اليمن عبد ربه منصور الرهان الخاسر
بعد حرب الإنفصال 1994 برز اسم عبدربه منصور على الساحة اليمنية، وأصبح نائباً للرئيس علي عبدالله صالح لسبعة عشر سنة وبسبب قدراته البسيطة وشخصيته الضعيفة استمر في منصبه وتم تعيينه أيضاً رئيساً للجنة الاحتفالات لمعرفة الرئيس السابق بأنه لا يصلح إلا للرقص والغناء وجمع الأموال، فحالفه الحظ عام 2011 بعد الفراغ الدستوري الذي حصل بعد جريمة النهدين وإحراق طاقم الدولة المدني بالكامل، وقد كان الرئيس السابق يقول في عدة خطابات لمن أترك السلطة ولمن أسلمها؟
فاضطر الكثير من قيادات المؤتمر والإصلاح وبقية الأحزاب إلى القول بان يتم تسليم السلطة بطريقة دستورية للنائب عبدربه وفعلاً تم ذلك وتم إجراء انتخابات صورية 21 فبراير 2012، بموافقة الجميع عدا أنصار الله الحوثيين الذين لم يوافقوا على ذلك كون الانتخابات بلا منافس مخالفة دستورية لمدة عامين فقط يقوم الرئيس عبدربه بتهيئة البلاد للانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل حكومة للوفاق الوطني، وتم ذلك بالفعل ولكنه سرعان ما انقلب على إرادة الشعب اليمني وعلى جميع الاتفاقات وسلم نفسه للسفير الأمريكي والسفير السعودي ومندوب الأمم المتحدة جمال بن عمر لإدارة البلاد وقام بالدعوة لمؤتمر للحوار الوطني ظاهرة فيه الرحمة وباطنه فيه العذاب وانقلب على دستور البلاد وتم تجميده وتعطيل جميع مؤسسات الدولة بما في ذلك مجلسي النواب والشورى تحت ذريعة الانتظار لمخرجات مؤتمر الحوار.
وأقنع المغفلين من أحزاب اللقاء المشترك بالتمديد له نكاية بالمؤتمر، وتم إقصاء أكبر حزبين فاعلين في اليمن، المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح من المشاركة في المؤتمر فلم يتمكنا من الحصول إلا على نسبة 30% من نسبة المشاركين في المؤتمر وتم استبدالهم بمجموعة من الناشطين والناشطات الذين يتبعون منظمات أجنبية لا علاقة لهم باليمن ولا بثورته ولا يهمها أمنه واستقراره وإنما تم اختيارهم بعناية فائقة من السفير الأمريكي والسعودي وبن عمر وفق مواصفات تم تفصيلها مسبقاً لتنفيذ أجندات لا تخدم القضية اليمنية مع أنه تم اختيار بعض الشخصيات الوطنية بنسبة ضعيفة جدا بغرض ذر الرماد على العيون ولشرعنة المؤتمر ومخرجاته وقد انسحب منهم الكثير أثناء الحوار.
وتمت إدارة مؤتمر الحوار على النحو التالي، ملف الجيش والأمن وتشرف عليها أمريكا وبريطانيا وملف مؤتمر الحوار بلجانه الفنية وموارده وتمويله وتقوم بذلك ألمانيا وملف التشريعات والأقاليم وتشرف عليه فرنسا، فتمت هيكلة الجيش بالكامل من أعلى رتبة إلى أدنى رتبة، وتمكن عبد ربه من تفكيك الجيش والأمن من أعلاه إلى أدناه، عبر مجموعة من الخبراء الأمريكيين بالاستعانة مع بعض خبراء الأردن، وتم استبدال جميع التشريعات الداخلية وموائمتها مع التشريعات الغربية التي تخالف دستور الشعب وعقيدته.
وفي 7 مارس 2013 قام عبدربه بالانقلاب على حكومة الوفاق الوطني وقام بتغيير وزيري التعليم العالي والنفط التابعين لحزب المؤتمر وعدة ووزراء موالين للإصلاح كوزير الداخلية ووزير المالية ووزير الكهرباء ووزير الإعلام وغيرهم كثير وتغيير الكثير من المحافظين والعسكريين وانتهاءً بتغيير رئيس حكومة الوفاق.
وأثناء مؤتمر الحوار والرئيس عبدربه يحسن ويتفنن في دعم واختيار الخصم الأضعف الذي سيقوم بضرب وإضعاف من توقعهم عبدربه خصوما له فكان الحوثي هو الخيار الأنسب للقيام بهذه المهمة للتخلص من القوى العسكرية ممثلة باللواء علي محسن، والقبيلة ممثلة بأولاد الأحمر، والقوى الدينية ممثلة بالزنداني، والسلفيين والقوى السياسية ممثلة بالمؤتمر بقيادة علي عبدالله صالح كشخص والإصلاح كحزب، فأعطى عبد ربه الضوء الأخضر للحوثي بالتخلص من جميع الخصوم وأفرغ له الساحة سياسياً وعسكريا.
وفي 14 يناير 2014 تم إخضاع صعدة بالكامل لسلطة الحوثي والاستيلاء على مركز دماج السلفي واجلاؤهم من صعدة إلى صنعاء بموافقة رئاسية وإقليمية ودولية وإشعال الحرب في الجوف، وفي 4 فبراير 2014م تم استكمال السيطرة على قبيلة حاشد لاخضاعها لسلطة الحوثي وتفجير منازل خصومهم بعد أشهر من الحرب والقتل وسلطة عبدربه تدعم الحوثي وتدعو الجيش لالتزام الحياد وتم ذلك بالفعل بموافقة رئاسية وإقليمية.
وفي مارس 2014 تم تغيير محافظ عمران التوافقي لتهيئة الجو للحوثي للسيطرة على عمران وتم بالفعل يوم الثلاثاء 8 يوليو 2014مالانقضاض على محافظة عمران البوابة الشمالية للعاصمة صنعاء بجميع معسكراتها بموافقة رئاسية ومحلية وإقليمية ودولية، ويومها كان الرئيس عبدربه في ضيافة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز، بينما كان وزير الدفاع في ضيافة الإمارات في نفس الليلة التي تم الانقضاض على أهم بوابات العاصمة صنعاء، والاستيلاء على اللواء 315 وقتل قائده العميد حميد القشيبي مع أكثر من 400 من الجنود والعشرات من المدنيين والأهم من ذلك أن وسائل الإعلام الحكومية لم تتحدث عن شيء مما دار ولمدة ثلاثة أيام.
والأدهى والأمر من ذلك قيام عبدربه بزيارة محافظة عمران في 23 يوليو 2014، تحت حماية الحوثي وفي نفس يوم تشييع جنازة العميد حميد القشيبي، ثم يقول أن عمران عادت إلى حاضنة الدولة ويعلنها منطقة آمنة.. مع أن الرئيس السابق بعث ببرقية العزاء وعبر عن حزنه قبل عبدربه ولم يقف عند هذا الحد، بل إنه استمر في تغيير بعض القيادات العسكرية التي كان لها أدنى صلة بـ 2011 فتم عزل قائد الفرقة الأولى مدرع وقيادات عسكرية كبرى وكل هذا يتم ومؤتمر الحوار لم يكتمل ومخرجاته لم تنفذ، وما هي إلا أيام وبدأ الحوثي 15 أغسطس 2014، بتطويق العاصمة صنعاء بالمظاهرات والاعتصامات ونصب المخيمات في جميع المداخل ومنع دخول السيارات الحكومية والعسكرية وبدأت المواجهة المسلحة في منطقة شملان ووادي ظهر 14 سبتمبر 2014، وبموافقة رئاسية وإقليمية وأممية أسفر عنها سقوط الفرقة الأولى مدرع التابعة للجنرال علي محسن الأحمر وجامعة الإيمان التي يرأسها الشيخ عبدالمجيد الزنداني.
وسقطت العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014 على يد عصابات الحوثي بالتعاون مع علي عبدالله صالح بموافقة رئاسية ومحلية وحزبية وإقليمية ودولية، وكان يومها جمال بن عمر مندوب الأمم المتحدة مقيماً في صعدة في ضيافة عبدالملك الحوثي حتى تنتهي مهمة السيطرة وبدأ بدعوة جميع الأطراف إلى توقيع اتفاقية السلم والشراكة.
ولكن سرعان ما انقلب الحوثي على جميع الاتفاقات بينه وبين عبدربه أو بينه وبين علي عبدالله صالح أو بينه وبين قيادات الأحزاب السياسية لأنه وجد نفسه الأقوى، ولم يتعرض لأي استنزاف في صنعاء وسلمت له على طبق من ذهب فاستولى على أغلب مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، وتم بعدها بأشهر استكمال السيطرة على الدولة بكاملها ووضع عبدربه ورئيس الحكومة بحاح تحت الإقامة الجبرية حتى تمكن عبدربه من الفرار بتاريخ 21 فبراير2015.
وفي 24 مارس 2015 قام عبدربه بدعوة التحالف العربي بقيادة السعودية والامارات لاستعادة شرعيته من الانقلابين وضرب اليمن. وفي 14 سبتمبر 2015 بنفس اليوم الذي بدأت فيه المعارك المسلحة في صنعاء وتسليمها للحوثيين تم بعدها بعام تسليم عدن للحراك الإماراتي وعزل محافظ عدن ومجموعة من القيادات الأمنية ليكون بهذا قد ارتكب عبدربه نفس الجريمة والخيانة السابقة حتى تم الانقلاب عليه من الامارات وأدواتها ومنع قياداته من دخول عدن وتشكيل مجلس انتقالي يدير الجنوب 11مايو 2017.
تساؤلات وخلاصات:
من خلال ما سبق تبرز مجموعة فهل ينتظر الشعب من رئيس خان شعبه ومصدر شرعيته ومشروعيته خلال توليه منصب رئاسة الدولة أن يستعدها بعد أن سلمها؟ وهل ينتظر الشعب من رئيس انتهت ولايته قبل أربع سنوات أن يعود إليها مرة أخرى بعد تفريطه بها وتماديه في التفريط بها؟ وهل يمكن لرئيس يعيش حاليا في فنادق دولة أخرى أن يحرر بلاده بعد أن سلمها للحوثي للمرة الأولى في 2014م وللمرة الثانية لحراك إيران والإمارات 2015م-2017؟
وهل يتوقع من دولة ملكية لا تؤمن بالثورات أن تحرر دولة جمهورية تختلف مع سياستها ومذهبها؟ وهل يتوقع من دول لها أطماع في اليمن من عقود سابقة أن تحررها من الحوثي؟ ماذا عمل التحالف خلال السنوات الماضية وما هو مصيره؟
وسعياً نحو الإجابة على هذه التساؤلات، تبرز مجموعة من الخلاصات:
1ـ بعد 2011 كان الحوثة هم الكيان الوحيد الذي يمتلك رؤية ورسالة واضحة لمواجهة ما يدور وكان لديه عدة خيارات بديلة غير الحوار والملعب السياسي والاعتصامات والمظاهرات الشعبية.
2ـ عبدربه رهان خاسر وبقاءه والمراهنة عليه تعني المزيد من الدماء والدمار والتمزيق للنسيج الاجتماعي واشعال الحروب الداخلية، مما يتطلب على القوى المتواجدة الإسراع بالبحث عن خيار بديل.
3ـ استقواء اطراف الصراع اليمني بإيران من جهة وبالسعودية والإمارات من جهة أخرى يعني إدخال اليمن في مصير مجهول أقله وضعها تحت الوصاية الدولية، وتمزيقها إلى عدة فيدراليات وأقاليم متقاتلة ومتناحرة.
3ـ في إطار التطورات الراهنة تبرز مجموعة من الحلول المقترحة لوقف الحرب: الإسراع بالاستجابة لدعوة المصالحة التي دعا إليها الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وتفعيل العمل بالدستور الحالي القائم ورفض كل الوثائق والاتفاقات والاتفاقيات التي تحد منه وخاصة ما جاء بعد 2011، وتشكيل مجلس رئاسي لإدارة الدولة لمرحلة انتقالية أو إدارتها من قبل رئاسة مجلس النواب ودعوة الشعب لانتخابات عاجلة لانتخاب رئيس للدولة (فترة انتقالية). أو تشكيل مجلس رئاسي من جميع الأطراف لا يكون فيه عبدربه. (1).
——————————-
الهامش