قلم وميدان

حي الشيخ جراح ـ جذور الصراع وتحولاته

كان حي الشيخ جراح قرية مقدسية – فلسطينية تتبع محافظة القدس والتي تقع في الجانب الشرقي لمدينة القدس الذي ظل صامدا في وجه محاولات الاحتلال الصهيوني لضمه للأراضي المحتلة منذ عام 1948م قبل أن يقع تحت الاحتلال في حرب 1967م. وهو الآن من الأحياء الشرقية للقدس، وقد أخذ حي الشيخ جراح اسمه، من الأمير حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجراحي، طبيب صلاح الدين الأيوبي، وكان لقبه (الجراح) والذي سكن هذا الحي وأقام فيه حتى مات ودفن فيه قبل نحو 900 عام. ولربما كانت هذه التسمية سببا رئيسا في نقمة الاحتلال على الحي وأهله ورغبته العارمة في محوه من الوجود، لأجل ذلك كان ولازال يهدد الحي مخطط صهيوني استيطاني، قد تم الإعلان عنه في وقت سابق ويتضمن بناء 200 وحدة سكنية لإسكان مستوطنين يهود فيها، وهو حلم لطالما راود المحتلين المغتصبين منذ عام 67 م.

التأسيس الحديث:

كان الحي قد أُنشئ على صورته الحالية عام 1956 م بموجب اتفاقية وقعت بين (وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) الشهيرة “بالأونروا” ووزارة الإنشاء والتعمير بالحكومة الأردنية، آنذاك كانت الضفة الغربية تحت الحكم الأردني ما بين عامي (1951-1967).وقد استوعب وقت إنشائه 28 عائلة فلسطينية كانت قد هجرت من أراضيها المحتلة عام 1948 م، والذي كان من أهم شروطه الرئيسية قيام السكان بدفع أجرة رمزية على أن يتم تفويض الملكية للسكان بعد انقضاء ثلاث سنوات من إتمام البناء؛ لكن حرب 1967 م وخسارة الجيوش العربية فيها حالت دون إتمام توثيق ملكية المنازل لأصحابها الفلسطينيين.

تاريخ من المعاناة والنضال:

 بدأت معاناة السكان في العام 1972م، حينما زعمت لجنة طائفة السفارديم “إشارة إلى اليهود الذين عاشوا أصلاً في إسبانيا والبرتغال” ولجنة كنيست الاحتلال (لجنة اليهود الأشكناز) “الذين كانوا يعيشون في ألمانيا وفرنسا ومعظم أوروبا” أنهما كانتا تمتلكان الأرض التي أقيمت عليها المنازل في العام 1885م، وفي شهر يوليو/تموز من العام 1972 طلبت الجمعيتان الإسرائيليتان من المحكمة إخلاء 4 عائلات من منازلها في الحي بداعي “الاعتداء على أملاك الغير دون وجه حق”، كما يصرح بذلك الائتلاف الأهلي لحقوق الفلسطينيين في القدس، وقامت العائلات آنذاك بتوكيل محامي للترافع عنها، وفي عام 1976م صدر حكم من محاكم الاحتلال لصالح العائلات الأربع التي رُفعت الدعوى ضدها، ينص على أن العائلات الأربع موجودة بشكل قانوني وحسب صلاحيات الحكومة الأردنية، وأنها غير معتدية على الأرض.

لكنّ المحكمة قررت وقتها أن الأرض تعود ملكيتها إلى الجمعيات الإسرائيلية، حسب التسجيل الجديد، الذي تم بدائرة الطابو (تسجيل الأراضي) في دولة الاحتلال، وتعرض السكان بداية حقبة التسعينيات من القرن الماضي، إلى خديعة وخيانة من قبل محام إسرائيلي وكلوه للدفاع عنهم، ففي العام 1982م، تقدمت الجمعيات الاستيطانية الإسرائيلية بدعوى إخلاء ضد 24 عائلة في حي الشيخ جراح، ووكّلت 17 عائلة حينها، المحامي الإسرائيلي توسيا كوهين، للدفاع عنها، حيث استمرت المعركة القانونية دون أن تستطيع الجمعيات الاستيطانية إثبات الملكية حتى عام 1991م، وفي العام 1991م تم عقد صفقة، اعترف بموجبها المحامي كوهين، بتوقيع باسم سكان الحي ودون علمهم، أن ملكية تلك الأرض تعود للجمعيات الاستيطانية، وتم منح أهالي الحي وضعية مستأجرين، يسري عليهم قانون حماية المستأجر، وبحسب الائتلاف الأهلي لحقوق الفلسطينيين في القدس، فإن ما فعله المحامي، وَضَعَ العائلات الفلسطينية “تحت طائلة الإخلاء في حالة عدم دفعها الإيجار للجمعيات الاستيطانية”.

وقد “اكتشف السكان بأن الصفقة مؤامرة، أضرت بهم كثيرا، وثبتت الملكية للمستوطنين وعلى إثر ذلك لم تدفع العائلات الإيجار”.

واستمرت محاكم الاحتلال بالنظر في قضايا متبادلة، بين السكان والجمعيات الاستيطانية.

هل ينقذ الطابو العثماني الموقف؟!

مستندا إلى وثائق الطابو العثماني، التي تم جلبها من تركيا، قدم المواطن سليمان درويش حجازي في العام 1997م دعوى إلى المحكمة المركزية الإسرائيلية، أكد فيها ملكيته للأرض المقامة عليها المنازل في الشيخ جراح، غير أن المحكمة رفضت في عام 2005م الدعوى التي قدمها حجازي، معتبرة أن الأوراق التي بحوزته لا تثبت ملكيته للأرض، وفي العام 2006م ردت المحكمة العليا لدولة الاحتلال استئناف حجازي بخصوص ملكية الأرض.

وفي تطور ملفت للأحداث، قامت الجمعيات الاستيطانية، في العام 2003م، ببيع حقوق الملكية للأرض إلى شركة “نحلات شمعون” الاستيطانية؛ لتبدأ الأخيرة بدورها بمطالبة الفلسطينيين بإخلاء منازلهم، وعلى مدى سنوات، نظرت محاكم الاحتلال بقضايا مقدمة من الجمعيات الاستيطانية ضد السكان الفلسطينيين، واستئنافات للسكان ضد قرارات صدرت لصالح المستوطنين.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2008م تم إخلاء عائلة الكرد من منزلها، وتكرر المشهد في أغسطس/آب 2009م حينما تم طرد عائلتي حنون والغاوي من منزليهما، وانتقل مستوطنون للعيش في هذه المنازل، بعد طرد أصحابها منها، وتم رفع الأعلام الإسرائيلية عليها إيذانا بمرحلة جديدة لمعاناة السكان بالحي، وتلقت 12 عائلة فلسطينية بالحي قرارات بالإخلاء، صدرت عن محكمتي الصلح والمحكمة “المركزية” في قضاء الاحتلال.

ومع تفاقم الصراع على حي الشيخ جراح تلوح في الأفق كارثة أخرى وشيكة الحدوث وهي خطة استيطانية جديدة تستهدف عدة أحياء أخرى أولها حيُ مقدسيّ بأكمله يواجه خطر الهدم، إذ تستعد سلطات الاحتلال لهدم جميع منازل الفلسطينيين في حي البستان في بلدة “سلوان”، الملاصق للمسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس المحتلة، ويطال التهجير القسّري نحو 100 منزل يضم 1550 نسمة، معظمهم من الأطفال والنساء، في حي البستان، لإقامة مشاريع استيطانية يهودية على مقربة من الأقصى، إذ يقع الحي على بعد 300 متر من السور الجنوبي للمسجد، ويمتد على مساحة 70 دونماً (الدونم وحدة قياس المساحة في الدولة العلية العثمانية وكان الدونم الواحد آنذاك يساوي 919.3 متر مربع وبعد انهيار الدولة العثمانية، وفي وقت الانتداب البريطاني تم تقرير أن الدونم يساوي 1000 متر مربع وهو المستمر حتى يومنا هذا) في جريمة تطهير عرقي جديدة للاحتلال مكتملة الأركان، وفق المكتب الوطني للدفاع عن الأرض الفلسطينية التابع للسلطة الفلسطينية.

وصرحت السلطة في وقت سابق بأن هناك 3 أحياء في بلدة سلوان مهددة بالإزالة لصالح حدائق تهويديه إسرائيلية، وهي حي البستان، وحي وادي الربابة الذي يقطنه حوالي 1000 نسمة، وحي وادي ياصول الذي يقطنه نحو 300 نسمة، ويتهدد أكثر من 5 دونمات خطر المصادرة بحجة ملكية الأرض لصالح المستوطنين، حيث يخوض الأهالي صراعاً في محاكم الاحتلال للحفاظ على ممتلكاتهم، أما حي وادي حلوة فتهدده الحفريات، والأنفاق، والبؤر الاستيطانية.

هذا في الوقت الذي تستعد فيه سلطات الاحتلال لإقامة مشاريع استيطانية في قلب التجمعات الفلسطينية بشرقي القدس المحتلة، وذلك لتكريس سياسة التمييز العنصري ضد المواطنين الفلسطينيين، تزامناً مع تسارع وتيرة الهدم ضد المنازل الفلسطينية في القدس، قياساً بقيام الاحتلال بتدمير 148 منزلاً، مما تسبب في تشريد 450 مواطناً في أحياء القدس المحتلة خلال العام الماضي.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى