تقاريرسياسة

حراك محمد علي: جدل الفرضيات والتفسيرات

حراك محمد علي

مقدمة

مثّل ظهور محمد علي في المشهد المصري حالة جدلية كبيرة بين فئات الشعب المصري المختلفة بين مؤيد ومعارض ومتشكك في الدور الذي ظهر به على منصات التواصل الاجتماعي والهدف النهائي الذي يصبوا إليه.

وهذا التقدير يحاول أن يجيب عن التساؤل الرئيس الذي شغل قطاع كبير من أطياف المعارضة بل الشعب المصري ذاته، ما الهدف الحقيقي للحركة التي قام بها محمد علي منذ ظهوره وحتى اعتزاله العمل السياسي كما أعلن في آخر فيديوهاته على صفحته الرسمية على الفيس بوك؟

محمد علي وفرضيات المتابعين:

هناك ثلاث فرضيات سادت حول محمد علي خلال الفترة التي ظهر فيها:

أولا: أنه يتحرك بناء على قناعات شخصية ودوافع داخلية لديه تتعلق بعدم رضاه عن الأوضاع التي آلت إليها مصر في عهد السيسي.

ثانيا: أن حراكه كان مدفوعا بجناح من السلطة معارض للسيسي ويسعى للضغط عليه للحفاظ على مصالحه ومكتسباته.

ثالثا: أن حراك محمد علي كان بتخطيط من السيسي نفسه لأهداف سنتحدث عنها لاحقا.

الفرضية الأولى: أن محمد علي تحرك بدوافع شخصية داخلية تتعلق برفضه للسيسي وما فعله بمصر.

هذه هي الصورة التي قدم بها محمد علي نفسه للشعب المصري وحرص على تأكيدها في كثير من كلماته التي وجهها للشعب المصري.

لكن هذه الفرضية من الصعب تصديقها لعدة أسباب مهمة منها:

١- الثقة المفرطة التي كان يتحدث بها محمد علي نفسه وهو الذي جاء من قلب النظام وتربى داخله وليس له سابق تجربة في النضال السياسي أو شارك في اللحظات الهامة للثورة المصرية. هذه الثقة تحتاج الى مشوار طويل من الكفاح والنضال حتى تظهر بهذا الشكل، ولا يمكن بحال أن تنشأ فجأة إلا إذا كان يستند الى ظهير قوي يدعمه ويوجه ويطمئن الى قدرته على حمايته. ولا ننسى أن محمد علي ممثل، وبالتالي يستطيع تقمص الحالة التي يريدها، كذلك اعتزاله السريع بعد مرور ذكرى ثورة يناير لا يتناسب مع الشخصية الواثقة التي قدم بها نفسه للجماهير.

٢- صيغة الجمع التي كان يتحدث بها أحيانا أثناء توجيه الخطاب للسيسي والتي تدل على أنه جزء من مجموعة هو واجهتها وأن هناك من يحرك دفة المعركة من وراء الستار.

٣- تحول لغة خطابه في الأسابيع الأخيرة من الخطاب الشعبوي الأقرب للغة المهرجانات الى لغة السياسي الذي يحاول فرض نفسه كزعيم سياسي للمعارضة المصرية على عكس ما كان يحرص عليه في الأسابيع الأولى من الحراك الذي بدأه، والذي أكد فيه مرارا على أنه لا يفهم في السياسة ولا العمل السياسي وأن هذا ليس هو دوره. والشاهد هنا أن هذا التحول الذي طرأ على خطابه بما يتناسب مع طبيعة شخصيته وليس له تفسير إلا أن ذلك الدور الذي حاول تقمصه كان مفروضاً عليه أكثر مما كان هو اختياراً شخصياً له دفعته له الأحداث وتطوراتها.

وبدا واضحا أن هناك من يحاول أن يُلبسه ثوب الزعيم السياسي حتى لو كان هذا الثوب أكبر من مقاسه بكثير ولا يتلاءم مع شخصيته، وبدا ذلك واضحا عندما بدأ في الحديث عن تقديم نفسه كزعيم للمعارضة ثم إصداره وثيقة قال إنها محل إجماع قوى المعارضة المصرية، وهذا لم يكن دقيقاً حيث استطلع كاتب هذا التقرير آراء عدة قوى أساسية في المعارضة في الخارج – تحفظت على نشر أسمائها – حول علمهم بالوثيقة أو موافقتهم عليها فكان ردهم أنهم عرفوا بها من الإعلام كما عرف الآخرون.

وقد أشارت تقارير إعلامية (١) في حينها إلى جزئية تقمص الدور، حيث نشرت إحداها تصريحاً لمسؤول سابق في أحد الأجهزة الأمنية الحساسة بمصر رفض ذكر اسمه، قال فيه “كل هذه المفردات ليست مفرداته، وإنما تؤكد أنه تلقى تدريباً على كيفية جذب انتباه الجمهور من خلال إثارة مشاعر المصريين”. على حد وصفه.

الفرضية الثانية: أن حراك محمد علي صنيعة السيسي نفسه وأجهزته المعاونة:

من وجهة نظري هذه الفرضية لا تقوم على ساق بسبب أن السيسي لا يمكن أن يقبل أن يهان هو شخصياً وكذلك أسرته بهذا الشكل، فضلا عن حديث محمد علي المكثف عن الفساد داخل الجيش، وهو الشيء الذي لا يستطيع أن يغامر به السيسي ويضع نفسه في مواجهة مع الجيش الذي يستند عليه في بقائه في السلطة.

وهنا تساؤل منطقي للمتشككين في هذه الفرضية وهو لماذا يلجأ السيسي لهذا الخيار لدى المقتنعين بذلك؟

النقطة الجوهرية التي يرتكز عليها هؤلاء في اقتناعهم بهذه الفرضية هو ما نشر في تقارير غربية وعلى لسان مقربين من دوائر صنع القرار في الغرب خاصة في أوروبا (٢) إلى أن الأوضاع في مصر على حافة الانفجار نتيجة الأوضاع الاقتصادية الضاغطة مما يخشى معه حدوث انفجار مجتمعي قد يدخل البلاد في دوامة قد تطيح بالنظام ولا يملكون في الغرب السيطرة عليها مما يعني تدفق كبير للاجئين عبر المتوسط الى أوروبا أو اختلال الأمن في محور قناة السويس أو تهديد لأمن إسرائيل وهي احتمالات جميعها كارثية بالنسبة للغرب.

ونتيجة لعدم قدرة السيسي على إحداث توازن سياسي ومجتمعي يسمح له بالبقاء ولا يؤدي إلى انفجار مجتمعي أصبح السيسي لدى الكثيرين في الغرب غير مرغوب فيه، وأن هناك ضوء أخضر للجيش لتقديم بديل يحافظ على المصالح الغربية وفي نفس الوقت يستطيع إحداث توازن يؤدي إلى استقرار نسبي في السلطة والمجتمع.

ونتيجة لذلك فلا يستبعد أصحاب هذه الفرضية أن يكون حراك محمد علي مفتعل من قبل السيسي للكشف عن معارضيه داخل الجيش وباقي المؤسسات لمنع تمرير سيناريو البحث عن بديل له.

النقطة الثانية التي يرتكز عليها هؤلاء هو ما تحدثت عنه تقارير إعلامية عدة عن تظاهرات ٢٠ سبتمبر ٢٠١٩ وانسحاب قوات الأمن من داخل ميدان التحرير وأماكن أخرى في القاهرة (٣) ، وأن هذه الانسحابات الأمنية لا يمكن لها أن تحدث دون قرار سلطوي من السيسي نفسه بحيث أنه يشجع معارضيه على الكشف عن أنفسهم والتحرك بشكل غير حذر مما يسهل مسألة كشفهم ، فضلا عن إفراج النيابة عن معظم المعتقلين الغير مصنفين لدى الأجهزة الأمنية كمعارضين سياسيين أو تابعين لأحد قوى المعارضة المصرية (٤).

لكن رغم منطقية هذا الطرح لدى المؤمنين به إلا أن ما يضعفه أن السيسي لا يمكن أن يجعل نفسه وأسرته هم المستهدفين بالهجوم كما فعل محمد علي، وأنه اذا كان السيسي من يقف خلف محمد علي فكان الأوقع أن يجعل دفة الهجوم على الحكومة كما هو معتاد ويحملها كل الأخطاء ولا يجعل من نفسه أداة للسخرية، وكذلك الغضب من أفراد القوات المسلحة التي يرتكن إليها.

أيضا الطبيعة الشخصية للسيسي لا يمكنها أن تغامر بإحداث حراك ولو مسيطر عليه خشية أن يفقد زمام الأمور أو يستغله الجيش بشكل أو بآخر للإطاحة به. كما أن الانسحابات التي حدثت من قبل القوات الأمنية ليس بالضرورة أن تكون للهدف الذي أسلفناه لدى المؤمنين بهذه الفرضية فيمكن أن يكون إجراء أمني تكتيكي لاحتواء المتظاهرين وعدم الصدام معهم حتى لا تتطور الأمور بشكل لا يمكن السيطرة عليه.

الفرضية الثالثة: أن محمد علي يقف وراءه جناح من السلطة معارض للسيسي.

وهذه الفرضية من وجهة نظري هي الأقرب للصحة ولها شواهد كثيرة تؤيدها منها الآتي:

أولا: أن هجوم محمد علي ركز بشكل كبير على السيسي وأسرته وعلى الفساد داخل الهيئة الهندسية للقوات المسلحة أو كبار الضباط تحديدا الذين هم في الدائرة الأقرب للسيسي. وظهر ذلك في واضحا في خطاباته ومحاولته تحييد أفراد الجيش والشرطة من الهجوم وحصر الهجوم في نطاق ضيق جدا داخل هاتين المؤسستين.

ثانيا: وجود صراع حقيقي واقع ومرصود بين السيسي وجهاز المخابرات العامة المصرية وهو ما تمثل في الإقالات المتتالية التي نفذها السيسي للسيطرة على الجهاز. ففي (2 ديسمبر 2013) أحال 10 ضباط بالمخابرات العامة للتقاعد، وفي (2 يوليو 2014) أحال 14 وكيلا للمخابرات العامة للمعاش، وفي (5 فبراير 2015) نقل ثلاثة من موظفي المخابرات العامة للعمل في الوزارات المدنية.

وفي (18 يونيو 2015) أحال 11 من وكلاء المخابرات العامة للمعاش، وفي (26 يوليو 2015) أحال 19 من مسؤولي المخابرات للتقاعد، وفي (31 ديسمبر 2015) أحال 12 من وكلاء المخابرات العامة للمعاش، وفي (3 يوليو 2016) أحال 17 من وكلاء المخابرات العامة للمعاش ونقل 7 إلى جهات أخرى، وفي (26 يناير 2017) أحال 19 من وكلاء المخابرات العامة إلى المعاش”(٥).

بحيث يكون جملة من أقالهم السيسي من جهاز المخابرات العامة أو أحالهم للتقاعد منذ انقلاب ٣ يوليو وحتى الآن يصل إلى ١١٤ موظفاً وضابطاً بالجهاز برتب مختلفة.

وكانت الأزمة الأخرى التي فعلها السيسي من وجهة نظر المعارضين له من داخل النظام هو تصعيد السيسي لنجله محمود في جهاز المخابرات العامة ليصبح هو المتحكم الحقيقي في هذا الجهاز الحسّاس خصوصا بعد تعيين مدير مكتبه عباس كامل رئيسا للجهاز، فضلا عن النفوذ الواسع لابنه مصطفى في جهاز الرقابة الإدارية.

وهو ما يعني أن السيسي – لدى هؤلاء – يسعى لتحويل مصر من إمبراطورية الجيش التي تحافظ على مصالحه إلى إمبراطورية شخصية للسيسي ولأسرته وهذا كان السبب الرئيسي في إطاحة الجيش بمبارك تحت ضغط تظاهرات يناير ٢٠١١ بغية منع سيناريو التوريث لجمال مبارك من التمرير.

ومما أثار مخاوف وقلق هذا الجناح داخل السلطة ودوائرها أن السيسي تجاوز كل الخطوط الحمراء لدى المؤسسة العسكرية عندما قام باعتقال رئيس الأركان الأسبق سامي عنان وأقال كل أعضاء المجلس العسكري الذين كانوا معه وقت الانقلاب على الرئيس الأسبق محمد مرسي (٦)، هذه الإقالات جعلت جميع هؤلاء يدركون أن بقاء السيسي يعني ضياع مصالحهم وربما تهديد حياتهم وحريتهم كما حدث مع الفريق سامي عنان وأحمد شفيق.

يؤكد ذلك ما جاء في تقرير نشره موقع عربي بوست (٧) على لسان مصدر وصفه بالرفيع وأنه كان يعمل مسئول سابق في جهاز المخابرات العامة المصرية قال “أن هناك جهات سيادية خاصة، وخصوصاً جهاز المخابرات العامة المصرية، هي التي تساند وتدعم مقاول الجيش محمد علي.”

وأوضح المصدر أن معظم وكلاء المخابرات العامة الذين أقالهم السيسي أو أحيلوا للتقاعد غادروا بالفعل مصر، وأغلبهم خارج البلاد الآن، وأن لديهم تحفظات على أداء الرئيس، «إن لم يكن هناك رغبة في الانتقام بعد طردهم من هذا الجهاز»، وقال إن الإعداد لهذه الخطة – حراك محمد علي – بدأ بالفعل منذ عامين، وإنه لم يكن وليد الصدفة، مع العلم أن هذا التوقيت جاء في أعقاب خروج قيادات الجهاز من الخدمة أو إحالتهم إلى التقاعد” على حد تعبيره (٨).

كما أشار إلى ذات المعنى بشكل أكثر تفصيلا تقرير آخر (٩) على لسان مصادر مُقربة من دوائر صنع القرار “أن ما تشهده البلاد من تصاعُد الغضب ضد السيسي والمطالبة برحيله ليس بالأمر العشوائي غير المدروس، مضيفة “يمكن وضعه في إطار صراع أجهزة وأجنحة في مستوى هو الأعلى منذ وصول السيسي إلى الحكم في ٢٠١٤ “.

وأن “هناك قيادات سابقة وأخرى حالية في أجهزة ومؤسسات سيادية تدعم تلك الموجة الغاضبة وتغذّيها بتسريبات ومعلومات حقيقية بشأن مظاهر الفشل في إدارة الدولة، وتوريط مؤسساتها في صدام مقبل مع الشعب من جانب رأس السلطة.

خلاصة:

يتضح مما سبق أن ما قاله محمد علي من أن حراكه كان ذاتياً غير صحيح على الإطلاق وأنه كان واجهة لتجمع لأعضاء سابقين في جهاز المخابرات العامة وقيادات في الجيش سابقة وربما حالية هي من خططت ورتبت له.

لذا يكون من بين المسارات التي يجب التفكير فيها من جانب قوى المعارضة المصرية فتح قنوات تواصل مع هذا الجناح الرافض للسيسي في أروقة السلطة ودوائرها القريبة منها، والعمل على الوصول إلى تفاهمات من شأنها تحقيق تعاون مرحلي لإسقاط السيسي في ذاته.

كما أنه على المعارضة تقييم مشترك للحراك بين المعارضة وهذا الجناح الرافض للسيسي يترتب عليه استئنافه من جديد دون أخطاء الفترة السابقة التي أدت الى توقفه، وأن يكون مفهوما أن هذا التعاون والتنسيق هو هدف مرحلي لتخفيف الاحتقان السياسي في مصر، والعمل المشترك لوقف انهيار الدولة في العديد من القطاعات والمسارات.

الهوامش

1ـ موقع عربي بوست الإخباري ” خطة محمد علي للإطاحة بالسيسي” ، تاريخ النشر 20/09/2019 ، تاريخ الدخول 26/1/2020.

2ـ موقع عربي ٢١ “انقلاب عسكي محتمل على السيسي قريبا”، تاريخ النشر 8/3/2019 ، تاريخ الدخول 27/1/2020.

3ـ صحيفة العربي الجديد ، “تجدد المظاهرات المعارضة للسيسي في القاهرة” ، تاريخ النشر 20/9/2019 , تاريخ الدخول 28/12/2019

4ـ الجزيرة نت “الإفراج عن عشرات المعتقلين على خلفية مظاهرات 20 سبتمبر” تاريخ النشر 1/10/2019 , تاريخ الدخول 2/1/2019.

5ـ محمود الجمال المجلس العسكري ـ أبعاد التفكيك والتركيب، المعهد المصري للدراسات، تاريخ النشر 24/12/2016

6ـ محمد حسن، “كيف أسقط المقاول سمعة السيسي”، المعهد المصري للدراسات، تاريخ النشر 27/9/2019

7ـ عربي بوست الإخباري ” خطة محمد علي للإطاحة بالسيسي”.

8ـ عربي بوست الإخباري ” خطة محمد علي للإطاحة بالسيسي”.

9ـ العربي الجديد ” تنامي التحالفات داخل مؤسسات الدولة رفضاً لاستمرار السيسي” تاريخ الدخول 4/2/2020.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى