
نشرت صحيفة “ساوث تشاينا مورنينج بوست” (SCMP)، وهي صحيفة مملوكة لمجموعة علي بابا وتصدر في هونج كونج باللغة الإنجليزية، في 15 يونيو 2025، تقريراً بعنوان: “لماذا تنتقل المصانع الصينية إلى مصر في ظل الحرب التجارية مع الولايات المتحدة” لـ “ميا نوليمايتي”، وهي صحفية صينية متخصصة في الاقتصاد السياسي وتعمل كمراسلة لصحيفة “ساوث تشاينا مورنينج بوست“.
تقول صحيفة “ساوث تشاينا مورنينج بوست”، الصحيفة الأبرز والأكثر موثوقية في هونج كونج والتي نُقدّم رؤية إقليمية عميقة من منظور عالمي، إن عدد المصنّعين الصينيين الذين باتوا ينقلون إنتاجهم إلى مصر في تزايد مضطرد، وذلك في مسعى منهم إلى تخفيف الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة على الصين وجنوب شرق آسيا.
ونقلت الصحيفة عن هوانج بينج، وهو مستثمر صيني في مصر، أنه قبل بضع سنوات، كانوا يستضيفون حفلات عشاء ترحيبية ربما مرة واحدة شهرياً للوافدين الصينيين الجدد؛ “أما الآن، فنشهد زيارات وفود يومياً تقريباً”. كما نقلت “ساوث تشاينا مورنينج بوست” أيضاً عن تشو جونج، وهو مهندس مدني صيني في مصر، قوله إن هذه الشركات تتحرك بسرعة؛ فبمجرد العثور على أرض، فإنها ترغب في بدء البناء والتشييد على الفور.
وقد جاء التقرير على النحو التالي:
كان بيت ضيافة الذي يمتلكه جياهاو، الذي يقع في ركن هادئ من القاهرة، حتى وقت قريب، محطةً متواضعةً ينشدها السياح الصينيون وهم في طريقهم لزيارة الأهرامات المصرية. لكن في ربيع هذا العام، بدأ النُزُل فجأةً يجذب نوعاً مختلفاً من العملاء.
فقد بدأ جياهاو، صاحب النُزل والبالغ من العمر 26 عاماً، باستقبال مجموعات من أصحاب المصانع قادمين من جميع أنحاء الصين وجنوب شرق آسيا – رجال أعمال ذوي بشرة رمادية لم تكن رحلاتهم لمشاهدة المعالم السياحية في مصر، بل للبحث عن سبل للعيش فيها.
يقول جياهاو: “يحجز العديد من أصحاب الأعمال الآن إقامات (في هذا النُزل المتواضع) لمدة أسبوع. وأقوم بإرشادهم وأخذهم لمقابلة المسؤولين المحليين، وأساعدهم في الترجمة، وأحياناً أشارك معهم في مفاوضات الاستثمار”.
تُعد هذه الزيارات جزءاً من تحول أوسع نطاقاً في سلاسل التوريد العالمية، حيث قامت موجة من المصنّعين الصينيين بإنشاء مصانع لهم في مصر اعتقاداً منهم بأن تلك الدولة الأفريقية تُمثل ملاذاً آمناً لهم من الرسوم الجمركية الأمريكية الباهظة.
ويعمل المصدرون الصينيون على نقل إنتاجهم إلى خارج الصين بأعداد كبيرة منذ أن بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستهداف جمهورية الصين الشعبية بالرسوم الجمركية خلال ولايته الأولى، حيث اختار العديد من هؤلاء المبادرين التركيز على جنوب شرق آسيا.
لكن دول جنوب شرق آسيا نفسها أصبحت هدفاً لرسوم جمركية أمريكية باهظة في شهر إبريل، عندما أعلن ترامب ما يُسمى بالرسوم “التبادلية” بنسبة تصل إلى 49% على الواردات من المنطقة، بالإضافة إلى رسوم جمركية إضافية باهظة بنسبة 145% على السلع الصينية.
ورغم أن واشنطن جمدت منذ ذلك الحين الرسوم “التبادلية” – و خفضت الرسوم الجمركية على الصين إلى 30% – إلا أنها لم تُلغَ تماماً، ومن المقرر أن يُعاد سريانها والعمل بها قبل نهاية الصيف ما لم يتم التوصل إلى اتفاق.
وقد دفع هذا العديد من الشركات الصينية إلى تنويع قواعد إنتاجها، وبرزت مصر كخيار بديل شائع بفضل موقعها الاستراتيجي واستقرارها النسبي وانخفاض الرسوم الجمركية الأمريكية عليها.
وبالإضافة إلى أنه لم تُطبق على مصر سوى رسوم جمركية أساسية بنسبة 10% في شهر إبريل، فإن هناك شعوراً بين المستثمرين الصينيين بأنها أقل عرضة لفرض رسوم جمركية أمريكية مستقبلية مقارنةً بالوجهات الأخرى، نظراً لأن لديها حالياً عجزاً تجارياً مع الولايات المتحدة.
وكانت جمعية رجال أعمال مصرية قد أعلنت في شهر مارس عن عشر صفقات استثمارية صينية جديدة بقيمة إجمالية تبلغ 60 مليون دولار أمريكي، معظمها مشاريع صناعية متركزة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وبلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر للصين في مصر 1.29 مليار دولار أمريكي حتى عام 2023، وهو أحدث عام تتوفر بياناته المعلنة، وفقاً لأرقام رسمية صينية. وتشير التقارير إلى أن أكثر من 2500 شركة صينية تعمل في البلاد، بما في ذلك شركة الاتصالات العملاقة – تشونج للاتصالات (ZTE)، وشركة تصنيع الأجهزة الإلكترونية (OPPO)، ومجموعة قوانجتشو للسيارات المحدودة شركة السيارات (GAC Motor).
وقد لاحظ هوانج بينج، الذي يدير خمسة مصانع لتجميع قطع غيار الدراجات النارية خارج القاهرة، ارتفاعاً ملحوظاً في الاستثمارات الصينية في الأشهر الأخيرة. وكان قد انتقل إلى المنطقة لأول مرة قادماً من الصين عام 2018، سعياً للقرب من الأسواق الناشئة في أفريقيا.
وقال بينج: “قبل بضع سنوات، كنا نقيم ربما حفلات عشاء ترحيبية مرة واحدة شهرياً للوافدين الصينيين الجدد. أما الآن، فنشهد زيارات وفود يومياً تقريباً، وفي الأغلب ليس فقط مع رجال الأعمال، بل أيضاً مع مسؤولين حكوميين صينيين”.
وأضاف هوانج بينج أن العديد من هؤلاء الوافدين الجدد هم أصحاب مصانع لديهم أعمال في جنوب شرق آسيا، ويدفعهم تغير الأجواء الجيوسياسية نحو الغرب.
وقال أيضاً: “نصف الشركات التي أقابلها على الأقل لديها مصانع قائمة في كمبوديا أو تايلاند أو ميانمار أو لاوس. وهم يتجهون إلى مصر كخيار ثانٍ”.
ويرى بينج أن مصر تتمتع بمزايا عديدة تتجاوز انخفاض معدل التعريفة الجمركية – فهي، في رأيه، توفر مزيجاً مثالياً من الأمن والانفتاح ومزايا التكلفة.
وقال: “لقد زرت أكثر من 60 دولة لتقييم مناخ الاستثمار”، مضيفاً: “معظم الدول الأفريقية ليست آمنة دائماً، وأمريكا الجنوبية أكثر فوضوية. أما مصر، بالمقارنة، فتتمتع بالاستقرار. والحكومة ودودة معنا، ولا توجد مشاعر معادية للآسيويين”.
كما أن انخفاض تكاليف العمالة في مصر يُمثل عاملاً رئيسياً في جاذبيتها. حيث تتراوح الأجور في المصانع المصرية عادةً بين 100 و150 دولاراً أمريكياً شهرياً – أي أقل من نصف ما يدفعه المصنعون الآن في جنوب شرق آسيا، وفقاً لهوانج بينج.
وهذه الميزة من حيث التكلفة تُغذي طفرة كبيرة في صناعة المنسوجات. ففي الأشهر الأربعة الأولى من عام 2025، تجاوزت صادرات الملابس المصرية مليار دولار أمريكي، بزيادة قدرها 22% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لمجلس تصدير الملابس في مصر.
ويجذب نمو هذه الصناعة عدداً متزايداً من المستثمرين الأجانب، بما في ذلك شركات صينية. ومن بين الشركات التي بادرت بدخول السوق المصرية شركة “تشجيانج كادي إندستري”، وهي شركة صينية رائدة في صناعة المنسوجات، حيث افتتحت مصنعاً في مصر بقيمة 100 مليون دولار أمريكي في وقت سابق من هذا العام، بهدف توفير 4500 فرصة عمل.
وصرح دينج يونج، رئيس غرفة التجارة الصينية بالإسكندرية، قائلاً: “تُعدّ السياسة الخارجية المتوازنة لمصر عاملاً رئيسياً” في نجاح البلاد في جذب الشركات الصينية. وأضاف: “فعلى عكس الدول الأخرى، تتمتع مصر بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة، وتحافظ على وضع تجاري متوازن نسبياً. وهذا يجعلها أقل عرضة لفرض رسوم جمركية صارمة”.
وتستضيف غرفة دينج التجارية الآن تدفقاً مستمراً من الوفود من مقاطعتي جيانجسو وتشجيانج الصينيتين، بما في ذلك العديد من مصنعي المنسوجات الذين يأملون في التصدير إلى الولايات المتحدة عبر مصر.
ومع ذلك، فإن التدفق السريع لرأس المال يضغط على البنية التحتية المحلية. ويبرز نقص في الأراضي الصناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ومدينة الإسماعيلية المجاورة، مما يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار الأراضي.
ووفقاً لتشو جونج، وهو مهندس مدني يعمل في مصر منذ عامين، فقد تضاعفت إيجارات المصانع في المناطق الاقتصادية الرئيسية خلال الأشهر الستة الماضية. وقال: “هذه الشركات تتحرك بسرعة. فبمجرد العثور على أرض، فإنها تريد بدء البناء والعمل على الفور”.
كما أن وصول سلسلة من العلامات التجارية الكبرى من الصين يضغط أيضاً على الشركات الصغيرة مثل جيا شيانج شنج. فقد نقل جيا شنج أعماله في صناعة الأجهزة المنزلية إلى مصر في عام 2017 هرباً من المنافسة المحلية الشرسة في الصين، لكنه الآن يشهد تآكل هوامش ربحه مرة أخرى.
وقال جيا شنج: “عندما جئت إلى هنا، كانت هذه وسيلة للبقاء”. كانت شركتنا، كول ستار، من الشركات الصغيرة القليلة التي لم تُشترَ في الصين. لكن الآن، انضمت إلينا شركات مثل ميديا وهاير وهيسنس، وشركات تركية مثل شل. اضطررنا لخفض أسعارنا للبقاء في السوق.
وأضاف شنج أن أرباح شركته انخفضت إلى النصف مقارنةً بالعامين الماضيين. وأضاف: “إن فائض الطاقة الإنتاجية في الصين يُجبر الشركات على التخلص من منتجاتها هنا، ما يُثقل كاهل الجميع”.
ومع ذلك، لا يُظهر هذا الزخم أي بوادر تباطؤ. وقال دينج إن مصر تُمثل بالنسبة للعديد من المُصدّرين الصينيين شريان حياة في سعيهم لتجاوز خارطة التجارة العالمية المُتصدعة بشكل متزايد.