fbpx
قلم وميدان

30 يونيو 2016: هل انتهت ولاية الرئيس مرسي؟

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

قبل حلول يوم 30 يونيو من العام 2016م أثار البعض كلاما مقتضاه أن ولاية الرئيس محمد مرسي قد انتهت بمرور أربع سنوات عليه .. والعجيب أن هؤلاء لم يطالبوا بأن يتمكن الرئيس من ممارسة صلاحياته ليقرروا الآن انتهاء مدته، ولم يكن الرئيس حرا طليقًا ممارسًا لصلاحياته حتى تنتهي مدته، إنما مُنع من ذلك، وغُيِّب قهرًا، وحيل بينه وبين إكمال مدته وأداء مهامه. وببساطة شديدة لو أن طالبًا جامعيا في الفرقة الأولى ثم تم اعتقاله لمدة أربع سنوات، هل يُمنح شهادة الليسانس أو البكالوريوس ويتخرج في الجامعة أم يرجع للفرقة الأولى ويكمل دراسته؟!

وابتداء فإن الإسلام يأمر بالوفاء بالعقود، ويقدس المواثيق، ويوجب إتمام العهود إلى مدتها.. اقرءوا إن شئتم قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ). [سورة المائدة: 1]. قال الإمام الطبري شيخ المفسرين في تفسيرها: “يعني: أوفوا بالعهود التي عاهدتموها ربكم، والعقود التي عاقدتموها إياه، وأوجبتم بها على أنفسكم حقوقا، وألزمتم أنفسكم بها لله فروضا، فأتموها بالوفاء والكمال والتمام منكم لله بما ألزمكم بها، ولمن عاقدتموه منكم، بما أوجبتموه له بها على أنفسكم، ولا تنكثوها فتنقضوها بعد توكيدها”.

وفي أواخر سورة الأنفال قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ). [سورة الأنفال: 72].

يقول ابن كثير في تفسيرها: “وإن استنصروكم هؤلاء الأعراب الذين لم يهاجروا في قتال ديني، على عدو لهم فانصروهم، فإنه واجب عليكم نصرهم؛ لأنهم إخوانكم في الدين، إلا أن يستنصروكم على قوم من الكفار (بينكم وبينهم ميثاق) أي: مهادنة إلى مدة، فلا تخفروا ذمتكم، ولا تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم. وهذا مروي عن ابن عباس، رضي الله عنه”.

ويقول صاحب الظلال: “هناك رابطة العقيدة، وهذه لا ترتب -وحدها -على المجتمع المسلم تبعات تجاه هؤلاء الأفراد، اللهم إلا أن يعتدى عليهم في دينهم، فيُفتنوا مثلاً عن عقيدتهم. فإذا استنصروا المسلمين -في دار الإسلام -في مثل هذا، كان على المسلمين أن ينصروهم في هذه وحدها. على شرط ألا يخل هذا بعهد من عهود المسلمين مع معسكر آخر. ولو كان هذا المعسكر هو المعتدي على أولئك الأفراد في دينهم وعقيدتهم! ذلك أن الأصل هو مصلحة المجتمع المسلم وخطته الحركية وما يترتب عليها من تعاملات وعقود. فهذه لها الرعاية أولا، حتى تجاه الاعتداء على عقيدة أولئك الذين آمنوا، ولكنهم لم ينضموا للوجود الفعلي لهذا الدين المتمثل في التجمع الإسلامي”.

وقال تعالى في سورة التوبة: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ ۚ). [سورة التوبة: 4].

وقد قال الإمام الطبري في تفسيرها: “يقول: أوفُوا لهم بعهدهم الذي عاهدتموهم عليه، ولا تنصبوا لهم حربًا إلى انقضاء أجل عهدهم الذي بينكم وبينهم”.

إلى هذا الحد يقدس الإسلام العقود والعهود والمواثيق، ويأمر بالوفاء بها، ويوجب إتمام المواثيق والعهود إلى مدتها حتى مع غير المسلمين، وذلك في مجالات السلم والحرب والعلاقات الدولية، وفي مجال المعاملات. فكيف بمجال له مكانته ومكانه في الفكر السياسي الإسلامي كالولاية العامة أو رئاسة الدولة، وهو أمر يُناط به المصلحة العامة للأمة وليس في مجال واحد، وبشكل دائم وليس بشكل عارض، كما يناط به حراسة الدين وسياسة الدنيا به؟ لا شك أنه يكون أعظم وأكبر وأهم وأخطر، ويكون الوفاء به والحرص عليه ألزم وأوجب.

إن الرئيس محمد مرسي له بيعة صحيحة مُنعقدة شرعًا له ولازمة؛ حيث بُنيت على دستور، وطرفا العقد هما الرئيس والشعب، فلا الرئيس نقض العقد ولا تخلى عن البيعة التي في عنقه للشعب، بل هو صابر صامد مُرابط مُحتسب مُصرٌّ على أنه الرئيس، ولا الشعب نقض بيعته التي في عنقه للرئيس، اللهم إلا ما جرى في أكذوبة 30 يونيو التي يعرف القاصي والداني أنها أكذوبة حتى صانعوها يعرفون ذلك كما يعرفون أبناءهم !.

على أننا لا ننكر وجود سخط لفئات من الشعب في ذلك الوقت، جزء منه مصنوع من أجهزة المخابرات، وجزء آخر بسبب أخطاء هنا وهناك، لكن ذلك كله لا يرقى إلى أن تتوفر فيه أي علامة ولا أثر من علامات الثورة وآثارها، وهذه الأكذوبة انتهت قبل منتصف ليل 30 يونيو 2013م، وأسدل الستار عليها لولا ما قام به عسكر مصر بقيادة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي من انقلاب توفرت له كل أمارات الإجرام، وتجمعت فيه كل علامات الدموية؛ إذ قام بقتل وحرق وتجريف للبلاد لم يقم به محتل لمصر على مر التاريخ!

إن الرئيس محمد مرسي لا يزال شرعًا الرئيس الشرعي لمصر، ولا يتصور أن يقوم وزير دفاع معيَّن بعزل رئيس منتخب، فهذا ليس من اختصاصه، وإنما من اختصاص الشعب في انتخابات حرة نزيهة بعيدا عن الدبابات وعربات الشرطة والبلطجية وطائرات الجيش، وهو إجراء منعدم وباطل، وما بني على باطل فهو باطل، وسيظل باطلا.

إن واجب المصريين في الداخل والخارج أن يُخلصوا رئيسهم من محبسه، الذي لم يقض من مدته إلا عامًا، وأن يُمكنوه من ممارسة صلاحياته؛ كي يُتموا له ويُتم لهم العهد الذي بينهم وبينه إلى مدته، وإن كل ما وقع لن يُغير من الأحكام الشرعية شيئا، ولن يُبدل الحقائق الأخلاقية والشرعية والقانونية (1).

—————————-

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close