معركة مأرب وتحديد مسارات الحرب في اليمن
تتكون محافظة مأرب من مناطق جبلية وأخرى صحراوية وتتمتع بثروات هائلة نفطية ومعدنية وزراعية ومزارات سياحية. تاريخياً، يقطن هذه المحافظة مجموعة من القبائل المقاتلة والشرسة؛ يحملون في دمائهم قيم عالية وأخلاق نبيلة؛ يُكرمون الضيف، ينصرون المظلوم، يأخذون بالثأر ممن ظلمهم، يقدمون الغالي رخيص في سبيل كرامتهم، يكرهون الضيم وحياة الذل، يعتزون بعاداتهم وتقاليدهم وحضارتهم، يتسابقون إلى ميادين الوغى، والأمثلة على ذلك كثيرة من الآباء والأبناء، وخاصة تلك القبائل المحيطة بالمدينة والوادي؛ تشربوا في قلوبهم حب الدين ونصرة الشريعة والحفاظ على الوحدة والنظام الجمهوري، بالإضافة إلى أنه يتواجد فيها مقاتلون أشداء من جميع المحافظات والقبائل اليمنية، يؤمنون بنفس الفكرة ويحملون نفس الهدف ويتصفون بنفس الصفات السابقة لقبائل مأرب ويسعون لتحقيق نفس الغاية، وخاصة أولئك المقهورين والمهجرين الذين تعرضوا لأبشع أنواع الظلم قبل 2011 وبعد 2014.
الحاضنة الشعبية
محافظة مأرب شافعية المذهب بالكامل لا توجد فيها حاضنة شعبية للحوثي وهذه ستكون من نقاط القوة التي تجعل الحوثي يتراجع عن الدخول إلى المدينة؛ كون البيئة غير قابلة للفكر الحوثي، ولها مواقف بطولية سابقة من حكم الأئمة، كالقردعي وغيره، إضافة إلى وجود قواعد صلبة تنظيمية متماسكة للحركات الإسلامية بمختلف توجهاتها المعتدلة والمتطرفة كما يسميها البعض، فالجميع يحملون فكراً واحداً لقضية واحدة وينتظرون مصيرا ًواحداً نَفَسُهم واحد هدفهم التربية والجهاد.
الترف الفكري والسياسي في مأرب
في الوقت الذي كانت تعمل فيه الإمامية والجارودية والخلايا النائمة لإيران على خارطة الأرض المحروقة خلال العقود الماضية سعياً منها في تحويل كثير من الدول العربية والإسلامية إلى ولايات إيرانية فارسية، كان الكثير من المفكرين وأصحاب الرأي يحذرون من خطورة تمدد الجماعات المتطرفة الموالية لإيران على الشعوب والأنظمة. في حين كان النظام السابق يغذي هذه الصراعات لأهداف سياسية ولتصفيات داخلية، وقد كانت أيضاً الجماعات الإسلامية تعيش فترة من الترف الفكري وافتعال الصراعات الداخلية المختلقة مع بعضهم البعض من أصحاب الفكر والتوجه الواحد من جهة، أو الخوض في صراع سياسي مع النظام السابق بقيادة الرئيس صالح من جهة أخرى حتى وقع الفأس على الرأس ونصب الحبل على المشنقة، “سقطت صنعاء، وسقط الجيش والأمن وسقطت الدولة والأحزاب وقتل صالح”. أما في مأرب فلا يوجد لديهم الوقت الكافي لفتح جبهات جانبية أو مشاحنات بينية أو ترف فكري لمناقشة مسائل وقضايا ثانوية مثل تلك القضايا التي عاشوها خلال تلك الفترة في صنعاء قبل دخول الحوثي.
المعركة ما بين الدفاع والهجوم
الملاحظ والمتابع لمعركة مأرب يشاهد أنها تخوض معارك ضارية من قبل سبع سنوات عجاف ولكنها تتقدم ببطء شديد، وتتراجع أحياناً وأصبحت المعركة بين كر وفر. فقد كان الحوثي في بداية 2015 داخل مدينة مأرب، ولكن بعد معارك شرسة تم طرده منها إلى الجوف ثم إلى جبال نهم في صنعاء بقيادة اللواء الشدادي وغيره من القيادات الوطنية بعد تكبد الطرفين خسائر مادية وبشرية كبيرة.
ولكن بعد ذلك اتخذت المقاومة الشعبية قراراً لنفسها بالدفاع عن مأرب بدلاً عن الهجوم حفاظاً على الأفراد وحفاظا ًعلى المخزون الموجود لديها من الذخيرة والأسلحة التي تحميهم لسنوات عدة.
وبما أن المقاومة في مأرب قد أصبحت في دفاع، فإن المهاجم سيخسر الآلاف من الأفراد والعتاد بغض النظر عن الأسلحة التي يستخدمها متوسطة أو خفيفة، لكن المعركة والمواجهة ستكون بها.
بالإضافة إلى أن المناطق المهمة في مأرب تتواجد في مناطق صحراوية كالمركز الرئيس لمدينة مأرب وكذلك حقول النفط والغاز في صافر. وتجارب الحوثي في حرب الصحراء ضعيفة جداً سيحترق بين الرمال كون معركة مأرب تعتبر عند المقاومة معركة مصيرية إما حياة أو موت.
معنويات المقاومة الشعبية
أصبحت مأرب بجبهاتها المختلفة خلال السنوات الماضية مزاراً لكثير من تلك القيادات السياسية والحزبية المترهلة في الخارج يذهبون إليها لرفع معنوياتهم ومعنويات من خلفهم، ولذلك فليس كل ما تنقله وسائل اعلام الخصوم أو بعض الصحف السوداء عن تراجع مقاومة مأرب حقيقي، ولكنها في واقع الحال عصية على الأعداء، وليست لقمة سائغة كما يتصورها البعض. ولا يعرف الأسود الأبطال من شباب وجنود المقاومة الذين يقفون على أبواب مأرب إلا من زارهم وجلس معهم وشاهد بعينه تلك الثلة المؤمنة من شباب وجنود المقاومة يسطرون أروع الأمثلة في الإقدام والشجاعة، ويوجد لديهم حس أمني رفيع وجندية عالية المستوى في التخطيط والتنظيم والتنفيذ، فقد باعوا أنفسهم لله لا ينتظرون أوامر حزبية ولا مدد خارجي ولا إرضاء كيانات داخلية أو خارجية هدفهم واحد الانتقام من القتلة والثأر للشهداء والأخذ على يد الظالم واستعادة الحق المغتصب.
شبوة لن تترك مأرب لقمة سائغة للحوثي
لا تزال محافظة شبوة هي الجبهة الأخرى القوية وتعتبر محطة انطلاق كثير من رجال الجيش والمقاومة، وتوجد فيها قاعدة شعبية وقبلية وتنظيمية قوية موالية للشرعية تلتف حول رجال الجيش والأمن ولديهم خبرات قتالية عالية المستوى كونهم قد خاضوا عدة معارك مع مليشيات الحوثي من جهة ومرتزقة المجلس الانتقالي الاماراتي من جهة أخرى فلا يمكن تجاوزها، ولن تترك مأرب لوحدها تواجه مصيرها، وستقوم بإرسال التعزيزات اللازمة إذا شعرت بانكسار بعض الجبهات الصلبة لمقاومة مأرب، وهي تعتبر الجبهة الخلفية في حال حصل أي تراجع للمقاومة.
تماسك السلطة المحلية في مأرب:
تعتبر السلطة المحلية ممثلة بمحافظ المحافظة سلطان العرادة أقوى سلطة محلية في إدارتها للمحافظة من قبل عشر سنوات تقريباً. فمأرب توجد فيها تنمية لا تقارن بأي فترة مضت: اقتصاد حركة عمرانية وشوارع وطرقات وجسور وحركة تجارية غير مسبوقة، وخدمات عامة: كهرباء بترول غاز ماء مجاناً أو بأسعار رمزية جامعات مدارس جمعيات حدائق، بالإضافة إلى ما يتميز به محافظها من كاريزما جعلت الجميع يلتفون حوله من أبناء محافظته ومن غيرها من المحافظات بكل توجهاتهم وأصبح محل إجماع كل القوى المتواجدة فيها، وقد تمكن من إعادة هيكلة جميع مؤسسات الدولة وخاصة الأمنية والعسكرية فكلها تخضع تحت إدارته وسلطته وكذلك قيادات المقاومة الشعبية، ولقد كان للمؤسسة الأمنية الدور البارز في إيقاف التمدد الحوثي بسرعة تجاه المحافظة خلال السنوات الماضية، وأصبح الوضع الأمني في المحافظة قوي في أدائه وتنفيذ مهامه على أحسن حال. فما الذي سيقدمه الحوثي لأبناء مأرب عندما يريد دخولها؟
إيثار منقطع النَّظير بين المهاجرين والأنصار في وسط مأرب
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أقبل المهاجرون إلى المدينة لا يملكون مِن أمر الدُّنْيا شيئاً، قد تركوا أموالهم وما يملكون خلف ظهورهم، وأقبلوا على ما عند الله عزَّ وجلَّ يرجون رحمته ويخافون عذابه، فاستقبلهم الأنصار الذين تبوَّؤوا الدَّار، وأكرموهم أيَّما إكرام، ولم يبخلوا عليهم بشيء مِن حطام الدُّنْيا… في صورة يعجز عن وصفها اللِّسان، ويضعف عن تعبيرها البيان:
– فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((لما قدم المهاجرون المدينة نزلوا على الأنصار في دورهم، فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا مثل قوم نزلنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أبذل في كثير منهم، لقد أشركونا في المهنأ وكفونا المؤنة، ولقد خشينا أن يكونوا ذهبوا بالأجر كلِّه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلَّا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم به عليهم))
ومثل هذا يحصل اليوم في مأرب فقد استضافت عشرة أضعاف سكانها من المهجرين والمقهورين من جميع محافظات الجمهورية خلال السنوات الماضية -بحسب تقرير مركز مالكوم كير كارينغي للشرق الأوسط2020- دون عنصرية أو مناطقية أو فئوية، وهذا مثل بسيط من قيم وأخلاق أبناء مأرب تجاه أبناء شعبهم ووطنهم.
أربع نصائح:
الأولى للحوثة: سأنصح الحوثة الذين يريدون دخول مأرب عنوة بنصيحة عمير بن وهب الجمحي الذي كان من جملة المقاتلين في غزوة بدر ضد المسلمين، بل كان عيناً لقريش يخبرهم بما للمسلمين من عدد وعدة، وعندما أجابهم عن عددهم فقد أخبرهم عمن خلفهم بقوله: “لم أجد وراءهم شيئاً، ولكن يا معشر قريش، رأيت المطايا تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم، فإذا أصابوا منكم مثل عددهم، فما خير لعيش بعد ذلك، فانظروا رأيكم”.
وكان كلامه مؤثراً في كثير من زعماء قريش، وكادوا يرجعون إلى مكة بلا قتال، إلا أن عدو الله أبا جهل حفّزهم وحرَّضهم على القتال، حتى ساروا إليه، ورجعوا أذلاء خاسرين.
وهذا ما رأيناه في مأرب في أوساط جنود المقاومة ورجالها الذين هُجّروا من جميع محافظات الجمهورية بسبب ظلم الحوثي لأبناء المناطق التي يسيطر عليها، فليس لديهم إلا خيار واحد، إما القتال أو الموت.
الثانية: للشرعية ممثلة بالرئيس عبدربه ونائبه علي محسن وحكومة د. معين عبد الملك وقيادات الأحزاب الفاعلة:
إلى متى تستمرون دمى بيد السعودية والإمارات؟ شعبكم يتساءل: متى سترجعون إلى بلادكم وتمسحوا عن أنفسكم وصمة العار والعمالة التي حلت بكم. كم من الأموال التي تكفيكم حتى تقفلوا باب المتاجرة بالدماء والوطن، فإن لديكم ما يكفيكم في بلادكم من محافظات واسعة وفنادق شارهة وسيارات فارهة وأموال كثيرة وثروات نفطية وغازية وسمكية هائلة بالإضافة إلى الجمارك والضرائب وغيرها من الموارد حتى تقوموا بإدارة وضع بلادكم ووطنكم والشعب يلتف حولكم بعيداً عن التسكع في أبواب السلاطين والأمراء الذين يوجهون لبلادكم الطعنات تلو الطعنات ولا يرغبون بوجودكم إلا لتحقيق مصالحهم. فمن العيب أن تكونوا خارج وطنكم أكثر من سبع سنوات وتطلبون من العالم أن ينصر قضيتكم، فالتاريخ يسجل والصفحات تطوى فمن كان يبرر لكم في سنواتكم الأولى قد أصبح يرميكم بأقبح العبارات ويكيل لكم التهم تلو التهم ولا تنسوا ما ردده الأجداد بقولهم: عز القبيلي بلاده ولو تجرع وباها.
الثالثة: للمقاتلين في الميدان وثِّقوا صلتكم بربكم وحافظوا على وحدة صفكم واحسموا قراراتكم وتوجيهاتكم من الداخل ولا تنتظروا قرارات وتوجيهات أصحاب الخارج فإنها الهزيمة بعينها فمن يفكر بالانسحاب قبل أن تبدأ المعركة لا يفكر بالنصر في أي حال من الأحوال والسنوات الماضية خير شاهد على ذلك[1].
الرابعة: للتحالف السعودي-الإماراتي، أما يكفيكم كل ما فعلتموه خلال السنوات الماضية من عار وشنار وجرائم وتجويع وقتل وانتهاك للسيادة وخيانة للجار والشقيق وتفريق بين الإخوة وتمزيق للوحدة ومع كل ذلك فاعلموا أن ما فعلتموه من تفريخ للكيانات واستهتار بالدماء لن ينساه الشعب اليمني وسيأتي اليوم ولعله قريب حتى يأخذ بالثأر وما أمسى في جارك أصبح في دارك والأيام دول وعلى المعتدي تدور الدوائر فمن ينصركم من بأس الله إن حل بكم بأيدينا أو بأيدي غيرنا.
الخامسة لبقية فئات المجتمع فإن أي عالم أو شيخ أو سياسي أو إعلامي أو أكاديمي أو تاجر يطلب من الشعب اليمني الذهاب إلى جبهات القتال وهو لم يذهب إليها بنفسه ولم يرسل أحدا من أبنائه أو من أقاربه ولم يجد بماله أو يساندهم بالكلمة، ويزعم أنه يحب الوطن فإن الشعب أصبح لا يصدقه حتى يحول تلك الأقوال إلى أفعال، وصدق الله القائل:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) الصف.
سيناريوهات متوقعة لمعركة مأرب:
- مساندة التحالف السعودي الإماراتي للحوثة ببعض الضربات الهادفة لقيادات في المقاومة وللخطوط الأمامية وتبرير ذلك بالخطأ. تمهيداً للضغط على الشرعية بقبول طارق صالح في مأرب وشبوة أو القبول بالأمر الواقع الذي يقوم على فصل شمال اليمن عن جنوبه أو إقامة حكم ذاتي لبعض المناطق اليمنية بعد تقسيمها كما يلمح لذلك بعض الفاعلين الدوليين، ولكن من الصعوبة بمكان قبول هذا السيناريو، بالإضافة إلى أنه لن يكسر رجال المقاومة ولن يثنيهم عن الاستمرار في مواجهة الحوثي.
- مجازر ليس لها مثيل ستكون على أبواب مأرب وخاصة من الحوثي إذا استمر في الزحف نحوها وعلى الأغلب أن الحوثي سينسحب إلى أطراف مأرب حفاظاً على ما تبقى لديه من مقاتلين والدعوة إلى مصالحة تحفظ له ما سيطر عليه برعاية أممية.
- حصول أزمة خانقة في الغاز والبترول تدفع بالمواطنين في المحافظات التي يسيطر عليها الحوثي إلى الخروج بمظاهرات تدعوا الحوثي إلى حقن دماء أبناءهم الذين تم إرسالهم إلى مذبحة مأرب وتحمله مسؤولية قطع الغاز والبترول وبقية الاحتياجات الغذائية والصحية.
- تشكيل مجلس سياسي وعسكري يدير المحافظات التي تسيطر عليها الشرعية بعيداً عن شرعية الفنادق والتحالف.
تساؤلات:
- تربط الشعب السعودي بالشعب اليمني روابط كثيرة منها روابط الدين والأرض والدم واللغة والمذهب فهل ستغامر السعودية بتسليم اليمن لإيران هروبا من تحمل فشلها في إدارة الملف اليمني؟
- ما هي الموانع الحقيقية التي تجعل الكثير من قيادات الشرعية والسياسيين وأصحاب الحل والعقد مكتوفي الأيدي لا يحركون ساكناً تجاه وطنهم ولا ينطقون قولاً؟
- هل يمكن إيجاد تحالفات جديدة من شأنها أن تضمن لليمن وحدته واستقلال قراره والحفاظ على سيادة أراضيه؟
- هل يمكن للمقاومة في الداخل أن تُحكم السيطرة عسكرياً على المحافظات الواقعة تحت قبضتها، وتقوم بتصدير النفط والغاز حتى تستقل مالياً وإدارياً بعيداً عن يد التحالف السعودي الإماراتي؟ أم أننا سنستمر تحت رحمة أولئك الذين لا يريدون لليمن أن تستقل في قرارها أو تتعافى من جراحها؟!
[1] تنويه: الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي المعهد المصري للدراسات، لكن تعبر عن آراء أصحابها.