fbpx
تقارير

العناصر المؤثرة في تشكيل الرأي العام

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

عملية التأثير في الرأي العام؛ هي عملية تبادلية تحتاج إلى استيعاب مناسب لعناصر أساسية؛ تشكل البنية الأساسية لعملية التأثير بين من يرغب في التأثير وظروفه النفسية والفكرية وتوقعاته واختياراته باعتباره عنصرا من عناصر التأثير ويتبع ذلك قدرته على صياغة رسائل مقبولة ومستوعبة وواضحة للمجتمع وبين المجتمع نفسه؛ بما فيه من تموجات واختلاف تنشئة وقيم، سواء بالنسبة لعرقياته وتجمعاته الداخلية وكذلك الثقافات المتداولة المتنوعة أصيلة أو واردة.

ورغم أن عملية التأثير تتمثل في عناصر متعددة بعضها أولي وبعضها ثانوي؛ وكذلك بعضها راسخ ثابت وبعضها متغير وارد؛ فإن نتاج عملية التأثير -إن استوفت عناصرها -سيكون لها أثرا ما. وبنسب ما. يمكن توقعها وحسابها إن تمت عملية التأثير بشكل صحيح.

ونشير هنا إلى أن هناك العديد من العوامل التي تتداخل في تكوين رأي الأفراد ومن ثم تنمو في أفراد المجتمع لتتداول ويتم دعمها لتصل في النهاية لتكون الرأي العام في قضية ما إما بشكل تلقائي أو بشكل متعمد مبني على الحقائق والتوعية أو مؤسسا على الإشاعات أو الخداع وفقا لما هو معروف في طرق تشكيل الرأي العام.

فالعملية إذن تبدأ من الفرد لتنتشر بعد ذلك لتكون رأيا عاما بين فئات المجتمع المستهدف، فالفرد عندما يبني رأيا فإن جزءا قليلا منه يعود إلى انطباعه الخاص، وأما الجزء الأكبر من آرائه فهو من ثمرة الامتزاج والتأثير ورد الفعل المتبادلين مع عوامل أخرى كثيرة. وليس عنصر الاقتناع الشخصي المجرد المبني على التفكير الفردي منها إلا عنصرا واحدا، فهناك عوامل دائمة، وعوامل مؤقتة تؤثر في تكوين الفرد لآرائه.

ويدخل ضمن العوامل الدائمة الأفكار التي تميز التراث الثقافي الشعبي، وهناك أيضا العرف والديانة، والموقع الجغرافي، والمكانة الاقتصادية، والمستوى التعليمي.

 وهنا نقول؛ إن من يتعمد التأثير في الرأي العام فعليه أن يستفيد من تلك العوامل المختلفة ليوظفها في قضيته التي يعمل عليها مثل الموروث الثقافي المتعلق بتقدير كبار السن أو مساعدة الضعيف أو تقدير المرأة واحترام خصوصيتها أو العداء لأعداء الوطن أو أية قيم اقتصادية مستقرة… الخ؛ مع كافة الاستدلالات عليه من الثقافة المستقرة أو النصوص الدينية فيوظف ذلك الاستدعاء ويؤيده ليخدم قضيته الحالية.

أما العوامل المؤقتة التي تؤثر في مواقف الأفراد فمن بينها:

  • تأثير الأحداث، والآراء الجارية.
  • وآراء الأشخاص ذوي النفوذ والسلطة.
  • ووسائل الإعلام، ومدى تداولها ونشرها لهذا الموضوع.

وبناء على هذا فيمكننا أن نقسم العناصر المؤثرة في تشكيل الرأي العام إلى نوعين:

  • عناصر متعلقة بالموضوع أي خارجة عن الفرد وتنشئته والمجتمع وطريقة تفكيره. 
  • وعناصر أخرى متعلقة بالجمهور كأفراد أو كمجتمع ويدخل فيها التنشئة والثقافة والدين وغيرها.  

