قلم وميدان

في ذكري 25 يناير كنت هناك ولكن

في ذكري 25 يناير كنت هناك ولكن

اشتد فجور نظام مبارك وتغوله بعد 30 عاماً من الاستبداد في الحكم والفساد في الاقتصاد والخراب في العقول والخوف في النفوس، وإجرام ممن يفترض منه الحماية، ونهب منظم في مقدرات الدولة وغياب للإرادة السياسية، وارتهان القرار السيادي للخارج وتعاون مع أعداء الأمة للحفاظ على سيطرة العسكر على البلاد بدعم الخارج، مما أتاح كافة المبررات للخروج عليه بروح الشباب وفكرة حتمية التغيير التي بدأت بالمطالبة بإقالة وزير الداخلية ومحاسبة موظفيها علي ما ارتكبت أياديهم من جرائم في حق أبناء الشعب المصري، ظلما وافتراءً، وانتهت بإسقاط رأس الدولة فقط دون النجاح في التخلص من نظامه العسكري ودولته العميقة!

حيث كانت الشرارة قتل خالد سعيد وسيد بلال ومن قبلهم عشرات من أشرف المصريين وانتخابات مجلس الشعب عام 2010 المزورة، وقد تم عمل برلمان موازي عقد جلستين ثم قررنا النزول يوم 25 يناير بوقفة أمام دار القضاء العالي نرفض فيها تزوير الانتخابات، الذي تم تحت اشراف القضاة بشكل سافر، وبقينا في مكاننا من الظهر حتي بعد العصر وقد صليناها في الشارع وسط حصار أمني يضيق علينا ثم انتقلنا إلي ميدان التحرير لنلتقي بوفود المتظاهرين من كل انحاء القاهرة حتي فضها بعد منتصف الليل قبل أن تعاود الظهور مرة أخري ليتم الاعلان عن جمعة الغضب !

وتوالت الأحداث وقد تناولتها بشيء من التفصيل في ثمان مقالات حول (تفسير الأحداث ما بعد 25 يناير)، وفى النهاية كان انقلابا عسكريا مكتمل الأركان، دمويا بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ المصريين الحديث، فاشيا في معاقبة المصريين على أفكارهم وانتماءاتهم، لصا وناهبا لخيرات مصر ومقدراتها، خائنا لإرادة المصريين وخياراتهم، ولكي ندرك خطورة ما حدث وكيف حدث لا يكفي سرد حجم المؤامرة التي تمت ولا حجم الخيانات التي حدثت لكن أيضا لابد من ذكر بعض الأخطاء التي أعتقد من وجهة نظر شخصية أننا وقعنا فيها وهي في إطار المراجعات التي يجب أن تتم الآن، ليس في إطار المحاسبة فلم يحن وقتها بعد، لكن في إطار الاستفادة من الأخطاء، وتعديل ما يناسب ذلك في الرؤي والخطط والسياسات التي تعين علي كسر هذا الانقلاب العسكري الغاشم، كذلك لأن المراجعات هي أصل وخلق اسلامي علمنا الله كيف يمارس وقد راجع النبي صلي الله عليه وسلم نفسه في “عبس وتولي” وفى غزوة أحد وفى تقسيم الغنائم وفعله المصطفي صلي الله عليه وسلم مع زوجاته وأصحابه في وقت المحن دون تأخير وكذلك يجب أن نكون.

وعندما أمارسه لكشف أخطاء من وجهة نظري، لا أفعل إلا ما كنت طرفا فيه أو شاهد عيان عليه، فقد كان ظهوري العام من خلال العمل المهني والأكاديمي، حيث مارست الطب اخصائيا واستشاريا للحميات وامراض الكبد وأستاذا في الامراض المتوطنة بجامعة الإسكندرية، والعمل النقابي في نقابة الاطباء واتحاد الاطباء العرب، ومن خلال العمل البرلماني كنائب ومسئول عن العمل البرلماني منذ عام 2000، وحتى قيام الانقلاب العسكري 2013م، ومن خلال العمل الاسلامي وقيادة في الاخوان المسلمين كعضو في مجلس الشورى العام بالانتخاب منذ عام 1995، وعضو الهيئة البرلمانية منذ عام 2000م وعضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة عام 2013م.

