المجلس الأوروبي: عودة ترامب.. كارثة على غزة، وتحدٍ لأوروبا
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
نشر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR)، وهو مؤسسة بحثية أوروبية لها مكاتب في سبع عواصم أوروبية وتُجري أبحاثاً حول السياسة الخارجية والأمنية الأوروبية، مقالاً بعنوان: “عودة ترامب: كارثة على غزة، وتحدٍ لأوروبا” لـ “محمد شحادة”، وهو زميل زائر بالمجلس، حيث يرى أن المتشددين المؤيدين لإسرائيل أصبحوا يهيمنون على إدارة ترامب الجديدة، الأمر الذي يجعل الفلسطينيين لا يأملون كثيراً في تحقيق العدالة. ويقول شحادة إنه بمقدور القادة الأوروبيين موازنة هذا الوضع من خلال دعم تقرير المصير الفلسطيني وفرض المساءلة على إسرائيل. حيث “لا يمكن أن يصب الحل المستدام في مصلحة “إسرائيل” على حساب الفلسطينيين. وهذه فرصة لإنقاذ مصداقية أوروبا كفاعل عالمي ملتزم بحقوق الإنسان والسلام والاستقرار”.
وقد حاء المقال على النحو التالي:
على الرغم من أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب قد تعهد بإحلال السلام في الشرق الأوسط، إلا أن عودته إلى البيت الأبيض من المرجح أن تجلب المزيد من الموت والدمار لقطاع غزة. فهو يمطر إسرائيل بالفعل بتصريحات حول الدعم الشامل لها ويزيد من عدد موظفي إدارته ببعض من أكثر الصقور المؤيدين لإسرائيل من حيث التشدد. ولذلك فإن الزعماء الأوروبيين يواجهون الآن ضرورة ملحة، وهي: تكثيف الجهود فيما تعثرت فيه الولايات المتحدة ومنع نشوء واقع مأساوي هناك.
فريق ترامب المناصر لإسرائيل
لم يهدر ترامب أي وقت منذ إعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة في تعيين مجموعة من المتشددين المؤيدين لإسرائيل في إدارته والذين يعارضون بشدة وقف إطلاق النار في غزة ويدعمون ضم إسرائيل للضفة الغربية. ومن المقرر أن يصبح مايك هاكابي، وهو مسيحي إنجيلي محافظ للغاية ومتشدد مؤيد لإسرائيل، السفير الأمريكي القادم في إسرائيل. ومما قاله: “لا يوجد حقاً شيء اسمه فلسطيني” ووصف حل الدولتين بأنه “غير عقلاني وغير قابل للتطبيق”. وفي الوقت نفسه، دعا مايك والتز، الذي اختاره ترامب لتولي منصب مستشار الأمن القومي، الإدارة القادمة إلى “السماح لإسرائيل بإنهاء المهمة” ضد حماس في غزة. ويتبنى وزير خارجيته ماركو روبيو ووزير دفاعه بيت هيجسيث وجهات نظر مماثلة.
وإذا كانت إدارة ترامب الحالية ستدفع من أجل إنهاء حرب غزة، فمن المرجح أن يشمل ذلك تطبيق شروط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالحفاظ على الاحتلال العسكري الإسرائيلي لغزة وترسيخ احتلال الضفة الغربية. ولن تضغط الولايات المتحدة على إسرائيل لتقديم تنازلات في هذا الوضع إذا لم يضغط القادة الأوروبيون والعرب على الولايات المتحدة. ومن المرجح أن يسمح ترامب لإسرائيل بضم الضفة الغربية إذا أنهت حرب غزة. وأي اتفاق بين ترامب ونتنياهو بشأن مستقبل غزة من شأنه أن يبني على خطة ترامب للسلام لعام 2020 التي من شأنها أن تشرعن ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية وإخضاع الفلسطينيين. ومن الصعب أن نتخيل ترامب يتخلى عن خطة تحمل اسمه من أجل أن تشمل المطالب الفلسطينية.
آمال معقودة في “البط العرجاء” بايدن
ربما كان القادة الفلسطينيون يأملون أن يستخدم الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن على الأقل الفترة التي سبقت تنصيب ترامب لتحدي الإجراءات الإسرائيلية في غزة. فما بين 5 نوفمبر، عندما يتم انتخاب رئيس أمريكي جديد، و20 يناير، عندما يتولى منصبه، يدخل الرئيس الحالي في فترة “البطة العرجاء”. نعم ليس لديه نفس القدر من السلطة، لكنه أيضاً ليس لديه أي ضغوط انتخابية أو طموحات سياسية. ولا يزال بإمكان العمل الأمريكي الآن إرسال رسالة معيارية مهمة بشأن محاسبة إسرائيل. فمن شأن ذلك أن يشجع الدول الأوروبية على تبني تدابير مماثلة، حتى لو ألغى ترامب أي إجراءات يتخذها بايدن خلال هذه الفترة.
ومع ذلك، فمن المرجح أن يخيب الأمل في اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات في الأسابيع المقبلة. لقد ساعد بايدن في تأمين وقف إطلاق النار في لبنان، لكن دعمه لإسرائيل لم يتزعزع أبداً. فمنذ شهر نوفمبر، ضغطت إدارة بايدن بنشاط ملحوظ على أعضاء مجلس الشيوخ للتصويت ضد قرار مقترح من قبل السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز لتقييد المساعدات لإسرائيل؛ واستخدمت حق النقض ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة؛ و وصفت إصدار مذكرات الاعتقال من قبل المحكمة الجنائية الدولية بأنه “أمر فظيع”.
وعلى الرغم من الاختلافات بين الديمقراطيين والجمهوريين، فإن كلا الحزبين مؤيد لإسرائيل بشكل أساسي. فمستشارو بايدن، بريت ماكجورك، وجيك سوليفان، وأنتوني بلينكن، وكامالا هاريس، يدعمون إسرائيل. ومن المرجح أن ينظر الرئيس المنتهية ولايته إلى أي تغيير في اللحظة الأخيرة في السياسات تجاه إسرائيل باعتباره شيئاً من شأنه أن يشوه إرثه وليس العكس. والواقع أن مواقف بايدن كانت متوافقة في الواقع مع مواقف الإدارة الأمريكية القادمة، مما أدى إلى تضخيم شعور إسرائيل بالإفلات من العقاب وجعل من الصعب الضغط عليها للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حماس أو الحد من أنشطتها الاستيطانية في الضفة الغربية.
قوى الإقناع الأوروبية
ونظرا للتردد لدى بايدن والتهديدات الوشيكة من جانب إدارة ترامب، فإنه ينبغي للقادة الأوروبيين ألا يترددوا بعد الآن في الخضوع للولايات المتحدة في هذه القضية الحاسمة. فأوروبا تتأثر بالآثار الجانبية من غزة ولبنان أكثر كثيراً من الولايات المتحدة. فالدول الأوروبية تشهد بالفعل استقطاباً داخلياً بشأن غزة، كما تتعرض مصداقيتها ورأس مالها السياسي للخطر في مواجهة كثير من دول العالم نتيجة لعجزها عن تحسين الأوضاع بخصوص المحنة التي يعانيها الفلسطينيون. وبالإضافة إلى ذلك، فقد أدت الحروب في غزة ولبنان إلى زيادة تدفقات اللاجئين عبر البحر المتوسط. فقد وصل بالفعل أكثر من 150 ألف لاجئ من غزة إلى مصر، بعد أن فروا منذ أحداث السابع من أكتوبر؛ ويتجه العديد منهم الآن إلى ليبيا.
ومن شأن التعاون بين العواصم الأوروبية وشركاء الخليج العربي أن يمهد الطريق لدفع واشنطن للسعي نحو تحقيق مستقبل عادل وسلمي للإسرائيليين والفلسطينيين. وقد قالت حماس بالفعل إنها مستعدة لذلك. والآن يتعين على الحكومة الإسرائيلية أن تعود إلى طاولة المفاوضات. وسوف تكون السعودية والإمارات، اللتان تحظيان بتأثير أكبر على ترامب، عنصرين أساسيين في مواجهة أجندة نتنياهو وتعزيز نهج أكثر توازناً.
وسيكون لدى الدول الأوروبية والعربية رغبة حقيقية في إظهار انفتاحها على التعامل مع إدارة ترامب المقبلة، وهذا من شأنه أن يسهل التكامل الإقليمي لإسرائيل وينهي القتال في غزة. ومع ذلك، فإنه ينبغي للقادة الأوروبيين أن يتجنبوا دعم أي مقترحات أمريكية من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم التفاوت بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مثل خطة ترامب لعام 2020 أو توسيع اتفاقيات أبراهام، لأنها لن تؤدي إلا إلى المزيد من العنف.
كما يتعين على الدول الأوروبية ودول الخليج العربي أن تُحذّر الإدارة الأميركية الجديدة من مخاطر منح إسرائيل شيكاً مفتوحاً (على بياض) لمتابعة أهدافها. وإذا تُرِكَت هذه الإجراءات الإسرائيلية دون رادع، كان ذلك بمثابة المخاطرة بمزيد من زعزعة الاستقرار الإقليمي. أما الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لترامب فهو أن مثل هذه الخطوات الإسرائيلية قد تؤدي إلى إحباط طموح إدارته لتحقيق ما لم يستطع بايدن تحقيقه – وهو إقناع السعودية بالاعتراف بإسرائيل كدولة.
دروس من الرياض
فمن أجل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، تطالب المملكة العربية السعودية بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ حل الدولتين. وفي الأسابيع الأخيرة، أظهرت المملكة تشدداً أكبر في موقفها. فقد أدان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ما ارتكبته إسرائيل في غزة واعتبره بمثابة إبادة جماعية. ولعل هذه وسيلة توضح لترامب بأن إقناع السعودية بالاعتراف بإسرائيل لن يكون بالمهمة السهلة وأن واشنطن سوف تحتاج إلى تقديم تنازلات.
وتماماً مثل الرياض، ينبغي للأوروبيين أن يتطلعوا إلى توضيح موقفهم بشكل استباقي لترامب. وينبغي أن يشمل هذا أيضاً تقييماً رسمياً من جانب المفوضية الأوروبية لتعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل وحظر منتجات المستوطنات. وقد دعا رئيس السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي المنتهية ولايته، جوزيب بوريل، إلى اتخاذ هذين الإجراءين في اجتماعه الأخير لمجلس الشؤون الخارجية. ويمكن للاتحاد الأوروبي أيضاً أن يمارس الضغوط من خلال فرض عقوبات على الوحدات العسكرية الإسرائيلية المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان، وعلى السياسيين المتطرفين الذين يدعون إلى العنف، وعلى المجالس الإقليمية الاستيطانية والمنظمات التي تمول النشاط الاستيطاني الإسرائيلي، مثل المنظمة الصهيونية العالمية.
تشكيل مسار الصراع
في الحقيقة لا يزال بمقدور الإجراءات الأوروبية تشكيل مسار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال التحرك السريع بالشراكة مع المملكة العربية السعودية. ويمكن لمثل هذه الإجراءات أن تظهر أيضاً أن القادة الأوروبيين قادرون على تحدي السياسات المزعزعة للاستقرار التي تنتهجها إدارة ترامب والتي تبدو عازمة على تمكين التطرف الإسرائيلي. وهذا يعني الاستمرار في دفع المسار الوحيد القابل للتطبيق لحل هذه الأزمة – وهو وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس والولوج إلى مسار حقيقي لتقرير المصير الفلسطيني على أساس إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. إذ لا يمكن للحل المستدام أن يصب في مصلحة إسرائيل على حساب الفلسطينيين؛ وهذه فرصة لإنقاذ مصداقية أوروبا كجهة فاعلة عالمية ملتزمة بحقوق الإنسان والسلام والاستقرار.
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.