ولتفصيل ذلك نقول:

أولا العناصر الخارجة عن الجمهور:

1ـ تأثير قادة الرأي:

أسفرت نتائج البحوث والدراسات ذات الصلة عن أهمية من يسمون عادة قادة الرأي، أي أولئك الأشخاص الذين يكون لهم تأثير شخصي على من حولهم من الناس، وقد يكون لهم تأثير في موضوع واحد كالطبيب المشهور عندما يناقش موضوعا صحيا؛ وقد يكون تأثيرهم في مواضيع عدة كالدعاة والسياسيين والكتاب والمفكرين المرموقين، وفي بعض الأماكن الصغيرة من حيث الحجم يعد مدرس القرية وساعي البريد أو حتى من يملك وسيلة اتصال لا يملكها غيره من قادة الرأي لأنه يساهم في تشكيل الرأي العام باعتداد الجمهور في المكان برأيه.

وقل مثل ذلك الآن على المشاهير من أصحاب صفحات التفاعل الاجتماعي وما يمثلونه من قدرة على التوجيه من خلال تواصلهم مع جمهورهم الخاص، وفي حال تبني التوعية لقضية ما فإنه يجب أن يسعى الدعاة لها إلى التأثير على قادة الرأي الحاليين، بل ويمكن في هذا الصدد وبحسب حجم القضية صناعة قادة الرأي أيضا؛ بأن يكون لديهم أفكار وتعليقات عاقلة ورصينة وصادرة عن تشاور وبحث على كل المستجدات الواردة على الساحة، والتي تعد بيئة مناسبة لصناعة هؤلاء القادة وخاصة مع تكرار الاستعانة بهم في مواضيع متشابهة. وهنا يبدأ تشكلهم كقادة رأي لدى الناس ينتظرون مواقفهم ويتتبعون آراءهم ويسترشدون برؤاهم.

وقادة الرأي: قد يكونون رسمين أي يمارسون التأثير من خلال وظائفهم، وتأثيرهم هنا باعتبار ما لديهم من سطوة المناصب وإمكانية انفرادهم بالقرارات أو تجمع المعلومات لديهم، وهؤلاء كثيرا ما يفقدون تأثيرهم عندما يتركون وظائفهم، وقد يكونون غير رسميين وهؤلاء يكتسبون قوتهم من قناعة الناس بهم وبآرائهم.

ويتميز قادة الرأي عن غيرهم بأنهم أكثر حرصا على الأنشطة العامة مثل الإدلاء بالأصوات في الانتخابات – متابعة وسائل الإعلام – الأكثر اتصالا بغيرهم – الأكثر نشاطا في نشر أفكارهم عبر النقاشات[1].

وبعد التطور التقني والقدرة على التواصل عبر شبكة المعلومات ومواقع التواصل الاجتماعي؛ يمكننا النظر بتوسع إلى موضوع قادة الرأي، فقد يكون بعضهم غير معروف بشخصه وباسمه لكنه يكون مؤثرا نظرا لإمكانية اتساع التأثير في الناس وتداول الرأي عبر الشبكة صار كبيرا، ولا ننس أن أحداثا جساما تم تداول الآراء والأخبار من خلال شبكات التواصل الاجتماعي التي ساهمت في نقل تصورات قادة الرأي الجدد الذين كسروا احتكار قادة الرأي التقليديين على الحياة الفكرية والعملية.

خذ مثلا على ذلك؛ الشخصيات التي برز دورها في ثورات الربيع العربي؛ مثل من كان يوجه أو يعلق على الأحداث كأساتذة متخصصين وعلماء في مجالات متنوعة وإعلاميين وأفراد برزوا على القنوات الداعمة للحراك، أو من أطلق الشرارة أو ساهم فيها من أصحاب الصفحات ممن لم يعرفوا إلا من خلال تلك القضايا وبروزها.

2ـ الموضوع المتدفق:

ونقصد أن ثمت موضوعا يهم طائفة أو طوائف، وأنه يتم تدفقه في المجتمع بانسيابية عبر الطرق التقليدية كالتجمعات ووسائل الإعلام وغير التقليدية مثل الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة والتطبيقات الهاتفية، ويتدفق الموضوع عبر السبل المختلفة حتى يشتهر.

وهنا يتبنى الدعاة للقضية من المواضيع ويبرزون ما يرونه مثيرا للرأي العام وموافقا لدعوتهم مما هو مطروح على الساحة، فيساهمون في نشره وتداوله واستعراضه بشتى السبل، والعمل على توجيه الرأي باتجاه ما يرونه صوابا مع رد الشبهات عنه وهنا يصنعون رأيا عاما في هذا الموضوع.

3-وجود تحديات:

وهذا يساعد على سرعة انتشار الموضوع، وقد تكون التحديات ممثلة في تنافس بين مرشحين فيا ترى لأيهم سيميل الجمهور، وقد يكون تحديا قيميا سلبيا؛ كأن يتم اكتشاف تداول المخدرات بين طلبة المدارس،  أو إيجابيا؛ كتحدي نشر قيم العمل والإنتاج، أو تحديا اجتماعيا؛ كمشاكل العنوسة والبطالة، وهذه النقطة قد تجعل الرأي العام تجاهها غير متسارع نظرا لأنها قد تمثل مشكلات معروفة ولكنها تحتاج وقتا لمعالجتها، أو قد يكون الموضوع دعما لأفكار أخرى غير السائدة، وكلما بدت الأفكار الجديدة  الممكنة التنفيذ ومهمة في موضوعها  كلما تم تداول الموضوع بشكل أكبر.

4-وجود حلول:

وهذه الحلول المتداولة والتي قد تكون مختلفة تجعل الموضوع يتم تداوله، وتمهد لانتصار حل يجمع عليه الجمهور أو أكثرهم، وبعد التداول يكون لقادة الرأي فيه دور كبير.

5-الارتباط بالزمن:

وقد يساهم الارتباط بالزمن في سرعة تشكل الحلول المتوقعة للمشكلات؛ لأن الشعور بتأزم المشكلات بمرور الزمن يسهم في سرعة تداول الحلول، وقد يكون هذا العامل سلبيا لأنه يحول دون التروي في ردود الأفعال.

6-النظام السياسي:

يلعب النظام السياسي وطرق تداول المعلومات فيه وفلسفة النظام السياسي دورا بالغ الأهمية في التأثير على الرأي العام، فالمواطن في العصر الحديث يقع تحت الهيمنة الكاملة للأيديولوجية السائدة في النظام السياسي، فإذا كان النظام قائما على الديكتاتورية وحكم الفرد، ترتب على ذلك حرمان طبقات كاملة من التغيير السياسي مما يؤدى إلى سلبية الرأي العام تجاه القضايا الكثيرة التي غالبا يعجز أو يشعر بالعجز تجاه تغييرها، أمّا في الأنظمة القائمة على الشورى وشيوع العدل وقيمة الفرد؛ فإن الرأي العام يكون أكثر فعالية وإيجابية.

وتلجأ الحكومات الناجحة لعدة وسائل للتأثير في الرأي العام، طمعا في الحصول على تأييد الغالبية الشعبية، من تلك الوسائل نشر الثقافة السياسية وزيادة الوعي السياسي لدى الجماهير، فمن المعروف أنه حتى يستطيع الرأي العام المشاركة الإيجابية في العمل السياسي، أن يتكون لدى الجماهير درجة عالية من الثقافة السياسية خاصة في العصر الحديث الذي تعقدت فيه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمواطنين[2].

7-وسائل الاتصال الجماهيري:

من خلال وسائل الاتصال الجماهيري المختلفة -ما اصطلح تجاوزا على تسميته بالإعلام -يمكن التأثير في الرأي العام فهي السبيل الأكبر للوصول إلى الجماهير أينما كانوا وإلى نقل الأفكار وتداولها.

ولا شك أن تعقد الأحداث وتغيرها، وبالتالي تعقد الأحوال السياسية وصعوبة متابعتها يستلزم إمداد المواطن بمعلومات عن السياسة والأحداث، لذلك كان لابد من الاعتماد على قناة اتصال تتسم بالمرونة والسرعة والقدرة على التغلغل في أنحاء الدولة. 

وتمنح وسائل الإعلام النخب السياسية والفكرية في المجتمع إمكانيات هائلة للتأثير في اتجاهات المواطنين، كما أن الانتشار الحر للمعلومات من خلال وسائل الاتصال تخلق إمكانية كبيرة للتحرك الشعبي على أساس معرفة واسعة ودقيقة بالأحداث السياسية.

فالدور الرئيسي لوسائل الاتصال هو أن تنمي اتفاقا جماعيا في الرأي العام بالمجتمع، فمن خلال التعرض لنفس المعلومة ولنفس التأويلات للأحداث، فإنّ الناس يتعلمون أن يفكروا في نفس الاتجاه. وليس بالضرورة أن يصلوا إلى نفس النتائج على الرغم من أن ذلك وارد.

أيضا من أهم تأثيرات وسائل الإعلام، والتي تنعكس على النظام السياسي ككل، هي التأثير على تصور المواطن للسياسة وشرعية النظام السياسي، والتأثير في اتجاهات الأفراد والذي يمكن أن يغير من التوازن بين القوى أو الشخصيات السياسة في المجتمعات الحرة، وهذا ما يظهر أكثر في فترة الحملات الانتخابية.

ومن هنا وجب على الجهات الراغبة في التأثير والهيئات التي ترعى الأفكار السعي لامتلاك أجهزة إعلامية؛ أو على الأقل للمشاركة فيما هو متاح منها ليضمنوا التواصل والتأثير في الرأي العام.

ثانيا العناصر المرتبطة بالجمهور:

 1-الدين والمؤثرات الثقافية:

يعد الدين أحد أهم مقومات التراث الثقافي. والدين بطبعه من العناصر الحضارية الراسخة التي لا تقبل الجدل، ولا تدخل في مجال الرأي العام، قبولا أو رفضا لأنه ثابت بذاته ومستقر في الرأي العام ورغم ذلك فهو يشكل عاملا شديد التأثير في توجيه الرأي العام في معظم بلاد العالم وفي كافة ميادين الحياة الاجتماعية والسياسية والعالمية.

ويشكل التراث الثقافي الآخر (العادات والتقاليد واللغة والمعتقدات) عنصرا مهما من عناصر تكوين الرأي العام، فهذا التراث يلعب دورا كبيرا في تكيف الأفراد والجماعات وتهيئتهم، لتبادل أفعال وردود أفعال معينة تحدد أنماط سلوكهم الاجتماعي، وقد ذهب “جون دولارد” john, dollard إلى أنه في الإمكان -علميا- وعن طريق بضعة افتراضات معينة تحديد نوع الأفكار والآراء التي سيعتنقها شخص ما مسبقا قبل مولده، إذا قمنا بدراسة تراثه الثقافي[3]

ومع أن القيم والعادات والمعتقدات الموروثة لا تصير من قبيل الآراء العامة، إلا أن لها -وخاصة المعتقدات السيئة منها -تأثيرا كبيرا جدا وبالغ الخطورة على تكوين الرأي العام، ذلك أن الجمهور في كثير من الحالات يستلهم هذه القيم والعادات في تكوينه لرأيه حول بعض المسائل الحالية المطروحة للمناقشة[4]، بل إن البعض قد يستغل هذه القيم والعادات لتوجيه الرأي العام توجيها يتفق مع مصالحه لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية؛ كمثل ما حدث تاريخيا من ادعاء هتلر ونابليون ومينو اعتناق الدين الإسلامي عند غزوهم للعالم الإسلامي ليحدث تقارب نفسي نتيجة تقدير الناس لمن يتحول للدين الإسلامي ليسهل لهم التأثير فيهم لاحقا.

في نفس النقطة نقول؛ إذا أراد علماء الدين والدعاة أن يؤثروا في الرأي العام؛ فليرسخوا مفاهيم رشيدة عن المفاهيم الدينية تكون قريبة من المنهل الصافي للدين من الكتاب والسنة والبعد عن البدع والانحرافات العقدية، وليساهموا في دعم العادات والتقاليد الصحيحة، ورفض للعادات والتقاليد السيئة أو المنحرفة.

  2-التعليم:

لا يزال الاهتمام بالعلم منارة ونبراسا لكل متطلع للمعالي، حيث أعلى الإسلام من شأن العلم والعلماء فرأينا قوائم العلماء الكبار في الأمة وهي تضم المميزين منهم دون اعتبار لجاه أو مال أو عروبة أو نسب أو جنس أو جنسية؛ بل كان الأمر كله متعلقا بمدى إجادة وتميز العالم ومدى حرصه على تطبيق ما علم. 

وتبرز أهمية التعليم في أنه يساعد على التهيئة الفكرية للشعب ورفع قدرته على الحوار والمناقشة في إطار إدراكه لحقوقه وواجباته، وتجعله حريصا على أدائها وممارستها كما يقوم التعليم ببث ثقافة المجتمع التي يحرص على نقلها للطلاب.

ولقد أوضحت العديد من الدراسات التي أجريت على مستوى العالمين العربي والغربي؛ أن الاهتمام بالقضايا العامة وأوجه المشاركة السياسية وبلورة رأى عام واضح ومحدد؛ يظهر لدى المستويات التعليمية الأكثر ارتفاعا عن المستويات التعليمية الأقل. وتظهر أهمية هذه النتائج إذا عرفنا أن بعض الأقطار العربية تتجاوز نسبة الأمية فيها 80% من الجنسين وأن النسبة الأكثر في النساء عن الرجال.

ولكن ليس معنى ذلك أنه كلما ارتفع المستوى التعليمي للأفراد ارتفع معه الوعي الاجتماعي والسياسي، ولكن المقصود أن التعليم يساعد على بلورة الوعي السياسي والاجتماعي.

لذلك تكمن أهمية التعليم وخطورته في تشكيل العقول في مرحلتي الطفولة والبلوغ؛ حيث تؤثر الاتجاهات السائدة في التعليم تأثيرا كبيرا على تكوين الرأي العام داخل الدولة؛ خصوصا إذا قامت هذه الاتجاهات على أساس روح التفرقة العنصرية أو الدينية أو الطبقية وإذكاء روح التعصب، ذلك أن الفرد لا يستطيع في المرحلة الأولى من حياته أن يستخدم عقله للتمييز بين الحق والباطل، فيكبر الفرد ومعه بعض أنماط السلوك ومن الأفكار التي بلغت في نفسه مبلغ العقيدة. وإذا كان للتعليم كل هذه الخطورة في تشكيل العقول-وبالتالي في توجيه الرأي العام -فإن العديد من الشعوب المتحضرة تهتم بترسيخ القيم الدينية والأخلاقية في عقول النشء وتعمل على محاربة النعرات المتخلفة والتعصب الأعمى[5].

 وعلى أصحاب الرسالة كذلك أن يولوا التعليم اهتماما كبيرا سواء من ناحية وضع المناهج أو من ناحية التدريس ليصنعوا واقعا مؤثرا في المجتمع. ولن يحصل لهم التأثير في المجتمعات ما لم يفعلوا ذلك.

وللتأثير المباشر على الرأي العام سيتم ذلك لهم بالتذكير بما ترسخ في أذهان المتعلمين من القيم.

3-الأســــــرة:

يجب أن يولي أصحاب الرسالة عنايتهم بالأسرة عناية كبيرة سواء لأسرهم باعتبارهم يمثلون أفكارهم بصورة أو بأخرى، أو لأسر من يؤثرون فيهم وبالأسرة باعتبارها نواة للمجتمع بأسره.

حيث تعد الأسرة وطريقة النشأة فيها وأدوار أفرادها؛ أحد الروافد الكبرى المؤثرة في تشكيل البيئة التي تكون الرأي العام، حيث تعتبر الأسرة البنية الرئيسية للتنشئة الاجتماعية للفرد، وهي العملية التي تستنبط المعايير الاجتماعية لتمثل وتندمج في الشخصية النفسية وتصبح جزءا لا يتجزأ منها، فالتربية هي التي تنمي لدى الإنسان استعداداته وميوله وحاجاته وتكون الاستجابة لها في الامتثال للقواعد والمعايير الاجتماعية.

وتأثير الاسرة يتضمن غرس القيم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية، حيث تكون للتأثيرات المكتسبة في المراحل الأولى من العمر التأثير القوي والدائم، ومن التأثيرات التي تقوم بها الأسرة عملية تشكيل الاتجاهات تجاه السلطة. وبذلك تصبح الأسرة البؤرة أو المركز المنطقي للتأثير والذي يفوق كل الوسائل الأخرى.

والسلوك السياسي للإنسان الناضج يتحدد نتيجة للتنشئة التي تلقاها في مراحل العمر المختلفة، ويختلف النمو والإدراك السياسي في كل مرحلة من هذه المراحل؛ ففي المرحلة الأولى يتحدد انتماء الطفل لثقافة وتاريخ ونظام معين، أما المرحلة الثانية فهي المرحلة التي يتفهم فيها الطفل هويته ويزداد إدراكه للعالم السياسي والأحداث السياسية، أما المرحلة الأخيرة فهي التي يشارك فيها الفرد مشاركة فعلية في العملية السياسية من خلال عمليات التصويت وتولي المناصب السياسية[6].

وعلى الدعاة أيضا أن يسعوا لوضع مناهج تربوية؛ ترسخ مفاهيم العقيدة والأخلاق والمعاملات لدى الناشئة، لتواجه الكم الضخم من الانفلات الذي تحدثه الوسائل الأخرى الهدامة، وليكون ذلك مؤثرا في ترشيد الرأي العام.

خلاصة

إن فهذه العناصر كلها مجتمعة -سواء كانت خارج الجمهور أو في تنشئته وفكره وثقافته -هي تنتج الرأي العام وتنطلق منه. فمن يرد التأثير في الرأي العام بشكل صحيح؛ فعليه أن يرشد ذلك الجمهور؛ بأن يهيئ له بيئة مناسبة تنمو فيها الثقافة الحقيقية، ويبرز قادة حقيقيين وناصحين ومخلصين يؤثرون في الرأي العام للمجتمع كله.

سواء من خلال الفهم الرشيد للدين وأخذ التعليم ومناهجه منهج الجد، والعناية بالعملية التعليمية ومناهجها وبيئتها ومعلميها وإمكاناتها، وانتقاء الثقافة الاجتماعية الدافعة للتقدم، أو تنمية الأسرة بتماسك وثقافة تنويرية صحيحة، مع إيجاد بيئة الحرية والسياسية التي تشجع على الحوار وتنظر إلى الجمهور بشكل إيجابي دافع للإفادة والاستفادة، والتربية على الحوار، وبيئة إحقاق الحق، واستخدام وسائل الإعلام للتوعية الترشيد والحوار البناء وإظهار الحقائق وتداول المعلومات الصحيحة وغير المضللة.

في هذه الحالة فقط، وعند إيجاد هذه البيئة المتكاملة -وهو تصور واقعي ليس حالما -يمكننا أن نتوقع صدور رأي عام رشيد، يساهم في نهضة المجتمع ويضبط سلوكه وتصوراته وينجح في تلافي مشكلاته وعلاج انحرافاته [7].


[1] – قراءات ت مختارة في علوم الاتصال – د منصور هيبة – ص 130

[2] – مدخل إلى الاتصال الجماهيري، جمال مجاهد، ص258

[3] – الرأي العام وتأثره بالإعلام والدعاية – د. محمد عبد القادر حاتم – مكتبة لبنان – بيروت 1973 ص 73

[4] – مدخل إلى الاتصال الجماهيري – د. جمل مجاهد وآخران – مرجع سابق ص 255

[5] د. مختار التهامي، الرأي العام والحرب النفسية، مرجع سابق، ص 32

[6] جي روشيه، مدخل إلى علم الاجتماع العام، ترجمة مصطفى دندشيلي، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1983 ص 66

[7] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

تعليق واحد

  1. لماذا لا يستفاد بخبرة أ.د حامد عبد الماجد في مثل هذه الموضوعات لارتباطها الوثيق برسالته للدكتوراة وهو قامة اكاديمية كبيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close