قلم وميدان

الإخوان المسلمون بين النقد والنقض

 

في الحقيقة أن الواقع المأزوم الذي تعيشه دعوة الإخوان المسلمين وتيارات العمل الإسلامي مازال يتعاظم يوما بعد يوم، ولقد فاق ما كان متصورا من الجميع، وشكل صدمة ومفاجأة لكل أفراد الصف الإسلامي وأعظم ما في هذه الصدمة هو عدم وجود نقد وتقييم ومراجعة، فالفشل نظريا أكثر غناء من النجاح فهو يجمع التجربة إلى المعرفة.

ما بزغت شمس الرقي التنظيمي والنقد المنهجي والمراجعة الفكرية في جماعة من الجماعات أو تنظيم من التنظيمات إلا وصلت إلى المنهاج الصافي وسلكت طريق الرشاد ونالت من الغايات أقصاها وقهرت المصاعب بما تتخذه من أسباب، ولكن في غالب التجارب ما رأيناه يختلف عن تلك القاعدة فكم من جماعة بلغت الرقي الدعوي والأخلاقي والتربوي، ولم تشعر إلا وقد منعها عن بلوغ غايتها صعوبات وعوائق لم تكن في الحسبان فأصبحت تعاني العديد من الأزمات والتحديات، أمام تفريطها في طرق أبواب التقييم والنقد المنهجي والمراجعة الفكرية.

وبالتالي يجب على جماعة الإخوان المسلمين وتيارات العمل الإسلامي أن تعيد ترتيب وتوجيه بوصلتها بشكل عملي من التقييم والنقد المنهجي والمراجعة الفكرية لتجاربها وأساليبها ووسائلها، إننا عندما نتحدث عن مقومات النجاح والفشل نجد أن عملية النقد والتقييم هي أهم عوامل تحقيق الغايات.

ولذلك فان النقد المنهجي له أهمية كبيرة في إصلاح الجماعات والتنظيمات ولكي يكون النقد ناجحا لابد له أن يبعد عن الأفكار الهدامة، فالنقد القائم في أطار محدد غير متأثر بالارتباط العاطفي للتنظيم مازال أمر بعيد المنال عن جميع تيارات العمل الإسلامي بما فيهم الإخوان المسلمين، ولم تستطع أن تجعله واقعا يتحقق لتقييم ومراجعة تجاربها.

إن النقد والتقييم بأنماطه المختلفة من أهم شروط انتقال الجماعات من الفشل إلى النجاح، لأن أهم وسائل معرفة السلبيات والمشاكل التي تواجهها التنظيمات، وتوضيح المسار الصحيح لمواجهة تلك المشاكل وإيجاد الحلول المناسبة للواقع الذي تعيشه هو عملية النقد المنهجي وفي هذا السياق يجب على قيادات الإخوان المسلمين وقيادات العمل الإسلامي التفرقة الحقيقية بين (النقد، النقض) فالنقد هدف سامي إيجابي يدعو إلى تجنب الأخطاء وتصحيح المسار من أجل البناء الهادف للوصول للغايات، وهو لا يستهدف فقط تقييم السلبيات، وإنما يستلزم أيضا تقييم الإيجابيات، إلى جانب تقديمه للمقترحات والحلول البناءة للقضاء على تلك السلبيات وتأكيد الإيجابيات.

 

أهمية النقد والتقييم:

1ـ هدم الأفكار والموروثات البالية التي أثبتت التجارب العملية، فشلها وإيجاد معطيات ومنطلقات ومسارات جديدة ناتجة عن النقد المنهجي البناء المتفاعل مع الواقع الذي يعيشه جميع الأفراد.

2ـ رفع مستوي الوعي النقدي والسياسي والتنظيمي والدعوي لدي جميع أفراد الجماعة عن طريق النقاش وإبداء الآراء وتحليل النتائج وتحديد التناقضات.

3ـ إظهار نواحي الضعف والخلل في الأفراد والمناهج والتخلص منها بشكل دوري ومستمر.

4ـ إبراز روح العدالة والمساواة بين جميع الإفراد في المستويات التنظيمية المختلفة (المسؤولية تكليف وليس تشريف).

5ـ القضاء على الذاتية في اتخاذ القرارات والمركزية المطلقة وتعظيم دور النقد المنهجي للأفكار والمعتقدات السائدة.

6ـ تربية جميع الإفراد في جميع المستويات التنظيمية على أنهم ليسوا فوق النقد وبالتالي تزيد الكفاءات ويزيد العطاء.

7ـ تطوير الأفكار والمفاهيم بالتقييم والمراجعة المستمرة للأساليب والوسائل ونتائجها الإيجابية والسلبية وبالتالي يتم تعظيم الإيجابيات وتجنب السلبيات ووضع الحلول لعدم وجودها مستقبلا.

 

غياب التقييم:

مع هذه الأهمية، يثار السؤال الرئيس، لماذا لا تتم عملية النقد المنهجي داخل تيارات العمل الاسلامي؟

ومن خلال الرصد والمتابعة، نجد أن عملية النقد المنهجي لا تتم نتيجة لعدد من العوامل:

1ـ أن كلمة فشل لا تعترف بها نخبة التيارات الإسلامية، وفيهم الاخوان المسلمين للاعتقاد السائد أن فيها قدرا أوجبه الله (عز وجل) فلا يجب مراجعته ومناقشته، وبالتالي يختلط مفهوم القدر والأخذ بالأسباب.

2ـ القصور في بعض جوانب التربية الإسلامية، التي رسخت لدي أفراد العمل الإسلامي أن النقد يجب أن يكون من الخارج أما النقد الداخلي من افراد التيارفلا يكون.

3ـ اعتبار قادة التيارات الإسلامية أن عملية النقد المنهجي عملا هداما، والوعظ العاطفي في حالة الفشل مما يجعلهم يظنون أنهم قاموا بواجبهم وألقوا عن كاهلهم عبء المسؤولية.

وفي تفسير هذه العوامل، نجد أن معظم قيادات العمل الإسلامي تتجنب النقد المنهجي رغم الفشل والانتكاسات التي حدثت منذ قرن مضي بل يجب عليها مراجعة تلك التجارب ونقدها نقداً منهجياً لتقييم السلبيات، وتعظيم الإيجابيات وتقديم المقترحات والحلول، فالعمل الدعوي والسياسي ما هو إلا نشاط بشري قد يكون صوابا وقد يجانبه الصواب.

إن التعصب للأفراد أو الجماعات يعجل في إصدار الاحكام أحادية الجانب لأفكار هذه الجماعة أو تلك سواء بالصواب أو الخطأ، لأنها ناتجة عن نظرة متسرعة لا تعطي مجالاً للنقد البناء القائم على المنهجية العلمية، فعندما يتعصب الأفراد إلى قيادة جماعة ما فإنهم يرفعونها إلى درجة التقديس، فلا يقبلون نقدا لها ولا ينقدون أنفسهم، حتى لو أخطأت خطأ فادحاً لا يمكن الرد عليه والدفاع عنه فتري أنصار تلك الجماعة يتعسفون في الدفاع عنها، وينتج عن هذا التعصب فقد الجماعة لتوازنها، وقتل المواهب، وتصبح كل القرارات حِكرا علي رأس الأمر، ويترسخ في العقل الباطن لدي الأفراد أن التفكير والتوجيه تختص به القيادة دون توجيه أي نقد منهجي لتجاربها(1).

———————————

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

إسلام عبدالله زعبل

باحث سياسي مصري، يعد للحصول على درجة الماجستير في العلوم السياسية

اعمال اخرى للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button