ترجمات

النظام الدولي في القرن الحادي والعشرين

ملخص:

يُعّد هذا المقال جزءًا من عمل مشترك صدر سنة 2012، حمل عنوان: “دليل كلية الحرب الأمريكية لشؤون الأمن القومي”، ساهم فيه الدكتور “آلان. جي ستولبرج” بدراسة مطولة حملت عنوان: “النظام الدولي في القرن الحادي والعشرين”، تتطلب قراءتها معرفة مسبقة بالفرضيات الأساسية والمسلمات المركزية التّي يقوم عليها المنظور الواقعي في العلاقات الدولية حتّى يسهل فهمها واستيعابها بشكل جيّد. وفيها يضعنا ستولبرج أمام صورة كلية شاملة للطريقة التّي يعمل بها النظام الدولي الذّي تتفاعل فيه مجموعة من الوحدات السياسية على رأسها الدولة، التي تتحكم في سلوكياتها مجموعة من الدوافع وتوجهها جملة من الأهداف والحسابات الخاصة.

الكلمات المفتاحية: النظام الدولي، الدولة، الفواعل، ميزان القوة، الأحلاف والمصلحة القومية.

نص الدراسة

كلاعبين على الساحة الدولية، تعمل الفواعل الدولاتية (نسبة إلى الدولة) وغير الدولاتية على حدّ سواء بمفردها أو تحاول العمل مع بقية العناصر في النظام، ومن الممكن أن تكون هذه العلاقات مع بقية الفواعل الدولاتية أو غير الدولاتية على أسس ثنائية: تجمعات رسمية للدول، للمنظمات الدولية، للمنظمات الدولية غير الحكومية أو مع بقية الفواعل غير الدولاتية، كما يمكن أن تكون غير رسمية حتّى من خلال تعاون “غير معترف به” مع بقية أعضاء النظام. يمكن للدول أيضا أن تختار تشكيل أو الإنضمام إلى أحلاف أو إئتلافات موجودة.

بين الأحلاف والائتلافات

يعتبر الحلف صيغة لإتفاقية أمنية رسمية بين دولتين أو أكثر، وعادة ما تدخل الدول إلى تحالفات لحماية أنفسها في مواجهة تهديد مشترك عبر تعزيز الموارد والتحرك بانسجام يُؤمِّن أعضاء الحلف أنّ بإمكانهم تحسين مكانتهم بشكل مجمل في النظام الدولي وأمنهم النسبي مقارنة بالدول التّي لا تنتمي إلى حلفهم.

وهناك فوائد إضافية لأعضاء الحلف يمكن أن تتضمّن القدرة على تعويض تكاليف الدفاع، إذا لم يكن شريك التحالف ذا مسؤولية فعلية حقّة، فإنّ العضوية في حلف ما تسمح للدول بحشد قدراتها العسكرية مع شركاء الحلف. والحلف، نظريا على الأقل، أقل تكلفة من أي مقاربة أحادية الجانب للأمن. أيضا ومن الناحية الإقتصادية، فإنّ الأحلاف يمكن أن توفّر فوائد إقتصادية موسّعة عبر زيادة التجارة، المساعدة والقروض بين المتحالفين، على غرار حلف الناتو وميثاق وارسو.

وتكون الإئتلافات في العادة أقل رسمية من الأحلاف وتُمثّل نطاقا واسعا من تجمع لدول مختلفة تتّحد بشكل مؤقت لأجل غاية محدّدة عادة ما تكون تحركا عسكرياً. وتتفّق الدول عادة وبصرامة لأجل المشاركة في إئتلاف ما كوسيلة لتعزيز الشعور بالراحة (والثقة) بينها. وتكون الإئتلافات مؤقتة بينما يمكن أن تدوم الأحلاف في كثير من الأحيان لفترات مطولة. على سبيل المثال حينما قادت الولايات المتحدة الأمريكية إئتلافا خلال حرب الخليج الأولى (عمليتا درع الصحراء وعاصفة الصحراء) وأثناء النزاع الثاني في الخليج أي (عملية حرية العراق كما يسميها الأمريكان).

وهناك سبيلان يمكن للدول أن تلجأ إليهما حينما تستخدم التحالفات أو الإئتلافات هما: التوازن أو الإنضمام. وكلاهما يؤشّران إلى قرار، وعي أو لاوعي الدول في علاقاتها مع بقية أعضاء النظام. وتلجأ الدولة إلى التوازن حينما تُشارك حلفا أو إئتلافا ضعيفا لتواجه تأثير أو قوة دولة أقوى أو مجموعة دول قوية. حيث يحدث التوازن حينما تقرّر الدولة الأضعف أنّ هيمنة أو نفوذ دولة أقوى يُعّد أمرا غير مقبول لديها، وأنّ تكلفة السماح للدولة الأقوى بمواصلة سياساتها دون رادع ستكون أعظم من تكلفة التحرك ضدّ هذه الدولة القوية. ويمكن أن يكون التوازن خارجيا أو داخليا في أصله، في الحالة الأولى، تكوِّن الدول الأضعف إئتلافا ضدّ الدولة الأقوى، محوِّلة ميزان القوى لصالحها، ويمكن للدولة الأضعف أيضا أن تتوازن داخليا عبر الإقرار بمباشرة البناء العسكري لزيادة قوتها بالنظر إلى الدولة الأقوى.

يمكن أن يكون التوازن في النظام الدولي أيضا فِعلاً صلبا أو ناعما على حدٍّ سواء، صلباً حينما يُقصد به زيادة القوة العسكرية أو التهديد باستخدامها بالنسبة لدولة ما في نظر الدولة الأخرى. أمّا الإستخدام الناعم له فيكون حينما تريد الدولة الأضعف أو الدول عموما موازنة الخصم الأقوى مع إيمانها أنّ إستخدام القوة العسكرية ضدّه يُعّدُ أمراً غير مجدي. وفي هذه الحالة، تُوظِّف الدول عناصر غير عسكرية للقوة للمساعدة في تحديد الدول الأقوى ومعادلتها.

أمّا الإنضمام فهو مختلف عن التوازن، حيث يشير إلى فعل وحركة دولة ضعيفة أو مجموعة دول تنضّم إلى دولة أقوى أو إلى حلف أو إئتلاف. ويحدثُ الإنضمام حينما تُحدِّدُ الدول الأضعف أنّ تكلفة مواجهة الدولة الأقوى تتجاوز الفوائد التّي يمكن أن تُحصّلها جرّاء مناصرتها لها، ويمكن للطرف الأقوى أن يُقدّم حوافز مختلفة كأن تكون أرضا أو إقليما حدوديا أو إتفاقيات تجارة لجذب الفاعل الأضعف للإنضمام إليه.

وتُقرّر الفواعل على المسرح الكوني، المشاركة في تحالفات وإئتلافات لتنفيذ سياسات مؤيدة للتوازن أو الإنضمام بناءً على تقديراتها لقوتها النسبية في النظام الدولي.

ويعكس هذا واحدا من أهم المصطلحات المنتشرة عن النظام التّي تُمثّل أو تستجيب لميزان القوى، حيث من الضروري التمييز بين توازن القوى بإعتباره سياسة (أي محاولة مقصودة لمنع الهيمنة بالنسبة لطرف على الفاعل الآخر في النظام الدولي) ، وتوازن القوة كوصف لكيفية عمل النظام الدولي (أين يميل التفاعل بين الفواعل إلى الحدّ من أي محاولة للهيمنة أو تقييدها لتكون النتيجة على العموم حالة من الإستقرار).

إنّ قبول شريحة كبيرة إستخدام مصطلح ميزان القوة مرتبط بالمعنى الأخير، أي العملية التّي يتّم بمقتضاها منع أو معارضة صعود فاعل مهيمن واحد. ونظريا، يعمل النظام الدولي على منع أي فاعل من إملاء أوامره -وإرادته- على أي فاعل آخر، يعني ذلك أنّه يعمل للمحافظة على فوضى متساوية بين الدول، وحرية الدول وسيادة الدول أيضا.

ويؤدي ميزان القوة هذا الأمر في النظام، ويصف توازن القوة في الواقع توزيع القوة في النظام الدولي في أجزاء متساوية أو غير متساوية. بالنظر إلى أنّ فرضية عدم وجود توازن للقوة هي فرضية خطيرة على عملية المحافظة على الإستقرار، فإنّ الفواعل تحاول أن تُنفّذ سياسة لإنتاج التوازن في القوة داخل النظام. ويُساعد هذا الأمر في تشكيل صيغة عقلانية للفواعل لتلجأ إلى إختيار الإنضمام أو التوازن مثلما تشكّل تحالفات أو إئتلافات في مواجهة منافسين مهيمنين محتملين.

