لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
المصدر:
Sudarsan Raghavan, Since Trump’s Mideast visit, extrajudicial killings, have spiked in Egypt, Washington Post, 30-8-2017
بعد شهرين من اختفاء صبري محمد سعيد، ظهرت جثته في المشرحة. وقالت أسرته إنه أُطلق عليه الرصاص ثلاث مرات وتعرض للضرب المبرح. كان المحاسب الذي يبلغ من العمر 46 عاما ويعول خمسة من الأولاد، عضواً في حركة الإخوان المسلمين الإسلامية. وادعت السلطات المصرية أنه إرهابي قُتل في اشتباك مسلح مع الشرطة في يونيو / حزيران.
لكن ابنة سعيد -سارة صبرى -قالت انه لم يكن نشطا سياسيا على مدى ثلاث سنوات ولم يتم القبض عليه مطلقاً من قبل. وعندما ذهب أقاربه للحصول على محضر الشرطة، لم يكن لدى القسم أي سجل للحادث.
أما الآن، فسارة صبري مقتنعة بأن والدها توفي وهو محتجز لدى قوات أمن الدولة سيئة السمعة.
وقالت سارة صبرى التي كانت ترتدي غطاء رأس أخضر ليموني ويظهر على وجهها علامات الأسى: “لقد قتلوه لانه عارض الحكومة”. وأضافت: “ان اي معارض للنظام هذه الأيام مهدد بحدوث مثل ذلك معه.”
وقال نشطاء وضحايا وأسرهم إن وفاة سعيد هي جزء من ارتفاع في حالات القتل خارج نطاق القضاء وغيرها من أشكال انتهاكات الدولة التي اُرتكبت في الأشهر الأخيرة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي. وهم يُرجعون تاريخ هذا الارتفاع الكبير إلى زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط في مايو/ أيار، حيث حث القادة العرب على اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد المتطرفين الإسلاميين وأوضح لهم أنه لن تكون لحقوق الإنسان أولوية كبيرة عند إدارته في تعاملها مع حلفائها بالمنطقة.
وقد اعتقلت قوات أمن الدولة العشرات من أعضاء أحزاب المعارضة. وتم حظر أكثر من 100 موقع إلكتروني تنتقد حكومة السيسي. وتم كذلك سجن محامين وناشطين في مجال حقوق الإنسان بسبب تنظيمهم لاحتجاجات، وجُمدت أرصدتهم. وقال محامون وقضاة ان جهاز القضاء أصبح مكدساً بموظفين جدد مؤيدين للسيسي.
وفي شهر يوليو/ تموز وحده، سُجلت 61 حالة قتل خارج القانون، أي أكثر من ضعف العدد الإجمالي الذي تم رصده خلال الأشهر الستة الماضية، وذلك وفقا للجنة المصرية للحقوق والحرية
وقالت أسماء نعيم، 27 عاما، وهي محامية حقوق الإنسان في مدينة الإسكندرية: “أصبحت حملات الاعتقال أكثر شراسة، وأعداد الأشخاص والجماعات المستهدفة أصبحت كذلك مخيفة”. واضافت: “ويطال هذا الأمر اشخاص لا علاقة لهم بالسياسة، وليس الناشطين سياسيا فقط.”
ولم ترد الحكومة المصرية على طلبات متكررة قُدمت إليهم للتعليق على ذلك.
وقد دأبت الإدارات الأمريكية السابقة على التنديد بحكام مصر بسبب هذه الانتهاكات ومارست ضغوطا عليها من أجل تحقيق إصلاحات ديمقراطية، وغالبا ما كانت تستخدم المساعدات العسكرية الأمريكية التي تحصل عليها مصر سنويا بقيمة 1.3 مليار دولار – حيث تأتي في المرتبة الثانية بعد إسرائيل – تستخدمها كورقة ضغط على النظام في مصر. وقام الرئيس باراك أوباما بتجميد جزء من هذه المساعدات لمدة عامين بعد أن أطاح الجيش المصري، بقيادة السيسي آنذاك، بمحمد مرسي وحكومة الإخوان المسلمين المنتخبة.
لكن ترامب احتضن السيسي، ودعاه إلى البيت الأبيض، وهو أمر لم يفعله أوباما أبدا. واعتُبرت رحلة ترامب الى السعودية انها إلى حد كبير ترسيخ لعلاقة جديدة تركز على مكافحة الارهاب.
وقال جمال عيد المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان “ان الزيارة شجعت الحكام العرب وأوصلت لهم رسالة مفادها ان اي انتهاكات يرتكبونها ضد شعوبهم ستكون مقبولة لدى ادارة ترامب.” وأضاف قائلا: “وقد أُعطى للسيسي الضوء الأخضر لزيادة القمع. لقد تم تمكينه.”
وفي مطلع الأسبوع الماضي، أخطرت الولايات المتحدة مصر بأنها ستقوم بتخفيض أو تأخير أكثر من 290 مليون دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية، وذلك بشكل جزئي ردا على قانون أصدرته مصر يقوض عمل المنظمات غير الحكومية. وقال مسؤول في الخارجية الاميركية طلب عدم الكشف عن هويته: “ما زلنا قلقين من عدم تحقيق تقدم في المجالات الرئيسية، بما في ذلك حقوق الانسان والقانون الجديد للمنظمات غير الحكومية.”
وقد مثَل هذا الإجراء مفاجأة لدى العديد من المراقبين، وأغضب كذلك حكومة السيسي. ولكن جاريد كوشنر، صهر ترامب، التقى الخميس الماضي مع السيسي في القاهرة. وقال مكتب السيسي ان ترامب اتصل هاتفيا بالسيسي للتاكيد على “قوة الصداقة بين البلدين” وان محادثاتهما “أظهرت حرص ترامب على تجاوز اي عقبات تواجه هذه الصداقة”. وقد أكد مسؤول أمريكي هذا الاتصال.
وقال مسؤول الخارجية ان الادارة الاميركية “ستواصل دعم مصر لإلحاق الهزيمة بالمتطرفين والارهاب”، مضيفا انه يجب أن تحصل مصر في نهاية المطاف على مبلغ الـ 195 مليون دولار من المساعدات التي أوقفت، وذلك لمكافحة التهديدات الامنية الداخلية والارهاب.
وقد اعتاد السيسي أن يهاجم في خُطبه المختلفة الجماعات الإسلامية المتطرفة ويعلن الحرب عليها، بما في ذلك “ولاية سيناء” التابعة للدولة الإسلامية ومقرها شمال سيناء، وكذلك نظيراتها في ليبيا، الجارة التي قسَمتها الحرب.
وتقوم قوات الأمن المصرية، تحت ستار مكافحة الإرهاب، بقمع الإسلاميين المعتدلين وكذلك المعارضين العلمانيين، فضلا عن وسائل الإعلام المستقلة. ومنذ توليه منصبه في عام 2014، سَجن السيسي الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المحظورة الآن.
وفى انتخابات الرئاسة المقرر اجراؤها فى العام القادم يواجه السيسي انتقادات متزايدة بسبب ارتفاع الاسعار وانخفاض الدعم الحكومى. ويقول منتقدوه انه يضغط على المعارضة لمنع تكرار الثورة التي اطاحت بالرئيس حسني مبارك خلال انتفاضة الربيع العربي قبل ست سنوات.
“لقد قتلوه”
كان سعيد يزور الاسكندرية عندما اختفى. وعندما سافر صديق له إلى هناك في محاولة للعثورعليه، اختفى كذلك. وقالت سارة صبرى إن عناصر من امن الدولة هاجموا شقة عائلتها بالقاهرة (لاعتقال والدها). بعدها رفعت الأسرة دعوى على الحكومة، وتواصلت كذلك مع محامي لحقوق الإنسان.
وفي الشهر التالي، قامت هي وأسرتها بالبحث عن أبيها في مراكز الشرطة والسجون. ثم في أواخر يونيو / حزيران، قالت وزارة الداخلية في بيان على صفحتها على الفيسبوك أن سعيد قد قُتل في اشتباك مع الشرطة.
“سقط الهاتف من يدي وصرخت: “لقد قتلوه.. لقد قتلوه”وقالت سارة صبري إنه عند علمها بذلك
وبعد يومين، أصدرت الوزارة بيانا آخر قالت فيه إن صديق سعيد -الذي اختفى كذلك وهو يبحث عنه -قد قُتل أيضا في اشتباك مسلح مع الشرطة.
وبعد أربعة أيام من زيارة ترامب إلى المملكة العربية السعودية، أُغلق الموقع الإلكتروني لصحيفة “مدى مصر” المستقلة. اعتقدت لينا عطالله، رئيس تحرير الصحيفة، في البداية أنه كانت هناك مشكلة مع مزود الإنترنت. وقالت عطالله: “لم تكن مصر يوماً من الدول التي تغلق المواقع الالكترونية”. واضافت: “لم تكن أبداً مثل الصين او سوريا.”
كانت تلك بداية حملة حكومية لفرض رقابة على الإنترنت. وبحلول أوائل أغسطس، تم حظر 133 موقعا، بما في ذلك وسائل الإعلام المملوكة للقطاع الخاص، والمنظمات غير الحكومية، ومنظمات حقوق الإنسان، كما يقول الناشطون.
كما قامت مصر بإغلاق العديد من المواقع الإلكترونية التي أُسست في قطر، بما في ذلك شبكة الجزيرة الإخبارية، كجزء من تحالف تقوده السعودية قام بقطع العلاقات مع هذه الدولة الصغيرة، حيث تتهمها دول التحالف بدعم الارهاب، وهو ما نفته قطر.
وتنشر “مدى مصر” الآن مقالات عبر فيسبوك وتويتر. ولكن حتى هذا أيضا يضعها تحت التهديد: حيث يسعى قانون مقترح، أيضا باسم مكافحة الإرهاب، إلى تقييد وصول رواد الإنترنت إلى وسائل التواصل الاجتماعي.
وقالت عطالله: “قبل الثورة، كان هناك هامش ضئيل يمكننا العمل فيه كصحفيين مستقلين أو مدافعين عن حقوق الإنسان أو ناشطين في مجال حقوق المرأة. أما الآن، فقد تم التضييق على هذا الهامش بشكل أكبر عما كان من قبل.”
وقد أقر البرلمان المصري قانون المنظمات غير الحكومية العام الماضي، ولكنه تم إرجاؤه بعد الإدانات الدولية التي وُجهت له. وبعد ثمانية أيام من زيارة ترامب للمنطقة، صدقت الحكومة على قانون مماثل يجعل من الصعب على المجموعات جمع الأموال ويمنعها من الانخراط في أنشطة سياسية “تضر بالأمن القومي”. وقد يواجه المخالفون أحكاما بالسجن تصل إلى خمسة سنوات.
وقال نور خليل، الناشط المصري في مجال حقوق الإنسان: “هذا يعني وفاة المجتمع المدني.”
وتحت حكم السيسي، اختفى الآلاف من الناس في جهاز أمن الدولة، ولكن حتى وقت قريب، كان يتم العثور على معظمهم في نهاية المطاف في مراكز الشرطة، وغالبا بعد تعرضهم للتعذيب وتوجيه الاتهامات إليهم. وقال خليل، البالغ من العمر 24 عاما، والذي تم اعتقاله وسجنه من قبل، ويقوم بمتابعة قضية “الاختفاء القسري”، “لقد أصبح منتهى أملنا الآن هو العثور على هذا الشخص المختفي حيا.”
“إيصال رسالة”
بعد يوم واحد من مغادرة ترامب للسعودية، اعتقلت السلطات المصرية خالد علي، وهو محام في مجال حقوق الانسان وسياسي معارض، بزعم “انتهاكه للاخلاق العامة”..
وجاءت هذه الاتهامات على خلفية صورة التقطت له في شهر يناير/ كانون الثاني يظهر فيها خالد علي وهو يحتفل خارج المحكمة بعد الغائها لقرار حكومي بتسليم جزيرتين في البحر الاحمر الى السعودية.
ويزعم مدعو الحكومة أن خالد علي كان يشير بإصبعه الوسطى.
لكن النشطاء المؤيدين للديمقراطية رأوا دافعا مختلفا لهذه التهم، التي جاءت بعد أربعة أشهر من الحادث. فخالد على هو مؤسس حزب الخبز والحرية وقد أعلن مؤخرا عزمه على الترشح للرئاسة، وفي حال إدانته، فإنه سيواجه السجن لمدة سنة وإلزامه بدفع غرامة. ونتيجة لذلك، سيتم حرمانه قانونا من الترشح للرئاسة.
انهم يوصلون رسالة تخويف للمجتمع.””وعلق خالد علي ذلك قائلا:
وقد تم اعتقال عشرات من أعضاء في أحزاب سياسية فى شهري مايو ويونيو فى عمليات مداهمة ليلية شملت 30 عضوا من حزب الخبز والحرية، خمسة منهم ما زالوا فى السجن، على حد قول خالد علي.
واضاف علي: “ان السيسي يستخدم الارهاب ذريعة للقيام بكل ما يريد. والان هو يحاول السيطرة على المشهد السياسي باسم مكافحة الارهاب.”
ويُحتجز هؤلاء الأعضاء بناء على ما وصفته منظمة العفو الدولية بأنه “سلسلة من التهم ليس لها علاقة واضحة بمكافحة الإرهاب”. ويمكن إيداعهم السجن لمدة تتراوح بين 5 و25 عاما في حال إضافتهم.
وقالت أسماء نعيم، المحامي في الإسكندرية، وهو أيضا عضو في حزب “الخبز والحرية”: “كانت هناك مضايقات ضدنا” من قبل. واضاف: “أما الان فالأمر أكثرعنفا وأكثر وضوحا.””تمارس
وفي منتصف يونيو/ حزيران، تم اعتقال أسماء نعيم وخمسة محامين اخرين لاحتجاجهم على قرار البرلمان بتسليم جزيرتين في البحر الأحمر الى السعودية رغم قرار المحكمة بإيقاف ذلك. ووجهت إليهم تهمة التظاهر بدون إذن، وتم تغريمهم 2700 دولار لكل منهم، بالإضافة إلى سَجن أحد المحامين.
وقال ناشطون انه قد تم إصدار قانون فى شهر مارس يسمح للسيسي بتعيين القضاة، وبموجبه قام السيسي مؤخراباستبدال قاضيين رفيعي المستوى بمناصرين للحكومة. وكان أحد القضاة الذين أطيح بهم وهو يحيى الدكروري، قد أصدرأول حكم يإلغاء تسليم الجزيرتين للسعودية في العام الماضي.
وقال عيد، المحامي في مجال حقوق الإنسان: “لم يعد لدي ثقة في النظام القضائي.”
كما انه لا يعتقد ان العقوبات الامريكية ستمثل ضغطا على السيسي لاحترام الحريات الاساسية او تحسين حقوق الانسان.
وقد ازداد التضييق على عيد مؤخراً: فتم منعه من السفر إلى خارج البلاد وكذلك تم تجميد أرصدته. وأُغلق موقع منظمته على الإنترنت خلال هذا الشهر [1].
[1] الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.