fbpx
دراساتاقتصاد

دلالات تخفيض التصنيف الائتماني لمصر ومستقبل الاقتصاد المصري

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

لم يكن تخفيض تصنيف مصر الائتماني من قبل جميع وكالات التصنيف مؤخرا مفاجئا على الإطلاق، حيث يعاني الاقتصاد المصرى من أزمة خانقة، بدأت منذ خروج الأموال الساخنة في النصف الثاني من شهر فبراير 2022، وهي الأموال التي طالما استند عليها النظام في إحداث الاستقرار الهش لسعر الصرف خلال الفترة ما بعد القرض الأول من صندوق النقد الدولي بنهاية عام 2016.

وبصفة عامة تشهد مصر مؤخرا إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها الحديث، ففي عام واحد فقط، فقد الجنيه المصري أكثر من نصف قيمته مقابل الدولار الأميركي، في حين تراجعت احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية، وارتفع الرقم بالسالب لاحتياطات البنوك بالعملة الأجنبية لرقم غير مسبوق، واستمر هبوط مؤشر مديري المشتريات دلالة على انكماش القطاع الخاص غير النفطي لـ 29 شهرا على التوالي، وفي نفس الوقت ارتفعت معدلات التضخم لأرقام قياسية جديدة، بالإضافة إلى الكثير من المؤشرات السلبية الأخرى والتي في مقدمتها هروب الشركات من السوق المصرية.

عموما يمكن القول أن انتهاء مرحلة التيسير النقدي – التي كانت سائدة استجابة لتداعيات أزمة كورونا- وبداية سلسلة متوالية من رفع سعر الفائدة حول العالم لم يكن لا بداية لتهاوي متسلسل لعدة أعمدة رئيسية للاقتصاد المصري، فبعد هروب الأموال الساخنة، أصبح الحصول على القروض الأجنبية عبر طرح سندات دولارية أكثر صعوبة، لا سيما بعد انخفاض قيمة السندات المصرية المتداولة إلى أقل من النصف، بالإضافة إلى ارتفاع قياسي لتكلفة التأمين على القروض.

كما أغلقت بوابة القروض الخارجية من المؤسسات الدولية الكبري، وتعثرت الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي الأخير بعد فشل بيع الأصول الحكومية كنتيجة للخلاف مع الدول الخليجية التي نقضت عهدها للصندوق بشراء هذه الأصول ومساندة الاقتصاد المصري بصورة عامة على إثر خلافات سياسية، فضلا عن تلك الاقتصادية في العديد من الملفات، إضافة إلى عدم تعويم الجنيه بشكل كامل، وعدم حدوث تقدم يذكر في تخارج الجيش من الاقتصاد طبقا لمتطلبات اتفاق الصندوق.

وعلى الرغم من النجاح المؤقت والجزئي للحكومة في حل أزمة تكدس البضائع المستوردة في الموانئ لشح العملات الأجنبية في البنوك المصرية، في بدايات العام الحالي، إلا أن ذلك كان على حساب تناقص الأصول الأجنبية للبنوك المصرية، إلا أن الانفراجة استمرت لفترة محدودة، ولذلك تعاني السوق حاليا من عدم توافر العديد من المواد الخام الأساسية للكثير من الصناعات، الأمر الذي تسبب في الكثير من الإغلاقات للمصانع وهجرة الشركات نحو بيئات استثمارية أكثر استقرارا، لا سيما في ظل ضبابية مشهد الاقتصاد المصري، وفي القلب منه سعر صرف الجنيه.

وتطرح الصورة المختصرة السابقة تساؤلا جوهريا حول مستقبل الأوضاع الاقتصادية في مصر، سواء خلال ما تبقى من العام المالي الحالي، أو في العام المالي القادم بعد شهر يونيو 2023، وهو التساؤل الذي نحاول في هذه الورقة الإجابة عنه من خلال المحاور التالية، والتي نحاول فيها أن نوضح صورة موسعة لطبيعة المشكلات والتحديات التي يواجهها الاقتصاد المصري خلال تلك الفترة، وكذلك إمكانات الحركة المتاحة له سواء للمواجهة أو للمناورة.

أولا:  تخفيض التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري

يُعرّف معهد المحللين الماليين الأميركي، التصنيف الائتماني بأنه تصنيف تقاس من خلاله قدرة الدول أو الشركات على الحصول على قروض، ومدى قدرتها على الوفاء بسداد فوائد ديونها أو الأقساط المترتبة عليها ومدى احتمالية التخلف عن السداد.

وتستند الوكالات في تصنيفها للدول على الأداء المالي والاقتصادي والاستقرار النقدي للدولة. وفي خطوة متوقعة خفّضت وكالة «موديز» ([1]) تصنيف مصر الائتماني للمرة الأولى منذ عشر سنوات من B2 إلى B3، وعدّلت في المقابل نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري إلى «مستقرة» من «سلبية»، وكانت وكالة «موديز» قد عدّلت النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري في مايو الماضي من «مستقرة» إلى «سلبية»، مما كان ينبئ بخفض التصنيف.

وأرجعت «موديز» خفض التصنيف إلى تراجع احتياطي النقد الأجنبي لمصر، وكذلك تراجع قدرتها على امتصاص الصدمات الخارجية ولا يخضع فيه الاقتصاد لتغيير هيكلي نحو نمو يقوده القطاع الخاص مع نظام سعر صرف مرن.

كما أشارت الوكالة كذلك إلى انخفاض الاحتياطيات الأجنبية السائلة إلى 26.7 مليار دولار في نهاية ديسمبر من العام الماضي، مقارنة بحوالي 29.3 مليار دولار في إبريل من نفس العام، كما بلغ صافي الالتزامات الأجنبية 20 مليار دولار مقارنة بـ 13 مليار دولار، خلال نفس الفترة.

وأضاف تقرير موديز أن “التقدم الأبطأ من المتوقع لبرنامج الطروحات يهدد بتقويض خطط التمويل في مصر، وإضعاف سيولة النقد الأجنبي للدولة وتقويض الثقة في العملة”، والذي بدوره قد يدفع لتخفيض تصنيف البلاد (وهو ما أفادت موديز أنها تراجعه الآن بالفعل)، في حين أن القدرة على توليد التدفقات بالعملة الأجنبية – لا سيما من خلال برنامج الطروحات – تعد أساسية من أجل تثبيت التصنيف الائتماني للبلاد([2]). ويعني ذلك بكل وضوح أن تخفيض التصنيف مجددا حال استمرار وضع برنامج الطروحات على حاله الراهن هو الحالة المؤكدة.

كما خفّضت وكالة “فيتش”  هي الأخرى([3]) التصنيف الائتماني لمصر بالعملتين المحلية والأجنبية بدرجة واحدة من “B +” إلى “B”، مع تحويلها للنظرة المستقبلية من مستقرة إلى سلبية، وعللت الوكالة قرارها بازدياد مخاطر التمويل الخارجي في ضوء الاحتياجات التمويلية المرتفعة، وتشديد شروط التمويل الخارجي، وأضافت أن ذلك يأتي على خلفية الغموض الشديد في مسار أسعار الصرف وتراجع احتياطات السيولة الخارجية.

كما أشارت الوكالة كذلك إلى أن المزيد من التأخير في الانتقال إلى سياسة مرونة أسعار الصرف، سيؤدي إلى تدهور إضافي في الثقة وربما أيضا إلى تأخر تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي.

ومن الجدير بالذكر أن وكالة (ستاندرد آند بورز) للتصنيف الائتماني قد سبقت الوكالات الأخرى بخفض النظرة المستقبلية لآفاق الدين المصري من “مستقرة” إلى “سلبية”، في إبريل الماضي([4])، وبررت الوكالة ذلك بحاجة الحكومة المصرية إلى تمويل كبير في 2023 وكذلك 2024، يُقدَّر بـ 17 مليار دولار و20 ملياراً على التوالي.

ويشير تخفيض التصنيف الائتماني لمصر إلى مجموعة من النقاط تجدر الإشارة إليها وذلك كما يلي:

  • يوجد إجماع من الوكالات الثلاث وفي فترة زمنية متقاربة للغاية على تخفيض التصنيف الائتماني، وهو الأمر الذي يستبعد أية شبهة غير اقتصادية كسبب لهذا التخفيض.
  • الإجماع كذلك على أن الأسباب الرئيسة للتخفيض هي أسباب موضوعية تتمثل في الالتزامات التمويلية الخارجية على الاقتصاد المصري(أقساط وفوائد القروض الخارجية) خلال ما تبقى من العام الحالي والقادم، والتي لا يستطيع دفعها ذاتيا، وأغلقت أمامه المنافذ الخارجية للنقد الأجنبي والذي اعتاد الهروب إليها خلال الأعوام الماضية.
  • –       اتفقت وكالتان من الثلاث على النظرة السلبية للمستقبل، بينما تري وكالة موديز أن النظرة للمستقبل مستقرة. وتجدر الإشارة إلى أن تقرير موديز يوضح أن ذلك مشروطا بنجاح برنامج بيع الأصول وتمكين القطاع الخاص واستمرار مرونة تحرير سعر الصرف، وكلها أمور بات تحقيقها محل شك على الأقل خلال الفترة الحالية، ويعني ذلك بوضوح أن النظرة السلبية خلال الفترة القادمة محل اتفاق الوكالات الثلاث، وهو الأمر الذي تؤكده العديد من الشواهد الأخرى التي ستوضحها لاحقا النقاط القادمة.
  • –       تعني النظرة السلبية للاقتصاد المصري أن الخفض الحالي للتصنيف الائتماني لن يكون الأخير، وأنه من المرجح حدوث خفض جديد خلال فترة وجيزة، لا سيما في ظل تجمد خطط تنحية نفوذ الجيش بعيدا عن الاقتصاد ( تمكين القطاع الخاص) والتمنع الخليجي في شراء الأصول، والمشكلة الأكبر في هذا الاطار أن مرحلة التخفيض التالية ستكون مرحلة الإفلاس.
  • تجدر الإشارة إلى أن موديز خفضت التصنيف إلى الدرجة الأدنى من الديون المشكوك في سدادها( B3)، وسيكون التخفيض التالي إلى إحدى درجات التصنيف ( C) والذي يعتبر التصنيف الأدنى في التقييم، وعادة ما تكون قيمة استرداد الالتزامات عنده قليلة للغاية.
  • كما تجدر الإشارة كذلك إلى أن تخفيض وكالة فيتش تصنيف مصر الائتماني إلى (B) يعني أن الوضع المالي متقلب، وأن الدرجة التالية هي إحدى درجات( C) التي تعني أن الدولة ضعيفة وتعتمد على الظروف الاقتصادية للوفاء بالتزاماتها، كما أنها تشير الى الإفلاس أو على الأقل التأخر مع الاستمرار في سداد الالتزامات المالية.
  • يتضح مما سبق أنه من المرجح أن يتواصل انخفاض التصنيف الائتماني والذي بات رهينة لفاعلية البرنامج ( المجمد حاليا) مع صندوق النقد الدولي أو تدهور نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهي النسبة التي من المؤكد زيادتها بعد الانخفاض المتتالي لسعر الصرف، وكذلك الارتفاع المستمر لسعر الفائدة.
  • وعموما يبدو أن الاقتصاد المصري لن يتعرض خلال الفترة القادمة لتغييرات جوهرية تؤثر في تحسن تصنيفه الائتماني، بل الأوضاع  الاقتصادية الحالية أصعب كثيرا مقارنة مع بداية العام الحالي، وحتى إن حدثت بعض التغييرات فان آثارها ستحتاج إلى وقت، ربما أكثر كثيرا مما بات متاحا  لتجنب السيناريو الأسوأ، وهو الأمر الذي يوضح ببساطة أن احتمالية التوقف عن السداد ( الإفلاس) لم تعد بعيدة وأنها باتت مسألة وقت إلى حد كبير. 
  • يمكن التدليل كذلك على استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية، وبالتالي اقتراب سيناريو الإفلاس، من خلال خفض التصنيف الائتماني للبنوك الكبري المصرية، والذي يمكن استعراضه فيما يلي.

ثانيا: خفض التصنيف الائتماني للبنوك الكبري المصرية

وسط أزمة النقد الأجنبي العنيفة التي تواجه الحكومة المصرية منذ الربع الأول من العام الماضي، أعلنت وكالة “ستاندرد أند بورز” للتصنيف الائتماني خفض نظرتها المستقبلية لكل من البنك الأهلي المصري وبنك مصر والبنك التجاري الدولي من مستقرة إلى سلبية([5]).

وفي فبراير الماضي، خفّضت وكالة “موديز” التصنيف الائتماني لخمسة بنوك مصرية، وهي البنك الأهلي المصري وبنك مصر وبنك القاهرة والبنك التجاري الدولي وبنك الإسكندرية وذلك عقب تخفيض التصنيف الائتماني للبلاد([6]).

وخفّضت موديز التصنيف الائتماني للبنك الأهلي المصري وبنك مصر وبنك القاهرة والبنك التجاري الدولي إلى B3 من B2، فيما خفضت تصنيف بنك الإسكندرية من B1 إلى B2، حسبما أعلنت الوكالة، كما جرى تخفيض التصنيف الائتماني الأساسي للبنوك الخمسة إلى B3  بدلا من B2 وعدلت موديز نظرتها المستقبلية لتقييم ودائع البنوك الخمسة إلى مستقرة من سلبية.

وأشارت موديز إلى أن تخفيض التصنيف الائتماني لتلك البنوك يأتي عقب تخفيض التصنيف الائتماني لمصر، مشيرة إلى “وجود ترابط كبير بين الجدارة الائتمانية لمصر وميزانيات هذه البنوك”. وأشارت إلى أن البنوك سواء الثلاثة في الحالة الأخيرة أو الخمسة في الحالة السابقة لديها تعرض كبير للديون السيادية، بسبب حيازتها لجزء كبير من سندات الدين السيادية تمثل نحو 25-43% من إجمالي أصول تلك البنوك، الأمر الذي يعني أن الوضع الائتماني المستقل للبنوك وكذلك تصنيفها الائتماني “مرتبط بالتصنيف الائتماني الحكومة”.

ولا يزال تصنيف بنك الإسكندرية أعلى بمركز واحد عن بقية البنوك الأربعة الأخرى، إذ يحصل على دعم من بنك إنتيسا سان باولو الإيطالي الذي يمتلك حصة قدرها 80% من البنك.

كما أضافت الوكالة كذلك أنه من أسباب خفض التصنيف الائتماني للبنوك هو ضعف البيئة التشغيلية، وتوقعت أن تؤثر أزمة السيولة في العملات الأجنبية وارتفاع أسعار الفائدة والتضخم، على ثقة العملاء، ومن الممكن أن يضر بقدرتهم على سداد الديون ويزيد من تكلفة التمويل للبنوك، مما يزيد الضغوط على أداء تلك البنوك.

وفي الحقيقة أغفلت الوكالة في اطار سردها لأسباب خفض التصنيف الائتماني لتلك البنوك الإشارة إلى نقطة محورية وهامة وهي استمرار انخفاض صافي الأصول الأجنبية في القطاع المصرفي المصري، والتي تعبر عن “صافي حجم ما تملكه البنوك المصرية من أصول بالعملة الأجنبية بين ودائع وأوراق مالية وخلافه، مخصوما منه التزاماتها كأقساط وفوائد الديون الخارجية بالنقد الأجنبي”.

وقد كشفت بيانات البنك المركزي اتساع عجز صافي الأصول الأجنبية لمصر خلال شهر مارس الماضي بنحو 1.47 مليار دولار، ليتجاوز 24.46 مليار دولار، وهو رقم غير مسبوق، مقابل نحو 23 مليار دولار، في فبراير الماضي، بنسبة زيادة بلغت نحو 6.3%، وبذلك يكون عجز صافي الأصول الأجنبية قد اتسع بنحو 4.56 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الجارى([7]).

كما كشفت بيانات البنك المركزي، أنه في الوقت الذي انخفض فيه عجز صافي الأصول الأجنبية لدى البنك المركزي بنحو 217.6 مليون دولار في مارس، اتسع فيه العجز لدى البنوك التجارية بنحو 1.68 مليار دولار، وجاء اتساع عجز البنوك التجارية في ظل انخفاض الأصول بالعملة الأجنبية إلى نحو 13.5 مليار دولار مقابل 15.2 مليار دولار في وقت استقرت فيه التزاماتها بالعملة الأجنبية عند 29 مليار دولار.

وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي يتطلب ألا يتجاوز عجز صافي الأصول الأجنبية بالبنوك خلال ثلاثة شهور مبلغ 2 مليار دولار، حتى لا تستنفذ هذه الأصول في تثبيت سعر الجنيه، أو سداد عجز الحساب الجاري، إلا أن العجز الفعلي تجاوز ضعف ما اشترطه الصندوق، مما يشكل سببا إضافيا لتأخير استمرار تنفيذ الاتفاق من جانب الصندوق. وفي الأغلب فإن أصول البنوك يساء استخدامها على هذا النحو للحفاظ على حجم الاحتياطي بالبنك المركزي.

ويمكن التعليق على استمرار تراجع صافي أصول القطاع المصرفي بالعملة الجنبية كما يلي:

  • صافي الأصول الأجنبية يعني مراكز البنوك من النقد الأجنبي، وتراجعها في أي بنك بالسالب يعني أن هناك مراكز مالية مفتوحة لم يتم غلقها بأن قامت البنوك مثلا بالبيع للعميل دولار ولم تتمكن من شراء الدولار من مكان آخر مرة أخرى ( فرطت بما لديها ولم تستطع التعويض)، وهذا هو الحاصل في الأشهر الأخيرة حيث قامت البنوك بالبيع ولم تسنح لها فرصة الشراء مرة أخري.
  •  عندما تكون هناك مراكز مالية مفتوحة لدى البنوك تظهر في صورة صافي أصول أجنبية في القطاع المصرفي بالسالب، ومع ارتفاع سعر الدولار بالنسبة للجنيه فإنها تتكبد خسائر مالية كبيرة لأن لديها مراكز مكشوفة وقامت بالبيع بسعر يقل بكثير عن السعر الجديد الذين يرغبون في الشراء به.
  • وهنا السؤال الهام هل فرطت هذه البنوك بما لديها من دولار بمحض إراداتها، أم أجبرت على التفريط؟ والإجابة المنطقية على هذا السؤال أن هذا التفريط يمكن أن يحدث في ظل أزمة شديدة ومعقدة لمرة أو اثنتين على الأكثر، أما أن يستمر التفريط في العملات الأجنبية في مجمل القطاع المصرفي لمدة عامين وبصفة مستمرة ومتصاعدة (وبخسائر محققة ومجربة فعليا لأكثر من مرة) فهذا يعني أن هذه البنوك قد أجبرت على ذلك.
  • ويرجح ذلك، ثبات الاحتياطي النقدي في البنك المركزي وربما تزايده الطفيف في بعض الأحيان على الرغم من توقف القروض الخارجية وتراجع تحويلات العاملين في الخارج، وفي الوقت نفسه الإفراج عن جزء من البضائع المكدسة في الجمارك، على الرغم من شح الدولار، الأمر الذي يعني أن الحكومة تجبر البنوك التجارية على بيع ما لديها من دولار، وهو الأمر الذي من المرجح استمراره خلال الفترة القادمة.
  • إذا كان الأمر كذلك فلماذا انخفض عدد البنوك المخفض تصنيفها من خمسة إلى ثلاثة؟ الإجابة هنا تتعلق بأن الإجبار وقع على البنوك( الحكومية) المملوكة بالكامل للبنك المركزي وتحت سيطرته بصورة مباشرة، أما عن البنك التجاري الدولي والمملوك جزئيا للإمارات، فقد تواترت العديد من الأخبار بتورط البنوك المملوكة للإمارات مساعدة رجال أعمال مصريين في تحويل أموالهم بالجنيه إلى دولار واستلامها في فروع تلك البنوك في الإمارات وهو الأمر الذي يفسر خفض التصنيف الائتماني للبنك الذي يمثل أكبر وزن نسبي في مؤشر البورصة المصرية.
  • –       أما عن بنك القاهرة، فتجدر الإشارة إلى أنه يجري الإعداد حاليا للطرح الذي طال انتظاره لأسهم البنك خلال هذا العام، وهو الطرح الذي تأخر عدة مرات لسنوات سابقة بسبب ظروف السوق غير المواتية، ومن هنا فانه ليس من المصلحة استمرار الضغط عليه لإخراج ما بحوزته من نقد أجنبي، وبصفة خاصة فإنه ثبت للحكومة تهافت المشترين الخليجيين وتنافسهم على البنوك المباعة كما حدث في حالات سابقة (حدث هذا من قبل أيضا في حالة صفقة المصرف المتحد، والتي تم التراجع عنها لأسباب سياسية فيما يبدو).
  • –       كما أن بنك الإسكندرية – المملوك بنسبة 80% لبنك إنتيسا سان باولو الإيطالي، فيما تمتلك الدولة نسبة الـ 20% المتبقية – فيدعمه المالك الإيطالي، وقد قيل في وقت سابق من هذا العام أنه سيكون ضمن برنامج الطروحات الحكومية، ولم يدرج بالقائمة النهائية للشركات المزمع طرحها.

ومؤخرا، قامت وكالة موديز في نهاية المطاف بوضع التصنيف الائتماني لخمسة بنوك مصرية قيد المراجعة بهدف الخفض، وهي البنك الأهلي المصري، وبنك مصر، وبنك القاهرة، والبنك التجاري الدولي، وبنك الإسكندرية([8]).

وفي نهاية المطاف، انضمت وكالة فيتش التصنيف الائتماني إلى الوكالتين الأخريين، وقامت بخفض التصنيف للودائع طويلة الأجل لأربعة بنوك مصرية بعد أن خفضت تصنيف مصر الائتماني في وقت سابق من هذا الشهر. وقالت الوكالة في بيان لها إنها خفضت التصنيف الائتماني لكل من البنك الأهلي المصري وبنك مصر وبنك القاهرة والبنك التجاري الدولي من + B إلى B “مما يعكس ضعف القدرة السيادية على تقديم الدعم، لا سيما العملة الأجنبية”[9]. وأبقت فيتش على نظرتها المستقبلية السلبية للبنوك الأربعة دون تغيير.

وأشارت الوكالة إلى أن أسباب هذا الخفض تعود إلى:

  • البنوك الأربعة لديها الكثير من الديون الحكومية: تقول فيتش إن البنوك الأربعة لديها “تعرض كبير” للديون المستحقة على الحكومة وشركات القطاع العام، والتي تقدر بنحو 75% من إجمالي أصولها.
  • أوضاع السيولة ليست جيدة: بلغ صافي الالتزامات الأجنبية لدى القطاع المصرفي المصري مستوى قياسي بلغ 14 مليار دولار حتى نهاية مارس، إذ تكافح البنوك لتأمين العملات الأجنبية.
  • المزيد من الضغوط على الجنيه: تتوقع فيتش أن يرتفع الضغط على نسب رأس المال للبنوك الأربعة بسبب المزيد من انخفاض الجنيه وخسائر السوق. وقالت الوكالة إن احتفاظ البنوك بالأوراق المالية حتى تاريخ استحقاقها يحد من تأثير تلك الخسائر جزئيا.

ثالثا: مستقبل الأوضاع الاقتصادية – إلى متي تستمر أزمة الدولار؟

تدور الأزمة الاقتصادية في مصر حول نقطة واحدة مركزية وهي شح الدولار، الأمر الذي تسبب في الانخفاض  المستمر للجنيه، وبالتالي تأجيج معدل التضخم، كما يتسبب ذلك في ارتفاع عجز الموازنة العامة، وضبابية المناخ الاستثماري وهروب الشركات العاملة في البلاد، وكذلك يتسبب في الهزات العنيفة التي قد يتعرض لها توافر السلع الأساسية في بعض القطاعات وفي مقدمتها القطاع الصناعي، فضلا عن المخاطر المتعلقة بالعجز عن سداد الديون الخارجية وفوائدها في مواعيدها المستحقة.

واعتمدت مصر خلال السنوات الماضية على الأموال الساخنة والقروض الخارجية كمصادر أساسية للنقد الأجنبي، إلى جوار المصادر التقليدية المعروفة من السياحة وقناة السويس وتحويلات العاملين في الخارج، وأضيف إليهم مؤخرا صادرات الغاز الطبيعي، ولذلك فان محاولة الإجابة الموجزة عن التساؤل حول الأفق الزمني لاستمرار أزمة الدولار في مصر يتعلق بالمصادر التقليدية وغير التقليدية للدولار، ويؤشر في نفس الوقت لمستقبل الأزمة الاقتصادية الراهنة في مصر، ويمكن تناول ذلك كما يلي:

1- الأموال الساخنة كمصدر للنقد الأجنبي

 شكلت الأموال الساخنة مصدرا أساسيا للنقد الأجنبي واستقرار سعر الصرف خلال الفترة ما بعد عام 2016، ورغم التحذيرات المتواترة جراء هشاشة الاعتماد عليها، وزيف الاستنتاجات المتعلقة بتدفقها، والاستقرار الظاهر جراء ذلك، فإن تلك الأموال استمرت في التزايد حتى بلغت ما يقارب 30 مليار دولار.

وعلى الرغم من التجربة المصرية السابقة خلال بداية أزمة كورونا في مارس 2020 والتي عانت فيها مصر من نزوح ما يزيد عن 20 مليار دولار خلال أقل من شهرين، فإن الإدارة المصرية لم تتحوط بما يكفي للطوارئ المماثلة. والغريب كذلك أن سياسات التشديد النقدي لمواجهة التضخم قد بدأت في الدول الأوروبية قبل الولايات المتحدة الأمريكية بعدة شهور، وكان من المعروف أن انخراط أمريكا في هذه السياسات لم يكن إلا مسألة وقت.

ولكنه وكالعادة انتظرت الحكومة المصرية طويلا حتى خرج ما يزيد عن 18 مليار دولار من هذه الأموال في الأسبوعين الأخيرين من فبراير عام 2022، تهيؤا لاقتناص فرص الفائدة المرتفعة بأوروبا وتأهبا لرفع سعر الفائدة في أمريكا، الذي ما لبث أن بدأ في منتصف مارس 2022.

وحتى الآن لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية على سياساتها النقدية التشددية من خلال الرفع المتوالي لسعر الفائدة، حيث رفع البنك المركزي الأمريكي سعر الفائدة في مطلع مايو إلى أعلى مستوياته، منذ 16 عاما، وذلك بنسبة 0.25 في المائة، وهو عاشر ارتفاع خلال 14 شهرا، وانتقل بذلك  السعر المرجعي للفائدة ليتراوح بين 5 في المائة إلى 5.25 في المائة، بينما كان يقارب الصفر في مارس 2022.

وتشير التوقعات إلى تباطؤ رفع الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة مستقبلا، إلا أن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، أعلن أن الولايات المتحدة ستواصل رفع معدل سعر الفائدة لمكافحة التضخم، وأشار باول إلى أنه “على الرغم من تباطؤ التضخم خلال الأشهر الأخيرة، فإن عملية خفضه إلى 2% ستكون طويلة ووعرة( [10]).

هذا التصريح والذي كان في مطلع مارس 2023 وتأكد برفع سعر الفائدة بعدها بشهرين، أكد بما لا يدع مجالا للشك استمرار نهج السياسات النقدية المتشددة لبعض الوقت، والذي يعني انتفاء أي أمل في عودة الأموال الساخنة لمصر في القريب العاجل، خاصة أن سعر الفائدة الحقيقي في مصر بالسالب وبقيمة كبيرة (ثبّت البنك المركزي سعر الفائدة عند 18.25% ( [11]) بينما زاد معدل التضخم الأساسي عن 40% في فبراير، إلا أن معدل التضخم في المدن تناقص بعدها إلى 30.5% في إبريل الماضي([12]) وعلى الرغم من ذلك لا يزال معدل الفائدة بالسالب، وبقيمة كبيرة)،  بما لا يشجع أية تدفقات مالية للدخول إلى مصر. ويضاف إلى ذلك بالطبع الأزمة الحادة في نقص العملات الأجنبية التي تعاني منها البلاد، والتى ولا شك ستخلق حالة من التشكك والريبة لدي المستثمرين في مثل هذه الأموال من العودة للسوق المصرية حال انخفاض سعر الفائدة عالميا.

ومما سبق يمكن القول أنه لا يمكن التعويل على الأموال الساخنة كمصدر رئيس أو حتى فرعي (مساند)  للعملة الأجنبية على الأقل خلال ما تبقى من العام الحالي وربما العام القادم كذلك. وبصفة عامة فان ذلك يرتبط بالظروف الدولية التي لا يمكن التأثير فيها.

2- القروض الخارجية كمصدر للنقد الأجنبي

أهدرت الحكومة المصرية أكثر من 160 مليار دولار من القروض الخارجية التي وفدت أغلبها إلى الخزينة المصرية في أعقاب إبرام القرض الأول مع صندوق النقد الدولي بنهاية عام 2016، وذلك بالإضافة إلى الودائع الخليجية في البنك المركزي. ورغم ضخامة هذه المبالغ، فقد فشلت الحكومة في بناء نموذج تنموي استثماري إنتاجي تصديري يستطيع أن يمتص مشكلات البطالة والفقر وسوء مستوي المعيشة، ويستطيع في نفس الوقت توفير موارد دولارية ذاتية حقيقية يمكن بها تقليص الفجوة الدولارية المتنامية.

ورغم التحذيرات من الإفراط في الاستدانة والإنفاق على المشروعات المظهرية والتي استمرت عدة سنوات، فقد بدت الدولة وكأنها متفاجئة من حلول آجال أقساط الديون والفوائد دون تحضير مصادر السداد، فكان اللجوء للمرة الرابعة في أقل من عشر سنوات لصندوق النقد الدولي، وبعد مفاوضات ماراثونية تم الاتفاق على قرض هزيل ومشروط، سرعان ما جمد بعد دفعته الأولى.

وكان من الأسباب الرئيسية للتجميد فشل الخطة الطموحة لبيع أصول الدولة والتي أعلن عنها منذ عام تقريبا، إضافة إلى الخلافات التي تتعلق بهيمنة المؤسسة العسكرية على النشاط الاقتصادي في البلاد بما يشكل تهديدا صارخا لأي استثمار داخلي. وكذلك حدث التجميد بسبب خلافات حول مرونة سعر الصرف، وهو الأمر الذي اضطر الإدارة المصرية للرضوخ بإحداث تعويم جديد للجنيه منذ عدة أسابيع، بحيث انخفض الجنيه منذ أكتوبر الماضي من 15.5 جنيه للدولار إلى ما يزيد عن 30 جنيه للدولار في غضون أقل من عام، وهو التحريك (وليس التعويم) الذي يوصف من صندوق النقد ودول الخليج بأنه ليس كافيا ولا يعكس السعر الحقيقي للجنيه كما تعكسه السوق السوداء أو حتى العقود الآجلة للعملات الأجنبية والتي اعتمدت من البنك المركزي كآلية جديدة في أعقاب أزمة الاستيراد، والذي يتجاوز 30% أعلى من السعر المعلن في البنك المركزي.

تجميد الدفعة الثانية من قرض صندوق النقد، واستبدال دول الخليج الرغبة في شراء الأصول المصرية كبديل عن القروض، ووصول مصر للحد الأقصى من الاقتراض من معظم المصادر الإقليمية، وعزوف المؤسسات الدولية الكبري عن الإقراض، والاتفاق بين الجميع على حالة النزق الاقتصادي التي أهدر بها النظام المصري القروض والمنح والمساعدات والودائع، وتراجع التصنيف الائتماني والرؤية المستقبلية وفقا لمؤسسات التصنيف الدولية، كلها عوامل ترجح أن باب الاقتراض الثنائي أو متعدد الأطراف قد أغلق تماما وأن هذا الإغلاق من المرجح استمراره خلال ما تبقى من العام الحالي على الأقل.

كما أن الاقتراض من بوابة طرح السندات الدولية قد أغلق هو الآخر، أولا كنتيجة للحالة الاقتصادية السيئة التي يعرفها المستثمر في مثل هذه السندات عن الاقتصاد المصري، والتي تشير عبر خفض التصنيف الائتماني المتتالي إلى مخاطر مرتفعة واحتمالية عدم السداد الواردة بشدة، هذا بخلاف ارتفاع أسعار الفائدة عالميا، علاوة على ارتفاع تكلفة التامين على القروض المصرية.    

تراجعت ثقة مستثمري السندات خلال شهرين فقط من إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، حيث دفعت إلى ذلك الشكوك حول تقدم مصر في متابعة مبيعات الأصول والتزامها بسعر صرف أكثر مرونة، وارتفاع الهوامش على بعض سندات الحكومة طويلة الأجل إلى ما يزيد عن 1000 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأميركية – والذي يمثل الحد الأدنى للديون التي يمكن اعتبارها متعثرة، وارتفاع تكلفة تأمين الديون المصرية ضد التخلف عن السداد إلى حوالي 1200 نقطة أساس، ارتفاعاً من أدنى مستوى في 9 أشهر عند 720 نقطة تم الوصول إليه في يناير([13]).

ومع استمرار الضبابية حول مستقبل الاقتصاد المصري تخلص بعض المستثمرين عما بحوزتهم من السندات الدولارية المصرية -ورقة مالية تصدرها الحكومة مقابل الدين الخارجي للدولة، وتباع وتشترى بالأسواق الأجنبية- من خلال عمليات بيعية قوية، الأمر الذي جعلها تتداول دون قيمتها الأساسية بكثير.

وتبقى الصكوك الاسلامية التي لجأت إليها الإدارة المصرية مؤخرا- بعد عقود من تشويه ممنهج لها- حيث طرحت مصر صكوكاً إسلامية سيادية تضمنها وزارة المالية بقيمة مليار ونصف المليار دولار للمرة الأولى في تاريخ البلاد، في فبراير الماضي، ويكاد عائد تلك الصكوك أن يكون الأعلى عالمياً بنسبة 11 بالمائة، وجاء الطرح المصري للصكوك لسداد التزامات مالية دولية (ديون) مستحقة خلال الأسبوع الأخير من فبراير/شباط الجاري، وليس لأي استخدام أخر (صكوك لسداد الديون!)([14]).

ومن الجدير بالذكر أن طرح الصكوك الاسلامية يكون عبر رهن لأصول الدولة التي يمكن أن تنتقل إلى حامل الصك حال التعثر في السداد (يتردد حديث غير موثق أن هذه الأصول في حالة الصكوك التي تم إصدارها تتمثل في المباني الحكومية الجديدة في العاصمة الإدارية!). وعموما، تبقى إمكانية اللجوء لمثل هذا المصدر قائمة رغم ارتفاع تكلفته، ولكنه المصدر الوحيد المتبقي للاقتراض الخارجي، ولكن التساؤل هنا هل يستوعب سوق الصكوك الاسلامية أرقاما كبيرة من دولة حديثة العهد بالصكوك، ويعاني اقتصادها مشكلات كبري؟! (لم تصدر أية صكوك أخرى بعد الإصدار الأول).

عموما تجدر الإشارة إلى أن المصدر الأخير للاقتراض كان دفع الحكومة للبنوك العامة للاقتراض إما المباشر أو بطرح سندات كما حدث سابقا مع بنكي مصر والأهلي، ورغم تخفيض التصنيف الائتماني الأخير للبنوك، والذي يعقد اقتراضها ويرفع كلفته، إلا أن هذا الباب لم يغلق كليا بعد، ولكنه يتميز بمحدودية المردود إلى حد كبير.

يشير العرض السابق إلى أن مصادر الاقتراض الخارجي التي اعتمد عليها النظام المصري خلال العقد الماضي قد نضبت تقريبا وما تبقى منها لا يكفي، ليس فقط لسداد احتياجات مصر العاجلة لسداد القروض والفوائد، ولكنه لا يكفي أيضا للمساهمة الفاعلة في حل أزمة النقد الأجنبي في البلاد.

3- السياحة كمصدر للنقد الأجنبي

لم تنجح الحكومة المصرية في العودة بقطاع السياحة إلى مستويات ما قبل أزمة كورونا، وتعوّل الحكومة المصرية كثيرا على عودة تعافي القطاع السياحي كمصدر هام  للنقد الأجنبي، لا سيما في ظل الأزمة الطاحنة للعملات الأجنبية.

 ووفق بيانات مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري([15])، الذي استند إلى وكالة “فيتش”، فمن المرجح أن يبلغ إجمالي عدد السياح الوافدين إلى مصر العام الحالي 11.6 مليون سائح بزيادة قدرها 46 في المائة على أساس سنوي من 7.9 مليون سائح عام 2022. وذكر أنه بحلول 2026 فمن المتوقع وصول إجمالي عدد الوافدين إلى مصر إلى 14 مليون وافد، وهو أعلى من ذروة ما قبل جائحة كورونا، البالغة 13 مليون وافد.

وعلى صعيد عائدات السياحة الدولية لمصر، توقعت الوكالة أن تصل خلال العام الحالي إلى 13.6 مليار دولار، بزيادة تبلغ نسبتها 17.7 في المائة على أساس سنوي. وبحلول نهاية عام 2026 من المتوقع أن يصل إجمالي عائدات السياحة الدولية إلى 17.9 مليار دولار.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن التعافي الكامل لم يحدث بعد وأن الحديث هو عن مجرد آمال ستسهم حال تحققها في خفض عجز الميزان الجاري نسبيا، مع الأخذ في الاعتبار وجود ما يقارب 4 مليار دولار سياحة عكسية ( من المصريين للخارج) وفقا لبيانات البنك المركزي المصري، الأمر الذي يعني أن الرقم السياحي المتحقق يتسرب ثلثه للخارج مرة أخري.

كما أن تعافي العائد السياحي هذا العام حال حدوثه يعني كذلك العودة إلى مستويات ما قبل أزمة كورونا وليس تحسنا في الأوضاع مقارنة بما قبلها.

4- صادرات الغاز الطبيعي كمصدر للنقد الأجنبي

توسعت مصر، خلال السنوات الـثمانية الماضية، في أعمال التنقيب عن الغاز الطبيعي وتطوير محطات الإسالة، بالإضافة إلى توسيع قاعدة التصدير، من خلال عقد شراكات إستراتيجية تتضمن التوسع وتطوير أعمال البحث والاستكشاف، بالإضافة إلى إجراءات أخرى داخلية، من بينها ترشيد الاستهلاك بتقليل استخدام الغاز في توليد الكهرباء والعودة للمازوت كبديل عنه، رغم ما في ذلك من أضرار تشغيلية وبيئية كبيرة.

المصدر: الغاز المصري في 8 سنوات.. قفزة تاريخية بالإيرادات والإنتاج

ويشير الشكل السابق إلى أن قطاع الغاز حقق معدل نمو مبدئي بلغ 4% خلال عام 2021-2022، في حين ارتفع إنتاج الغاز الطبيعي مسجلاً 69.2 مليار متر مكعب في العام نفسه، بزيادة تُقدَّر بنحو 66.3% عن إنتاج عام 2015-2016، الذي شهد 41.6 مليار متر مكعب.

وحققت صادرات الغاز المصري إيرادات بلغت 8 مليارات دولار في عام 2021-2022، مقابل نحو 600 مليون دولار في عام 2013-2014، حيث تضاعف حجم صادرات الغاز الطبيعي والمسال 4 مرات، ليصل إلى 7.2 مليون طن عام 2021-2022، مقابل 1.9 مليون طن في 2013-2014.

كما كشفت وزارة البترول المصرية أن صادرات مصر من الغاز قفزت إلى 171% إلى 8.4 مليار دولار في 2022، كما بلغ إنتاجها 50.6 مليون طن([16]).

وبعيدا عن الجدل السائد حول كفاية الاحتياطيات الوطنية للاحتياجات المحلية والتصدير، فإنه يمكن القول أن صادرات الغاز الطبيعي أصبحت رقما هاما يعول عليه كمصدر من مصادر النقد الأجنبي للبلاد، على الرغم من التراجع في أسعار الغاز الطبيعي عالميا مؤخرا. إلا أنه من غير الواضح كم من إيرادات استخراج وإسالة وتصدير الغاز تدخل للخزانة المصرية، بعد خصم حصص الشركاء الأجانب أو حصص ملكياتهم.

5- تحويلات العاملين المصريين بالخارج

تمثل تحويلات المصريين العاملين في الخارج أهم وأكبر مصدر للنقد الأجنبي للبلاد، كما أنها تمثل 7% من إجمالي الناتج المحلي، لاسيما مع احتلال مصر المركز الخامس بين أعلى الدول المتلقية للتحويلات المالية من الخارج([17]).

وقد مرت تدفقات تلك التحويلات بفترات تباين، وذلك كانعكاس للتطورات الاقتصادية والسياسية العالمية والإقليمية (في دول الخليج على وجه الخصوص) على مدار السنوات الماضية، حيث بلغت قيمة التحويلات خلال العام المالي 2010-2011 أقل معدلاتها بقيمة 12.6 مليار دولار، وذلك كردة فعل منطقية لضبابية مشهد الثورة المصرية، و ما لبثت أن تحسنت خلال فترة 2011-2012 لتسجل 18 مليار، ثم 18.6 مليار دولار بعد انتخاب الرئيس محمد مرسي، ويشير الشكل التالي إلى أرقام تحويلات العاملين المصريين في الخارج خلال الفترة 2013- 2022، ومنه يتضح ما يلي:

المصدر: بيانات البنك المركزي المصري الواردة بالتقارير السنوية.

يلاحظ من هذا الشكل الانخفاض الطفيف للتحويلات عام 2014، وذلك في أعقاب الانقلاب العسكري وما صاحبه من توترات سياسية، ولكنها ما لبثت أن تزايدت إلى 19.3 مليار دولار في عام 2015 مع إعلان برنامج الإصلاح الاقتصادي، ثم عاودت الانخفاض إلى 17.1 مليار دولار بنهاية 2016 كنتيجة لعدم تطبيق الإصلاح، والذي بدأ فعليا مع اتفاق قرض صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016.

ومع بداية التعويم الأول وتنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي تزايدت قيمة التحويلات خلال عام 2017 إلى نحو 21.8 مليار دولار، تلتها قفزة كبري أخري في عام 2018 ببلوغها 26.4 مليار دولار، ثم انخفاض طفيف في 2019 لتبلغ 25.1 مليار دولار، ثم سجلت أعلى مستوياتها التاريخية في عام 2021-2022 بنحو 31.9 مليار دولار، وكل ذلك في ظل استقرار مزيف وهش لسعر صرف العملة المحلية بفعل الأموال الساخنة والقروض الخارجية. وفي ظل هذا التصاعد المستمر توقع أحد التقارير الصادرة عن البنك الدولي أن يبلغ حجم تحويلات المصريين العاملين بالخارج نحو 32.3 مليار دولار بنهاية العام الماضي([18])، ولكنه وبالمخالفة للتوقعات سجلت أول انخفاض سنوي كبير لها منذ سبع سنوات، أي منذ عام 2015، بحسب بيانات البنك المركزي لتصل إلى 28.3 مليار دولار بانخفاض قدره 3.6 مليار دولار، أي بانخفاض أكثر من 10%، في الوقت الذي تتطلع فيه الدولة المصرية لجذب أكبر قدر من النقد الأجنبي لحمايتها من التخلف عن سداد الديون.

وطبقا لبيان البنك المركزي عن ميزان المدفوعات الصادر أخيرا، وصلت تحويلات المصريين بالخارج خلال النصف الأول من العام المالي 2022-2023 إلى 12 مليار دولار فقط، مقابل 15.6 مليار دولار في نفس الفترة من العام المالي الماضي، أي بانخفاض يتجاوز 20%، بما يعني أن إجمالي التحويلات السنوية هذا العام قد ينخفض بمقدار أكبر كثيرا من العام الماضي، كما خسرت مصر 25% من تحويلات المصريين العاملين بالخارج في الربع الثاني من العام المالي الجاري، مقارنة بالفترة نفسها العام الماضي، وبذلك فان التحويلات انخفضت 14% مقارنة بالربع المالي الذي يسبقه، مسجلة أدنى مستوى لها في ست سنوات، لتطابق المستويات المسجلة في الربع الثالث من2016([19]).

وبالطبع توجد العديد من الأسباب التي ساهمت في التراجع الملحوظ لتلك التحولات خلال الفترة الأخيرة، ومن المرجح استمرار ذلك التراجع خلال النصف الثاني من العام الحالي والعام القادم كذلك، لا سيما في ظل استمرار المعطيات الاقتصادية والسياسية الحالية دوليا وإقليميا. ويمكن استعراض أهم ذلك التراجع كما يلي:

  1. اختلاف سعر الصرف الرسمي عن السوق الموازية، حيث يصل الفرق في بعض الأحيان إلى 10 جنيهات (الدولار يساوي نحو 31 جنيها تقريبا بسعر الصرف الرسمي)، وهو الأمر الذي يدفع جزءا كبيرا من العاملين في الخارج إلى تحويل أموالهم عبر سماسرة في الخارج، يدفعون مقابل أعلى كثيرا من السعر الرسمي، وغالبا ما يكون هؤلاء وكلاء لرجال أعمال أو حائزي أموال غير مشروعة  بالجنيه المصري. ويشكل التحويل في الخارج ضربة مزدوجة للاقتصاد المصري، حيث يتم تهريب كمية كبيرة من الأموال للخارج، فضلا عن خسارة كمية كبيرة من العملة الصعبة بالسوق المحلية.

وكانت ورقة بحثية([20]) من «إس آند بي جلوبال ماركت إنتيلجنس» توقعت في يناير الماضي انخفاض تحويلات العاملين في الخارج خلال فترة الأشهر الستة المقبلة، إذ ستُثني المخاوف بشأن استمرار ضعف الجنيه المصري مقابل الدولار المصريين عن تحويل الأموال عبر القنوات الرسمية.

وأضافت الورقة: «هذا الوضع يجب أن يتحسن بمجرد تعديل سوق الصرف»، مشيرة إلى أن المصريين المغتربين سيعودون لاستخدام القنوات الرسمية، على أن ترتفع التحويلات بقوة خلال العام الجاري. ومن الواضح أن تأخر البنك المركزي في تعويم الجنيه أو تخفيض قيمته حتى الآن يمنع التحسن التي تتحدث عنه الورقة البحثية.

  • ارتفاع كلفة المعيشة بالخارج، من الأسباب الإضافية التي أدت لانخفاض التحويلات، ويأتي ذلك في اطار موجة من التضخم الذي يعاني منه معظم دول العالم ومن بينها الدول الرئيسية التي يتوطن بها المصريين في الخارج. يضاف إلى ذلك الإجراءات الخليجية ( وبخاصة من السعودية) والمتعلقة بزيادة رسوم الإقامة للعامل وأسرته، الأمر الذي استهلك نسبة لا يستهان بها من دخول العدد الأكبر من المصريين العاملين في تلك الدول.
  • إنهاء عقود عمل الآلاف بالخليج، وحصولهم على مكافآت نهاية الخدمة، وتصفية أعمالهم، ما ظهر في الارتفاع الكبير للأموال التي عادت مع المصريين العائدين من الخارج بين عامي 2021 و2022، ثم كان الانخفاض بداية من العام الماضي منطقيا لاستمرار انخفاض تلك الأعداد وعدم العمل( إهمال) على إيجاد أسواق عمل بديلة، لا سيما في ظل الاحتياج الأوروبي الكبير للأيدي العاملة.
  • بعض المبادرات الحكومية لتشجيع المصريين على التحويل جاءت بنتائج عكسية، ومثال ذلك مبادرة إدخال سيارات المغتربين، التي دفعت مصريين لتأجيل قرار التحويل إلى حين العودة بسياراتهم لدفع رسومها الجمركية، حيث تشير الإحصائيات إلى أن هذه المبادرة حبست نحو 800 مليون دولار([21]).
  • 5-      إلغاء شهادات الاستثمار البنكية ذات العائد المرتفع وتحول سعر الفائدة إلى سلبى في ظل موجة التضخم المستعر. ومن الجدير بالذكر أن  شهادات الاستثمار البنكية ذات العائد المرتفع، وعلى الرغم من سلبية سعر الفائدة، كانت تجذب شريحة من المصريين من العاملين في الخارج، وبغيابها تأثرت التحويلات بالسلب، لأنه لا توجد أوجه استثمار آمنة ومضمونة بنسبة 100 بالمائة مثل هذه الشهادات.

وربما هذا ما دفع الحكومة المصرية حاليا لدراسة إنشاء شركات تطرح أوجه استثمار مخصصة لجذب المصريين في الخارج، وهذه الشركات تعكف على التنسيق بشأنها عدة جهات، هي وزارة الهجرة وشؤون المصريين في الخارج، ووزارة التجارة والصناعة، والهيئة العامة للاستثمار، وصندوق مصر السيادي وجهات أخرى([22]).

ويجري النقاش البرلماني حاليا حول تحفيز تحويلات المغتربين في الأسواق الناشئة([23])، من خلال إصدار ما يُعرَف بـ”سندات الشتات”، حيث تقوم الحكومة بإصدار سندات تستهدف المصريين في الخارج، على غرار السندات السيادية التى يتم طرحها للمؤسسات الاستثمارية الأجنبية. كما يجب أن تعفي الحكومة تحويلات المصريين في الخارج من أى ضرائب أو رسوم على عمليات التحويل، بما يسهم في خفض تكلفة التحويل.

  • اضطراب وركود سوق العقارات، لا سيما في ظل فشل المطورين العقاريين في استكمال مشروعاتهم بسبب انهيار قيمة الجنيه المصري وتأثير ذلك على ارتفاع أسعار مستلزمات البناء. وتجدر الإشارة إلى أن مشتريات العقارات والبناء كانت تاريخيا من أهم أوجه إنفاق المصريين بالخارج لتحويلاتهم.
  • ترقب حدوث انخفاض أكبر لسعر صرف الجنيه أمام الدولار، فمن المتوقع، في ظل استمرار الأزمة الراهنة بل واحتدامها، لا سيما في ظل إلغاء صندوق النقد الدولي المراجعة المعتادة لبرنامجه مع مصر، وتأجيل الدفعة الثانية من القرض الأخير، واستمرار الأزمة مع المقرضين العرب، وفشل برنامج بيع الأصول، وكلها إشارات يدعمها الواقع باستمرار تهاوي سعر صرف الجنيه وربما تزايد وتيرة هذا التهاوي خلال الأشهر القليلة المقبلة، وكلها أمور تدفع العاملين في الخارج إلى تأجيل قرارات التحويل أو نسبة منها على الأقل للاستفادة بكميات أكبر من الجنيه التي سحقت قوته الشرائية. 

أما عن تداعيات تراجع التحويلات، فباختصار فإنه يشكل ضغطا مستمرا على الاحتياطي الدولاري لدى مصر، فإما أن يتآكل أو تلجأ الحكومة وبصورة مؤقتة لاستنزاف ودائع البنوك التجارية بالعملات الأجنبية كما تم تناول ذلك سابقا.

ولا شك أن تآكل الاحتياطي النقدي سيؤدي لارتفاع الأسعار وزيادة التضخم، وانخفاض مستوى معيشة المصريين وتفشي المزيد من الفقر الذي من المنطقي أن يصل لمستويات غير مسبوقة، وتفاقم الأزمة الاقتصادية وتعقد الحلول التي يمكن أن تساهم في التخفيف من آثارها.

كما أن استمرار تراجع التحويلات سيفاقم حالة العجز عن تلبية احتياجات المصريين من السلع الأساسية، وكذلك العجز عن إدخال مستلزمات الإنتاج في الموانئ، وهى الحالة التي خنقت الاقتصاد المصري خلال الأشهر الماضية وتسببت في هروب العديد من الشركات المصرية والأجنبية إلى الأسواق المنافسة المستقرة.

وتجدر الإشارة كذلك أن استمرار انخفاض التحويلات وبنسب كبيرة سيفاقم من احتمالية التعثر في سداد الديون سواء للحكومة أو للهيئات التابعة لها، والتي دفعتها الحكومة للاقتراض بالعملات الأجنبية رغم أن دخلها بالعملة المحلية، كل ذلك بالإضافة إلى تفاقم أرقام الدين المحلي وتزايد أعباء خدمته من الأقساط والفوائد وتزايد عجز الموازنة، وكذلك التعثر في تحقيق النسبة المستهدفة من أعباء خدمة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالي.

ولا يفوتنا في ذلك التنبيه على الأثر السلبي لانخفاض التحويلات على معدل النمو، فالتحويلات تشكل 7% من الناتج المحلى، وتعمل بفعل مضاعف الاستثمار والتشغيل على ضخ سيولة كبيرة جديرة بمزيد من تدوير الاقتصاد الذي يئن تحت وطأة الركود الاقتصادي، خاصة في ظل رفع البنك المركزي لأسعار الفائدة، وبذلك فإن افتقاد نسبة من التحويلات يعني المزيد من تراجع معدل النمو, الذي من المتوقع تراجعه بفعل أزمات عديدة داخلية وخارجية، كما تواترت تقديرات المؤسسات المختلفة مؤخرا، وسيزيده انخفاض التحويلات هبوطا، وهو الأمر الذي يعني عدم القدرة على خلق فرص عمل تتناسب مع الأعداد الجديدة الوافدة إلى سوق العمل، فضلا عن استيعاب العاطلين حاليا، أو المرحلين من دول الخليج. 

  •  عائدات قناة السويس: يستمر التصاعد الملحوظ لإيرادات قناة السويس خلال الفترة الأخيرة، حيث صعدت الإيرادات بنهاية شهر ديسمبر 2022، مقتربة من حاجز الـ8 مليارات دولار سنويا، بزيادة نحو 25% عن عائد 2021، وذلك بالتزامن مع ارتفاع عدد السفن المارّة في القناة إلى 23 ألفاً و583 سفينة.

حققت إيرادات الملاحة خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط نحو 1.5 مليار دولار مقابل 1.1 مليار دولار خلال المدة نفسها من 2022 بنسبة زيادة قدرها 41.6%، بفارق 454.6 مليون دولار، وصرحت إدارة القناة إن إيراداتها سجلت 802 مليون دولار في يناير 2023، محققة أعلى إيراد شهري في تاريخها([24]).

وكشف بيان للرئاسة المصرية، عن ارتفاع إيرادات قناة السويس بنحو 35% في الربع الأول من 2023، إلى 2.3 مليار دولار خلال الربع الأول من العام 2023، مقارنة بالربع الأول من العام الماضي([25]).

ومن الجدير بالذكر أن إيرادات القناة قد ارتفعت خلال الفترة من 2016 إلى 2022 محققة إجمالي إيرادات قدرها 41.7  مليار دولار، مقابل 35.4 مليار دولار خلال الأعوام( 2008 _ 2014)، بنسبة زيادة بلغت 17.8%([26])، وعلى الرغم من تباهي السلطة بتلك الزيادة إلا أنها زيادات( أقل من 6 مليار دولار) لم تسدد فاتورة حفر التفريعة الجديدة والمقدرة بحوالي 9 مليار دولار تقريبا، كما أن معظمها يعود لارتفاع سعر النولون عالميا.

وتجدر الإشارة إلى أن ثلث إيرادات القناة فقط يذهب إلى الموازنة العامة للدولة بينما ثلثي إيراداتها لا يعرف على وجه التحدي أين تنفق، وذلك وفقا لأرقام الموازنة العامة المعلنة عبر موقع وزارة المالية.

وعموما يمكن القول أن الزيادات الطارئة على إيرادات القناة على الرغم من أهميتها محدودة للغاية مقارنة بالاحتياجات المصرية للنقد الأجنبي بصفة عامة، وهو الأمر الذي يبقي أوضاع العوز الدولاري على حالها.

رابعا: الخلاصة

يشير الاستعراض السابق لدلالات تخفيض التصنيف الائتماني لمصر ولبعض البنوك المصرية، وكذلك لأوضاع مصادر النقد الأجنبي التي تعتمد عليها الدولة في الحصول على العملة الأجنبية، وهو العامل الأهم الذي سيؤثر على مستقبل الاقتصاد المصري في المدى المنظور، إلى الاستنتاجات التالية:

  1. زاد تخفيض التصنيف الائتماني وبشدة من احتمالية التعرض القريب للإفلاس.
  2. تخفيض التصنيف الائتماني للبنوك الكبري المصرية رجّح صحة فرضية إجبار الحكومة للبنوك الكبري على بيع عملاتها الأجنبية، كبديل عن استنزاف احتياطي البنك المركزي، الأمر الذي تسبب في استمرار تآكل أصول الجهاز المصرفي بالعملة الأجنبية. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة لم تجبر بنك القاهرة  على  بيع عملاته الأجنبية للحفاظ على تصنيفه الائتماني استعداد لطرحه للبيع.
  3. كنتيجة لاستمرار السياسات النقدية العالمية المتشددة، وكذلك لارتفاع نسبة التضخم في مصر بما يجعل معدل الفائدة الحقيقي بالسالب بمقدار كبير، لن تعود الأموال الساخنة إلى مصر فيما تبقى من العام الحالي وعلى الأرجح خلال النصف الأول من العام القادم.
  4. تكاد تكون أبواب القروض الخارجية من كافة مصادرها ( فيما عدا الصكوك الاسلامية) موصدة في وجه الدولة المصرية.
  5. لم يتعافَ القطاع السياحي المصري من أزمة كورونا بشكل كاف حتى الآن، وتشير التقارير الدولية بعودته إلى سابق عهده خلال العام الحالي وليس تحسنه عما كان عليه قبل الوباء.
  6. 6-      أضحت صادرات الغاز الطبيعي المصرية رقما هاما يمكنه أن يساهم في  سد ثغرة الميزان التجاري، إلا أن هناك العديد من علامات الاستفهام عما يدخل حقيقة من هذا العائد لخزانة الدولة.
  7. انخفضت تحويلات المصريين من الخارج بشكل حاد خلال العام الماضي والشهور الفائتة من العام الحالي، ويعود ذلك للعديد من الأسباب وفي مقدمتها استمرار السعر المرتفع للصرف في السوق الموازية والتوقع بالمزيد من خفض الجنيه وضبابية المشهد الاقتصادي المصري بصورة عامة. وتوجد العديد من التداعيات السلبية لانخفاض تحويلات العاملين في الخارج على الاقتصاد المصري، منها تآكل الاحتياطي الأجنبي، وتآكل الودائع بالعملات الأجنبية في البنوك التجارية، وانتشار الفقر، وتراجع معدل النمو، وترجيح حالة التعثر في سداد مدفوعات القروض الخارجية، علاوة على تزايد أعباء الديون الداخلية.
  8. خلال ست سنوات بعد افتتاح تفريعة قناة السويس كان مجمل الزيادة، التي وصفت من السلطة بالقياسية، أقل من 6 مليار دولار، وهو ما لا يكفي لسداد حتى تكلفة الحفر. ورغم ارتفاع إيرادات قناة السويس، إلا أنه لن يؤثر بصورة تذكر على العجز في ميزان المدفوعات.
  9. أظهرت بالتالي دراسة المصادر المتاحة للعملة الأجنبية في مصر أنها انخفضت بشكل حاد، بما يجعل الفجوة الدولارية تزداد اتساعا، ولم يترتب على زيادة بعض المصادر مؤخرا من عائد بيع الغاز الطبيعي أو السياحة أو عائدات قناة السويس أي تقليل لهذه الفجوة، حيث يكاد الانخفاض في تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال العامين الماضي والحالي بنحو 25% يأكل جميع هذه الزيادات. ويبقى انتهاء أية قدرة تذكر على الاقتراض من جديد أو جذب الأموال الساخنة، أو حتى بيع بعض أصول الدولة، دافعا لتزايد الفجوة الدولارية بشكل مستمر.

خاتمة

نظرا لعدم قدرة الدولة في مصر على الحصول على العملة الأجنبية من مصادرها المختلفة بما يؤثر بأي شكل إيجابي على سد الفجوة الدولارية القائمة، فإن الاقتصاد المصري يمر بأزمة اقتصادية هي الأشد والأخطر خلال تاريخه الحديث، ولا توجد أية مؤشرات حقيقية وجادة على تعافيه القريب منها. ولا تزال أوراق اللعبة بالكامل في أيدي دول الخليج والمؤسسات الدولية، وهم فقط من سيحددون هل سيعلن إفلاس الاقتصاد المصري أم لا، ومتى سيكون تاريخ مثل هذا الإعلان؟

ويبدو أن سياسة الدولة في المرحلة الراهنة، وحتى نهاية السنة المالية الحالية في أخر يونيو 2023، ستكون الإبقاء على السياسات المالية والنقدية كما هي، فلا يتم رفع نسبة الفائدة، ولا يتم تحريك سعر الصرف في البنك المركزي، حتى ينتهي العام المالي دون ارتفاع العجز في الموازنة عن الوضع الحالي. هذه السياسة تعني عدم الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي وبالتالي لن تتم المراجعة المرتقبة للاتفاق ولن تحصل مصر على الشريحة الثانية من القرض، وتعني أيضا عدم القدرة على رأب صدع الفجوة الدولارية، كما سيستمر التضخم المرتفع وستزداد الفجوة بين سعر الدولار الرسمي وسعره في السوق الموازية. الأهم من ذلك أن احتمالات تخلف مصر عن سداد التزاماتها الخارجية سيزداد خلال الشهرين القادمين، وسيستمر التوجه نحو المزيد من خفض التصنيف الائتماني لمصر وتتصاعد الضغوط السياسية والاقتصادية المترتبة على ذلك.

من غير الواضح الآن كيف ستكون توجهات الدولة بعد انتهاء السنة المالية، وهل سترضخ للضغوط الخارجية في نهاية المطاف، فتخاطر بانعكاسات ذلك داخليا على ارتفاع الأسعار إذا تم خفض سعر الجنيه، أم ستقرر مواجهة تلك الضغوط وتبدأ في سياسة جديدة بالامتناع عن سداد أقساط الديون؟


[1] ) خفض تصنيف مصر الائتماني للمرة الأولى منذ 10 سنوات.

[2] ) Moody’s placesEgypt’s B3 ratings onreviewfordowngrade, 09 May 2023,

[3] ) “فيتش” تخفض تصنيف مصر الائتماني إلى “ب” مع نظرة مستقبلية سلبية

[4] ) من مستقرة إلى “سلبية”.. ستاندرد آند بورز تعدّل النظرة المستقبلية لمصر

[5] ) وكالة دولية تخفض التصنيف الائتماني لأكبر 3 بنوك مصرية

[6] ) موديز تخفض التصنيف الائتماني لخمسة بنوك مصرية

[7] ) عجز صافي الأصول الأجنبية يقفز 6% لـ 24.4 مليار دولار في مارس

[8] ) موديز تضع تصنيف 5 بنوك مصرية قيد المراجعة

[9] ) “فيتش” تخفض تصنيف ائتمان الودائع طويلة الأجل لأكبر 4 بنوك مصرية

[10] ) الفيدرالي الأمريكي يتوقع مواصلة رفع سعر الفائدة لمكافحة التضخم

[11] ) البنك المركزي يثبت سعر الفائدة

[12] ) البنك المركزي المصري: معدل التضخم في مصر

[13] ) ارتفاع صاروخي في تكلفة التأمين على ديون مصر وسط مخاوف خفض الجنيه

[14] ) الصكوك الإسلامية: مصر تلجأ إلى طرحها بفائدة عالية لسداد ديون مستحقة

[15] ) توقعات ببدء تعافي السياحة المصرية في 2023 بعد موجة الركود

[16] ) صادرات مصر من الغاز تقفز 171% إلى 8.4 مليار دولار في 2022

[17] ) مصر الخامسة.. تعرف على أعلى 10 دول تلقت تحويلات من الخارج في 2021

[18] ) ميزان المدفوعات المصري: تحويلات العاملين بالخارج تهوي.. وإيرادات السياحة تقفز

[19] ) ميزان المدفوعات المصري: تحويلات العاملين بالخارج تهوي.. وإيرادات السياحة تقفز

[20] ) ميزان المدفوعات المصري: تحويلات العاملين بالخارج تهوي.. وإيرادات السياحة تقفز

[21] ) تراجع تحويلات المصريين بالخارج.. الأسباب والتداعيات

[22] ) دراسة تأسيس شركة للمصريين بالخارج للاستفادة من الفرص الاستثمارية

[23] ) تحذيرات برلمانية لـ4 وزراء: لا يقل خطورة عن تأثير خروج الأموال الساخنة

[24] ) إيرادات قناة السويس تسجل قفزة كبيرة في أول شهرين من 2023

[25] ) ارتفاع إيرادات قناة السويس 35% إلى 2.3 مليار دولار في الربع الأول

[26] ) قناة السويس تحقق أعلى إيرادات وأرقام قياسية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close