وهناك إعتقاد بأنّ التوازن يحفظ سيادة الدول، يجعل اللامساواة في القوة أمرا محسوما بين الدول، يُشكّل تهديدا لوجود العنف، كلّها عوامل تجتمع لتُعطي كل من الفواعل المهيمنة والتابعة مصالح مشتركة (إذا لم تكن هناك مساواة) في المحافظة على النظام الدولي. لقد صار ميزان القوة شكلا من أشكال التسوية بين الفواعل التّي وجدت أنّ الإستقرار مفضّل على الفوضى، ورغم أنّ نتائجه في النظام تخدم الطرف القوي والثريّ فإنّها تتعدى أيضا إلى الطرف الضعيف والفقير على حدّ سواء. تلعب الفواعل الأكثر قوة على غرار القوى العظمى دورا قياديا في توازن القوة للنظام الدولي لأنّ لها قوة عسكرية متقدمة والقدرة على بسط التكنولوجيا الأساسية.

وفي إطار هذه الاعتبارات يمكن القول أن مصطلح ميزان القوة يؤدي ثلاث وظائف في النظام الدولي: الحيلولة دون تحويل النظام من قِبل “الفاتحين” إلى إمبراطورية عالمية، وجعل ميزان القوة في موضع يعمل على حماية الفواعل من أن تُستَوعبَ من طرف الفاعل الإقليمي المهيمن، وخلق شروط تستطيع من خلالها بقية عناصر أو خصائص النظام الدولي أن تتطوّر (كالدبلوماسية، والإستقرار، الفوضى والحرب)، وتؤكد الوظيفة الثالثة أهمية مصطلح ميزان القوة بالنسبة للنظام الدولي لأجل التنبؤ بالمستقبل.

الأمن الجماعي

بالنسبة للفواعل في النظام الدولي الأقل راحة عند إنخراطهم في الأحلاف والإئتلافات فإنّ الأمن الجماعي يوفّر لهم بديلا ما. وبصيغة رسمية أكثر فإنّ الأمن الجماعي يُعّدُ إطارا أو مؤسسة صُمِّمت لمنع أو تحييد الإعتداء من طرف دولة ضدّ دولة عضو أخرى. وتُشارك كل الدول الأعضاء بمسؤولية لحماية الأمن المحسوس لكل بقية الأعضاء. تتيح العضوية في هذه المؤسسات التخلي عن الإستعمال الأحادي للقوة، لأنّ المؤسسة  تضمن تقديم المساعدة  للدولة المُعتدَى عليها في مقابل معاقبة المعتدِي. إنّ المقصد العام للأمن الجماعي هو المحافظة على السلام بين أعضاء هذا الإطار أو المؤسسة (مثال: عصبة الأمم، هيئة الأمم المتحدة)، وليس بين النظام وبقية العناصر الخارجية، على غرار ما يَفعلُ الحلف. وفي بعض الحالات يكون البحث عن الأمن هو الإهتمام الأكبر بالنسبة لنطاق واسع من الفواعل في النظام الدولي، إذ يوحي الأمن بغياب التهديدات التّي تطال المصالح.

ويمكن أن يدّل الأمن الكلي على الحرية من كل التهديدات، وتاريخيا، فقد ساوى مصطلح الأمن البُعد العسكري بالأمن. فقد كان الأمن يعني الأمن من الحرب والنزاع العنيف. لكن شهد القرن العشرين توسِعةً للمصطلح ليتضمن مسائل أخرى كتلك المرتبطة بالإقتصاد أو البيئة. الأمن الإقتصادي هو الحاجة إلى ضمان أنّ الفاعل المعتدِي لا يمكنه أن يتحكم في مؤونة السلع والخدمات أو أسعار هذه المؤونة، كأن يتمكن من المياه، النفط والغاز الطبيعي. في حين يشير الأمن البيئي إلى الحماية من الأخطار البيئية التّي تتسبّب فيها الطبيعة أو الأعمال الإنسانية بسبب الجهل، الحوادث، سوء الإدارة المتشكلّة أو الناشئة داخل أو عبر الحدود الوطنية. مثلا، مسائل جودة المياه أو الهواء، الإحتباس الحراري الكوني، المجاعة أو الأوبئة الصحية.

والكيفية التّي يختار بها الفاعل في النظام الدولي تأويل مصطلح الأمن تساعده على تحديد المشاركة في الأحلاف والإئتلافات، والمشاركة في أطر أو مؤسسات الأمن الجماعي وكذا تحديد سلوكيات التوازن والإنضمام لديه. في كل الحالات، تعتبر هذه الفواعل أن قدرتها على ممارسة كل عناصر القوة التّي تمتلكها أمرا مُتاحا، سواء استخدمت أم لم تستخدم القوة، والأكثر أهمية أنّها ستُدرك أيُّ المصالح التّي سوف تُدعِّم سياساتها النهائية.

القوة في النظام الدولي:

إن القوة في النظام الدولي هي قدرةُ فاعلٍ أو مجموعة فواعل على الـتأثير على سلوك بقية الفواعل –عادة ما يتّم ذلك لأجل دفعهم إلى سلوك فعل ما يتوافق مع مصالح تلك القوة، ولا يجب إستخدام القوة حتّى تكون هذه القوة ذات فعالية ما. ويكفي أن تقرّ الفواعل الأخرى بها صراحةً أو ضمنا. والغاية من وراء ذلك أنّ الممارسة المحتملة للقوة المعترف بها يمكن أن تكون كعامل تخويف أو تهديد كأن تُستعمل حقيقةً بالفعل. وتاريخيا، سعت بعض الفواعل الدولية إلى القوة لأجل تحصيل القوة نفسها، لكن تستعمل الدول عادة القوة لأجل الحصول على أهداف ما أو الدفاع عن أخرى والتّي يمكن بدورها أن تتضمّن: الهيبة، أراضي إقليمية حدودية ما أو هدف الأمن.

هناك مكوّنين للقوة على العموم: القوة الصلبة والقوة الناعمة، تشير القوة الصلبة إلى التأثير القادم مباشرة من الوسائل العسكرية أو الإقتصادية، خلافا للقوة الناعمة الـتّي تشير إلى القوة الناشئة عبر وسائل غير مباشرة للدبلوماسية، الثقافة والتاريخ.

وتصف القوة الصلبة قدرة فاعل ما على حثّ فاعل آخر على أداء فعل ما أو التوقف عنه، يمكن أن يتّم ذلك عن طريق القوة العسكرية من خلال التهديدات أو الإرغام بالقوة. يمكن أن تُحقَّق أيضا من خلال استخدام القوة الإقتصادية –بالإعتماد على المساعدات أو الرشاوي أو العقوبات الإقتصادية-. أمّا القوة الناعمة  فهو مصطلح يصف قدرة فاعل ما على التأثير غير المباشر على سلوك فواعل أخرى عبر إستخدام وسائل ثقافية أو إيديولوجية.

وخلافا للأدوات الأساسية للقوة الصلبة –القدرة على التهديد ضربا بالعصا أو عن طريق الدفع بالجزرة- فإنّ القوة الناعمة تجذب الآخرين وتجعلهم يريدون ما تريده أنت. فحينما تتمكن الدولة من جذب دولة أخرى وجعلها تريد ما تريده هي، فبإمكاننا أن نعتبر ذلك عصا وجزرة في نفس الوقت. مصادر القوة الناعمة هي الثقافة (حينما تكون جذّابة بالنسبة للآخرين)، القيم (حينما لا يعتريها النفاق أثناء التطبيق) وكذا السياسات الخارجية أيضا (حينما يُنظر إليها على أنّها سياسات خارجية شرعية في أعين الآخرين). تستخدم القوة الناعمة أسلوبَ جذبٍ لمشاركةِ القيم وإدارك الحق وواجب المساهمة مع الآخرين لأجل بلوغ هذه القيم. إنّها أكثر صعوبة من التطوّر المنتظم أو الواعي، وكأكثر صعوبة من حيث التحكم أو التطبيق مقارنة بالقوة الصلبة.

وتُقاس قوة الفاعل بغض النظر إن كانت قوة صلبة أو ناعمة من ناحية عناصر القوة التّي يمتلكها حقاً، ويتّم هذا القياس دوما أثناء العلاقة مع فاعل آخر أو مجموعة فواعل وكذا في سياق حالة خاصة بعينها والتّي من الممكن أن تُمارَس فيها القوة.

هل تُشكّل عناصر القوة الملائِمة إحتمالا للنزاع أو تحدِّد طبيعته؟

يملك خبراء الأمن الأمريكيين تقسيما تقليديا لعناصر القوة يتّم إختصاره في الأحرف DIME أي مجموعة العناصر “الدبلوماسية، المعلوماتية، العسكرية والإقتصادية”. وقد توسع هذا المصطلح لدى بعض أحدث مستويات الإستراتيجيات الوطنية إلى صيغة ال: DIMEFIL أي تقوية العناصر: الدبلوماسية، المعلوماتية، العسكرية، الإقتصادية، المادية، الإستخباراتية والقانونية أيضا.

وبصرف النظر عن عناصر خاصة للقوة والتّي تكون في الأغلب متاحة لأجل الإستخدام المحتمل، فإنّ الأمر الذّي يجب أن نأخذه بعين الإعتبار والأكثر أهمية في تجسيد قدرة فاعل ما على تحويل قوة محتملة إلى قوة ميدانية عملية هو عامل الإرادة السياسية. إنّ فاعلية حكومة الفاعل وعمق الدعم الداخلي لها (أو فاعلية القيادة ودعم الجهات المانحة بالنسبة للفاعلين غير الدولاتيين) هو أمر حاسم لأجل تطوير وإستدامة الإرادة السياسية. ومن دون أيٍّ من هذه المكونات فإنّ إحتمالية نجاح إستخدام القوة يبقى منخفضا بشكل كبير.

إنّ أهم مظاهر إستخدام القوة وضوحا هو إستخدام العنف المادي. وهناك الكثير من الأسباب التّي تقتضي توظيف هذا النمط من القوة، في سنة 1966 وصف المُحلِّل الكلاسيكي لاستعمال القوة (العنف المادي) والتأثير الأستاذ “توماس شيلينج” استخدام القوة أو التهديد باستخدامها باعتباره صنفا من “دبلوماسيةٍ وحشية”. لقد شخّص الرجل أربع طرق مختلفة يمكن أن تُستخدم فيها “القوة المادية Force-“: الردع-Deterrence، الجزاء/العقابCompellence-، القسر أو الإكراه-Coercion، القوة الوحشية- Brute force:

1ـ الردع ـ الجزاء/العقاب:يسعى الردع إلى منع الفاعل الآخر من فعل شيء ما قد يكون من الممكن تأديته بطريقة أخرى، يُنفّذُ هذا عبر مرحلة غير محدّدة من الزمن من خلال إقناع الطرف الرادع والذّي لا يمكنه أن يحقّق مسعاه بنجاح، في بعض الأحيان يكون ذلك من خلال استعراض قدر كافي من القوة لإعاقة الشيء المُراد وأحيانا يتّم ذلك عبر الردّ بوعد بالعقوبة يجعل المستهدَف ينخرط في الفعل المُراد منه. يختار فاعل ما طريقة العقاب حينما تدفع هذه الطريقة إلى جعل العدو يقوم بفعل ما في زمن محدّد ذا أجل ما.

وينبغي لهذه الطريقة أن يكون لها تأثير إيجابي في إقناع الخصم للكف عن أداء سلوك غير مقبول أو يمكن أن تتسبّب له في التراجع عن مواقع ما استولى عليها أو أن تدفعه للتنازل عن أصول ما (ممتلكات) أُخدت بطريقة غير مشروعة.

2ـ الجزاء/العقاب: ويُستخدم العقاب عادة بعد أن يفشل الردع وإن كان هذا الشرط غير أساسي على هذا النحو. ويمكن للعقاب أن يحمل وعدا بإلحاق مستوى عالي من الضرر للعدو إلى أن يمتثِل لما يُراد منه، يمكنه أيضا (كجزاء) أن يوفر نمطا من المكافأة لقاءَ الاستجابة لما يُطلب منه. وحتّى تكون طريقتا الردع والجزاء طرقا ناجحة فإنّ كل من التهديد بالوعيد أو الوعد بالمكافأة (إذا كانا قابلين للتطبيق) يجب أن يكونا أمرا معقولا أيضا.

3ـ القسر أو الإكراه: هو تعمّد إلحاق الألم بالخصم إذا لم يقم الأخير بما تريده أنت، ويكون في أغلب الأحيان ناجحا حينما يُؤخذ في الاحتياط باعتباره تهديدا معقولا. وخلافا للعقاب يوّفر القسر فقط تهديدا لعدم الإمتثال من دون أن يوفر شيئا من المكافأة أصلا لقاء الإمتثال.

4- القوة الوحشية: تأخذ مباشرة ما يريده الفاعل، إذ لا تعتمد على الإشعار بنيّة الفاعل للخصم وتنجح حينما تستخدم قواعد بسيطة في إنجاح تطبيق القوة المادية. ولا تستجدي القوة الوحشية طلب شيء ما في النهاية، بل تأخذ ما تريد وفقط، بغض النظر عمّا يريده الفاعل وذلك عبر الاستخدام المباشر للقوة المادية.

وإفتراضيا، فإنّ أي فعل يتخذّه الفاعل في النظام الدولي –سواءً كان سلميا أو عنيفا- فمن المرجح أن يُؤدَى لمقصد دعم مصالح الفاعل المنفِّذ، إذ يتّم إعداد المصلحة القومية لتعريف أكثر المسائل أهمية بالنسبة للفاعل. لقد تمّ النظر إلى المصلحة القومية إلى غاية القرن السابع عشر في الغالب على أنّها أمر ثانوي مقارنة بالدين أو الأخلاق. للتدخل في الحرب، عادة ما يحتاج الحكام إلى تبرير فعلهم في ذلك السياق، لقد تغيّر ذلك منذ عقد إتفاقية ويستفاليا سنة 1648. بالنسبة للدولة، فإنّه من المرجح أن تكون المصلحة القومية متعدّدة الأوجه وأن تكون موجهة لأهداف سياسية، إقتصادية، عسكرية أو حتّى ثقافية.

خلاصة:

إنّ أعظم مصلحة هي بقاء الدولة وأمنها. وعادة ما يرتبط مصطلح “حيوي” بهذه المصلحة بالضبط، مع تضمينه معنى، وحصة الحيوي هذه أساسية جدّا لرفاهية الدولة والذّي لا يمكن تعريضه أبدا للخطر، ويجب أن يتطلب استعمال القدرة العسكرية الإستدامة والمساندة. لقد اُعتُبِرت أنماط المصالح الأخرى مهمة كالسعي إلى الثروة والنمو الإقتصادي، وترويج المبادئ الإيديولوجية والإرساء لنظام عالمي مفضّل. بالإضافة إلى ذلك، تُؤمِنً كثير من الدول بالمحافظة على الثقافة القومية في الدولة لتكون ذات أهمية كبيرة. لكن في النهاية، فإنّ تقدير الدولة لأهمية مصالحها القومية هو المنطلق الأساسي الذي تنطلق منه أكثر أو كلّ أفعال الدولة التّي ستقوم بها أو تمتنع عن القيام بها داخل النظام الدولي(1).

هوامش

* الدكتور آلان ستولبرج: كولونيل متقاعد وأستاذ مساعد في قسم دراسات الأمن القومي، عضو سابق بكرسي هينري ستمسون للدراسات العسكرية بالمعهد الحربي الأمريكي. اشتغل بالعديد من المراكز والمكاتب الحساسة ذات العلاقة بالشؤون الأمنية والإستراتيجية، ترتكز أبحاثه الأخيرة على عملية صنع السياسات والإستراتيجيات، الأمن الأوروبي والأوراسي، التعاون الأمني والوكالات الحكومية الأمريكية. نال شهادة الماستر في العلاقات الدولية من جامعة ساوثرن كاليفورنيا، له ماستر آخر في الأمن القومي والدراسات الإستراتيجية من الكلية الحربية البحرية الأمريكية، تحصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة تامبل الأمريكية. عنوان المقال الأصلي ورابطه:

Alan G. Stolberg, THE INTERNATIONAL SYSTEM IN THE 21ST CENTURY, LINK

————————-

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

جلال خشيب

باحث جزائري مُقيم بتركيا، تهتمُ أعماله بمجال الجيوبوليتيك، نظريات العلاقات الدولية، سياسات القوى الكبرى والإقليمية، من أبرز أعماله كتاب: “أثر التحوّلات الطارئة في بُنية النظام الدولي على التوجّهات الكبرى للسياسة الخارجية التركية”، سنة 2017.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى