تقاريرمجتمع

المتاحف الأثرية في مصر: الواقع والمأمول

تمهيد:

أظهر تقرير حديث صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ضمن كتيب “مصر فى أرقام” لعام 2018، أن إجمالي عدد المتاحف بمصر يبلغ 72 متحفاً موزعة بين 19 محافظة على مستوى الجمهورية1 ، ومن المعروف أن المتاحف التابعة لوزارة الآثار ضمن العدد الإجمالي للمتاحف المصرية لا تزيد عن 50 متحفاً، وقد بلغ إجمالي الإيرادات التي حققتها تلك المتاحف خلال عام 2016 بلغت 45 مليون جنيه، من زيارة 974.4 ألف شخص لجميع المتاحف التابعة لوزارة الآثار2 .

ومن الملاحظ بشكل عام أن زيارات السياحة للمتاحف الأثرية تتناقص بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، هذا بالرغم من التسارع في انشاء متاحف جديدة أو اعادة افتتاح متاحف أخرى كانت مغلقة، وهذا الأمر هو ما دعانا للبحث عن أسباب هذه الظاهرة والعمل على ايجاد وسائل مقترحة لعلاجها.

والمتاحف بشكل عام هي مرآة تعكس حضارة وتاريخ الشعوب أمام الأجيال، فمن خلال المتاحف تتعرف الأجيال على مراحل وفترات من تاريخ بلادها، كما أن المتحف مؤسسة تربوية تعليمية ثقافية وترفيهية، تعمل على خدمة المجتمع من خلال قيامها بجمع وحفظ وعرض وصيانة التراث الحضاري والتاريخي الإنساني والطبيعي؛ وتعتبر منظمة المتاحف العالمية المتاحف بأنواعها المختلفة؛ المكان الأمين الذي يحفظ فيه تراث البشرية الحضاري والفني والصناعي والطبيعي والتاريخي على مر العصور التاريخية المختلفة3 ، والمتاحف تشكل في حد ذاتها وسيلة من أهم وسائل التعرف على تاريخ أمة من الأمم أو شعب من الشعوب من قبل الدارسين والباحثين4 .

أولاً: نشأة المتاحف:

يُرجع البعض فكرة وجود المتاحف بشكل عام إلى مصر الفرعونية، فبعض الباحثين وعلماء الآثار والمتاحف أكدوا على أن فكرة المتحف وإنشائه كانت لدى المصريين القدماء؛ فهم الذين وضعوا التماثيل أمام صروح معابدهم وفي قصورهم، حتى أن الملك رمسيس الثامن خلال عصر الدولة الحديثة قام بعمل ترميمات عديدة لآثار أجداده السابقين وقد سجل أعماله تلك على قاعدة في معبد الشمس، وبالرغم من أن المصريين القدماء لم يكن لديهم مفهوم المتحف بشكله المعاصر، إلا أنه يمكن القول بأن المعابد المصرية بشكل عام كانت أشبه بالمتاحف 5 .

أما في العصر اليوناني فقد اشتقت كلمة متحف “Museum ” من اسم مُلهمات الشعر وربات الفن أو الميوزات التسع6 ، وأشهر متحف تم انشائه في مصر في ذلك العهد كان في الاسكندرية، وهو الذي أسسه “بطليموس الأول” سنة ٢٩٠ بناءًا على نصيحة ” ديمتريوس الفاليرى” تلميذ أرسطو، وكان عبارة عن مؤسسة بحثية علمية شاملة فقد كان يحوي العديد من قاعات البحث ومكان لإقامة العلماء ومكتبة كبيرة وقاعة لتناول الطعام7 .

وفي العصر الروماني، اسُتغلت الحملات العسكرية العديدة التي اشتهرت بها الحضارة الرومانية في جمع المقتنيات التي عادوا بها من البلاد التي غزوها، حيث عادوا بألاف التماثيل والمنحوتات الذهبية والفضيه وغيرها، وجاء أول تفكير في جمع هذه المقتنيات في مكان واحد من خلال الكنيسة الكاثوليكية الرومانية التي لعبت دوراً كبيراً في جمع المقتنيات الفنية فترة عصر النهضة، ولكن لم تكن زيارة هذه الأماكن متاحة لعامة الشعب بل كانت ملكية خاصة اقتصرت على الملوك والنبلاء والأثرياء والتجار 8.

أما الشكل الحالي للمتاحف ففقد كان أول ظهور له في لندن مع نهاية القرن السابع عشر9 ، أما في مصر فقد بدأ الاهتمام بهذا الجانب أيضاً منذ عهد محمد على باشا حين أمر بتأسيسي أول متحف في منطقة الأزبكية وسط القاهرة عام 1935، وفي عام 1850 قدم إلى مصر العالم الفرنسي “أوجست مارييت” موفداً من قبل الحكومة الفرنسية للبحث عن بعض الآثار والمخطوطات، وظل يعمل في التنقيب حتى جعله سعيد باشا مأموراً لأعمال العاديات بمصر عام 1858؛ فأصلح مخازن بولاق ووسعها وافتتحها في حفلة رسمية حافلة سنة 1863، وبعد وفاته نُقل المتحف إلى الجيزة سنة1891 10.

ثانياً: أنواع المتاحف:

للمتاحف أنواع متعددة من أهمها:

1ـ المتاحف الأثرية:

هي أقدم أنواع المتاحف في العالم أجمع، وهي التي تضمن إستمرارية الذاكرة وتروي حكايات وتاريخ وحضارات الشعوب من خلال القطع الأثرية المعروضة التي تعود إلى حضارات سابقة من الصعب أن نراها غالباً في الحقيقة؛ وهذا ما يساعد على تمتين العلاقة بالتاريخ والهوية، ولذلك فالمتحف الأثري هو مكان مفتوح أمام الجمهور لعرض قطع أثرية وتقديمها بعدة أشكال كالعروض الدائمة والمؤقتة، ولوحات الشرح، فضلاً عن تنظيمات وأساليب أخرى متنوعة، وترتكز النواة الأساسية للمتحف الأثري على وجود العروض11 .

2ـ المتاحف العلمية والتربوية:

تعتبر من أحدث أنواع المتاحف، وتضم معروضات تفاعلية ومشوقة وتعتبر إندماجا جميلاً بين العلم والفن، وهي كثيرة ومتنوعة منها؛ متاحف الزراعة والفيزياء والطبيعة وغيرها12 .

3ـ المتاحف الفنية:

تتميز بعرض الفنون الجميلة بما في ذلك اللوحات والمنحوتات والفنون الزخرفية مثل: متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك، ومتحف اللوفر بباريس13 ، ومتحف الفن المصري الحديث بدار الأوبرا بالقاهرة.

4ـ المتاحف التاريخية:

وهي التي تحكي من خلال معروضاتها عن تاريخ الوطن، وقد بذلت الثقافات القديمة من الوقت والجهد لتعليم الاطفال (التاريخ)، وذلك لإحساسهم بأن الفهم العميق للماضي والتاريخ يساعد الجيل القادم على تكوين شخصيته واستيعاب هويته الإنسانية، ولذلك مهما تطورت الأوطان فإنها تبقى مزيجاً متكامل الأجزاء بين الماضي والحاضروالمستقبل14 .

ثالثاً: المتاحف الأثرية في مصر:

والمتاحف الأثرية في مصر هي التي تتبع وزارة الآثار؛ منها المفتوح للزيارة ومنها المغلق ومنها ما تحت الإنشاء، والمفتوح للزيارة منها 32 متحفاً والباقي مغلق إمّا للتطوير أو لدواعي أمنية كما تقول السلطات، والمتاحف التابعة لوزارة الآثار هى المتاحف الكبرى بالقاهرة والإسكندرية؛ كالمتحف المصرى، والمتحف اليونانى الرومانى، والمتحف الإسلامي، والمتحف القبطى، ومتحف الحضارة، والمتحف الكبير (تحت الإنشاء) بالإضافة إلى المتاحف الإقليمية الموزعة على المحافظات، والمتاحف التاريخية الخاصة بعصر الأسرة العلوية15 ، أما عدا ذلك من متاحف فهى تتبع وزارات مختلفة، مثل المتحف الزراعى التابع لوزارة لزراعة، والجيولوجى التابع لوزارة البترول والتعدين، ومتحف جامعة القاهرة التابع للجامعة، ولا تخضع هذه المتاحف لوزارة الآثار إلا فى عملية جرد القطع ذات الطابع الأثرى فقط، ومن المتاحف الأثرية في مصر:

1ـ المتحف المصري:

افتتح المتحف المصري في نوفمبر عام 1902، من قبل الخديوي عباس حلمي الثاني في موقعه الحالي شمال ميدان التحرير في وسط القاهرة، وتبلغ مساحته 13600م2، يكسوه لون بني فاتح للغاية، وتحيط به حديقة واسعة، تتناثر فيها تماثيل عدة وأحجار فرعونية ثقيلة تعلن عن محتوى المتحف، وأول مصري تولى ادارة المتحف كان أحمد باشا كمال، ويُعدّ المتحف المصري أكبر متحف في العالم يضم حضارة شعب واحد16 ، فهو يضم أعظم مجموعة من الآثار التي ترجع للعصر الفرعوني، حيث يشتمل على أكثر من 120 ألف قطعة أثرية، مابين تماثيل صغيرة وكبيرة ومومياوات للملوك الفراعنة فضلاً عن كنوز مقبرة الملك توت عنخ آمون، بما فيه القناع الذهبى17 ، وكان المتحف المصري يضم الأرض التي كان مقاماً عليها مبنى الحزب الوطني المنحل والتي استردها المتحف في مارس 2014 ، وقال وزير الآثار حينها الدكتور ممدوح الدماطي أنها سُتعيد المتحف إلى صورته عند افتتاحه عام 1902 حين كان يضم 32 ألف قطعة فقط تشمل المعروض وما كان بالمخازن 18

2ـ المتحف اليوناني الروماني:

تبلورت فكرة إنشاء المتحف بمدينة الإسكندرية في حوالي عام 1891 وذلك حفاظا على الآثار المشتتة في مجموعات لدى الأفراد مثل “جون انطونيادس” وغيره، وقد أقيم هذا المتحف في مبنى صغير في أول الأمر يتكون من خمس حجرات في شارع رشيد عام 1893، ولكن لعدم استيعاب هذا المبنى لكميات الآثار المراد عرضها فقد قررت بلدية الإسكندرية حينها إقامة متحف الإسكندرية، وهو المبنى الحالي، وقد قام بتصميمه “ديتريش وستيون” وقد كان عدد قاعاته إحدى عشرة قاعة انتهى العمل فيها بصورة متكاملة عام 1895، حيث افتتحه الخديوي عباس حلمي الثاني ونتيجة للنشاط الأثري وتزايد الاكتشافات تطلبت الحاجة زيادة عدد القاعات حتى وصل إلى 25 قاعة حالياً19 .

3ـ متحف الفن الإسلامي:

وقد أُنشئ متحف الفن الإسلامي بالقاهرة عام 1903 في ميدان أحمد ماهر وكان اسمه ميدان باب الخلق، ونُقلت إليه التحف الإسلامية المبعثرة في المساجد، أو التي عُثرعليها أثناء عمليات التنقيب في منطقة الفسطاط والعسكر والقطائع، وهي المدن التي أُنشئت قبل إنشاء مدينة القاهرة المعزيّة، وكان عدد القطع المودعة 7038 تحفة، ثم ازداد عددها عن طريق الاقتناء أو الإهداء، حتى تجاوز عددها الستين ألف تحفة إسلامية، وأهم هذه التحف وأشهرها المشاكي، وهي المصابيح الزجاجية؛ الملونة التي صنعت في دمشق أو القاهرة في العصر المملوكي، ويعدّ هذا المتحف أغنى متاحف العالم بمحتوياته لهذه المشاكي، وللآثار الإسلامية الأخرى التي تعود إلى العصر الفاطمي والعصر المملوكي خاصة وإلى عصور أخرى، كما يحوي أهم الزرابي (السجاجيد) الإيرانية والتركية والمملوكية، ومجموعات المسكوكات الإسلامية والأواني الفخارية المزخرفة20 .