ونسرد هنا فقط تلك الأخطاء منذ قيام الثورة وحتى الانقلاب العسكري أما الانجازات والنجاحات فقد أفرد لها مساحات كبيرة بعضها من الله بها علينا من نتائج، وبعض هذه الأخطاء لندرك أن إرادة الله غالبة، لكننا نحسبها بالعقل والمنطق في إطار الأخذ بالأسباب الذي أمرنا باتباعه مع حسن التوكل علي الله:

 

أولاً: قرار دخول الانتخابات الرئاسية:

شاركت في التصويت على مشاركة الاخوان في معترك انتخابات الرئاسة، وقد ذكرت من قبل موقفي الرافض لقناعتي أن هناك استحالة لخضوع الأجهزة الأمنية لسلطة رئيس من الإخوان، وقد تعاملوا معهم طوال عشرات السنين كمتهمين ومساجين!! وقد أعلن أيضا الاستاذ عاكف (المرشد العام السابق للإخوان المسلمين) عن رفضه بل وصلني من أحد القريبين من المهندس خيرت الشاطر نفس الرأي، ولا أعلم بماذا صوت لكن في النهاية التزمنا جميعا بما أسفر عنه التصويت، الذي تم مرة واحدة فقط في نهاية الجلسة الثالثة للحوار داخل الشورى العام. إذن ما هو الخطأ من وجهة نظري؟

أعتقد أن أمراً بهذه الخطورة يتصدر له الاخوان لأول مرة بعد أن فشلت كل المحاولات في ترشيح آخرين ودعمهم! خاصة وأن النتيجة كانت 52 موافق مقابل 48 رافض، وهي نتيجة لم تحدث من قبل في أي تصويت داخل الإخوان، وكان الأولي أن يطول الحوار، وأن يشمل تحليل للقوي الحاكمة والمتحكمة والمسيطرة على المشهد السياسي في مصر، وتاريخ كل منها، وليس البحث فقط عن شخصيات المرشحين وفرص نجاحهم هذا من جانب، كما كان يجب ألا يمر القرار بعد ذلك إلا بنسبة الثلثين على الأقل.

 

ثانياً: التواصل مع المجلس العسكري

أعتقد أن فكرة التواصل بين الإخوان والمجلس العسكري عقب الثورة كان فيها خطأن جوهريان، أولهما أنه كرس الفرقة وسمح للمجلس العسكري أن ينفرد بالقوي والكيانات والأفراد ليمارس التحريض والتشكيك بينهم، مما فرق قوي الثورة وجعلهم في صدام مع بعضهم البعض، وثانيهما هو عدم عرض نتائج هذه الحوارات على جلسات الشورى، مما جعل الغموض يكتنفها، وقد اختص بها البعض دون أعلي هيئة في الجماعة، ودون تفويض، وأشاعت حالة من سوء الظن بل إلى الآن لا أعرف شخصيا ماذا دار في هذه الاجتماعات!

 

ثالثا: الانتشار الكثيف في زمن قليل:

بعد الثورة وتصدر الاخوان للمشهد الثوري عن استحقاق، انتشرت حالة من السيولة والانتشار الكثيف للإخوان في كل ربوع مصر بمقرات تحمل يافطة الاخوان المسلمين، ربما قبل قيد جمعية بذات الاسم في الشئون الاجتماعية ثم حلها الانقلاب العسكري، ثم ظهرت مقرات حزب الحرية والعدالة وهذا أعطي لكثير من الاخوان الاحساس بالاستقرار في ظل عدم القدرة على حماية هذه المقرات، لأن الاخوان لم يعتمدوا سياسة العنف والعنف المضاد مما نتج عنه استشهاد كثير من الشباب الذي لم يملك أدوات ولا امكانات الدفاع عن النفس.

 

رابعاً: سياسة الحشد الجماهيري

لقد كان اعتماد سياسة الحشد في الرد على المناوئين، ومجاراة للقوي التي استهدفت اشاعة الفوضى في البلاد بالحشد الاسبوعي قبال انتخابات الرئاسة والحشد الشهري كل شهر بعد الرئاسة، وهي سياسة مثلت خطورة لعدم وضعها في إطار رؤية متكاملة تتعاون فيها الأدوات للوصول إلى هدف محدد، لكنها علي الرغم من النجاحات التي حققها الحشد، إلا أنه في ظل عدم القدرة علي حمايتها استشهد عدد كبير من خيرة شباب الجماعة علي أيدي عصابات مسلحة من بلطجية المخابرات والشرطة والدولة العميقة! فقد اتسمت هذه الحشود بالسلمية في مواجهة عصابات مسلحة.

 

خامساً: الشعور بالنصر والتمكين

هناك احساس غريب وكان مبالغا فيه لدي أغلب قواعد الاخوان بعد الثورة بأن هذا بداية التمكين بل شعر البعض أنه صار بديلاً للحزب الوطني، خاصة بعد انتخابات الرئاسة من حيث السلطة والنفوذ، وهي مقارنة خاطئة لحزب حكم البلاد بالحديد والنار والفساد والظلم، وقد أنشأ دولة عميقة وطبقات استفادت من وجود الطاغية، بينما حزب الحرية والعدالة، الذي جاء بإرادة الشعب، لم يملك بعد أدوات الحكم الرئيسة في البلاد، وقد نتج عن ذلك عدة اشكاليات منها الاحساس بأن الاخوان تحملوا مسئولية مصر منفردين وهي مهمة ثقيلة لا يمكن أن يتحملها فصيل أو حزب أو جماعة وحدهم أبداً، أيضا في ظل هذا الإحساس، أفسد بعض الشباب المخدوعين بفكرة التمكين العلاقات مع الآخرين، خاصة المسئولين في أجهزة الدولة، التي يستعان بها للتخفيف عن كاهل المواطنين مما جعلهم لا يتفاعلون مع هذه الطلبات بقوة، والأهم هو أن هذا الاحساس تسبب في احداث صدمة هائلة في نفوسهم بعد الانقلاب العسكري، حيث اضطرب تفكيرهم وتشككوا في كل شيء، وقد انقلبت الآية من حكم الي مأساة كانوا فيها شهداء ومعتقلين ومطاردين ومهاجرين، وذلك لأنهم لم يتهيأوا لذلك نفسياً، لنقص في وعيهم ومعلوماتهم حول العسكر وتاريخهم الحقيقي في مصر.

 

سادساً: احتكار المعلومات

من أعجب المشاكل التي كنت أواجهها، بصفتي القيادية في مجلس الشورى والهيئة العليا للحزب والهيئة البرلمانية، هي ندرة المعلومات وهي سمة التنظيمات التي عملت بعيدا عن العلنية، وسمت قيادتها حيث المعلومة التي تنتشر تمثل خطورة، وهو أمر خاطئ في أعمال علنية يمارسها مستوي مؤهل من حقه المعرفة والنقاش واتخاذ القرار، لذا كان من العجيب احتكار المعلومات حتي علي أعلي المستويات، التي هي صاحبة القرار، مما جعل هناك لغط وغموض حول حقيقة ما يجرى في الواقع، من أعمال ميدانية أو لقاءات سياسية أو استعدادات، وهذا بالتالي صعب مهمة الرد علي الأكاذيب، وتفنيد الاتهامات لغياب المعلومة الموثقة، مما جعلني الاعتماد علي مجهودي الشخصي لمعرفة معلومة أو خبر؛ لمواكبة ما يحدث ونجهل تفاصيله، وقد أثبتت ذلك وقتها في بعض الحوارات الفضائية.

 

سابعاً: التعامل مع القوي المدنية

رغم أن العلاقة مع القوي المدنية العلمانية لم تكن على ما يرام، لكن أشهد أن الاخوان قد بذلوا في ذلك مجهودا كبيرا منذ انشاء التحالف الديمقراطي لانتخابات البرلمان الذي ضم في البداية 41 حزباً وكياناً وجماعة، ثم انخفض إلى 13 بسبب الخلاف على أعداد المقاعد، مروراً بلقاء فيرمونت، حتى تشكيل اللجنة التأسيسية الثانية للدستور، بل ثبت بالصوت والصورة باعترافاتهم أنهم تآمروا على الإسلاميين، وقت أن طالبوا العسكر بالاستمرار، وصنعوا لهم مواد فوق دستورية ثم تآمروا علي الرئيس المنتخب، وركبوا الدبابة وولجوا في دماء المصريين لأسباب متعددة منها، كراهية البعض منهم للإسلام، ومن يمثله، والبعض خوفاً من تغييبهم عن المشهد، في ظل وجود الإسلاميين، واعتمادهم علي دعم الخارج لهم بعدما افتقدوا دعم الداخل في الانتخابات، فتآمروا علي دعوة الرئيس لانتخابات البرلمان في مايو 2013، وساعدهم في ذلك القضاء الاداري!!

والخطأ الذي أعنيه هنا هو قلة المعلومات التي اختزنها المتعاملين مع هذه القوي من الاخوان، فكان ذلك حائلا للرد على افتراءاتهم وأكاذيبهم، وكذلك لم نتمكن من الدفاع عن دور الاخوان في التعاون معهم، والعروض التي عرضت عليهم للمشاركة، ورفضوها. وقد أدى ذلك لاتهام الاخوان بالاستعلاء أحياناً والإقصاء أحياناً أخرى!

 

ثامناً: إصلاحي لا ثوري

لم يوضع الحسام في موضعه ولا الندى في مكانه، واختلطت الأمور وغلب الحال الاصلاحي على الاخوان حسبما تربوا عليه، في وقت كان هناك بعد الثورة من يخطط للانقلاب عليها، وقد وصلت تحذيرات كثيرة لكل القيادات في مجلسي الشعب والشورى والحزب ومكتب الارشاد ومؤسسة الرئاسة، لكن الحرص على العمل السلمي وحفظ مؤسسات الدولة؛ أعطى للثورة المضادة الفرصة تلو الفرصة، لتشويه الثورة والثوار وتعطيل الرئيس وإرباك المشهد، وفى ذلك كلام وتفاصيل طويلة.

 

تاسعاً: الاجندة التشريعية الثورية الغائبة

لقد غابت هذه الأجندة ذات الأولوية الثورية بشكل واضح عن الشعب والشورى، وقد كانت هناك فرصة لسن قوانين تقلم أظافر أطراف الثورة المضادة، ويكفي أن نعلم أن قانوناً واحداً أنقذ الانتخابات الرئاسية من التزوير، وهو الفرز وإعلان النتيجة في اللجان الفرعية، فلم تكن الأولويات واضحة، ولم يدافع البرلمان حتى عن نفسه عن طريق متحدث رسمي، وقد بح صوتي لإيجاده وسط مهاترات ما انزل الله بها من سلطان عن زواج الطفلة والموتى، وما زالت تردد حتى الان في الخارج للأسف الشديد!

 

عاشراً: التحالف مع حزب النور

هم معلومون لكل الاسلاميين سلفيو برهامي بالإسكندرية المدعومين من الخليج! العملاء للأمن ضد الاخوان وقد أثبتت الأحداث والوقائع ومستندات أمن الدولة ذلك. الذين لم يحدثوا أي مراجعات في فتاويهم التي حرمت العمل السياسي، ودخول الانتخابات ودخول البرلمان، وقد مارسوا كل ذلك فيما بعد دون مراجعة وانتهازية غريبة تشهد بها مضابط الجلسات في الشعب والشورى.

 

خلاصة:

هذه شهادتي متكاملة لأول مرة بعد 6 سنوات من الثورة، وأكثر من ثلاث سنوات من الانقلاب العسكري الدموي الفاشي، لعلها تفتح أبواب أخري لسلامة الصدر وتنقية النفوس ومعرفة الأخطاء لتداركها والإعداد الجيد لخطوات النصر الواثق من نفسه المعتمد علي الله، والأخذ بمقتضى الأسباب، في توازن فريد هو من سمات هذا المنهج الاسلامي الذي تحاربه الدنيا عن بكرة أبيها ولا تريد أن تترك له فرصة النجاح التي يحمل كل أسبابها من قيم وأخلاق وتضحية وعلم وجهد، لا يبغي سوى إسعاد البشر في الدنيا والآخرة، لكن من يدرك ومن يلبي! (1).

——————————————-

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى