لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
نشرت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية في 1 سبتمبر 2024 تقريراً بعنوان: “رحلة مصر من الطفرة في إنتاج الغاز إلى انقطاع التيار الكهربائي”، لـ “هبة صالح”، مراسلة الصحيفة في القاهرة، و “مالكولم مور”، محرر الطاقة في الصحيفة البريطانية – حيث تناول التقرير عودة القاهرة إلى استيراد الغاز الطبيعي المسال من جديد في ظل انخفاض إنتاج الغاز الطبيعي لديها، والطلب المتزايد على الكهرباء، والنمو السكاني المتسارع، وهو ما أدى بدوره إلى الاضطرار إلى قطع التيار الكهربائي عن السكان في أشهر الصيف الحارقة.
وقد جاء التقرير على النحو التالي:
عندما افتتحت مصر حقل ظهر الضخم للغاز في عام 2018، أشادت الحكومة بالمشروع لأملها في أن يساعدها في تحقيق طموحاتها حتى تصبح مكتفية ذاتياً من الطاقة مع توفير 2.8 مليار دولار سنوياً من تكاليف استيراد الغاز من الخارج.
ولكن بدلاً من الطفرة المتوقعة في إنتاج الطاقة (محلياً)، تسبب نقص إمدادات الغاز في إغراق البلاد في انقطاعات يومية للتيار الكهربائي هذا الصيف، وهو ما عطل النشاط الاقتصادي والحياة اليومية لملايين من المصريين، كما أثار ذلك غضب جماهير المصريين.
وقد وجدت القاهرة نفسها مضطرة حالياً إلى استئناف استيراد الغاز الطبيعي المسال من الخارج، في ظل انخفاض إنتاج الغاز الطبيعي، والطلب المتزايد على الكهرباء، والنمو السكاني المتسارع، مما يضغط على نظام توليد الطاقة في البلاد.
وقال رجل أعمال مصري لديه استثمارات في مجموعة من القطاعات: “يمكنني التأكيد بأن انقطاع التيار الكهربائي تسبب في أضرار للاقتصاد يفوق سعر شحنات الغاز. ولكن جوهر الأمر هو، ما هي أولويات الدولة؟”
ولتخفيف هذه الأزمة، خصّصت مصر 1.2 مليار دولار لتمويل واردات الطاقة الأولية، بما في ذلك 21 شحنة من الغاز الطبيعي المسال بدأت في الوصول بالفعل، معظمها من الولايات المتحدة. وبالنسبة لحالات انقطاع التيار الكهربائي، التي كانت قد بدأت في شهر إبريل، فقد انتهت في بداية شهر أغسطس، لكنها قد تًستأنف مرة أخرى في منتصف شهر سبتمبر، بحسب تصريحات للحكومة.
وقد كانت مصر حتى وقت قريب تزود أوروبا بالغاز الطبيعي المسال، وكانت لديها طموحات كذلك لتصبح مركزاً لتجارة الغاز، وتصدر إنتاجها الخاص وكذلك الغاز المنقول عبر الأنابيب من إسرائيل وربما من قبرص. لكنها أوقفت الآن أيضاً، ولو “مؤقتًا”، صادراتها من الغاز، كما يقول المسؤولون المصريون.
وبحسب فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة جولدمان ساكس للخدمات المالية والاستثمارية الأمريكية، بلغ صافي تكلفة واردات مصر من النفط والغاز 6.3 مليار دولار في العام حتى شهر مارس 2024، مقارنة بفائض صادرات صافي الذروة البالغ 4.4 مليار دولار في العام حتى شهر سبتمبر 2022. وقال: “هذا يمثل تحولاً قدره 10.7 مليار دولار”.
وقد تسببت الانقطاعات في التيار الكهربائي، التي جاءت في الوقت الذي أدى فيه ارتفاع حرارة الصيف إلى زيادة الطلب على تكييف الهواء، في إحراج النظام المصري المثقل بالديون، والذي ضخ مليارات الدولارات من الاقتراض في مشاريع البنية التحتية على مدى العقد الماضي، بما في ذلك محطات طاقة جديدة.
وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في شهر يوليو: “لم يتوقع أحد موجات الحر التي نشهدها وارتفاع درجات الحرارة بشكل مستمر، حيث لم تستمر فقط ليوم أو يومين ولكن لأسابيع متتالية”. وأضاف: “نحن في حالة طوارئ مستمرة كل يوم”.
وكانت القاهرة قد تأخرت أيضاً في سداد المدفوعات المترتبة عليها لشركات النفط والغاز الدولية، وذلك في أعقاب تعرضها لأزمة في العملة الأجنبية في عام 2022، عندما سحب المستثمرون الأجانب حوالي 20 مليار دولار من البلاد سعياً إلى البحث عن بر أمان، بعد اندلاع حرب أوكرانيا. ويقول المحللون إن متأخراتها تقدر بنحو 6 مليارات دولار، مما أدى إلى تباطؤ الاستثمار في الاستكشاف والإنتاج وتفاقم نقص الغاز.
وقال ديفيد باتر، المتخصص في النفط والغاز والزميل المشارك في تشاثام هاوس، وهي مؤسسة بحثية بريطانية، “كانت حقول الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط تميل إلى تسجيل معدلات انحدار سريعة إلى حد ما. حيث يصل ذلك إلى الذروة ثم يبدأ في التراجع، الأمر الذي يتطلب استكشافات وتطويرات جديدة ويعني أنه يترتب على الشركات أن تحافظ على مستويات الاستثمار. ولن يفعلوا ذلك إلا إذا كان الأمر يستحق ذلك”.
وقال مدبولي في شهر مارس إن البلاد ستدفع ما يصل إلى 20% من المتأخرات هذا العام. وجاءت هذه الخطوة في أعقاب صفقة الإنقاذ الدولية لمصر بقيمة 55 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ودولة الإمارات العربية المتحدة، مما خفف من أزمة العملة الأجنبية.
وقال متحدث باسم شركة إيني الإيطالية للنفط، والتي تدير حقل ظهر، “إن الوضع الائتماني يتحسن،” مضيفاً: “نحن واثقون من استرداد المستحقات المستحقة”.
كما تأتي انقطاعات الكهرباء في أعقاب انخفاض إنتاج مصر من الغاز الطبيعي. فقد انخفض إجمالي الإنتاج السنوي في جميع حقول الغاز من 70 مليار متر مكعب في عام 2021 إلى 53 مليار متر مكعب متوقَّعة هذا العام، وذلك بحسب شركة الاستشارات النرويجية للطاقة “ريستاد”.
وقال بيتر ستيفنسون، محرر شرق البحر الأبيض المتوسط في نشرة ميدل إيست إيكونوميك سيرفيي: “كان الإعلان الأولي بأن حقل ظهر يحتوي على 30 تريليون قدم مكعب من الغاز. وأصبح يبدو الآن أن هذا الكلام غير صحيح – إذ يعتقدون أنه أقرب إلى 10إلى 11 تريليون قدم مكعب”.
ونفت القاهرة التقارير التي تفيد بأن حقل ظهر يواجه مشاكل فنية، بما في ذلك مزاعم بتسرب المياه إلى خزانه بعد تعرضه للتلف في محاولة لاستخراج المزيد من الغاز. وقال المتحدث باسم وزارة البترول حمدي عبد العزيز في وقت سابق من هذا العام: “شركة إيني شركة دولية ولا يوجد استغلال مفرط للحقل. هذا خطأ”.
ونفى المتحدث باسم إيني أن يكون إنتاج حقل ظهر أقل من المتوقع. وقال: “الإنتاج من حقل ظهر يتماشى مع ما توقعناه… ومع ما تم الاتفاق عليه مع شركائنا والمؤسسات المناظرة لنا”.
وقد أكدت أرقام الصناعة ومستشارو الطاقة باستمرار وجهة نظر المشغّل بشأن احتياطيات ظهر القابلة للاستخراج. وقالت الحكومة العام الماضي إن إجمالي الاستثمار في الحقل بلغ 12 مليار دولار وسيرتفع إلى 15 مليار دولار في غضون ثلاث سنوات. ولكن في الوقت الحالي، تعرضت طموحات تحول مصر إلى مركز لتجارة الغاز لضربة مع توقف الصادرات واستهلاكها للإمدادات الإسرائيلية.
وقال باتر إن احتمال زيادة إسرائيل لإنتاجها من الغاز قد يعزز الإمدادات لمصر في أواخر عام 2025 أو 2026. وفي العام الماضي، كانت القدرة التصديرية لإسرائيل حوالي 15 مليار متر مكعب، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 25-30 مليار متر مكعب بحلول نهاية العقد.
وقال باتر: “قد يكون هناك الكثير من الغاز الإسرائيلي الذي ليس لديه مكان آخر يذهب إليه. فمصر هي السوق الكبيرة الوحيدة التي يمكن لإسرائيل الوصول إليها بسهولة”.
لكن تصاعد الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله اللبناني قد يحد من إمدادات مصر في الأمد القريب، حيث هدد حزب الله، المنظمة اللبنانية المسلحة، باستهداف إنتاج الغاز البحري الإسرائيلي.
وقال باتر: “حزب الله لديه القدرة على إلحاق الضرر (بإنتاج الغاز البحري الإسرائيلي). فهذه منصّات تعمل في الخارج والأشخاص الذين يعملون عليها لا يبقون في منطقة حرب.”
وقد أطلقت مصر الشهر الماضي جولة من العطاءات الجديدة لاستكشاف النفط والغاز في 12 منطقة في البحر المتوسط ودلتا النيل. وقالت الحكومة إن هناك حوافز ستُقدم للشركات العالمية لزيادة الاستكشاف والإنتاج.
وقال مدبولي إن القاهرة تخطط لإعادة الإنتاج إلى “مستوياته الطبيعية” اعتباراً من عام 2025، مضيفاً: “هناك خطة واضحة للغاية لإعادة إنتاج النفط والغاز الطبيعي مع الشركاء الأجانب إلى مستوياته السابقة، وكذلك زيادته”.
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.