الصراع التركي الإماراتي: جدلية القوة والدور
مقدمة
تشهد منطقة الشرق الأوسط صراعا مركباً بين ثلاثة محاور إقليمية مركزية، المحور الإيراني والمحور التركي القطري والمحور السعودي الإماراتي المصري، وفيما تعطي السعودية الأولوية للمواجهة مع إيران، فإن الإمارات تركز على المواجهة مع تركيا. وبينما شغل الصراع الإيراني السعودي في المنطقة الحيز الأكبر من الاهتمامات البحثية، فإن الصراع التركي الإماراتي، والذي بدت بوادره مع ما عرف بثورات الربيع العربي في 2011، وتعمق كثيراً في السنوات الثلاث الأخيرة، لم يلق نفس القدر من الاهتمام.
وبرغم عدم تماثل الطرفين التركي والإماراتي من منظور قوة الدولة، بحيث تعبر الأولى عن دولة إقليمية، في حين تمثل الثانية دولة صغيرة، إلا أن هناك تعارضاً جلياً في أدوارهما الإقليمية، وهو ما رتب تنافساً إقليمياً بينياً، شمل منطقة الشرق الأوسط بمفهومه الأوسع[1]. إن ما يحدث بين الطرفين ليس مجرد تنافس طبيعي، بل صراع متكامل الأركان؛ أيديولوجيات متعارضة، مصالح سياسية متضاربة، تنافس جيوسياسي في المنطقة ومعارك صفرية، دفعت كل طرف للنظر لمكاسب الآخر في أي بقعة جغرافية، مهما كان موقعها قريبة أو بعيدة عن دوائر سياسته الخارجية، على أنها خسارة له.
الإطار النظري:
تنطلق الدراسة من التمييز بين مفهومي القوة الإقليمية والدور الإقليمي. بالنسبة للقوة الإقليمية، فإنها تعبر عن دولة تمتلك مقومات وإمكانيات مادية ومعنوية كبيرة، مقارنةً بغيرها من الدول في إقليم معين، و”تؤهلها” لأن تكون فاعلة ومؤثرة في هذا الإقليم. أما مفهوم الدور الإقليمي، فهو ينصرف للمخرجات الناتجة عن إدارة هذه المقومات والإمكانيات، واستغلالها بشكل فعال في إطار الإقليم، سواء في شكل سياسي، دبلوماسي، اقتصادي، عسكري أو أمني.
أي أن القوة الإقليمية مفهوم نسبي، فالقول بأن دولة ما قوة إقليمية في منطقة جغرافية معينة، تعني بأنها كذلك في مواجهة ومقارنةً مع غيرها من دول هذه المنطقة. فما قد يعد قوة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط، قد لا يعد بالضرورة كذلك في منطقة أوروبا. ومفهوم القوة الإقليمية أيضا هو مفهوم شبه استاتيكي، حيث يتسم بحالة من الثبات والديمومة. فما يعد قوة إقليمية اليوم، يظل كذلك دائماً، إلا إذا واجهت هذه القوة ظروف معينة كحرب مدمرة، تقضي ليس على دورها الإقليمي فقط، بل حتى على مقوماتها المادية كقوة، كما حدث للعراق وسوريا. أما الدور فيتسم بأنه شديد الديناميكية، فهو يتغير من فترة لأخرى، حسب عوامل عديدة داخل الوحدة الدولية أو الإقليم. أي أن عدم فاعلية قوة معينة في إقليم ما، لا يعني أنها لم تعد قوة إقليمية، طالما ظلت مقوماتها المادية الداخلية ثابتة، وإنما يعني أن هناك تراجع أو تعطل لدورها الإقليمي.
ويمكن لدولة لا تمتلك مقومات قوة إقليمية حقيقية ممارسة دور إقليمي، عبر استغلال ميزة نسبية لديها، في لحظة تاريخية معينة، كما هو الحال بالنسبة للإمارات وقطر. كما يمكن لدولة تمتلك مقومات قوة إقليمية وفي ذات الوقت لا تقوم بأدوار إقليمية فعالة تتناسب وهذه القوة؛ وذلك نتيجة لتعطل أدوارها في لحظة زمنية معينة، لانشغالها بأزمات داخلية، أو لضعف القيادة السياسية بها، كما في الحالة المصرية. أي أن تركيا مثال لقوة إقليمية تمتلك دوراً إقليمياً فعالاً، في حين تعبر مصر عن قوة إقليمية لا تمتلك دوراً إقليمياً فعالاً، أو تراجع دورها، في حين تمثل الإمارات دولة ليست بقوة إقليمية لكنها تمتلك دوراً إقليمياً فعالاً.
وبناءً على هذا التمييز، فإن الدراسة تنقسم لمحورين أساسيين، الأول إطار مقارن لمصادر قوة الدولتين وموقعهما في بنية المنطقة، والثاني الأدوار الإقليمية، ويتناول الأدوار التي تقوم بها تركيا والإمارات في إطار التنافس الحاصل بينهما في منطقة الشرق الأوسط. وأخيراً تستشرف الدراسة مستقبل العلاقات بين البلدين، ومستقبل صراعهما البيني، مع تقديم توصيات مقترحة لكلا الجانبين.
المبحث الأول: مؤشرات قوة الدولة وموقعها في النسق الإقليمي
يمكن تناول هذا المحور عبر عدة مستويات، قياس قوة كل من تركيا والإمارات وفق مؤشرات محددة للقياس، وفاعليتهما في المنظمات الدولية الإقليمية التي تتمتعان فيها بالعضوية، ومنظومة القيم والتوجهات المحددة لسياستهما الخارجية، وما ترتبه من تحالفات وتحالفات مضادة في منطقة الشرق الأوسط. والتي تؤثر في المجمل على قوة الدولة ووزنها الحقيقي في الإقليم.
أولاً: قياس قوة الدولة
تطبق الدراسة مقياس القوة الذي وضعه الدكتور “جمال زهران” في كتابه “منهج قياس قوة الدولة واحتمالات تطور الصراع العربي الإسرائيلي”. وتشمل عوامل مادية، تتمثل في القدرة الاقتصادية والقدرة العسكرية والقدرة الحيوية، وعوامل معنوية، تتمثل في القدرة السياسية والإرادة القومية والقدرة الدبلوماسية[2].
1ـ مؤشرات قوة الدولة التركية
(أ) مؤشرات القدرة الحيوية:
تبلغ مساحتها 780,580 كم2[3]. وفي عام 2019 بلغ عدد سكانها 81 مليون نسمة[4]. ويعد موقعها استراتيجي، حيث تقع عند نقطة التقاء الحضارات والثقافات بين الشرق والغرب، وجسر جيو ـ اقتصادي بين الشمال والجنوب. وتربط تركيا قارات العالم القديم “آسيا وأفريقيا وأوروبا” ببعضهما البعض، أوربا من خلال منطقة البلقان وآسيا من خلال منطقة القوقاز وأفريقيا من خلال شرق المتوسط. وتشرف على مضيقي البسفور والدردنيل، بالإضافة لبحار مرمرة والأسود وإيجة والأبيض المتوسط.
وهذا الموقع الجيواستراتيجي الحيوي يفسر الدور الذي لعبته أنقرة في فترة الحرب الباردة كنقطة ارتكاز متقدمة لاحتواء الاتحاد السوفيتي، ويجيب عن سؤال لماذا كانت اسطنبول على مر تاريخها مركز لإمبراطوريات تاريخية عديدة، كان آخرها الدولة العثمانية.
(ب) مؤشرات القدرة العسكرية:
يحتل الجيش التركي المرتبة الـ11 عالمياً، في قائمة أقوى جيوش العالم لعام 2020، وفقاً لتصنيف مؤسسة “غلوبال فاير باور”. حيث يصل عدد أفراده إلى 735 ألف جندي، منهم 355 ألف جندي عامل، 380 ألف جندي في قوات الاحتياط. ويمتلك 1055 طائرة حربية متنوعة و2622 دبابة و8777 مدرعة و1278 مدفع ذاتي الحركة، و1260 مدفع ميداني، إضافة إلى 438 راجمة صواريخ، ويضم أسطوله البحري قرابة 194 قطعة بحرية. وأخيراً تصل ميزانية دفاعها إلى19 مليار دولار[5].
(ج) مؤشرات القدرة الاقتصادية:
وفقاً لبيانات البنك الدولي لعام 2018، بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي لتركيا، 771 مليار دولار[6]. ومتوسط دخل الفرد 7646 دولار[7]. فيما تعاني تركيا من عجز في قطاع النفط، وهو ما يعرض أمنها الطاقوي لمخاطر حيوية. حيث يبلغ حجم إنتاجها النفطي 245 ألف برميل يومياً، فيما يصل استهلاكها 845 ألف برميل يومياً، وحجم احتياطاتها المؤكدة 388 مليون برميل[8].
فضلا عن معاناة اقتصادها من عدة أزمات، بعضها ذات بعد هيكلي وأخرى سياسي. لكن في المقابل يعتبر الاقتصاد التركي من الاقتصادات القوية، خاصة على مستوى التنوع والانتاج، يشمل قطاعات الاستثمارات المحلية والأجنبية والصناعة والسياحة والممرات الملاحية.
(د) مؤشرات القدرة المعنوية:
وفقا لمؤشر الدول الهشة “Fragile states Index”، الذي تعده سنوياً مجلة فورين بوليسي، تصنف فيه 178 دولة، من خلال تحليل 12 عاملاً أساسياً، بناءً على درجة الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي، جاءت تركيا في المرتبة الـ59 بمعدل 80.3، ضمن منطقة (High Warning)[9]، كمؤشر سلبي. لكن في المقابل تسعى تركيا للقيام بدور قيادي في الإقليم انطلاقاً من الشرعية التاريخية، حيث إعادة إحياء ميراث الدولة العثمانية، وما يعرف بالعثمانية الجديدة، مع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم. وهذه هي الهوية المركزية المحركة لسياسة تركيا الحالية تجاه المنطقة. كما تمتلك قوة ناعمة قوية، مبنية على ركيزتي الميراث التاريخي من ناحية، والإعلام والدراما من ناحية ثانية، والمؤسسات الخيرية من ناحية ثالثة.
2ـ مؤشرات قوة الدولة الإماراتية
(أ) مؤشرات القدرة الحيوية:
تبلغ مساحتها 83,600 كم[10]2. وفي عام 2019 بلغ عدد سكانها 9 مليون نسمة[11]، وتتمثل أهمية موقعها في إطلالها على الخليج العربي وخليج عمان، وهي منطقة تمثل أكثر البؤر توتراً في العالم، على وقع عدة صراعات وأزمات مركبة.
(ب) مؤشرات القدرة العسكرية:
يحتل الجيش الإماراتي المرتبة الـ45 عالمياً، في قائمة أقوى جيوش العالم لعام 2020، وفقاً لتصنيف مؤسسة “غلوبال فاير باور”. حيث يصل عدد أفراده سواء الكلي أو العامل إلى 64 ألف جندي، بدون جنود احتياط. ويمتلك 538 طائرة حربية متنوعة و434 دبابة و8691 مدرعة و183 مدفع ذاتي الحركة، و76 مدفع ميداني، إضافة إلى 72 راجمة صواريخ، ويضم أسطوله البحري قرابة 75 قطعة بحرية. وأخيراً تصل ميزانية دفاعها إلى 22 مليار دولار[12].
(ج) مؤشرات القدرة الاقتصادية:
وفقاً لبيانات البنك الدولي لعام 2018، بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للإمارات 414 مليار دولار[13]. ومتوسط دخل الفرد 39235 دولار[14]. ويعد الاقتصاد بشكل عام، وقطاع الطاقة الإماراتي بشكل خاص من أهم نقاط قوتها، والتي تعد أحد دعائم سياستها الخارجية، حيث يبلغ حجم إنتاجها النفطي 3 مليون برميل يومياً، فيما يصل استهلاكها 575 ألف، وحجم احتياطاتها المؤكدة 97 مليار برميل[15].
وتعد الإمارات الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تعد تعتمد فقط على النفط كمصدر رئيسي لدخلها القومي، حيث نقلت اقتصادها من ريعي لمنتج ومتنوع، متمثل في حجم استثمارات أجنبية قوي، وقطاع سياحي واعد، فضلا عن مجال العقارات والبناء والخدمات المالية والتجارية. ومن أهم هذه القطاعات بعد النفط، قطاع الموانئ، فميناء جبل علي في دبي الأفضل على مستوى الشرق الأوسط، فيما يحتل ميناء خليفة في أبو ظبي المركز الأول عالمياً من حيث سرعة النمو. ويعد ميناء الفجيرة ثاني أكبر ميناء تموين لناقلات النفط على مستوى العالم.
وقد احتلت الإمارات المرتبة الثالثة عشرة عالمياً في مؤشر الربط البحري العالمي 2018 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”[16].
(د) مؤشرات القدرة المعنوية:
وفقا لمؤشر الدول الهشة “Fragile states Index”، جاءت الإمارات في المرتبة الـ149، بمعدل 40.1، ضمن منطقة (MORE STABLE)[17]، كمؤشر إيجابي. وبالرغم من غياب الشرعية التاريخية للإمارات، لحداثة نشأتها، وعدم امتلاكها موروث تاريخي يمكن أن يمثل نقطة انطلاق في تحركاتها الإقليمية، وكقوة ناعمة لها. إلا أنها تحاول خلق صورة ذهنية إيجابية في الإقليم، من خلال أدوات القوة الناعمة، معتمدة على الاقتصاد والإعلام والثقافة والمؤسسات الخيرية.
جدول (1) المقارنة بين مؤشرات القوة الحيوية بين تركيا والإمارات
عناصر المقارنة |
تركيا |
الإمارات |
المساحة “كم2” |
780,580 |
83,600 |
عدد السكان 2019 “مليون” |
81 |
9 |
ترتيب قوة الجيش عالمياً |
11 |
45 |
حجم الناتج المحلي 2018 “مليار دولار” |
771 |
414 |
متوسط دخل الفرد 2017 “دولار” |
7646 |
39235 |
الترتيب وفق مؤشر الهشاشة |
59 |
149 |
جدول (2) المقارنة بين مؤشرات القوة العسكرية بين تركيا والإمارات
المؤشر العام |
الفرعي |
تركيا |
الفرعي |
الإمارات |
الترتيب عالمياً |
|
11 |
45 |
45 |
القوة البشرية “ألف” |
الكلي |
735 |
الكلي |
64 |
|
العاملون |
355 |
العاملون |
64 |
|
الاحتياط |
380 |
الاحتياط |
00 |
القوة التسليحية |
طائرات |
1055 |
طائرات |
538 |
|
دبابات |
2622 |
دبابات |
434 |
|
مدرعات |
8777 |
مدرعات |
8691 |
|
مدافع |
2538 |
مدافع |
259 |
|
صواريخ |
438 |
صواريخ |
72 |
|
سفن |
194 |
سفن |
75 |
الميزانية “مليار دولار” |
|
19 |
|
22 |
جدول (3) قدرة قطاع النفط
بيان |
تركيا |
الإمارات |
حجم الإنتاج يومياً “برميل” |
245 ألف |
3 مليون |
حجم الاستهلاك يومياً “برميل” |
845 ألف |
575 ألف |
حجم الاحتياطات “برميل” |
388 مليون |
97 مليار |
*الجداول من إعداد الباحث
في المحصلة النهائية، في إطار إقليم الشرق الأوسط، وفق التصنيف القائم على معيار موقع الدول في الساحة الدولية حسب قدرتها الاستراتيجية[18]. فإنه يمكن تصنيف تركيا على أنها دولة إقليمية، في حين تعبر الإمارات عن دولة صغيرة.
ثانياً: معيار العضوية في المنظمات الدولية[19]
يمكن استخدام المنظمات الدولية الإقليمية في الصراعات الإقليمية كأدوات تعديل لموازين القوى لصالح الأطراف المختلفة من ناحية. ووسيلة للقيام بدور إقليمي من ناحية أخرى، بما يعظم من أهمية الدولة في الساحتين الإقليمية والعالمية.
