم وروسيدريدهو بعد خلاف مع بوعشير بعد مبايعته لتنظيم داعش، وضمت في عضويتها ألفي عضو في جاكارتا وباقي مناطق إندونيسيا.

6- جماعة عسكر الجهاد: تأسست الجماعة سنة 2000 على يد جعفر عمر طالب، لم يكن هدفها إقامة دولة إسلامية، بل المشاكل الإثنية والإقليمية والدينية التي أدت إلى حدوث مواجهة بين المسلمين والمسيحيين في جزيرة مالكو وراح ضحيتها 400 مسلم.[42] وبعد تفجيرات بالي وبقرار من حكومة ميجاواتي تم حلّ الجماعة بسبب بعض الانحرافات وعلاقتها بتنظيم القاعدة.

من الجدير بالذكر، أن دولة إندونيسيا كانت هدفا لتنظيم الدولة الإسلامية لتوسيع خلافتها المزعومة إلى الدول المجاورة كالفلبين؛ ماليزيا وأستراليا، لهذا أكدت السلطات الإندونيسية تضاعف أعداد الإندونيسيين المقاتلين في صفوف داعش إلى 700 مقاتل سنة 2015 بعد أن كانوا 200 مقاتل سنة 2014. إلا أن حلم تنظيم داعش بتأسيس خلافة إسلامية في إندونيسيا ومنطقة جنوب شرق آسيا يواجه عدة عقبات أهمها:[43]

– الجماعات التي بايعت تنظيم الدولة الإسلامية في دول جنوب شرق آسيا هي عبارة عن خلايا وشبكات صغيرة لا ترقى إلى تنظيم لوجيستي فعال.

– خبرة وقدرة الأجهزة الأمنية الإندونيسية للتعامل مع تلك الجماعات والسيطرة عليها.

التنظيمات الإسلامية المتشددة في الفلبين: تعد الفلبين من أكثر الدول غير الإسلامية التي نمت فيها حركات الجهاد الإسلامي منذ أكثر من ثلاثين سنة، ولا يمكن فهم ظاهرة الأصولية الإسلامية في جنوب شرق آسيا بمعزل عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي سادت مناطق تركز الأقليات والمجتمعات الإسلامية في تلك المنطقة. وينطبق ذلك بشكل خاص على الحركات الأصولية الجهادية الانفصالية بالفلبين كجماعة ابوسياف التي تسعى إلى تأسيس دولة إسلامية مستقلة في إقليم معين داخل الدولة.[44] ونذكر من بين أهم التنظيمات الإسلامية التي تنشط بالفلبين:

جماعة أبو سياف (سيف الله) : أسس عبد الرزاق أبو بكر جنجلاني حركة ابوسياف التي تتبنى المنهج الجهادي، حيث أنشقت سنة 1991 عن جبهة التحرير الوطنية “جبهة مورو” بهدف إنشاء دولة إسلامية غربي جزيرة مينداناو جنوبي الفلبين، حيث يقطن أغلبية من السكان المسلمين.[45]

وتهدف الجماعة إلى إقامة دولة إسلامية في الفلبين، غير أنها قد اعتمدت أسلوبا عنيفا ركز على خطف المدنيين سواء الفلبين أو الغربيين واستخدامهم كرهائن منذ أن أعلنت دعمها لتنظيم الدولة الإسلامية. كما تعتبر هذه الجماعة تجسيدا لصراع الأقلية الإسلامية في جنوب الفلبين مع الأغلبية المسيحية الكاثوليكية بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية للأقلية المسلمة.

جبهة تحرير مورو الإسلامية MILF): تعد الجبهة من أكبر الجماعات الإسلامية الانفصالية في منطقة جنوب شرق آسيا ويبلغ تعدادها حوالي 15.000عضو، ولها علاقة بتنظيم القاعدة من خلال تلقيها الدعم المالي والفني إلى جانب تدريبها لبعض عناصر “الجماعة الإسلامية” في دول المنطقة. “مورو” هو الاسم الذي أطلقه المحتلون الآسيان على مسلمي الفلبين الذين ظلوا منذ ذلك الحين يستخدمونه للتعريف بأنفسهم[46]. انفصلت جبهة تحرير مورو الإسلامية عن “جبهة التحرير الوطني لمورو” سنة 1970، وتتركز الجبهة في مناطق بانجسا مورو وجزيرة مينداناو، أرخبيل صولو، جزيرة بالاوان، باسيلان.

إلى جانب ذلك، تضم الفلبين أيضا إحدى أخطر الجماعات الجهادية الناشطة في جنوب شرق آسيا وهي حركة العدالة الواقعة في منطقة بانجسا مورو (أنصار الخلافة كما يسمون أنفسهم)، وبايعت هي الأخرى تنظيم داعش سنة 2014 [47]

التنظيمات الإسلامية المتشددة في ماليزيا: مقارنة بالدول الأخرى، لا تضم دولة ماليزيا الكثير من التنظيمات الإسلامية المتشددة باستثناء: جماعة المجاهدين الماليزيين (RMM) التي تأسست سنة 1995 بهدف الإطاحة بحكومة مهاتير محمد وإقامة دولة إسلامية تضم بالإضافة إلى ماليزيا كل من إندونيسيا وجنوب الفلبين، وتعتمد الجماعة على استخدام العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها، إلى جانب استهدافها للمصالح الأمريكية في المنطقة.

نخلص مما سبق، إلى أن أغلب تهديدات التنظيمات الإسلامية المتشددة المذكورة أنفا وتحركاتها هي بالأساس مطالب اجتماعية واقتصادية لتحقيق العدالة الاجتماعية للأقليات المسلمة المضطهدة بمختلف دول المنطقة، كما أنها لا ترقى لدرجة تهديد المصالح الأمريكية. فحتى الجماعات الإسلامية التي أثبتت قدرتها على شنّ هجمات واسعة النطاق كالجماعة الإسلامية وجماعة المجاهدين الماليزيين وجماعة ابوسياف، هي عبارة عن شبكات صغيرة الحجم من حيث التعداد والعدة، تفتقد للتنظيم اللوجيستي الفعال فضلا عن أن أغلب مؤسسيها ينتمون إلى الطبقة المتوسطة ذوي التكوين الأكاديمي العالي.

إلا أن ذلك، لم يمنع ذلك دول المنطقة من تنسيق جهودها سواء على المستوى الإقليمي أو غير الإقليمي لمحاربة هذه التنظيمات وتفادي هجماتها أي بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في حربها على الإرهاب وهو ما سنوضحه في العنصر الموالي.

ثانيا- الجهود الإقليمية لمكافحة الإرهاب في جنوب شرق آسيا

فضلا عن الجهود الفردية التي قامت بها دول المنطقة لمكافحة الإرهاب، انتهجت الجهود الجماعية مسارين رئيسيين لمحاربة الإرهاب:

المسار الأول: الاتفاق الإقليمي لمكافحة الإرهاب: ارتكز هذا المسار على توقيع اتفاق إقليمي لمكافحة الإرهاب، فعلى المستوى الوطني، شكلت ماليزيا وسنغافورة نموذجين في اتخاذ تدابير صارمة لمواجهة شبكات الجماعة الإسلامية بموجب قانون الأمن الداخلي الذي تم اعتماده منذ الستينات والذي يسمح بالاعتقال الاحترازي دون الرجوع إلى القضاء.[48] وعلى المستوى الإقليمي، عقدت كل من إندونيسيا، ماليزيا والفلبين اتفاق إقليمي لمكافحة الإرهاب ركز بشكل خاص على التشاور وتبادل المعلومات وإضفاء الطابع الرسمي على عمليات تبادل الإرهابيين. في واقع الأمر كانت هناك مجموعة من الدوافع المشتركة بين دول المنطقة دفعت بها إلى عقد مثل هذا الاتفاق يأتي في مقدمتها:

سعي دول المنطقة إلى إبداء القدر الكافي من التفاعل الإيجابي مع حملة الحرب ضد الإرهاب إلى الحد الذي يضمن بقاءها خارج المعسكر المضاد.

وجود اتفاق ضمني عام فيما بين دول المنطقة على رفض فكرة الوجود العسكري الأمريكي المباشر في المنطقة (بما في ذلك الفلبين التي أبدت مستوى متقدما للتعاون المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة جماعة ابوسياف) [49].

الأمر الذي يمكن معه فهم الاتفاق باعتباره محاولة لتفويت الفرصة أمام أية مبررات أمريكية محتملة للاحتفاظ بوجود عسكري أمريكي مباشر في المنطقة. إلا أن هذا الاتفاق اعترضه قدر كبير من الغموض والتعقيدات جعلته يمثل إجراء غير كاف لتفعيل الإطار الإقليمي في مواجهة قضية الإرهاب كان من أهمها: [50]

لم يرقى الاتفاق إلى مستوى المعاهدة الإقليمية، حيث تجنبت الدول الأطراف استخدام مفهوم المعاهدة حتى لا يحمل الاتفاق مدلولات عسكرية رسمية.

على غرار كافة الترتيبات الإقليمية الآسيوية، قام الاتفاق على مفهوم التوافق أو الإجماع العام consensus وليس على الإلزام القانوني.

تفاوت حسابات دول المنطقة بشأن الاتفاق: ففي حين اعتبرت إندونيسيا الاتفاق فرضة لتحجيم المعارضة الإسلامية؛ ركزت الفلبين أساسا على ضمان استمرار تدفق المساعدات الخارجية خاصة الأمريكية منها اللازمة لاستمرار عملية التنمية؛ استغلت تايلاند الحرب ضد الإرهاب في المنطقة لزيادة دورها الإقليمي على حساب إندونيسيا والقيام بدور هام ومؤثر في صياغة الأجندة الإقليمية لمكافحة الإرهاب.

فضلا عن الاتفاق سابق الذكر، تم إطلاق مبادرة “عيوننا “Our Eyes Initiative باقتراح رسمي من طرف وزير الدفاع الإندونيسي سنة 2017، وتم الافتتاح الرسمي للمبادرة في 25 جانفي 2018من قبل كبار مسؤولي الدفاع من الدول الأعضاء للاستجابات الإقليمية للإرهاب والتطرف في منطقة جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ بصفة عامة.

اشتق اسم المبادرة من شبكة الاستخبارات الأمريكية مع حلفائها الغربيين الخمسة[51]، جمعت هذه المبادرة كل من إندونيسيا؛ بروناي؛ ماليزيا؛ سنغافورة؛ تايلاند والفلبين، واتخذت كمنصة لتبادل المعلومات الاستخباراتية حول الإرهاب بهدف الاستجابة بسرعة وفعالية للتهديدات الأمنية عبر الوطنية؛ فضلا عن مراقبة السياق العام للتطرف والتطرف العنيف؛ وتم توسيع مناقشة المبادرة كجزء من المناقشات متعددة الأطراف كالجلسة المتعلقة بالإرهاب في اجتماع وزراء دفاع اتحاد الآسيان (ADMM) بمانيلا.

المسار الثاني: مكافحة الإرهاب في إطار اتحاد الآسيان: ارتكز هذا المسار على تفعيل دور الآسيان في مجال مكافحة الإرهاب، حيث يرتكز جوهر فلسفة اتحاد الآسيان على مفاهيم التشاور والإجماع التي تم تدوينها في إعلان عام 1976 لاتفاقية الآسيان ومعاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا.[52]

قبل أحداث 11 سبتمبر 2001، لم تولي اتحاد الآسيان موضوع الإرهاب أهمية خاصة، كما لم يتم الإشارة إليه بشكل مفصل سواء في بيانات الاجتماعات الوزارية لاتحاد الآسيان أو بيانات المنتدى الإقليمي للرابطة (ARF)، إلا أن الهجمات الإرهابية لـ 11 سبتمبر، شكلت تغير نوعي لطريقة تعامل الرابطة مع الإرهاب الذي أصبح يحتل موقعا متقدما على أجندتها، حيث عملت الرابطة بمستوياتها التنظيمية المختلفة على إصدار العديد من البيانات التي تناولت قضية الإرهاب.

في الواقع، تزايد الأهمية النسبية لقضية الإرهاب على أجندة عمل الرابطة لا يعدو كونه جزءا من عملية تكييف الترتيبات الإقليمية مع مرحلة ما بعد 11 سبتمبر، والتي ركزت على تطوير أجندة عمل العديد من الترتيبات والتنظيمات الإقليمية في الاتجاه نحو إعطاء قضية مواجهة الإرهاب أولوية متزايدة. [53] ففي 5 نوفمبر 2001 وخلال القمة السابعة لاتحاد الآسيان، أصدرت هذه الأخيرة بياناً مستقلاً كان بمثابة تصور موحد أدانت فيه الإرهاب بكافة صوره وأشكاله واعتبرته تهديدًا مباشراً لقدرة الآسيان على تحقيق أهدافه.[54] وتضمن البيان النقاط الرئيسية التالية: [55]

التأكيد على أن الإرهاب يشكل تحدياً كبيراً على السلم والاستقرار الإقليميين والدوليين إضافة إلى التنمية الاقتصادية،

رفض أي محاولة لربط الإرهاب بأي دين أو عرق،

مراجعة وتعزيز الاليات الوطنية الخاصة بمكافحة الإرهاب،

الدعوة إلى تعزيز المعلومات، وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون الإقليمي على تطبيق القانون،

دعوة الدول الأعضاء إلى التوقيع والتصديق أو الانضمام إلى جميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، والنظر في إمكانية دمجها وتكاملها مع أليات الآسيان لمواجهة الإرهاب الدولي،

التأكيد على أن الأمم المتحدة يجب أن تلعب دوراً رئيسياً في مكافحة الإرهاب على المستوى الدولي،

دراسة الأفكار والمبادرات التي تضمن تعظيم دور الآسيان وتفاعله مع المجتمع الدولي سواء من خلال دفع التعاون الإقليمي للآسيان عبر آلية الآسيان +2، أو شركاء حوار المنتدى الإقليمي للآسيان (ARF)[56].

ما يؤخذ على البيان، أنه لم يتطرق إلى أسباب الخلاف داخل اتحاد الآسيان بالأخص حول أساليب مكافحة الإرهاب من خلال التعاون متعدد الأطراف؛ حيث ظهر خلاف عام حول كيفية مكافحة الإرهاب الإقليمي؛ فالدول واجهت الإرهاب بشكل فردي واعتماداً على خياراتها الواسعة، لهذا اختلفت تصوراتهم حول درجة التهديد الإرهابي وكيفية مكافحته، مما أثر على مواقفهم تجاه التعاون الإقليمي في مكافحة الإرهاب.[57] فضلا عن البيان سابق الذكر، تضمن البيان الأخير للمنتدى الإقليمي للآسيان (ARF) عدداً من المحاور الخاصة بمكافحة الإرهاب شملت: [58]

تجميد الأصول المآلية للإرهاب والانضمام إلى الاتفاقيات الدولية المعنية،

التعاون مع المؤسسات الاقتصادية الدولية لتطبيق المعايير الدولية الخاصة بمنع اختراق النظم المآلية والمصرفية،

الالتزام بتقديم أقصى دعم فني ممكن للدول التي تحتاج إلى تطوير وتنمية أطرها التشريعية والقانونية.

وفيما يتعلق بالتعاون بين اتحاد الآسيان والولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب؛ عقد الطرفان اتفاق أثناء الاجتماع الوزاري، كان الهدف الحقيقي من ورائه يتجاوز تفعيل الدور الإقليمي للآسيان في مواجهة الإرهاب، ليتضمن سعي الولايات المتحدة إلى إعادة صياغة أجندة الترتيبات الإقليمية الآسيوية وطبيعتها الاقتصادية والأمنية وربطها بالإستراتيجية الأمريكية لمرحلة ما بعد 11 سبتمبر 2001.

نورد في ذات السياق، أنه لولا التطور الذي شهده اتحاد الآسيان خاصة ما تعلق بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء في الاتحاد، لما عقد الاتفاق مع الولايات المتحدة. فخلال السنوات الأخيرة، عملت الرابطة على إعادة النظر في هذا المبدأ سواء بالنسبة للدول الأعضاء أو المجتمع الدولي؛ وهو أحد أهم المبادئ الرئيسية التي قام عليها اتحاد الآسيان منذ نشأته سنة 1967 وحال دون نشوب خلافات سياسية، اجتماعية، أو ثقافية في المنطقة. وبالرغم من هذا كله، واجه الاتفاق العديد من الصعوبات كان على رأسها:

وجود هوة واسعة بين الطرفين فيما يتعلق بتعريف الإرهاب أو الجماعات الإرهابية،

وجود خلاف داخل الآسيان حول مفهوم الإرهاب،

وجود حالة من فراغ القوة داخل اتحاد الآسيان نتيجة ظروف التوتر وعدم الاستقرار في العديد من دول الرابطة خاصة إندونيسيا، فضلا عن تصاعد الأدوار الإقليمية لدول من خارج الإقليم كالصين والهند.

إلى جانب ذلك، استضافت دول جنوب شرق آسيا برامج متعددة الأطراف لبناء القدرات الإقليمية؛ حيث في 2003 وبدعم من الولايات المتحدة؛ أستراليا، اليابان وبلدان أخرى، قامت ماليزيا بإنشاء مركز إقليمي متعدد الجنسيات لمكافحة الإرهاب بجنوب شرق آسيا (SEARCCT)؛ وركز المركز على تدريب المسؤولين الإقليمين، ورجال الشرطة وتبادل المعلومات. كما قامت الأكاديمية التايلاندية-الأمريكية لتطبيق القانون الدولي ILEA ببانكوك؛ والتي أنشأت قبل أحداث 11 سبتمبر2001؛ بدعم عملية بناء القدرات الإقليمية لمكافحة الإرهاب والجريمة الدولية. [59]

ثالثا- آليات الولايات المتحدة الأمريكية في حربها على الإرهاب بجنوب شرق آسيا

نظراً لنظم المنطقة السياسية المستقرة نسبيا وعدم ارتباطها المباشر والواضح مع التنظيمات الإرهابية، عكس العلاقة بين نظام طالبان وتنظيم القاعدة، اعتمدت الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب بالمنطقة على آليتين أساسيتين هما:

التدريب عبر الوجود العسكري الأمريكي المباشر: تجسدت هذه الآلية من خلال التعاون الفلبيني-الأمريكي في مواجهة جماعة ابوسياف، والسعي إلى تسوية تفاوضية مع جبهة تحرير مورو الإسلامية، وتمثل الدور الرئيسي للولايات المتحدة في:[60]

-تدريب عناصر ووحدات فليبينية وطنية على الأراضي الفليبينية على مواجهة جماعة ابوسياف وتصفيتها،

-تقديم المشورة والمساعدة في وضع الخطط الهجومية والتكتيكية،

-تقديم الدعم للمخابرات الفليبينية والاتصالات من القوات المسلحة،

-توفير المعدات والأسلحة اللازمة التي تتناسب ومثل هذا النوع من العمليات.

وفي إطار تقديم المساعدات العسكرية، تم إرسال مجموعة من المعدات العسكرية بقيمة 100 مليون دولار إلى الفلبين في نوفمبر 2001؛ وفي فبراير 2002، ارتفع عدد القوات الأمريكية إلى 1300 جندي في جنوب الفلبين لمساعدة القوات المسلحة الفليبينية في عمليات ضد جماعة ابوسياف في جزيرة باسيلانBasilan جنوب غرب مينداناو .وفي سنة 2005، تعهدت الولايات المتحدة بإرسال حوالي 450 جندي لدعم عمليتي القوات المسلحة الفليبينية؛ حيث ركزت العملية الأولى على جماعة ابوسياف في غرب مينداناو، والعملية الثانية ركزت على جزر سولو Suluجنوب غرب باسيلان وخاصة جزيرة جولو Jolo المعقل القديم لابوسياف.[61]

نجح الدعم العسكري الأمريكي في جعل عمليات القوات المسلحة الفليبينية أكثر فعالية في جزيرتي باسيلان وجولو؛ تراجع قوة ابوسياف 15 إلى حوالي 200-400 مقاتل؛ قتل القادة الرئيسيون للجماعة، كما أسهمت مشاريع العمل المدني للجيش الأمريكي في إضعاف الدعم المقدم في جزيرتي باسيلان وجولو.[62] من جهة أخرى، أثار تعاون الحكومة الفليبينية الوثيق مع الولايات المتحدة موجة كبيرة من المعارضة الشعبية. ففي 2009، عارضت المجموعات اليسارية الفلبينية بقوة وجود الجيش الأمريكي نظراً لعدد من الحوادث، وهو ما دفع وزير الدفاع السابق روبرت غايتس إلى تخفيض عدد القوات الأمريكية إلى 600 جندي. كما اتهم بعض أعضاء البرلمان الفلبيني بانتهاك الدستور؛ حيث يحضر الدستور الفلبيني الاستعانة بالقوات الأجنبية في القتال على الأراضي الفليبينية؛ إلا أن الرئيسة الفلبينية “غلوريا أوريو” وواشنطن تحايلت على هذا البند، من خلال وصف العملية بأنها “تمرين تدريبي Training Exercise” على الرغم من حقيقة أن القوات الأمريكية ستكون مسلحة. [63]

وعليه، صادق مجلس الشيوخ الفلبيني على القرار رقم 1356، والذي دعي فيه وزارة الخارجية الفلبينية إلى ضرورة إعادة التفاوض حول اتفاقية القوات الزائرةVisiting Forces Agreement VFA مع الولايات المتحدة، كما أكد القرار على أن الاتفاقية أخفقت في تحديد فترة إقامة القوات الأمريكية وتحديد الأنشطة الذي يمكن القيام بها.[64] في حين، أعرب آخرون عن مخاوفهم من محاكاة تنامي الوجود الأمريكي لحرب فيتنام أو التبشير ببداية استعمار أمريكي جديد. [65]

الإجراءات المباشرة لحكومات المنطقة: اختصت هذه الآلية بدولتي ماليزيا وإندونيسيا نظرا لصعوبة تطبيق النموذج الفلبيني؛ بسبب سيطرة الأغلبية المسلمة على مجتمعات هاتين الدولتين؛ مما شكل معارضة شديدة للوجود العسكري الأمريكي المباشر. حيث انتقدت ماليزيا دولة الفلبين بالسماح للولايات المتحدة قيادة تدريبات عسكرية مشتركة لاجتثاث جماعة ابوسياف، إلى جانب أن طبيعة النظم السياسية بماليزيا وإندونيسيا حالت دون التعاون المباشر مع الولايات المتحدة؛ والتي تتميز بوجود تيار إسلامي حاضر بقوة من التفاعلات السياسية الرسمية خاصة في إندونيسيا.

من جهة أخرى، حالت القوانين الأمريكية الداخلية دون استفادة الجيش الإندونيسي من برامج التدريب العسكري الأمريكية؛ بسبب الاتهامات الأمريكية الموجهة إلى الجيش الإندونيسي بالمشاركة في مذابح تيمور الشرقية 1999، إلى جانب جرائم الفساد وتهريب المخدرات.[66] بالنظر للأسباب سالفة الذكر، اكتفت إدارة بوش بتقديم الدعم المالي والفني اللازم لوفاء تلك الحكومات بالتزاماتها حيال محاربة الإرهاب في المنطقة. حيث قدمت الولايات المتحدة مساعدات بلغت قيمتها الإجمالية حوالي 654.4 مليون دولار أمريكي؛ شملت 10 ملايين دولار لتدريب الشرطة الإندونيسية،17 مليون دولار لمساعدة اللاجئين وإعادة بناء البنية التحتية، 130 مليون دولار لتمويل الإصلاح القانوني والقضائي،100 مليون دولار من الامتيازات التجارية و400 مليون دولار لتعزيز التجارة والاستثمار في قطاع النفط والغاز.[67]

إلى جانب آخر، وقعت الولايات المتحدة وماليزيا مذكرة تفاهم Memorandum of Understanding (MOU) حول محاربة الإرهاب في ماي 2002، والتي أصبحت لاحقاً عنصر أساسي للإعلان حول محاربة الإرهاب؛ والذي وقعت عليه الولايات المتحدة واتحاد الآسيان في أوت 2002 خلال اجتماع المنتدى والإقليمي لاتحاد الآسيان (ARF). [68] هذا، وأظهرت فترة ما بعد الحادي عشر سبتمبر محاولات اتحاد الآسيان لتغير مقاربته لمحاربة الإرهاب من التوجه المحلي إلى التوجه الإقليمي بدرجة أكبر، إلا أن هذه الجهود اعترض سبيلها انقسامين داخلين تمثلا في:

تباين دول الآسيان حول الفترة الواجب استغراقها لمحاربة الإرهاب بشكل جماعي نظرا لتفاوت درجات الاستقرار السياسي الداخلي ومخاوف التدخل الخارجي.

تباين دول المنطقة حول عمق إشراك الولايات المتحدة في التعاون الإقليمي لمحاربة الإرهاب. فعلى سبيل المثال، دعمت سنغافورة والفلبين المشاركة الأمريكية، في حين دعت ماليزيا إلى استجابة محلية لمشكلة الإرهاب.[69]

مما سبق، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وجدت في حربها على الإرهاب مبدأ تنظيمي مركزي لسياستها الخارجية التي كانت تفتقر إليها بعد نهاية الحرب الباردة؛ الشيء الذي أدى إلى قطع العلاقات الأمريكية مع دول جنوب شرق آسيا لأكثر من عقد من الزمن؛ إلا أن سياستها تلك أكتنفها الغموض وشابها القصور من حيث:

عدم إظهار سياسة مكافحة الإرهاب لرؤية إستراتيجية أو تركيزاً ثابتاً؛ بسبب انشغال كبار المسؤولين بالنزاع في العراق وأفغانستان، فضلا عن عدم التوافق بين الأهداف المنشودة والموارد المتوفرة.

صممت سياسة مكافحة الإرهاب بشكل لا يناسب منطقة جنوب شرق آسيا؛ حيث عكست الاهتمامات الأمريكية لتلك الفترة، لكنها لم تتطرق إلى القضايا المركزية بالنسبة لدول المنطقة كالتنمية السياسية والاقتصادية.

قيام الإدارة بإدخال بعض التعديلات البسيطة على سياساتها لكنها لم تكن كافية، فضلا عن أن استجابتها للدور الصيني المتصاعد بالمنطقة كان جد متأخر؛ حيث أطلقت العديد من المبادرات عديمة الفائدة إشارة منها لدعم اتحاد الآسيان. كما حاولت عرقلة توسع اتفاقيات التجارة الحرةFTAs بين جنوب شرق آسيا والصين؛ بإطلاقها سياسة “مقاس واحد يناسب الجميع”.[70]

إلغاء الرئيس بوش حضور أول قمة سنوية بين الولايات المتحدة واتحاد الآسيان التي كان المقرر عقدها في سبتمبر 2007، وقرار وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس بتخطي الاجتماع السنوي للمنتدى الإقليمي لاتحاد الآسيان مرتين خلال ثلاث سنوات؛ مما يدل على المكانة الثانوية التي تحتلها المنطقة في أولويات الإدارة.

غياب مبادرات جديدة تجاه الدول التي كانت خارج حسابات حربها على الإرهاب كفيتنام، كمبوديا، لاوس وبورما؛ حيث عجزت الإدارة عن إدراج هذه الدول ضمن رؤيتها الجديدة للمنطقة وبهذا عادت إدارة بوش إلى الممارسة السابقة لإدارة كلينتون بتفضيلها للعلاقات الثنائية. [71]

ويرجع هذا في الواقع إلى الخلاف الموجود داخل الإدارة الأمريكية، ففي حين أن الإدارة سلكت النهج الواقعي اتجاه دول جنوب شرق آسيا المهمة في حربها على الإرهاب، أثر اليمين المحافظ بالكونغرس على نحو متزايد في السياسات اتجاه بقية الدول الأخرى بالمنطقة. فمن بين أربع دول المذكورة أعلاه، استفادت فيتنام فقط من تلك المبادرات لتلك الفترة، وتم حظر التمويل الأمريكي إلى الحكومة الكمبودية منذ سنة 1997، في حين اقتصرت المساعدة المقدمة إلى لاوس على المجالات التي تلبي الاحتياجات الأمريكية (مكافحة الإرهاب…) إلى حد كبير.

كانت مكافحة الإرهاب عبارة عن غطاء فشل في تغطية أقسام مهمة من جنوب شرق آسيا، ما أدى إلى انقسام السياسة الأمريكية بالمنطقة.

رابعا- تأثير الحرب العالمية للإرهاب على مشروعية الهيمنة الأمريكية: كما سبق الإشارة إليه، هيأت أحداث 11 سبتمبر 2001 الفرصة المواتية لتنفيذ رؤى المحافظين الجدد ومشروعهم الإستراتيجي للهيمنة على العالم الموسوم بـ “مشروع القرن الأمريكي” عبر أليات الحروب الاستباقية. استخدمت الولايات المتحدة “الحرب على الإرهاب” بما يسمح لها بإعادة التأكيد وشرعنة زعامتها العالمية، وهي الفكرة التي راودتها منذ التسعينات، فبعد نهاية الحرب الباردة، بدت واشنطن وكأنها تعاني من “عجز تهديدي،” وقد كانت هناك العديد من المحاولات لإيجاد بديل عن الإتحاد السوفيتي، كعدو ترتكز عليه الولايات المتحدة في سياستها الخارجية والعسكرية، فكانت اليابان أولا، ثم الصين، ثم الدول المارقة مثل إيران…غير أن هذه التهديدات لم ترتقي إلى الحرب الباردة.[72]

لتأتي هجمات 11سبتمبر 2001الإرهابية، التي مثلت حلا طويل الأمد للعجز التهديدي الذي عانت منه واشنطن، وإذا ما تم بناء هذه الفكرة والتأكيد على كونها “المعركة العالمية الكبرى الجديدة،” فإن ذلك سيؤدي إلى تعزيز شرعية الأحادية الأمريكية والحفاظ عليها. إلا أن الحرب العالمية على الإرهاب GWOT كان لها تأثيرات وخيمة على مشروعية الهيمنة الأمريكية، يظهر ذلك من خلال ثلاث جوانب لعقيدة جورج بوش الابن:[73]

القواعد والمعايير الدولية المتعلقة بالضربة الوقائية واستخدام القوة : تحت قيادة بوش الابن، تحولت السياسة الأمريكية إلى نهج القاعدة الدولية لـ «استخدام القوة” و “الضربة الوقائية”. ورغم الدعم الأولي من الجماعة الدولية، إلا أنه مع نهاية 2002، تنامى القلق من أن الولايات المتحدة تحاول بشكل فردي إعادة تفسير مصطلحات القواعد والمعايير الدولية المتعلقة بالضربة الوقائية واستخدام القوة لأجل مصلحتها الخاصة[74] ،وتجلى ذلك من خلال:

عقيدة “الحرب الوقائية” و “الإستراتيجية الوقائية”، حاولت الولايات المتحدة تحويل التفسير المتفق عليه لهذا المعيار الدولي، من الهجوم على “تهديد وشيك” إلى “الوقاية” وبذلك تكون قادرة على ضرب العدو أولا دون دليل محدد على وجود هجوم وشيك.[75] وبهذه الطريقة سعت إدارة بوش إلى تقريب إستراتيجيتها إلى “الدفاع عن النفس”؛ بمعنى أنه إذا كان التهديد وشيكاً فيمكن على الأقل ادعاء بعض الشرعية. [76]

الخلاف حول التفسير الأمريكي لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1441؛ والذي تم إقراره بالإجماع في نوفمبر 2002؛ المتضمن منح العراق فرصة أخيرة للامتثال لالتزامات الأمم المتحدة بنزع أسلحة الدمار الشامل، كان له نتائج سلبية على الشرط الأساسي لنظام الهيمنة الأمريكي (شرعية القواعد والمعايير المتفق عليها دوليا). ففي سعيها لتفسير القانون الدولي والقواعد الراسخة، أخفقت إدارة بوش في استيعاب أن الحكم على الشرعية لا تستمد من القانون فحسب، بل مما يعتبره الآخرين سلوكا مقبول وفقا للقواعد القائمة.

2- الإكراه والقبول في الجيوبوليتك الإقليمية: استخدمت إدارة بوش الابن الإكراه والإغراء لحشد دعم منطقة آسيا -الباسيفيك في حربها على الإرهاب وهذا من خلال استخدام القوة؛ الحوافز القسرية العسكرية والاقتصادية، مع الدول التابعة، والمؤسسات الإقليمية، التي يتم مكافأتها مالياً، اعتمادًا على دعمها لـلحرب العالمية على الإرهاب.

في استجابتها للحرب العالمية على الإرهاب، انقسمت دول آسيا -الباسيفيك فئتين: الفئة الأول، الدول التي تربطها علاقات إستراتيجية قوية مع الولايات المتحدة: ذلك اليابان؛ كوريا الجنوبية وأستراليا. الفئة الثاني، ضمت العديد من دول جنوب شرق آسيا التي تعتبرها الولايات المتحدة مصدراً لعدم الاستقرار الإقليمي. تعرضت هذه الدول لضغوط شديدة لقبول مساعدة مكافحة الإرهاب التي فرضتها الولايات المتحدة. وتم حشد الإغراءات من خلال التحالفات الثنائية القائمة في جنوب شرق آسيا: الفلبين وتايلاندا. خلقت عقيدة بوش، والانطباع عن الحملة العسكرية ضد الإسلام، مشاعر معادية للولايات المتحدة في الدول ذات الأغلبية المسلمة في إندونيسيا وماليزيا في جنوب شرق آسيا، مما أثار ردود فعل عنيفة ضد الأهداف الغربية (هجومات بالي بإندونيسيا 2002)[77]. كما أوضح أحد المحللين في جنوب شرق آسيا، سيمون تايSimon Tay، أن:” أجندة الولايات المتحدة لما بعد 11 سبتمبر … عقدت الصراعات الدولية وحركات التمرد القائمة في جنوب شرق آسيا”.[78]

3-تقويض المؤسسات الإقليمية : مارست واشنطن صلاحياتها في وضع جدول الأعمال داخل المؤسسات الإقليمية، حيث أصدرت الأباك APEC أول بيان سياسي بشأن مكافحة الإرهاب؛ وتولت رابطة الآسيانASEAN مهمة الإعلانات الداعمة، التي تقدم تعاونا إقليميا معززا في مجال تبادل المعلومات الاستخبارية ومكافحة الإرهاب؛ في حين تبنى المنتدى الإقليمي للآسيانARF جدول أعمال لتنفيذ تدابير الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، بما في ذلك تدابير لمنع تمويل الإرهاب. بعيدا عن المصالح الأمريكية المحدودة المتعلقة بـالحرب العالمية على الإرهاب، لم تلقى القضايا الإقليمية والتحديات السياسية الاهتمام الكافي في واشنطن، كما أدى عدم توظيف المقاربات الدبلوماسية والثقافية والاقتصادية بشكل كافي، إلى تقليل القنوات الأمريكية للإقناع والتأثير.

فضلا عن ذلك، نتج عن انشغال واشنطن بالإرهاب أعطى الأولوية للقضايا الأمنية، وإهمال العلاقات متعددة الأطراف لصالح العلاقات الثنائية. على سبيل المثال، تقلصت فرص الاحتفاظ بمكانتها في جنوب شرق آسيا، بغياب مسؤولي الإدارة الرئيسيين، بمن فيهم الرئيس، عن اجتماعات رابطة الآسيان، وتحديدا، عدم حضور الرئيس جورج بوش الابن الاحتفالات بالذكرى الأربعين لرابطة الآسيان، التي تضمنت القمة الافتتاحية بين الولايات المتحدة والآسيان في سنغافورة، في سبتمبر 2007.

خلال هذه الفترة، عزلت الولايات المتحدة نفسها عن المؤسسات الإقليمية التي تم تصميمها وإنشائها، في كثير من الأحيان بمبادرة منها. على الرغم من قدراتها التي لا مثيل لها، كان تأثير رغبتها في التخلي عن العقد الاجتماعي القائم الذي استندت إليه هيمنتها، سبباً في تقويض شرعيتها.[79]

أقراء أيضا: الوضع الأمريكي المهيمن بمنطقة جنوب شرق أسيا وتنامي تهديد الصعود الصيني


الهامش

*الفولكينز هو إله النار الروماني الذي يتميز بالقوة، العزم، الصلابة والمتانة.

[1]فوزي حسن حسين، مرجع سابق، ص ص 306 -312.

[2] عادل بديوي، مرجع سابق، ص ص 492-493.

[3] نفس المرجع، ص 493.

[4] بريجينسكي زبيغنيو، مترجما، رقعة الشطرنج الكبرى: السيطرة الأمريكية وما يترتب عليها جيو استراتيجيا (دمشق: مركز الدراسات العسكرية ،1999)، ص 37.

[5] عادل بديوي، مرجع سابق، ص 494.

[6] Saeid Naji, Jayum A. Jawan and Fakhreddin Soltani, The US Geopolitical Code and Its Global Objectives during The First Term of George W. Bush’s Presidency, Pensee Journal, vol 76. No 3, March 2014, p 189.

[7] Saeid Naji, Jayum A. Jawan and Fakhreddin Soltani, The US Geopolitical Code and The Role of the Persian Gulf Oil in the US Military Intervention in 2003, Pertanika Journal of Social Sciences and Humanities, University Putra Malaysia Press ,22(11) 95,2014, p 95.

[8] Hung Ming-Te, Lee Mei-Hsien, An Analysis of Obama Administration’s Foreign Policy in Southeast Asia, Paper Presented at the International Studies Association Annual Convention, Montreal, Quebec, Canada, 16-19 March 2011, p 07.

[9] The White House, National Security Strategy of The United States of America, Washington D.C, May 2010, p09.

[10] Ibid. P43.

[11] علي جلال معوض، “التحالفات غير المستقرة: تعقيدات إدارة العلاقات بين الحلفاء على المستويين الإقليمي والدولي”، اتجاهات الأحداث، ع 22، 2017، ص 16.

[12] The White House, National Security Strategy of The United States of America, Washington D.C, December 2017, pp 45-46.

[13] Ibid, p45.

[14] Ibid, p01.

[15] Saeid Naji, Jayum A. Jawan, US Hegemonic Leadership and its Geopolitical Code, International Journal of Business and Social Science, Vol 2, No7, Special Issue, April 2011, p 156.

[16] هادي قبيسي، السياسة الخارجية الأمريكية بين مدرستين المحافظية الجديدة والواقعية (بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون،2008)، ص 21.

[17] ثائر خليل محمد، الأمن القومي الأمريكي والتغيير في المنطقة العربية (عمان: دار الحامد للنشر والتوزيع ،2016)، ص 192.

[18] Elizabeth Economy, China’s Rise in Southeast Asia: Implication for Japan and The United States, Japan focus, 10 October 2005

https://bit.ly/37tPzMM (accessed on 12/07/2018).

[19] Evelyn Goh, The Bush Administration and South East Asian Regional Security Strategies, in George Bush and East Asia: A First Term Assessment, (ed) Robert M. Hathaway and others (Washington D.C: International Center for Scholars, Asia Program, 2005), P 183.

[20] Catharin E. Dalpino, The Bush Administration in Southeast Asia: Two Regions? Two Policies, in George W Bush and Asia: A Midterm Assessment, (ed)Robert M. Hathaway and Wilson Lee (Washington D.C, International Center for Scholars Asia Program, 2003), P 106.

[21] Robert J. Kerry, The United States and Southeast Asia: A Policy Agenda for The New Administration, Report of an independent Task Force, The Council on Foreign Relations, 2001, PP 02-03.

[22] Hang Nguyen, op.cit., P 42.

[23] السيد ولد اباه ،عالم ما بعد 11 سبتمبر 2001: الإشكالات الفكرية والاستراتيجية (بيروت: الدار العربية للعلوم، 2004) ، ص 40.

[24] ثائر خليل محمد، مرجع سابق، ص 197.

[25] Lawrence Kaplan, William Kristol, The war over Iraq: Saddam’s tyranny and America Mission (New York, Encounter Books ,2003), p 79.

[26] Joseph S. Nye, IR Joseph Nye Commentary: How Obama Leads, Harvard Kennedy School

https://bit.ly/3aLJ2Pm (accessed on 08/07/2018).

* وتعرف الحرب الوقائية بأنها شنّ الحرب على عدو يستحضر إمكانياته ويعبئها من أجل أهداف عدوانية، وتهدف هذه الحرب لاكتساب ميزة تفوق إستراتيجية على العدو تتمثل بامتلاك زمام المبادرة والمفاجأة لثني العدو عن تنفيذ هجومه أنظر: فوزي حسن حسين، التخطيط الاستراتيجي للسياسة الخارجية وبرامج الأمن القومي للدول: الولايات المتحدة الأمريكية نموذجا (بيروت: دار المنهل اللبناني، 2013)، ص 165.

[27] Evelyn Goh, Op. Cit., P 184.

[28] Bruce Vaughn, Terrorism in Southeast Asia, CRS Report for Congress, 07 February 2005.

[29] Richard P. Cronin, The Second Bush Administration and Southeast Asia,

https://bit.ly/36wlXgd (accessed on 20/07/2018).

[30] Catharin E. Dalpino, The Bush Administration in Southeast Asia: Two Regions? Two Policies, Op. Cit., P 109.

[31] Ibid.

[32] Ibid.

[33] Joseph S. Nye, IR Joseph Nye Commentary: How Obama Leads, Harvard Renned Y. School,

https://bit.ly/2RszbGI (accessed on 08/07/2018).

[34] محمد فايز فرحات، “الحرب ضد الإرهاب في جنوب شرق آسيا”، السياسة الدولية، ع50 ،2002، ص 167.

[35] جنوب شرق آسيا …الموطن البديل للخلافة، 4 ماي 2016، روسيا الآن

(تم تصفح الموقع يوم 23/08/2018) https://bit.ly/2RtbOg

[36] نفس المرجع.

[37] إسلام المراعي، جاكارتا: هل يؤسس داعش خلافته البعيدة، 20جانفي 2016

(تم تصفح الموقع يوم 24/07/2018). https://bit.ly/2RulhE1

[38] محمد فايز فرحات، مرجع سابق، ص ص 167-168.

[39] علي عبد العال، الجماعة الإسلامية في إندونيسيا…خلايا من رحم الثورات

(تم تصفح الموقع يوم 24/07/2018.) https://bit.ly/37wFf6w

[40] صهيب جاسم، جهاديو إندونيسيا: من حركة دار السلام إلى تنظيم الدولة، 04 أفريل 2016، مركز الجزيرة للدراسات

https://bit.ly/2Gn0USG (تم تصفح الموقع يوم 24/07/2018).

[41] إسلام المراعي، مرجع سابق.

[42] نفس المرجع.

[43] نفس المرجع.

[44]جماعة ابوسياف، تنخرط في منظومة الجهاد العالمي من الفلبين العرب، ع 10214، 14 مارس 2016

https://bit.ly/2IVmlvD (تم تصفح الموقع يوم25/07/2018)

[45] جنوب شرق آسيا…. الموطن البديل للخلافة، مرجع سابق.

[46] جبهة “مورو” الإسلامية، التحرر الوطني على الطريقة الإخوانية، بوابة الحركات الإسلامية، 18 أكتوبر 2015،

https://bit.ly/30TiF5L (تم تصفح الموقع يوم 25/07/2018)

[47] نفس المرجع

[48]جنوب شرق آسيا…الموطن البديل للخلافة، مرجع سابق.

[49] محمد فايز فرحات، مرجع سابق، ص 169.

[50] مرجع سابق

[51] Prashanth Parameswaran, What’s Next for The New ASEAN “Our Eyes” Intelligence Initiative?, The Diplomat, 27 January 2018

https://bit.ly/3aFymln (accessed on 27/07/2018).

[52] Jonathan T. Chow, ASEAN Counterterrorism Cooperation Since 9/11, Asian Survey, Vol 45, No 2. (March/April 2005), P 303.

[53] محمد فايز فرحات، مرجع سابق، ص 170.

[54] نفس المرجع.

[55] ASEAN, 2001 ASEAN Declaration on Joint Action to Counter Terrorism, 5 November 2001.

https://bit.ly/2TSydoS (accessed on 29/07/2018).

[56]محمد فايز فرحات، مرجع سابق.

[57] Jonathan T. Chow, ASEAN Counterterrorism Cooperation since 9/11, Op. Cit., P 306.

[58] محمد فايز فرحات، مرجع سابق، ص 170.

[59] Richard P. Cronin, The Second Bush Administration and Southeast Asia, Op. Cit..

[60] Ibid.

[61] Bruce Vaughn and Others, Terrorism in Southeast Asia, CRS Report for Congress, Congressional Research Services, 16 October 2009, p 19.

[62] Ibid.

[63] Ibid.

[64] Bruce Vaughn and other, Op. Cit., P 20.

[65] Jonathan T. Chow, Op. Cit., p 311.

[66] محمد فايز فرحات، مرجع سابق، ص 172.

[67] Jonathan T. Chow, Op. Cit., P 312.

[68] Bruce Vaughn and others, Op. Cit., P 28.

[69] Jonathan T. Chow, Op. Cit., P 314.

[70] Richard P. Cronin, Op. Cit..

[71] Catherin E. Dolpino, The Bush Administration in Southeast Asia: Two Regions? Two Policies, Op. Cit., P 115.

[72] قاسي فوزية، “الحرب على الإرهاب ومنطق الأمننة: قراءة في السياسة الأمريكية العالمية الجديدة من منظور مدرسة كوبنهاجن”، المجلة الجزائرية للأمن والتنمية، ع03، جويلية 2011، ص 73.

[73] Anisa Heritage, Interpreting the Obama Administration’s Rebalance Strategy: Sustaining U.S. hegemony in the Asia-Pacific, unpublished PhD Thesis (University of Kent, September 2016), pp73-79

[74] Ibid, p 73.

[75] Martin Griffiths, “Beyond the Bush Doctrine: American Hegemony and World Order”, Australasian Journal of American Studies 23, No 01 ,2004, pp 67-68.

[76] Robert Tucker and David Hendrickson, “The Sources of American Legitimacy,” Foreign Affairs 83, No 6
(Nov/Dec 2004), p 20.

[77] T.J. Pempel, “How Bush Bungled Asia: Militarism, Economic Indifference and Unilateralism Have Weakened the United States across Asia,” The Pacific Review, vol21, No 5 ,2008, P 547

[78] Simon Tay, “Asia and the United States after 9/11: Primacy and Partnership in the Pacific,” Fletcher Forum of
World Affairs, vol28, No 1, Winter 2004, P 121

[79] Philip G. Cerny, “Dilemmas of Operationalizing Hegemony,” in Hegemony and Power: Consensus and Coercion in Contemporary Politics, eds. Mark Haugaard and Howard Lentner (Lanham, MD, Lexington Books, 2006), P 81.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى