عسكرة إدارة وزارة النقل المصرية: المظاهر والآثار
أثارت واقعه وفاة راكب قطار وإصابة أخر بسبب ثمن “تذكرة القطار” تساؤلات حول طريقة إدارة وزارة النقل . تضاف لها التصريحات الإعلامية من محمود بدر عضو مجلس النواب حول تحرك قطار بدون سائق في محطة شبين القناطر، وغيرها من التصريحات والوقائع أسئلة حول ع المسؤلين عن إدارة هذا الخدمة العامة التى تمس حياة المواطن العادي بشكل مباشر وما هي سياستهم في إدارته. في نفس هذا السياق، قال البعض أن تعيين كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية السابق وزير للنقل تساؤلات مهمة حول ظاهرة العسكرة في مصر، واعتبره البعض توجها نحو عسكرة وزارة النقل. وعلى العكس من ذلك، فإن الباحث يعتقد أن هذا القرار امتداد لظاهرة العسكرة وتكريسا لها وليس تحولا أو توجها نحو العسكرة.
فوزارة النقل من أولى الوزارات التي تم عسكرتها، وكامل الوزير ليس هو الوزير العسكري الأول لوزارة النقل في عهد السيسي، فهناك اللواء سعد الجيوشي الذي تولى حقيبة النقل في 19 سبتمبر 2015، كما أن رئيس هيئة السكة الحديد الحالي المهندس أشرف رسلان جاء إلى المنصب عقب إقالة السابق اللواء مدحت شوشة تم استبعاده عقب حادث قطاري الاسكندرية في 13 أغسطس 2017، والذي جاء على خلفية إقالة اللواء أحمد حامد الرئيس الأسبق للهيئة في مارس 2016.
ومن الجدير بالذكر أنه عند الفشل في المهام يتم استبدال مسؤول عسكري بعسكري آخر، وهو ما يمكن وصفه بأنه عدم اكتراث وإصرار على استمرار منظومة الفشل، والأمثلة كثيرة، فمثلا شركة القاهرة للعبارات، ظل اللواء حسين الهرميل رئيسا لمجلس الشركة منذ إنشائها عام 2008 وحتى تمت إقالته عام 2017 بسبب خسائر وديون الشركة، وتم تعيين اللواء شريف الخرش بدلا منه، ثم قام كامل الوزير بإقالة الخرش في مايو من العام الجاري لنفس السبب وهو استمرار الخسائر، وتعيين اللواء بحري محمد طلعت خلفا له.
وتسعى الدراسة إلى رصد مظاهر عسكرة الإدارة ومواقع صنع القرار بقطاعات وزارة النقل، والتعرف على الأسباب التي ساهمت في إضفاء الطابع العسكري على وزارة النقل، كذلك مناقشة الإشكاليات المترتبة على استدعاء قيادات من خارج المؤسسة لإدارتها، وأثر ذلك على الكوادر البشرية الموجودة بالوزارة، وعلى قرارات المسؤولين القادمين من خارج المؤسسة، كذلك دراسة أثر سيطرة قيادات من فصيل واحد على مقاليد الإدارة داخل أي مؤسسة، وأثر سيطرة قيادات عسكرية على مؤسسة مدنية من حيث المساءلة وصنع القرار.
السؤال البحثي الرئيس لهذه الدراسة:
إلى أي مدى تم عسكرة الإدارة وصنع القرار داخل وزارة النقل؟ وهل ساهمت هذه العسكرة في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين؟
مدخل الدراسة:
“تفترض الدراسة أن هناك تعارضا بين هدفين أحدهما معلن وهو تيسير حركة النقل (الهدف الغطاء)، وهدف أخر كامن/ مستتر وهو التحكم والسيطرة على الطرق الرئيسة التي تشكل منافذ الإمداد والتموين للسلع الأساسية، بما يضمن للقوات المسلحة الظهور بمظهر المنقذ وقت الأزمات، كذلك اتخاذ إجراءات تحكم عقابي وقت الاضطرابات – كما حدث أثناء ثورة يناير – تتيح هذه الطريقة للنظام الحاكم استخدام سياسات تقطيع الأوصال إذا احتاج إليها، بما يعني ضمان سيطرة النظام السياسي على الحركة والتنقل ومنع حركة أجزاء محددة وفصلها عن باقي المناطق، إذا كانت هذه الأجزاء تسبب له مشاكل أو يحدث بها اضرابات”.
أولا: الهيكل التنظيمي لوزارة النقل، والهيئات التابعة لها.
ينقسم الهيكل التنظيمي لوزارة النقل إلى ثلاثة أقسام رئيسة وهي (الهيكل الإداري- الهيئات الخدمية- الهيئات الاقتصادية)، وفيما يلي عرض موجز لتلك الأقسام الثلاثة:
1- الهيكل الإداري
ينقسم الهيكل الإداري إلى قسمين:
ديوان عام وزارة النقل:
وهو مقر إدارة منظومة النقل يرأسه وزير النقل، ويشتمل على قطاعين أساسيين وهما (قطاع التشغيل والموازنة، قطاع الهيئات والشركات). ويوجد أربع إدارات مركزية وهي (إ.م لتأمين وسلامة النقل بالسكك الحديدية- إ.م لشئون الرقابة وتأمين المرافق- إ.م لشئون الأمانة العامة- إ.م لشئون مكتب الوزير[1]).
شكل رقم (1): الهيكل التنظيمي لديوان عام الوزارة، نقل عن الموقع الرسمي للوزارة.
قطاع النقل البحري.
ويتشكل من رئيس قطاع النقل البحري والإدارات التابعة له، وهي (إ.ع للشئون القانونية- إ.ع للعلاقات العامة- إ.ع للأمن- إ.ع للتنظيم والإدارة- إ.ع لخدمة المواطنين- بنك معلومات قطاع النقل البحري)، ثم أربع إدارات مركزية وهي (إ.م لشئون التخطيط- إ.م لشئون النقل البحري- إ.م لشئون المونيء والمنائر- إ.م لشئون الأمانة العامة[2]).
شكل رقم (2): الهيكل التنظيمي لقطاع النقل البحري، نقلا عن الموقع الرسمي.
وهو منوط بالآتي:
- إعداد الإستراتيجية العامة لجميع موانى الجمهورية وعرضها على المجلس الأعلى للموانئ لمراجعتها واعتمادها ومتابعة تنفيذ قرارته وتوصياته.
- وضع الخطط والسياسات العامة في مجال النقل البحرى واللوجستيات بالتنسيق مع هيئات المـوانى والهيئـة المصرية لسلامـة الملاحـة البحريـة والجهات المعنية بالدولة ومتابعة تنفيذها.
- دعم مشروعات إنشاء الموانى وتطويرها والدراسات والبحوث في مجال النقل البحرى والخدمات السيادية التى تتطلبها مصلحة الأمن القومي.
إضافة إلى مهام أخرى يمكن الاطلاع عليها على موقع قطاع النقل البحري[3].
2- الهيئات الخدمية
- هيئة تخطيط مشروعات النقل
- المعهد القومي للنقل
- الهيئة العامة للطرق والكباري والنقل البري
- الهيئة العامة للنقل النهري
- الهيئة القومية للأنفاق
3- الهيئات الاقتصادية
- الهيئة القومية لسكك حديد مصر
- الهيئة العامة للموانئ البرية والجافة
- هيئة ميناء الإسكندرية
- هيئة موانئ البحر الأحمر
- هيئة موانئ دمياط
- الهيئة العامة لسلامة الملاحة البحرية.
ثانيا: مظاهر عسكرة قطاع النقل بمصر.
1- العسكرة في عهد المجلس العسكري
بدأت ظاهرة العسكرة مبكرا في عهد المجلس العسكري بقيادة طنطاوي بداية من عام 2011، وقد رصدت جريدة الوطن في الأول من مايو انتشار القيادات العسكرية بالدواوين والهيئات المدنية. ووفقا لتحقيق الوطن – والذي لم ينفه المجلس العسكري الحاكم آن ذاك- فقد أكد التحقيق أنه تم انتداب 20 من القيادات العسكرية العاملين والمتقاعدين لإدارة وزارة النقل، وأشار إلى أن رجال البحرية يحتكرون رئاسة الموانئ المصرية، وتابع التحقيق: “وزارة النقل من الوزارات التي لها نصيب كبير من رجال الجيش حيث يتولى 20 لواء وعميدا سابقا مناصب قيادية في الوزارة وخاصة قطاع النقل البحري الذي يترأسه (بالإنابة) اللواء بحري السيد حامد هداية إلى جانب عمله رئيسا لهيئة ميناء الإسكندرية، ومن الرئيس إلى نائبه اللواء بحري عادل ياسين حماد الذي تسلم وظيفته كنائب لرئيس هيئة ميناء الإسكندرية تنفيذا لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1368 لسنة 2011، وبالمثل فإن رؤساء هيئات موانئ دمياط والبحر الأحمر وغيرها عاملون سابقون في القوات البحرية. أما أبرز العسكريين في ديوان الوزارة هم اللواء محمد عصام الفقى رئيس الإدارة المركزية لشئون مكتب الوزير، واللواء حسن موسى مدير الشئون الإدارية بمكتب وزير النقل منذ عامين بعد خروجه من سلاح الإشارة بالقوات المسلحة، ثم العميد جمال حجازى الذي يشغل حاليا نائب رئيس هيئة تخطيط مشروعات النقل، وأخيرا اللواء مهندس أحمد بدر محروس عرب – مستشار وزارة النقل للطرق والكبارى- وخدم سابقا في سلاح المهندسين وكان مدير إدارة المساحة العسكرية بالقوات المسلحة وخرج على المعاش منذ 3 سنوات ثم التحق بوزارة النقل. أما الشريان الرئيسي للاقتصاد المصري: قناة السويس، فلم تعرف تجديد الدماء لمدة 16 عاما، حيث تم اختيار الفريق أحمد فاضل لتولى رئاسة هيئة قناة السويس في عام 1996، بعد أن ترك منصبه كقائد للقوات البحرية وحصل على الترقية لرتبة فريق عام 1991 ثم عين رئيسا للقناة عام 2012[4]“.
2- عسكرة هيئة قناة السويس.
هيئة قناة السويس هيئة عامة مستقلة تتمتع بشخصية اعتبارية أنشئت في 26 يوليو 1956. تتبع هيئة قناة السويس رئيس مجلس الوزراء، والهيئة لها في سبيل إدارة المرفق جميع السلطات اللازمة لهذا الغرض دون التقيد بالنظم والأوضاع الحكومية.
تولى رئاسة مجلس إدارتها منذ التأميم وحتى الآن سبعة رؤساء مجلس إدارة، أولهم والذي تولى لمدة عام واحد فقط في الفترة من (26 يوليو 1956 وحتى 9 يوليو 1957)، وهو المدني الوحيد الذي تولى مجلس إدارة الهيئة، وخلفه ست قيادات عسكرية هم: (محمود يونس 1957- 1965- مشهور أحمد مشهور 1965- 1983- محمد عزت عادل 1984 – 1995- الفريق. أحمد على فاضل 1996 وحتى 2012- الفريق. مهاب محمد حسين مميش 2012- 2019- الفريق أسامة منير محمد ربيع (12 أغسطس 2019- حتي الآن[5].
ومن العرض السابق يتبين أن المدني الوحيد الذي تولى منصب رئيس مجلس إدارة الهيئة بيع التأميم عام 1956 لم يمكث في منصبه سوى عام واحد فقط، ثم تلاه ثلاثة مهندسين عسكريين حتى عام [6]1996، ثم أصبح المنصب حكرا على قائد القوات البحرية ابتداء من الفريق فاضل مرورا بمميش وصولا إلى رئيس مجلس الإدارة الحالي أسامة ربيع.
3- مظاهر العسكرة في عهد السيسي.
في أغسطس 2017 بعث الأستاذ عبد الناصر سلامة[7] شكوى لرئيس الجمهورية ينذره من خطر عسكرة وزارة النقل، وقام بتحديد 22 مسؤولا بوزارة النقل قادمين من المؤسسة العسكرية لإدارة المواقع القيادية العليا بوزارة النقل، وهم:
١- اللواء مدحت شوشة.. رئيس هيئة السكك الحديدية، الذى استقال في أعقاب حادث القطار الأخير.
٢- اللواء طارق غانم: رئيس قطاع النقل البحرى.
٣- اللواء عادل ترك: رئيس هيئة الطرق والكبارى.
٤- اللواء أشرف حجاج: مدير الإدارة العامة للمراسم بالوزارة.
٥- العميد أحمد سعيد: مدير الإدارة المركزية لديوان الوزارة.
٦- اللواء خالد حمدى: مستشار الوزير للرعاية والتأمين.
٧- العميد محمد حسن: مدير مركز الأزمات بالوزارة
٨- اللواء سامى محمد: مستشار بمركز الأزمات.
٩- اللواء محمد قناوى: مستشار الوزير للتشغيل والموازنات.
١٠- اللواء محمد الشناوى: رئيس الإدارة المركزية للشؤون القانونية، مع أنه غير مسجل بنقابة المحامين، ولا يحق له تولى المنصب.
١١- العميد ممدوح قريش: رئيس الإدارة المركزية للمنشآت والمحطات.
١٢- اللواء رفعت حتاتة: رئيس مجلس إدارة شركة الخدمات المتكاملة والنظافة بالسكة الحديد.
١٤- اللواء محمد نصر الله: رئيس شركة عربات النوم.
١٥- العميد خالد عطية: رئيس مجلس إدارة شركة تكنولوجيا المعلومات.
١٦- اللواء طارق جمال الدين: رئيس الهيئة القومية للأنفاق.
١٧- اللواء مجدى بدوى: مدير عام الأمن بالهيئة القومية للأنفاق.
١٨- اللواء أحمد شكرى: مدير عام الأمن بالشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الأنفاق.
١٩- اللواء رضا إسماعيل: رئيس هيئة النقل النهرى.
20 – اللواء فؤاد عثمان: رئيس هيئة الموانئ البرية.
21- اللواء خالد زهران: رئيس هيئة السلامة البحرية.
22- اللواء رشدى عبد الرحيم: رئيس الشركة القابضة للطرق والكبارى.
وأشار سلامة إلى أن هناك عسكريين آخرين لكنه يريد ألا يطيل في الحديث وأن نواب هؤلاء المسؤولين في معظمهم من العسكريين[8].
قطاع الموانئ:
1- اللواء هشام أبو سنة رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لموانئ البحر الأحمر.
2- اللواء أيمن صالح رئيس هيئة ميناء دمياط.
3- اللواء مدحت عطية رئيس الهيئة العامة لميناء الإسكندرية.
4- اللواء أحمد سالم رئيس ميناء الدخيلة.
5- اللواء جمال رمضان رئيس الإدارة المركزية للمناطق.
6- اللواء خالد سليمان رئيس قطاع الحركة.
7- اللواء فتحي طه رئيس هيئة موانئ بورسعيد.
شركة القاهرة للعبارات
ظل اللواء حسين الهرميل رئيسا لمجلس الشركة منذ إنشائها عام 2008 وحتى تمت إقالته عام 2017 بسبب خسائر وديون الشركة، وتم تعيين اللواء شريف الخرش بدلا منه، ثم قام كامل الوزير بإقالة الخرش في مايو من العام الجاري، وتعيين اللواء بحري محمد طلعت خلفا له.
أخيرا، ينبغي التذكير أن أهم مظاهر العسكرة تتمثل في تكليف وزيرين ذوي خلفية عسكرية على رأس وزارة النقل وهما اللواء سعد الجيوشي والفريق كامل الوزير خلال فترة حكم السيسي.
ثالثا: أسباب عسكرة وزارة النقل
هناك عدة أسباب ساهمت في عسكرة وزارة النقل بهذا الشكل الكبير وهي:
- هيمنة القوات البحرية على قطاع النقل البحري وإدارة الموانيء، بالإضافة إلى السيطرة على قناة السويس، واحتكار مجال العمل في قطاع النقل البحري، وهو ما دفع وزارة النقل لتأسيس شركة مثل القاهرة للعبارات والتي يديرها لواءات متقاعدين من القوات البحرية.
- أن قطاع النقل يتطلب أن يكون شاغل وظائف القيادة العليا من الحاصلين على بكالوريوس الهندسة، وهذا الشرط متوفر في الضباط خريجى كلية الفنية العسكرية، وهو ما جعل النقل ملاذا للوءات الجيش المتقاعدين من الحاصلين على بكالوريوس الهندسة من الكلية الفنية العسكرية التي تخرج مهندسين عسكريين.
- يعتقد العسكريون المهيمنون على نظام الحكم في مصر أن السيطرة على مجال النقل بشكل عام سواء كان نقل بري أو بحري أو جوي من اختصاصات الأمن القومي، وبالتالي فإن إدارة الطرق ومترو الأنفاق والموانيء والسكة الحديد تضمن سيطرة القوات المسلحة على تلك المرافق الحيوية وقت الاضطرابات الداخلية، وهو ما يعني أن التوجهات الاستراتيجية للقيادة الحالية ترى أن الخطر على القوات المسلحة يأتي من الداخل من خلال انتفاضات شعبية محتملة تندد بالحكم العسكري، وبالتالي فإن السيطرة العسكرية على المرافق تضمن للقوات المسلحة التدخل السريع لمواجهة تلك المخاطر المحتملة.
- بزنس النقل: وجود قيادات عسكرة بوزارة النقل يساهم في سيطرة القوات المسلحة على مشروعات الوزارة خصوصا في مجالات تشييد الطرق وإنشاء الكباري والمحاور مثل محور روض الفرج، وتحقق القوات المسلحة أرباحا كبيرة جراء تنفيذ وإدارة الطرق الجديدة التي تم إنشاؤها مؤخرا، فعلى سبيل المثال قامت هيئة الطرق والكبارى بالتعاقد مع الشركة الوطنية لإنشاء وتنمية وإدارة الطرق، التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية بوزارة الدفاع، لإدارة وتشغيل طريق “شبرا– بنها” الحر، بعد انتهاء تنفيذه مقابل 40% من إيرادات الرسوم والإعلانات، كما أن العقد ينص على أن تحصل هيئة الطرق على 60% من إيرادات الطريق التى ستحصلها الشركة الوطنية[9].
- ترضية العسكريين المحالين للتقاعد، التواجد العسكري المكثف بوزارة النقل يساهم بشكل كبير في ترضية العسكريين المحالين للتقاعد، وذلك نظرا لحصولهم على رواتب كبيرة جراء المناصب التي يعملون بها بوزارة النقل، بالإضافة إلى المعاشات المرتفعة والمزايا التي يحصلون عليها من وزارة الدفاع.
- استيعاب أعداد كبيرة من ضباط الصف المحالين للتقاعد عند سن الأربعين في مجال العمل المدني الحر من خلال التعاقد للعمل في الطرق الحرة الجديدة التي يسيطر على ادارتها القوات المسلحة.
- تحقيق أرباحا من خلال فرض رسوم على الطرق الجديدة والمعروفة شعبيا باسم طريق الجيش أو الطرق الحرة مثل الطريق الإقليمي (بنها- شبرا الخيمة) وطريق القاهرة الأسكندرية الصحراوي.
رابعا: تقييم السياسات.
سيتم تقسيم تقييم السياسات إلى ثلاثة محددات وهي (مفهوم الخدمة العامة لدى العسكر – أثر سيطرة العسكر على إدارة منظومة النقل- قياس مؤشرات الأداء).
1- هدف الخدمة العامة:
تعد خدمات النقل من أنواع الخدمة العامة التي تتولى الدولة تقديمها للمواطن وتعمل على ضمان استمرارها وتطوير وضمان جودة الخدمات المقدمة للمواطن، وتخصيص جزء من الميزانية العامة للدولة لدعمها، أوبر والنقل العام خلل التفكير في الخدمة العامة، ويكون معيار النجاح هو تلبية احتياجات الطبقات المهمشة والفقيرة، وشمول أكبر عدد ممكن من المواطنين بالتغطية.
وقد جاء خطاب عبد الفتاح السيسي عن الخدمة العامة وبالأخص في مجال النقل معبرا عن توجها جديدا، ويمكن رصد هذا التحول من خلال المقولات التالية:
تبني مفهوم خصخصة خدمات النقل.
فقد تسائل السيسي في أحد خطاباته عن نجاح شركة أوبر وفشل النقل العام في القاهرة، مؤكدا أن السبب هو (عدم الجدية – سوء الإدارة)، وأن السبب في الفشل هو الجميع في إشارة إلى الشعب والحكومة، كما أشار إلى فشل قطاعي السكة الحديد والموانئ أيضا[10].
تحرير الخدمة.
تحدث السيسي عن أنه لا يقدم أي خدمة مجانية (أنا ما عنديش حاجة اسمها ببلاش[11])، كما أشار إلى أنه لن يرفع سعر خدمات السكة الحديد إلا بعد تطوير الخدمة[12].
عدم جدوى الانفاق في مجال النقل.
أنا لو عندي 10 مليارات جنيه وضعتهم في البنك يجيوا فوائد مليار جنيه في السنة أو 2 مليار على الوضع الجديد لسعر الفائدة، والعائد من السكة الحديد لا يتخطى الـ 2 مليار سنويا وتنفق 4 مليارات[13] .
ويظهر هنا منطق الحسابات التجارية أو المردود الاستثماري للخدمة، دون النظر إلى ثلاثة محددات في غاية الأهمية بالنسبة لصنع السياسات في مجال الخدمة العامة، وتلك المحددات تتمثل في (تحمل الدولة الجزء الأكبر من تكلفة تقديم الخدمة ودون اعتبار تلك الأموال خسائر – التقليل من جدوى وقيمة الصيانة الدورية والتطوير المستمر للبنية التحتية وهو ما يعد السبب الأساسي لانهيار مرافق الدولة وعلى رأسها مرافق النقل – عدم إدراك خطورة تردي خدمة النقل على أرواح المواطنين، وهو ما يعد استخفافا بمصائر الفقراء الذين يستخدمون وسائل النقل العام غير الآمنة في مصر وعلى رأسها السكة الحديد.
2- أثر سيطرة العسكريين على قطاع النقل:
من الممكن رصد عدة آثار مترتبة على سيطرة العسكر على قطاع النقل
قتل طموح العاملين المدنيين.
من أهم العوامل المترتبة على سيطرة العسكريين على جميع المواقع القيادية والإدارية الوسطى بقطاع النقل قتل طموح العاملين المدنيين، وهو ما يؤثر بشكل كبير على كفاءة وفاعلية أداء الموظف المدني بقطاع النقل، ويجعل المحسوبية والانتماء الوظيفي للطبقة العسكرية العامل الوحيد للترقي الوظيفي.
التمييز الوظيفي بين المدني والعسكري.
بالرغم من أن القانون العسكري يحظر على العسكريين ذكر ألقابهم العسكرية، كما أشرنا في دراسة سابقة عن عسكرة التعليم[14]، إلا أن العسكريين لا يلتزمون بهذا القانون ولا يحاسبون على مخالفته، فوزير النقل شخصيا يذكر في بياناته الرسمية لقبه العسكري السابق بالقوات المسلح (الفريق)[15]، وتساهم سيادة الألقاب العسكرية بالمواقع المدنية في إزكاء الطابع العسكري بمواقع العمل المدنية، وإحداث نوعا من التمييز بين المدني والعسكري داخل المؤسسة المدنية.
ارتفاع رواتب القيادات العسكرية.
بالرغم من أن العسكريين يحصلون على معاشات عسكرية مرتفعة مقابل خدمتهم السابقة بالقوات المسلحة، إلا أنهم يتقاضون رواتب كبيرة وامتيازات متعددة داخل وزارة النقل وفي هذا الصدد تم نشر بعض الأخبار عن أجور العسكريين المرتفعة بوزارة النقل.
وكانت جريدة التحرير (الموالية للانقلاب) قد نشرت تقريراً عام 2016 يفيد بحصول 100 جنرال في وزارة النقل على رواتب شهرية تصل لـ 50 مليون جنيه شهريا، بينما يتقاضى باقي الموظفين 8 ملايين فقط مؤكدةً على رفع وزارة النقل والمواصلات شعار: “لا مكان للمدنيين”، وكشف التقرير استمرار كل القيادات الحالية بالديوان العام وبقطاعات الوزارة والهيئات والشركات التابعة لها، الذين جاء بهم الوزير السابق اللواء الدكتور “سعد الجيوشي”، والذين يحمل أغلبهم رتباً عسكرية “عقيد/ عميد/ لواء”، ويتقاضون رواتب باهظة تبدأ من 50 ألف جنيه وتنتهي بـ 200 ألف جنيه.
وتطرَّق التقرير إلى حصول الجنرالات على بدل حضور الاجتماعات واللجان المختلفة، بالإضافة إلى الحوافز، حتى بلغ إجمالي الرواتب الشهرية التي يتقاضاها هؤلاء العسكريون أكثر من 50 مليون جنيه شهرياً[16].
ترهل القيادة.
الثقافة السائدة لدى عسكر مصر أن المناصب المدنية هي في جوهرها حوافز لتكريم الضباط المتقاعدين، وليست عمل مهني جديد بطموح جديد، وهذا الشعور لدى العسكريين السابقين يجعل أداءهم مترهل وجهدهم المبذول ضعيف، فهو يعلم أن تواجده بهذا المنصب تواجد بهدف الحصول على امتيازات مالية وليس بهدف تحقيق إنجاز وتطوير المنظومة المدنية.
ضعف منظومة المحاسبة.
بغض النظر عن هشاشة هيئة الرقابة الإدارية في مصر، وضعف قدرتها على تحقيق الرقابة والانضباط المهني والمحاسبة للعاملين المدنيين بالدولة، إلا أن قيادة منظومة العمل العام من قبل مجموعة من الجنرالات المدعومين من أجهزة الدولة المسماه سيادية، والذين يعملون بتلك المناصب بعد ترشيح المخابرات الحربية والرقابة الإدارية – المكونة من ضباط القوات المسلحة- فإن وجود نظام لمحاسبة هؤلاء الجنرارات المعينون أصلا وفق نظام المحسوبية والأهل والعشيرة سيكون أمرا غاية في الصعوبة، ونحن تابعنا حديث المستشار هشام جنينة عن وجود ملفات فساد بالجهاز الإداري للدولة تقدر بـ 600 مليار جنيه وتم عزله من منصبه بسبب ذلك التصريح[17].
عدم قدرة وزير مدني على السيطرة.
من الأمور المهمة الوارد ذكرها في هذا السياق هو أنه من الصعب أن يستطيع وزير مدني القيام بالسيطرة على أكثر من 100 لواء سابق بالقوات المسلحة، خصوصا في الحالة المصرية التي يحكم فيها العسكر بعد انقلاب الثالث من يوليو عام 2013.
تضارب المصالح.
لا تنتهي علاقة الجنرالات بالمؤسسات الخدمية بمجرد خروجهم منها، حيث إن الفترة الأخيرة في مصر شهدت قيام لواءات متقاعدين بإنشاء شركات أمن وحراسة وشركات نظافة وشركات مقاولات، وكل هذه الشركات تتعاقد مع المؤسسات الحكومية للقيام بأعمال الإشراف الأمني والنظافة والتوريد والإنشاءات، وهو ما يؤثر على نزاهة وشفافية الأعمال الحكومية المسندة لتلك الشركات.
3- قياس مؤشرات أداء النقل العام.
يوجد العديد من المؤشرات الأساسية لقياس الأداء، ونحن اخترنا للدراسة ثلاثة مؤشرات سنقوم من خلالها بمحاولة التعرف على فاعلية سياسات عسكرة إدارة النقل العام، وتلك المؤشرات هي:
مؤشر الكثافة المرورية.
شهدت مصر في السنوات القليلة الماضية توسعا كبيرا في إنشاء المدن الجديدة وأهمها (العاصمة الإدارية – العلمين الجديدة – المنصورة الجديدة)، وقامت الدولة بإنشاء شبكة من الطرق الخارجية لخدمة تلك المدن، وقد أعلنت وزارة النقل على موقعها في يونيو الماضي أنه قد تم تم انجاز 4500 كم بالمرحلتين الأولى والثانية من المشروع القومي للطرق بتنفيذ وزارات الدفاع[18] والنقل والإسكان بتكلفة 75 مليار جنيه قامت وزارة النقل بتنفيذ 1000 كم منها بتكلفة 19 مليار جنيه[19] .
كما أن هناك خلل كبير في توزيع نسب أنصبة المحافظات والمناطق المختلفة، فنجد أن القاهرة الكبرى لم تحصل سوى على 9% فقط ومعظمها مرتبط بمخارج القاهرة في حين حصلت محافظة البحر الأحمر على 20% من جملة المشروع القومي للطرق، وسيناء 9،5%، والوادي الجديد 11%، والصحراء الغربية 14%[20]، وهو ما يعني أن المشروع لم يتضمن مناطق الكثافة السكانية والمناطق السكنية بشكل عام، ويمكن اعتبار المشروع مشروعا استثماريا وليس خدميا.
جودة الخدمات والعدالة الاجتماعية.
ارتبطت جودة خدمات النقل بمدى قدرة المواطن على الدفع، فقد تم استحداث منظومة متطورة من اتوبيسات النقل مثل (مواصلات مصر) بأسعار مرتفعة فيما بقيت باصات الفقراء شديدة الازدحام منخفضة الجودة والكفاءة. أيضا، تحصيل رسوم على السيارات التي تستخدم الطرق الحرة، وترك الطرق القديمة الضيقة مرتفعة الكثافة لنقل الفقراء. قطارات الفقراء غير آمنة وغير مؤمنة وهي شديدة الازدحام، وبها مظاهر لعدم الرقابة مثل ظاهرة التسطح على القطارات في حين أن قطارات الأغنياء بتكلفة مالية مرتفعة. ارتفاع تذاكر مترو الخط الثالث (العتبة- نادي الشمس) عن أسعار الخطين الأول والثاني، وهذا يعني أن تطوير الخطين الأول والثاني مرتبط برفع الأسعار، وأن إنشاء الخطوط الرابع والخامس والسادس المزمع تنفيذها من قبل الدولة سيتطلب أيضا تحرير الخدمة.
القروض كأهم مصادر تمويل مشروعات النقل.
أشرنا في تقرير سابق عن تطوير السكة الحديد إلى أن القروض هي المصدر الرئيس لتمويل مشروعات الهيئة القومية لسكك حديد مصر[21]، بالنسبة لمترو الأنفاق فقد أصدر عبد الفتاح السيسي، قرارا رقم 76 لسنة 2019 بالموافقة على اتفاق حكومي بين جمهورية مصر العربية وبنك الاستثمار الأوروبي، بشأن تطوير وتجديد الخط الأول لمترو القاهرة، والذي يتيح البنك بمقتضاه قرضا لمصر تبلغ قيمته 350 مليون يورو[22]، توقيع اتفاق مع الجانب الياباني لتنفيذ المرحلة الأولى من الخط الرابع بقيمة 1،2 مليار دولار[23].
والحديث عن قروض مترو الأنفاق طويل وسنتطرق له في موضوع لاحق، لكن نود الإشارة إلى أن هناك تحقيقا صدر على موقع البوابة نيوز الموالي لنظام عبد الفتاح السيسي أكد أن جملة القروض الأجنبية لمنظومة المترو قد بلغت 10،9 مليارات يورو ما يعادل 231 مليار جنيه مصري[24] .
خاتمة
من العرض السابق، وبعد التعرض لظاهرة عسكرة قطاع النقل بالكامل يمكن الخلوص إلى عدة نتائج وهي:
- قطاع النقل البحري والموانئ من الممكن أن نطلق عليه أنه قطاع تابع للقوات البحرية، ويعمل به عاملون مدنيون كما هو الحال بالنسبة للعاملين المدنيين في القوات المسلحة. وهذه الظاهرة ليست حديثة مرتبطة بموجة العسكرة الحالية، لكنها ممتدة منذ حركة يوليو 1952.
- وزارة النقل والهيئات التابعة لها تسير على خطى النقل البحري، بحيث تتحول بالتدريج إلى مؤسسة عسكرية بها عاملون مدنيون، فوزارة النقل التي بها أكثر من 100 قيادة عسكرية موزعة على جميع قطاعاتها عندما يحال أحد العسكريين إلى التقاعد يتم استبداله بعسكري آخر.
- تزايد حجم الديون والخسائر، واللجوء إلى القروض الخارجية بشكل مبالغ فيه في ظل حكم العسكر لقطاع النقل بدرجة قد تتخطى أصول المرافق نفسها، وهو ما يعرض تلك المرافق للخصخصة أو لتحرير الخدمة.
- استمرار تردي الخدمة وعدم قدرتها على تلبية احتياجات المواطن في كافة قطاعات النقل العام، واعتراف عبد الفتاح السيسي كما أشرنا سابقا إلى أن فشل الإدارة أحد أهم أسباب فشل منظومة النقل.
أخيرا، إن إصلاح منظومة النقل يتطلب إشراك جميع المصريين الحاصلين على مؤهلات وخبرات تمكنهم من النهوض بالمنظومة. واحتكار فصيل واحد فقط – حتى وإن توفرت لديه الجدية والمهارة – لن يمكنه من النهوض بأي منظومة، لأن تنوع الخبرات وتعدد الآراء من أهم شروط نجاح أي مؤسسة.
أما في حالة العسكرة الحالية، فإن الهدف من عسكرة قطاع النقل هو ترضية العسكريين السابقين، وتطمين الضباط العاملين بأن لهم مستقبل بالعمل العام بعد الخروج من الخدمة العسكرية، وبالتالي فإن تردي الأحوال واللجوء إلى الاقتراض الخارجي هو المصير المحتوم لقطاع النقل العام في مصر[25]
الهامش
[2]– موقع قطاع النقل البحري، الرابط
[4]– علي زلط ومها البهنساوي، 1مايو 2012، العسكر يحكمون مصر، تاريخ الاسترداد 2019، من الوطن، الرابط
[5] موقع هيئة قناة السويس، الرابط
[6] أحمد أبو حجر، 3 أغسطس 2015، بالأسماء والتواريخ.. رؤساء قناة السويس منذ بدء الحفر 1859، تايخ الاسترداد 2019، من اليوم السابع، الرابط
[7] عبد الناصر سلامة هو صحفي مصري يعمل بجريدة الأهرام تم اختياره في أغسطس 2012 من قبل مجلس الشورى للعمل كرئيس تحرير لجريدة الأهرام، بعد انقلاب الثالث من يوليو عام 2013 تم إقصائه من منصبه بحكم قضائي على اعتبار أنه لم يكن الأحق بالمنصب، وهو يعمل حاليا كاتب حر له مقالات عديدة بجريدة المصري اليوم، و بالرغم من كونه مستقلا إلا أنه يلقى هجوما عنيفا من الصحف الموالية للسيسي و على رأسها اليوم السابع.
[8]– مقال عبد الناصر سلامة، 4 أغسطس 2018، سيادة الرئيس هذه شكواي، تاريخ الاسترداد 2018، الرابط
[9] – رضا حبيشي، 8 أغسطس 2019، هيئة الطرق تتعاقد مع جهاز الخدمة الوطنية لإدارة “شبرا بنها” الحر بعد افتتاحه، تاريخ الاسترداد 2019، من اليوم السابع، الرابط
[14]– راجع أمجد حمدي- المعهد المصري للدراسات، الرابط
[15]– موقع وزارة النقل، الرابط
[16]– الثورة اليوم: 13 مايو 2018، فضيحة.. 100 جنرال بوزارة النقل يتقاضون 50 مليون جنيه شهرياً!، تاريخ الاسترداد 2019، الرابط
[17]– رانيا عامر، 23 ديسمبر 2015، رئيس “المركزى للمحاسبات” فى أخطر تصريحات لـ”اليوم السابع”.. 600 مليارجنيه تكلفة الفساد فى 2015، تاريخ الاسترداد 2019، من اليوم السابع، الرابط
[18]– لاحظ أن بيان النقل قدم ذكر وزارة الدفاع على وزارة النقل، وهو مخالف لأدبيات الكتابة الإعلامية فالجهة الحكومية صاحبة الخبر والمشروع تقدم ذكرها على أي جهة أخرى.
[19]– موقع وزارة النقل، الرابط
[21]– راجع أمجد حمدي، المعهد المصري للدراسات، الرابط
[22]– بوابة الشروق نقلا عن أ ش أ، الرابط
[23]– موقع وزارة النقل، 22 فبراير 2018، وزير النقل يلتقي وفد هيئة “الجايكا” اليابانية لبحث التعاون المشترك في مجالات النقل، تاريخ الاسترداد 2019، الرابط
[24]– أميرة الرفاعي، 27 مايو 2018، 231 مليار جنيه قروضًا ومنحًا خارجية لـ«متروالأنفاق، تاريخ الاسترداد 2019، من البوابة نيوز، الرابط
[25] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.