(أ) منظمة التعاون الإسلامي
تعد تركيا إحدى الأعضاء الـ 25 المؤسسين للمنظمة، والتي اتخذت في 22 مايو 2014، قراراً بإحداث بعثة دائمة لدى المنظمة في جدة. وانعقدت في إسطنبول القمة الثالثة عشر في إبريل 2016، والقمة الطارئة السادسة في يناير 2017، والقمة الطارئة السابعة في مايو 2018، بناء على دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ جراء التطورات التي شهدتها القدس. كما تستضيف تركيا اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري في المنظمة “كومسيك” التي أنشئت عام 1981، ويرأسها الرئيس أردوغان، وكان آخر اجتماعات اللجنة في نوفمبر 2019[20].
أما الإمارات فقد انضمت لمنظمة التعاون الإسلامي عام 1972[21]. وفي الفترة الأخيرة بدأ الدور الإماراتي في إطار المنظمة في التصاعد. ففي مارس 2019، استضافت أعمال الدورة الـ46 لمجلس وزراء خارجية دول المنظمة[22]. وفي ديسمبر 2019، شهدت العاصمة أبوظبي الافتتاح الرسمي للدورة السابعة لوزراء الصحة لدول المنظمة[23]. وفي إبريل 2020، عقد الاجتماع الطارئ للجنة التوجيهية للمنظمة، والمعنية بالصحة حول جائحة فيروس كورونا المستجد، عن بعد بتقنية الفيديو، برئاسة الإمارات[24].
وبالتالي تُعد تركيا من أهم الدول الفاعلة في إطار منظمة التعاون الإسلامي، سواء من خلال استقبال قممها الدورية العادية والطارئة، أو تمركز بعض أجهزتها الفرعية فيها. في حين تصاعد دور الإمارات مؤخراً، والذي تزامن مع تشكل تحالف سعودي إماراتي، مع وصول “محمد بن سلمان” لمنصب ولي العهد السعودي، في مواجهة تركيا، المتوترة علاقاتهما معها. بشكل بدا معه أن توازن القوى داخل المنظمة بدأ يميل لصالح السعودية والإمارات وحلفائهما على حساب الفاعلين الآخرين، كتركيا وإيران. ومن مؤشرات ذلك:
- عدم حضور الرئيس أردوغان القمة العادية الأخيرة للمنظمة، والتي استضافتها السعودية في مايو 2019، وأناب عنه وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، كما لم يحضر الرئيس الإيراني حسن روحاني كذلك[25].
- انعقاد “قمة كوالالمبور” الإسلامية في ديسمبر 2019، حضرتها تركيا وقطر وماليزيا وإيران، بدون حضور سعودي، وخارج إطار المنظمة[26]. وهو ما أثار قضية إمكانية أن تشكل هذه القمة منصة بديلة لمنظمة التعاون على المدى البعيد. ما دفع المنظمة لمعارضتها، مشيرةً أنها تضعف العالم الإسلامي[27]. إن إدراك تركيا وحلفائها أن المنظمة لم تعد مظلة مناسبة لتوحيد العمل المشترك تجاه قضايا العالم الإسلامي، في ظل تناقض التوجهات والأولويات بين الدول الأعضاء، وفي ظل موازين قوى مختلة داخل المنظمة لصالح خصومها، دفعها بالتحالف مع آخرين لتجاوز أطر التعاون التقليدية، والتي توفرها منظمة التعاون، وعقد مثل هذه القمة.
(ب) جامعة الدول العربية
تعد الإمارات أحد الدول الأعضاء في الجامعة العربية. في حين طورت تركيا علاقاتها مع الجامعة العربية، من خلال توقيع مذكرة تفاهم معها في عام 2004. كما اتخذت الجامعة قراراً عام 2006، بتعزيز التعاون مع تركيا عن طريق “منتدى التعاون التركي العربي”، الذي كان من المقرر إنشاؤه في ذلك الوقت. كما وافقت الدول العربية في ذلك الاجتماع بالإجماع على دعم ترشح تركيا لعضوية مجلس الأمن الدولي غير الدائمة للفترة 2009_2010[28]. لكن ومنذ عام 2011، مع انطلاق ما عرف بثورات الربيع العربي، وتخلي تركيا عن سياسة صفر مشاكل تجاه الإقليم، ما رتب توتراً في علاقاتها مع عدد من الدول العربية، على رأسهم السعودية والإمارات ومصر، برزت الجامعة كأداة سياسية في يد الدول الثلاث في مواجهة تركيا.
فلقد كان آخر اجتماعين طارئين للجامعة العربية، الأول في أكتوبر 2019، لبحث التدخل التركي العسكري في شرق الفرات السوري، حيث أدان هذا التدخل، مع تحفظ قطري، وطالبت تركيا بالانسحاب من كافة الأراضي السورية[29]. الثاني في ديسمبر 2019، لبحث التدخل التركي العسكري في ليبيا، حيث أدان التدخلات الخارجية في ليبيا[30].
(ج) مجلس التعاون لدول الخليج العربي
تعد الإمارات أحد الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. في حين تستند العلاقة المؤسساتية بين تركيا ومجلس التعاون إلى “الاتفاق الإطاري بين الطرفين حول التعاون الاقتصادي”، والذي تم التوقيع عليه في مايو 2005، وبناءً عليه أنشئت اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي، وأُسست آلية الحوار الاستراتيجي في سبتمبر 2008 في مدينة جدة، وعُقد حتى الآن خمسة اجتماعات للحوار الاستراتيجي الرفيع المستوى (جدة 2008، إسطنبول 2009، الكويت 2010، إسطنبول 2012، الرياض 2016)[31]. وتحت مظلة الاتفاق الإطاري، عُقدت أربع جولات من المفاوضات بين الجانبين التركي والخليجي، لإقامة منطقة تجارة حرة[32].
بالتالي واستناداً للقاءات الدورية بين تركيا ومجلس التعاون، يمكن ملاحظة أن هناك فجوة في هذه اللقاءات والتواصل بين الطرفين في الفترة ما بين 2012 و2015. وهي الفترة التي توترت علاقاتهما نسبياً، باستثناء قطر، على وقع الموجة الأولى من الثورات العربية. ومنذ 2017 لم تُرصد أي اجتماعات أو لقاءات تركية مع مجلس التعاون. فقد كان آخر اجتماع للحوار الاستراتيجي الدوري في الرياض 2016. لأنه، ومنذ عام 2017، والعلاقات التركية مع الجانب السعودي والإماراتي آخذة في التدهور.
وفيما يتعلق بمجلس التعاون الخليجي ككيان إقليمي فاعل، يجب الإشارة للأزمة الخليجية، والتي تدخلت فيها تركيا لصالح قطر. وقسمت مجلس التعاون لثلاثة اتجاهات، الأول قطر، الثاني الدول المعارضة لها “السعودية والإمارات والبحرين”، والثالث المحايدون “الكويت وعمان”. وقد أثر الانقسام على فاعلية المجلس، الذي لم ينعقد بتمثيل كامل على أعلى مستوى منذ 2017. وبالتالي على قدرة الإمارات في استخدامه كأداة فاعلة في سياستها الخارجية بشكل عام، وفي مواجهة تركيا بشكل خاص.
(د) حلف شمال الأطلسي
انضمت تركيا لحلف شمال الأطلسي “الناتو” عام 1952. وتمتلك في إطاره دوراً فعالاً، سواء لكونها أكبر جيش في الحلف بعد الولايات المتحدة. أو استضافتها لعدد من مقرات الحلف، كقاعدة إنجيرليك الجوية بولاية مالاطيا، وقيادة القوات البرية بإزمير. كما تعد أنقرة ثامن أكثر عضو يسهم في ميزانية الحلف، حيث تقدم دعما تصل قيمته الى 90 مليون يورو. وأخيراً قدمت تركيا إسهامات للبعثة التي يقودها الناتو في أفغانستان، ولقوة حفظ السلام متعددة الجنسيات في كوسوفو، ولبعثة التدريب التابعة للحلف في العراق[33].
بدأت علاقة الإمارات بحلف الناتو في يونيو 2004، حينما تم إطلاق “مبادرة إستانبول للتعاون” في العاصمة التركية، وتهدف إلى المساهمة في الأمن العالمي والإقليمي، من خلال تعاون عملي في مجال الأمن بين دول الشرق الأوسط والناتو[34]. وتعد الإمارات واحدة من هذه الدول، والتي ترتبط بشراكة استراتيجية مع الحلف من خلال هذه المبادرة. ومن ثم يعد الحلف أحد أوراق القوة التي تمتلكها تركيا في إطار سياستها الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط عموماً، وفي صراعها مع الإمارات خصوصاً. ومن مؤشرات ذلك:
- في الوقت الذي قوبلت فيه عمليات تركيا العسكرية في سوريا بمعارضة شديدة من الاتحاد الأوروبي، فإن حلف الناتو برز كداعم سياسي على الأقل لها. ظهر ذلك في عملية نبع السلام في شرق الفرات[35]. وهو يعبر من ناحية عن ثقل وأهمية تركيا في الحلف، وبالتالي رغبة الأخير في عدم خسارته لتركيا. ومن ناحية أخرى، مدى أهمية الحلف كورقة قوة تركية في صراعتها في الإقليم.
- مؤخراً استغلت تركيا التورط الروسي المتعاظم في الملف الليبي، في محاولة إقناع الناتو لدعم حليفتها حكومة الوفاق، في مواجهة قوات الجنرال “خليفة حفتر”، المدعوم إماراتياً. وهو ما حصلت عليه، من خلال إعلان أمين عام الناتو استعداده لدعم حكومة الوفاق[36]. وهنا ليس شرطاً أن يكون الدعم عسكرياً، بل إن هدف أردوغان من جذب الناتو لهذا الملف، سياسي بحت، وتكتيك للمناورة، لإحداث توازن في القوى في مواجهة تكتل من عدة دول شرق أوسطية وأوروبية تواجه تركيا في ليبيا.
- خلال شهر أبريل 2020، لم يتم تجديد شراكة دولة الإمارات في “مبادرة إسطنبول للتعاون” مع حلف الناتو. وتقف تركيا عضو الناتو، والتي يشوب علاقاتها مع الإمارات توتر شديد، وراء هذا القرار[37].
في المحصلة النهائية، تتشارك كل من تركيا والإمارات في عضوية منظمة التعاون الإسلامي، وبرغم فاعلية الدور التركي فيها، إلا أن موازين القوى داخل المنظمة مؤخراً بدأت تميل لصالح الإمارات وحلفائها. فيما تتمتع الأخيرة بالعضوية في منظمتي جامعة الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي. وبينما استخدمت الإمارات الأولى في سياق تنافسها مع تركيا في سوريا، فإن الثانية تراجعت فاعليتها منذ عام 2017، نتيجة للأزمة الخليجية. أما تركيا فتتمتع بالعضوية في حلف الناتو، وقد استخدمته في سياق تنافسها مع الإمارات وحلفائها في الإقليم، بالأخص في سوريا وليبيا.
المبحث الثاني: محددات السياسة الخارجية للدولتين:
هناك عدد من المحددات الفكرية والسياسية التي تحكم توجهات السياستين الخارجيتين التركية والإماراتية، وتؤثر على علاقتهما البينية وأدوارهما الإقليمية. إن هذه المحددات والتوجهات بجانب المصالح، هي التي تتحكم في نشأة وطبيعة التحالفات. والتي تؤثر بدورها على بنية الإقليم وتوازن القوى داخله، فضلاً عن وزن الدول وموقعها في الإقليم.
1ـ محددات السياسة الخارجية التركية
أ. المحددات الداخلية:
ينطلق حزب العدالة والتنمية الحاكم بحكم النشأة من منطلقات أيديولوجية إسلامية. لكن وتحت تأثير نظام الحكم العلماني الراسخ في بنية الدولة والمجتمع التركيين، بضمانة وحماية من المؤسسة العسكرية، لم تكن هناك قدرة للحزب على إبراز هذه التوجهات في سياساته داخليا أو خارجياً. وجاء عام 2011 وما شهده من ثورات عربية، ليمثل محطة فاصلة، ولتكون تجربة العدالة والتنمية معبرة عن نموذج ناجح آنذاك، استطاع المزج بين القيم الإسلامية وقيم الديموقراطية العلمانية. جاءت المحطة الثانية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، والتي مكنت الرئيس أردوغان من السيطرة على مفاصل الدولة، وتحجيم الجيش.
أخيراً المحطة الثالثة، مع تغيير الدستور عام 2017، ليصبح النظام رئاسي. والذي مكن الرئيس أردوغان من أدوات الحكم بشكل كبير، ما انعكس على سياسة تركيا الخارجية، من حيث الفاعلية ومرونة الحركة، بعد التحرر من النظام البرلماني، وما يفرضه من قيود. ومنذ تلك اللحظة، بدأت مظاهر الأيديولوجيا وتوجهات الرئيس أردوغان الفكرية تتبلور بشكل أكثر وضوحاً داخلياً[38] وخارجياً[39].
وهو ما انعكس على تعاطيه مع قضايا المنطقة، سواء في مواقفه المعارضة للتوجهات الإقليمية المضادة للحركات الإسلامية، أو في طرح تركيا نفسها كدولة قائدة للعالم الإسلامي ومعبرة عن قضاياه.
وداخلياً كذلك، يبرز المحدد الاقتصادي، واستهداف تركيا الدائم لتأمين حاجتها من الطاقة، في ظل العجز في هذا القطاع، عبر كسب حلفاء جدد من الدول النفطية، والمشاركة في التنقيب عن النفط والغاز في هذه الدول، وتنويع هذه المصادر.
ب. المحددات الخارجية:
على المستوى الإقليمي:
تبرز ثلاث قضايا مركزية، تمثل عوامل حاكمة للسياسات الخارجية لدول منطقة الشرق الأوسط، ومن ثم لديناميكيات التنافس التركي الإماراتي. وهي (الثورات العربية والإسلام السياسي، إسرائيل، إيران).
فقد أيدت تركيا الثورات العربية إبان الموجة الأولى في 2011، بالأخص في مصر وتونس، كما دعمت صعود حركات الإسلام السياسي للسلطة، على رأسهم جماعة الإخوان المسلمين. أما إسرائيل، فبرغم العلاقات التركية الرسمية معها، إلا أنها تشهد حالة توتر سياسي عميق منذ 2010، نتيجة الاعتداء على أسطول الحرية. وصلت لقمتها مؤخراً، في ظل حالة التصعيد المتبادلة بين الرئيس أردوغان” وبنيامين نتنياهو[40]. وأخيراً موقفها من التصعيد والمواجهة مع إيران، حيث تعارض تركيا هذه المواجهة، وتجمعها علاقات قوية مع إيران على المستوى الاقتصادي. ففي مرحلة ما قبل الاتفاق النووي، لم تلتزم بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران[41]. وفي مرحلة ما بعد الاتفاق، أعلنت في مايو 2018، رفضها لقرار الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، وإعادة فرض العقوبات على إيران[42].
على المستوى الدولي:
هناك تحالف استراتيجي تاريخي يجمع تركيا مع الولايات المتحدة منذ الحرب الباردة، بجانب تشاركهما في حلف الناتو مع دول أوروبا. لكن هذا التحالف يواجه تهديدات مصيرية في السنوات الأخيرة؛ على وقع المعضلة الكردية واستمرار الدعم الأمريكي للأكراد في سوريا، وأزمة تسليم “فتح الله غولن” زعيم حركة الخدمة، المتهم من قبل النظام التركي بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة يوليو 2016، والموقف الأمريكي من هذه المحاولة، وحصول تركيا على منظومة الصواريخ الدفاعية الروسية “إس 400”. وهو ما انعكس على توجه تركيا نحو روسيا سواء في تفاهماتهما السياسية في سوريا، أو شراكتهما الاقتصادية. فبالإضافة لشراء منظومة اس 400، هناك مشروع محطة “أق قويو” النووية، ومشروع غاز “السيل التركي”، وكلها مشاريع ذات أبعاد استراتيجية[43]. في مقابل استمرار عدم تمكن تركيا من الانضمام للاتحاد الأوروبي، بل وتصدع الشراكة التركية الأوروبية.
وفي السياقين الإقليمي والدولي، يبرز محدد مركزي، وهو الانتقال من سياسة خارجية أحادية البعد، تركز فقط على روابطها الاستراتيجية مع الغرب، في سبيل الانضمام للاتحاد الأوروبي، لسياسة خارجية متعددة الأبعاد والدوائر. وفي هذا السياق يرى أحمد داوود أوغلو أنه لكي تتمكن تركيا من الانفتاح على المحيط الدولي، ولتكون قوة دولية على المستوى العالمي، يتوجب عليها أن تعتمد في استراتيجية سياستها الخارجية على أولويات تكتيكية ضمن ساحات تأثير جيوسياسي، تشمل منطقة البلقان والقوقاز والشرق الأوسط[44]. انطلاقاً من كونها تمثل عمقاً استراتيجياً لتركيا.
ويمكن تلمس هذه التوجهات في سياسة تركيا الخارجية في العقد الأخير، وبالأخص ما يتعلق بعودة الاهتمام الكبير بمنطقة الشرق الأوسط وقضاياه. وفي سبيل تحقيق ذلك، اعتمدت تركيا عدة أسس ومبادئ حاكمة لهذه السياسة، كان أهمها سياسة تصفير المشاكل مع دول الجوار، ما دفعها للتركيز في سياستها الخارجية على أدوات القوة الناعمة، في القلب منها الترويج لفكرة “تركيا النموذج”. لكن مع مرور ما يعرف بثورات الربيع العربي بموجات مضادة، للدرجة التي تحولت معها بعضها لأزمات إقليمية ودولية وحروب أهلية، بالإضافة لتعاظم التمدد الكردي على حدودها الجنوبية، بجانب صعود سياسة المحاور والمحاور المضادة. كل هذه العوامل دفعت تركيا للتخلي عن سياسة تصفير المشاكل، واحتلال المقاربات الأمنية جزءاً محورياً في توجهاتها الخارجية.
ومن ثم لم تعد تقتصر أدوات سياستها الخارجية على القوة الناعمة، مستبدلة إياها بما يعرف بالقوة الذكية، والتي تجمع القوة الناعمة والصلبة معا في سياسة خارجية متكاملة ومتناغمة. فمع استمرار تبنيها لأدوات القوة الناعمة، لجأت تركيا للقوة العسكرية. متبعةً استراتيجية الدفاع المتقدم منذ عام ٢٠١٤، وتتضمن إقامة تحالفات عسكرية مع عدد من الدول الإقليمية، ونشراً للقواعد العسكرية المتقدمة في الخليج والقرن الأفريقي والبحر المتوسط، وإطلاقاً للعمليات العسكرية التي تهدف إلى محاربة الإرهاب، وتأمين مصالحها الحيوية في محيطها الإقليمي[45].
2ـ محددات السياسة الخارجية الإماراتية
أـ المحددات الداخلية:
تتبنى الإمارات توجهاً علمانياً، كما قامت بتقويض وتحجيم الحركات الإسلامية في الداخل. وكان السفير الإماراتي في الولايات المتحدة “يوسف العتيبة”، قد أعلن عن رغبة بلاده في شرق أوسط أكثر علمانية[46]. ويعد نظامها السياسي ملكي اتحادي، ينتخب المجلس الأعلى للاتحاد من بين أعضائه رئيساً لدولة الإمارات ونائبه، ويمثل هذا المجلس حكام الإمارات السبعة. ومنذ إنشاء الاتحاد، هناك اتفاق غير مكتوب على أن يكون الرئيس أمير أبوظبي، ورئيس الوزراء أمير دبي[47]. وخلال السنوات القليلة الماضية، حدث تحولان على مستوى السلطة في دولة الإمارات، كان لهما تأثير واضح على مستوى دوائر صنع القرار السياسي وسياسة الإمارات الخارجية؛ فقد حدث تحول في النفوذ داخل فيدرالية الإمارات السبع، انتقل على إثره النفوذ من إمارة دبي إلى إمارة أبو ظبي، ومن أيدي حاكم دبي الشيخ “محمد بن راشد آل مكتوم” ورئيس دولة الإمارات الشيخ “خليفة بن زايد آل نهيان”، إلى أيدي ولي عهد أبو ظبي الشيخ “محمد بن زايد”[48].
وعلى مستوى محددات الداخل، تبرز شركة موانئ دبي، والتي عادت ملكيتها بالكامل إلى إمارة دبي في صفقة بلغت 2.7 مليار دولار في فبراير 2020، وتبلغ قيمتها السوقية 14 مليار دولار، تدير نحو 78 ميناء ومحطة في 40 بلداً حول العالم[49]. حيث تسعى الإمارات من ناحية لضمان سيطرة هذه الشركة على أغلب الموانئ حول العالم. ومن ناحية أخرى المشاركة في مشروع الحزام والطريق الصيني، عبر بناء مجموعة من المنافذ البحرية. فسياسة إدارة الموانئ أحد المرتكزات الاقتصادية المركزية في السياسة الخارجية الإماراتية.
ب. المحددات الخارجية:
على المستوى الإقليمي:
بالنسبة للموقف من الثورات العربية في 2011، فقد عارضتها بل وواجهتها، بالأخص نسختها المصرية والتونسية. وقد تزامن مع هذه الثورات تصاعد دور الحركات الإسلامية، بالأخص جماعة الإخوان المسلمين، ووصولهم للسلطة في مصر وتونس. وبحكم الطبيعة المحافظة للنظم الملكية، فقد خشت الإمارات من انعكاس هذه الديناميات الجديدة في المنطقة عليها، ومن ثم أصبح عداؤها للتيارات الإسلامية ليس فكرياً فقط، بل سياسياً مصيرياً، ونالت جماعة الإخوان النصيب الأكبر من هذا العداء. فقد أوضح استطلاع رأي أجراه معهد واشنطن للأبحاث في نهاية عام 2014، أن الإخوان المسلمين يتمتعون بتصنيف إيجابي من قبل حوالي ثلث السكان في دول الخليج[50].
وبينما شرعت الإمارات في محاربة جماعة الإخوان داخل الإمارات بعد 2011، فإنها نقلت هذه المعركة خارج البلاد بعد 2013 لتصبح حرب إقليمية مع الجماعة وفروعها[51]. وهو ما دفع الإمارات لاعتبار ما حدث في مصر في 3 يوليو 2013 ثورة، فيما اعتبرته تركيا انقلاباً عسكرياً. وانعكست هذه المتغيرات على التعاطي الإماراتي مع تركيا، لتنتقل معها اشتباكهما في الإقليم من خانة التنافس الطبيعي لصراع إقليمي.
أما إسرائيل، فبرغم عدم وجود تطبيع رسمي في العلاقات الإماراتية الإسرائيلية، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت مساعي وتحركات عديدة نحو تطبيع العلاقات الإسرائيلية الخليجية وبالأخص الإماراتية[52]، ويبدو أن تحقيقها مسألة وقت.
وفيما يتعلق بإيران، وعلى الرغم من كونها خصماً إقليمياً للإمارات، سواء من المنظور الجيواستراتيجي والصراع في منطقة الخليج العربي، أو لوجود الجزر الثلاث المتنازع عليها بين الدولتين، إلا أن هناك عوامل عدة تخفف من حدة هذه الخصومة. فمن ناحية هناك علاقات اقتصادية جيدة بين الطرفين، حيث وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2019، لـ 13.5 مليار دولار[53]، وهناك دائما مساعي بينية متبادلة للتهدئة، سواء من جانب الإمارات، خوفاً من تأثير الصراع على السياحة والاستثمارات، والتي تمثل أحد ركائز اقتصادها المتنوع. أو من جانب إيران، رغبةً في إحداث خلل في التحالف السعودي الإماراتي. ومن ناحية ثالثة، تعد تيارات الإسلام السياسي أولوية إماراتية على إيران كخصم إقليمي ومصدر تهديد.
على المستوى الدولي:
إن الإمارات كغيرها من دول الخليج، يربطها تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة. ويبدو أن هذا التحالف كان ولازال عصياً على التأثر بديناميات المنطقة المتشابكة، مقارنةً بالتحالف الأمريكي مع تركيا. وقد اعتمدت الإمارات في تعميق تحالفها مع الولايات المتحدة على لوبي تابع لها هناك، ومراكز أبحاث وشركات العلاقات العامة، التي تقوم ببناء الصورة[54]. أما علاقاتها مع روسيا، فليس هناك علاقات تاريخية قوية بين البلدين، لكنها في الفترة الأخيرة آخذه في التنامي، في ظل تشاركهما ذات الموقف في الأزمة السورية والليبية، ورغبة الإمارات في فرض نفسها كفاعل إقليمي في المنطقة، ما يفرض عليها نسج علاقات متوازنة مع الأطراف الدولية المختلفة.
وفي السياقين الإقليمي والدولي، يبرز محدد مركزي، وهو وصول الأمير “محمد بن سلمان” في السعودية لمنصب ولي العهد في يونيو 2017، بعد إقالة الأمير “محمد بن نايف”[55]. المقرب من الدوائر الأمريكية التقليدية كالاستخبارات والبنتاغون. ومن ثم كان “بن سلمان” بحاجة لمن يدعمه لدى صناع القرار داخل الولايات المتحدة في مواجهة بن نايف. وهنا جاء دور الإمارات، بالأخص ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد”، عبر مُدير مكتبه السابق، وسفير بلاده في واشنطن “يوسف العتيبة”، في الترويج ودعم “بن سلمان” لدى النخبة الحاكمة الجديدة من الجمهوريين، وكان “العتيبة” الوسيط الذي ساهم في تطوير الاتصالات مع “جاريد كوشنر” صهر ومستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو ما أدى إلى العلاقة الجيدة بين “ابن سلمان” و”كوشنر” بعد ذلك.[56] ومنذ ذلك الحين، بدأ تأثير الإمارات وتوجهاتها على السياسة الخارجية السعودية يظهر بشكل جلي، ما ساهم في نسج تحالف قوي يجمع الدولتين في مواجهة تركيا في العديد من الملفات.
وفي السنوات الأخيرة بدأت المقاربة الأمنية، في القلب منها مسألة الحرب على الإرهاب تطغي على السياسة الخارجية الإماراتية. ولذلك وبعد أن كانت تركز فقط على القوة الناعمة، باتت تعتمد القوة الذكية كأحد أهم أدوات سياستها الخارجية في الإقليم. حيث تجمع بين القوة الناعمة ممثلة في الاقتصاد والدعاية والإعلام والأعمال الخيرية ومؤخراً الدراما. كما أنشأت “مجلس القوة الناعمة لدولة الإمارات” في إبريل 2017، وأعلنت أن من أهدافه، “تفعيل سياسة خارجية متكاملة تعزز مكانة الدولة إقليمياً وعالمياً، وتزيد من احترامها ومحبتها بين شعوب العالم”[57]. وبجانب ذلك تعاظم اعتماد الإمارات في السنوات الأخيرة على القوة الصلبة، في القلب منها الأداة العسكرية. سواء من خلال إنشاء القواعد العسكرية في الخارج كما في إريتريا، والتمويل العسكري كما في مصر، والدعم اللوجستي والعسكري كما في ليبيا.
إن التنافس بين تركيا والإمارات لم يقتصر فقط على المناطق محل النفوذ، بل امتد لأدوات القوة الناعمة ذاتها. فقد أضحت السينما والدراما متفوقة على جميع وسائل الهندسة الاجتماعية. فبعد أن كانت السينما في البداية وسيلة للترفيه فقط، تحولت إلى وسيلة للتعليم، مع القدرة على التحكم في تغيير الثقافة، بل تم البحث عنها كوسيلة لإرساء الهيمنة، وذلك حينما تم اكتشاف قدرتها على التأثير بسهولة وسرعة على الجماهير من خلال صورها ولغتها[58]. ولذلك أنتجت الإمارات مسلسل “ممالك النار”، والذي يحكي عن حقبة الصراع بين المماليك والعثمانيين، والمبني على سردية تاريخية تناقض سردية وقراءة الأتراك لتاريخ هذه الحقبة.
واستناداً لهذه التوجهات، فإن ما يفرق تركيا والإمارات يفوق ما يوحدهما، بل إن كلا البلدين يقفان على طرفي نقيض، بتوجهاتهما الفكرية والسياسية داخلياً وخارجياً، في كل أزمات وقضايا المنطقة. وهو ما انعكس على نمط تحالفاتهما في المنطقة.
ويمكن تناول ذلك من خلال عدة أبعاد:
- الكتل الصلبة لتحالفات كل دولة، ففي حالة الإمارات تبرز مصر، السعودية، البحرين، اليونان وقبرص. أما تركيا فتبرز قطر وحكومة الوفاق الليبية.
- الدول المنحازة لأحد الطرفين دون انخراط أو اندماج كبير في تحالفاته، في حالة الإمارات تبرز إسرائيل، السودان وإريتريا. أما تركيا، فتشمل إيران، الصومال وجيبوتي.
- الدول المحايدة، تشمل المغرب، الجزائر، تونس، موريتانيا، الكويت، عمان، العراق، الأردن، فلسطين، موريتانيا وباكستان.
- يقوم التوازن الجيوسياسي للمنطقة على ثلاثة محاور، الإيراني، التركي القطري، والسعودي الإماراتي المصري. ويعد النظام الإقليمي الشرق أوسطي ذو بنية قطبية متعددة، وفقاً لمعيار عدد القوى الإقليمية الراسخة في بنية هذا الإقليم، وتشمل مصر وتركيا وإيران والسعودية والجزائر. وبالنظر لخريطة التحالفات في الإقليم، فإن تركيا باعتبارها أحد هذه القوى ضمنت إيران ليس كحليف استراتيجي، ولكن كشريك في بعض الملفات، جعل منه طرف أقرب لتركيا منه لخصومها. أما الإمارات يجمعها تحالف استراتيجي مع السعودية ومصر.
- التحالفات المضادة التي جعلت البلدين في مواجهة بعضهما البعض. ويشمل التحالف السعودي الإماراتي المضاد للثورات العربية منذ 2011، في مواجهة التحالف التركي القطري الداعم لها؛ والتحالف السعودي الإماراتي الداعم للنظام المصري بعد 3 يوليو 2013، في مواجهة التحالف القطري التركي المعارض له؛ والتحالف السعودي الإماراتي البحريني المصري في مواجهة تركيا وقطر في سياق الأزمة الخليجية؛ والدعم الإماراتي للتحالف اليوناني القبرصي الإسرائيلي المصري، في مواجهة تركيا وحكومة الوفاق الليبية في شرق المتوسط؛ والتحالف السعودي الإماراتي المصري الفرنسي الروسي الداعم لقوات “خليفة حفتر” في ليبيا، في مواجهة التحالف التركي القطري الإيطالي الداعم لحكومة الوفاق؛ والتحالف الأوروبي السعودي الإماراتي الداعم للقوات الكردية السورية، في مواجهة تركيا التي هي في مواجهة عسكرية مع هذه القوات؛ والدعم التركي القطري لحركة حماس، في مواجهة التحالف السعودي الإماراتي المعارض للحركة؛ وأخيراً التحالف الإسلامي، الذي أنشئ مؤخراً في إطار قمة كوالالمبور في ديسمبر 2019، وجمع تركيا وقطر وماليزيا وإيران، والذي عارضته السعودية والإمارات. في المحصلة النهائية، وبينما تتفوق تركيا على الإمارات بفارق كبير من منظور قوة الدولة، فإن الإمارات تبدو متفوقة نسبياً من ناحية قوة التحالفات الإقليمية.
المبحث الثالث: الأدوار الإقليمية ومناطق الصراع
لقد استغلت الإمارات الميزة النسبية التي تمتلكها ممثلةً في الاقتصاد، في صياغة أدوات للقوة الناعمة والصلبة، فضلا عن استغلال الظروف الإقليمية في نسج تحالفات إقليمية ودولية، في تجاوز وإصلاح القصور في حجم قوتها، ما مكنها من القيام بأدوار إقليمية عديدة تتجاوز حدود قوتها كدولة صغيرة. وفي هذا السياق يبرز بشكل أساسي التحالف القوي الذي يجمعها مع الولايات المتحدة، واستغلال الإمارات الفراغ في المنطقة، عبر فرض نفسها كحليف قوى أو وكيل قادر على حفظ المصالح الأمريكية وحلفائها في المنطقة، خاصةً مع رغبة أمريكية في عدم التورط كثيراً في قضايا المنطقة، وتفضيل استراتيجية الإدارة من الخلف.
كما أدركت الإمارات أنه مع انشغال مصر بأزمات الداخل، فضلا عن سوريا والعراق اللتين دمرتهما حروب الداخل، وانشغال السعودية بالصراع مع إيران وحروب الوكالة في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، فإن هناك قوة إقليمية أخرى صاعدة لم تجد من يوقفها ويحجم تحركاتها، وهي تركيا. حيث تتصدر الإمارات هذه المواجهة منذ عدة سنوات مدفوعةً بحسابات سياسية وأيديولوجية.
وفي سياق آخر، فإن صراعهما البيني يأتي في إطار تنافسهما حول القيادة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط، في ظل غياب القوى العربية المركزية التقليدية، حيث ترى الإمارات بتحالفها مع السعودية، المؤهلين لهذا الموقع في مواجهة تركيا وإيران كقوى غير عربية، خاصة مع إدراك الطرفين لحالة الضعف والتراجع الذي يمر به النظام الدولي، وانعكاساته على احتمالية إعادة ترتيب بنية النسق الإقليمي الشرق أوسطي، ومن ثم هذه الأدوار ضمانة لتأمين موقع جيد ضمن هذه الترتيبات.
يمكن ملاحظة حدة التنافس التركي الإماراتي في عدة أقاليم مترابطة جغرافيا وجيوسياسياً، والجامع لها منطقة الشرق الأوسط بمفهومها الأوسع. وتشمل المغرب العربي والمشرق العربي والقرن الأفريقي. وبجانب هذه المناطق، فإن كل من البلدين سعيا لنقل الصراع لملعب الآخر، أي في عمقه الاستراتيجي، برز في الأزمة الخليجية في الحالة الإماراتية والدور التركي المحوري فيها، والصراع حول الطاقة في شرق المتوسط في الحالة التركية واشتباك الإمارات مع هذا الملف.
(1) الملف الليبي:
بينما لا يزال التنافس التركي الإماراتي حول تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا في مراحله الأولى، فلم ينضج أو تكتمل أبعاده كاملةً بعد، فإن ليبيا تعد حالة متقدمة في هذا السياق، حيث برزت أبعاد التنافس فيها جلياً.
دوافع التحرك التركي تجاه الملف الليبي
- دوافع اقتصادية، حيث تعتبر ليبيا صاحبة أكبر احتياطي نفطي في إفريقيا بحوالي 48 مليار برميل من النفط، بالإضافة إلى احتياطيات الغاز التي تُقدَّر بحوالي 1.5 تريليون متر مكعب، الأمر الذي يقدّم لتركيا فرصة كبيرة في تأمين الطلب الداخلي من النفط والغاز، وبالتالي التخلص من التبعيّة لإمدادات روسيا وإيران، بل والأكثر من ذلك يقدّم لها فرصة كبيرة للانخراط في قضية تزويد الاتحاد الأوروبي بهذه الطاقة الاستراتيجية، وتعزيز مكانتها كمركز عالمي لنقل الطاقة[59]. هذا بجانب ملف الاستثمارات والمصالح التجارية التركية في ليبيا. ففي الوقت الراهن، تتجاوز قيمة العقود التجارية التركية العالقة في ليبيا 18 مليار دولار، ما يعني أن ثمة العديد من مشاريع البناء والبنى التحتية والخدمات التي لن تطبَّق وتُغطّى كلفتها في حال غياب حكومة الوفاق[60].
- كسب حليف في منطقة شرق المتوسط، والذي تختل فيها موازين القوى لصالح خصوم تركيا.
- دعم الحركات الإسلامية، بالأخص جماعة الإخوان المسلمين، في مواجهة الحملة الإقليمية المضادة التي تتزعمها الإمارات. ومن ثم تريد تركيا إيقاف هذه الحملة، ومنع سقوط المزيد من أحجار الدومينو.
- استخدام الملف الليبي كورقة ضغط في مواجهة دول أوروبا، رداً على استخدام الأخيرة لورقة أكراد سوريا في مواجهة تركيا، وبالأخص فرنسا. وأخيراً الترويج لصناعتها الدفاعية والعسكرية.
دوافع التحرك الإماراتي تجاه الملف الليبي
- في ملف الطاقة، حيث تسعى للتحكم في إنتاج النفط الليبي وإمداداته، بما يتوافق مع مصالح قطاعها النفطي.
- تعد ليبيا أحد محطات المواجهة الإماراتية الإقليمية مع حركات الإسلام السياسي، خاصةً وأن حضور هذه الحركات في بنية المجتمع والسلطة في المغرب العربي، ومنها ليبيا لازال قوياً.
- السيطرة على الموانئ الليبية، وذلك بإدارتها من خلال شركة موانئ دبي العالمية، وهو ما يضمن لها تأمين خط نقل جيواقتصادي حيوي بين الشمال والجنوب.
- تمثل ليبيا بالنسبة لها ممرا استراتيجياً في المتوسط ودول الشمال الأفريقي، حيث توجد العديد من المصالح الجيوسياسية الإماراتية[61].
وقد أدى تضارب الدوافع التركية والإماراتية في الملف الليبي، لدعمهما طرفين متعارضين ومتضادين في هذه الأزمة. تدعم تركيا ومعها قطر وإيطاليا، حكومة الوفاق الوطني بقيادة “فايز السراج”، والمعترف بها دولياً في مواجهة الجنرال “خليفة حفتر”. ومنذ عام 2019 والدور التركي في ليبيا في تصاعد، خاصةً مع توقيعها مذكرتي تفاهم مع حكومة الوفاق في نوفمبر 2019، أحدهما تتعلق بالتعاون العسكري[62]. والتي استند إليها بعد ذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إرسال قوات إلى ليبيا[63] لمنع سقوط العاصمة طرابلس على يد القوات التابعة لخليفة حفتر. كما قدمت دعماً لوجستياً عسكرياً، في مقدمتها طائرات الدرونز المعروفة باسم “بيرقدار”، والتي ظهرت في سماء طرابلس للمرة الأولى في يونيو 2019[64].
في المقابل تدعم الإمارات ومعها مصر والسعودية وفرنسا وروسيا قوات الجنرال “خليفة حفتر” في مواجهة حكومة الوفاق. وقد زودت الإمارات حفتر بأسلحة أمريكية وروسيا وصينية الصنع، تتضمن طائرات مسيرة بدون طيار، وصواريخ جو – أرض، وأنظمة دفاع جوي، ومدفعية، وعربات مدرعة، ومدافع ورشاشات سريعة الطلقات[65]. وبجانب الدعم اللوجستي، فإن الإمارات تعتمد على ميليشيات الدعم السريع السودانية [66]. ومجموعة فاغنر، النسخة الروسية من بلاك ووتر[67]. كأحد روافد الدعم البشري لقوات حفتر، كما تمتلك في ليبيا قاعدتين جويتين عسكريتين، هما الجفرة والخادم[68].
ويشهد الملف الليبي في الفترة الحالية معارك محتدمة، تهدف من خلالها قوات حفتر السيطرة على العاصمة طرابلس، فيما تهدف قوات الوفاق استعادة الأوضاع الميدانية ما قبل إبريل 2019. وكانت آخر محطاتها استعادة قوات الوفاق السيطرة على عدة مناطق حول طرابلس، بدءاً من قاعدة الوطية في 18 مايو 2020[69]. ومطار طرابلس الدولي في 3 يونيو[70]. ما مكنها من السيطرة على كامل الحدود الإدارية للعاصمة. ثم سيطرتها على ترهونة في 5 يونيو[71]. آخر معاقل قوات حفتر في الغرب الليبي.
برز دور تركيا في هذه المعارك عبر عدة مستويات، أولاً عسكرياً من خلال دعم عسكري لوجستي، من أهمها طائراتها الدرونز التي أحدثت فارقاً كبيراً على الأرض. ثانياً سياسياً متمثلاً في قدرتها على تسكين الأوضاع في إدلب بسوريا، عبر اتفاق وقف النار مع روسيا في مارس الماضي، للتركيز على معركة طرابلس المحتدمة من ناحية. من ناحية ثانية، ومستغلة تزايد التدخل الروسي العسكري في ليبيا، قامت تركيا باستدعاء الولايات المتحدة للمف الليبي، والتي هددت روسيا[72]. وحلف الناتو، الذي أعلن استعداده دعم حكومة الوفاق[73]. وعلى الرغم من العقبات التي يمكن أن تحول دون تدخل الناتو، فإن مجرد الإعلان عن هذا الدعم والمناورة به سياسياً، هو غاية ما يستهدفه الرئيس أردوغان؛ لردع خصومه من ناحية، وكسر العزلة المفروضة على تركيا في الملف الليبي وشرق المتوسط، في مواجهة تحالف من قوى أوروبية وشرق أوسطية.
أحدثت الانتصارات التي حققتها الوفاق تبعات عسكرية وسياسية ودبلوماسية. فقد انتقلت قوات الوفاق من الدفاع نحو الهجوم. كما أصبح تأسيس تركيا قاعدة عسكرية جوية لها في ليبيا مسألة محسومة، بما يزيد من حدة التنافس والتوتر بين تركيا من ناحية والإمارات ومصر من ناحية أخرى. خاصة بعد أن أصبح لتركيا قواعد عسكرية في كل أنحاء الشرق الأوسط، شمالاً في قبرص، جنوباً في الصومال، شرقاً في قطر وغرباً في ليبيا.
إن تنامي التدخل الروسي عسكرياً في الأزمة الليبية لصالح قوات حفتر، وبرغم أنه يدعم المصالح الإماراتية على المدى القصير، لكن على المدى المتوسط والبعيد، قد ترتب تداعيات سلبية على الدور الإماراتي. فما حدث مع إيران في سوريا بعد تدخل روسيا في الأزمة، بحيث طغى الدور الروسي على الإيراني، مرجح أن يتكرر مع الإمارات. بما قد يؤدي في النهاية لبروز ثنائية (أردوغان_بوتين) ومباحثاتهما الدورية في الحالة الليبية كما في الحالة السورية. إن خطورة هذا المسار على الدور الإماراتي، يتمثل في أن الطرفين التركي والروسي مرجح أن يعقدا صفقة إقليمية تراعي مصالحهما دون الآخرين، تشمل الملفين السوري والليبي.
ومع كل هزيمة عسكرية يتلقاها الجنرال “خليفة حفتر”، فإنها تنعكس عليه سياسياً مع حلفائه في الداخل. حيث تتراجع أسهمه لصالح رئيس مجلس النواب في طبرق، عقيلة صالح، والذي تجمعه معه خلافات معلنة[74]. بما قد تجعل من “صالح” المُناظر “للسراج” في أي جولة تفاوضية مقبلة. وهو أيضا متغير لا يصب في صالح الإمارات، التي تركز في استثمارها في الداخل على شخص حفتر. إن هذه الانتصارات التي أحدثت توازناً في القوى على الأرض، قد تكون مقدمة لحل سياسي للأزمة. فقد كان الخلل في هذه الموازين لصالح قوات حفتر وحلفائه دافعاً لرفض الأخير خيار التفاوض.
(2) الملف الفلسطيني
تمثل فلسطين أهمية محورية لأي طرف يرغب في القيام بدور إقليمي فاعل من ناحية، وأن يكون حاضراً ضمن أي جهود لإعادة ترتيب المنطقة وبنيتها وتحالفاتها من ناحية أخرى. إن القضية الفلسطينية ودورها كمتغير في الاشتباك التركي الإماراتي، لم تقف عند كونها محل للتنافس بينهما حول ممارسة النفوذ ولعب الدور، بل امتدت لتعارض مقارباتهما تجاه هذه القضية، بأبعادها المختلفة. ويمكن تلمس ذلك في ثلاثة ملفات رئيسية، وهي الموقف من حركة المقاومة حماس، صفقة القرن وأخيراً دحلان.
بالنسبة للموقف من حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، فإن ما يجمع تركيا والحركة علاقات جيدة منذ وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة 2002. وقد تعمقت العلاقات بينهما منذ 2011 مع استمرار وتعمق التوتر في العلاقات التركية الإسرائيلية على وقع أزمة أسطول الحرية 2010 من ناحية. ومن ناحية أخرى خروج جزء كبير من قيادة الحركة من سوريا في 2011 بضغط تركي قطري، حسب بعض التقارير[75]، وانتقالهم إلى تركيا بعد توتر علاقاتهم مصر[76]. ومنذ ذلك الحين وتركيا توفر لهم كل أنواع الدعم والتأييد السياسي، ما دفع إسرائيل للادعاء بأن حماس تستغل أراضي تركيا للإعداد لضرباتها ضد إسرائيل[77]. في المقابل تتبني الإمارات توجهات فكرية وسياسية معارضة لحركة حماس، انطلاقاً من ارتباطها الفكري بجماعة الإخوان المسلمين من ناحية، وتلقي دعم من إيران من ناحية أخرى، وقد صنفتها كحركة “إرهابية” في 2016[78].
بالنسبة للموقف من صفقة القرن، فقد وعد الرئيس أردوغان في مايو 2019، بأنه لن يسمح بتنفيذ هذه الصفقة[79]. مؤكداً في يونيو 2019، استحالة أن تقبل بلاده بها[80]. ويأتي الموقف التركي المعارض في ظل موقفها من القضية الفلسطينية في ظل حكم العدالة والتنمية من ناحية، وتوتر علاقاتها مع إسرائيل من ناحية ثانية، وطبيعة وشكل التحالفات والمحاور الإقليمية التي تضع تركيا في جانب والدول الداعمة للصفقة في جانب معاكس من ناحية ثالثة.
في المقابل، فقد برز تأييد الإمارات لصفقة القرن في محطتين، الأولى حضورها مؤتمر البحرين في يونيو 2019، وهو المؤتمر الذي أعلن فيه “جاريد كوشنر” الجانب الاقتصادي من الخطة الأمريكية للسلام “صفقة القرن”[81]؛ الثانية حضور السفير الإماراتي في واشنطن “يوسف العتيبة” للمؤتمر، الذي أعلن فيه “دونالد ترامب” رسمياً عن الصفقة وتفاصيلها. وقد تبع هذا المؤتمر إعلان العتيبة في بيان رسمي عن تأييد بلاده للخطة الأمريكية[82].
يأتي هذا الموقف الإماراتي في ظل تحالفها الاستراتيجي القوي مع الولايات المتحدة، ومع ترامب بشكل خاص من ناحية؛ وتعاونها غير الرسمي والمتنامي مع إسرائيل، والذي يتجاوز حدود القضية الفلسطينية، لتفاعلات الإقليم كليةً من ناحية أخرى. من مؤشرات ذلك، ذهاب وفد إسرائيلي في ديسمبر 2019 إلى واشنطن، لبحث إمكانية التوصل إلى اتفاق “عدم اعتداء” مع دول الخليج[83]. وقد سبق هذه الزيارة مؤشرات عديدة على قيام دول الخليج باستثناء الكويت، بإجراءات لتهيئة الإقليم لهكذا تطبيع[84].
أخيراً ما يتعلق بالموقف من شخص “محمد دحلان”، وهو المستشار الشخصي لولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد”، والقيادي السابق في حركة فتح والمفصول منها في 2011، ورئيس جهاز الأمن الوقائي السابق. وتسعى الإمارات لتنفيذ تفاهمات بين دحلان وحركة حماس، لتعزيز نفوذها في غزة، وتقليص دور الدوحة وأنقرة تدريجياً في القطاع[85]. فضلاً عن دعم دحلان في الوصول لرئاسة السلطة الفلسطينية[86].
القلق التركي من مثل هذا التطور مصدره عاملان: الأول خشيتها أن يؤدي أي تقارب من هذا النوع إلى إضعاف تأثيرها ونفوذها في الملف الفلسطيني. الثاني شخص دحلان ذاته، والذي أدرجته تركيا في نوفمبر 2019، على قائمة الإرهابيين المطلوبين لديها، بل ورصدت مبلغ 700 ألف دولار كجائزة مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقاله، حيث تتهمه بالتورط في الانقلاب الفاشل عام 2016[87]؛ كما قد أعلن السفير الفلسطيني لدى أنقرة “فائد مصطفى”، عن انزعاج تركيا من التقارب الذي حصل بين حماس ودحلان، كون الأخير شخصية سلبية بالنسبة للأتراك[88].
3ـ الملف السوري:
أولاً الأهمية الجيواقتصادية:
حيث تعتبر سوريا محطة رئيسية ضمن خطوط نقل الطاقة “النفط والغاز” من دول الخليج، فتمر بسوريا ثم تركيا وأخيراً لأوروبا. ففي عام 2009 وضعت كلٌ من تركيا وقطر والسعوديّة الخطوط الرئيسيّة لاتفاق مد أنبوب يحمل الغاز القطري عبر أراضي كلّ من السعودية والأردن وسوريا وصولاً إلى تركيا، ومن ثم نقله إلى الدول الأوروبيّة، لكن سوريا أفشلت المشروع، ترضيةً للحليف الروسي. وفي عام 2011، وقع النظام السوري مع إيران عقداً لمشروع بديل يقضي بمدّ أنبوب يصل بين حقول الغاز الإيرانية ويمرّ عبر الأراضي العراقية والسورية ثم لبنان، ومنها إلى أوروبا[89]. لكن لم يتم تنفيذه نتيجةً لظروف الحرب.
ثانياً الأهمية الجيوسياسية:
حيث تسعي إيران لتشكيل محور إقليمي، والذي يعرف بالهلال الشيعي، ويمتد من طهران لبيروت مروراً ببغداد ودمشق. وفي ظل التنافس الإقليمي بين تركيا وإيران والإمارات، فإن سوريا تعد محطة محورية في هذا السباق. هذا بجانب أهميتها في إفشال المشروع الجيوسياسي الكردي بالنسبة لتركيا.
فيما يتعلق بالموقف التركي من الملف السوري، فقد بدأ داعماً للثورة سياسياً ثم عسكرياً في مواجهة “بشار الأسد”. لكن ومع تراجع قوات المعارضة على الأرض لصالح قوات النظام في 2017، نتيجة للتدخل الروسي العسكري في الأزمة في سبتمبر 2015. وبالتزامن مع التمدد الكردي على طول الشريط الحدودي الشمالي السوري مع تركيا، بدأت تركيا تعيد صياغة مصفوفة أولوياتها في الملف السوري. بحيث أصبحت المواجهة مع “قوات سوريا الديموقراطية”، والتي تسيطر عليها “وحدات حماية الشعب الكردية” أولوية على المواجهة مع النظام[90]. وفي الوقت الذي تخلت فيه تركيا عن خيار إسقاط الأسد، لم تتخل عن معارضتها له، ورفض التطبيع معه إلى الآن.
أما الإمارات فقد انتقلت نقلة دراماتيكية من دعم الثورة والثوار، للتراجع عن هذا الدعم، مروراً بتطبيع العلاقات مع النظام السوري. ففي ديسمبر 2018، أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق، بعد سبع سنوات على إغلاقها عام 2011 على خلفية الاحتجاجات[91]. وبعدها بعامين، في مارس 2020، وبذريعة احتواء فيروس كورونا، أجرى ” محمد بن زايد” اتصالا هاتفياً مع “بشار الأسد”، وهو أول اتصال علني من زعيم خليجي منذ بدء الأزمة السورية قبل تسع سنوات[92]. ومن ثم تظهر الخلافات التركية الإماراتية في الملف السوري من خلال، أولاً المواجهة التركية مع القوات الكردية في مقابل دعم الإمارات لهم؛ وثانيا من خلال عودة التطبيع الإماراتي مع النظام السوري في ظل استمرار الرفض التركي لمثل هذه الخطوة.
ولقد قامت تركيا بأربعة عمليات عسكرية في سوريا، مستغلةً توافقاتها مع روسيا عبر منصة أستانا وسوتشي. الثلاث الأولى درع الفرات 2016 وغصن الزيتون 2018 في غرب الفرات، ثم نبع السلام 2019 في شرق الفرات، كانت في مواجهة وحدات حماية الشعب الكردية. والأخيرة في مارس 2020، في إدلب، في مواجهة النظام السوري. لقد كان الموقف الإماراتي من هذه العمليات معارضاً وبشدة، سواء عبر بياناته الرسمية[93]، أو من خلال جامعة الدول العربية[94]. كما أعلنت الإمارات في يناير 2019 عن دعمها للأكراد، ورفضها للمنطقة الآمنة، التي تسعى تركيا لإنشائها في شمال سوريا[95].
هذا بجانب ما يتردد حول دعم عسكري إماراتي للوحدات الكردية[96]. وفي سياق هذه الأزمة، برز أن هناك دعم سعودي إماراتي فرنسي أمريكي لقوات سوريا الديموقراطية، في مواجهة تركيا التي تخوض حرباً شرسة مع هذه القوات في السنوات الأخيرة.
إن أحد دوافع إقدام الإمارات على تطبيع علاقاتها مع النظام السوري، هو استغلالها في المواجهة مع تركيا. وبالتالي أصبح لدى الإمارات ورقتا ضغط في هذا الملف في سياق صراعها مع تركيا، الأكراد والنظام السوري. حيث ترغب الإمارات أيضا في استغلال هذا التطبيع لجذب دمشق ودفعها للتخلي عن تحالفها مع طهران، مستغلة ورقة إعادة الإعمار من ناحية، ولتكون أداة في تقوية المحور العربي “القاهرة، الرياض وأبوظبي” في مواجهة القوى الإقليمية غير العربية (تركيا وإيران) من ناحية ثانية.
وبالتالي، فإن هناك تنافساً سوف يزداد وضوحاً الفترة المقبلة، بين تركيا والإمارات حول كسب الطرف الروسي، حيث ستسعى تركيا نحو صياغة تفاهمات معها تشمل ملفي ليبيا وسوريا، في حين ستعمل الإمارات على تقويض هذه التفاهمات، مستغلةً تشاركها مع روسيا في دعم بشار في سوريا، وحفتر في ليبيا.
(3) ملف القرن الأفريقي[97]:
يشمل القرن الأفريقي دول الصومال، جيبوتي، أريتريا والسودان. وتعد هذه المنطقة ذات أهمية جيواستراتيجية شديدة الأهمية، سواء لكونها منطقة موانئ حيوية لإطلالتها على البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، أو لكونها وسيلة لحماية الملاحة العالمية لإطلالها على مضيق باب المندب، أو لكونها بوابة اقتصادية وتجارية نحو باقي دول أفريقيا جنوب القارة، فضلا عن اكتشافات الغاز الأخيرة بهذه المنطقة، وهو ما جعلها أكثر مناطق العالم احتواءً على قواعد عسكرية متقدمة، يمكن الاعتماد عليها في عدة فضاءات جيوسياسية. ما أحدث صراعاً دولياً وإقليمياً حولها في الفترة الأخيرة. وتشمل الأطراف الدولية الولايات المتحدة، الصين، روسيا، اليابان، فرنسا وإيطاليا. أما الإقليمية فتشمل إيران، إسرائيل، السعودية، الإمارات، مصر، قطر وتركيا.
ما يعلي من قيمته الجيواستراتيجية بالنسبة للجانبين التركي والإماراتي، كون القرن الأفريقي هو بوابة أفريقيا الشرقية نحو الجزيرة العربية جهة الجنوب، وقريب من اليمن التي تشهد صراعاً سعودياً إيرانياً. وكان للصراع الإقليمي السعودي الإيراني، في القلب منه حرب اليمن؛ والصراع التركي الإماراتي، في القلب منه الأزمة الخليجية، انعكاسات واضحة على تعميق الصراع حول هذه المنطقة، والتي تؤثر ديناميكيات الصراع فيها على الاشتباك في منطقة الخليج بحكم الجغرافيا. ومؤخراً بدت ملامح محورين إقليميين متصارعين في الظهور في القرن الأفريقي، بين السعودية والإمارات من ناحية وتركيا وقطر من ناحية أخرى. بحيث باتت تحركات دول كل محور متناغمة معاً في مواجهة المحور الآخر.
وتتركز أدوات السياسة الخارجية التركية تجاه هذه المنطقة على دبلوماسية بناء المساجد والمدارس والأعمال الخيرية، والاستثمارات، بجانب إنشاء القواعد العسكرية. فيما تقوم سياسة الإمارات على الاستثمارات وتأجير الموانئ، وبناء القواعد العسكرية، وتقديم مساعدات ومنح اقتصادية. أي المزج بين القوة الناعمة والصلبة (القوة الذكية). وفي هذا الإطار، يمكن مناقشة موقف دول القرن الأفريقي من قضايا: الأزمة الخليجية والأزمة الإيرانية وأخيراً القواعد العسكرية.
(أ) السودان
تمثل السودان ركناً هاماً لكلا الطرفين في استراتيجيتهم تجاه القرن الأفريقي، سواء لكونها مطلة على البحر الأحمر من جهة الغرب، وتمتلك عدة موانئ عليه مثل بورسودان وسواكن. وكذلك حضور الإسلام السياسي، وهو أساس الصراع التركي الإماراتي في الإقليم، خاصة وأن السلطة كانت بيد هذا التيار إبان حكم البشير، قبل أن يسقط في إبريل 2019.
اتبع الرئيس السوداني السابق “عمر البشير”، سياسة خارجية مرنة، تراوح فيها بين المحاور، باحثاً عن عوامل تثبت أركان حكمه أطول فترة ممكنة. فانتقل من المحور الإيراني، نحو السعودية وتحالفاتها. وكان من أهم مؤشراتها، طرد السفير الإيراني من الخرطوم، بعد الاعتداء على البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران في يناير 2016[98]. لكنه حافظ على علاقات جيدة بين الطرفين في إطار الصراع التركي الإماراتي، مع ميل نسبي أكثر نحو تركيا، بحكم منطلقاته الأيديولوجية.
ومن أهم مؤشراته، توقيع الطرفين التركي والسوداني عام 2017، اتفاقية لإعادة بناء وترميم جزيرة سواكن، على الساحل الغربي للبحر الأحمر شرق السودان[99]. وقد أثارت تلك الاتفاقية العديد من المخاوف حول احتمالية إنشاء تركيا قاعدة عسكرية في هذه المنطقة، وهو مالم يحدث. وفيما يتعلق بالموقف من الأزمة الخليجية، التزمت السودان بسياسة الحياد تجاهها، ودعت لضرورة حلها[100].
في مرحلة ما بعد البشير، وانطلاقا من إزاحة المكون الإسلامي عن السلطة، فإن السعودية والإمارات برزتا كداعمين أساسين للسلطة الجديدة، بالأخص عبر المنح والمساعدات المالية والاقتصادية[101]. كما تم تعيين “عبد الفتاح البرهان” رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي، وكان البرهان المشرف على القوات السودانية في اليمن[102]. كل هذه المعطيات تشير إلى أن السودان بات أقرب لتحالفات الإمارات في المنطقة. لكن في الوقت نفسه، تسعى السلطة الجديدة للمحافظة على علاقات جيدة مع الجانب التركي والقطري.
فلم يتم إلغاء اتفاقية جزيرة سواكن كما تردد بعد سقوط البشير[103]. وبقت الاستثمارات والمشاريع التركية على حالها دون تأثر. واستمر التواصل الدبلوماسي بين تركيا والسودان[104]. كما قدمت قطر دعماً اقتصادياً للأخيرة في ظل السلطة الجديدة[105]. وأخيراً أعلن قائد قوات الدعم السريع “محمد حمدان حميدتي”، في مايو الماضي، بأنه لا خلافات مع قطر[106].
كل هذه المتغيرات تشير إلى أن السلطة الجديدة بمحافظتها على علاقات جيدة مع الطرفين، لا ترغب من خلالها في تكرار تجربة البشير في سياسته الخارجية، حيث المراوحة بين المحاورة والجمع بينهما، بقدر ما هي رغبة في استخدام روابطها مع الجانب التركي والقطري كتكتيك في مواجهة حلفائها (مصر والسعودية والإمارات)، في كل مرة يمكن أن تخل فيها بوعودها، أو تتباطئ في تقديم الدعم المطلوب. في المجمل، يعد سقوط البشير، من منظور توازنات القوى الإقليمية وسياسة المحاور، خسارة لتركيا لصالح الإمارات. وهو ما يرجح فكرة المعركة الصفرية، إذ باتت كل خسارة إقليمية يمنى بها أحد الطرفين في أي بقعة جغرافية، تنعكس إلى مكسب لصالح الطرف الآخر.
(ب) الصومال
تمتلك الصومال حدوداً بحرية تشرف بها على خليج عدن والمحيط الهندي، وتمتلك أطول ساحل في القارة الأفريقية. وفيما يتعلق بالموقف من إيران، أعلنت الصومال قطع العلاقات الدبلوماسية معها، احتجاجاً على الاعتداءات على البعثات الدبلوماسية السعودية في مدينتي طهران ومشهد في يناير 2016[107]. أما الأزمة الخليجية، فقد التزمت فيها الصومال بالحياد[108]. إن إعلان أي دولة موقف الحياد تجاه هذه الأزمة، هو خسارة أكبر للجانب السعودي والإماراتي؛ لأنه وبرغم كونها أطراف محايدة، إلا أنها من منظور آخر داعمة لقطر بمثل هذا الموقف؛ لكون الحياد يتضمن رفض الحملة ضد قطر، من خلال ديمومة العلاقات والتعاون مع الأخيرة، بما يعني في المحصلة إضعاف لفاعلية هذه الحملة.
وفي الصومال قامت تركيا بافتتاح أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في سبتمبر 2017، كانت قد شرعت في بنائها في مارس 2015، ويمكنها أن تأوي حوالي 1500 جندي، وتبلغ مساحتها 4 كم²[109]. ورداً على النشاط التركي في الصومال، رسخت الإمارات نفوذها في الإقليمين اللذين انفصلا عن الصومال وهما أرض البونت وأرض الصومال، وأنشأت قاعدة عسكرية في الأخيرة بمدينة بربرة على ساحل خليج عدن في فبراير 2017[110]. وقد رفضت الحكومة الصومالية، الاتفاقية التي وقعتها الإمارات مع أرض الصومال، والتي بموجبها أنشأت هذه القاعدة[111].
كما أن هناك احتياطيات مؤكدة للغاز في إقليم أرض الصومال، والذي منح بدوره تراخيص لشركات دولية منها شركة رأس الخيمة للغاز الإماراتية. في حين تسعى تركيا لتفعيل مذكرة تفاهم تركية صومالية تعود للعام 2016، حول التعاون الشامل في مجال الطاقة والتعدين، وكان الرئيس أردوغان قد أكد في يناير 2020، أن الصومال دعا بلاده للقيام بعمليات الحفر والاستكشاف في مياهه الإقليمية[112]. وبالتالي تقف تركيا والإمارات على طرفي نقيض في الحالة الصومالية، حيث تدعم تركيا الحكومة المركزية، في حين تدعم الإمارات الإقليم الانفصالي.
(ج) جيبوتي
تمتلك جيبوتي حدوداً بحرية تشرف بها على خليج عدن والبحر الأحمر ومضيق باب المندب. ما جعل منها منطقة قواعد عسكرية لعدد من القوى الدولية، والتي ترغب حماية طرق الملاحة من ناحية، ومكافحة القرصنة والإرهاب من ناحية ثانية. كالولايات المتحدة والصين وفرنسا واليابان وإيطاليا، أما السعودية، فقد توصلت في يناير 2017، إلى اتفاق مع الحكومة الجيبوتية، لكنها لم تنشأ القاعدة بعد. ووقفت جيبوتي إلى جانب الرياض وأبوظبي ضد طهران، وأعلنت عام 2016 قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وسحب سفيرها من طهران. كما سارعت إلى تقديم مساعدات لوجستية لتسهيل عمليات التحالف العربي في اليمن[113].
أما في الأزمة الخليجية، فقد وقفت جيبوتي مع السعودية والإمارات، بتخفيض تمثيلها الدبلوماسي مع قطر. وكان من ارتدادات ذلك الموقف، تجدد النزاع الحدودي بين إريتريا وجيبوتي. فرداً على موقف الأخيرة، سارعت قطر إلى سحب قواتها من الحدود المتنازع عليها بين البلدين، وتقود قطر وساطة بينهما، قاربت 10 أعوام[114]. لكن جيبوتي عادت والتزمت سياسة الحياد[115].
في المقابل، في ديسمبر 2016، وقّعت تركيا اتفاقية مع جيبوتي، لإنشاء منطقة تجارية حرّة، تبلغ 12 مليون متر مربع، مع قدرة اقتصادية متوقعة تبلغ 1 تريليون دولار[116]. كما ألغت جيبوتي في فبراير 2018، عقد الامتياز الممنوح لمجموعة موانئ دبي العالمية، الذي يقضي بأن تتولى تشغيل محطة “دوراليه” لمدة خمسين عاماً، وذلك بدافع أن شروط التعاقد كانت مجحفة، وهو ما اعتبرته الشركة الإماراتية استيلاء غير قانوني على المحطة[117]. وفي يناير 2020، حكمت محكمة لندن للتحكيم الدولي بإعادة السيطرة على المحطة إلى شركة موانئ دبي، وهو ما رفضت جيبوتي القبول به[118]. كل هذا جعل من جيبوتي أقرب لتركيا منها للإمارات.
(د) إريتريا
لا يختلف موقع إريتريا الاستراتيجي عن غيره من دول القرن الأفريقي، نتيجة إطلالتها على البحر الأحمر ومضيق باب المندب. لذلك تتمركز فيها قواعد لعدد من القوى الإقليمية وهي الإمارات، إسرائيل وإيران[119].
وتعد إرتريا أقرب للتحالف السعودي الإماراتي في منطقة القرن الأفريقي. ففي سبتمبر 2018، وقّع رئيس الوزراء الأثيوبي “آبي أحمد” والرئيس الإريتري “إسياسي أفورقي”، اتفاق سلام في جدّة، برعاية إماراتية سعودية، ووضع حدٍّ للحرب المستمرة منذ عقدٍ من الزمن بين البلدَين[120]. تلاها مباشرةً، استضافة السعودية أيضاً محادثات مباشرة بين إريتريا وجيبوتي بعد نزاعات حدودية مستمرة منذ أكثر من عقد من الزمن[121].
كما أرسلت إريتريا نحو 400 جندي لدعم التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، ومن خلال القاعدة العسكرية الإماراتية التي تستضيفها ميناء عصب الإرتري، تنطلق عمليات التحالف، بجانب الدعم اللوجستي[122]. وفي الأزمة الخليجية، انحازت للجانب السعودي والإماراتي[123]. وفي المقابل، في إبريل 2019، اتهمت إريتريا تركيا والسودان وقطر بدعم معارضين إسلاميين إريتريين تحت غطاء “رابطة علماء إريتريا”[124].
ومؤخراً أعلنت السعودية في يناير 2020، تأسيس “مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن”، ويشمل، السعودية، مصر، السودان، اليمن، الصومال، جيبوتي، إريتريا والأردن، وسيكون مقره العاصمة الرياض[125]. وبرغم ما يحمله من تناقضات وعوامل تضعف من فاعليته، إلا أنه يعد خطوة حيوية، بإمكانها التأثير على موازين القوى في القرن الأفريقي، لصالح السعودية والإمارات ومصر.
أخيراً، لم يكن القرن الأفريقي يوماً يقع في صلب الحسابات الجيوسياسية التركية أو الإماراتية. إلا أنه في السنوات الأخيرة، ومع تصاعد التوتر وما تبعه من صراع إقليمي بين الطرفين، وبالأخص ارتدادات الأزمة الخليجية، أصبح هذا الإقليم من أحد أهم الفضاءات الجيوسياسية في إطار صراعهما البيني.
(4) ملف الأزمة الخليجية
بدأت الأزمة الخليجية في يونيو 2017، حينما قامت دول “السعودية والإمارات والبحرين ومصر” بقطع علاقاتهم مع قطر[126]. وبمجرد تفجر الأزمة، بدأ الحديث يدور حول مدى تأثيرها على الشراكة التركية الخليجية. وقد اتبعت تركيا نهجاً متدرجاً في تعاملها مع هذه الأزمة، ففي البداية تبنت موقفاً محايداً، حينما دعت الطرفين للحوار لحل النزاع[127]. فلم تصطف تركيا خلف قطر في بداية الأزمة، على أمل نجاح جهود الوساطة الكويتية، أو قدرتها هي على القيام بهذه الجهود، وهو ما يفرض عليها الوقوف على الحياد.
لكن ومع استمرار الأزمة، وفي نفس الشهر الذي بدأت فيه، أقر البرلمان التركي مشروع قانون، يسمح بنشر قوات تركية في قطر[128]. ومن هنا بدأت تركيا بالتخلي عن سياسة الحياد، لتنتقل نحو دعم قطر، وهو الموقف الذي أكد عليه الرئيس أردوغان[129]. لتصبح طرفاً أصيلاً في الأزمة، عبر أول قاعدة عسكرية تنشئها في قلب الخليج، وعلى بعد عشرات الكيلومترات من خصمها الإقليمي (الإمارات).
ومن أهم الشروط السعودية الإماراتية لحل الأزمة هو إخراج القوات التركية من قطر[130]. وهو ما ترفضه الأخيرة بشكل قطعي؛ ففي أوج الحديث عن قرب حل الأزمة في ديسمبر 2019، قامت تركيا بافتتاح قاعدة عسكرية جديدة في قطر في ديسمبر 2019[131]. مرد ذلك هو أن الوجود التركي يمثل عامل موازن للقوة، ورادع في المستقبل في حال تكررت هذه الأزمة. وفي ظل المساعي الأخيرة لحل الأزمة، وبرغم أنها لم تنجح، لكنها فتحت مساراً لحوار وتواصل سعودي قطري[132]. يمكن البناء عليه في حل الأزمة مستقبلاً. ويشير هذا المسار الثنائي دون الإمارات، عن تعاظم حجم الخلافات التي تجمع الإمارات مع تركيا وقطر، مقارنةً بتلك التي تجمع الأخيرتين مع السعودية.
وبالتالي، فإن أحد مسارات تسوية الأزمة إما أن تكون في شكل عودة للعلاقات السعودية القطرية، دون باقي أطراف الأزمة، بالأخص الإمارات، والتي من المرجح أن تكون الخاسر الأكبر ضمن هذا السيناريو؛ لأنه قد يمهد لتحسن آخر في العلاقات السعودية التركية، بما يمكن الأخيرة من تقويض التحالف السعودي الإماراتي في المنطقة؛ أو في شكل حل شامل للأزمة بين جميع أطرافها، وفي هذه الحالة، قد يكون الخاسر الأكبر هو تركيا، لأنه من ناحية لن تقبل الإمارات تخفيف حدة التوتر مع تركيا في المدى القصير والمتوسط، ومن ناحية أخرى قد تضطر قطر لعدم الانغماس كثيراً في تحالفات وسياسات أنقرة الإقليمية، كثمن مقابل حل الأزمة. مما قد يؤثر سلباً على التحالف التركي القطري.
5ـ ملف شرق المتوسط
لقد تعاظمت الأهمية الجيواقتصادية لمنطقة شرق البحر المتوسط مع اكتشاف إسرائيل أول مخزون للغاز فيه عام 2009، ثم اكتشافات قبرص في 2011، ومصر حيث حقل ظهر في 2015[133]. وتبلغ احتياطات الطاقة في شرق المتوسط نحو 1,7 مليار برميل نفط، و 122 ترليون قدم مكعب من الغاز[134].
وما عقد هذا الملف، الخلافات حول ترسيم الحدود البحرية والمياه الاقتصادية لهذا الإقليم البحري من ناحية، والخلافات السياسية التاريخية حول ما يعرف بقبرص اليونانية وقبرص التركية. وفي حين تعد تركيا إحدى دول شرق المتوسط، حيث تمتلك شريطاً طويلا على ساحله الشمالي، فإن الإمارات لا تعد ضمن الدول المشاطئة لهذا البحر، ومع ذلك فإن دورها في هذا الملف حاضراً وفاعلاً. وهي مدفوعة بأمرين:
الأول استخدام هذا الملف بشقيه (ترسيم الحدود والمشكلة القبرصية) في مواجهة تركيا، في ظل احتدام صراعهما البيني، ورغبة في نقل الصراع للعمق الاستراتيجي التركي، بما يمثل أداة ضغط على الأخيرة. الثاني تعد علاقات تركيا الوثيقة مع قطر وإيران، وإمكاناتها الجيوسياسية، والأدوار التي يمكن أن تلعبها في نقل احتياطات الطاقة في الشرق الأوسط وشرق المتوسط، قد تؤدي إلى تهميش الإمارات والسعودية في سوق الطاقة العالمية[135].
فيما يتعلق بخلافات ترسيم الحدود:
دخلت هذه المنطقة في مرحلة أكثر تعقيداً وتصعيداً بين أطرافها. خاصة مع تشكيل منتدى غاز شرق المتوسط عام 2018، يضم كل من (مصر، اليونان، قبرص، إيطاليا، اليونان، إسرائيل، الأردن وفلسطين)[136]، وتم استبعاد كل من تركيا وليبيا. كما اشتبكت الإمارات مع هذا الملف من خلال، رفضها اتفاقية ترسيم الحدود، واعتبرتها انتهاكا للقانون البحري[137]، ومشاركتها في تحالف يضم قبرص، اليونان، فرنسا ومصر، والذي يعارض توجهات تركيا في شرق المتوسط وليبيا[138]. هذا بجانب إسرائيل الذي تدعم هذا الحلف في شرق المتوسط.
وفي مواجهة هذه التحركات، ومدفوعةً برغبتها في كسر العزلة والطوق البحري المفروض عليها في شرق المتوسط، وإعادة التوازن الجيوسياسي في المنطقة، قامت تركيا بعقد اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الليبية في نوفمبر2019[139]. هدفت تركيا من خلال هذه الاتفاقية، أولاً إيجاد حليف لها في هذه المنطقة، وثانياً خلط الأوراق من جديد، من خلال عرقلتها لمشاريع أنابيب الغاز في شرق المتوسط، والتي باتت تشترط موافقة تركية وليبية عليها. فقد رسم الاتفاق محوراً بحرياً افتراضياً بين دالامان الواقعة على الساحل الجنوبي الغربي لتركيا، ودرنة الواقعة على الساحل الشمالي الشرقي لليبيا، وبالتالي يتيح له هذا الخط اعتراض التكتل البحري الناشئ بين قبرص ومصر واليونان وإسرائيل[140].
وفيما يتعلق بالمشكلة القبرصية:
فهي عبارة عن نزاع سياسي عرقي، تجلي بشكل واضح حينما تدخلت تركيا عسكريا في الجانب الشمالي من قبرص، والذي يضم القبارصة الأتراك، وذلك لدعمهم ضد القبارصة اليونانيين في الجنوب عام 1974. وانتهى الأمر بإعلان “جمهورية شمال قبرص التركية” من طرف واحد، والتي لم تعترف بها غير تركيا؛ وهو ما أكسب العلاقات التركية مع قبرص واليونان طابعاً صراعياً[141]. وتحتفظ تركيا بحوالي 30 ألف جندي في جمهورية شمال قبرص التركية. كما تقوم القطع البحرية التركية الحربية بمرافقة سفن التنقيب عن الغاز والنفط التي تنشط في المياه الاقليمية هناك[142].
يعد استخدام ملف قبرص في مواجهة تركيا أحد الأدوات المعتادة من قبل خصومها، والإمارات ليست بعيدة عن هذا السياق. والتي دائما ما تحرص على إظهار الدعم للموقف اليوناني من قبرص، أي وحدة الأراضي القبرصية، في مواجهة تركيا التي تعترف وتدعم “ـجمهورية شمال قبرص”. ففي نوفمبر 2019، استضافت أبوظبي حواراً استراتيجياً جمع دولتي اليونان وقبرص معاً على مستوى وزراء الخارجية[143]. وهذا الجمع يشير بشكل واضح من ناحية لموقف الإمارات تجاه هذه القضية، ولغرضها من مثل هذه الحوارات من ناحية أخرى، أي التصعيد ضد تركيا.
النتائج والتوصيات
أولاً: النتائج:
خلصت الدراسة لعدد من النتائج على النحو التالي:
- تتفوق تركيا على الإمارات بفارق كبير من منظور حجم وقوة الدولة، الأولى تعبر عن دولة إقليمية مركزية، في حين لا تتعدى الثانية كونها دولة صغيرة. كما استغل الطرفان عضويتهما في المنظمات الدولية الإقليمية بشكل فعال في إدارة الصراع. فتتشارك الدولتان في منظمة التعاون الإسلامي، والتي يظهر فيها ميل موازين القوى للجانب السعودي والإماراتي وحلفائهما. كما تتمتع الإمارات بعضويتها في الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، وبينما استخدمت الأولى في إدارة صراعها مع تركيا، فإن الثاني يمر بأزمة، تعيق انعقاده على أعلى مستوى منذ 2017، على وقع الأزمة الخليجية، وهو ما أحدث انقسامات كبيرة داخل المجلس، ما قلل من فاعليته. أما تركيا فتتمتع بعضويتها في حلف الناتو، وقد استخدمته أيضا في إدارة صراعها مع الإمارات.
- تحكم توجهات السياسة الخارجية التركية والإماراتية عدد من المحددات، بينت حجم التباين في هذه التوجهات، ما انعكس على تحالفاتهما الإقليمية. حيث يقف كل منهما على طرفي نقيض في كل ملفات وأزمات المنطقة. ومن منظور حجم وقوة هذه التحالفات، وعدد الدول المنضوية خلفها، تبدو الإمارات متفوقة نسبياً.
- برغم عدم تماثل معيار قوة الدولة بين تركيا والإمارات، فإن هناك تماثلاُ في الأدوار، ما رتب صراعاً إقليمياً محتدماً بين الطرفين في كامل منطقة الشرق الأوسط، سواء في المشرق العربي بالأخص في فلسطين وسوريا، والمغرب العربي خاصةً في ليبيا، والقرن الأفريقي بدوله الأربعة الصومال وجيبوتي وإريتريا والسودان، كما نقل كل من الطرفين الصراع لمناطق تمثل عمقاً استراتيجياً للآخر، تمثلت في منطقة الخليج بالنسبة للإمارات، وشرق المتوسط بالنسبة لتركيا. وقد اعتمد الطرفان على ما يعرف بالقوة الذكية، كأداة مركزية في سياستهما الخارجية، حيث جمعت بين القوة الناعمة والصلبة في نفس الوقت، ضمن استراتيجية متناغمة متكاملة.
- تُرجح الورقة استمرار التوتر في علاقات الدولتين البينية على المدى المنظور والمتوسط، بل يمكن أن يصل للمدى الطويل. وأن حجم الخلافات البينية بينهما عميقة ومتشعبة، للدرجة التي يمكن القول معها أن ما يحكم علاقاتهما ليس مجرد أزمة عابرة، بل خصام استراتيجي. وأن ما يجري بينهما من سباق في الإقليم ليس مجرد تنافس طبيعي، بل صراع متكامل الأركان. ومن ثم ترجح الورقة استمرار صراعهما الإقليمي كذلك.
ولذلك يلاحظ أن الإمارات الأكثر تشددا في حل الأزمة الخليجية، حتى إن مساعي الحل الأخيرة، والتي لم يكتب لها النجاح إلى الآن، كانت تتم وفق مسار ثنائي سعودي قطري. وتعتبر الإمارات هي الأكثر تشدداً في المواجهة مع جماعة الإخوان المسلمين، لذلك وبينما تحالفت السعودية مع حزب التجمع اليمني للإصلاح المحسوب على جماعة الإخوان في مواجهة الحوثيين، فإن الإمارات وبرغم تحالفها مع السعودية في اليمن، إلا أنها لم تسلك نفس طريقها، بل تدعم قوات المجلس الانتقالي في مواجهة قوات الإصلاح في الجنوب اليمني. أيضا من هذا المنظور، فإن احتمالية عودة التحسن في العلاقات التركية السعودية مستقبلاً أكبر بكثير من عودة التحسن في العلاقات التركية الإماراتية. بل إن الدور الإماراتي، من خلال العلاقة التي تربط “محمد بن زايد” و”محمد بن سلمان” تعد أحد دوافع التوتر في العلاقات التركية السعودية. ولذلك يلاحظ أن التوتر في العلاقات التركية السعودية برز وتصاعد منذ عام 2017 مع صعود دور “محمد بن سلمان” في الحكم.
ثانيا: التوصيات:
(أ) توصيات مشتركة:
على الطرفين أن يدركا أن الصراع المحتدم بين جميع المحاور الإقليمية يستنزف الجميع، في حين تنتظر إسرائيل وتراقب من بعيد، وتحاول استغلال والاستفادة من هكذا صراعات، لتصبح في النهاية القوة المهيمنة والأقوى في المنطقة. وبالتالي على جميع القوى التوصل لصيغة للأمن الجماعي الإقليمي، وغير ذلك لا يصب إلا في صالح إسرائيل، التي لا تتورط في مثل هذه الصراعات، فقط تستغلها لصالحها.
(ب) توصيات لتركيا:
على تركيا معالجة نقاط ضعفها، سواء كانت بنيوية داخلية، أو في طبيعة أدوارها وتحالفاتها. ومنها الاقتصاد الذي يمر بفترة صعبة، لأسباب بنيوية وسياسية، سواء على مستوى سعر الصرف الليرة المتراجع، أو معدل التضخم والبطالة، ومتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي. وحتى تضمن تركيا لنفسها دورا إقليمياً قوياً، على أنقرة أن تضمن في الوقت نفسه توفر السيولة المالية والاقتصاد القوى الذي يغطي نفقات هذا الدور. فالمشاكل التي يكابدها الاقتصاد التركي حاليا قد تعيق تنفيذ أجندة أنقره الإقليمية على المدى البعيد، أو تنعكس سلباً على الداخل التركي. فعلى تركيا التركيز على ملف الاقتصاد كملف داخلي حيوي يؤثر على دورها الإقليمي وعلى الداخل التركي؛ ومن ثم فإنه يجب معالجة الأسباب الهيكلية والسياسية لتراجع الاقتصاد التركي، بالأخص ما يتعلق بتقلبات سعر الصرف.
وعلى أنقره أيضاً استغلال الخلافات البنيوية التي تجمع الإمارات مع حلفائها، سواء مع السعودية في اليمن أو مع مصر في السودان وليبيا. ويمكن لتركيا أيضاً التركيز على منطقة المغرب العربي، باعتبار أطرافها شبه محايدة، وإن كانت بشكل آخر تبدو أقرب لتركيا من الإمارات، وبالتالي فمن شأن السعي نحو كسب دول المغرب العربي ضمن تحالفاتها أن يعدل موازين القوى المختلة في غير صالح تركيا في المشرق العربي.
وإذا كانت هناك نية أمريكية جادة في الوقوف أمام التغلغل الروسي في ليبيا، بما قد يدفع نحو تحالف أمريكي تركي في هذا الملف، فحينها يجب أن تشمل التفاهمات الأمريكية التركية ملف سوريا أيضاً. حيث من المرجح أن ينعكس أي تعاون بين الطرفين في ليبيا سلباً على التفاهمات التركية الروسية في سوريا، حينها يجب أن تضمن تركيا دعماً من الناتو في إدلب، يمكنها من ضبط التوازن مع روسيا وردعها عن القيام بأي تصعيد في إدلب. أخيراً على تركيا المحافظة على علاقات جيدة مع إيران كقوة إقليمية برغم خلافاتهما، لضبط التوازنات الجيوسياسية في الإقليم، في ظل الضعف النسبي لبنية التحالفات التركية.
(ج) توصيات للإمارات:
تمتلك الإمارات أيضا نقاط ضعف كثيرة ينبغي الانتباه لها، فعلى الرغم من اقتصادها القوى، وقدرتها على تغطية نفقات تحركاتها الإقليمية، لكن من منظور قوة الدولة، تعد الإمارات دولة صغيرة بمقوماتها، وبالتالي هناك عدم توازن بين حجم وقوة الدولة ودورها الإقليمي، بحيث يطغى الثاني على الأول. أيضا برغم قوة تحالفاتها الإقليمية مقارنةً بتركيا، خاصةً من حيث الكم، إلا أن هناك خلافات تجمعها مع حليفتها السعودية في اليمن. فبينما تركز السعودية على دعم الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس “عبد ربه هادي منصور”، فإن الإمارات تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، والذي هو في مواجهة عسكرية مع الحكومة الشرعية التي تدعمها السعودية.
وأيضا هناك خلافات مصرية إماراتية غير معلنة في ملفي السودان وليبيا. بالنسبة للسودان، تدعم الإمارات قوات الدعم السريع بقيادة “حميدتي”، لرغبتها في استخدام هذه الميليشيات كأداة عسكرية في أدوارها الإقليمية، وهو الدور الذي لا يمكن أن يقبل به الجيش السوداني، كما ترفض أي عودة للإسلاميين للحكم. فيما تدعم مصر المؤسسة العسكرية النظامية، في ظل رغبتها في حفظ الاستقرار على حدودها الجنوبية، وليس لديها مانع من مشاركة الإسلامين جزئياً في الحكم، لإدراكهم مدى حجم تأثير هذا التيار في الداخل السوداني، ومن ثم على استقرار السودان، خاصة وأن لها تجربة إيجابية معهم إبان حكم البشير، فضلا عن استضافتها عدد من رموز الحركة حاليا كصلاح قوش. أما ليبيا، فإن مصر ترجح “عقيلة صالح” على حفتر كحليف، كما لم تكن متحمسة للهجوم على طرابلس. في حين تركز الإمارات وتستثمر في دعمها على شخص حفتر، كما كانت من الداعمين الرئيسين لمعركة طرابلس.
ومن ثم فعلى الإمارات أن تدرك أن الاقتصاد ليس كل شيء برغم أهميته، وأنها في النهاية دولة صغيرة بمقوماتها، وبالتالي الموازنة بين أدوارها الإقليمية وحجم قوتها، أمر حتمي ليس لصالح الدور في الخارج فقط بل أيضا لمستقبل الدولة في الداخل أيضا. كما يجب عليها النظر إلى خلافاتها مع السعودية في اليمن عبر إنهاء أزمة الجنوب اليمني، والتوقف عن دعم المجلس الانتقالي في اتجاه الانفصال، والذي قد ينعكس لصالح خصومهم الحوثيين، الذين سيكتسبون شرعية في معاركهم مع التحالف العربي، كمدافعين عن وحدة الأراضي اليمنية. وكذلك عليها أن تأخذ في الحسبان محددات الأمن القومي المصري تجاه ملفي السودان وليبيا، وإصلاح التوتر الذي بدأ يشوب علاقاتها مع بعض دول المغرب العربي كتونس والمغرب.
الهامش
[1] استناداً لمفهوم الشرق الأوسط الذي يجمع الدول العربية الــ22 بجانب تركيا، إيران، أفغانستان، باكستان و(إسرائيل).
[2] جمال زهران، منهج قياس قوة الدولة واحتمالات تطور الصراع العربي الإسرائيلي، مركز دراسات الوحدة العربية، طبعة أولى، ديسمبر 2006، ص 70.
[3] ترتيب دول العالم من حيث المساحة، أخبار الساحل، (تاريخ الدخول:27/5/2020)، الرابط
[4] الهرم السكاني للعالم في الفترة من 1950 إلى 2100، Population Pyramid، (تاريخ الدخول:27/5\2020)، الرابط
[5]Turkey Military Strength(2020), global firepower, (Accessed on:27/5/2020), Link
[6] GDP (current US$) – Turkey, The World Bank, (Accessed on:27/5/2020), Link
[7] Adjusted net national income per capita (current US$) – Turkey, The World Bank, (Accessed on:27/5/2020), link
[9] FRAGILE STATES INDEX ANNUAL REPORT 2019, The Fund for Peace, (Accessed on:27/5/2020), Link
[10] مصدر سابق، ترتيب دول العالم من حيث المساحة، الرابط
[11] الهرم السكاني للعالم في الفترة من 1950 إلى 2100، Population Pyramid، (تاريخ الدخول:27/5\2020)، الرابط
[12]United Arab Emirates Military Strength(2020), global firepower, (Accessed on:27/5/2020), Link
[13] GDP (current US$) – United Arab Emirates, The World Bank, (Accessed on:27/5/2020), Link
[14] Adjusted net national income per capita (current US$) – Turkey, The World Bank, (Accessed on:27/5/2020), link
[16] موانئ الإمارات.. بوابات اقتصادية إلى العالم، الخليج الإقتصادي، 4/6/2019، (تاريخ الدخول:27/5\2020)، الرابط
[17]Previous source, FRAGILE STATES INDEX ANNUAL REPORT 2019, Link
[18] أحمد داوود أوغلو، العمق الاستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية، الدار العربية للعلوم ناشرون، طبعة أولى، 2010، ص 96.
[19] لم تقتصر الدراسة على المنظمات الدولية الإقليمية الشرق أوسطية، وإنما شملت ما هي خارج المنطقة، بشرط امتداد تأثيرها لهذه المنطقة.
[20] الموقع الرسمي لوزارة الخارجية التركية، منظمة التعاون الإسلامي، (تاريخ الدخول:27/5\2020)، الرابط
[21] الدول الأعضاء، الموقع الرسمي لمنظمة التعاون، (تاريخ الدخول:27/5\2020)، الرابط
[22] ” إعلان أبوظبي ” في ختام أعمال الدورة الـ46 لمجلس وزراء خارجية “التعاون الإسلامي”، وكالة أنباء الإمارات، 2/3/2019، (تاريخ الدخول:27/5\2020)، الرابط
[23] الإمارات تتسلم رئاسة المؤتمر الإسلامي لوزراء الصحة، البيان، 17/12/2020، (تاريخ الدخول:27/5\2020)، الرابط
[24] الإمارات تترأس الاجتماع الطارئ للجنة التوجيهية لمنظمة التعاون الإسلامي، وكالة أنباء الإمارات، 9/4/2020، (تاريخ الدخول:27/5\2020)، الرابط
[25] القمة الإسلامية بمكة المكرمة تؤكد على مركزية فلسطين والقدس، الجزيرة نت، 1/6/2019، (تاريخ الدخول:27/5\2020)، الرابط
[26] ماليزيا تستضيف قمة لقادة الدول الإسلامية، فرانس24، 17/12/2019، (تاريخ الدخول:27/5\2020)، الرابط
[27] منظمة التعاون الاسلامي تنتقد قمة ماليزيا الإسلامية، يورونيوز، 18/12/2019، (تاريخ الدخول:27/5\2020)، الرابط
[28] وزارة الخارجية التركية، العلاقات التركية مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، (تاريخ الدخول:27/5\2020)، الرابط
[29] الجامعة العربية تطالب تركيا بالانسحاب الفوري من كافة الأراضي السورية، الشرق الأوسط، 12/10/2019، (تاريخ الدخول:27/5\2020)، الرابط
[30] هكذا ردت تركيا على بيان الجامعة العربية وأردوغان يعد بالجديد في ليبيا وشرق المتوسط، الجزيرة نت، 1/1/2020، (تاريخ الدخول:27/5\2020)، الرابط
[31] وزارة الخارجية التركية، العلاقات بين تركيا ومجلس التعاون لدول الخليج العربي، (تاريخ الدخول:27/5/2020)، الرابط
[32] العلاقات الاقتصادية مع الدول والمجموعات الاقتصادية الدولية، الموقع الرسمي لمجلس التعاون الخليجي، (تاريخ الدخول:27/5/2020)، الرابط
[33] عضوية تركيا بـ”الناتو”..68 عامًا من العطاء والإسهامات، الأناضول، 19/2/2020، (تاريخ الدخول:27/5/2020)، الرابط
[34] Istanbul Cooperation Initiative (ICI), The official website of NATO, (Accessed on:27/5/2020), Link
[35] على وقع “نبع السلام”.. حلف “الناتو” يعلن موقفه من العمليات العسكرية التركية في سوريا، الدرر الشامية، 11/10/2019، (تاريخ الدخول:27/5/2020)، الرابط
[36] هل نجحت تركيا في إقناع الناتو بدعم حكومة الوفاق لمنع سقوط ليبيا في يد روسيا؟، القدس العربي، 17/5/2020، (تاريخ الدخول:27/5/2020)، الرابط
[37] وذلك بحسب ما أشار له الدكتور “سيد غنيم”، وهو محاضر أستاذ زائر بأكاديميات الناتو في مجال الأمن الدولي، مقابلة أجراها الباحث مع الدكتور سيد غنيم.
[38] بعد 18 عاما من طردها من البرلمان بسبب حجابها..قاوقجي سفيرة لتركيا في ماليزيا، ترك برس، 27/7/2017، (تاريخ الدخول:29/5\2020)، الرابط
[39] أردوغان ينتقد عدم وجود تمثيل دائم للدول الإسلامية بمجلس الأمن، الجزيرة نت، 27/11/2019، (تاريخ الدخول:29/5\2020)، الرابط
[40] تصعيد جديد بين أردوغان ونتنياهو.. هجمات وشتائم متبادلة، آر تي عربي، 13/3/2019، (تاريخ الدخول:29/5\2020)، الرابط
[41] (5) تركيا ترفض الإلتزام بأي عقوبات على إيران ليست صادرة من مجلس الأمن، وكالة الأنباء الكويتية كونا، 12/1/2012، (تاريخ الدخول:12/12/2019)، الرابط
[42] تركيا: الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران سيؤدي لعدم الاستقرار، وكالة الأنباء الكويتية كونا، 9/5/2018، (تاريخ الدخول:12/12/2019)، الرابط
[43]طرق دياب، تركيا بين موسكو وواشنطن: البحث عن مسار، المعهد المصري للدراسات، 19/4/2019، (تاريخ الدخول:29/5\2020)، الرابط
[44] مصدر السابق، أحمد داوود أوغلو، ص 144.
[45] على باكير، رسائل تركيا إلى الإقليم انطلاقاً من ليبيا، العرب القطرية، 26/5/2020، (تاريخ الدخول:29/5\2020)، الرابط
[46] محمد المنشاوي، العلمانية… دولة الإمارات نموذجا، الشروق، 31/8/2017، (تاريخ الدخول:29/5\2020)، الرابط
[47] Türkiye – Birleşik Arap Emirlikleri Ekonomik ve Siyasi İlişkilerimiz, Packworld Türkiye Dergisi, (Giriş tarihi:2/6/2020), bağlantı
[48] كريستن كوست، الإمارات العربية: تحولات القوة والدور، مركز الجزيرة للدراسات، 8/6/2017، (تاريخ الدخول:29/5\2020)، الرابط
[49] DP World returns to full state ownership, takes on $8.1 billion debt, Reuters, 16/2/2018, (Accessed on:2/6/2020), Link
[50] ÖMER ÖZKIZILCIK, Turkey and the UAE: Economic Allies but Regional Competitors?, Politics Today, 5/12/2017, (Accessed on:2/6/2020), Link
[51]Fehim Taştekin, Türkiye ve BAE’nin ‘eksen savaşı’nın arka planında ne var?, 5/5/2019, (Giriş tarihi:2/6/2020), bağlantı
[52] وفد إسرائيلي بواشنطن لبحث اتفاق “عدم اعتداء” مع دول خليجية، الجزيرة نت، 3/12/2019، (تاريخ الدخول: 18/12/2019)، الرابط
[53] 11 الإمارات ثانية بعد الصين.. إيران تصدر منتجاتها إلى 128 دولة رغم العقوبات، الجزيرة نت، 25/4/2020، (تاريخ الدخول: 18/12/2019)، الرابط
[54] The Emirati Lobby: How the UAE Wins in Washington, Centre for International Policy, October 2019, (Accessed on:2/6/2020), Link
[55] محمد بن سلمان ولي العهد السعودي: سلطات واسعة وتحديات كبرى، بي بي سي، 21/6/2017، (تاريخ الدخول:17/12 /2019)، الرابط
[56] «الورطة الكبرى».. كيف كانت السعودية الخاسر الأكبر من التحالف مع الإمارات؟، ساسة بوست، 25/7/2019، (تاريخ الدخول:17/12 /2019)، الرابط
[57] الحكومة والنظام السياسي، البوابة الرسمية للحكومة الإماراتية، (تاريخ الدخول:29/5\2020)، الرابط
[58] Zekeriya Kurşun, Saudi, UAE attempt to compete with Resurrection: Ertuğrul by launching new TV series, 11/11/2019, (Accessed on:2/6/2020), Link
[59] بشار نرش، مكانة ليبيا في المدرك الاستراتيجي التركي، ميدان الجزيرة، 15/1/2020، (تاريخ الدخول:3/6\2020)، الرابط
[60] MICHAEL YOUNG, Into the Libya Vortex, Carnegie Middle East Center, 14/1/2020, , (Accessed on:3/6/2020), Link
[61] إيمانويل روسي، لماذا تمول الإمارات الحرب في ليبيا؟، نون بوست، 27/1/2020، (تاريخ الدخول:3/6\2020)، الرابط
[62] Turkey signs maritime boundaries deal with Libya amid exploration row, Reuters, 28/11/2019, (Accessed on:3/6/2020), Link
[63] أردوغان يعلن بدء انتشار جنود أتراك في ليبيا “بشكل تدريجي”، فرانس24، 5/1/2020، (تاريخ الدخول: 3/6/2020)، الرابط
[64] Shaul Shay, The Important Role of Turkish Drones in the Libyan War, Israel defense, 29/7/2019, (Accessed on:3/6/2020), Link
[65] الدور الإماراتي في ليبيا: ما خفي كان أعظم، القدس العربي، 6/7/2019، (تاريخ الدخول: 3/6/2020)، الرابط
[66] Arabic press review: UAE and Sudan to supply Libya’s Haftar with fighters, Middle East Eye, 8/7/2019, (Accessed on:3/6/2020), Link
[67] Lillo Montalto Monella, Who are the Russian mercenaries waging war in Libya?, euronews, , 8/7/2019, (Accessed on:3/6/2020), Link
[68] Libyan gov’t: 3 airbases occupied by foreign forces, Anadolu Agency, 30/4/2020, (Accessed on:3/6/2020), Link
[69] Anıl ŞAHİN, Vatiyye Hava Üssü’nde tamamen kontrol sağlandı, SavunmaSanayiST, 18/5/2020, (Giriş tarihi:3/6/2020), bağlantı
[70] Libya Ordusu havalimanının kontrolünü ele aldı!, Sözcü, 3/6/2020, (Giriş tarihi:4/6/2020), bağlantı
[71] UMH güçleri Tarhuna kentinde kontrolü sağladı, Şarkul Avsat, 5/6/2020, (Giriş tarihi:9/6/2020), bağlantı
[72] U.S. warns of Russian bid for Libya stronghold after warplane delivery, Reuters, , 29/5/2020, (Accessed on:3/6/2020), Link
[73] الناتو يعلن استعداده لدعم حكومة السراج في ليبيا، الأناضول، 14/5/2020، (تاريخ الدخول: 3/6/2020)، الرابط
[74] ليبيا.. عقيلة صالح يلتقي قادة بالمليشيات مستثنيا حفتر، الأناضول، 28/5/2020، (تاريخ الدخول: 3/6/2020)، الرابط
[75] حماس تخرج من سوريا تحت ضغط تركيا وقطر، الصحافة، 7/12/2011، (تاريخ الدخول: 4/6/2020)، الرابط
[76] محسن صالح، محددات السياسة التركية تجاه حماس، الجزيرة نت، 21/4/2014، (تاريخ الدخول: 4/6/2020)، الرابط
[77] تقرير استخباراتي إسرائيلي وراء توتر علاقة تركيا وحماس، العربية نت، 13/9/2019، (تاريخ الدخول: 4/6/2020)، الرابط
[78] الجامعة العربية تصنف حزب الله “إرهابيا” والعراق يحتج، دويتشه فيلا، 11/3/2016، (تاريخ الدخول: 4/6/2020)، الرابط
[79] أردوغان يتحدث عن جوهر “صفقة القرن” ويعد بمنع تنفيذها، آر تي عربي، 3/5/2019، (تاريخ الدخول: 4/6/2020)، الرابط
[80] أردوغان: من المستحيل أن تقبل تركيا “صفقة القرن”، آر تي عربي، 30/6/2019، (تاريخ الدخول: 4/6/2020)، الرابط
[81] من هي الدول العربية التي تحضر مؤتمر البحرين حول “صفقة القرن”؟، فرانس24، 25/6/2019، (تاريخ الدخول: 4/6/2020)، الرابط
[82] الإمارات توضح موقفها الداعم لـ”صفقة القرن”، آر تي عربي، 28/1/2020، (تاريخ الدخول: 4/6/2020)، الرابط
[83] وفد إسرائيلي بواشنطن لبحث اتفاق “عدم اعتداء” مع دول خليجية، الجزيرة نت، 3/12/2019، (تاريخ الدخول: 4/6/2020)، الرابط
[84] طارق دياب، المشهد الخليجي أكتوبر 2019، المعهد المصري للدراسات، 12/11/2019، (تاريخ الدخول: 4/6/2020)، الرابط
[85] Youssef Sheiko, The United Arab Emirates: Turkey’s New Rival, 16/2/2018, (Accessed on:4/6/2020), Link
[86] أكدته تركيا.. مخطط إماراتي لشق “فتح” وتعبيد طريق دحلان للرئاسة، الخليج أون لاين، 30/10/2019، (تاريخ الدخول: 4/6/2020)، الرابط
[87] تركيا ترصد جائزة كبيرة مقابل معلومات تقود لاعتقال محمد دحلان، دويتشه فيلا، 22/11/2019، (تاريخ الدخول: 4/6/2020)، الرابط
[88] Previous source, Youssef Sheiko, Link
[89] محمد جميل، التحالف السعودي التركي في الحرب السورية والصراع على مد أنابيب الغاز، البيت الخليجي للدراسات والنشر، 29/12/2015، (تاريخ الدخول: 4/6/2020)، الرابط
[90] طارق دياب، العلاقات التركية السعودية 2011 ـ 2019، المعهد المصري للدراسات، 23/1/2020، (تاريخ الدخول: 4/6/2020)، الرابط
[91] UAE reopens Syria embassy in boost for Assad, Reuters, 27/12/2018, (Accessed on:4/6/2020), Link
[92] the first public contact between Mohammed bin Zayed and Bashar al-Assad since 2011, Teller Report, 27/3/2020, (Accessed on:4/6/2020), Link
[93] هجوم تركيا: مواقف عربية مناصرة لسوريا ومنتقدة لأنقرة تشعل مواقع التواصل الاجتماعي، بي بي سي، 10/10/2019، (تاريخ الدخول: 4/6/2020)، الرابط
[94] الجامعة العربية تندد بالهجوم التركي وقطر تتحفظ، دويتشه فيلا، 12/10/2019، (تاريخ الدخول: 4/6/2020)، الرابط
[95] قرقاش لـ’الحرة’: نرفض منطقة عازلة تركية شمال سوريا، الحرة، 30/1/2019، (تاريخ الدخول: 4/6/2020)، الرابط
[96] أيمن الأمين، في شمال سوريا لماذا لجأت السعودية والإمارات لدعم الأكراد؟، مصر العربية، 4/12/2018، (تاريخ الدخول: 4/6/2020)، الرابط
[97] يضم القرن الأفريقي بشكل أساسي الصومال، جيبوتي، أرتريا. وبعض الجغرافيين يضيفون السودان وكينيا وبشكل أقل أثيوبيا.
[98] Sudan cuts diplomatic ties with Iran, Reuters, 4/1/2016, (Accessed on:5/6/2020), Link
[99] Cumhurbaşkanı Erdoğan, Sevakin Adası’nda, Sabah, 25/12/2017, (Giriş tarihi:5/6/2020), bağlantı
[100] الخرطوم تلتزم الحياد وتدعو دول الخليج لتجاوز الأزمة مع قطر، أخبار السودان، 6/6/2017، (تاريخ الدخول: 5/6/2020)، الرابط
[101]Saudi Arabia, UAE to send $3 billion in aid to Sudan, reuters, 21/4/2019, (Accessed on:5/6/2020), Link
[102] الجنرال عبد الفتاح البرهان رجل البشير في حرب اليمن الذي أصبح رئيسا للمجلس العسكري، سبوتنك عربي، 12/4/2019، (تاريخ الدخول:5/6/2020)، الرابط
[103] Son dakika… Dışişleri’nden Sevakin Adası açıklaması, hürriyet, 26/4/2019, (Giriş tarihi:5/6/2020), bağlantı
[104] السودان.. البرهان وسفير أنقرة يبحثان تطوير العلاقات الثنائية، الأناضول، 26/11/2019، (تاريخ الدخول:5/6/2020)، الرابط
[105] دخول شركة قطرية إلى السودان للاستثمار في قطاعي الطاقة والمعادن، الأناضول، 15/10/2019، (تاريخ الدخول:5/6/2020)، الرابط
[106] We have no dispute with Qatar, insists senior Sudan official, Middle East Monitor, 26/5/2020, (Accessed on:5/6/2020), Link
[107] Somalia received Saudi aid the day it cut ties with Iran: document, Reuters, 17/1/2016, (Accessed on:5/6/2020), Link
[108] الصومال يجدد موقفه المحايد تجاه الأزمة الخليجية، الجزيرة نت، 29/9/2017، (تاريخ الدخول: 5/6/2020)، الرابط
[109] افتتاح أكبر قاعدة عسكرية تركية في الخارج بهذه الدولة العربية، سبوتنك عربي، 30/9/2017، (تاريخ الدخول: 5/6/2020)، الرابط
[110] Somaliland agrees to UAE military base in Berbera, BBC, 13/2/2017, (Accessed on:5/6/2020), Link
[111] مقديشو ترفض اتفاقا بين الإمارات وأرض الصومال بشأن إنشاء قاعدة عسكرية، بي بي سي، 14/2/2017، (تاريخ الدخول: 5/6/2020)، الرابط
[112] محمد عبد الكريم، مسرح الجنوب.. ما هو دور غاز القرن الأفريقي في تشابكات الشرق الأوسط الإقليمية؟، مركز الإمذار المبكر، 7/6/2020، (تاريخ الدخول: 7/6/2020)، الرابط
[113] جيبوتي.. جنة القواعد العسكرية وعش للجواسيس، قناة العالم، 6/7/2018، (تاريخ الدخول: 5/6/2020)، الرابط
[114] الأزمة الخليجية تعيد نزاع إريتريا وجيبوتي إلى الأفارقة، الأناضول، 3/7/2017، (تاريخ الدخول: 5/6/2020)، الرابط
[115] قطر تنتصر ومعسكر الحصار يتفكك، الشرق، 22/11/2018، (تاريخ الدخول: 5/6/2020)، الرابط
[116]صهيب عبد الرحمن، تركيا في القرن الأفريقي ومخاطر عسكرة البحر الأحمر، حفريات، 4/1/2020، (تاريخ الدخول: 5/6/2020)، الرابط
[117] Djibouti Terminates DP World’s Concession at Doraleh, The Maritime Executive, 22/2/2018, (Accessed on:5/6/2020), Link
[118] Costas Paris, Djibouti Rejects Court Ruling to Hand Back Container Terminal, 17/1/2020, (Accessed on:5/6/2020), Link
[119] كعبة أسمرة.. كيف جمعت إريتريا إيران وإسرائيل على أراضيها؟، ميدان الجزيرة، 20/3/2018، (تاريخ الدخول: 5/6/2020)، الرابط
[120] The United Arab Emirates in the Horn of Africa, International Crisis Group, 6/11/2018, (Accessed on:5/6/2020), Link
[121] السعودية تستضيف قمة “القرن الأفريقي”، سبوتنك عربي، 14/9/2018، (تاريخ الدخول: 5/6/2020)، الرابط
[122] CAMILLE LONS, Saudi Arabia and the UAE Look to Africa, Carnegie, 23/10/2018, (Accessed on:5/6/2020), Link
[123] إريتريا: قطع العلاقات مع قطر خطوة لتحقيق السلام في المنطقة، الوفد، 12/6/2017، (تاريخ الدخول: 5/6/2020)، الرابط
[124] تركيا ترد على بيان أرتريا المتهم لها وتجدد حرصها على أمن القرن الأفريقي، وكالة زاجل الإرترية للأنباء، 6/4/2019، (تاريخ الدخول: 5/6/2020)، الرابط
[125] إطلاق مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، الشرق الأوسط، 7/1/2020، (تاريخ الدخول: 5/6/2020)، الرابط
[126] Saudi, UAE, Bahrain, Egypt cut ties with Qatar over terrorism, Gulf News, 5/6/2017, (Accessed on:5/6/2020)Link
[127] ردود فعل دولية تجاه قرار قطع العلاقات مع قطر، العربية نت، 5/6/2017، (تاريخ الدخول: 6/6/2020)، الرابط
[128] Mehmetçik’e Katar görevi, Hürriyet, 8/6/2017, (Giriş tarihi:6/6/2020), bağlantı
[129] Erdoğan: Kimse Kusura Bakmasın, Katar’a Destek Vermeye Devam Edeceğiz, haberler, 9/6/2017, (Giriş tarihi:6/6/2020), bağlantı
[130] Erdoğan rejects Saudi demand to pull Turkish troops out of Qatar, The Guardian, 25/6/2017, (Accessed on:6/6/2020), Link
[131] Türkiye’den Katar’da yeni askeri üs, 16/8/2017, (Giriş tarihi:6/6/2020), bağlantı
[132] قطر: اتفقنا مع السعودية على المبادئ الأساسية وأبوابنا مفتوحة للحوار، الأناضول، 17/12/2019، (تاريخ الدخول: 6/6/2020) الرابط
[133] غاز شرق المتوسط.. القصة الكاملة، الحرة، 17/7/2019، (تاريخ الدخول: 6/6/2020)، الرابط
[134] باحثان: اتفاق أنقرة وطرابلس يسعى لبناء مؤسسات الدولة الليبية، الأناضول، 16/1/2020، (تاريخ الدخول: 6/6/2020)، الرابط
[135] Necmettin Acar, BAE-Suudi ekseninin Doğu Akdeniz siyaseti gerilim üretiyor, Anadolu, 26/12/2019, (Giriş tarihi:6/6/2020), bağlantı
[137] هل تحولت ليبيا إلى ساحة صراع إقليمي بين تركيا ودول عربية؟، بي بي سي، 8/12/2019، (تاريخ الدخول: 6/6/2020)، الرابط
[138] Cyprus, Egypt, France, Greece and UAE condemn Turkey’s actions in eastern Mediterranean, The National, 12,5,2020, (Accessed on:6/6/2020), Link
[139] Libya hükümeti, Türkiye ile imzalanan anlaşmaların yürürlüğe girdiğini açıkladı, Euronews, 8/12/2019, (Giriş tarihi:6/6/2020), bağlantı
[140] Ben Fishman, Turkey Pivots to Tripoli: Implications for Libya’s Civil War and U.S. Policy, The Washington Institute for Near East Policy, 19/12/2019, (Accessed on:6/6/2020), Link
[141] المشكلة القبرصية.. نزاع سياسي بلبوس عرقي، الجزيرة نت، 11/12/2016، (تاريخ الدخول: 6/6/2020)، الرابط
[142] القواعد العسكرية التركية في الخارج ومهامها، بي بي سي، 18/8/2019، (تاريخ الدخول: 6/6/2020)، الرابط
[143] اجتماع ثلاثي بين الإمارات وقبرص واليونان لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك، الشرق الأوسط، 17/11/2019، (تاريخ الدخول: 6/6/2020)، الرابط