دراساتسياسة

الفاعلون في الحراك الطلابي بعد انقلاب 2013

ينصب اهتمام هذه الورقة على دراسة الحراك الطلابي ما بعد 2013 بالأساس، وتعتمد الورقة على إجراء المقابلات المعمقة مع طلاب اشتبكوا في هذا الحراك، فقد تمت المقابلات مع 28 طالب/ة، 14 طالبة و14 طالباً، أما الطالبات، فتوزعوا كالآتي:

4 فتيات من جامعة الأزهر توزعن بين كليتي التجارة والدراسات الإسلامية، 3 فتيات جامعة عين شمس كليات طب أسنان وصيدلة وتجارة، طالبة من جامعة حلوان تحديدا هندسة المطرية، طالبة من جامعة خاصة (جامعة المستقبل) ، 5 طالبات من جامعة القاهرة توزعن بين كليات الاقتصاد والعلوم السياسية والصيدلة والآداب.

أما الطلبة فتوزعوا بين الجامعات التالية:

طالبان من كلية طب جامعة طنطا، طالب بصيدلة جامعة الإسكندرية، طالبان بجامعة خاصة تحديدًا (الجامعة الكندية والمعهد التكنولوجي فرع 6 أكتوبر)، طالبان بجامعة حلوان كلية الهندسة، 4 طلاب من جامعة القاهرة كليات (الاقتصاد والعلوم السياسية/ الحقوق/ آداب)، و4 طلاب من جامعة الأزهر (تجارة/ هندسة/ طب)

وتنطلق من سؤال رئيس هو: كيف كان الحراك الطلابي بالجامعات المصرية ما بعد انقلاب 3 يوليو 2013، أنماطه ومآلاته؟ أي ماذا حدث في الجامعات المصرية بعد حدث مفصلي في التاريخ المصري كحدث انقلاب 3 يوليو، وما أبرز القضايا التي أثارها هذا الحراك الطلابي.

ويتناول هذا القسم من الدراسة الفاعلين في الحراك الطلابي: الفتيات وأنوثة المقاومة، والعمال وغيابهم، والجامعات الخاصة ونخبوية الحراك، ويشمل المحاور التالية: الفتيات والحراك الطلابي: إعادة سؤال الرجولة والأنوثة، ولماذا غاب العمال عن الحراك الطلابي؟، والحراك في الجامعات الخاصة: تأثير الطبقة على نخبوية الحراك.

ونناقش في الخاتمة تقييم تجربة الحراك الطلابي بعد 2013، ونجيب على السؤال التالي: هل يمكن التعويل على الطلاب في التغيير السياسي؟

أولًا: العمال والطلاب: غياب العمال في الحراك ما بعد انقلاب 2013:

لم يكن للعمال حضور في الاحتجاجات التي قامت بعد انقلاب يوليو 2013 كتواجدهم في انتفاضات الطلاب وتلاحمهم مع الطلاب سواء فترة الأربعينيات أو السبعينيات، وتفسير ذلك الأمر يتطلب التركيز على إجابة سؤال أخر وهو أسباب ضعف القوى العمالية؟ تلك القوى التي شاركت في إضرابات غزل المحلة واعتصامات حول مجلس الشعب منذ 2005 حتى قيام ثورة 25 يناير 2011، ورغم أننا لن نفصل في ضعف الحركة العمالية وأسبابه وآثاره، إلا أنه بشكل عام يمكن القول إن غياب حراك العمال مع الحراك الطلابي فيما بعد انقلاب 3 يوليو يرجع لأكثر من سبب:

  • أن الحراك غلب عليه التيار الإسلامي؛ وتحديدا تنظيم الإخوان المسلمين، وعادة ما يحرك العمال ويهتم بدفعهم للمشاركة هو اليسار، وفي الحراك الطلابي عام 1946 كان العمال هم من بدأ الحراك وقاموا بالإضراب في مصانع شبرا، ثم التحق بهم الطلاب فيما بعد، وفي عام 1968 حاول الطلاب أن يدفعوا العمال ليشاركوا معهم، وجاءت مشاركة العمال ضعيفة مقارنة بالطلاب حينذاك.
  • أن الحركة العمالية في مصر تم ضربها ليست ضربات أمنية ولكنها ضربات مركزية، وخلال العامين من 2011 حتى 2014 تدهورت الصناعة، وأصبح العمال ضد الثورة؛ لأنها “وقف حال لمصدر أكل عيشهم”، فلم تعد مصالحهم الاقتصادية مع مصانعهم التي يضربون ضدها لأجل الزيادة في الأجور، أو تحسين أوضاع العمل، وعدم فصل بعضهم، إلى الرغبة في وجود المصنع واستمراره بالأساس حتى لا يتسرب الجميع إلى الشارع.

فالوعي لدى العمال هو وعي اقتصادي، فالعامل يشغله أكثر: أجره، الإجازات، المعاشات… إلخ، لا يهمه الوضع السياسي أو تأسيس نظام جديد، فمصلحته الخاصة في المقام الأول، وبالفعل إضراب مصنع كبير واحد أكثر فاعلية من خروج طلاب عشر جامعات في مظاهرات في هز النظام، فيرجع عدم مشاركة العمال إلى ضعف الحركة العمالية في مصر لعدم تعبئتها من قبل اليسار الضعيف الحضور بالأساس، ولانهيار الصناعة المصرية.[1]

ثانيًا: الحراك في الجامعات الخاصة؛ تأثير الطبقة على نخبوية الحراك:

من أهم القضايا التي يثيرها الحراك الطلابي ما بعد 2013 هو البعد الطبقي، لأن الحراك قام به منتمون إلى الطبقة الوسطى، لم نركز في الورقة على سؤال العلاقة بين الطبقة والحراك الثوري، وتأثير الطبقة على أنماط الحراك وأشكاله، ولكن فيما يتعلق بطلاب الجامعات الخاصة تطفو إلى السطح قضية الطبقة، ففي هذه المقابلات مع طلاب بالجامعات الخاصة يتبين العلاقة الوثيقة بين الطبقة الاجتماعية ونمط الحراك.

لم نتمكن من إجراء سوى مقابلتين مع ثلاثة طلاب اشتبكا مع الحراك الطلابي، أحدهما بالجامعة الكندية والأخر بالمعهد التكنولوجي بمدينة 6 أكتوبر وطالبة بجامعة المستقبل، رغم أنهم ليسوا بالضرورة عينة ممثلة، ولكن يتبين من خلال المقابلة معهم هذا البعد الطبقي في الحراك الطلابي وتأثيره على حجم العنف على سبيل المثال، وعلى امتداد الحراك، خاصة أن الطلاب الذين قبض عليهم من الجامعات الخاصة، لم يقبض عليهم بداخل أسوار الجامعة.

يرى “أ. خ” الجامعة الكندية” أن الجامعات الخاصة لم تعد مقتصرة على الطبقات العليا أو الشرائح العليا من الطبقة المتوسطة فحسب، ولكنها أصبحت مفتوحة لكل طالب لم يتسن له تحصيل مجموع الدرجات ليدخل الجامعات الحكومية، فيحاول أهله توفير مصروفاته سواء ببيع قطعة أرض أو ذهب الأم أو غيرها، وبالتالي فتضم الجامعات الخاصة شرائح واسعة من الطلاب من أبناء الأقاليم والأرياف وأبناء الموظفين وغيرهم من ممثلي الطبقات الوسطى العادية، ويتفاوت نسب حضورهم بحسب المصروفات؛ فثمة معاهد كالمعهد التكنولوجي أو الشروق تكلفتهم غير مرتفعة، وكان الحراك فيهم مرتفعا مقارنة بغيرهم.

وبالتالي يمكن القول إن الحراك في الجامعات الخاصة اشتعل وفق لنسبة تواجد الشرائح الوسطى من الطبقات الوسطى ولنسبة حضور التيار الإسلامي كذلك، ويصف “أ. خ” أن الحراك في الجامعات كالجامعة الألمانية والبريطانية مثلا اتخذ صورا أكثر نخبوية مثل رفع لافتات، إلقاء كلمة احتجاجية، فثمة طلاب في الجامعات الخاصة لم تكن تهتم كثيرا بهموم الناس وليست على دراية كافية بما يحدث، ولكن لا يعني ذلك أن الجامعات الخاصة في الصورة الذهنية المتصورة عنهم “فافي”… الخ.

ويستعرض “أ. خ” شكل الحراك في الجامعات الخاصة بعد 2013، فيشير إلى تكوينهم للجنة خاصة تختلف عن الجامعات الحكومية، لعدة عوامل، منها أن طبيعة الطالب بالجامعات الخاصة مختلفة، ولاختلاف الخطاب المستخدم لنشر الحراك بين الطلاب وكسب مؤيدين جدد، ولأن العدد كان ضعيفًا، لذا ركز الخطاب على البعد الحقوقي والإنساني في القضية، وكان هناك تنسيق بين الجامعات الألمانية والكندية والبريطانية والشروق والمستقبل والعاشر وجامعات أكتوبر، فبحسب المقابلات، فالطلاب بالجامعات الخاصة كانوا ينسقون معا، فعلى سبيل المثال كانوا يطلبون دعما من بعضهم البعض ليزداد العدد في المظاهرات، وكانت لهم صفحة إعلامية واحدة توثق الفعاليات.

ويشير “أ. خ” إلى هذا التنسيق بين الجامعات الخاصة، فيقول: كان حراك الجامعات الخاصة بشكل أو آخر مؤازرا للحراك في الجامعات الحكومية، ومتتبعا لخطاه ويروج له إعلاميا، فعلى سبيل المثال حملة الطالب “إسلام عطيتو” طالب هندسة عين شمس كانت من أنجح الحملات في الجامعة الكندية، فنظمنا خيمة كبيرة، وشاركت فيها حركات لم تكن تحب الانضمام لحركة طلاب ضد الانقلاب، وتم تحويل قضية إسلام عطيتو من مجرد قضية سياسية إلى قضية حقوقية ورأي عام، ليه طالب يتم قتله، وتواصلنا مع حركة 6 أبريل والمبادرة المصرية للحقوق والحريات، بالتوازي مع نشر البيانات التي خرجت من جامعات كالقاهرة وعين شمس”.

من أبرز الاختلافات بين الحراك بالجامعات الحكومية والجامعات الخاصة هو طريقة إدارة المظاهرات من قِبل الإدارة والطلاب، فكانت إدارة الجامعات الخاصة حريصة على “البيزنس” بحسب تعبير الطالب “ج. ع” بالمعهد التكنولوجي فرع أكتوبر، أي ألا تخسر الإدارة الطلاب في أخر الأمر، فكان دائما ثمة تفاوض حول مواعيد المظاهرات وعددها الأسبوعي، وكان يبدي البعض ظاهريا التفهم لحاجة الطلاب للتعبير عن غضبهم، ولكن بحسب “ج. ع” أن الإدارة كانت تضغط على الطلاب بورقة الامتحانات والفصل أحيانا.

فلم يتم تصعيد الاحتجاجات في الجامعات الخاصة ولم تبلغ بها درجات العنف التي وصلت في الجامعات الأخرى، فحتى وإن تحالفت الإدارة مع الأمن في الإبلاغ عن الطلاب وتسليم أسمائهم، ولكن لم يكن يلق القبض عليهم بداخل حرم الجامعات الخاصة، فالإدارة حاولت احتواء الطلاب؛ بحسب “ج. ع” “افعلوا ما تريدون ولكن بدون “شوشرة”

وهذا ما أكدته “ف. ي”: “احنا مكنش عندنا اعتداءات ودخول للأمن زي الجامعات الحكومية؛ وده لأن الجامعات دي بيزنس في الآخر وخايفين على صورتهم، لكن كان عندنا فصل، إنذار، منع من دخول الامتحانات … وهكذا، حتى الناس اللي ماتت من الجامعات الخاصة كانت نتيجة الأحداث اللي بتحصل بره الجامعة في مناطقهم مثلا، لكن مش جوه الجامعة، بس كان في نسبة اختفاء واختطاف من أمام الجامعات أو بالقرب منها وغيره يعني”

ولم يكن مستغربا أن تتوقف الانتخابات في الجامعات الحكومية، وتستمر انتخابات للاتحادات الطلابية بالجامعات الخاصة، لأن الحراك داخل الجامعات الخاصة ليس مؤثرًا بنفس الدرجة في آخر الأمر، فالانتخابات كانت تتم لخشية الإدارة على صورتها العامة أكثر من تحقيق حراك فعلي، أما نوعية القضايا التي انشغل بها طلاب الجامعات الخاصة – بحسب المقابلات – فغلب عليها الطابع الحقوقي، مثل قضية سارة خالد التي قبض عليها من جامعة المستقبل، والمخترع من جامعة الشروق الذي تم تكريمه قبل الانقلاب ثم ألقي القبض عليه بعد الانقلاب لنفس سبب التكريم.

أما عن حجم التفاعل في الحراك من الجامعات الخاصة، فقد بدأ بأعداد كبيرة ثم تراجع تدريجيا، ليشارك أعداد قليلة من الطلاب، وفي 6 أكتوبر لكثرة الجامعات الخاصة بها والقرب في المسافة بينهم كان يسهل التنسيق بين الطلاب، لينطلقوا في مسيرات من جامعاتهم ويجتمعوا عند منطقة مسجد الحصري، وبصفة عامة، يمكن القول أن المخطط للحراك الطلابي داخل الجامعات الخاصة كانت حركة طلاب ضد الانقلاب التابعة للإخوان المسلمين، ومع الوقت بدأ طلاب الجامعات الخاصة يكتسبوا بعض الخبرة في إدارة الحراك، فتعلموا طرق الحشد وتنظيم فعاليات بصورة جيدة.

وبحسب “أ. خ”: “في بداية المظاهرات كنا نطلب من المسؤولين عن الجامعات بتنظيم الإخوان: يا جماعة يا ريت تفرقونا كجامعات خاصة شوية، أنت قولي أنا عاوزك تعبر عن القضية الفلانية، وسيبني أعبر عنها بطريقتي، بلاش القولبة دي، لأن ردة الفعل بتبقى مختلفة تماما، والأضرار بتبقى كبيرة جدا، واحنا بنتسوح في الرجلين فبلاش كده، فمن هنا الخروج عن النمط العام للجامعات الحكومية شوية، ويبقى لينا كجامعات خاصة حاجة مختلفة شوية”.

طبيعة الطلاب المشاركين في الحراك بالجامعات الخاصة معظمهم ينتمون للإخوان المسلمين وبعضهم 6 أبريل، وكان الطلاب المؤيدون لحركة 6 أبريل يعارضوا الشعارات المرفوعة، وعدد قليل جدا ينتمي لأحرار من الجامعات الخاصة، كانت أحرار تشارك كأفراد وليست ككيان، ولم تكن منتشرة كثيرًا، وكان الحضور النسائي كبير في معهد العاشر والشروق خاصة.

ثالثًا: الفتيات والحراك الطلابي إعادة سؤال الأنوثة والرجولة: هل ثمة تأنيث للمقاومة؟

في إحدى المقابلات أشار أحد المبحوثين إلى أن كليات الهندسة هي الأكثر اشتعالا في جامعات كالزقازيق والإسكندرية والقاهرة وغيرها من الجامعات لأسباب عديدة، ولكن وفقا له من أهم الأسباب هي غلبة الشباب مقارنة بالفتيات في كليات الهندسة وخاصة في جامعات الأقاليم، فكان ذلك – وفقا له – يعطي المظاهرات الخارجة من كليات الهندسة عنفا وعنفوانًا، وتمتلئ بأغاني الألتراس الحماسية والسب والشتائم بشكل تلقائي، ولأنهم شباب فمواجهتهم للأمن أعنف وأجرا من المظاهرات “البناتي” على حد تعبيره.

فيقول لقد كنت في المجمع الطبي (كليات الطبية بجامعة الإسكندرية) فأجد 7 ولاد و70 بنت في مظاهرة واحدة!، البنات يغيرون الهتافات التي بها شتائم، فيستبدلون الشتائم بكلمات أخرى على نفس الوزن، يكتفون بمسك اللافتات والدبابيس والبلالين، وإنما المظاهرات التي يكثر فيها الشباب تكون أفضل بالنسبة له.

ويشير لرؤية أخرى وهي أن كليات الطب والصيدلة تقدم نموذجا للطالب الذي لا يسب وليس له في البلطجة، فكانت مظاهراتهم بالمجمع الطبي أهدأ من مظاهرات هندسة والمجمع النظري بالإسكندرية، فكان ينضم لذلك السبب حضور كثيف للطالبات مقارنة بعدد الطلاب، يجعل السمت العام لمظاهرات المجمع الطبي بالإسكندرية هادئ، أو “بناتي” بحسب تعبيره.

م. ج فتاة تبلغ من العمر 25 عامًا، تخرجت من كلية هندسة المطرية، لم تشارك م. ج في الحراك الطلابي ما بعد 2013 بصورة قوية، وتذكر م. ج أن الحراك الطلابي بكلية هندسة المطرية كان في إجماله ضعيفًا، وذلك يرجع بالنسبة لها، لعدة أسباب منها: أن كليتها خارج الحرم الجامعي، فلم تشهد حراكًا كبيرًا مقارنة بالجامعات الأخرى التي اقتحمها عساكر الأمن ليحولوها لثكنات عسكرية، كما أن كثيرًا من الطلاب بكليتها لم يعروا اهتمامًا كبيرًا بالمشاركة خوفًا على أن يترتب عليهم ضرر في وضعهم الدراسي.

وعن مشاركتها هي نفسها، فتقول إنها شاركت فقط الوقفات بداخل سور كليتها، ورفضت دخول الامتحانات، ولكنها لم تكن فعالة كغيرها من الفتيات في المظاهرات، تعطينا “م. ج” إشارة قوية على رؤية بعض الفتيات لطبيعة دورهن في الحراك كأنثى، حيث ترى (م. ج) أنها كفتاة ليس واجبًا حتميًا عليها المشاركة في المظاهرات مع فرضيات العنف والمخاطر الكثيرة التي قد تتعرض لها، ولكن في الوقت نفسه، تؤكد على أن أي شاب من تمام رجولته أن يشارك في المظاهرات، تعبر عن ذلك بقولها: “هما بنات طبيعي يكونوا خايفين، أنت راجل إزاي أصلا ما تشاركش” تلقي (م. ج) سؤالا مهما حول هل يختلف تفاعل الفتيات عن الشباب في الحراك الثوري؟ وتأثير ذلك عليهن؟

هذه التعليقات وغيرها عن مشاركة الفتيات في الحراك الثوري الأعنف في تاريخ الحركات الطلابية المصرية؛ يثير العديد من الإشكاليات حول تأثير هذا الحراك على تعريف سؤال الأنوثة والرجولة بالنسبة للفتيات؛ وخاصة الملتزمات دينيا ولهن ميول إسلامية؛ المنخرطات في الحراك الطلابي، فغلبة التيار الإسلامي في هذا الحراك جعل الصورة المعتادة للطالبات وخاصة بجامعة الأزهر للمتخيل عن معنى الحياء ودور الفتاة يختلف، في هذا المحور سنركز على طالبات الأزهر والمنتميات لجماعة الإخوان المسلمين بالأساس، لأنهم الحالة الأكثر تجليا لتأثير الحراك على إعادة تعريف مفاهيم الأنوثة والرجولة لدى الفتيات.

فبعد انقلاب 2013 تبيّن أنه ثمة تحولا في مفاهيم الرجولة والأنوثة بداخل الفتيات أنفسهن، المنتميات إلى الإخوان المسلمين أو المتأثرات بهم، والأكثر ميلا لدعمه، فقد غلب في جامعة الأزهر بنات سيطرة التيار الإسلامي ومؤيدي الشرعية، لذلك نركز على علاقة الفتيات بالجماعة، فالجماعة كانت تكفل -كما أشرنا-نوعا من الحماية، والتي تتجسد في مخيلتهن عبر صورة الرجل الحامي، لكن فض رابعة، مثل حدثا مفصليا في مواجهة التهديد الأمني، حيث تهدمت صورة الحماية التقليدية، ليتحول المشهد تجاه مواجهة البنات لرجال الأمن بمفردهن، وقد رأين بأنفسهن كثيرا من مظاهر قهر الرجال والاعتقال الذي تعرض له رجال الجماعة العاجزين عن حماية أنفسهم من بطش الآلة السلطوية، لتولد المشاهدة تحركا على مستوى الأرض لتقديم الحماية، لأنفسهن قبل الآخرين، وليزداد شعورهن بغياب الكيان الأبوي ومفهوم الحماية التقليدية من قِبل الرجل، فأصبح مفهوم الرجولة والأنوثة لديهن يعتريه الكثير من الارتباك.

تذكر إحدى فتيات الأزهر أنها ظنت أن 30 يونيو مجرد مظاهرات ستنتهي بلا أي تأثير، ولكن أحداث الفض، دفعتها للاشتباك مع الحراك الثوري، ولتتجه نحو المساعدة في تنظيم المظاهرات بحيث يكون هناك ثلاث مظاهرات خلال الأسبوع الواحد، ولم تقتصر على ضم الفتيات المنتميات للإخوان فحسب، بل ضمت معهن أخريات، ليؤدي ذلك لتواجد الأمن بكثافة داخل أسوار كليات البنات في سابقة غير معهودة، وبدأ معها الاعتداء على البنات بالغاز والخرطوش، الأمر الذي تطور في بعض المناطق للضرب بالرصاص الحي، تماما كما حدث داخل جامعة طلاب الأزهر بنين.

دفعتهن تلك الأحداث المكثفة لاكتساب خبرة ميدانية واسعة، تعلّمن معها الدفاع عن أنفسهن والتصدي للاعتداءات المتلاحقة والمفاجئة، حيث بدأ حراكهن بالمشاركة الهامشية في مسيرات الشباب، إلا أن تحولات المشهد، صاحبها خلال النصف الثاني من الدراسة، بداية تنظيم مظاهرات خاصة بمفردهن، وليصاحب ذلك التخطيط قدرة على شلّ الطرق، وإحداث اختناقات مرورية.

وتذكر: “كنا نعرف أنه سيتم ضربنا ونستعد لذلك باستخدام الطوب، وإحضار الكثير من الفحم والبيبسي، كنا نكتشف أنهم يرشون حبر الفسفوري علينا من قِبل الأمن، لنكتشف لاحقا أنه يمكننا إبطال مفعوله باللبن وهكذا، واستخدمنا الشماريخ والألعاب النارية لإظهار قوتنا، وكنا نضرب الأمن بشكل عشوائي لنستفزهم حتى يضربونا داخل أسوار المدينة الجامعية، فيسهل علينا مواجهتهم بالداخل عوضا عن خارج المدينة”.

وتضيف:

“أن هذا الحراك أحدث أثرا سلبيا على علاقتها بذاتها، حيث أن رؤيتها لنفسها كأنثى اضطربت، فقد صارت أعنف، وأكثر جرأة من قبل، حتى تفاعلها مع المجال العام خلال 2010 في تنظيم الفعاليات المختلفة لم يكسبها هذا القدر من الجرأة الذي اكتسبته أثناء مشاركتها في المظاهرات، رغم ذلك، لم تكن مجرد المشاركة سببا رئيسا في تحول شخصيتها، حيث لم تكن مكتسبةً للشجاعة الكافية التي تدفعها للتقدم نحو الصفوف الأمامية، ففي أول مواجهة لها مع الأمن بتاريخ 24-12-2013 جلست تبكي وتشكي قوات الأمن لوالديها لأنهم أغرقوهم بالمياه، ولكن إحدى فتيات الأقاليم ساعدتها وأخذت تتعلم منها كيف تواجه ما يحدث لهن”.

تروي فتاة أخرى من فتيات الأزهر أنها تحولت من مجرد فتاة تخجل من ذِكر الألفاظ العادية إلى الانفعال والغضب والسب، وصار لديها شعور كبير بالاستقلالية، فلم يكن لديها الحق من قبل في الاعتراض. وتضيف طالبة أخرى أن مجزرة الحرس الجمهوري كانت حدثا فارقا معها تضاءلت معه فكرة إنهاك النفس في الحوار مع أي طرف أو شخص يرى الدم ويجادل فيه، كما أن علاقتها بالمجتمع تغيرت بعد الانقلاب، وصارت أكثر نقما وسخطا على كل ما ترى فيه، فالخلاف لم يعد خلافا سياسيا، بل خلاف على “الآدمية”، فقد صارت أصلب وممتلكة لحجج أقوى، وقادرة على مواجهة العنف بالعنف، فقد كان معهن فتيات “تعض رجال الأمن وتركلهم”، مؤكدة أن العنف قد يكون سلوكا استباقيا في بعض الأحيان من قِبل الفتيات لحماية النفس.

إلا أن هذا العنف والجرأة في مواجهة رجال الأمن، لم يمر عليهن دون بعض المخاوف، فثمة صوت بداخلهن لا يرحب بهذا التغيير، قلق من هذا النمط العنيف، وخوف من فقدان “طبيعتهن الأنثوية”، فرغم أنهن أثبتن حضورًا فعالا في مساحة الصراع والاشتباك التي كانوا يظنونها حكرا على الرجال، ولم يكن لها أن تخترقها يوما من قبل، فإنه لا يزال يساورهن القلق بشأن مفاهيمهن السابقة عن الأنوثة وطبيعتها الحيية الهادئة، وانعكس ذلك الهاجس على بعض صفحات طالبات الأزهر، فنجد صفحة “أولتراس بنات الأزهر”، إحدى الصفحات على موقع فيسبوك التي كانت فعالة إبان فترة الاحتجاجات الثورية، والتي تُضيف في تعريفها تأكيدا أن “النساء لا يفعلن مثل الرجال”.

وبالرغم من استمرار هذا الهاجس، فإن نموذج الفتاة المثالية كان متجسدا في تلك الفتاة القوية التي تتصدى للأمن وتواجه بغلظة وجَلد، لتحضر الفتيات مواجهات رجال الأمن كأيقونة ثورية، وكاستدعاء لنموذج الصحابيات المشاركات في الغزوات مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وفي هذا الحضور الأيقوني للفتاة الثورية ما يجعلنا نفترض أن ثمة حالة من تأنيث الحراك الثوري في مرحلة ما بعد الانقلاب، تعيد إثارة سؤال الرجولة والأنوثة ليس للنساء فحسب، وإنما للرجال كذلك.

لم تُظهِر الأحداث شخصيات نسائية بارزة حظين بشهرة عامة واسعة، عدا بعض النماذج كأمهات الشهداء والمعتقلين، ولكن الملاحظ هو ظهور المرأة المناضلة كأيقونة، فصورة البنت التي تحمل قنبلة الغاز وتُلقي بها في وجه الجنود هي أيقونة للثورة يتم استدعاؤها والإشادة بها، أيقونة المرأة المناضلة ظهرت عبر ما كتبته إحدى الفتيات على حسابها في فيسبوك خلال هذه الفترة تعليقا على صورة لفتاة منتقبة تمسك بقنبلة غاز أعادتها إلى قوات الشرطة التي قذفتها باتجاهها في اعتصام العباسية.

وفي مشهد أخر، كتب أحد الشباب الناشطين متباهيا بصورة حذاء لفتاة يبدو أنها خلعته لتتمكن من الجري هربا من مطاردة قوات الأمن لها قائلا: “رحم الله زمانا كانت الفتيات تتباهى فيه بصور المجاهدين الرجال وها قد أتى زمان صرنا نحن من نضع صور الفتيات سامح الله من أوصلنا لتلك المذلة”.

لكن، من الملاحظ أنه رغم الاحتفاء بصورة المرأة المناضلة الثورية، سواء في ثوبها الأسود أو بحقيبتها المزركشة وشرائط حذائها الملونة، والتي أنّثت النضال خلال هذه الفترة، فإن هذا الاحتفاء يحمل في طياته شعورا بالمذلة والعجز للرجولة غير القادرة على صد عنف وقمع السلطة، وكأن كل تأنيث للنضال وخوض المرأة مساحة الاشتباك الأمني انتقاص لنضال الرجل بصورة ما.

هذا ما جعل إحدى الناشطات مع اشتداد البطش والقمع الأمني ضد المتظاهرين، واعتقال الكثير من الفتيات، تعلن رفضها لمشاركة الفتيات في المظاهرات، وتستهجن نموذج الفتاة الثورية المناضلة، لغياب الرجولة التي تحمي النساء، فلن تكن بنزولها المظاهرات ومواجهتها للأمن مقاربة لمواقف الصحابيات، وذلك لغياب الرجال القادرين على حمايتهن كفعل الصحابة، فكتبت على صفحتها على فيسبوك تقول: “من الآخر أي بنت هتنزل المظاهرات وهي عارفة إن مفيش تأمين الرجالة في المسيرة ميقدروش يحموها يبقى لا تلومن غير نفسها لما يتم التحرش بها واغتصابها، إحنا معندناش رجالة فاهمة الشرع الإسلامي صح وتدعوا للقصاص وتخطط له، ولا عندنا رجالة عايزة تتعب وتشيل سلاح وتقتص لأعراض المسلمات ويبرُّوا موقفهم بموقف وحيد للرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة سمية بعدم ضربها أبو جهل في موضع عفتها ومغتصبهاش، وسايبين جيش المسلمين اللي اتحرك لصرخة مسلمة “وامعتصماه”.

احنا معندناش رجالة أصلا، رجالتنا بتنزل بصدور عارية أمام الأسلحة الثقيلة والمدرعات يقولك دي شجاعة، لما تلاقي تأمين ورجالة تحميكي ابقي انزلي، زي ما الصحابيات كانوا واثقين إن خلفهن رجال يحموا أعراضهن، فخرجن في الحروب والغزوات”.

اتخاذ الفتيات الثائرات أيقونة للحراك الثوري لم ينعكس على مساحة ضمان حقوق المرأة بصورة جيدة وصونها، فالمشاركات في مذبحة العباسية -على حد قول إحداهن- قد ذهبن طي النسيان وبقي حضورهن كرموز وصور مجمدة، وغيرهن الكثير، ولكن هل مشاركتهن غيرت في رؤية الجماعة لدور المرأة كما غيّرت في تصورهن لأنفسهن؟

وظهر كثير من التغييرات على النساء أنفسهن، ففتيات الأزهر المغتربات من الأقاليم الأخرى على سبيل المثال قبل الثورة كن أقل اختلاطا بالشباب، وأكثرهن خجلا في التعامل مع الجنس الآخر مقارنة بالقاهريات، ولكن ثمة تغيير حدث مع انفتاح المجال العام بعد الثورة وأحداث الانقلاب، فأصبحن أكثر وجودا في الفعاليات وجرأة على الاختلاط مع الشباب، ورُصِد الكثير من التغييرات التي ربما تظهر مآلاتها فيما بعد خلال السنوات القادمة، ولكن سيظل من الصعب إنكار أن المرأة حضرت بفعالية كحضور واقعي على الأرض وكأيقونة للحراك الثوري، فأصبحت رمزا للبطولة والقهر معا، وأضحت هناك حالة من تأنيث المقاومة[2].

تقييم التجربة:

هل الطلاب قادرون على دفع الحراك ويمكن التعويل عليهم للتغيير؟

لقد حكم حراك الطلاب الغضب وخاصة الطلاب المتعاطفين مع الإخوان المسلمين أو المتأثرين بهم، ودفعهم للمشاركة في الحراك بعد 2013 الغضب ضد السلطة وضد قيادات الجماعة على السواء، فنلاحظ ثمة عفوية في الحراك حركها طاقة الغضب والسخط والرفض، وثمة استقلالية عن الجماعة التي تدهورت أوضاعها وضربت بعد 30 يونيو، وبالتالي كانت حركة طلاب ضد الانقلاب مستقلة بقدر ما بعيدا عن القيادات، وأوجد الشباب قدرة على إدارة المظاهرات بشكل جيد؛ تشبه العفوية التي تواجدت في الحراك منطق ثورة 25 يناير، فعكس حراك الطلاب ما بعد انقلاب 2013 تمردًا على التربية الإخوانية بنفس القدر الذي صب الطلاب غضبهم ضد السلطة.

فالأمر -بحسب أحد الطلاب المشاركين في تنسيق الاحتجاجات بجامعة طنطا- لم يكن اللامركزية مفرطة ولا مركزية مفرطة، فكانت حركة طلاب ضد الانقلاب متوافقة مع الخطوط العريضة التي وضعها تنظيم الإخوان، والتي تفتقر في استراتيجيتها إلى الإحكام والتخطيط الجيد، فقد كان طلاب جامعة عين شمس يتحركوا من كلياتهم متوجهين إلى وزارة الدفاع، فيلقى القبض على بعضهم وتفض المظاهرات بالعنف، ويفرون ويعاودن الكرة مرة أخرى، وكذلك عند جامعة القاهرة توجهت الاحتجاجات إلى مبنى مديرية الأمن بالجيزة، وهذا خطأ في التكنيك لأنه يضر الطلاب، ولم يتوقف الطلاب عند هذا المسار إلا مع نهاية الحراك، رغم إثارة السؤال بدواخلهم عن جدوى التوجه للأمن بأنفسنا، ولكن الغضب بداخل الطلاب كان أقوى من التفكير العقلاني أو المنطق في إدارة الحراك، فبعض الطلاب تحركوا وشاركوا لأنهم لم يروا أي صور أخرى في المشاركة سوى الاحتجاجات والصراخ والهتاف.

ومن أسباب عفوية الحراك ليس رغبة الطلاب في الاستقلالية فحسب، ولكن لضعف وضرب الجماعة وتفكيك أوصالها، وليس أدل على ذلك من أزمة 2015 في القيادة الإخوانية بين جناحين وحادث تصفية محمد كمال، فهذا الحادث وغيره يبين كيف أن الجماعة وضعها مهتري وغير قادر على الصمود أو إدارة المشهد، مما دفع الطلاب لأن يتحركوا بمزيد من العفوية، بدون توجيه لقيادات مضطربة وغير مستقرة.

فيرى “ه. ك” أن الجماعة كانت تحارب في هذا المرحلة وفق منطق الخميني في حرب العراق؛ فليس للخميني أدوات ومعدات حربية مقارنة بالعراق ولكنه لديه كتلة بشرية، يمكن أن أرسلها كل يوم باعتبارهم “كتائب الاستشهاد”، فعدد السكان كان ضعف عدد سكان العراق، سميت باستراتيجية “الأمواج البشرية”، وهذا بحسب – ه. ك-يشبه استراتيجية التنظيم في التعامل مع الحراك الطلابي.

تسيس الحراك لفئات غير مسيسة ولم تستمر في النضال:

يرى “ه. ك” أن الحراك ساهم في تسييس فئة غير مسيسة بطبيعتها، أعطته زخم ولكن هذه الفئة التي تسيست مع الثورة في 25 يناير وأصبح لديها الاهتمام السياسي، مثل كثير من أعضاء الأحزاب المدنية كالدستور ومصر القوية، ولكن مع تضخم تكلفة الحراك انسحبت هذه الفئات وتراجعت للوراء، فهذه الفئة غير المسيسة أثبتت فعالية في الحشد والتعبئة، ولكن ليس لديهم موقف جوهري، لذلك تكاثروا فترة الثورة وحكم مرسي وانسحبوا فترة السيسي، فالآلاف منهم قد تشارك مع مظاهرة لعلاء عبدالفتاح ضد مرسي، ولكن يتراجعوا لو نظم علاء عبدالفتاح مظاهرة ضد السيسي.

فهذه الفئة المسيسة بلا موقف حقيقي، يريدون التفاعل مع نضال بلا تضحية أو تكلفة كبيرة، أي نضال غير مدفوع الثمن، فهم سريعو التخلي عن أي مبادئ، ولقد تواجدوا في الجامعات مع الأحزاب التي تكاثرت بعد 2011، كأسرة ميدان التابعة لحزب الدستور، وأسرة مصر القوية، يمكن وصفهم بأنهم أبناء التيار المدني، فالانقلاب وتصاعد كلفة المشاركة ردهم لمواقعهم الأولى الغير مسيسة.

على عكس فئة قليلة داخل السلفيين، رغم غياب التيار السلفي من الصورة في المشاركة مع الحدث السياسي تفاعل ونزل في الاحتجاجات، إلا أن ثمة شريحة لديه عندهم موقف، بدوا كأنهم مسيسين جوهريا يتحملوا الكلفة ولهم مواقفهم الأصيلة رغم بعدهم عن السياسي عكس الفئة الغير مسيسة التي لا موقف لها.

تعليق “ه. ك” عن غياب بعض الطلاب الذين شاركوا بفعالية في العمل العام من بعد ثورة 25 يناير وأسسوا أحزابا سياسية وحركات شعبية وانتشروا في الجامعات، ثم غابوا عن الصورة بعد انقلاب 3 يوليو وخاصة من القوى المدنية “حزب مصر القوية/ الدستور وغيرهم، يثير أسئلة حول إمكانية التعويل على هذه الفئات أو على الطلاب بشكل عام في إحداث تغيير فعلي.

غياب هذه الفئات التي ساهمت ثورة 25 يناير في تسيسها عن الحراك بعدما أصبحت الممارسة السياسية كلفة لا تطيقها، فضلا عن التحرك في الحراك الطلابي بعد 2013 بدافع الغضب والانفعال والعاطفة لم يكن كافيا لينتج تغييرا جذريا في الأفكار أو على مستوى الفعل السياسي أو الاجتماعي.

ويتضح في كثير من المقابلات أن ثمة شعور بالاغتراب والتيه والخواء يعاني منه الطلاب بشكل عام، وكانت المظاهرات والاحتجاجات الطلابية تملأ هذه المساحة بداخلهم، فيجد بعضهم نفسه في الحراك، يشعر أنه قادر على الفعل، أنه يصرخ، يجد لذاته غير المنتمية لشيء والتي تستشعر الغربة عما حولها معنى ودور.

فكان الحراك بقدر ما سلب من الطلاب طاقة نفسية وهتافيه وحركة ومناورة أعطاهم تعريفا للذات، وحينما لم تتساوى المعادلة وأصبح الثمن أغلى، والصورة المرجوة كهدف للتغيير لا تتحقق، تراجع الحراك الطلابي مكسورا مدحورًا، البعض منهم قاوم ونضج وتعلم من مشاركته في هذا الحراك، والبعض الآخر أصيب بالإحباط والكآبة، ولكن لا أحد ينكر أن الحراك الثوري والاحتجاجات كانت تملأ الفراغ والتيه في نفوس المشاركين به من الطلاب.

فقد عبر أكثر من طالب/ة أنهم كانوا ينزلون الجامعة لأجل المشاركة في المظاهرات فقط، وأنهم ينتمون إلى الكتلة المشاركة في الحراك فقط، وأنه لو مر يوم بلا مظاهرات يزداد شعورهم فيه بالاختناق، فقد كان لنزول المظاهرات شعور بالنشوة والنضال، لذلك تراجع الكثيرون بعد اشتداد العنف إلى حالة أشد تيهًا مما كان عليه قبل الحراك، بالطبع كان المشاركون من الطلاب يؤيدون قضايا كالحق ورفض الظلم، ولكن لا يتعارض ذلك مع الإقرار بأن الحراك أشبع لديهم حالة الفراغ والتيه التي يعاني منها الشباب في المجتمع لأسباب كثيرة: كضيق الأفق السياسي وضبابية المستقبل المهني وتشظي الأسر والاغتراب عن الناس والمجتمع وأقرب الدوائر إليهم.

بالإضافة إلى الطلاب ثمة فئة تواجدت في الحراك الطلابي بحسب “ه. ك “، تتمثل هذه الفئة في نموذج “العيال الهتيفة” أي طالب الثانوي خفيف الحجم الذي يدخل كليات الطب ليشارك في الحراك، ويحمل على الأعناق، ويهتف بعلو صوته، ويجيد الحماس، ولكنه لا يحمل قضية ولا رؤية، ويفرح بهذا الدور النضالي الذي وُضع فيه، ولا يعدو دوره عن الهتاف، والشعور بأنه له دور وذات حماسية.

في كتابه لعنة الألفية لماذا يفشل النشاط التغييري يشير طوني صغبيني إلى ملاحظات شديدة الأهمية حول صور الاحتجاجات في الألفية، فيطرح صغبيني سؤالا نقديا هاما هو: هل الاحتجاج هو الشكل الأكثر فعالية؟ فحين يفشل الاحتجاج هل يكون الحل حينذاك هو القيام بالمزيد من الاحتجاجات؟ فينحصر السؤال الذي يرفعه المشاركون في الحراك حول كمية الاحتجاجات التي يتعين القيام بها، وكأن الاحتجاج هو الفعل المقدس من النشاط، فالشوارع تنادي وينبغي تلبية هذا النداء بعيدا عن التفكير في الغاية من الحراك نفسه، وحينما تعترض بعض الأصوات على ذلك يتم إسكاتها.[3]

يقول الباحث الهندي أجاي شاه -ويبدو أننا نحتاج لدراسة الهند وقراءات التي تقيم حراك الطلاب 68 بفرنسا رغم اختلاف السياق عن الهند أو باريس -أن المحتج يقول إنه غاضب لأن السيارة لا تعمل، ولكن الأمر يستوجب مهندس ماهر لفهم المشكلة في السيارة وإصلاحها، يبدو أن الحراك أدرك الجزء الأول من السؤال ولكن لم يثير الجزء التالي، من هو المهندس؟

فالتشبث بالاحتجاج كمحور وحيد للنشاط السياسي يترتب عليه الكثير من النتائج السلبية على حركة التغيير على المدى البعيد، التي تركز على الاحتجاج تهمل عادة العمل البنائي الطويل الأمد على الأرض مع الناس، ويقصد هنا بالعمل الذي يتمحور حول التعبئة، التنظيم، الدعم وبناء الشبكات الاجتماعية والسياسية الضرورية لأي مواجهات سياسية مستقبلية مع السلطات أو قوى الأمر الواقع.

العمل الذي هو أساس أي تغيير سياسي رغم ذلك تصر حركات الألفية وناشطيها على استبدال هذا العمل بساعتين من الأدرينالين –بحسب وصف طوني صغبيني-في احتجاج يعطينا شعورا بالنشوة دون أن يحقق شيئا، فيتحول المشاركون فيه إلى معتنقي أيديولوجية الاحتجاج، ويهملون هذا النوع من العمل المضنى الضروري الذي تقوم حركات منظمة لفترة طويلة قد تمتد لأشهر أو حتى سنوات قبل القيام باحتجاج مؤثر، الاحتجاجات الناجحة لا تكون أبدا نتيجة بروز مفاجئ لهشتاج معين على الفيسبوك أو تويتر.[4]

فحينما استعملت حركة الحقوق المدنية في الستينيات بالولايات المتحدة الاحتجاج كتكنيك لتغيير الواقع، كان نجاحهم نتيجة لسنوات من البناء والتنظيم والتحولات الثقافية والعمل السياسي اليومي، فتحركاتهم أبعد ما يكون عن المسيرات السلمية الفلكلورية التي نرى الكثير منها اليوم، فقد كان ثمن رفض مطالب الحركة المدنية بقيادة مارتن لوثر كينغ يعني فتح الباب أمام تفتت البلد وصعود الميليشيات الشعبية المسلحة في صفوف السود، التي تعتمد على راديكالية كحركة مالكوم إكس والفهود السود، فنجاح الحركة المدنية في الولايات المتحدة ليس ببساطة أنهم قاموا بمسيرة مرة وحصلوا على حقوقهم في اليوم التالي، بل هو حراك مرتبط بسياق اجتماعي وسياسي أكثر تركيبا، أتاح فرصة لتكنتيك الاحتجاج أن ينجح كوسيلة لتحقيق مطالبهم[5].

فينظر صغبيني إلى ثورة 25 يناير بأنها لم تكن رغم عفويتها حدثا تلقائيا، ولكنها نتاج حراك سياسي اتخذ مساراته المتعددة في البلاد مع حركة كفاية و6 أبريل وغيرهما، كونت وعي وشجعت على تفاعل شرائح كثيرة مع ثورة 25 يناير، ولكن الاقتصار على الاحتجاجات وحينما تفشل نزيد من الاحتجاجات لا يحدث شيئا على المدى الطويل سوى تبديد طاقة المشاركين به.

وفي كل الأحوال العادية فمعظم الاحتجاجات تقتصر على عدد محدود من الناشطين المترفين الذين يسكنون قرب مركز المدينة أو في العاصمة، ويملكون الكثير من الوقت والموارد، لذلك فظاهرة رؤية نفس الوجوه في الاحتجاجات المدنية هي ظاهرة متكررة في العديد من المدن في أنحاء العالم، حتى حرق سلاسل المطاعم التي ترمز لسطوة الرأسمالية وتوغلها مثل أماكدونالدز وستاربكس على سبيل المثال لن يغير شيئا في السيستم أو يمس شيئا في جوهر النظام القائم. فهذا النمط من الحراك لا يغير شيئا، حتى احتجاجات ول ستريت ما أنجزته هو إعطاء الناس شعورا بالفعل، وليس تحقيق تغيير حقيقي في السياسات العامة أو بنية المنظومة السوسيو-اقتصادية

يرجع صغبيني هذا النمط من الحراك – القائم على الاحتجاجات أو الإمساك باللافتات وإلخ- إلى ثقافتنا العصرية القائمة على الحلول السريعة، نحن نعتقد أن كل ما نحتاجه لتغيير وضع سياسي أو اقتصادي أو بيئي ما هو إلا بضعة أيام من الاحتجاج، أو بضعة أفعال من التخريب وهجمات قرصنة على موقع شركة مثلا، ولكن الحقيقة تقول إنه لا يوجد حلول سريعة لمعضلاتنا الحالية، هناك حلول صعبة أمامنا وأحيانا لا يوجد هنالك حلول معروفة على الإطلاق، لا نستطيع المرور في كل التحولات المؤلمة المنتظرة في السنوات القادمة بمجرد الاكتفاء بضجة من الاحتجاجات، نحن – بحسب صغبيني – بحاجة إلى ضجة أقل وعمل أكثر.[6]

لقد بات تعريف النضال السياسي في الألفية مرتبطا بالظهور الإعلامي، ووهم الفعل متاح بشكل مجاني مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، هذا الاهتمام الإعلامي بالظهور، ومحورية الانترنت في النشاط السياسي الألفي ترتب عليهم نتائج سلبية في حركة التغيير، لأنه يحول دون الطريقة التي نقوم بها بالعمل النضالي والتركيز على الأهداف والعمل البعيد الأمد على الأرض لصالح التركيز على التحركات قصيرة المدى، والتنافس على البروز الاليكتروني، قد يبدو من الساذج أن الإقرار بأن لافتة ذكية منشورة على الفيسبوك مع آلاف اللايكات كافية لتحقيق التغيير الاجتماعي. [7]

لا يمكن رفض الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي في أي حراك أو تغيير اجتماعي، ولكن ينبغي الوعي بتأثيرها في تشكيل وعينا وسلوكياتنا، ففي الحراك الطلابي بعد 2013 كانت وسائل التواصل وسيلة توثيق للأحداث والاستعانة بها كتسجيل للمظاهرات والاحتجاجات، وثمة مواقف كانت تمثل خطورة لبعض الطلاب أن يندس البعض في وسط حشود الطلاب ويصور وجوههم – بحجة توثيق الحدث ورفعها على وسائل التواصل – ليسلمها إلى الأمن.

أما الانتقادات التي وجهها صغبيني إلى الاحتجاجات باعتبارها وسيلة للتغيير تنطبق مع رؤية الطلاب الذين قابلناهم، فقد أجمعوا على أن الاحتجاجات لم يكن لها جدوى في التغيير، أدرك بعضهم ممن ما زال مهتم بالتغيير أن العمل يحتاج لبناء وجهد أكبر من الخروج في تظاهرات ليس لها مردود فعلي.

فقد أكد على ذلك (أ. ك) قائلا: “إن الحراك الطلابي فشل بسبب الاعتماد على المظاهرات والإنهاك كان غلط، وسياسة قيادات الإخوان والقيادات عموما كانت غلط بسبب الانحدار والميوعة اللي عايشين فيها، ولانفصالهم عن الواقع بخروجهم بره مصر، وبعدهم عن الحدث، والطلاب اللي ممكن يقودوا الحراك قليلين أو مش موجودين”.

ويذكر طالب أخر في تقييم الحراك الطلابي قائلا: “أنا كنت بحس إن الطلبة القائمة بالحراك بيتم تفريغهم معرفيا، هو الحركة هرساه لحد ما أصابته بالدوار ومفيش وقت يقرأ أو يعرف، فتيجي تقوله تهدى شوية مفيش، مرة رئيس اتحاد في الجامعة قال لي أخذ الحق حرفة يعني أقف معاك ونتفق نأخذ حقنا من الجامعة/ بس مش بالطريقة دي بطريقة أحسن من كده، الطريقة دي كانت نتيجة للتفريغ المعرفي للطلبة أنت ولا قرأت ولا اطلعت على تجارب سابقة، والحركة الشديدة وتسارع الأحداث خلاهم يفقدوا، خلينا نقول العقلانية شوية وده على مستوى القيادات، أما الطلبة المشاركين العاديين فكان تحرك عاطفي مبني على العاطفة مع واحد صاحبه مثلا أو كده ودول معظمهم بيبقوا متبنين آراء بيوتهم اللي نشأوا عليها دون أي معرفة، مرة واحد بيقولي أنا اشتراكي ثوري، قولتله طب عرفلي الثورة والاشتراكية قالي لا أنا معرفش الحاجات دي أنا قعدت معاهم في الميدان حبتهم وكده”.

وينتقد طالب أخر افتقاد المسيرات للغاية أو تحقيق جدوى، قائلا: “الحراك نجح في وقت إننا نحرك الجامعات، ويبقى في مطالب ونأثر في الوضع العام يعني للبلد، لكن بعد مدة ونظرا لعدم تجدد الأساليب، ومكانش فيه فكر خالص، نفس الأساليب والمسيرات وغيره، فقدت كل قوتها ومعناها وتأثيرها، لحد ما انتهت حتى في الجامعات الكبيرة، فتقييم الحراك بشكل عام مش هقول فشل ولا نجح، لكن كانت ناجحة لما كانت جامعة حواليها شباب كتير غير اللي وقع عليهم الضرر، بعد كده بدأت الدنيا تتسرسب ومعدش فيه حد، لحد ما بقى النزول نفسه مخاطرة وانتحار، ولا له أي تأثير، ولا عارف أحمي نفسي ولا أقول كلمة حق عدلة يعني.”

وهذا ليس جديدا، فعادة ما يبدأ الطلاب في تقييم حراكهم بعد البعد عن معمعة الأحداث، فيورد أحمد عبد الله شهادة أحد الطلاب المشاركين في الحراك الطلابي فترة السبعينيات ليقيم أداء الحركة الطلابية آنذاك، فيقول:

“كانت محاولات الطلاب للنقد الذاتي تؤجل لما بعد التخرج، ويمل بعض الخريجين حين يواجهون حقائق الحياة الصعبة خارج حدود الجامعة رسم صورة كئيبة للحركة التي كانوا متحمسين لها من قبل، وكما ذكر أحدهم أننا نحن الشباب نجامل أنفسنا حينما نصف ما قمنا به على أنه حركة طلابية، لأننا لم نستطع حتى الآن أن نبلور الصورة المتكاملة عن المجتمع الذي نريده، وسيظل التحرك الطلابي عاجزا ما لم تجتمع الطلبة لتناقش بهدوء وموضوعية أساس مشكلة الإنسان المصري، ومجلات الحائط الطلابية تتجه للهجوم ونقد فقط، ولا يقرأها الطالب العادي إلا لو وجد في العنوان ما يثيره ويشفي رغبته في السب والنقد، ولا شك أن الحركة الطلابية في مصر عجزت عن رسم صورة كاملة عن شكل المجتمع الذي تتطلع إليه، وهي مهمة تحتاج لتضافر جهود عديدة من فئات أوسع وقطاعات أعرض من المجتمع. [8]

حينما وصف أحد المشاركين في الحراك الطلابي بباريس في 68 الحراك قال: “البعض لم يفلحوا ابداً في تجاوز نهاية نشوة تلك الأسابيع الخمسة من الجنون والبهجة، أما أنا فقد اتخذتُ منذ زمنٍ بعيد ودون حنين “مبدأ الواقع” دون أن أقلِّل رغم ذلك من اتساع مدى ما جرى، لأن 68 كانت في الواقع والحقيقة تمردًا مفصليًا بين حقبتين، قامت تلك اللحظة بدور صدع في أغلال النزعة المحافظة والأفكار الشمولية لتُطلق التعبير عن الرغبة في الاستقلال الذاتي والحرية الفرديين والجماعيين، لقد ربحنا، ثقافيًا، ويقول عالم الاجتماع آلان تورين، “قطيعةً”، ومصيرَ جيل مُفعم بالعاطفة، وأخوي، وخلاصي”.

ليس في العاطفة أو الغضب كمحرك للحراك والاحتجاجات أزمة، ولكن ينبغي الرجوع للوراء وتقييم ما حدث من تجارب، لفهمه وليس لإجراء مقارنات متعجلة، للعناية بتحديد المعركة وسبل المواجهة، الإقرار بأن الطلاب جزء من الكتلة الفاعلة وليس بمقدورهم بمفردهم تحقيق التغيير الكامل أو إحداث فعل ثوري بمفردهم دون التكتلات الأخرى سواء العمال أو الموظفين أو رجال الأعمال ومثقفي الطبقة الوسطى أو حتى العسكر، فلا ينبغي تقييم الحراك الطلابي وفق توقعات كبرى عن المنتظر للطلاب تحقيقه.

ثمة بعض الملاحظات التي يجدر الإشارة إليها، وهي:

1ـ أوجه القصور في هذه الورقة تتمثل في أكثر من ناحية، أبرزها العينة نفسها، فقد افتقرت العينة لتمثيل جغرافي، فرغم التواصل مع طلبة من جامعات كالإسكندرية ودمياط وطنطا فضلا عن الأزهر والقاهرة وعين شمس والمطرية/حلوان، إلا أنها افتقرت للتمثيل الجغرافي فغاب عنها الصعيد، وافتقرت للتمثيل الأيديولوجي، فلم نقابل طلاب معادين للتيار الإسلامي على سبيل المثال، ولم نقابل طالبا مسيحيًا لنتعرف هل فعلا لم يشاركوا على الإطلاق في الحراك الطلابي، وافتقد التمثيل البعد الطبقي لأنه اقتصر على حالتين من الجامعات الخاصة، ولكن يرجع ذلك لصعوبة الوصول إلى الطلاب ممثلين لهذه الفئات، ورفض بعضهم للتواصل والاعتذار عن مشاركتنا تجربته في الحراك.

2ـ أن المقابلات لم تشمل أساتذة، رغم أن الجامعات لا تقتصر على الطلاب فحسب، ولكن بشكل عام – من خلال المقابلات – يمكن القول إن الأساتذة -إلا قليلا -لم يكن لهم دورا إيجابيا في الحراك، فثمة حالات كانت تابعة للأمن وتقوم بإبلاغ عن الطلاب، مثل أ. حسين عويضة رئيس نادي هيئة التدريس بجامعة الأزهر الذي خرج في إحدى البرامج التلفزيونية ليصرح بأن درء المخاطر الضرورات تبيح المحظورات، وأعلن أنه استعان ببعض أقاربه وبلدياته كجواسيس داخل الجامعة للتبليغ عن أصحابهم من الطلاب.

ويبدو أن ذلك موقف أساتذة الجامعة منذ 1952، فيذكر أحمد عبد الله أن الإساءة الكبرى التي لحقت بالجامعة منذ السنوات الأولى للتجربة الناصرية هي تدخل السلطة في الشؤون الجامعية بطريقة أفقدت الجامعيين توازنهم، وأصبح تدهورهم الأخلاقي أمرا لا مفر منه، وفقدت الجامعة احترامها في نظر السلطة بعدما أخذ الأساتذة يأكل بعضهم بعضا ويتملق بعضهم لكل شخص ذي حظوة عند السلطة ولو كان من تلاميذهم.[9]

وكان بعض كبار العاملين في الجامعي سواء في وظائف التدريس أو الإدارة يعتبرون أن العمل مع أجهزة الأمن جزءا لا يتجزأ من واجباتهم، فيذكر فؤاد زكريا أنه شاهد عمداء كليات كبار يتلقون الأوامر من ضباط صغار بالتليفون، وفي أثناء الانتفاضة الطلابية عام 72/1973 اشتهر عدد من العمداء والأساتذة بتمزيق مجلات الحائط الطلابية ومنهم الدكتور كامل ليلة الذي أصبح فيما بعد وزيرا للتعليم العالي ورئيسا لمجلس الشعب.

فلا يمكن استغراب موقف الأساتذة بتخاذلهم أو غيابهم عن المشهد في الحراك الطلابي أو مشاركتهم بالوشاية على الطلاب لأنه امتداد لفساد نخر في الجامعة منذ الناصرية حتى الحين، ولكن لا ينفي ذلك قصور الدراسة في لقاء الأساتذة واعتبارهم جزءا من الحراك في الجامعات.

3ـ انطلق البحث من فرضية أن هذه التجربة محورية في حياة الطلاب المشاركين فيها، وأن نزول الفتيات والشباب إلى المظاهرات في مثل هذه السن وتعرضهم للعنف المباشر سيؤثر في شخصيتهم، ولكن تبين أن هذه التجربة ضمن تجارب وخلفيات كثيرة في حياة كل طالب/ة، ورغم أن المقابلات لم تتجه للبعد الشخصي والتجارب الذاتية المؤثرة في كل منهم، إلا أن ما أقر به الجميع أن العلاقة بين الذاتي والعام لم تكن شديدة الفصل.

4ـ خرج من خلال البحث الكثير من الأسئلة التي تحتاج لمزيد من الوقت والجهد للبحث عنها، مثل المقارنة التاريخية بين فترات الحراك الطلابي الذي بدوره سيلقي الضوء على مساحات أخرى كعلاقة القضاء بالطلاب، لمزيد من الإيضاح يمكن سرد أحد الأمثلة، بينما كان القضاء المصري أكثر ليبرالية إبان ثورة 1919، فقد كان متسامحًا مع القضايا الطلابية، بينما في الوقت الحالي نجد حالات يحكم بها بالمؤبد والإعدام على الطلاب، فما شكل العلاقة بين الطلاب والقضاء، وما موقف القضاء من قضايا الطلاب؟

وكذلك قضية البلطجية والسياسة قبل وبعد 2013 مقارنة في نوع الهجوم على الطلاب، تعامل الصحافة والمجتمع مع حراك الفتيات، والمعتقلات وتأثير تجربة الاعتقال على تفاعل الفتيات مع المجال العام، وأثر البيئة والسياق الاجتماعي على المشاركة السياسة والفعالية في المجال العام، غيرها من الأسئلة الكثير[10].


الهامش

[1] لمزيد من التفصيل عن أسباب ضعف الحركة العمالية، يمكن النظر في كتاب صعود وأفول الحركة العمالية الصادر عن دار مرايا للإنتاج الثقافي.

[2] على خط النار، كيف غيرت مجازر النظام المصري رؤية الإخوان المسلمين للمرأة، ميدان الجزيرة، متوفر على الرابط التالي، تاريخ الدخول، 5-3-2019.

[3] طوني صغبيني، لعنة الألفية: لماذا يفشل النشاط الس التغييري، بيروت، منشورات نينار، 2014، ص 17، متوفر على الرابط التالي، تاريخ الدخول 3-3-2019

[4] المرجع السابق، ص 17 -20

[5] المرجع السابق ص 16

[6] المرجع السابق، ص 28

[7] المرجع السابق

[8] أحمد عبد الله، مرجع سابق، ص 395

[9] أحمد عبد الله، الطلبة والسياسة في مصر، ترجمة إكرام يوسف، القاهرة، المركز القومي للترجمة، ص 221-222

[10] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى