تمهيد:
في 23 أبريل 2017، قام “عبد الفتاح السيسي” بزيارة للمملكة العربية السعودية، التقى فيها الملك “سلمان بن عبد العزيز”، لتنتهي معها حالة الجمود الذي اتسمت به العلاقات البينية بين البلدين منذ أزمة أكتوبر الماضي، والتي لم تؤد لقطيعة في العلاقات الاقتصادية أو الدبلوماسية، وإنما حالة من البرود والجمود؛ نتيجة خلافات بينية في أكثر من ملف، على رأسهم الملف السوري واليمني، وقد كان أحد أهم ملامح هذا التوتر توقف شركة أرامكو السعودية عن ضخ شحناتها لمصر، تبعها تصعيد إعلامي متبادل.
لم تكن زيارة السيسي للسعودية هي أولى خطوات إذابة الجليد بين البلدين، ففي 22 يناير 2017، وافق مجلس الدفاع الوطني المصري على تمديد مشاركة العناصر اللازمة من القوات المسلحة المصرية في عاصفة الحزم باليمن (1). وفي 15 مارس 2017، أعلنت وزارة البترول المصرية عودة شركة أرامكو لضخ المنتجات البترولية لمصر دون تحديد موعد استئناف هذه الشحنات (2). وفي 29 مارس، التقى “السيسي” بالملك “سلمان” على هامش القمة العربية بالأردن، وهو أول لقاء رسمي بينهما منذ أزمة أكتوبر الماضي (3). وفي 2 أبريل الماضي، قضت محكمة الأمور المستعجلة بإسقاط حكم الإدارية العليا الخاص بقضية تيران وصنافير، واستمرار سريان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، والتي بموجبها يتم تسليم الجزيرتين للمملكة (4).
وفي هذا التقرير نحاول التعرف على المتغييرات الجديدة التي تحيط بالعلاقات المصرية السعودية، بعد انتهاء حالة الجمود التي طغت على علاقاتهما البينية، ومسارات هذه العلاقة.
أولاً: المتغييرات الجديدة:
هناك عدد من المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية التي تحيط بكلا الدولتين، منها ما كان دافعاً لهذا التحسن، ومنها ما سيكون حاكماً للعلاقات بينهما الفترة المقبلة:
1ـ وصول دونالد ترامب للسلطة في الولايات المتحدة:
حمل “ترامب” على عاتقه منذ وصوله للبيت الأبيض قضية المواجهة والتصعيد مع إيران، بحيث بات هذا الملف من أكثر الملفات الواضحة فيها رؤية إدارة ترامب، وإن لم تتضح بعد إلى أي مدى سيذهب ترامب في تصعيده ضد إيران. وفي إطار هذه المواجهة، يسعى ترامب لإعادة إحياء ما يسمى بمحور الاعتدال، أو إنشاء محور إقليمي سني أو سني إسرائيلي يقود المواجهة مع إيران (5). هذا الحلف الذي من الممكن أن يضم كل من مصر والسعودية وتركيا والأردن وإسرائيل، أمامه العديد من العقبات التي تعيق تشكيله فضلاً عن فاعليته، ومن أهمها الخلافات البينية بين بعض هذه الدول، وبالأخص الخلافات السعودية المصرية؛ لأنهاقد تعيق انضمامهما معاً في حلف موحد من ناحية، ولأن هذا التوتر سبب من أسباب التقاربالمصري الإيراني من ناحية أخرى. ويمكن الإشارة للاتفاق النفطي بين مصر والعراق في مارس 2016، لإمدادمصر بمليون برميل نفط شهرياً، كمؤشر على التقارب المصري الإيراني مؤخراً، حيث صرح مسؤولبالخارجية المصرية، أن طهران وموسكو لعبا دوراً في المراحل الأولية للمفاوضات (6).
ومنثم، لكي ينجح “ترامب” في مهمة تشكيل الحلف، أو في دفع مصر للانضمام ضمن الجهود المتعلقة بمواجهة إيران، كان لابد عليه أن يعمل على إنهاء الخلافات المصرية السعودية، لضمان مشاركة مصرفي الحلف من ناحية بابتعادها عن إيران، وتماسك الحلف وفاعليته من ناحية أخرى بتقاربها مع السعودية، وهو على ما يبدو قد حدث بالفعل، فلا يمكن فصل وصول ترامب للحكم عن التحسن الجديد في العلاقات المصرية السعودية.
لكن الإشكالية الأهم هنا، أن هذا التقارب وإن كان يُقرب ويسهل انضمام مصر لحلف يتبنى المواجهة مع إيران، إلا أنه لا يكفي، وبرغم أن وصول ترامب لسدة الحكم وتصعيده ضد إيران حجَّم من قدرة السيسي على المناورة في ملف الصراع بين إيران والسعودية؛ بسبب الموقف الحاسم من ترامب تجاه ايران على عكس أوباما، إلا أن النظام المصري لا يضع الخطر الإيراني على أمنه القومي ضمن أولوياته كالسعودية وإسرائيل، فضلاً عن التقارب في وجهاتالنظر بين مصر وإيران فيما يتعلق بالأزمة السورية والعراقية، ورغبة مصر في عدم تأزيمعلاقاتها مع المحور الروسي الإيراني، والموقف المصري الداعم لبشار الأسد، فضلاً عن أن دخولها هذا الحلف قد يحرمها من ورقة اللعب على التوازنات فيالمنطقة بين إيران والسعودية، فالنظام المصري يفضل تحقيق مصالحه بالتحرر من سياسةالمحاور، بالمراوحة بين الجميع لا التمترس خلف محور معين. ومع ذلك تُدرك السعوية، وكذلك ترامب، أن هناك حاجة ماسة في ضمان حياد مصر وعدم اصطفافها خلف المحور الروسي الإيراني كحد أدنى، في حال فشلا في ضمان مشاركة مصرية فعالة في مواجهة إيران.
والأقرب على ما يبدو أن مصر ستحاول اللعب على المحورين، بحيث تظل محايدة في هذه المواجهة، أو تكون مشاركتها رمزية غير فعالة بفعل ضغوط ترامب، وقد ظهر ذلك في رد الفعل المصري على الضربة الأمريكية لمطار الشعيرات السوري، الذي لم يدن الضربة، ولم يرحب بها في ذات الوقت، وإنما دعت وزارة الخارجية المصرية في بيان لها كل من أميركا وروسيا إلى احتواء الصراع في سوريا، والتوصل لحل شامل ونهائي للأزمة (7). وهو بيان فضفاض محايد، يعطي دلالة لما يمكن أن يكون عليه الموقف المصري في هذه المواجهة.
ومع ذلك هناك عدد من العوامل التي يمكن أن تساهم في اقتراب مصر أكثر من السعودية في مواجهة إيران، سواء في شكل حلف جماعي، أو كجهود مشتركة بدون وجود مظلة جامعة ومنظمة، ومن هذه العوامل:
(أ) يمتلك ترامب العديد من الأوراق في هذا الشأن، فبإمكانه التلويح بورقة المعونة الاقتصادية والعسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر، خاصة وأن هناك اتجاه داخل إدارة ترامب لتخفيض بند المعونات الخارجية، وقد حدث بالفعل فقد تقدمت إدارة ترامب بمقترح ينص على خفض قيمة المساعدات الاقتصادية التي تقدمها وزارة الخارجية الأمريكية إلى مصر بنسبة 47.4%، لتصل إلى 75 مليون دولار بدلا من 142.7 مليون دولار، وفقاً لوثائق مسربة لوزارة الخارجية الأمريكية تناولتها مجلة “فورين بوليسي (8).
أما المعونة العسكرية لم تمس، ومن ثم يمكن لترامب استغلال هذه النقطة كورقة ضغط على مصر في هذا الملف، ومن الممكن أن يكون تخفيض المعونة الاقتصادية في حد ذاتها تكتيك يضغط به على مصر، ومن ثم يمكن أن يتراجع عن هذا القرار.
(ب) قدرة ترامب على إحداث فك ارتباط بين روسيا وإيران في الملف السوري، وتبني مطلب رحيل الأسد والعمل بفاعلية من أجل إسقاطه، إن قدرة ترامب على تحقيق ذلك، تساعد على تعميق مصر علاقاتها بالسعودية، ومواجهة إيران في حلف يقوده ترامب، ففك ارتباط التحالف الروسي الإيراني يجعل مصر لا تعمل حساب لرد فعل روسيا إذا ما صعدت ضد إيران، وسعي أمريكا لإسقاط بشار سواء بالوسائل العسكرية أو السياسية إن حدث؛ ستجد مصر أن موازين القوى على الأرض تسير ضد مصلحة إيران وحلفائها. ويمكن النظر للضربة الأمريكية لمطار الشعيرات السوري في إطار محاولة ترامب فك ارتباط روسيا عن إيران وبشار، خاصة مع إدراك ترامب أن إيران وبشار وحدة واحدة لا يمكن فصلهما عن بعض، بخلاف موقف روسيا من بشار الأكثر برجماتية، والذي يمكن أن يتخلى عنه إذا وجد صفقة مناسبة لذلك، وهذه الصفقة لا يمكن النظر إليها في ضوء الأزمة السورية فقط، بل تتعلق بالعديد من المفات الإقليمية والدولية، بالأخص الملف الأوكراني، وهو ما يعقد من إتمام الصفقة، فمن الممكن أن يعترف الغرب بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وإلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، وضمان مصالح روسيا الاستراتيجية في سوريا ما بعد الأسد، في مقابل تخلي روسيا عن بشار وإيران، والتي سيتبعها مواجهة عسكرية للميلشيات الإيرانية في سوريا. ومن الممكن وضع زيارة “عادل الجبير” وزير الخارجية السعودي لموسكو في ذات السياق (9). فالاقتصاد الروسي يعاني وفي حاجة لمساعدة، من الممكن أن تتطلع السعودية لهذا الدور بإيعاذ من ترامب كجزء من خطة فك الارتباط.
(ج) هناك تطوران على المستوى الاقتصادي من الممكن أن يفقدا ثقة مصر في المحور الروسي الإيراني وبالأخص روسيا، الأول يتعلق بعدم اتخاذ روسيا إلى الآن قراراً بعودة السياحة الروسية لمصر، ففي مقابلة تلفزيونية لوزير النقل الروسي “مكسيم سوكولو” في 22 فبراير الماضي، استبعد استئناف رحلات الطيران مع مصر في الوقت القريب، وذلك بعد تعليقها إثر تحطم طائرة ركاب تابعة لشركة روسية في سيناء بعمل إرهابي (10). وبرغم التقارب الأخير بين البلدين، أصدرت الحكومة الروسية في 17 أبريل الماضي، قراراً بإعفاء مواطنى 18 دولة من الحصول على تأشيرة دخول الشرق الأقصى الروسى، من بينها 9 دول عربية لم تكن بينهم مصر (11). ومن الممكن أن يكون استبعاد مصر نتيجةً للتقارب الأخير في العلاقات المصرية الأمريكية بعد وصول ترامب للحكم. وهذان التطوران قد يدفعان مصر للتفكير بأن مصالحها يمكن أن تحققها بشكل أفضل مع المحور الأمريكي والسعودي لا الروسي الإيراني.
ثانياً: ملف اليمن:
يمثل ملف اليمن الشاغل الأكبر لصانع القرار السعودي، خاصة بعد اقتراب الحوثين المدعومين إيرانياً من حدودها الجنوبية، وبينما كانت تأمل السعودية أن يشكل دعمها الاقتصادي والسياسي للنظام المصري كاف لمشاركة مصرية قوية وفعالة ضمن قوات التحالف العربي، خيبت مصر آمالها في التطلع لهذا الدور. فقد أكد “السيسي” في 17 أبريل 2015، أن مصر أرسلت قوات جوية وبحرية فقط للمشاركة في عملية عاصفة الحزم في اليمن (12). إذاً لم تشارك مصر بقوات برية، وهو ما كانت تحتاج إليه السعودية، وحتى مشاركتها بقوات جوية وبحرية كانت رمزية وغير فعالة، تقتصر فقط على حفظ الأمن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وظل هذا الأمر مصدر خلاف كبير بين الجانب المصري والسعودي، وقد استعاضت السعودية بالسودان عن مصر فيما يتعلق بالقوات البرية، ففي أكتوبر 2015، أرسلت السودان قوات برية للمشاركة في عاصفة الحزم (13).
وفي ديسمبر 2014، سيطر الحوثيون على الموانئ اليمنية علي البحر الأحمر كاملةً، ابتداءً من الحدود مع السعودية وحتى نهاية الشريط الساحلي لمحافظة الحديدة اليمنية (14). وفي 7 يناير الماضي، أعلنت قوات التحالف العربي عن انطلاق عملية الرمح الذهبي؛ لتحرير الساحل اليمني الغربي على البحر الأحمر، والذي يتضمن أغلب موانئ اليمن الاستراتيجية (15). وفي 26 يناير الماضي، استعادت عملية الرمح الذهبي السيطرة على ميناء المخا الاستراتيجي، تلاها الاستعداد للمرحلة الثانية من العلمية، والتي تستهدف السيطرة على ميناء ومدينة الحديدة، الميناء الأكثر أهمية على البحر الأحمر (16).
وهناك عاملان يصعبان من معركة تحرير مدينة وميناء الحديدة، الأول هو أن الحديدة هي آخر الموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ومن ثم سيكون هناك استماتة من قبل الحوثيين في الدفاع عن المدينة، الثاني أن هناك 67% من واردات البلاد الغذائية والتجارية تدخل عبر هذا الميناء، ومن ثم سيكون هناك معارضة قوية من المجتمع الدولي لمهاجمة الميناء؛ حيث سيؤثر على تدفق السلع والمساعدات الغذائية إلى السكان الذين يعانون من الجوع، ولعل ذلك ما دفع التحالف العربي لكي يطلب من الأمم المتحدة الإشراف على ميناء الحديدة، بعد الهجوم الذي استهدف قارباً، كان على متنه عشرات اللاجئين الصوماليين قبالة ساحل اليمن، لكن الأمم المتحدة رفضت هذا الطلب(17).
وفي ظل هذا الرفض من قبل الأمم المتحدة، وتعقد الحلول السياسية للأزمة اليمنية، يبدو أن السعودية أدركت أنه لا حل لاستعادة مدينة الحديدة إلا بالحل العسكري، وفي ظل الصعوبات التي تتعلق بهذه المعركة، ستكون هناك حاجة ماسة لمشاركة أمريكية ومصرية فيها، وبها تضمن فاعلية الحسم والخروج بأقل خسائر، بدون سقوط مدنيين وعدم تفاقم أزمة الغذاء من ناحية، وتجاوز اعتراضات المجتمع الدولي على هذه المعركة بوجود مظلة أمريكية.
ويبدو أن التحسن الجديد في العلاقات المصرية السعودية لا ينفصل عن هذا الملف الخاص بتحرير الحديدة، خاصة مع حاجة السعودية لمصر فيها كما تبين، كما أن معركة الحديدة تمثل آخر الخطوات الساعية لإبعاد الحوثيين عن مضيق باب المندب، والدور المركزي لمصر في عاصفة الحزم من البداية هو حفظ الأمن في باب المندب والبحر الأحمر، خاصة وأن هذا المضيق يمثل أهمية استراتيجية كبرى للعالم بأكمله، بالأخص مصر؛ لأن حفظ أمن المضيق هو حفظ لأمن قناة السويس. فقد كشف العميد “حسن الشهري”، وهو خبير عسكري سعودي، عن مشاركة وشيكة لمصر وجيبوتي مع التحالف العربي بتأمين السواحل في معركة تحرير الحديدة ومينائها الاستراتيجي (18).
وفيما يتعلق بالمشاركة الأمريكية فقد ذكرت وسائل إعلام أمريكية، أن الرئيس ترامب يدرس بشكل جدي المشاركة مع دول التحالف العربي في عملية عسكرية كبرى لتحرير ميناء الحديدة؛ لمنع تهريب الأسلحة الإيرانية للانقلابيين، وإيقاف التهديد الذي يطال الملاحة الدولية (19). وفي 23 أبريل الماضي، أعلنت وزارة الدفاع المصرية، أن وحدات من القوات البحرية المصرية والأميركية بدأت تدريبات مشتركة في البحر الأحمر، بمشاركة ست دول من بينها السعودية والكويت بصفة مراقب (20)، ومن المرجح أن هذه التدريبات التي تتم في البحر الاحمر لها علاقة بمعركة تحرير الحديدة المرتقبة. وفي 25 ابريل الماضي، أكدت مصادر في قوات التحالف العربي، أن ميناء الحديدة سيتم تحريره فور انتهاء حملة تحرير معسكر خالد غربي تعز اليمنية من خلال قوات للتدخل السريع (21).
ويبدو بشكل عام، أن هذه المعركة باتت قريبة جداً، وأن الدور الأمريكي بشكل أساسي سيكون استخباراتياً، بينما الدور المصري والجيبوتي مراقبة ساحل البحر الأحمر بحكم عامل الجغرافيا، مع إمكانية وهي واردة بشكل كبير، لمشاركة أمريكية مصرية في الضربات الجوية والبحرية في المعركة خاصة بعد المناورات الأخيرة، وقرار الولايات المتحدة إرسال مدمرة إلى منطقة باب المندب، بعد سلسلة الهجمات الحوثية، والتي كان آخرها استهداف فرقاطة عسكرية سعودية (22).
ثالثاً: أوراق الضغط:
الحديث هنا يتعلق بأن السعودية باتت لديها أوراق ضغط ستتعامل بها في إطار سياستها الخارجية تجاه مصر، ولعل الخبرات السابقة هي ما دفعت السعودية لذلك، فصانع القرار السعودي يرى أن علاقاته مع مصر في الفترة الماضية كانت علاقة عطاء من جانب واحد، بينما لم تكن مصر تقدم مقابل نظير الدعم السياسي والاقتصادي السعودي لها، ومن ثم يبدو أن السعودية أدركت ضرورة وجود أوراق ضغط، تمكنها من التعامل بها مع مصر في الفترة المقبلة، وهي كالتالي:
1ـ ورقة الاقتصاد: في 15 ديسمبر 2015، أعلنت السعودية تشكيل التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب (23). ووافقت مصر على الانضمام لهذا الحلف، برغم رفض السعودية قبلها فكرة القوات العربية المشتركة التي اقترحتها مصر، وفي نفس اليوم قدمت السعودية مساعدات اقتصادية لمصر، حيث وجه الملك “سلمان” بدعم احتياجات مصر النفطية مدة 5 سنوات، إلى جانب رفع حجم الاستثمارات السعودية في مصر إلى 30 مليار ريال (24).
وكأن الملك “سلمان” يريد أن يرسل رسالة لمصر، مفادها أن هذه المساعدات نظير موافقة مصر على المشاركة في هذا التحالف. ومع ذلك وحينما أعلنت السعودية نيتها للتدخل البري العسكري في سوريا في فبراير 2016، اعتبر وزير الخارجية المصري “سامح شكري” هذا القرار أمرا سياديا منفردا”(25). ومن ثم شعرت السعودية أن قرار مصر بالمشاركة في التحالف الإسلامي كان رمزياً سياسياً فقط.
كذلك الحال فيما يتعلق باتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، والتي قضت بتسليم مصر لجزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وفي نفس اليوم تم توقيع عدة اتفاقيات اقتصادية ودعم مالي من السعودية لمصر، منها اتفاقية إنشاء جامعة الملك “سلمان بن عبد العزيز” بالطور بقيمة 250 مليون دولار، واتفاقية إنشاء 9 تجمعات سكنية في شبه جزيرة سيناء بقيمة 120 مليون دولار، واتفاقية تمويل مشروع محطة كهرباء غرب القاهرة بقيمة 100 مليون دولار، واتفاقية مشروع تطوير مستشفى القصر العيني بقيمة 120 مليون دولار (26).
ومع ذلك ترى السعودية أن مصر تماطل حتى الآن في تسليم الجزيرتين، خاصةً وأنها لم تحسم على مستوى الداخل المصري لا في البرلمان أو القضاء، ورغم حكم الأمور المستعجلة الأخير إلا أنه ليس حكماً نهائياً ولا حاسماً، ولذلك واستناداً للخبرات السابقة، أدركت السعودية أنه لا يمكن تقديم مساعدات اقتصادية مقدماً، ولذلك مع التحسن الجديد في العلاقات لم تقترن بتقديم السعودية لمثل هذه المساعدات على غير العادة.
2ـ ورقة السودان، تعتبر السودان الحديقة الخلفية لمصر، ومن ثم تمثل امتداداً للأمن القومي المصري، ومؤخراً حدث توتر في العلاقات المصرية السودانية على وقع العديد من الملفات على رأسها ملف حلايب وشلاتين، وتشير بعض التقديرات إلى أن السعودية لها يد في تزكية الخلافات البينية بين البلدين، خاصة في ملف حلايب (27).
ومن ثم فإما أن السعودية تقف خلف إشعال هذا التوتر من جديد، أو أنها استغلت الخلاف المصري السوداني في العمل على تقوية علاقاتها بالسودان، وفي كلا الحالتين؛ لتجعل منها ورقة ضغط تضغط بها على مصر إذا تطلب الموقف، وتشهد العلاقات السعودية السودانية تحسناً كبيراً. وبحسب “العربي الجديد” فإن النظام المصري يسعى لتصفية الأجواء مع السعودية قبل أي مباحثات مع السودان، لإيمانه بأن الرياض تقف وراء ارتفاع المطالبات السودانية بمثلث حلايب وشلاتين (28).
وفي 19 أبريل الماضي، التقي “سامح شكري” بوزير الخارجية السوداني بالعاصمة السودانية الخرطوم، ضمن اجتماعات اللجنة السودانية المصرية للتشاور السياسي في دورتها الثانية، وتعد إحدى اللجان المنبثقة عن اللجنة العليا المشتركة بين البلدين على المستوى الرئاسي، والتي عقدت لأول مرة في القاهرة في 5 أكتوبر 2016(29) ومن ثم فإن الزيارة ليست مفاجئة ولا تتعلق بحلحلة الأزمة الأخيرة، وإنما ضمن سلسة مشاورات بدأت منذ أكتوبر الماضي في القاهرة، لكنه يعطي دلالة عن إمكانية حلحلة الأزمة قريباً، خاصة بعد تحسن العلاقات المصرية السعودية، لكن ستظل ورقة السودان حاضرة في يد السعودية الفترة المقبلة يمكنها استغلالها في وقت الضرورة.
3ـ ورقة أثيوبيا، وتمثل هذه الورقة من أخطر الأوراق التي يمكن أن تمثل ضغط على مصر في يد أى دولة بينها وبين مصر خصومة سياسية، وهو ما برز الحديث عنه بعد قيام “أحمد الخطيب” مستشار العاهل السعودي بزيارة لسد النهضة الإثيوبي (30).
خلاصة
إن السمة العامة لمستقبل العلاقات المصرية السعودية وبرغم هذه المتغييرات الجديدة، التي ستظل تتسم بها بعد 30 يونيو وحتى رحيل السيسي، هي التأرجح المتكرر بين التقارب الوقتي والتباعد المؤقت، دون الوصول لتحالف استراتيجي بالمعنى السياسي، أو الوصول لحالة القطيعة الدائمة، إنما ستظل علاقات مصالح مرحلية. من ثم فمن المتوقع أن تمر العلاقات المصرية السعودية بتوترات أخرى، سيتم تجاوزها وهكذا دواليك، إلا إذا اعترف النظامان بأن هناك مساحة للاختلاف في وجهات النظر بينهما، وأن عليهما قبولها وتجاوزها؛ من أجل وجود تحديات ومصالح مشتركة، بمعني أن عليهما عدم رفع سقف توقعاتهم بشكل العلاقة التي يجب أن تكون عليها الدولتان، أو توقعاتهما بما ينتظره كل منهما من الآخر. إذا تفهم الطرفان تلك الحقيقة، يمكن للعلاقات البينية أن تكون مستدامة على المدى المتوسط والطويل، لكن دون أن تدخل نطاق التحالفات الاستراتيجية (31).
——————————-
الهامش
(1) أشرف عبدالحميد، مصر تمدد المشاركة العسكرية في عاصفة الحزم باليمن، العربية نت، 2212017، (تاريخ الدخول:2742017) ، الرابط
(2) أحمد سامي، أرامكو تعيد البترول لمصر، مصر العربية، 1532017، (تاريخ الدخول:2742017) ، الرابط
(3) محمد الجالي، الرئيس السيسى يلتقى الملك سلمان على هامش القمة العربية بالأردن، اليوم السابع، 2932017، (تاريخ الدخول:2742017) ، الرابط
(4) أين وصل مشروع الحلف العربي الإسرائيلي ضد إيران؟، ار تي عربي، 1822017، (تاريخ الدخول: 2742017) ، الرابط
(5) مصطفى محيي، الأمور المستعجلة تقضي بإسقاط حكم مصرية تيران وصنافير، مدى مصر، 242017، (تاريخ الدخول:2742017) ، الرابط
(6) سامي مجدي، مسؤول في الخارجية المصرية: اتفاق البترول العراقي جاء بوساطة إيرانية روسية، مصراوي، 1212017، (تاريخ الدخول:2742017) ، الرابط
(7) بيان من الخارجية المصرية عقب الضربة الأميركية، سكاي نيوز عربية، 742017، (تاريخ الدخول: 2742017) ، الرابط
(8) ناصر يوسف، ترامب يستهدف خفضها 47%.. 4 معلومات عن المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر، دوت مصر، 2742017، (تاريخ الدخول: 2742017) ، الرابط
(9) لافروف يلتقي الجبير في موسكو، ار تي عربي، 2542017، (تاريخ الدخول: 2742017) ، الرابط
(10) صدمة روسية لمصر موسكو ترفض عودة الرحلات السياحية، محيط، 2222017، (تاريخ الدخول: 2742017) ، الرابط
(11) روسيا تعفى 9 دول عربية من تأشيرة الدخول.. مصر خارج القائمة، مصر العربية، 1742017،
(تاريخ الدخول: 2742017)،الرابط
(12) السيسي: نشارك في “عاصفة الحزم” بقوات بحرية وجوية فقط، ار تي عربي، 1742015، (تاريخ الدخول: 2842017) ، الرابط
(13) الجيش السوداني يؤكد إرسال قوات إضافية لليمن، سكاي نيوز عربية، 18102015، (تاريخ الدخول: 2842017) ، الرابط
(14) الحوثيون يسيطرون على موانئ اليمن البحرية، الرأي برس، 1822014، (تاريخ الدخول: 2842017) ، الرابط
(15) الإعلان رسميا عن انطلاق عملية الرمح الذهبي لتحرير ساحل تعز الغربي، يمن اون لاين، 712017، (تاريخ الدخول: 2842017) ، الرابط
(16) اليمن قرب بدء المرحلة الثانية من الرمح الذهبي، عربية نت، 2612017، (تاريخ الدخول:
2842017) ، الرابط
(17) التحالف يطلب إشرافا دوليا على ميناء الحديدة والأمم المتحدة ترفض، فرانس 24، 2132017، (تاريخ الدخول: 2842017) ، الرابط
(18) الكشف عن مشاركة دولة من خارج التحالف لتحرير ميناء الحديدة، المشهد اليمني، 142017، (تاريخ الدخول: 2842017) ، الرابط
(19) عملية عسكرية كبرى للتحالف وأمريكا لتحرير ميناء الحديدة اليمني، ارم نيوز، 2832017، (تاريخ الدخول: 2842017) ، الرابط
(20) تعرف على فرق التدخل السريع من التحالف ستشارك في تحرير ميناء الحديدة، الشارع اليمني، 2542017، (تاريخ الدخول:2842017) ، الرابط
(21) تدريبات مصرية – أميركية مشتركة في البحر الأحمر، الحياة، 2342017، (تاريخ الدخول:2842017) ، الرابط
(22) عبدالقادر محمد علي، بوصول مدمّرة أمريكية باب المندب عنوان رد ترامب على رسالة طهران، الخليج اون لاين، 322017، (تاريخ الدخول:2842017) ، الرابط
(23) 17 دولة عربية في التحالف الإسلامي الواسع ضد الإرهاب، سكاي نيوز عربية، 15122015،
(تاريخ الدخول:2842017) ، الرابط
(24) الملك سلمان يوجه بدعم حاجة مصر النفطية مدة 5 سنوات، العربية نت، 16122015، (تاريخ الدخول: 2842017) ، الرابط
(25) ما نتائج الخلاف بين مصر والسعودية حول التدخل في سوريا؟، بي بي سي عربي، 1722016،
(تاريخ الدخول: 2842017)، الرابط
(26) مصر والسعودية توقعان 17 اتفاقية بينها ترسيم الحدود البحرية، المصري اليوم، 842016، (تاريخ الدخول: 2842017)، الرابط.
(27) إسلام أبوالعز، لماذا تدعم السعودية مطلب السودان في “حلايب وشلاتين” ؟، البديل، 8112016، (تاريخ الدخول: 2842017) ، الرابط
(28) السعودية كلمة السر في تصفية أجواء التوتر بين مصر والسودان، الخليج الجديد، 1242017، (تاريخ الدخول: 2842017)، الرابط
(29) إسلام الراجحي، سامح شكري في الخرطوم لرأب صدع العلاقات المصرية السودانية، الخليج الجديد، 1942017، (تاريخ الدخول: 2842017)، الرابط
(30) زيارة مستشار الملك لـ”سد النهضة” تفتح حرب المكائد بين مصر والسعودية، ار تي عربي، 18122016، (تاريخ الدخول: 2842017)، الرابط
(31) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.