4ـ المتحف القبطي:

ويُعدّ المتحف القبطي في القاهرة متحفاً فريداً على مستوى العالم وذلك بسبب محتوياته الخاصة بالتراث القبطي، وكان “ألفريد باتلر” قد أصدر كتابين باللغة الإنجليزية عن أهمية هذا التراث، مما دفع لجنة حفظ الآثار إلى جمع التحف القبطية من الكنائس والأديرة، وإيداعها في متحف خاص وذلك في عام 1910، ثم تزايدت عدد التحف المودعة فيه منذ عام 1915، ويحوي هذا المتحف مجموعة كبيرة من الأحجار والتيجان المنقوشة بزخارف هندسية ونباتية أو حيوانية وأحياناً بشرية، وتمتاز هذه الزخارف بالدقة والمهارة التي تمتع بها الصانع القبطي؛ في إبداع التحف والزخارف الداخلية التي تزين الكنائس والأديرة والمنازل الكبيرة، ومن هذه التحف مجموعات من الأخشاب والمعادن والمسارج والشمعدانات والأطباق المصنوعة من الذهب أو الفضة أوالنحاس، مع مجموعات من الأباريق والصواني، ومن أبرز المعروضات مجموعات من النسيج القبطي المصنوع من الصوف أو الكتان على شكل قطع صغيرة أو على شكل ملابس كهنوتية أو ستائر هياكل الكنائس، إلى جانب مجموعات من أواني الفخار والزجاج ومجموعات من المنابر الحجرية والحنيات، في هذا المتحف ألواح رخامية مكتوبة، عُثر عليها في المقابر القبطية في القاهرة وخارجها في سقارة والفيوم وأسيوط وأسوان 21.

5ـ متحف الحضارة المصرية:

افتتح متحف الحضارة المصرية في القاهرة عام 1949 ، وقد ابتدأت فكرة إنشائه منذ عام 1939 ليمثّل حضارة مصر منذ فجر التاريخ وإلى الوقت الحاضر، وقام المؤرخون والأثريون ضمن لجان متعددة بدراسة الشواهد الحضارية لكل عصر من عصور مصر، وكان “حسين يوسف فوزي” أول مدير كُلف بالإشراف على تنفيذ مقررات هذه اللجان، وقام باختيار القطع المناسبة وتصميم المشاهد والحوامل والإطارات بوصفه رئيساً لقسم الزخرفة في كلية الفنون الجميلة، وتم إنجاز تصميماته ضمن تصنيف تاريخي مع تناسق في الوحدات وتوافق بالألوان22 ، ويضم متحف الحضارة مجموعة رائعة من مقتنيات القصور الملكية يبلغ عددها نحو 4288 قطعة، ويحوى المتحف نحو 1300 لوحة لكبار فنانى العالم بعضها يصل للقرن الخامس عشر وكلها لأسماء أشهر فنانى العالم، ومنهم على سبيل المثال “هنرى ماتيس” بلوحته الشهيرة سيدة شرقية فى مخدعها بنحو 120 مليون دولار، وكذلك الفنان “روجين دو لاكروا” ولوحته زهور والتى يزيد سعرها على 60 مليون جنيه، وتوجد أيضاً لوحات لا تقدر بثمن لكل من بيتر بول روبنز، وكلود مانيه، وبيكاسو، وجون كنستابل، بالإضافة لمجموعة من الأيقونات القبطية الأثرية وأعمال الخزف الصينى واليابانى القديم وقطع سامية نادرة، ومن بين المقتنيات سجادة صنعت منها ثلاث قطع فقط على مستوى العالم23 .

6ـ المتحف المصري الكبير:

وهو متحف حديث للآثار المصرية القديمة لا يزال تحت الإنشاء، وقد وُضع حجر أساسه في عام 2002 ، ويقع على بعد أميال قليلة غرب القاهرة بالقرب من أهرامات الجيزة ، وعلى مساحة 117 فداناً، ويُقام علي سهل صحراوي علي حافة وادي النيل، حيث يري زائره أهرامات الجيزة وهي أحد أعظم الآثار في العالم، ولقد أطلقت مصر حملة لتمويل المشروع الذي تقدر تكلفته بحوالي 550 مليون دولار، وتم افتتاح المرحلتين الأولى والثاني من المتحف المصري الكبير في 25 يونيو 2010 ، ويشير تصميم المشروع إلي طموح مصري كبير في إخراج تحفة معمارية جديدة حيث تغطي واجهة المتحف الجديد الألبستر ويتناغم سقفه مع الأهرام، وتقود البوابة المثلثة العملاقة في مدخل المتحف إلي باحته الرئيسية التي يتصدرها تمثال رمسيس الثاني الذي يصل وزنه إلي 83 طنا، أما واجهة المتحف فتبلغ مساحتها 600 متر عرض بطول 45 مترا، ويضم معامل متخصصة تحتوى على أحدث أجهزة ترميم الأحجار والجلود والمعادن والخشب بالاضافة الى المخازن الاثرية والتى ستقسم حسب نوع الاثار، كما يضم التصميم منطقة ترويحية على مساحة 25 فدان تتضمن أماكن الترفيه والخدمات والحدائق العامة المختلفة والمرافق ومناطق الترفيه والتى ستخدم الجمهور على مدار 24 ساعة، وروعى في فلسفتها تطور الحضارة المصرية وتنوعها وتشمل حدائق أرض مصر، وحدائق التماثيل الخارجية المتصلة بصالات عرض المتحف، وحدائق الكثبان الرملية بالإضافة إلى مجموعة من الحدائق العامة المتنوعة24 .

المتاحف الإقليمية:

أما المتاحف الإقليمية بالمحافظات فهي عديدة ومنها المهم جدا كمتاحف الأقصر وأسوان ومتحف المجوهرات بالإسكندرية وغيرها من المتاحف، وبالرغم من ذلك لم تجد أيضاً من زيارات السائحين ما يتناسب وأهميتها، فقد ذكر تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ضمن كتيب “مصر فى أرقام” لعام 2018 أن محافظة أسوان التي يوجد بها 3 متاحف بلغ عدد زوارها 252 ألف زائر فقط خلال عام 2016، هذا في الوقت الذي بلغ فيه زوار متاحف الأقصر – عاصمة السياحة في مصر – نحو 78 ألف زائر فقط خلال نفس العام، بالرغم من وجود 4 متاحف بها25 .

متاحف تشتمل على آثار وغير تابعة لوزارة الآثار:

كما أن هناك متاحف تحوي آثاراً وهي غير تابعة لوزارة الآثار ومنها:

1ـ المتحف الزراعي:

يقع بمنطقة الدقي بالجيزة، وقد أُنشأ في عهد الملك فاروق الأول، وهو يقع على مساحة 30 فداناً، يبدأ بالباب الكبير الذى أنشئ كسراى للأميرة “فاطمة إسماعيل” ابنة الخديو إسماعيل، بعده حديقه بها ثلاثة متاحف أقامتها الأسرة العلوية، تشتمل على الثروة الحيوانية والمحاصيل الزراعية وأنواعها التى كان يزرعها المصريون منذ 5 آلاف سنة26 .

2ـ متحف الشمع:

يقع بمنطقة حلوان، ويضم حوالى 116 تمثالاً موزعة على 26 قاعة صغيرة، تبدأ بالعصر الفرعونى وتنتهى بثورة يوليو، وفى سبتمبر 2009 أصدرت وزارة الثقافة قراراً بغلق متحف الشمع حفاظاً على سلامة الزائرين، بعد تقارير اللجنة التى استملت المبنى من محافظة القاهرة، والتى أكدت أن مواصفات الأمان منعدمة، وفى مقدمتها أن العروق الخشبية المكون منها الأسقف تحتاج لترميم، بالإضافة إلى عدم وجود وسائل تهوية مناسبة أو تأمين للمنشأة27 .

3ـ متحف السكة الحديد:

أنشىء في 26 أكتوبر عام 1932 وافتتح بشكل رسمي في 15 ينايرعام 1933، ويقع المتحف في ميدان رمسيس ويحكي قصة القطارات في مصر، وقد أسس ليكون نواة لمتحف علمي فني بمصر بمناسبة انعقاد المؤتمر الدولي للسكك الحديدية عام 1933، ويضم المتحف بحسب هيئة السكة الحديد أولى القاطرات التى تعمل بالديزل، والتى دخلت مصر فى عام 1855، بالإضافة إلى أنه يضم عدداً من الوثائق من ضمنها النص الأصلى، للعقد الذى وقعه الخديو عباس الأول فى 12 يوليو عام 1851 مع “روبرت ستينفسون” نجل مخترع القاطرة البخارية، لإنشاء خط سكة حديد يربط بين القاهرة والإسكندرية28 .

4ـ متحف تاريخ العلوم:

يقع بمدينة الإسكندرية، وهو يُلقي الضوء على الجانب التاريخي للعلوم في مصر في ثلاث حقبات تاريخية مهمة هي؛ مصر الفرعونية، والإسكندرية الهلينستية، والحضارة العربية الإسلامية في العصور الوسطى، ويحتفي المتحف أيضا بالعلماء الذين أثروا العلم والمعرفة بأعمالهم، كما يسعى متحف “تاريخ العلوم” إلى إحياء الاكتشافات العلمية والإنجازات العظيمة لقدامى العلماء وكذلك المترجمين الذين أتاحوا لهذه الأعمال أن تتخطى حواجز الزمان والمكان 29.

رابعاً: تطوير المتاحف الأثرية ـ خطوات إجرائية

بعد أن تعرفنا على واقع متاحفنا الأثرية اليوم، يتضح لنا أن هناك خللاً واضحاً في ادارة المتاحف في مصر بشكل عام، فبالاضافة إلى العائد الضعيف لهذه المتاحف التي تحوي أقدم وأميز آثار العالم، نرى أيضاً توزيع المتاحف – التي تحوي آثاراً – على العديد من الوزارات والإدارات المختلفة، هذا فضلاً عن إغلاق بعض المتاحف منذ سنوات طويلة دون وضع جدول زمني حقيقي للانتهاء من عملية تطويرها وافتتاحها، ولذا يجب علينا أن نعمل سوياً على كيفية تطوير متاحفنا وجعلها جاذبة للسياحة، ونقترح هنا بعض الآليات التي نأمل أن تتحقق يوماً ما ، والتي منها:

  1. البدء في انشاء هيئة قومية للمتاحف تتبع وزارة الآثار وتضم جميع المتاحف أياً كان نوعها، وتكون مهمتها الأساسية هي العمل على ادارة وتطوير هذه المتاحف، وهذا ما يحدث في معظم دول العالم.
  2. الاهتمام بالمتاحف الموجودة فعليا، وهذا يتطلب إمكانيات مادية وخبرة علمية يجعلها قادرة على ترميم تلك المتاحف واستحداث أساليب العرض بها، كما يتطلب متخصصين في توفير الأمان للأماكن الأثرية وحمايتها بشكل أفضل.
  3. العمل على أن تواكب متاحفنا التغيرات والتطورات العالمية المتسارعة، فلا ينقصنا الآن بناء متاحف جديدة قدر ما ينقصنا بناء فلسفة جديدة لعلم المتاحف، ووضع رؤية للتعامل معها.
  4. يجب الاهتمام بالسياحة، وخاصة سياحة الترانزيت، وذلك عن طريق إنشاء متاحف بمختلف أنواعها بالقرب من المطارات، مثل المتحف الذي أُنشأ بمطار القاهرة، فمثل هذا النوع من المتاحف التي تتوافر فيها الإمكانيات قد يؤهلها للمنافسة عالميا.
  5. الإهتمام بالمناطق الأثرية، وجعلها متاحف مفتوحة مثل شارع المعزّ لدين الله الفاطمي؛ وهو أكبر متحف إسلامي مفتوح في العالم، ويقع في قلب القاهرة الفاطمية، وهذا الشارع يُعتبر مرجعاً تاريخيّاً هامّاً خصوصاً وأن بوابات القاهرة التاريخيّة القديمة تحيط به من كل الجهات، هذا فضلاً عن أن هذا الشارع مدرج على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو30 .
  6. التوسع في عمل المتاحف الافتراضية على شبكة الانترنت التى تعرض القطع بأبعادها الثلاثية، والمتحف الافتراضي هو مساحة افتراضية مهمتها المساعدة على إدارة التراث الأثري الرقمي كالعرض والحفظ وغيرها، وهو يضم مجموعة من القطع الأثرية الرقمية ومصنفة بشكل منطقي31 ، وكان المتخصصون فى أول الأمر يرفضون عرض مقتنياتهم فى متاحف افتراضية، لكن مع الوقت أثبتت التجربة أن المتاحف الافتراضية تجذب المزيد من الجمهور للمتاحف الحقيقية32 ، وقد ظهر أول متحف افتراضي عام 1995 في فرنسا، وانطلاقاً من هذا التاريخ بدأت المتاحف بتطوير مشاريعها على شبكة الإنترنت، وأصبح اليوم لكل متحف مشاريعه الخاصة في عرض المجموعات الأثرية على خط الشبكة33 .
  7. ويُذكر أن وزارة الآثار المصرية كان لها تجربة فى إنشاء المتاحف الافتراضية على الإنترنت منذ عدة سنوات، وقد تكلف إتمامه 2.5 مليون دولار، تم من خلالها تركيب كاميرات فى مقبرة توت عنخ آمون بالأقصر، بحيث أتاح الموقع الإلكترونى للزائر القيام بجولة افتراضية داخل المقبرة ، ولم ينجح المشروع لأسباب عديدة34 .
  8. انشاء متاحف المواقع الأثرية، وهي متاحف مرتبطة بتنقیبات أو مواقع أثرية محددة35 ، ومتحف الموقع الأثري هو الجيل الجديد من المتاحف الأثرية كما ذكر تقرير اليونسكو لعام 198236 ، ومتاحف المواقع تقوم بمهمتين رئيستين فهي تحفظ المكتشفات والبقايا الأثرية في الموقع نفسه، ومن جهة أخرى تعرض هذا التراث ليكون مرئياً وقابلاً للزيارة من قبل شرائح الجمهور جميعها37 .
  9. إنشاء الحدائق الأثرية، وترتبط الحدائق الأثرية بربط المواقع الأثرية وتاريخها، وتشكل نمطاً مستثمراً من المتاحف، وتسمح الحديقة الأثرية للزائر باكتشاف أعمال الأثريين والتنقيبات ضمن الموقع، وتشكل زيارة الحفريات في الموقع تجربة فريدة للجمهور وخاصة المجموعات المدرسية38 ، ومن أهم الأمثلة على الحدائق الأثرية؛ حدائق عصور ما قبل التاريخ، وحديقة العصور الوسطى بفرنسا، وظهر هذا النمط منذ عام 1978 وهو تاريخ افتتاح الأركيودروم دوبون أول حديقة أثرية أعيد بناؤها في فرنسا39 .

خاتمة:

بعد أن ناقشنا واقع متاحفنا المصرية اليوم، والمستقبل المأمول لها، يمكننا القول إن مهام المتاحف وأساليب العرض وطرائقه لا تتوقف عند آلية معينة، فالتطور في هذا المجال مستمر، ولذا وجب علينا أن نواكب هذه التغيرات المتسارعة التي تحيط بنا وخاصة أننا نملك تراثاً فريداً يعشقه العالم أجمع، فلا بد أن نعمل على استغلال هذه الميزات التي تمثلت في هذا التراث الهائل، والتي لو أمكن حُسن استغلالها لأمكننا ذلك من أن نصبح في مصاف الدولة الغنية (40 ).


الهامش

1 ) اليوم السابع، الإحصاء يرصد متاحف مصر: 72 متحفا زارها 9.6 مليون فرد خلال عام، 9 ابريل 2018

2 ) جريدة البورصة، 45 مليون جنيه إيرادات المتاحف خلال 2016، في 26 يناير 2017

3 ) رولان بريتون، جغرافيا الحضارات، ترجمة: أحمد خليل خليل، منشورات عويدات، بيروت، لبنان، 1998.

4 ) عبدالفتاح مصطفى غنيمة، المتاحف والمعارض والقصور وسائل تعليمية، دار المعارف، الإسكندرية، مصر1990، ص أ

5 – رفعت موسى محمد، مدخل إلى فن المتاحف، الطبعة الأولى، الدار المصرية اللبنانية، القاھرة 2002، ص23

6 – بحسب الميثولوجيا الإغريقية القديمة، هن إلهات أخوات (أو حوريات أو مخلوقات إلوهية)، عرفن كمصادر إلهام أثناء التأليف الموسيقي، وفي أوقات لاحقة، بملهمات جميع أنواع الفنون والشعر والعلوم، حيث اعتبرن في بعض الأحيان تجسيدات لها. كان الإغريقيون القدامى يدعون إليهن طلبًا للإلهام، ولإبراز أعمالهم بشكل مميز.

7 – عزت زكي حامد قادوس، علم الحفائر وفن المتاحف، دار المعارف الجامعیة، الإسكندریة، مصر 2005، ص162 -163

8 – رفعت موسى محمد، مرجع سابق، ص26

9 – أمل عبدا لخالق محمود عواد، أساسيات التصميم الداخلي لمتاحف الفنون التطبيقية بجمهورية مصر العربية، دراسة ماجستير غیر منشورة، كلیة الفنون التطبیقیة، قسم التصمیم الداخلي، جامعة حلوان، مصر، 1994

10 – رفعت موسى محمد، مرجع سابق

11 – DESROSIERS Pierre, 2005, p.299

12 – عزت زكي حامد قادوس، مرجع سابق

13 – ثناء يوسف العاصي، تربية الطفل نظريات و آراء، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2000 .

14 – ھبة رضوان یوسف الحق، التصمیم الداخلي للمتاحف العلمیة، دراسة میدانیة، المتاحف الطبیة، رسالة ماجستیر غیر منشورة، كلیة الفنون الجمیلة، قسم الدیكور، جامعة الإسكندریة، مصر 1997

15 – المصري اليوم، متاحف مصر «المهجورة» مقابر التراث والحضارة، 19 ديسمبر2014

16 – رفعت موسى محمد، مرجع سابق

17 – اليوم السابع، أشهر 10 متاحف أثرية فى العالم، الثلاثاء، 20 مارس 2012

18 – موقع العربية، إعادة هيكلة متاحف ومعارض الآثار الفرعونية، في 25 أغسطس 2015

19 – فكري حسن، المتحف اليوناني الروماني، المجلس الأعلى للآثار، القاهرة 2004

20 – أحمد الشوكي، دليل متحف الفن الإسلامي، وزارة الآثار، القاهرة 2016

21 – جودت جبرة، المتحف القبطي وكنائس القاهرة القديمة، الشركة المصرية العالمية للنشر، القاهرة 1996

22 – كمال الملاح، صبحي الشاروني، رشدي إسكندر، الفن التشكيلي الحديث والمعاصر في مصر، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس1998

23 – الوطن، متاحف مصر الفنية.. كنوز تحولت إلى أطلال، 2 أكتوبر 2016

24 – جريدة الوفد، معلومات لا تعرفها عن المتحف المصرى الكبير، 10 يونيو 2016

25 – اليوم السابع، الإحصاء يرصد متاحف مصر، مرجع سابق

26 – الوطن، المتحف الزراعي المصري.. الثاني من نوعه عالميا وتخطى الـ80 عاما، 28 ديسمبر 2017

27 – اليوم السابع، س و ج.. كل ما تريد معرفته عن متحف الشمع منذ تأسيسه 1937، 3 نوفمبر 2017

28 – موقع ميدل ايست اون لاين، متاحف أثرية مصرية مهجورة، 13 يونيو 2016.

29 – التحرير، المتاحف العلمية في مصر «مخازن» للتحف والمقتنيات الأثرية المتاحف العلمية في مصر «مخازن» للتحف والمقتنيات الأثرية ، 10 فبراير 2015

30 – موقع الجميلة، متاحف مصر تختصر الحضارات، سوريا في 28 نوفمبر 2016

31 – Andrews et Schweibenz, 1998, Art Documentation, numéro du printemps, in Schweibenz W., 2004, p.3.

32 – خالد عزب، متاحف مصر رؤية مستقبلية، جريدة الأهرام ، 19 سبتمبر 2016

33 – متاحف الآثار هويتها، تطورها وواقعها المعاصر، مجلة جامعة دمشق–المجلد 30 – العدد 3 ، ص 574

34 – المصري اليوم، متاحف مصر «المهجورة» ، مرجع سابق

35 – متاحف الآثار هويتها، تطورها وواقعها المعاصر، مرجع سابق، ص 562

36 – المرجع السابق، ص 563

37 – ICOMOS,(Conseil International des Monuments et des Sites), 1996, Chartes internationales sur la conservation et la restauration, UNESCO, Paris.

38 – متاحف الآثار هويتها، تطورها وواقعها المعاصر، مرجع سابق، ص 569

39 – المرجع السابق، ص 570

40 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

 

الوسوم

د. حسين دقيل

أكاديمي مصري،باحث ومتخصص في الآثار حاصل على الدكتوراه في الآثار اليونانية والرومانية من جامعة الإسكندرية حاصل على الدراسات العليا في التربية قسم اللغة العربية من جامعة جنوب الوادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى