التنسيق الأمني بين مصر وإسرائيل بعد الانقلاب
تمهيد
قال الخبير الأمني الإسرائيلي في صحيفة معاريف “يوسي ميلمان” إنه “منذ اعتلاء الجنرال عبد الفتاح السيسي للحكم في مصر، نشأت بينه وبين إسرائيل علاقات وثيقة هي الأقوى من نوعها، وبات التنسيق الأمني بينهما في حالة تحسن تدريجي مع مرور الوقت”. وأوضح “ميلمان”: أن “اتفاق مصر والسعودية حول تيران وصنافير يتطلب إحداث تغييرات في نص اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، كما حصل إبان موافقة إسرائيل على إدخال قوات مصرية إضافية لشبه جزيرة سيناء أكثر مما كان منصوصا عليه في اتفاق السلام، لتحسين قدرة القوات المصرية على محاربة تنظيم الدولة هناك”.
ورأى الخبير العسكري الإسرائيلي في صحيفة “هآرتس” أمير أورن” أن اتفاق مصر والسعودية حول جزيرتي تيران وصنافير يعد سابقة إيجابية في مسألة تبادل الأراضي بمشاركة إسرائيل، ويمكن لما حصل بين الرياض والقاهرة أن تتم محاكاته في المستقبل، ومن شأنه بعثرة أوراق الشرق الأوسط بحيث يُعاد تقسيم دولها من جديد لصالح كل اللاعبين”. وربما لنفس السبب أصر نتنياهو مؤخرا ان يعقد إجتماعا بهضبة الجولان السورية ومن هناك يعلن أنها أرض إسرائيلية للأبد حسبما تناقلته وكالات الأنباء.
واعتبر “أورن” أن “نقل الجزيرتين من مصر إلى السعودية يعد صفقة جيدة لإسرائيل، لأنها تفتح آفاقا مستقبلية إيجابية لها، مما يتطلب من إسرائيل الابتعاد عن التفكير في الماضي حيث خاضت ٥ حروب مع مصر”.
أما المراسل العسكري في موقع ويللا الإخباري “أمير بوخبوط” فقال إن “المكاسب الإسرائيلية من اتفاق مصر والسعودية على نقل ملكية الجزيرتين، تأتي استكمالا لمرحلة الاتصالات الأمنية الوثيقة بين تل أبيب والقاهرة منذ الحرب الأخيرة على غزة المسماة “الجرف الصامد”، في صيف 2014، وبات الإسرائيليون يرون في السيسي رجلا يلتزم بكلمته تجاههم”.
واستذكر “كيف بدت تل أبيب حريصة خلال تلك الحرب على المحافظة على شبكة العلاقات مع مصر، ومنح السيسي وزناً كبيراً في اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس آنذاك بعد الحرب التي استمرت 52 يوما، وبدا واضحا ان الحوار بين مصر وإسرائيل آخذ بالتعمق بعد انتهاء حرب عزة الأخيرة”.
وأضاف بوخبوط “أن مبارك وعد في العديد من المرات بتدمير شبكة الأنفاق عند حدود غزة لإحباط تهريب السلاح لحماس، لكنه لم يفعل شيئا، في حين أن السيسي وعد فأوفى بوعده، وبسبب ذلك فقدت حماس موردا جوهريا من تهريب السلاح، عقب إعلان القاهرة أن الحركة عدوها الحقيقي (1).
وفي ذات السياق، كشفت صحيفة هآرتس “أن مصر أبلغت إسرائيل مسبقا بقرارها نقل ولاية جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر إلى سيادة المملكة العربية السعودية”. وأفادت الصحيفة بأن” إسرائيل أبدت عدم معارضتها هذه الخطوة، ما دام أنها ستحافظ على حرية الملاحة للسفن الإسرائيلية في المنطقة، وتلتزم باتفاق السلام الموقع مع مصر في “كامب ديفد” عام 1979. وأرسلت مصر لإسرائيل والولايات المتحدة رسائل طمأنة بالالتزام بتعهداتها الواردة في ذلك الاتفاق”. وأضافت هآرتس” أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كشف النقاب عن هذه المسألة في أحد اجتماعات المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية قبل أسبوعين (2).
وقدم نتنياهو للوزراء تقريرا حول الخطوة المصرية التي كانت في طور الإعداد آنذاك، كما أن القوة العسكرية الأميركية والدولية الموجودة في شبه جزيرة سيناء وُضِعت هي الأخرى في صورة الاتفاق المصري السعودي”.
وأفادت صحيفة معاريف أن “الاتفاق المصري السعودي قد يتطلب إجراء تعديل في اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر، ويتوجب المصادقة على هذا التغيير في الكنيست البرلمان الإسرائيلي”. وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت” أن التغيير الذي سيطرأ على اتفاق كامب ديفد بناء على التفاهم المصري السعودي، يمر هذه الأيام بالتدقيق القانوني والقضائي في وزارة الخارجية وأجهزة الأمن الإسرائيلية”.
علاقات حميمة:
وضمن التنسيق الأمني بين نظام الإنقلاب والكيان الصهيوني ذكر موقع “ويللا الإخباري” الإسرائيلي: “أن السفير الإسرائيلي لدي الإنقلاب حاييم كوربين أعلن أن إسرائيل ومصر لديهما تفاهمات فيما يتعلق بالوضع في سيناء، وهما يتعاونان بشكل يومي، مؤكدا أن مصر لن تعود بعد اليوم عدوة لإسرائيل”. وطالب السفير: “بإدراج اتفاقيات السلام في مناهج التعليم المصرية”.
وقال “حاييم كوربين”: بات طبيعيا أن تتعاون الدولتان في كل القطاعات ذات المجال المشترك، لأن العدو الأول الأساسي اليوم أمام مصر هو الإرهاب متمثلا في حركة المقاومة الإسلامية ـ حماس ـ وتنظيم الدولة الإسلامية في سيناء.”
وبشأن تبادل المعلومات الأمنية بين إسرائيل ومصر، قال السفير الإسرائيلي إن الجانبين يعملان بصورة يومية، ويتبادلان الآراء في مختلف المجالات، ولديهما تفاهمات مشتركة فيما يتعلق بالوضع الأمني في سيناء، حتى فيما يتعلق بتطورات الظروف الميدانية في المنطقة ككل. وأضاف: “لدي ثقة كاملة بأن القيادة المصرية تعتقد أنها يجب أن تتعاون مع إسرائيل ضد الإرهاب حتى لا يتدهور الوضع الأمني في مصر كما هي الحال في اليمن”(3).
ولقد وصلت العلاقات الحميمة بين نظام حكم عبد الفتاح السيسي والحكومة الإسرائيلية الي درجة كشف فيها الباحث الإسرائيلي والضابط السابق في سلاح الاستخبارات العسكرية “ماتي ديفيد” أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عرض على الرئيس الفلسطيني محمود عباس خطة لإقامة دولة فلسطينية في شبه جزيرة سيناء(4). وتقضي الخطة، حسبما أورده ديفيد في مقال له بموقع “نيوز ون الإخباري”: “بنقل ما مساحته 1600 كلم2 من الأراضي المصرية في سيناء إلى السلطة الفلسطينية”.
وحسب خطة قائد الإنقلاب عبد الفتاح السيسي وفق الرواية الإسرائيلية، فإن السلطة الفلسطينية ستحصل على حكم ذاتي في المدن الفلسطينية بالضفة الغربية، مقابل أن يتنازل عباس عن مطالبته من إسرائيل بالعودة إلى حدود العام 1967، وحق العودة للاجئين، حيث أن الأميركيين موجودون في صلب النقاش حول هذه الخطة، بينما حصل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على تفاصيلها.
وقد كشفت القناة الإسرائيلية العاشرة في ٢٨ فبراير 2016، أن قائد الإنقلاب عبد الفتاح السيسي يجري اتصالا هاتفيا دوريا، مرة كل أسبوعين، مع رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو. وتأتي الاتصالات، وفق القناة، في سياق التنسيق الأمني الرفيع بين البلدين، وخاصة في مواجهة حركة المقاومة الإسلامية، ومواصلة ضرب وهدم الأنفاق التي تحفرها، كما تأتي الاتصالات كذلك لتنسيق القتال ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (5).
المنطقة العازلة
ولعل أخطر ما نجم عن التنسيق الأمني بين سلطة الانقلاب في مصر وسلطة الاحتلال في تل أبيب في سيناء هو انشاء المنطقة العازلة في رفح، حيث يعتبر البعض أن إنشاء هذه المنطقة العازلة هي معركة بقاء السيسي الجديدة – القديمة، فقد أصدر قائد الإنقلاب أوامره بحملة إخلاء من شمال سيناء لــما يزيد على عشرة آلاف مواطن مصري، وتدمير نحو 800 منزل سكني عاش فيها نحو 1165 أسرة سيناوية، لصالح قناة المياه وجدار الفصل(6).
وإذا كان الرأي العام المصري قد تعامل مع القرارات التي اتُخذت لتطهير سيناء من الإرهابيين والإحالات التي تضمنتها باعتبارها مسلمات مستقرة لا سبيل إلى مناقشتها أو مراجعتها، فإن البيانات والتقارير التي صدرت من خارج مصر فتحت الباب لمراجعة الأسباب والتداعيات، وهنا تبرز شهادتان:
الأولى من غزة: فمنذ أعلن رسمياً في مصر أن عملية الشيخ زويد الإرهابية نُفذت بدعم خارجي فإن الأنظار اتجهت مباشرة إلى قطاع غزة، ثم إلى حركة حماس المصنفة مصرياً ضمن القائمة السوداء بسبب ارتباطها التاريخي بحركة الإخوان المسلمين. ورغم ان الاتهام لم يوجه إلى حماس بصورة رسمية، إلا أن وسائل الإعلام استُخْدِمت لتثبيت تلك التهمة. وانتهى الأمر ليس فقط بتعميم الاتهام وإنما أيضاً بنشر أسماء لأشخاص ذكرت المصادر السيادية المصرية أنهم ضالعون في الجريمة.
الثانية من الكيان الصهيوني: فقد ورد في موقع صحيفة يديعوت أحرونوت يوم 30/10/2014 معلومات مهمة مصدرها كبير المعلقين العسكريين بالصحيفة “رون بن يشاى” المعروف بصلاته الوثيقة بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية. فقد ذكر ما يلي:
1. إن النظام المصري يبالغ في ادعائه بأن عناصر من غزة لها علاقة بالهجمات التي استهدفت الجنود المصريين مؤخراً. والأوساط الأمنية الإسرائيلية تقدر عدد عناصر أنصار بيت المقدس بما لا يتجاوز 2000 شخص، وهي في ذلك تشدد على أنهم جميعاً من الشبان المصريين.
2. إن جهاز المخابرات الداخلية “الشاباك” وشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” يتوليان مهمة جمع المعلومات الاستخبارية عن تحركات “الجهاديين” في سيناء. وهذه المعلومات تنقل إلى الجانب المصري الذي يستفيد منها في حربه الفعلية ضد تلك الجماعات. وفى بعض الأحيان لا يتردد الجيش الإسرائيلي في العمل بنفسه داخل سيناء، سيما حين يتعلق الأمر بإحباط عمليات تخطط لها الجماعات الجهادية، أو عندما يتم الرد على عمليات إطلاق النار.
3. إن “إسرائيل” تقدر الخطوات التي يقوم بها الجيش المصري في شمال سيناء، لا سيما تدمير المنازل المقامة بالقرب من الشريط الحدودي مع قطاع غزة.
4. إن الحرب التي تشنها السلطات المصرية ضد تنظيم “أنصار بيت المقدس” تخدم “إسرائيل” بشكل كبير، لأن ذلك التنظيم يمثل تهديداً لأمن “إسرائيل” في المدى البعيد، رغم اشتباكه في الوقت الراهن مع الجيش المصري.
5. إن “إسرائيل” تساعد مصر في الحرب ضد الجماعات الإسلامية من زاوية أخرى إضافية، حيث تسمح للجانب المصري بالاحتفاظ بقوات كبيرة في سيناء، أكبر بكثير مما يسمح به الملحق الأمني في اتفاقية “كامب ديفيد”.
وإذا كان من الصعب التسليم بالمطلق بصحة هذه المعلومات، لكن يجب التفكير فيها بجدية، لأنها تساعد على التفكير مرة أخرى في مسلمات المشهد الذي انتهى بقرار إخلاء 14 كيلو متراً من السكان والعمران، وهي المنطقة المجاورة لقطاع غزة، باعتبارها منطقة خطرة. أما الشريط الحدودي مع إسرائيل الذي يمتد بطول ـ 184ـ كيلو متراً فقد اعتبر منطقة مؤمنة وآمنة ولا قلق منها.
إن المستفيد الأول والوحيد من المنطقة العازلة ليس الأمن المصري في سيناء، ولا المواطن السيناوي، بل” إسرائيل”، ومن سيدفع الثمن أولاً هم سكان رفح المصرية، وسكان القطاع والاستقرار الأمني في سيناء ثانياً، لأن المال والجهد الأمني يوجه في غير وجهته الحقيقية.
خلاصات:
من خلال الاطلاع علي دراسات وتقارير لمراكز بحوث وصحف ووسائل إعلام صهيونية وعالمية وعربية حول تنسيق أمني وإستراتيجي واسع النطاق بين أجهزة الإستخبارات بين سلطة الانقلاب في مصر وسلطة الاحتلال في الأراضي الفسلطينية، نسطيع أن نستنتج أن الإنقلاب الذي تعرضت له مصر كان الهدف الأساسي ممن خططوا له في أروقة الصهيونية العالمية هو إضعاف مصر وإنهاكها، وضرب محاور أمنها القومي، وتجريدها من مقومات نهضتها وتعريضها للتقزيم ثم الإنقضاض عليها وإقتطاع أجزاء منها في إطار نطاق الشرق الأوسط الجديد.
وبدأت المخططات تحت عنوان “ترسيم الحدود في البحر المتوسط” وحصلت تل ابيب وقبرص علي ٧ حقول غاز في المياه الإقتصادية المصرية. وفي ذات السياق تمت عملية ترسيم أخري لحدود مصر مع السعودية في ظل غياب الشعب وتغييب ممثليه، وكان لابد من سلخ جزيرتي تيران وصنافير عن مصر لتدويل الممر البحري بعد أن صادرت تل أبيب ايلات “أم الرشراش” المصرية، وتنازل عنها السادات رسمياً في كامب ديفيد. وفي ظل إرهاب وهمي ومفتعل في سيناء يتم اخلاء أودية العريش الآن لتسليمها قريبا ًلتل ابيب وإنهاء القضية الفلسطينية. ولا يستبعد فريق من الخبراء أن البني التحتية التي يُجهزها الإنقلابيون في شبه جزيرة سيناء، ليس من باب الحرص على تعمير سيناء، وإنما لتهيئة المجال أمام مخططات التقسيم والتفكيك في المنطقة.
والخطوة الأهم نحو إجهاض تلك المخططات يبدأ بحملات توعية واسعة النطاق تُوجه لجماهير الشعب المصري حتي تُدرك حجم هذا الخطر على أمنها القومي.
————————————-
الهامش
(1) تنسيق امني غير مسبوق بين إسرائيل ومصر، الجزيرة نت، الخميس ١٤ -٤-٢٠١٦، الرابط
(2) مصر ابلغت تل ابيب بنقل الجزيرتين للسعودية –موسوعة الجزيرة نتؤـ ١٢.-٤.-٢٠١٦، الرابط
(3) السفير الصهيوني بالقاهرة مع بي بي سي مارس ٢٠١٦، الرابط
(4) بوابة الشروق ـ ٥ ـ٤ ـ ٢٠١٦، الرابط
(5) القناة الإسرائيلية العاشرة: السيسي يتصل مرة كل أسبوعين بنتنياهو، الرابط
(6) الندوة السياسية المنطقة العازلة في سيناء التداعيات والاثارـ مركز الدراسات الفلسطينية، 13-11-2014، الرابط