تحاول هذه الورقة الوقوف على طبيعة محور المقاومة الذي ترعاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، واتساع نفوذه في المنطقة، لا سيما في الجانب الذي يهدد الوجود الإسرائيلي، وهو الأمر الذي يرسم ملامح جيوسياسية تنذر بتحولات استراتيجية في المنطقة لصالح إيران وحلفائها.
تشكلت محطتان مهمتان على مستوى اتساع النفوذ الإيراني وتطوره لصالح إيران: الأولى: فشل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، أما الثانية: ثورات الربيع العربي، فالأولى حققت انهيار للعراق جار إيران، والذي يتواجد فيه المد الشيعي الأكبر إقليمياً، والثانية: في ظل حالة الفوضى التي عايشتها المنطقة، وانحراف الأهداف للثورات عن مسارها، ربما أعطت الضوء الأخضر لإيران للتدخل المباشر، لا سيما في الملف السوري، والذي يمثل أحد أهم المجالات الحيوية لإيران. ربما يمكننا إضافة نقطة تحول هامة في مسار التوسع الإيراني، وهي عام 2016، حيث برز فيها عامل إعادة ترميم مكونات النظام السوري من قبل حلفائه والتمركز والتحكم في سوريا، وعدم قدرة الأطراف إسقاط نظام الأسد.
وولعل من أكثر المقتربات التي يمكن من خلالها فهم طبيعة المحور الذي تعمل على تحقيقه إيران لا سيما تجاه القضية الفلسطينية، هو نظرية الدور، والتي تركزت في الجانب الذي تمثله إيران في بناء دورها الإقليمي في التدخل في المنطقة من خلال المنطلقات التي يصوغها صانع القرار في الدولة، فيرى صانع القرار الإيراني أن القضية الفلسطينية من القضايا المهمة التي تقع المسؤولية على عاتقه في الوقوف إلى جانبها وهو ما سنقف عليه في متن الورقة.
(التصميم بتصرف الباحث)[1]
إطار عام:
في إطار المشروع الإيراني القائم على تصدير الثورة، في الشرق الأوسط ومحيطها الجغرافي منذ عام 1979، والتي بدأت مرحلة سياسة خارجية جديدة في السياسات الإيرانية إقليمياً ودولياً، عملت لتحقيق هذا التحول بشكل مستمر وبمثابرة واضحة في حلقات إضعافها من قبل القوى الإقليمية والدولية، وفي هذا الإطار كانت ومازالت دولة الاحتلال “الإسرائيلي” عدواً رئيسياً بالنسبة لإيران.
إن الجغرافيا السياسية لإيران أعطتها من العوامل السياسية والاقتصادية والجغرافية ما أهّلها لأن تكون دولة ذات مقومات وقوة متقدمة عسكرياً وتكنولوجياً وأمنياً، ولعل جيوبوليتيك إيران جعل منها دولة -أو لاعبا -ذات نفوذ إقليمي ودولي، وهذا ينطبق على إيران الشاهنشاهية وإيران ما بعد الثورة الإسلامية.[2]
تستند السياسية الإيرانية في التعاطي مع القضية الفلسطينية إلى مقولتين أساسيتين: واحدة تنادي بضرورة تقديم الدعم المالي والعسكري والسياسي لمن يمثل مشروع المقاومة المؤمن بالبندقية والكفاح المسلح كطريق لتحرير الأرض الفلسطينية، أما الثانية فتقوم على رفض التعامل مع أصحاب مشروع التسوية السياسية والمفاوضات مع إسرائيل. ولطالما حرصت طهران على الفصل بين المشروعين وتقديمهما وكأنهما رؤيتان مختلفتان بالكامل.[3]
فمنذ سلوكها المبدئي بعد الثورة الإيرانية، قامت باحتضان الحالة الفلسطينية وتحويل سفارة “إسرائيل” إلى مقر لمنظمة التحرير الفلسطينية واستقبال الرئيس الراحل ياسر عرفات ورفاقه في طهران، كان هذا المد الثوري قائم على العداء لإسرائيل الموقف المبدئي من القضية الفلسطينية، وكذلك وفق مفهوم التحولات في موازين القوى التي تشكل خطراً وجودياً على إسرائيل.
كما وتنص المادة رقم (152) من الدستور الإيراني على: أن السياسة الخارجية للجمهورية يجب أن تبنى على أساس رفض أي نوع من أنواع الهيمنة أو قبولها، وملزمة بالدفاع عن حقوق المسلمين كافة. وكذلك المادة(154) التي تنص على أن الجمهورية الإسلامية في الوقت الذي تلتزم فيه بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى فإنها مكلفة بدعم وحماية المستضعفين أمام المستكبرين.[4]
وهذا النص في الدستور يعطى مؤشر مهم ينسجم مع السلوك الإيراني تجاه القضية الفلسطينية، وهو الذي ينسجم مع ثوابت الثورة.
فتنظر إيران الثورة، للقضية الفلسطينية كإحدى أهم القضايا العادلة في العالم، وتتعامل معها باعتبارها أهم قضايا العرب والمسلمين بالمعنى الاستراتيجي، وعليه فإن ثوابت الثورة الإسلامية تبدو متشددة حين تحرّم إخضاع التعامل مع فلسطين للاعتبارات السياسية أو المصلحية. فالرؤية الإيرانية لها تقول: إن القضية الفلسطينية ستبقى قضية الأمة ما دامت إسرائيل قائمة كدولة، وإن حلّ القضية الفلسطينية يكمن بحذف “إسرائيل” من خارطة الشرق الأوسط وإن ذلك لن يتحقق إلا عبر دعم الفلسطيني بالمال والسلاح باعتباره واجبًا إسلاميًا مقدسًا.
يقول خالد القدومي[5]: إن حالة الاستقطاب في المنطقة أظهرت على السطح تصنيفين أساسيين للقوى الإقليمية، وتمت تسميتها لاحقا بقوى الممانعة وقوى “الاعتدال”، وكانت من صفات الممانعة مواجهة الاستكبار، ومن صفات الاعتدال الدخول في برنامج التسوية وبرامج الإدارة الأمريكية المهادنة مع الاحتلال “الإسرائيلي”.
لعل أحداث الثورات المضادة، ودعم الدولة العميقة والدكتاتورية، وصفقة القرن، ومسلسل التطبيع والترتيبات الجديدة للإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط جعلت من التصنيف المذكور أكثر وضوحاً.
ثورات الربيع العربي: “المتغير السوري”
شكلت ثورات الربيع العربي تحولات هامة في الميزان الجيوسياسي الإقليمي وطبيعة التفاعلات، وتصادم المشاريع وتمازج الرؤى تجاه القضايا الإقليمية وثوراتها، الأمر الذي ظهرت فيه تجليات متعددة لوضوح الأجندات الإقليمية وطبيعة تفاعل القوى مع بعضها البعض، فلقد شكلت مادة خصبة بالنسبة لإيران لأن تكون قوة فاعلة تعمل على تحقيق أهدافها في تصدير الثورة.
فاستطاعت إيران بعد هذه المجموعة من التحولات الإقليمية، أن ترسم ملامح استراتيجية جديدة قادرة ومؤثرة على تهديد المشروع الأمريكي في المنطقة، وضرب حلفائه الاستراتيجيين في المناطق الرخوة، والتعاون مع المد الشيعي الممتد في العواصم العربية ضمن الطبيعة الاستراتيجية المبنية على التوسع في تلك العواصم.
حيث امتدت هذه العلاقات لتصل إلى التعاون المباشر مع الأحزاب السياسية الفاعلة هناك، ومد قوات الحشد الشعبي القوات من غير الدولة لتكون قوية وذراع لإيران، وهي حزب الله اللبناني، الذي يتمركز على الحدود الشمالية “لإسرائيل”، وكذلك قوات الحشد الشعبي في العراق، والتي تمثل القوات الهامة من غير الدولة، وكذلك في اليمن من خلال جماعة أنصار الله المتمركزة في صنعاء وما حولها، والتي تتمركز على التخوم الجنوبية للسعودية لا سيما نجران، وهو الأمر الذي يهدد المصالح الجيبولتيكية للأخيرة.[6]
وفي إطار ما حصل ومسار التحشيد الطائفي في المنطقة والاصطفافات الإقليمية، أدى إلى حالة تصدع وفتور وتراجع نتيجة التحولات الإقليمية والتي دفعت حماس الخروج من سوريا، التي تمثل عصب التركيز الإيراني، والتي قامت فيه حماس وفقاً لمعطيات الاصطفاف مع الشعوب، وهو الأمر الذي شكل حالة ضغط عليها، وهو الأمر الذي لعب دوراً في التراجع في العلاقة بينهما، حيث إن هذه المرحلة وردات الفعل التي حصلت. الأمر الذي اعتبرته إيران موقفاً غير حكيم من قبل الحركة تجاه نظام احتضنها لسنوات طويلة، ويعمل في فلك حلف الممانعة.
شكل وأهداف الحلف المستقبلي:
منطلقات الرؤية الإيرانية.[7]
أنه يٌحدث توازنا في تحقيق الردع مع إسرائيل في ظل عدم القدرة على ردعها المباشر، من إيران الدولة فتلجئ لاستخدام أذرعها وأصدقائها في المنطقة. تعزيز العلاقة مع حلفاءها التقليديين، وتطوير العلاقة مع الحلفاء غير المنسجمين معها الانسجام التام. صناعة حالة إقليمية، تعمل على تأمين التوسع الإيراني في حصر النفوذ الأمريكي والقوى الإقليمية الموالية له، على أساس الدبلوماسية الناعمة، والتي يعتبر موقفها الإيجابي تجاه فلسطين أبرز قوة ناعمة في ذلك. البقاء على طاولات صانع القرار الإقليمي والدولي في تقرير مصير المنطقة وفرض شروطها ضمن استراتيجية الوقوف في وجه قوى الهيمنة.
توجهات قوى المقاومة للتفاعل مع المحور الإيراني:
تعتمد فصائل المقاومة الفلسطينية على الدعم الخارجي اللوجستي والمالي والإنفاق على الجانب العسكري، وهو الأمر الذي تبنيه على استراتيجية بناء الحلفاء القائم على شكل العداء “لإسرائيل”، وهو الأمر الذي يشكل لها حالة ارتياح خاصة في ظل التحولات الإقليمية. حيث ترى قوى المقاومة أن أي طرف معادي لإسرائيل، يجب أن يكون صديقاً ومع أن يكون حليفاً لمواجهة الترسانة “الإسرائيلية” بما يخدم الهدف الاستراتيجي القائم على التحرير. وفي هذا الإطار فإن إيران تمثل داعما استراتيجيا بالتقنيات والدعم اللوجستي، وهو الأمر الذي لا تتجرأ قوة إقليمية إلى الآن أن تكون حاضنة بالشكل التي عليه إيران.
يقول إبراهيم حبيب[8]: أسس هذا المحور كانت موجودة بين إيران وحزب الله وحماس والنظام السوري، فكان الدعم كبيرا من قبل إيران منذ العام 2006، لكن دخلت حالة فتور على الخط بعد الأزمة السورية، إلى أن جاءت التحولات الإقليمية ساعدت على عودة بناء هذا المحور، بعد المخاطر التي تحيط بإيران.
مقومات بناء هذا المحور:
إن تقاطع المصالح في بعض الأحيان يدفع بعض القوي إلى التحالف في ظروف محددة تحت عناوين محددة، حيث إن بعض اللاعبين يدفع إلى الصداقة والرؤى تحت عناوين محددة، والمتمثل في بعض الأطراف العربية التي تعمل على تمديد إسرائيل، يدفع تلك القوى للتكتل في اتجاه متناقض مع المشروع “الإسرائيلي”.
فلقد أدى فشل الإدارات الأمريكية المتعاقبة وأسهم في زيادة النفوذ الإيراني. فهناك مجموعة من العوامل أدت إلى تكون محور إيراني واتساع نفوذه. أيضاً الثورة اليمنية والتي كان الموقف السعودي فيها سلبي حال دون وصول الإصلاح اليمني لإمساك زمام المبادرة هناك، الامر الذي فسح المجال لحليف إيران (أنصار الله) الحوثي للتمركز والسيطرة في اليمن. وهي الأمور التي سنقف عليها في دورها في المساهمة في بناء وتفعيل المحور.
مقومات دولية:
- استعداء الإدارة الأمريكية والإدارات اليمينية المتطرفة في “إسرائيل” لإيران واتهامهم بالإرهاب ودعمه، وهنا يتم تعريف الإرهاب من وجهة نظرهم بنسبته لكل حركات المقاومة في المنطقة.
- الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، ونقل السفارة، والضغط على الأونروا، ودعم سياسة تهديم المنازل في القدس، جعلت من هذا التصنيف أكثر وضوحا.
- تصدر اليمين المتطرف في “إسرائيل” ووصول ترامب إلى السلطة، أعاد ترتيب الأوراق ليوحد القوى التي اختلفت في تشخيصها وتناولها لبعض ملفات المنطقة، وشكل محورا مستعدا اليوم ليكون هو وإيران في خندق واحد.
المقومات الإقليمية:
- ضعف المحور العربي وتماسكه وتوجهاته، التي هي عكس توجهات القوى المعادية للمشروع الأمريكي.
- الحالة التطبيعية الغير مسبوقة عربياً مع “إسرائيل”.
- التحالف السعودي الإماراتي مع أمريكا من أجل استدراج الأخيرة لحرب ضد إيران.
- وفي نفس الوقت استدرجت “إسرائيل” الولايات المتحدة لحرب ضد إيران أيضاً، مراهنة على التفاعل العربي، الذي يزيد من هذه الحالة الرغائبية، لكنها فشلت إلى حد الآن.
المقومات الأيديولوجية:
يتشابك الموقف الإيراني مع قوى المقاومة الفلسطينية على ضرورة إنهاء الوجود “الإسرائيلي”. وكذلك ينظرون إلى أن “إسرائيل” راعية للإرهاب في المنطقة، وزوالها سيضعف حلفاءها التقليدين.
والخلاف مع المحور السعودي من قبل حلفاء إيران ذات الطابع المذهبي الذي ذكرناه سابقاً، حيث تتشارك معهم قوى المقاومة في أن العداء والتطبيع الذي تقوده بعض دول مجلس التعاون يضعهم في نفس المربع على قاعدة العداء لإسرائيل والقوى المعادية له لا العكس.
يقول محمود مرداوي[9]: إن الدعم الذي تقدمه إيران لوجستياً وتقنياً، لعب دوراً هاماً في تقدم العلاقات، وبناء الرهان عليها. حيث إن هذا الأمر يعطى مؤشرات مهمة على صعيد الرؤية الإيرانية القائمة على إنهاء “إسرائيل” وهو الهدف الذي يتقاطع مع رؤية قوى المقاومة الفلسطينية.
فمشاريع ذاتية وموضوعية تدفع لذلك، ونظراً لأن الاستراتيجية الإيرانية صارمة وتعتمد أدوات ومقدرات هامة ومشتركة في الحاجة إليها لمواجهة “إسرائيل” فهناك احتياج من قبل المقاومة لإيران، في كل الأحوال وهي دولة قوية ونافذة والعلاقة معها مكسب فكيف في ظل غياب القوى الداعمة للقضية الفلسطينية، وخاصة في ظل انسداد الأفق وفي المقابل فإن إيران هي الداعم الوحيد للمقاومة بدون شروط وبكامل الترحيب.
وهذا يعطى مؤشر مهم من مؤشرات الاصطفاف الفلسطيني المقاوم إلى جانب إيران، ومع بروز العداء لإسرائيل وامتداد رقعة تهديده، تزايدت الرغبة بين الطرفين لأن تكون حلفا مشتركا في إطار معادة إسرائيل، لكن دون الشكل المذهبي التي تسير به إيران.
يقول صلاح الدين العوادة[10]: إن المحور الذي ترسمه إيران في المنطقة جاء بعد حالة الفراغ الإقليمية والتي أدت بدورها لمن يملأ الفراغ على قاعدة أن: أن قوة إسرائيل التقنية والتكنولوجية، جعل من إيران وحلفائها تحقيق التطور الذاتي وهو الذي يمثل القرب من التحالف ولديه مقومات فاعلة، يمكنه الصمود في التشابك والتعاون الاستمرار.
فالمشروع الإيراني يبحث عن حلفاء له سواء دول، أو قوى فاعلة أقل من دول، ولو تحدثنا عن حماس كحليف لإيران ظلت العلاقة بعد مرج الزهور وتطورت حتى وصلت إلى الشكل الذي عليه اليوم، بعيداً عن مرحلة الفتور التي جرت في السابق. وكذلك فإن الأطراف الإقليمية السنية التي تسير مع “إسرائيل” وزيادة عدائها لحماس أدي بها للتفاعل مع المحور الإيراني.
هنا يمكن القول: إن إسرائيل لا يمكنها شن حرب ضد إيران أو حزب الله أو غزة، والمؤسسات “الإسرائيلية” الاستخباراتية والأمنية لم تكن متوقعة قوة إيران بهذا الشكل ولا تستطيع أن تغامر في حرب معها، آخرها تدمير مؤسسات أرامكو أظهر فيها هذا المحور امتلاكه تقنيات عالية دون أن تكتشفها الرادارات. الأمر الثاني: أن “إسرائيل” لا تستطيع حصر الجبهة التي ستواجهها في حال شنت حرب على أي الأطراف الإقليمية التي ستشترك في هذا الإطار وهو الأمر الذي يقيد خياراتها في الدخول في أي مغامرة إقليمية، ربما تتحرك جماعات في اليمن أو العراق أو في سوريا، وهو الأمر الذي يمثل عنصرا مساعدا لتطوير إيران من حلفائها ونفوذها، وهو الأمر الذي يمثل فشلا في تقويض الدور الإيراني.
ولقد مرت حربان على قطاع غزة وكانتا ميدانين للتعاون المشترك الموجع للكيان، عام ٢٠١٩ كان فيها اعتداءات “إسرائيلية” أمريكية على كل مكونات المحور. حصار إيران والتداعيات الحاصلة في الخليج وفي لبنان وفي العراق وفي فلسطين وفي اليمن. كلها زادت من التنسيق والرؤية المشتركة للأحداث بين مكونات المحور.[11]
ولعل حرب 2014 كان لها أثر مهم في إعادة صياغة ومعالجة العلاقة مع حماس وفق الرؤية الإيرانية والتي كان تقدير الموقف فيها، أن حماس هي القوة الفاعلة في قطاع غزة ولابد من إعادة ترميم العلاقة معها، حيث عقب الحرب نشرت حماس يافطات في المفترقات الحيوية في قطاع غزة، تحمل رسالة مفادها، شكراً إيران ويتخللها صورة لراجمات الصواريخ وبعض السلاح التي دعمت فيه إيران قوى المقاومة الفلسطينية، هذه الرسالة تناولتها القنوات التي تحمل التوجه الإيراني بقطاع غزة لتحمل رسالة من حماس مفادها إعادة ترميم العلاقة مع المحور الإيراني.
حيث إن هذه المرحلة لم تدشن العلاقة بالشكل المطلوب بقدر أنه تمحورت في العلاقة المباشرة مع الجناح العسكري لحركة حماس. لكن وبعد منتصف عام 2017م، وظهر متغير جديد وقيادة جديدة لحركة حماس، أدت إلى تحول في هذا المسار في التوجه لترميم العلاقة مع إيران بشكل أكثر وضوحاً وأوسع التئاماً.
حيث يقول عبد الله عقرباوي[12]: إن التطورات التي حصلت في مستوى المقاومة الفلسطينية، كماً ونوعاً ذهب إلى تحولها لعلاقات وطيدة يمكن الرهان عليها إيرانياً تجاه ردع إسرائيل، وكذلك فإنه يمكن القول إن العلاقة مع حماس مختلفة إلى حدِ ما مع علاقات إيران بأذرعها المختلفة.
وعليه: فإن حماس تنظر على أنها ليست ذراعا بقدر ما أنها تقف إلى كل من يعادي إسرائيل. واعتبر أنه مع القيادة الجديدة لحركة حماس أدى ذلك لتصاعد وتتطور العلاقة منذ منتصف عام 2017، أي بعد الانتخابات الداخلية لحركة حماس، والذي كان بدوره أمراً مهماً في تطوير مسار العلاقة بعد حالة الفتور.
كما أن العام 2019 أكثر المسارات وضوحاً عقب الزيارة الواسعة التمثيل القيادي لحركة حماس إلى طهران، والتي تعطي مؤشرا مهما على ضرورة تشكيل محور المقاومة بالشكل الذي يحمي القوى من التهديدات الأميركية وحلفائها في المنطقة. بعد زيارة نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري ووفد قيادي رفيع لطهران بتوجيهات من رئيس حركة حماس إسماعيل هنية، وتواصله مع المرشد الأعلى للثورة.[13]
فهذا العام من ناحية الزمان يشكل مرور تجربة حوالي ١٠ سنوات قاسية على المحور، تمحصت فيه ملفات شائكة اختلفت فيه وجهات النظر، وبات مستقرا اليوم أنه لابد من توحيد وجهات النظر بين هذه المكونات كما قال القدومي.
مخاطر المحور على “إسرائيل”:
تحاول “إسرائيل” جاهدة أن تعطل أو تعترض ما يجري، لأنها لا تسمح لبناء بيئة جذرية معادية “لإسرائيل” ونماء قوى في محيطها تؤدى إلى إضعافها وهو الأمر الذي تعمل على تحقيقه من خلال عدة استراتيجيات: أولها استخباراتية عسكرية من خلال توجيه ضربات في العمق، وكذلك سياسية وإعلامية من خلال تحقيق الشرخ الطائفي المعادي لكل أبناء الأمة والمعيق لكل المشاريع المعادية للمشروع الإسرائيلي الأمريكي في المنطقة، وتعميق الوجود الإمبريالي في سبيل تحقيق ذلك. مما يشكل خطرا كبيرا عليها، ضمن فرض طوق كامل عليها، وهو ما أوضحته المستويات المختلفة في المؤسسات “الإسرائيلية”.
في إطار تلك الاستراتيجيات جاءت الاستهدافات التي خلفتها جماعة الحوثي لشركة أرامكو يزيد من مخاطر وتهديد واقعي لاستخدام المسيرات لما يدفع من استهداف لمناطق حساسة. وكذلك أيضاً فإن تعدد الجبهات يشكل خطراً أكبر بالنسبة لها، لما تمتلكه من تطور في كل الاتجاهات كما قال حبيب.
فالمحور يتجه إلى البناء الاستراتيجي القائم على المصالح الموضوعية، التي جمعت الأطراف، وهو يتجه إلى بناء أعمق مع تقدم الأيام وطبيعة مستوى الرهانات. حيث قال اللواء يعقوب عميدور: خطر صواريخ كروز الإيرانية معروف، علينا إنفاق الكثير من المال لمواجهة هذا التهديد بالقدر الكافي. بغض النظر عن تشكيل الحكومة -لن يكون هناك مفر من إضافة أموال كبيرة إلى ميزانية الدفاع الإسرائيلية، لأن الميزانية الحالية ليست كافية للتعامل مع أي تهديدات ضدنا.[14]
خلاصة:
بعد حالة الفتور التي سيطرت على العلاقة إبان الثورات العربية تحديداً الأزمة السورية، ووفق ظروف التحولات الإقليمية، أدركت الأطراف أهمية ترميم العلاقات لمواجهة المخاطر والتحديات، والذي بدوره أدى لتطور العلاقات إلى موقع متقدم، فلقد أضحى المحور يرى نتائج ملموسة وواقعية وإنجازات ميدانية، وميزان رادع لا بأس به، فحادثة استهداف أرامكو في المملكة العربية السعودية من خلال المسيرات، لا تنبئ فقط بتطور قدرات المقاومة بل إن أمريكا لم تستطع أن ترد على مثل هذه الحادثة، وذات الشيء في قطاع غزة المحاصر والذي لا يوجد فيه أي أسباب للحياة، تجد أن المقاومة هناك تقف بالمرصاد لكل تجاوز “إسرائيلي”، وبمهارة عالية تستطيع ضبط إيقاع الأداء حتى لا يندرج إلى ما بعد حافة الهاوية. هذه التطورات تؤكد نجاعة هذا المحور وتقدمه واستمراره [15]
الهامش
[1] “مستقبل الـتوغل الإيراني في سوريا في ميزان نظرية الـدور في الـعلاقات الـدولية”. مركز العصر للدراسات الاستراتيجية. 6 أغسطس/ اب 2017. تاريخ الدخول (17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019). http://alasersfs.com/feed/
[2] دراسة فراس إلياس، “مستقبل مكانة إيران الإقليمية في الشرق الأوسط”. 2017: مجلة الحرب الهجينة العدد الخاص
[3] “إيران والقضية الفلسطينية: الواقع والمتغيرات”. مركز الجزيرة للدراسات. 13 ديسمبر/ كانون أول 2012. تاريخ الدخول (18 أكتوبر/ تشرين الأول 2019). الرابط
[4] حسين؛ أحمد؛ وآخرين: “القوة الناعمة في المنطقة العربية (السعودية -تركيا-إيران) دراسة في الاستراتيجيات والتأثير”. (مركز الفكر الاستراتيجي-2018) ط1. ص219
[5] خالد القدومي-مقابلة أجراها الباحث معه، من خلال الإيميل، بتاريخ: 9-10-2019.
[6] قلعجية؛ وسيم “روسيا الأوراسية كقوة عظمى جيبولتيك الصراع ودبلوماسية النفط والغاز في الشرق الأوسط.2019 ط1، الدار العربية للعلوم والنشر، ص 107.
[7] الصمادي؛ وآخرون: “العرب وإيران مراجعة في التاريخ والسياسة”. (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات-2012) ط1. ص 115-116
[8] تم إجراء المقابلة عبر أسالة تم تقديمها له والرد عليها من خلال الإيميل بتاريخ: 7-10-2019
[9] مقابلة شخصية أجراها الباحث معه في تركيا-إسطنبول بتاريخ 9-10-2019.
[10] مقابلة شخصية أجراها الباحث معه في تركيا-إسطنبول بتاريخ 8-10-2019.
[11] الاستهدافات الإسرائيلية بين رسم مناطق النفوذ وتحقيق أهداف انتخابية، وكالة الأناضول للأنباء،28 أغسطس/ اب 2019: تاريخ الدخول:( 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019). الرابط
[12] مقابلة شخصية أجراها الباحث معه في تركيا-إسطنبول بتاريخ: 9-10-2019.
[13] هنية يرسل رسالة للخميني يثمن فيها دعم إيران، أمد للإعلام، 1 سبتمبر/أيلول 2019، تاريخ الدخول (8/أكتوبر/تشرين الأول 2019) الرابط
[14] Iranian Supreme Leader Ali Khamenei Is One Despot Trump Might Not Win Over، مجلة تايمز، 3 أكتوبر/تشرين الأول 2019. تاريخ الدخول (7 اكتوبر/تشرين الأول 2019). الرابط –
[15] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.
أقرأ ايضا تطورات الأزمة الإيرانية واستراتيجيات الأطراف الفاعلة