ترجمات

النيل أزمة في مصر ـ فرصة في إسرائيل

النيل: أزمة في مصر ـ فرصة في إسرائيل

قالت دراسة إسرائيلية أنه في العقود الأخيرة عانت مصر من نقص متزايد في المياه، ويجب عليها الآن مواجهة مجموعة من التحديات المتعلقة بإمدادات المياه، والحفاظ على جودة المياه، ومنع فقدان المياه من خلال تسرب الأنابيب، ويعد انفتاح مصر على المساعدات الخارجية في التعامل مع مشكلة المياه، إلى جانب الخط البراغماتي الذي يقوده الرئيس السيسي حول هذا الموضوع، يخلق فرصة لتوسيع التطبيع مع “إسرائيل”.
وحسب الدراسة التي صدرت عن “مركز أبحاث الأمن القومي” الإسرائيلي” توفر المعرفة الإسرائيلية في مجالات إدارة المياه، وإعادة التدوير، وتقنيات تحلية المياه، والاستهلاك المبسط للمياه، والزراعة الصحراوية إمكانيات هائلة لمجموعة من التعاون المشترك، فقد استخدمت إسرائيل موارد المياه لتعزيز العلاقات مع الأردن، وتسعى لإضافة بعد مماثل للعلاقات مع مصر، ذلك سوف يخدم مجموعة من المصالح: تعزيز الاعتراف المصري بمنافع السلام، توسيع نطاق العلاقات الثنائية على المستويات الحكومية والمدنية على الجانبين؛ ومنع تقلص وانحسار المياه الذي يهدد الاستقرار المستقبلي لمصر والمنطقة.
وأوضحت الدراسة التي أعدها دكتور “أوفير وينتر” باحث في المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية و”يوغيف بن إسرائيل” باحث متدرب في المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية، أن على مصر مواجهة مجموعة من التحديات المتعلقة بإمدادات المياه، والحفاظ على جودة المياه، ومنع فقدان المياه من تسرب الأنابيب.
وأشارت إلى أن النيل هو شريان الحياة الخالص في مصر تقريباً، وأي عجز يعتبر كتهديد وجودي، حيث تم تسجيل تطور إيجابي رمزي في هذه القضية في 10 يونيو 2018، في مؤتمر صحفي مشترك في القاهرة بين القادة المصريين والإثيوبيين، انتزع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد التزامًا عامًا – باللغة العربية – بأن حصة المياه التي تصل مصر من النيل لن تتأثر بسد النهضة الإثيوبي الذي تقوم إثيوبيا ببنائه .
ونوهت الدراسة، إلى أن هذا الإعلان دليلاً على التقدم في تنظيم الأزمة التي طغت على العلاقات بين الدولتين، ومع ذلك، فقد مر شهران على القمة، وبالرغم من الجو الودي الذي ساد، إلا انه لم يتم تقديم أي تفاهمات ملموسة حول القضايا الرئيسية في النزاع، بالإضافة إلى ذلك، فإن تسوية الأزمة بحد ذاتها لن توفر حلاً شاملاً وطويل الأمد لتدهور حالة المياه التي تهدد مصر، وتلقي هذه الظروف الضوء على إمكانات التعاون بين إسرائيل ومصر فيما يتعلق بالمياه، الأمر الذي يمكن بدوره أن يعزز العلاقات السلمية بين الدولتين ويعزز استقرارهما.

أولاً: النزاع حول سد النهضة

وحسب الدراسة، فإن سد النهضة الأثيوبية هو مشروع هائل، بدأته إثيوبيا في عام 2011 باستثمار قدره 5 مليارات دولار، يهدف السد إلى تخزين المياه وتوليد الكهرباء إلى إثيوبيا وتصدير لجيرانها، السودان وكينيا وجيبوتي، بدأ العمل في السد بينما كان اهتمام مصر منصبًا بشكل كبير على الاضطرابات السياسية الداخلية، خلال فترة قصيرة من حكومة الإخوان المسلمين، كانت هناك تصريحات قاسية من مصر حول هذا الموضوع، بعد إقالة الرئيس محمد مرسي في صيف عام 2013 وصعود السيسي إلى السلطة، تم تشكيل لجنة خبراء مصرية وسودانية وإثيوبية مشتركة للتنبؤ بتأثير السد، في مارس 2015، بدأت المحادثات المشتركة، باتفاق الخرطوم – إعلان النوايا، المصممة لتأمين مصالح جميع الأطراف الثلاثة، بالتوقيع على هذه الاتفاقية، وقبل السيسي بحكم الامر الواقع بوجود السد، بعد أربع سنوات من البدء في بنائه.
وأوضحت الدراسة، بعد هذا الاتفاق، بدأت مصر وإثيوبيا والسودان محادثات على المستويات الحكومية والمهنية، في البدايات وكان جوهر النزاع – ولا يزال – تأثير الارتداد على اقتصاديات المياه المصرية والسودانية، رهنا بالوقت الذي ستستغرقه إثيوبيا لملء الخزان (5-15 سنة). وتأمل إثيوبيا أن تملأه بأسرع ما يمكن من أجل البدء في توليد الكهرباء، ولكن هذا سيتطلب تحويل كمية كبيرة من مياه النيل خلال هذه السنوات، مما سيؤثر على الاقتصاد المصري في المياه.
ولاحظت الدراسة أن السودان، التي شارك حتى عام 2015 مخاوف مصر بشأن تأثير السد، قد خففت، وبدت تدريجياً أقرب إلى الخط الإثيوبي، على الرغم من أن السودان يعاني من مشاكل في المياه، إلا أنها ليست بنفس شدة مشكلات مصر، والخطر الذي يهدد الخرطوم هو في المقام الأول إمكانية حدوث فيضانات هائلة إذا ما انهار السد، ومن المفترض أن يساعد السد في تنظيم تدفق المياه إلى السودان، مما سيساعد على تطوير الزراعة، بينما تبيع إثيوبيا أيضاً الكهرباء المولدة من السد إليها.
وأوضحت الدراسة في قمة يونيو 2018، وافق السيسي وأحمد على إنشاء صندوق مشترك لتمويل مشاريع التنمية، ووفقاً للصحافة المصرية، فإن كلا الزعيمين يقبلان مبدأ اعتراف إثيوبيا بحق مصر في مياه النيل والحاجة إلى تقليل الأضرار الناجمة عن السد لتقليص إمدادات المياه المصرية، في حين تعترف مصر بحق إثيوبيا في بناء السد وإقامته، احتياجاتها الاقتصادية والتنموية، وكان من بين المكاسب غير المباشرة الإضافية التي حصلت عليها إثيوبيا تلقي المعونة في مجال المال والاستثمار البالغة قيمتها 3 بلايين دولار من الإمارات العربية المتحدة، حليف القاهرة الوثيق، ولا يزال التحسن المستمر في العلاقات بين مصر وإثيوبيا والتحرك من الشك إلى الثقة المتبادلة ينتظر ترجمة الروح الإيجابية التي تعكسها إعلانات القادة إلى خطوات عملية على أرض الواقع.

ثانياً: أزمة المياه في مصر

لاحظت الدراسة أن أزمة سد النهضة ليست سوى واحدة من العديد من مكونات أزمة المياه في مصر، حيث يعتمد الاقتصاد المصري على المياه بشكل كامل تقريباً من نهر النيل، لكن هذا المصدر بدء يختفي، بسبب الاحترار العالمي (تظهر الدراسات أنه في أواخر الستينات، بلغ التدفق السنوي لنهر النيل 84 مليار متر مكعب، في حين أنه اليوم فقط 56 مليار متر مكعب). كما يعاني الاقتصاد المصري من الإهمال المتراكم في المياه، نظراً لعدم كفاية تطوير المرافق لتنقية وإعادة تدوير وتحلية المياه، والصيانة للبنى التحتية. ولا توفر مرافق التحلية سوى 0.6 % من مياه الشرب في مصر (في عام 2016)، وفي عام 2015 قدر أن 15 % من المياه فقدت من الأنابيب (بالمقارنة، كان فقد المياه في إسرائيل 3.2 % فقط في ذلك العام). كل هذا يحدث ومصر تواجه تحديا ديموغرافيا يتطلب منها توفير الغذاء والماء لحوالي 100 مليون شخص.
وحذرت الدراسة من أنه يمكن أن تكون لمشاكل المياه عواقب جيوسياسية وديموغرافية بعيدة المدى: من خلال الضرر الذي يلحق بالأمن الغذائي الناجم عن انخفاض الزراعة ؛ وإعادة توجيه شاملة للطاقة من أجل احتياجات التحلية ؛ زيادة النزاعات (مثل أزمة سد النهضة) ؛ والهجرة الجماعية إلى المدن، ووفقاً لتوقعات قدمها وزير الري المصري محمد عبد العاطي في يونيو 2018، نظراً لاستمرار انخفاض إمدادات المياه، قد يضطر حوالي 5 ملايين مواطن في منطقة دلتا النيل إلى مغادرة منازلهم، هذا الامر سيؤدي لانهيار البنى التحتية في ظل هذا التدفق الهائل من الناس، وقد يؤدي الى افتقار الإمدادات الأساسية مثل الماء والغذاء والصرف الصحي مما قد يتسبب بحدوث اضطرابات اجتماعية وسياسية، كما حدث بالفعل في سوريا في عام 2011.
على صعيد آخر، استنتجت الدراسة من الناحية العملية، أن مصر تعمل مع الشركات الأجنبية لزيادة حجم المياه المحلاة، اعتبارا من عام 2016، وتم إنشاء حوالي 30 منشأة لتحلية المياه لتعمل في مصر، وتتحدث أحدث التوقعات عن بناء 20 منشأة أخرى في السنوات القليلة المقبلة، على الرغم من أن مساهمتها المتوقعة لا تزال هامشية فيما يتعلق بمدى النقص، كما هناك صعوبة أخرى تتعلق بالتكلفة الهائلة لإنشاء وتشغيل هذه المرافق.

ثالثاً: توصيات لإسرائيل

خلصت الدراسة إلى أن على الرغم من أن علاقات السلام بين مصر وإسرائيل محدودة إلى حد ما، فإن الخبرة السابقة تثبت قدرة هاتين الدولتين على التعاون وتدعيم أبعاد أخرى، خاصة عندما تخدم هذه المصالح الاقتصادية المشتركة للطرفين، ومن بين الأمثلة العديدة، التعاون الزراعي واتفاقيات المناطق الصناعية المؤهلة ومعاملات الطاقة (بما في ذلك اتفاقية للغاز الطبيعي تم توقيعها في فبراير 2018).
وأوضحت الدراسة إن انفتاح مصر على المساعدات الخارجية في التعامل مع مشكلة المياه، إلى جانب الخط البراغماتي الذي يقوده السيسي حول هذا الموضوع، يخلق فرصة لتوسيع التطبيع مع مصر، توفر المعرفة الإسرائيلية في مجالات إدارة المياه، وإعادة التدوير، وتقنيات تحلية المياه، والاستهلاك المبسط للمياه، والزراعة الصحراوية إمكانيات هائلة لمجموعة من التعاون، فقد استخدمت إسرائيل موارد المياه لتعزيز العلاقات مع الأردن، وإن إضافة بعد مماثل للعلاقات مع مصر سوف يخدم مجموعة من المصالح: تعزيز الاعتراف المصري بمنافع السلام، توسيع نطاق العلاقات الثنائية على المستويات الحكومية والمدنية على الجانبين ؛ ومنع فقر المياه الذي يهدد الاستقرار المستقبلي لمصر والمنطقة.
ونوهت الدراسة إلى أنه في الأيام الأولى من السلام، عمل السادات على فكرة الترويج لمشروع تدفق مياه النيل من مصر إلى إسرائيل كبادرة للجمع بين أعضاء الديانات التوحيدية، الظروف الحالية تعطي كلا البلدين فرصة لإحياء هذه الرؤية، ولكن مع عكس الأدوار، يجب على إسرائيل تشجيع الوزارات المعنية على العمل بشأن قضية المياه، بمشاركة الشركات ورجال الأعمال من القطاع الخاص، وأكدت الدراسة على أن المشاركة في مثل هذه المشاريع من قبل اللاعبين الدوليين الآخرين وكذلك اللاعبين الإقليميين، مثل الأردن والسعودية والسلطة الفلسطينية، يمكن أن يعطي قيمة إضافية للتعاون الإسرائيلي المصري في المستقبل ويزيد من فرص نجاحها (*).

رابط النص الأصلي للدراسة، مركز أبحاث الأمن القومي الاسرائيلي


(*) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

النيل: أزمة في مصر ـ فرصة في إسرائيل

المصدر
مركز أبحاث الأمن القومي الاسرائيلي

تساهيل أبو جلد

مترجمة فلسطينية، بكالوريوس اللغة الإنجليزية، الجامعة الإسلامية، 2005، دبلوم في الترجمة عام 2017.

اعمال اخرى للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى