fbpx
ترجمات

إدلب: خط المواجهة الأخير في سوريا

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

بعد سبع سنوات من الصراع، قد ينزلق مستقبل الحرب الأهلية السورية إلى معركة إدلب.فقد استعاد الرئيس السوري بشار الأسد السيطرة على جزء كبير من البلاد، وهذه المحافظة الشمالية الغربية هي آخر معقل للمتمردين المتبقين.
لكن استعادة إدلب لن تكون سهلة.في الواقع، سيكون الأمر أصعب وأكثر تعقيدًا من العديد من الحملات الأخيرة في الجنوبلسببين.أولاً، أنها منطقة أكبر بكثير من باقي المناطق في الجنوب مثل درعا والغوطة الشرقية والقنيطرة، والتي استولى عليها الجيش السوري في الأشهر الأخيرة.ومن ثم، فهي تحتوي على عدد متمردين أكبر، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه روسيا في الجنوب سمح للمتمردين بالمرور الآمن من هذه المناطق إلى إدلب.ثانياً، لتركيا وجود عسكري في إدلب.ما يعقد الوضع بالنسبة لجميع الأطراف المعنية لأن تركيا والنظام السوري لديهما مصالح متضاربة في هذه المنطقة.فروسيا تدعم النظام السوري لكنها لا تريد الدخول في حرب مع تركيا، هذه الدولة التي تحتاج إليها روسيا، وبالتالي تسعى للحفاظ على علاقات جيدة معها.لهذا السبب، يخشى السوريون أن يتخلى الروس عنهم.في هذه الأثناء تريد تركيا مساحة للمناورة فيما يتعلق بالولايات المتحدة، وعليه فقيام علاقات عدائية مع روسيا سيحد من خياراتها.
لذلك فإن معركة إدلب ستشكل تهديدًا لجميع الأطراف المتورطة في النزاع.وفي نطاق صراع السلطة الأوسع بين الدول خلال هذه الحرب، قد تكون إدلب أكثر من مجرد تشتيت انتباه، لكونها معركة خطرة، فكسب معركة عسكرية هنا قد يكلف أكثر مما يمكن لأي شخص أن يدفعه.هذا التفكير العميق يطرح خيارا آخر: اتفاق بين هذه الدول للإطاحة بالجماعة المتمردة التي تسيطر على جزء كبير من الإقليم، فجميع هذه الأطراف لها مصلحة في القضاء على هذه الجماعة – إحدى الجماعات الأكثر تطرفًا في إدلب – وبالتالي فإدلب هي المنطقة الوحيدة التي يمكن أن تتعاون فيها كل الأطراف.قد لا يحصل الجميع على كل ما يريدونه من هكذا اتفاق، لكنهم سيستفيدون جميعًا بطريقة ما.وفي هذه المرحلة، قد يكون هذا أفضل ما يمكن أن يتمناه الجميع.

معركة إدلـب

في مطلع عام 2015، بدا الأسد وكأنه يخسر الحرب السورية.لم تستطع روسيا، وهي أحد حلفاء سوريا الرئيسيين أن تسمح بحدوث ذلك، وفي وقت لاحق من ذلك العام قررت روسيا أن تنضم إلى الصراع لإبقاء الأسد في السلطة.بدأ تدخلها، وخاصة دعمها الجوي للقوات السورية على الأرض وفي تحويل المد لصالح الأسد.الآن، بعد استعادة العديد من المناطق في الجنوب، يضع الأسد إدلب نصب عينيه.
من المحتمل أن يحاول الأسد الحصول على المساعدة من موسكو، لكن بالنسبة لروسيا، فإن معركة إدلب لها تداعيات ضئيلة.من المؤكد أن استعادة الإقليم سيكون انتصارا كبيرا للنظام السوري، لكن حتى مع وجود إدلب تحت حكم النظام، ستظل هناك مناطق من الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون في الشمال وبالخصوص التي تسيطر عليها القوات الديمقراطية السورية المدعومة من الولايات المتحدة.
بالنسبة لتركيا، تتمتع مقاطعة إدلب بأهمية استراتيجية كبيرة.بحيث ترى أنقرة أنها مكان يمكن من خلاله شن هجمات ضد الجماعات الكردية السورية، بما في ذلك وحدات حماية الشعب، أو ما يعرف ب YPG ، التي تعتبرها تركيا منظمة إرهابية.كما ترى تركيا إدلب كمنطقة عازلة، حيث أنها تقع على الحدود التركية السورية، حيث يمكنها من خلالها الحد من تدفقات اللاجئين باعتبارها مشكلة متنامية بالنسبة لأنقرة.ولذلك كانت تركيا تقوم بتحصين “مراكز المراقبة” – المواقع العسكرية التي أقرتها اتفاقات أستانا في أواخر عام 2017 – مع الدفاعات المضادة والجدران الخرسانية، وبناء المستشفيات وحقل المروحيات.
تعرف روسيا أن مهاجمة المواقع التركية في إدلب ستعتبر عملاً من أعمال الحرب ضد أنقرة والتي تريد تجنبها.فتركيا تعتبر قوة إقليمية وعضوا في الناتو، وقد يؤدي الهجوم على القوات التركية إلى دفاع أعضاء حلف الناتو الآخرين عن أنقرة.وهذا من شأنه أن يوحد تركيا والغرب عندما تتزايد الشقوق في العلاقة بين أنقرة وواشنطن.(على الرغم من ذلك، إذا رفض حلف الناتو التدخل نيابةً عن تركيا، فإن ذلك من شأنه أن يعمق الانقسام في التحالف). وحتى الهجوم على وكلاء تركيا من المحتمل أن يدفع تركيا للتقرب إلى الغرب. لذلك تبحث روسيا عن مخرج من هذا المستنقع.
حالياً، يتم التحكم في العديد من الأجزاء من إدلب من قبل مجموعة واحدة: هيئة تحرير الشام Hayat Tahrir al-Sham (HTS )، والتي وصلت إلى مسرح الأحداث في يوليو 2017، أي قبل ثلاثة أشهر من دخول الجيش التركي إلى إدلب.في ذلك الوقت، كانت تركيا تتعاون بالفعل مع الميليشيات هناك، بما في ذلك أحرار الشام، التي كانت تسيطر على إدلب قبل يوليو 2017. لكن الانشقاق في أحرار الشام بدأ ينمو بين فصيلتين: البراغماتيين، الذين أرادوا إقامة حزب إسلامي قادر على اكتساب الشرعية الدولية وحتى الحصول على دعم من الغرب، والمتطرفين الذين كان نهجهم أقرب إلى تنظيم القاعدة والذين أرادوا إقامة دولة إسلامية.هذا التقسيم أضعف أحرار الشام وأعطى هيئة تحرير الشام (وفرعه حراس الدين Hurras al-Din ) مخرجا.
هيئة تحرير الشام HTS هو نتاج اندماج بين فرع القاعدة في سوريا، جبهة النصرة، وعدة مجموعات متمردة أخرى.أرادت جبهة النصرة إقامة دولة الخلافة الإسلامية وكانت من بين الجماعات الأكثر صلابة إيديولوجيا والناشطة في سوريا في ذلك الوقت.وهكذا استطاعت هيئة تحرير الشام HTS اجتذاب المتشددين من مجموعات أخرى، بما في ذلك أحرار الشام.وأصبحت المجموعتان من الأعداء الشرسين مع تزايد قوة حزب التحرير في إدلب وتلاشي أحرار الشام.أعلن زعيم حزب التحرير أبو محمد الجولاني علانية استقلال الجماعة عن القاعدة، وفي ماي 2017، أعلنت القاعدة أنها قطعت كل العلاقات مع هيئة تحرير الشام HTS .

الجماعات المتمردة في إدلب

عندما كانت تركيا تستعد لدخول إدلب، كان أمامها خياران: محاولة تدمير هيئة تحرير الشام HTS بالقوة، أو التعاون مع منافس قوي من وكلاؤها الرئيسيين في محافظة إدلب.وعليه فقد اختارت تركيا الخيار الثاني.وعليه فهي شراكة نابعة من الضرورة، شراكة لم تكن تركيا تريدها، فكل الأمور متساوية.لكن تركيز تركيا في ذلك الوقت كان يصب على تأسيس حضور وتواجد على طول الحدود التركية السورية والذي من شأنه أن يمكن تركيا من ممارسة الضغط على وحدات حماية الشعب وإدارة تدفقات اللاجئين عبر الحدود.
لكن الآن، لدى تركيا يد أقوى للعب.فقد غزت عفرين -محافظة في شمال غرب سوريا كانت تحت سيطرة وحدات حماية الشعب YPG – في يناير 2018 ومن خلال هذا الاحتلال تسيطر تركيا الآن على جزء كبير من الأراضي السورية في الشمال.ويمكن بالتالي تحويل انتباهها إلى هيئة تحرير الشام HTS ، وهي مجموعة من الميليشيات التي لم تثق بها أبدًا ولم تستطع السيطرة عليها.
منذ ذلك الحين، أقامت تركيا علاقات مع مجموعات متمردة أخرى في إدلب.ففي شهر فيفري الماضي، انضم ما تبقى من أحرار الشام إلى مجموعة أخرى تدعى نور الدين الزنكي لتشكيل جبهة تحرير سوريا SLF ، والتي كان من المفترض أن توازن وجود قوات التحرير في إدلب. بدأت هيئة تحرير الشام HTS في شن هجمات على جبهة تحرير سوريا، ولمدة ثلاثة أشهر، قاتل الاثنان من أجل السيطرة على محافظة إدلب.ونظراً لعلاقات تركيا بأحرار الشام وانعدام الثقة بمجموعة هيئة تحرير الشام، فقد شجّعت تركيا على الأرجح تشكيل جيش تحرير SLF إما لموازنة هيئة تحرير الشام أو إضعافه أو على الأقل، معرفة أين كانت قواته تتموضع بشكل أقوى.
وفي يوليو الماضي، ساعدت تركيا في تشكيل جبهة التحرير الوطني NLF ، وهي ائتلاف من الجماعات المتمردة في إدلب شملت جبهة تحرير سوريا SLF .وتشير التقديرات إلى أن لدى جبهة التحرير الوطني ما بين 85.000 إلى 100.000 متشدد.وبحسب ما ورد دعت تركيا مجموعة هيئة تحرير الشام للانضمام إلى جبهة التحرير الوطني لكنها رفضت، مما يثبت أن أنقرة لا تزال لا تستطيع السيطرة على المجموعة.وتواصل جماعة هيئة تحرير الشام مهاجمة مواقع الجيش السوري حول إدلب الأمر الذي قد يدفع الأسد إلى شن هجوم على المحافظة.وتفضل تركيا ألا تواجه النظام السوري هناك، لكنها لا تستطيع أن توقف جماعة هيئة تحرير الشام من مهاجمة قوات النظام في جنوب إدلب وشمال حماة.قد تكون الشراكة مع هيئة تحرير الشام قد ساعدت تركيا على المدى القصير، ولكن إذا غزا الأسد إدلب، فقد يكون الأمر مكلفًا على المدى الطويل.

كيف سيكون هذا الاتفاق

إدلب هي المكان الوحيد الذي يجمع كل الأطراف المشاركة في الحرب في إطار مصلحة مشتركة: جميعا يريدون رحيل جماعة هيئة تحرير الشام.إذاً، كيف سيبدو الاتفاق بين هذه الدول؟أحد أكثر السيناريوهات احتمالية هو أنهم سيوافقون – سواء بشكل رسمي أو غير رسمي – على توحيد الجهود للقضاء على المجموعة من محافظة إدلب.بعد أن يتم إجبار جمهورية إيران الإسلامية على المغادرة، سيُسمح لتركيا بالبقاء في المحافظة، لكنهم قد يتخلون عن أجزاء من جنوب إدلب لنظام الأسد – حيث يوجد حضور قوي لهيئة تحرير الشام –كما ستدعم روسيا الأسد في جنوب إدلب لكنها لن تصل لحد تقديم دعم جوي لأي هجوم يجعلها في مواجهة مباشرة مع تركيا.سيتم السماح لتركيا بالبقاء، طالما أنها تستطيع السيطرة على وكلاءها والاحتفاظ بهم بعيدا عن أي مهاجمة للنظام السوري.وفي الواقع، فإن هذا الأمر سيشكل استحواذًا شبه دائم للأراضي السورية من قبل تركيا، حتى لو لم يكن أي طرف مستعدًا للاعتراف بهذا القدر من الاستحواذ.
في مثل هذا السيناريو، ستنتهي تركيا بإدارة أجزاء من إدلب وعفرين، وفي المقابل ستحمي هذه المناطق من النظام السوري، الذي سيضطر إلى القيام بهجوم أقوى بكثير مما فعله في الجنوب لتحدي تركيا ووكلائها.وبالنسبة لجماعات المتمردين التي عصت تركيا واستمرت في مهاجمة النظام فإما تُطرد من إدلب من قبل وكلاء تركيا، وإذا ما غادرت إدلب لمواصلة الهجوم على الجيش السوري، سيتم التعامل معها من قبل الأسد.
هذا الترتيب من شأنه أن يؤدي إلى توازن قوى أكبر بين اللاعبين الرئيسيين في نطاق الحرب الأوسع، وربما حتى فترة وقف القتالقد لا تكون حلًا دائمًا، ولكنها قد تدخل المرحلة التالية من الصراع.فلماذا يتفق كل من هذه الأطراف على التعاون للتخلص من هيئة تحرير الشام؟

تركــيا

تفضل تركيا عدم التعامل مع هيئة تحرير الشام HTS على الإطلاق.فتصرفات المجموعة غير متوقعة ويمكن أن تهدد مكانة تركيا في إدلب.وتتركز قوات هيئة تحرير الشام في جنوب إدلب، لذا من المحتمل أن يتطلب الاتفاق الانسحاب التركي من هذا الجزء من المحافظة، والذي سيسيطر عليه بعد ذلك الجيش السوري بدعم من روسيا.وبالنسبة للأجزاء الأخرى من إدلب حيث هناك تواجد تركي، سيكون الأمر منوطا بوكلاء تركيا للقضاء على قوات هيئة تحرير الشام المتبقية.
لكن من الصعب تخيل أن تركيا ستنسحب من إدلب بالكامل.ويبقى اهتمامها الأساسي هو وحدات حماية الشعب في الشمال، فتركيا لا تريد أن تهدد مشاكل إدلب موقعها في عفرين.وبالتالي سيؤدي التخلي عن إدلب للنظام السوري إلى ترك تركيا مكشوفة، كما أن مقاطعة هاتاي التركية ستكون عرضة لتدفقات اللاجئين الضخمة التي قد تنجم عن هجوم من النظام السوري.كما أن هذا الأمر سيعطي قوة دفع للنظام السوري في الصراع، بحيث يمكن أن يركز بعد ذلك على استعادة الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد. هذا غير مقبول بالنسبة لتركيا، حيث أنها ستفقد القدرة على مواصلة الضغط العسكري على وحدات حماية الشعب في سوريا.وعليه فالانسحاب الكامل من إدلب قد يؤدي إلى انسحاب كامل من شمال سوريا، وعند هذه النقطة، سيكون على تركيا أن تثق في النظام السوري للسيطرة على الأكراد في الشمال بطريقة تتفق مع مصالح تركيا.ومن المرجح أن تقف تركيا على أرض الواقع في شمال إدلب بمساعدة وكلاءها.

تموقع هيئة تحرير الشام ومناطق سيطرته الميدانية على إدلب

وكلاء تركيا

وكلاء تركيا أيضا حريصون على التخلص من مجموعة هيئة تحرير الشام.فقد أدى نهج المجموعة إلى نشوب صراع وانقسام بين الجماعات المتمردة الأخرى التي تفضل التركيز على معركتها ضد الأسد.بحيث يشعر وكلاء تركيا بالقلق باعتبار أن عدم وجود اتحاد ضد النظام السوري يمكن أن يخلق فراغا في السلطة يمكن أن يُملأ من قبل تنظيم الدولة الإسلامية.
المجموعات التي تشكل جبهة التحرير الوطني سوف تتعاون فقط من خلال اتفاق يركز أولاً على تفكيك هيئة تحرير الشام، لكنهم في نفس الوقت لا يريدون التراجع عن مواصلة قتالهم ضد الأسد.قد تختار بعض هذه المجموعات الانفصال عن جبهة التحرير الوطني، لكنهم سيفعلون ذلك إذا ما تم استهدافهم من قبل كل من تركيا، وكلاء تركيا والحكومة السورية.أما الجماعات الأخرى الموالية لتركيا والتي ستختار الالتزام بالاتفاق فستقبل سيطرة تركيا على المنطقة في مقابل حمايتها من قوات النظام السوري.ويمكن لهذه القوى أن تنتظر للحصول على فرصة للاستفادة من الحل المحتمل للاتفاق.

النظام السوري

من المرجح ألا يشعر الأسد بالراحة التامة مع اتفاق يترك مساحة كبيرة من سوريا تحت حماية تركيا.لكنه مع ذلك سيميل إلى القبول به لأنه سيقضي على الجماعات المتمردة التي لا يمكن السيطرة عليها والأكثر تطرفا في إدلب، وربما يساعده على استعادة المزيد من الأراضي في جنوب إدلب.فبالنسبة للأسد، فإنها خطوة في الاتجاه الصحيح.
حتى إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، فمن غير المرجح أن يشن الأسد هجوماً على الإقليم لثلاثة أسباب.أولاً، لن يستطيع الأسد الاعتماد على الدعم الجوي الروسي في المناطق التي تتواجد فيها تركيا.ثانياً، سيكون عليه مواجهة عدد أكبر بكثير من المقاتلين هناك أكثر مما واجهه في المعارك الأخرى في جنوب سوريا، مما يجعل القتال أكثر دموية وأكثر تكلفة وأقل قابلية للتنبؤ.ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الاتفاقيات التي توسطت فيها روسيا في الجنوب سمحت للمتمردين بالفرار وضمان مرورهم الآمن إلى إدلب في مقابل تسليم الأراضي إلى الأسد.كما أنه في العديد من المناطق التي استعادها الأسد، لم يقم في الواقع بالقضاء على المسلحين الذين يقاتلون ضده وعليه فقد انتقلوا ببساطة إلى جزء آخر من البلاد.وثالثًا، وعلى الرغم من أن الأسد قد أعاد مؤخرًا تثبيت قبضته على أجزاء كبيرة من البلاد، فإن شريحة كبيرة من جيشه غير قادرة على القيام بعمليات هجومية، لأنها تُستخدم بشكل أساسي في مهام التجميع والتوحد.وهذا يعني أن الخسائر الكبيرة التي قد يتكبدها الجيش السوري ستكون بين صفوف الأسد الأكثر خبرة والمدربة تدريباً جيداً، الأمر الذي قد يشجع المتمردين على تحدي النظام في مناطق أخرى، مع العلم بأن موارد النظام السوري سوف تصل إلى الحد الأقصى.وعليه من الأفضل أن يقبل الأسد بوجود القوات التركية ووكلائها في الوقت الحالي، بينما يعيد بناء بلده ويؤمن غزواته السابقة.ويمكن للأسد أن يستفيد من فترة استقراره لتجميد جيشه.

روسيا

كما ستدعم روسيا اتفاقا بشأن إدلب لأنها ستقرب الأسد خطوة واحدة من التحكم في البلد بأكمله.لكن روسيا لا تحتاج في الواقع إلى أن يسيطر الأسد على كل سوريا.على العكس من ذلك، فإن روسيا مسرورة أكثر من غيرها بلعب دور الوسيط بين مختلف الكيانات التي تقاتل بعضها بعضاً في سوريا أبرزها تركيا، الأسد، الأكراد السوريون وإيران.فالسماح لتركيا بالاحتفاظ بجزء من سوريا تحت سيطرتها سيقيد إيران في سوريا ويحد من أهدافها التوسعية في جميع أنحاء المنطقة.ومن مصلحة روسيا منع أي هيمنة إقليمية من الظهور في الشرق الأوسط يمكن أن تضع منطقةالقوقاز في حساباتها، الأمر الذي من شأنه أن يهدد روسيا بشكل مباشر.
الاتفاق الذي من شأنه أن يضع حداً مؤقتاً للأعمال العدائية من شأنه أيضاً أن يقرب روسيا من قدرتها على الانتصار في سوريا.فآخر شيء تريده روسيا الآن هو أن يجرها الأسد إلى مواجهة مع تركيا من شأنها أن تضع حدا للعلاقات الحسنة تدريجيا بين موسكو وأنقرة، وتدفع تركيا إلى التقرب مع الغرب.وعليه يمكن للهجوم الذي تدعمه روسيا في إدلب أن يفعل ذلك بالضبط.

الولايات المتحدة

كانت مشاركة الولايات المتحدة في إدلب محدودة، لكنها تريد أن ترى المجموعة المرتبطة بالقاعدة هــناك مهزومة.إن التوقيع على اتفاق يســـمح لـتركيا بحضـور دائم وأكــبر في إدلب يمـكن أن يســاعد أيــضا على تحسين العلاقات بين واشنــطن وأنــــقرة، التي توترت في الآونة الأخـــيرة.كما أنه سيحد من وصول الأسد ويضمن في الوقت الراهن على الأقل عدم قدرته على السيطرة الكاملة على سوريا.

كيف يمكن أن ينهار الاتفاق

ولذلك، فإن التوصل إلى اتفاق للقضاء على مجموعة هيئة تحرير الشام سيكون في مصلحة جميع هذه الأطراف.لكن الاتفاق يمكن أن ينهار بطريقتين.
الأولى ستكون من خلال رفض الجماعات المتمردة قبول السيطرة التركية.حتى المتمردون الذين يشكلون جزءاً من جبهة التحرير الوطني التي تدعمها تركيا قد يتعبون من الوضع الراهن ويريدون الانفصال عن التحالف لمواصلة محاربة الأسد.وسيؤدي إضعاف قبضة تركيا على الائتلاف إلى مطالبة عدد كبير من المتمردين بمغادرة جبهة التحرير الوطني دفعة واحدة.ولكن إذا حدث ذلك، فيجب على الأسد الرد بغض النظر عما إذا كان سيحصل على دعم جوي روسي.ستفضل موسكو البقاء خارج الأمر، فحتى لو قدمت للأسد بعض المساعدة، فإنها ستكون محدودة ولن تستهدف المواقع التركية بشكل مباشر.
مع مرور الوقت، قد يؤدي هذا إلى انسحاب تدريجي لتركيا من مناطق أخرى في شمال إدلب، حيث أن إضعاف وكلاءها سيجبرها إما على زيادة مشاركتها العسكرية أو العودة إلى عفرين.سوف تصر تركيا على الوقوف في موقعها في عفرين ومنبج، لكن قدرتها على تكريس المزيد من القوى البشرية والموارد في أي مكان في سوريا ستكون على غرار إيران، متوقفة جزئياً علىوضعها الاقتصادي الداخلي، وهو الآن في حالة تغير مستمر.
أما الاحتمال الثاني لانهيار الاتفاق، فيمكن أن يقوم الأسد بتحركات لاستعادة السيطرة على إدلب.لكن هذا يعتمد إلى حد كبير على مقدار الدعم الذي يمكن للنظام الاعتماد عليه من حليفه القوي الآخر إيران.وبالنظر إلى عدم الاستقرار الأخير في إيران، لا سيما مع فرض المزيد من العقوبات في نوفمبر والمحادثات في الولايات المتحدة لقطع إيران عن شبكة SWIFT المصرفية، من الصعب التنبؤ بمدى تورطها في سوريا وأين ستركز جهودها.لن تنسحب إيران من الحرب تماما – لا يمكن أن تخاطر بانهيار نظام الأسد – ولكن إذا اشتعلت الاحتجاجات الضخمة في إيران، مثل تلك التي اندلعت في بداية هذا العام، مرة أخرى، فقد تضطر إلى الحد من إنفاقها على المغامرات في الخارج والاستثمار في الحفاظ على اقتصادها الخاص.
في هذه الحالة، سيكون لإيران نفوذ محدود في إدلب.وسيكون هذا النفوذ في صالح القضاء على الجماعات المتمردة التي تتحدى سلطة الأسد، وبالتالي ستؤيد التوصل إلى اتفاق للتخلص من هيئة تحرير الشام، على الرغم من أن إيران ذات الأغلبية الشيعية لن ترحب بالوجود المستمر لتركيا ذات الأغلبية السنية في سوريا.ومع ذلك، فإن إيران لا تريد دفع تركيا أكثر نحو المدار الغربي لأسباب اقتصادية.إن احتمالات استمرار تركيا في شراء الغاز الطبيعي من إيران حتى بعد شهر نوفمبر أقوى الآن بعد أن توترت العلاقات بين واشنطن وأنقرة. (في الواقع، قد تكره تركيا أن تعتمد أكثر على روسيا في مجال الغاز الطبيعي مقارنة بما تفعله حاليًا، لذا فإن لديها مصلحة في شراء الطاقة من موردين آخرين).
إذا عكست إيران مسارها وأصبحت أقوى مما هي عليه الآن، فقد تشجع بعد فترة من الوقت الأسد على اتخاذ إجراءات أكثر قوة في إدلب بغض النظر عن وجود تركيا هناك.وسيكون هدف إيران القضاء على الجماعات المتمردة السنية في سوريا التي يمكنها تحدي موقفها في البلاد.هذا السيناريو سيقرب تركيا وإيران من المواجهة التيتوقعنا أن تحدث في مرحلة ما.
أما الآن، فإن المرحلة التالية الأكثر احتمالا في إدلب والحرب الأهلية السورية هي جهد منسق للقضاء على هيئة تحرير الشام (وفروعها مثل حراس الدين)، وقبول وجود تركي أكثر ديمومة في شمال غرب سوريا.إن حل الصراع على هذه الجهة من البلاد أقل أهمية من العلاقات بين اللاعبين الكبار في هذه الحرب.لذلك يجب أن تتضمن المسألة نوعًا من التوازن فيما بينهم، ربما مع قتال صغير متقطع وغير حاسم، ولكن بدون محاولة دموية كاملة للفوز(*).
Xander Snyder,« Idlib, the Latest Frontline in the Syrian Civil War: A battle over Idlib poses a threat to all countries involved in the conflict» Geopolitical Futures, August 30, 2018.


(*) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close