فورين بوليسي: لمساعدة غزة، على بايدن الإقرار بأن إسرائيل تمنع دخول المساعدات الإنسانية
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية في 13 نوفمبر 2024 مقالاً بعنوان “لمساعدة غزة، يتعين على بايدن الاعتراف بأن إسرائيل تمنع المساعدات الإنسانية”، لـ ” ستايسي جيلبرت”، المستشارة المدنية والعسكرية السابقة في مكتب السكان واللاجئين والهجرة التابع لوزارة الخارجية الأمريكية؛ حيث تقول إنه “قد يُنظر إلى وقف تسليم الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل الآن على أنه خطوة غير مهمة يمكن أن تنقضها الإدارة القادمة، لكنها ستكون عودة شجاعة إلى القانون الأمريكي والمبادئ الإنسانية، مهما كانت مقتضبة. لم يفت الأوان أبداً للامتثال للقانون”
مقال جيلبرت هو بمثابة وجهة نظر خبير حول الموقف الذي يجب على إدارة جو بايدن اتخاذه على الفور تجاه مأساة الحرب الدائرة في غزة، حيث تؤكد المستشارة الأمريكية أن أمام الإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها فرصة أخيرة للقيام بالشيء الصحيح الواجب عليها القيام به ، وهو النظر إلى الحقائق واتخاذ قرار صادق حول تصرفات الحكومة الإسرائيلية وما إذا كانت قد أضرت أو ساعدت في الإضرار بالشعب الفلسطيني في غزة.
وقد جاء المقال على النحو التالي:
في الثالث عشر من أكتوبر، أرسل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن رسالة غير معتادة إلى نظرائهما الإسرائيليين، حيث أوضحا فيها كيف تعوق إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وطالبا تل أبيب باتخاذ خطوات ملموسة لتخفيف الأزمة في غضون ثلاثين يوماً أو المخاطرة بفقدان المساعدات العسكرية الأمريكية.
وقد حانت نهاية هذا الموعد بالفعل. ولكن الكثير من الأمور قد تغيرت منذ إرسال تلك الرسالة: فقد انتُخِب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة؛ وتم إقالة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، أحد متلقي الرسالة، من منصبه؛ كما أن الكنيست الإسرائيلي قد أقر قانونين لوقف العمل الأساسي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في غزة والضفة الغربية.
ولكن الذي لم يتغير هو أن الحكومة الإسرائيلية تواصل بشكل تعسفي عرقلة وصول المساعدات المنقذة للحياة إلى الفلسطينيين المحتاجين إليها بشدة وتستخدم الأسلحة الأمريكية للتسبب في الموت والدمار العشوائي في جميع أنحاء غزة. وفي نفس الوقت، أتيحت للرئيس الأمريكي جو بايدن في الأسابيع الأخيرة من ولايته فرصة فريدة لتصحيح هذا الوضع. فبدلاً من الاستمرار في الدفاع عن استمرار إسرائيل في الحرب، فإنه يتعين على إدارته ببساطة الاعتراف بالحقائق، وهي: مواصلة إسرائيل منع دخول المساعدات الإنسانية للقطاع، وبالتالي فإنه وفقاً للقانون الأمريكي، لا يمكنها تلقي الأسلحة الأمريكية.
وعلى الرغم من ادعاءاتها مراراً بخلاف ذلك، فقد أعاقت السلطات الإسرائيلية كل جانب من جوانب المهمة الإنسانية المعقّدة في غزة منذ بدء الحرب قبل أكثر من عام. وقد وثّق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية علامات واضحة على هذا: فشاحنات المساعدات تظل عالقة على الحدود؛ ونقاط العبور والمنافذ تظل محدودة؛ وأوقات التشغيل تظل مقيدة؛ وهناك تأخير في الحصول على تصاريح لسائقي الشاحنات والموظفين الطبيين وعمال الإغاثة؛ وهناك مجموعة مربكة من العوائق البيروقراطية، مثل القائمة المتغيرة باستمرار للعناصر التي تعتبرها إسرائيل أسلحة محتملة، بدءاً من المصابيح الكهربائية إلى المقصات الجراحية.
وفي نفس الوقت، فقد تم تهجير سكان غزة بالكامل تقريباً من بيوتهم. وانخفضت كل المؤشرات القابلة للقياس لمستوى الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي والمأوى والحماية والوصول إلى المساعدات إلى ما دون المستوى المعتاد في الحروب والصراعات. وأصبحت منظمات الإغاثة تحت رحمة النظام الإسرائيلي العشوائي الذي يفرض عليها إخطار الجيش الإسرائيلي بمواقعها لتجنب استهدافها في العمليات العسكرية في كل أنحاء القطاع. وكانت النتيجة هو مقتل أكثر من 300 فرد من عمال الإغاثة ــ وهو أعلى رقم مسجّل على الإطلاق في أزمة واحدة.
وفي يوم الثلاثاء، أصدرت ثماني منظمات إنسانية تعمل في غزة بطاقة أداء لتقييم امتثال إسرائيل للتغييرات المطلوبة في الرسالة الصادرة من الولايات المتحدة في الثالث عشر من شهر أكتوبر. وخلُصت فيها إلى أن إسرائيل لم تفشل فقط في تلبية كل المتطلبات الواردة في تلك الرسالة تقريباً، بل اتخذت أيضاً إجراءات إضافية أدت إلى تفاقم الوضع الإنساني بشكل كبير، وخاصة في شمال غزة.
وعلى سبيل المثال، لننظر إلى المقياس الذي كثيراً ما نناقشه من عدد الشاحنات المسموح لها بدخول غزة. لقد طالبت الرسالة الأمريكية الصادرة في الثالث عشر من أكتوبر إسرائيل بالسماح بدخول 350 شاحنة على الأقل إلى غزة يومياً، ولكن سجل النتائج توصل إلى أنه خلال الثلاثين يوماً منذ ذلك الحين، لم يدخل سوى 42 شاحنة في المتوسط كل يوم. وفي بعض الأيام، كان هذا العدد ينخفض إلى ست شاحنات فقط. حتى إن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل قال إنه في الفترة من الأول إلى التاسع من نوفمبر، سمحت إسرائيل فقط بدخول 404 شاحنات فقط إلى غزة خلال فترة الأيام التسعة تلك بأكملها.
ونتيجة لهذا، أصبحت الظروف في غزة اليوم أسوأ مما كانت عليه عندما أرسل بلينكن وأوستن رسالتهما. ففي الأيام الثلاثين الماضية، قُتل نحو 1400 شخص هناك، بما في ذلك في غارة جوية في 29 أكتوبر على مبنى سكني من خمسة طوابق في بيت لاهيا أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 90 شخصاً – 20 منهم من الأطفال. وبهذا يرتفع عدد القتلى في غزة إلى أكثر من 43,600، وفقا لوزارة الصحة في غزة، على الرغم من أن السلطات المحلية تعتقد أن العدد الفعلي ربما يكون أعلى من ذلك بكثير.
وفي الأسبوع الماضي، أعلن الجيش الإسرائيلي أن المدنيين النازحين في شمال غزة – الذي يتم تدميره وإخلاؤه من السكان في ظل ظروف وصفها كبار المسؤولين في الأمم المتحدة مؤخراً بأنها “مروعة” – لن يُسمح لهم بالعودة إلى منازلهم، في تجاهل صارخ للقانون الإنساني الدولي.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد أصدرت مجموعة دولية من خبراء الأمن الغذائي في الثامن من نوفمبر تحذيراً مفاده أن قطاع غزة بأكمله يواجه انعداماً حاداً في الأمن الغذائي وأن هناك “احتمالاً قوياً بأن المجاعة وشيكة” بالنسبة لما يقدر بنحو 75 ألفاً إلى 90 ألف شخص عالقين في شمال غزة. و يواجه أكثر من 1.8 مليون شخص في غزة مستويات “حرجة للغاية” من الجوع، حيث دفع الجوع بعض الفلسطينيين اليائسين إلى نهب قوافل المساعدات.
ولكن عندما تكون هناك حاجة إلى تدفق الإغاثة المنقذة للحياة إلى كل المناطق في غزة، فإن إسرائيل هي التي تسيطر على الصنبور، وهي على ما يبدو تفتحه وتغلقه بشكل عشوائي. والاختبار البسيط لمعرفة ما إذا كانت المساعدات الإنسانية تتعرض للعرقلة بشكل تعسفي أم لا هو أن نسأل كيف ستتصرف إسرائيل إذا كان مواطنوها في حاجة إلى المساعدة: هل ستكون هناك قيود على كمية الغذاء أو عدد الشاحنات والسائقين والأطباء وعمال الإغاثة المسموح لهم بدخول البلاد؟ هل سيتم حجز حاويات كاملة من مواد الإغاثة لاحتوائها على مقصات؟ هل سيتم قصف المدارس التي تؤوي الأسر الإسرائيلية النازحة لقتل الأعداء المشتبه بهم؟
وقد حصلت وزارة الخارجية الأميركية منذ وقت مبكر من هذه الحرب على كل المعلومات التي تحتاجها لتحديد ما إذا كانت إسرائيل تعوق المساعدات الإنسانية بدقة، لكنها اختارت إعطاء الأولوية للدعم غير المشروط لإسرائيل على القانون الأميركي. وفي شهر مايو الماضي، قدمت وزارتا الخارجية والدفاع تقريراً إلى الكونجرس خلُص إلى أن إسرائيل لا تعوق المساعدات الإنسانية. ومع ذلك، كانت منظمات الإغاثة والخبراء في مكتب اللاجئين التابع لوزارة الخارجية ووكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية يقولون خلاف ذلك منذ أشهر.
في الحقيقة، أنا أعرف هذا لأنني بصفتي كبيرة المستشارين المدنيين العسكريين في مكتب اللاجئين التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، كنت أحد خبراء الموضوع للذين عملوا على هذا التقرير حتى تم إبعادي وزملائي منه حتى يمكن تحريره على مستوى أعلى! وتم اتخاذ القرار النهائي للتقرير للالتفاف على المادة 620I من قانون المساعدات الخارجية، وهو القانون الذي يتطلب وقف المساعدة إلى دولة تمنع المساعدات الإنسانية الأمريكية. وقد أبلغت قيادة وزارة الخارجية أن التقرير الكاذب بشكل واضح سيطاردنا، واستقلت من منصبي.
والآن، وخلال الأسابيع الأخيرة المتبقية قبل تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد، تتمتع إدارة بايدن بهذه الفرصة الأخيرة للقيام بالشيء الصحيح. فالمهمة بخصوص ذلك واضحة: النظر إلى الحقائق واتخاذ قرار صادق حول ما إذا كانت تصرفات الحكومة الإسرائيلية قد ساعدت أو أضرت بالشعب الفلسطيني في غزة.
قد يُنظر إلى وقف تسليم الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل الآن على أنه خطوة غير مهمة يمكن أن تنقضها الإدارة القادمة، لكنها ستكون عودة شجاعة إلى القانون الأمريكي والمبادئ الإنسانية، مهما كانت مقتضبة. فليس من المتأخر أبداً الالتزام بالقانون.
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.