نانسي روبرتس: مسيرة غزة من شيكاغو إلى مصر.. هذه تجربتي

هذا مقال رأي نشره موقع “ كومون دريمز“، وهو موقع إخباري تقدمي غير ربحي، مقره الولايات المتحدة، في 20 يوليو 2025، بعنوان: “توجهت من شيكاغو إلى مصر للمشاركة في مسيرة غزة.. هذه كانت تجربتي “ ، لـ “ نانسي روبرتس”، وهي مترجمة ومحررة مستقلة، أمضت 25 عاماً من العمل في منطقة الشرق الأوسط، خاصة لبنان، الكويت، والأردن.
تصل نانسي روبرتس في نهاية مقال الرأي الذي نشرته على موقع “كومون دريمز” إلى نتيجة مفادها أن “مصر ملتزمة تماماً بتنفيذ التوجيهات الإسرائيلية، ومتواطئة معها تماماً في الجرائم التي ترتكبها في حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وأنه لم تكن لدى القاهرة أدنى نية للسماح بوصول مسيرة التضامن التي قام ناشطون حقوقيون من جميع أنحاء العالم بتنظيمها، إلى غزة لكسر الحصار عن السكان في القطاع الفلسطيني المدمَّر والمجوَّع.
وقد جاء المقال على النحو التالي:
شاركتُ في المسيرة العالمية من أجل غزة لأن دول العالم التي تستطيع وقف الفظائع المستمرة التي ترتكبها إسرائيل ضد شعب غزة لم تفعل شيئاً يُذكر لتغيير هذا الوضع. فالوضع هناك مُريعٌ للغاية. إنما أردتُ أن يعلم الشعب الفلسطيني في غزة أنه حتى لو رفضت حكومات العالم رؤية معاناتهم أو فعل أي شيء لوضع حدٍّ لها، فهناك مواطنون عاديون على استعداد للسفر عبر العالم للوقوف معهم والمطالبة بإطلاق سراحهم من ذلك السجن المميت الذي أصبح عليه الوضع في غزة بفضل حقيقة الإفلات التام من العقاب التي تتمتع بها إسرائيل والولايات المتحدة على الساحة العالمية.
كنا نحن الذين شاركنا في هذه المسيرة العالمية إلى غزة نعلم أن السلطات المصرية قد لا تسمح لنا بتنظيم مسيرتنا المُخطط لها من العريش إلى معبر رفح. ومع ذلك، فقد بذل منظمو المسيرة جهوداً صادقة للتفاوض مع الحكومة المصرية والحصول على موافقتها، فذهبنا، واثقين بأن جهودنا ستُحدِث فرقاً، ولو رمزياً، وستُساعد في رفع مستوى الوعي العالمي بالطبيعة المروِّعة وغير المُبرَّرة لمعاناة الفلسطينيين.
لم يسبق لي أن فعلتُ شيئاً كهذا من قبل، وشعرتُ أحياناً بالخوف والإرهاق وأنا أكافح لاتخاذ قرار الذهاب إلى هناك؛ حيث كان عليّ أن أتجاوز المخاوف والشكوك في مناسبات عديدة، لكن الشعور بالحاجة وطبيعة الموقف الصعبة دفعاني للمضي قدماً في هذا القرار. كنتُ محظوظةً لأنني وجدتُ إحدى الشخصيات أشاركها غرفة الفندق قبل وصولي، وكنا أنا وهي ندعم بعضنا البعض قبل وبعد وصولنا إلى مصر.
في اليوم الأول لتواجدنا هناك، تحديداً في 13 يونيو 2025، كان من المقرر في البداية أن نلتقي في مكان متفق عليه في القاهرة، ونستقل حافلات إلى العريش، ثم نطلب الإذن مرة أخرى بالسير من هناك إلى رفح. إلا أن الخطة تغيرت لأسباب لم نكن على دراية كاملة بها (أظن أن السلطات المصرية كانت تُصعّب الأمور على المنظمين، وربما كان من الصعب العثور على سائقين للحافلات نظراً للمراقبة الأمنية المشددة التي يخضع لها المصريون). وعلى أية حال، فقد أُمرنا بالتوجه في مجموعات صغيرة إلى مدينة الإسماعيلية، على بعد ساعة ونصف من القاهرة، حيث كنا نأمل أن نلتقي هناك ونخطط للخطوات التالية.
انطلقنا نحن الثلاثة بسيارة أجرة إلى الإسماعيلية، ولكن عندما وصلنا إلى أول نقطة تفتيش على الطريق، تم منعنا من المرور. كما تم إبلاغنا بضرورة تسليم جوازات سفرنا لسبب ما. وكان العديد من الأجانب يقفون حول مبنى قريب، واتضح أنهم قد سلموا جوازات سفرهم وينتظرونها منذ ساعات، لكن دون جدوى. وقام بعضهم بتحذيرنا من تسليم جوازات سفرنا خوفاً من عدم استعادتها. وتم سحب رخصة سائق التاكسي، وأعتقد أنه تم استجوابه، مع أنه لم يكن يعلم شيئاً بالطبع!
في النهاية، استعاد سائق التاكسي رخصته، وتم حثّنا على العودة إلى القاهرة. ومع ذلك، شعرنا أن من واجبنا الأخلاقي البقاء مع جميع المشاركين في المسيرة العالقين بدون جوازات سفرهم، فبقينا معهم. مرّت الساعات، وبدأت مظاهر الشعور بالروح الجماعية يتشكل بين الناس هناك. وفي مرحلة ما، وصلت بعض المركبات العسكرية وتوقفت، وخرج منها جنود مسلحون يبدو عليهم الشباب ووقفوا هناك يراقبوننا.
وبعد ساعات أخرى، قال بعض المشاركين في المسيرة: “حسناً، الجميع يعرف سبب وجودنا هنا، لذا من الأفضل أن نتظاهر علانيةً من أجل فلسطين!”. وبعد ذلك، تعالت الهتافات التي تنادي بحرية فلسطين (Free Palestine)، وأُلقيت الخطب بالفرنسية والإنجليزية وبعض اللغات الأخرى. وفي هذه الأثناء، أرسلت السلطات المصرية عدة حافلات عسكرية وحثّت الناس على ركوبها لإعادتهم إلى القاهرة. لكن الناس لم يفعلوا ذلك.
وفي النهاية، تحديداً في الساعة السابعة مساءً تماماً بالتوقيت المحلي، بدأ رجال شرطة بملابس مدنية – تبين بعد ذلك أنهم بلطجية في الأساس – بالهجوم على بعض الأفراد، الذين رأوهم في مواقع قيادية للجُموع، واعتدوا جسدياً على عدد منهم، وقاموا بسحلهم على الرصيف. قمنا بتشبيك أذرع بعضنا البعض وجلسنا على الأرض، لكن البلطجية استمروا في الهجوم على الناس، وأسقطوا امرأة بعنف على الأرض وسرقوا هاتفها. وكانوا يطالبوننا بالصعود إلى الحافلات، وهو ما فعلناه في نهاية المطاف.
كانت حافلات خاصة بنقل السجناء، بنوافذ صغيرة في الأعلى لا تسمح بالرؤية الخارجية. تمكنتُ، مع أربع سيدات أخريات من الوفد الأمريكي، من البقاء معاً أثناء صعودنا إحدى الحافلات. انتظرنا قرابة ساعتين في الحافلة، نعاني من الحر الشديد، بينما استعاد الأشخاص الذين كانت جوازات سفرهم قد سُحبت منهم – جوازاتهم بشكل تدريجي. وبمجرد أن نُقلنا، توقعنا أن نُحتجز ويتم ترحيلنا. لكن بعد أن قضينا قرابة ساعة في الحافلة عائدين إلى القاهرة، تم إبلاغنا بأنه سيتم إنزالنا منها، خمس أفراد تلو خمس أفراد أخرى، في أماكن مختلفة حول القاهرة.
علمنا حينها أن مصر بالفعل هي دولة بوليسية بامتياز، وأن أي تجمع، حتى لأربعة أشخاص فقط، للاحتجاج على الحكومة، كان يُعدّ أمراً غير قانوني. لقد كان درساً صادماً، جعلني أشعر بعدم الرغبة في الانخراط في أي أعمال خارجية قد تُعرّضني أو مجموعتي أو السكان المحليين للخطر.
في الأيام التي تلت ذلك، اتضح أننا بالفعل يتم مراقبتنا ومتابعتنا، وأنه تم احتجاز وترحيل عشرات الناشطين من مختلف البلدان. وكان ذروة الترهيب العدائي الذي مارسته السلطات المصرية اعتقال القائم بمبادرة المسيرة العالمية ومنظمها الرئيسي، وإخفائه مؤقتاً، وإساءة معاملته. تم تحذيرنا من أجل مغادرة البلاد، وبناءً على ذلك قام الكثير منا بتغيير خطط سفره للمغادرة قبل الموعد المُخطط له من قبل.
والاستنتاج الذي خرجنا به من هذه التجربة هو أن: مصر مُلتزمة تماماً بتنفيذ التوجيهات الإسرائيلية، وأنها متواطئة تماماً مع “إسرائيل” في الجرائم التي ترتكبها ضد أهل غزة، كما لم تكن لديها أدنى نية للسماح بمسيرة التضامن التي كنا نأمل في تنظيمها.
ومع بدء مغادرة الناس البلاد، برزت للسطح في اللحظة الأخيرة مبادرة جديدة، وهي السفر إلى تونس، التي يكاد يكون الجميع هناك، حكومةً وشعباً، مؤيدين لفلسطين، للقاء المشاركين في قافلة “صمود” البرية التي شقت طريقها إلى الحدود الغربية لمصر، ولكن، كما هو متوقع، لم يُسمح لها أيضاً بالدخول إلى مصر. وربما احتُجز بعض أفراد مجموعتهم أيضاً على الحدود (مع أنني لست متأكدةً من ذلك). ولكن عندما ظهرت هذه المبادرة، كنت قد غيّرت خطط سفري مرة من قبل، ولأن التفاصيل لم تكن واضحة لي تماماً، فقررت ببساطة العودة إلى الوطن.
والآن، وقد عدتُ إلى الوطن، آمل أن أشارك بشكل أكبر في مبادرة بدأت تتجاوز مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عديم الفائدة من خلال: تمرير قرار للجمعية العامة يطالب باتخاذ إجراءات ملموسة مثل إرسال قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة بناءً على طلب دولة فلسطين، وكسر الحصار المميت على غزة (بكل وضوح)، ودعوة دول العالم إلى مقاطعة إسرائيل على جميع المستويات، وإعادة فتح لجنة الفصل العنصري، وتجريد إسرائيل من أوراق اعتمادها في الأمم المتحدة، وفرض حظر شامل عليها – ودفع الدول بشكل فردي إلى اتخاذ هذا الإجراء الأخير تحديداً. هذا أقل ما يمكننا فعله جميعاً تجاه ما يحدث في غزة.