دراسات

جماعات الألتراس وإشكالية العلاقة بين الدولة والمجتمع الجزء الثانى

 

تنويه:

هذه الدراسة هي مشروع تخرج قدمه الطالب: إسلام أحمد الربيعي أحمد، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، بعنوان: إشكالية العلاقة بين الدولة والمجتمع ـ دراسة حالة: جماعات الالتراس، تحت إشراف: د. نادية بدر الدين أبو غازي، 2014، وقد شارك به الباحث في مسابقة المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، محور مشروعات التخرج، ونقوم بنشره هنا على أجزاء أسبوعياً.

 

الفصل الأول: نشأة وسمات الالتراس.

يعتبر الالتراس تنظيماً عالمياً بمعني انه لا يختص بإقليم أو منطقة جغرافية بعينها وان هذه المنطقة هي التي طورت المفهوم والتطبيق لهذه التنظيمات دون غيرها، على الرغم أن النشأة من الممكن إسنادها لمنطقة جغرافية معينة إلا أنها كانت منتشرة بين دول العالم خاصة التي تعتبر فيها كرة القدم الرياضة الأولي مثل إيطاليا والبرازيل، لكن الالتراس حينما يتكون في منطقة جغرافية جديدة هو يأخذ من ملامح الالتراس العالمية والتي تتفق كلها حول حب النادي، ثم تتشكل (عقلية الالتراس) حسب المنطقة الجغرافية والعادات والتقاليد والظروف الاجتماعية والنظام السياسي القائم الذي يلعب دور كبير في تشكيل الالتراس ومن ثم تتشكل سمات جماعة الالتراس، وتكون اتساقاً أو رد فعل معاكس للنظام السياسي والاجتماعي القائم، لذلك تعتبر نشأة الالتراس في الواقع المصري نشأة مميزة جداً عن غيرها في مناطق مختلفة.

 

المبحث الأول: نشأة الالتراس وخصوصية النشأة في الواقع المصري

كلمة التراس Ultras هي كلمة لاتينية تعني الشيء الفائق أو الزائد عن الحد وهي فئة من مشجعي الفرق الرياضية والمعروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقها وتوجد بشكل أكبر بين محبي الرياضة وكان تقليدياً يستخدم لوصف مناصري قضية معينة بشكل يفوق أصحاب القضية الأصليين لها.

وقد اختلف الكثيرون حول تحديد المكان الذي بدأت فيه هذه الظاهرة، وإن كانت معظم الآراء وفى الغالب قد اتفقت على أن مكانها الأول في أمريكا الجنوبية خاصة في البرازيل، التي قامت فيها أول مجموعة التراس عرفت باسم “التورسيدا” عام 1940، وأيضاً ظهرت مجموعات أخرى في الأرجنتين وكولومبيا وفنزويلا.. ثم انتقلت الظاهرة إلى أوروبا وكانت يوغسلافيا سابقاً وكرواتيا حالياً هي أولى البلاد الأوروبية في ذلك من خلال مشجعي فريق هايدوك سبيلت وشكلوا التراس خاص بهم عام 1950 مازال معروفا حتى الآن باسم سبيلت تورسيدا ومالوا إلى التطرف والعنف في بعض الأحيان خصوصاً أمام غريمهم التقليدى النجم الأحمر، ثم انتقلت بعد ذلك إلى ملاعب إيطاليا تحديدا في أواخر الستينيات، وتشكلت عام 1968 عن طريق مشجعى الميلان وعرفت باسم ” Fossa dei leioni” ما يعني “عرين الأسد” بالعربية وهناك البعض يقر أن أول من كون تلك الروابط في إيطاليا مشجعي فريق تورينو عام 1951 والمعروفة باسم ” Ffedelissimi Granata” وفي عام 1969 ظهرت روابط خري لفرق سمبدوريا وانتر ميلان التي اشتهر مشجعيها باسم ” Inter boys” أي الأولاد ثم بدأت بعد ذلك بالانتشار بشكل اكبر في أوروبا ثم إلى مختلف دول العالم.

 

نشأة الالتراس في أوروبا وأمريكا اللاتينية غير واضحة فتضارب الأقوال حول أول مكان لظهور الفكرة فهناك من يري ظهورها في العقود الأولي من القرن العشرين في المجر ثم إيطاليا وتتبعها فرنسا بالإضافة إلى ظهورها في نفس الوقت في البرازيل ولكن كانت جماعات المشجعة لنادي بعينه متميزة في بلاد معروفة وتحقيق أثر كبير فيها بغض النظر عن أسبقيتها منها إيطاليا والبرازيل بشكل واضح وكبير، وهذا يثير العديد من الملاحظات عن مستويات التمثيل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي داخل هذه البلاد من ناحية ومدي أهمية النشاط الرياضي داخل هذه البلاد من ناحية أخرى فدول مثل إيطاليا والبرازيل لديها تاريخ قديم في النشاط الرياضي في نفس الوقت هناك دول تعتبر اكثر تقدماً وتطوراً منها على المستوي السياسي ورفاهية الفرد مما أدي إلى تحويل النشاط الرياضي إلى مجال اقتصادي يحقق أرباحاً عالية وتعتمد عليه اقتصادات دول باحترافية عالية مثل إنجلترا وإسبانيا، فاختلاط المال بكرة القدم أدى إلى فقدها ميزة نسبية هذه الميزة مازالت قوية خاصة في دول مثل البرازيل وإيطاليا عند نشأة هذه الجماعات مما يجعل لهم دور اجتماعي قوي لا يظهر في دول أخرى، مما ساعد على خلق مجال عام قوي داخل هذه الدول.

هناك من يربط الالتراس كمفهوم بجماعات المشجعين المتشددين اللذين تقترب أطرهم الفكرية والحركية من الحركات الفاشية التي ظهرت في أوروبا في القرن العشرين، ولكن هذا الارتباط يشوبه العديد من الملاحظات سنذكرها لاحقاً.

 

ظهور الالتراس في مصر:

إن دخول الالتراس إلى المنطقة العربية كان متأخرا جدا وأولي التجارب كانت بمنطقة المغرب العربي وبداية بالمغرب وأشهرها Creators Les Winners لفريق الوداد المغربي.

أما في مصر كان في الألفية الثالثة وتحديدا عام 2007 بدءا بالتراس وايت نايتس الذي كان الأول في مصر ثم بعده مباشرة ظهر الالتراس الاهلاوي وكان أول ظهور للالتراس الاهلاوي في المدرجات يوم 13 أبريل عام 2007 في مباراة الأهلي وانبي في الدوري المصري(1).

تعتبر جماعات الألتراس في مصر ضمن الحركات التي ظهرت خلال العشر سنوات الأخيرة من حكم مبارك، معبرة عن تحول كيفي في علاقة الشارع بالسلطة، وهي ترد ذلك، في جانب كبير منه، إلى تعاظم قوة الحركات غير التقليدية، وتزايد نشاطها على نحو غير مسبوق، يؤكد هذا الرأي أن الفترة المشار إليها شهدت ميلاد حركات جديدة على الحياة في مصر، فقد دفع يأس المعارضين الجادين للنظام ومن الأحزاب والقوى التقليدية إلى تأسيس حركة “كفاية” وذلك عام ٢٠٠٤، بينما أعلنت قيادات عمالية عن تأسيس نقابات مستقلة عن التنظيم الخاضع لسيطرة الدولة، ثم وصل هذا الاتجاه مداه مع تأسيس “حركة ٦ إبريل” في عام ٢٠٠٨.

وتلك الحركات، وإن بدا أنها خطوة متقدمة للشارع في اتجاه الضغط على الدولة لإعادة العلاقة معها، إلا أنها ظلت في عمومها ذات طابع سياسي بالدرجة الأولى، ف “كفاية” التي ينظر إليها كأول بشائر أمل في الطريق لثورة يناير، ركزت بشكل ملحوظ على مهاجمة الحاضر الفاسد الذي صنعه الرئيس السابق “حسني مبارك”، ثم على التصدي لسيناريو التوريث، أما حركات الاحتجاج العمالي، والتي كثَّفت من تحركاتها منذ عام ٢٠٠٥ فالنظر إليها، رغم تصاعدها اللافت في السنوات السابقة على الثورة، كأعمال فئوية ضيقة، خاصة وأن كثيرا منها انفض بوعود تلقاها العمال، إما من الحكومة بشكل مباشر، أو من مالكي الشركات بضغط من السلطة. أما ظاهرة “الألتراس”، فكانت حالة مختلفة منذ بدايتها. جيل مختلف يتجمع، لا حول مطلب، وإنما وراء كيان.ثقافة جديدة، سمتها الرئيسية التنظيم المحكم والتلاحم والاستمرارية (2).

 

السياق الذي ظهر فيه الالتراس في مصر والوطن العربي مغاير تماماً للسياق في أوروبا فلا يمكن فهم تطور حركة الالتراس دون فهم السياق السياسي المصاحب، في أوروبا يمكن فهم التطورات السياسية التي سادت فيه بدءاً من الستينيات، أو التطورات السياسية التي ارتبطت بانهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينيات وهو ما عرف بموت الايدلوجيا فهذه التطورات خلفت قطاعات عريضة من الشباب خارج الأطر التقليدية للمشاركة (3).

أما في الواقع المصري اللبنة الأساسية التي تقوم عليها فكرة الألتراس هي الانتماء الشديد للنادي/الوطن، الذي تستشعره من أول لحظة تتحدث فيها مع أي فرد ينتمي للألتراس كفكرة وكتنظيم، فهذا الانتماء الشديد قد نجد تفسيره في حالة الاغتراب التي سادت ليس فقط مصر وإنما الكثير من الدول العربية التي ظهرت فيها المجموعات، حالة اغتراب عن الدولة التي لم تكن بأي حال من الأحوال ممثلة للمجتمع ومعبرة عن إرادته الجمعية، فكان لابد لهذا الشباب أن يخلق كياناً أو فكرة ينتمى له(4).

 

المبحث الثاني: سمات جماعات الالتراس

قد تكون إحدى إشكاليات صنع السياسة بشكل عام ولكنها تتسق مع الواقع المصري بشكل قوي، هي إشكالية العلاقة بين المجتمع والدولة والتي يبرزها الالتراس بوضوح وهي محاولة احترام آدمية الإنسان كفرد داخل الجماعة، عدم إهانة الفرد وإجباره على إهمال ذاته الإنسانية في سبيل الكيان الأعظم مما جعلهم يخلقون لنفسهم كيان يحبونه لأنهم أعطوه من أنفسهم فأعطاهم الكيان قوة، والعلاقة هنا مع هذا الكيان الأصغر قائمة على الاحترام والحب المتبادل الذي فقدوه مع الوطن، ذلك الوطن الذي أصبح من وجهة نظرهم ملكاً لطبقة بعينها دون غيرها وأصبح لزاماً عليهم أن يحترموا قانون الوطن الذي وضع عن طريق طبقة تشكلت كطبقة حاكمة ليخدمها فتركوا الوطن وهم بداخله.

1ـ يعتبرالولاء الدائم للوطن النادي اللبنة الأساسية في عقيدة الالتراس على الرغم أن معظم أعضاء أي رابطة من روابط الالتراس ليسوا أعضاء في النادي (مثل إحدى أغانيهم: ولا عضو في اشتراكه في السنة بأدفع آلاف) ومن الواضح هنا أن أيضاً فكرة العلاقة بالنادي تتمثل في الحب والوفاء (أيضاً: فكرة وجمعتنا أساسها الانتماء وكل فرد فيها بيتعلم الوفاء) حتي وإن لم تكن تتمتع بصفة رسمية بانتمائك لكيان النادي وهي نفس نظرتهم إلى الوطن، فهم لا يشعرون بمكان لهم داخل الوطن وإحساسهم الدائم بالاغتراب عنه، وكان هذا أحد أسباب التفافهم حول اسم النادي وتشكيل روابط تشجيع تعبر عن قوتهم وفعلهم، على العكس تماماً هم أحياناً يدخلون في صدامات مع مجلس إدارة النادي من أجل رحيلهم فهم يرون أن هذه الإدارات هي جزء من منظومة السلطة التي لا تسعي الا لتحقيق مصلحتها كما كان في الوقفات لرحيل إدارة نادي الزمالك من قبل وايت نايتس (5).

2ـ الاستقلالية الكاملة التنظيمية والمالية فهم يعتمدون على التمويل الذاتي في كل أعمالهم من البانرات ورسم الجرافيتي والدخلات خلال المباريات ومصادر التمويل التي قد تكون تبرعات الأعضاء لتغطية المصروفات المطلوبة بيع منتجات الرابطة(6).

3ـ الشباب هم العنصر الرئيسي لروابط تشجيع الالتراس وان معدل الأعمار لأعضاء الجماعات ما بين 15 و26 عاماً، وفي نفس الوقت جماعات الالتراس ليست حكراً على أحد فباب الانضمام لأية فئة عمرية دون تمييز ولكن الشباب هم الأكثر إقبالاً عليها لظروف السياق السياسي.

4ـ جماعة الالتراس جماعة لا سياسية ولا تسعي لتحقيق أهداف سياسية ودائماً تؤكد على الطابع اللاسياسي لها وانها تدافع عن قضيتها بأساليبها ومنطقها الخاص، فتؤكد دائماً جماعات الالتراس على عدم تأييدها لفصيل سياسي دون غيره أو محاولة تحقيق مصالح سياسية وإنما دائماً تؤكد على أنها جماعة تسعي لتشجيع الوان ناديها وتستخدم في ذلك كل الوسائل الممكنة، يمكن أن نري ذلك بوضوح من خلال البيان الذي اطلقه التراس اهلاوي قبل 25 يناير للتأكيد على عدم النزول في هذه المظاهرات كتنظيم للالتراس وكذلك اعلن التراس وايت نايتس (أو الفرسان البيض) ذلك فمن خلال بيان التراس اهلاوي اعلن” انه جروب رياضي فقط وليس له أي اتجاهات سياسية وان الجروب لن يشارك في المظاهرات المقررة يوم الثلاثاء 25 يناير.. وان كل فرد داخل الجروب حر في اختياراته السياسية ” (7)

كذلك على نفس النحو جاء بيان التراس وايت نايتس، يمكن ملاحظة أن كلا البيانين قد جاء في بدايته التأكيد على خطأ المعلومات التي تتناولها وسائل الإعلام ومدي مغالطتها وهذا من ناحية أخرى يدل على نظرة الالتراس للإعلام الذي يري انهم يصورونهم على انهم جماعات مثيرة للفوضى لذلك فهم يحرمون أى اتصالات مع الإعلام الذين دائماً ما يصفونه في بيانتهم ” العاهرة على سرير أي نظام ” ومدي ربطهم للأداة الإعلامية بأداء السلطة والتي يتبنوا ضدها موقف معادي متمثل في الصراع مع الداخلية وان كان موقفهم تجاه الإعلام قد تبلور كقضية منفصلة عن صراعهم مع الداخلية ولكن في تطور الصراع ومدي توافق الإعلام مع وجهة النظر الرسمية ضدهم مما وضعهم في سلة واحدة من وجهة نظر الالتراس كما يمكن أن نراها في الشكل رقم(1).

 

من ناحية أخرى اعتماد الالتراس على أنهم جماعة لا سياسية وإيمانها من داخلها بأهدافها ونبلها في الوفاء الدائم لنادي جعل الإعلام كوسيلة لاستخدامهم في أغراضهم غير موجود في تركيبتهم على عكس غيرها من جماعات الضغط أو جماعات المصالح ومنظمات المجتمع المدني التي لابد أن تستخدم الإعلام لنشر قضيتهم ومبادئهم وتكوين لوبي إعلامي في صالحهم لتحقيق هدفهم من الجماعة أو المنظمة، حتي في تلك الفترة السابقة على الثورة كانت الجماعات المعارضة للنظام تسعي دائماً لتكوين لوبي إعلامي في صالحها في الحيزات التي لم تأممها الدولة لصالحها بالإضافة إلى الواقع الافتراضي الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي التي شكلت لمثل هذه الجماعات مثل حركة 6 أبريل أو الجمعية الوطنية للتغيير مساحة لعرض وجهة النظر الأخرى.

شكل رقم (1)

5- جماعات الالتراس لا يمكن القول عليها جماعة مصلحية تسعي لتحقيق مصلحتها كأي منظمة من منظمات المجتمع المدني التي تسعي لتحقيق مصلحتها الشخصية ومصالح أعضائها فالالتراس يلتزم بمجموعة من القيم والأفكار مقتنع بها تمام الاقتناع يدافع عنها في سبيل ذلك مستعد للتضحية حتي التضحية، في مقابل هذا يظهر أيضاً إنكار الذات في مقابل الجماعة، وقد يفٌهم هنا أهمية إصرار الجماعة على الطابع اللاسياسي المميز لها فهي غير مستعدة للتنازل عن جزء من أهدافها وأفكارها في مقابل تحقيق مكاسب أخرى، وهذا ينبع من إيمانها التام بمشروعية مطالبها والإيمان بالقيم التي تدافع عنها

6ـ في نفس الوقت الجماعة لديها قدرة عالية على التفاوض شرط ألا يمس هذا قيمها وأفكارها كلها دون استثناء ومثال على ذلك تفاوض قيادات التراس وايت نايتس مع قيادات الأمن للسماح لهم بحضور مباراة الزمالك في دور أبطال أفريقيا ومحاولة الوصول لنتيجة واستمرت المفاوضات لأكثر من ساعة ونصف الساعة(8).

7ـ غياب التنظيم الهيراركي داخل الجماعة والوصول إلى مكانة عالية داخل الجماعة مرتبط بالجهد المبزول في سبيل الجماعة وقيمهم وأفكارهم.

8ـ جماعات الالتراس ليست جماعات فاشستية على عكس ما يقال فالقضية المميزة للفاشستية هي فكرة الجماعة القومية ذات الوحدة العضوية التي تلخصها عقيدة “القوة بواسطة الوحدة” أما الفرد فهو لا شيء بالمعني الحرفي للكلمة إذ يجب أن تذوب الهوية الفردية تماماً في المجتمع أو الجماعة(9)، أما الالتراس فهو يمجد قيمة الفرد كإنسان ويعتبره العنصر الأساسي في تكوين الكيان أو الجماعة كما نري في جرافيتي “الجماهير سر الكيان” الشكل رقم (2).

وفي نفس الوقت الفرد الشخص على استعداد للتضحية من الجماعة كما في الشعار “fight for entity” أو حارب من اجل الكيان كما في الشكل رقم (3)، فعملية الحب والانتماء متبادلة بين الطرفين الفرد والجماعة وكل منهما قادر على حماية الآخر فالفرد يحتمي داخل الجماعة والجماعة تحتمي بالفرد.

شكل رقم (2)

شكل رقم (3)

9ـ الحركية والدينامكية المستمرة فتشجيع الفريق هو عملية مستمرة لتحفيز الفريق في الملعب وتمجيد إنجازاته والدفاع عنه ضد خصومه وهذا مرتبط بالولاء الدائم لاسم النادي، ولا تختلف وتيرة التشجيع من فترة إلى أخرى أو بسبب حصوله على بطولة أو خسارته لبطولة، عملية التشجيع تتم بنفس القوة ونفس الحماس بل تزداد باستمرار وهذا مرتبط بالعنصر المشكل للجماعة وهو الشباب المتميز بالحيوية والقوة (10).

10ـ التمتع بقدرة عالية على التنظيم وهو ضرورة لزيادة عملية الكفاءة التشجيعية بالإضافة إلى أن جماعات الالتراس ويظهر ذلك في تنظيمات الدخلات والهتافات لمؤازرة فريقهم كما في الشكل رقم (4) ورقم (5) لدخلة التراس اهلاوي والتي صنفت كأفضل دخلة للتصنيف الأسبوعي لصفحات الالتراس (11)

شكل رقم (4): من مباراة الأهلي والصفاقسي في بطولة السوبر الأفريقي موسم 2014

11ـ كذلك لا ترتبط بحيز جغرافي معين وان كان التركيز على المحيط الجغرافي للنادي فكل من التراس اهلاوي ووايت نايتس مركز تجمعهم الأكبر في القاهرة مرتبطين بمكان النادي ولكن يوجد امتدادات لهذه الجماعات في معظم مدن مصر ولكن هذه الصورة لا تظهر بقوة في تنظيمات الالتراس لفرق جماهيرية أخري مثل المصري والإسماعيلي والاتحاد والمحلة فيتكون الرابطة موجود بشكل أساسي في مدينة النادي كبورسعيد مع المصري والإسماعيلية مع الإسماعيلي وهكذا، ولكن هذه الجماعات تحرص دائماً على أن يكون لها وجود في المدن الأخرى ولو محدود حتي يكون هناك عنصر يساعدها في مبارياتها في المدن الأخرى أما حالة اهلاوي ووايت نايتس فهناك امتدادات له في مدن أخري يتواصلون باستمرار وفي خلال المباريات لناديهم نجد انه هناك حضور قوي من جميع المدن الأخرى كما تم منع أتوبيسات للالتراس لدخول القاهرة لمؤازرة فرقهم في المباريات من قبل الأمن (12).

12ـ تعطي جماعات الالتراس حرية حركة كبيرة لأعضائها مادام لا يتعارض مع هوية الالتراس ويظهر هذا في فروع الالتراس في مدن الأقاليم حيث لهم حرية الحركة والتنسيق مع باقي الفروع، بالإضافة إلى عدم فرض رأي سياسي بعينه كما ظهر في 25 يناير حيث لم تنزل الالتراس بصفتها التنظيمية إلى الشوارع ولكنها تركت الحرية لأفرادها أن ينزلوا بصفتهم الفردية في بداية الأمر.

شكل رقم (5) من مباراة الأهلي والصفاقسي في بطولة السوبر الأفريقي موسم 2014

13ـ رفض الوصاية الأبوية وهذا يتضح بشدة في أن هذه الجماعات لا تتبع النادي وقيادته التي تحاول دائماً وضعهم في إطار مفروض عليهم كما كان في روابط التشجيع قبل نشأة الالتراس في مصر أي قبل 2007 حيث كان هناك روابط تستمد الدعم من قيادات الأندية ولكنها لم تستمر أما الالتراس هنا تمثل فكرة الصراع الجيلي ما بين الأفكار القديمة ومحاولة الخروج منها والتجديد عليها من ناحية والصراع على تأكيد قيمهم وأفكارهم وعدم تقبلها من السلطة الأبوية والنخبوية القائمة من ناحية أخرى.

14- الالتراس يمثل حالة من الاغتراب فالفرد المكون للالتراس لا يسعي للاصطباغ بثقافة المجتمع السائدة فمن الممكن أن نجد مجموعة من السمات التي تميز الأفراد داخل الجماعة مثل الملابس وطريقة الحوار الدائرة بينهم ونمط التشجيع يلائم كل الأفراد ويتفقون عليه ويعتبرونه الطريقة المثلي للتعبير عن أفكارهم والتعبير عن طاقتهم أيضا من الممكن أن نري ذلك من خلال تأكيدهم على الحضور في المباريات بقميص الرابطة أو قميص النادي الذي ينتمون اليهم كعلامة على اتحادهم وتناسقهم. في نفس الوقت من يخالف هذه النقطة التحذيرية لا يلاقي أي وسيلة من العقاب أو الاستهجان من قبل الجماعة فقد يكون هناك بعض الاختلافات ولكن من الملاحظ أيضا أن الفرد في الجماعة يحرص دائماً على الالتزام بهذه النقطة كعلامة على انتمائه وحبه للكيان، فهم أيضاً يعترضون على ثقافة مجتمعهم فلا عجب أن تكون نظرة العامة إلى هذه الجماعات أنها جماعات عنيفة تسعي دائماً لتحقيق أهدافها بأساليب عنيفة على العكس تماماً فاذا افترضنا أن جماعة الالتراس جماعة مصلحية تسعي لتحقيق مصلحتها كأي منظمة مجتمع مدني فسنجد أنها تنادي بأبسط الحقوق وهي تشجيع الفريق الذي ينتمون إليه وهم يعتبرون ذلك اكبر حق بالنسبة لهم لا يمكن لن يتنازلوا عنه، لذلك تعتبر مطالب هذه الجماعات مطالب بسيطة يمكن تحقيقها وعند مقابلة أي تعنت من السلطة أو الأمن، فهم غير مستعدون عن التنازل عن ابسط حقوقهم وهو التشجيع وعلي الاستعداد للمواجهة لتحقيق هدفهم دون التنازل عنه، اذاً فمطلبهم الأساسي غير قابل للتفاوض عليه وما يترتب عليه أيضاً، ومن هنا يمكن تفسير المواجهات مع السلطة بشكل غير مباشر أو الأمن بشكل غير مباشر، فاذا فقدوا منهم أفراداً خلال ممارستهم التشجيع، فإنه بسبب اعتراض الأمن أو السلطة على حقهم الأساسي، وهو مرتبط بهدفهم الأساسي وهو ما يترتب عليه المواجهة كما لو انه تم المساس إلى الهدف الأساسي وهو التشجيع.

 

وهم يؤكدون أيضاً أن حياة أي فرد داخلهم غاية في الأهمية ولا يمكن المساس بها أو نسيان ثأره، في نفس الوقت يري الفرد أن الجماعة لا يمكن إهانتها أو سلبها حقها في التشجيع ومن ثم مستعد أن يضحي بنفسه من اجل استمراريتها يمكن أن نري ذلك من خلال هتافاتهم: (هتافات التراس أهلاوي: “أديلوه عمري وبرده قليل”) وكذلك (هتافات التراس وايت نايتس أو الفرسان البيض: “زمالك حبي الوحيد من غير ما اختار”).

الطبقة المتوسطة الأنانية أنجبت طبقة أخرى أقل أنانية وأكثر تعلماً ووعياً هذا الوعي ترتب عليه ادراك أن القيم السائدة في المجتمع ليست ممثلة لهم، غير قادرين على الاقتناع بها، وان مجتمعهم اصبح اكثر تشويهاً وتشويشاً ملئ بالمتناقضات غير قادرين هم كشباب على قبولها والتعامل معها واختلاط القيم والمعايير ببعضها لتمثل هجين لا يمكن تقبله من قبل الشباب اللذين حاولوا تغيير انتماءاتهم والاغتراب عن واقعهم بالانتماء لجماعات وروابط تشجيع والانتماء هنا قوي وعن صدق وحب واقتناع فمثلت بالنسبة لهم قيمة قد وجدوها بنفسهم واثبتوا صحتها بنفسهم فأصبحت غير قابلة للنقاش أو الجدال من منطقهم وأصبحت فكرة يحتمون بها من مجتمعهم ففكرة الالتراس كما سبق القول تقوم على فكرة الانتماء الشديد للوطن النادي كما نري في الشكل رقم (6) والذي يوضح الانتماء الشديد للنادي وتحوله إلى دولته دون الكيان الأكبر).

 

ومن هنا يترتب عليهم إصدار هتافات وتصرفات جماعية تمثل قيمهم، قيمهم التي اكتسبوها كنتيجة لحقيقة اكتسبوها بنفسهم قابلة للنقد والتعديل ولكن ليس من قبل سلطة أو مجتمع لا يملك قيم أو يملك قيم مهجنة يرفض أن يقتنع بها ويرفض أن تكون هذه الفئة قيم على سلوكهم ولكنهم يقوموا دائماً بعملية نقد ذاتي وتصحيح لتصرفاتهم وأفكارهم أن استشعروا ذلك فهو ليس على استعداد لتصحيح أفكاره ممن هم اقل منهم – من وجهة نظرهم – السلطة أو المجتمع، وهذا يمثل فقدان المثل الأعلى، فالالتراس ليس على استعداد لتقبل نصيحة من إعلام غير حيادي ثبت تورطه في فساد وظهير لسلطة فاسدة في نظرهم (13).

 

شكل رقم (6):

خاتمة:

قد لا يكون سلوك الالتراس هو السلوك القويم لأنه قد أنشأ أفكاره وقيمه بنفسه دون تحقيق تراكم قيمي كاف من أسلافه، لذلك يجب اعتبارها في مراحل التكوين الأولي ولكنه غير قابل لتقبل تصحيح أفعاله من مجتمع يراه في اعوجاج وسلطة تزيد من هذا الاعوجاج.

أما عن تحقيق المصلحة فهو لا يسعي لتحقيق مصلحة فرد ولا مصلحة جماعة، إنما يمثل حالة من الدفاع عن نفسه كفكرة وقيم ومقاومة محاولات السلطة من تحديد أدائه وتطويعه ليكون جزء من مجتمع طائع لأهداف السلطة.

————————————-

الهامش

(1) ياسر سعيد محمد، الالتراس: النشأة والتاريخ، 25 سبتمبر 2011، النص متاح على الرابط

(2) أكرم خميس، ثورة جيل التراس، المنظمة العربية لحقوق الإنسان، الطبعة الأولي، ص 17:21

(3) د. أمل حمادة، متحدو السلطة: الالتراس كقوة تعيد تعريف العلاقة بين الشارع والدولة، السياسة الدولية، عدد 187، يناير 2012، ص 23

(4) محمد الجوهري، كيف يمكن ان نفهم الالتراس، موقع جدلية، 15 أبريل 2013.

(5) وفاة عمرو حسين ضحية اشتباكات الزمالك والوايت نايتس، الدستور، 23ستمبر 2011

(6) صفحة الوايت نايتس على شبكة فيسبوك

(7) راجع: بيان التراس اهلاوي بخصوص مظاهرات 25 يناير الصادر يوم 23 يناير. وايضاً بيان التراس وايت نايتس

(8) المصدر: الباحث في زيارة ميدانية، 1 مارس 2014

(9) لمزيد عن الأيديولوجية الفاشية، راجع اندرو هيود، مدخل إلى الأيدولوجيات السياسية، ترجمة محمد صفار، المركز القومي للترجمة، الطبعة الاولي،2012، ص 247:277.

(10)اشرف الشريف، الالتراس والمجد لسياسات الفنفنة، موقع جدلية

(11) دخلة اولتراس اهلاوي بالسوبر الأفريقي افضل دخلات الأسبوع، الوطن، 27 فبراير 2014 , الرابط

(12) الأمن يطلق قنابل الغاز لمنع جمهور الوايت نايتس من دخول إستاد القاهرة،1مارس 2014، الرابط

(13)بيان الالتراس رداً علي احمد شوبير، الرابط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى