نحن والعالم عدد 16 أكتوبر 2025

يقوم هذا التقرير، الصادر عن المعهد المصري للدراسات، على رصد عدد من أبرز التطورات التي شهدتها الساحة الإقليمية والدولية، والتي يمكن أن يكون لها تأثيرات مهمة على المشهد المصري والعربي والإقليمي، في الفترة من 10 أكتوبر 2025 إلى 16 أكتوبر 2025
يشهد العالم لحظة إعادة تشكّل غير مسبوقة، بدأت من قمة شرم الشيخ التي أنهت حرب غزة، مؤقتاً على الأقل، وأطلقت مسار سلام، مدعوماً عربياً ودولياً يقوده ترامب، في خطوة أولى نحو إعادة تشكيل المنطقة دون حل أسباب الصراع.
وتشهد الولايات المتحدة اعتماداً متزايدا على التكنولوجيا المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في النمو الاقتصادي، في الوقت التي تتزايد فيه الإجراءات المقيدة لحرية الصحافة، وكذلك المخاوف من اندلاع العنف في ظل تزايد الانقسام السياسي والمجتمعي الحاد.
في المقابل، تتصاعد التحالفات الشرقية بين روسيا وإيران رغم التوتر والاتهامات المتبادلة، فيما تحاول طهران النجاة من الحصار عبر بكين وموسكو.
أما في سوريا الجديدة، فيرسم الرئيس أحمد الشرع ملامح انفتاح تدريجي وتفاهمات مع “قسد” ولبنان، بالتوازي مع انبعاث اقتصادي حذر بعد سقوط النظام السابق.
في تركيا، يعلن أردوغان بداية “عصر بلا إرهاب” وسط تدفق استثمارات أجنبية قياسية، فيما تحاول واشنطن موازنة صعود بكين التي تشعل حرب معادن نادرة قبل لقاء شي وترامب.
وبينما تشتعل جبهات آسيا وإفريقيا من باكستان وأفغانستان إلى مدغشقر، يبدو أن العالم يدخل عقداً جديداً من إعادة الاصطفاف بين الشرق والغرب، والسلام والحسابات الكبرى، والدين والتكنولوجيا في جدل تطرق حتى للمسيح الدجال في الولايات المتحدة.
أمريكا
أعلن الرئيس دونالد ترامب في قمة شرم الشيخ انتهاء حرب غزة وبدء مرحلة إعادة الإعمار بدعم عربي ودولي واسع، وسط إشادة من هيلاري كلينتون وكوندوليزا رايس بالاتفاق. فيما كشف خبير من هارفارد أن النمو الأمريكي في 2025 اعتمد كلياً على استثمارات الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات، فيما حذّر محللون من فقاعة اقتصادية قادمة.
وتتصاعد في الداخل التحذيرات من انقسام اجتماعي وثقافي يهدد وحدة الولايات المتحدة، مع تفاقم أزمات المدن وتراجع الثقة بالمؤسسات. كما اندلع خلاف بين الإعلام والبنتاغون بعد فرض قيود على حرية الصحافة وتهديد الصحفيين بسحب الاعتماد. وفي وادي السيليكون، أثارت تسريبات عن محاضرات بيتر ثيل جدلاً دينياً وفلسفياً بعد حديثه عن “المسيح الدجال التكنولوجي” ونهاية الحضارة الحديثة.
ترامب في قمة شرم الشيخ: نهاية النزاع في غزة وبداية مرحلة السلام وإعادة الإعمار
أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال كلمته في قمة شرم الشيخ للسلام بالجهود الدولية والعربية التي أسهمت في تحقيق وقف إطلاق النار في غزة، معلناً أن الشرق الأوسط “يقف اليوم على أعتاب عهد جديد من الاستقرار والازدهار”.
وأكد ترامب أن النزاع في غزة قد وصل إلى نهايته، وأن المرحلة المقبلة ستشهد انطلاق عملية شاملة لإعادة إعمار القطاع بدعم دولي واسع يشمل مساعدات غذائية وطبية عاجلة، إضافة إلى مشاريع لإعادة تأهيل البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية للسكان.
دور القادة العرب والدول الضامنة
أعرب ترامب عن شكره العميق للقادة العرب، وعلى رأسهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مشيراً إلى أن “دورهم كان محورياً في تقريب وجهات النظر وتثبيت اتفاق السلام”.
كما أثنى على الملك عبد الله الثاني بن الحسين لدوره في دعم الجهود السياسية والدبلوماسية التي ساهمت في إنهاء النزاع.
وقال ترامب: “إن التعاون بين الزعماء العرب والمسلمين يعكس روح الوحدة التي يحتاجها الشرق الأوسط في هذه المرحلة الحساسة، وإن العالم يشهد اليوم نموذجاً جديداً من الشراكة القائمة على الإرادة المشتركة للسلام.”
الجهود الإنسانية وإعادة الإعمار
وشدد الرئيس الأمريكي على ضرورة تكثيف الجهود الإنسانية في المناطق المتضررة من الحرب، مشيراً إلى أن “إعادة البناء لن تقتصر على الحجر فقط، بل تشمل الإنسان أيضاً”، مؤكداً أن الولايات المتحدة ستواصل دعمها المالي واللوجستي لإعادة إعمار غزة.
وأشار إلى أن عملية الإعمار ستبدأ بتوفير المساعدات الغذائية والطبية، وإزالة الركام، وتأهيل المدارس والمستشفيات، مع العمل على خلق ظروف آمنة للشعب الفلسطيني تضمن حياة كريمة ومستقبلاً أكثر استقراراً.
التعاون الدولي والسياسة الأمريكية الجديدة
وأوضح ترامب أن تحقيق السلام في الشرق الأوسط ما كان ليتم دون التعاون الوثيق مع شركاء دوليين مثل كندا وألمانيا والهند، مشيراً إلى أن “هذه الشراكات تمثل نموذجاً للتعاون العالمي في مواجهة الأزمات”.
كما تطرّق إلى اتفاقات إبراهام ودورها في تعزيز العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، معتبراً أنها “فتحت الباب أمام مرحلة جديدة من الحوار والتفاهم”.
وأضاف أن السياسة الأمريكية تشهد “تحولاً جوهرياً”، مؤكداً أن الولايات المتحدة أصبحت “من أكثر الدول التزاماً بالسلام العالمي”، وأن الاستراتيجية الجديدة ترتكز على العمل من أجل الآخرين لا لمصالحها فقط.
السلام في غزة.. إنجاز تاريخي
واعتبر ترامب أن تحقيق الهدوء في غزة “يمثل خطوة تاريخية نحو إنهاء عقود من العنف والمعاناة”، مشيراً إلى أن السلام في القطاع سيساهم في إنقاذ حياة الملايين من الفلسطينيين وفتح الباب أمام استقرار دائم في المنطقة.
كما تحدث عن ترشيحه لجائزة نوبل للسلام تقديراً لجهوده في إنهاء عدد من النزاعات الإقليمية، من بينها الأزمة بين الهند وباكستان، مؤكداً أن “السلام لا يُمنح، بل يُصنع بالجهد والإصرار”.
رؤية لمستقبل الشرق الأوسط
وختم ترامب كلمته بالتأكيد على أن الشرق الأوسط هو “مركز الحضارات الإنسانية” ويجب أن يكون “منطلقاً لنموذج عالمي في التفاهم والتعاون بين الشعوب”.
ودعا القادة العرب والمسلمين إلى تجاوز الكراهية والعمل من أجل الأجيال القادمة، قائلاً: “يجب أن نتعلم من صراعات الماضي، ونبني علاقات قائمة على المحبة والاحترام المتبادل، فالتناغم هو الطريق الوحيد نحو سلام دائم.”
البيت الأبيض ينشر إعلان “السلام في غزة” الموقع في قمة شرم الشيخ
نشر البيت الأبيض الاثنين 13 أكتوبر، نصّ إعلان السلام في غزة الذي تم توقيعه رسمياً خلال قمة شرم الشيخ بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعدد من القادة العرب، مؤكداً أن الاتفاق يمثل “نقطة تحول تاريخية” تنهي أكثر من عامين من الصراع والمعاناة في القطاع.
وجاء في الإعلان المشترك الذي وقّع عليه كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن الاتفاق “يفتح فصلاً جديداً في تاريخ المنطقة عنوانه الأمل والأمن والرؤية المشتركة للسلام والازدهار”.
نص الإعلان المشترك
أكد الموقعون على دعمهم الكامل للجهود التي قادها الرئيس ترامب لإنهاء الحرب في غزة وتحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط، مشددين على أن الهدف هو ضمان الأمن والاستقرار والفرص لجميع شعوب المنطقة، بما في ذلك الفلسطينيين والإسرائيليين.
وأشار الإعلان إلى أن السلام الدائم لا يتحقق إلا من خلال الحوار والتعاون، وأن “تعزيز الروابط بين الدول والشعوب هو الطريق نحو استقرار إقليمي وعالمي مستدام”.
كما شدد البيان على أهمية احترام الروابط الدينية والتاريخية العميقة للمنطقة، مؤكداً ضرورة حماية المواقع المقدسة والتراثية المرتبطة بالمسيحية والإسلام واليهودية.
التزام بمكافحة التطرف
وتعهد القادة في إعلانهم بـ”القضاء على جميع أشكال التطرف والتشدد”، معتبرين أن أي مجتمع “لا يمكن أن يزدهر في ظل العنف والعنصرية”.
كما أشاروا إلى التزامهم بمعالجة الأسباب الجذرية للتطرف عبر التعليم وتوسيع الفرص الاقتصادية وترسيخ قيم الاحترام المتبادل والتعايش السلمي.
السلام بدل الصراع
وأكد الإعلان أن حل النزاعات المستقبلية سيتم عبر الدبلوماسية والتفاوض، وليس عبر القوة أو الصراعات المسلحة، مشيراً إلى أن الشرق الأوسط “لا يمكنه تحمّل دورة جديدة من الحروب أو المفاوضات المتعثّرة”.
وشدد القادة على أن المآسي التي شهدتها المنطقة خلال العامين الماضيين “يجب أن تكون تذكرة بأن الأجيال القادمة تستحق مستقبلاً أفضل من إخفاقات الماضي”.
رؤية لمستقبل مشترك
وأعرب القادة الأربعة عن تطلعهم إلى بناء شرق أوسط جديد يسوده السلام والكرامة وتكافؤ الفرص، مؤكدين أن الهدف هو جعل المنطقة “مكاناً يمكن فيه للجميع تحقيق تطلعاتهم في ظل الأمن والازدهار الاقتصادي، بغض النظر عن العرق أو الدين أو الانتماء”.
واختُتم الإعلان بالتأكيد على أن التوقيع في شرم الشيخ يمثل تتويجاً لجهود السلام في غزة وبداية عهد جديد من التعاون الإقليمي، مع الالتزام المشترك بـ”بناء مؤسسات قوية تضمن سلاماً دائماً للأجيال القادمة”. (انظر)
هيلاري كلينتون وكوندوليزا رايس تشيدان باتفاق السلام بين إسرائيل وحماس وتدعوان إلى دعم المرحلة المقبلة
في خطوة نادرة تجمع بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، أشادت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون ونظيرتها الجمهورية كوندوليزا رايس بالنجاح الذي حققته إدارة الرئيس دونالد ترامب في إبرام اتفاق السلام بين إسرائيل وحماس، ووصفتاه بأنه “اختراق دبلوماسي غير مسبوق” بعد حرب استمرت عامين في غزة.
جاءت تصريحاتهما خلال مقابلة مشتركة مع شبكة CBS News يوم الجمعة، بعد يومين من توقيع الاتفاق التاريخي الذي تضمن إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين الذين اختطفتهم حماس في 7 أكتوبر 2023، مقابل انسحاب تدريجي للجيش الإسرائيلي من أجزاء من قطاع غزة، في إطار خطة سلام من 20 بنداً أطلقها الرئيس ترامب.
كلينتون أثنت على الجهود التي بذلها ترامب وفريقه، قائلة:
“أحيي الرئيس ترامب وقادة المنطقة على التزامهم بالخطة، ورؤيتهم لما بعد الحرب”،
وأضافت أن الهجوم الإسرائيلي على قادة حماس في الدوحة الشهر الماضي كان “خطأً استراتيجياً” أتاح للإدارة الأمريكية “فرصة لتوحيد القوى الإقليمية حول إنهاء الصراع”.
أما رايس، فعبّرت عن تفاؤل حذر، قائلة:
“لا أحد يمكنه أن يكون واثقاً تماماً من نهاية الحرب في الشرق الأوسط، لكن هناك مؤشرات إيجابية.”
ودعت إلى إصلاح السلطة الفلسطينية وتشكيل هيئة انتقالية تمهّد لقيادة فلسطينية جديدة أكثر تمثيلاً وشباباً.
وأكدت رايس أن على الفلسطينيين “الاعتراف بوجود إسرائيل” ووقف التعليم الذي ينفي وجودها على الخرائط، في حين شددت كلينتون على ضرورة وقف الاستيطان في الضفة الغربية وبدء إعادة إعمار غزة بدعم دولي واسع.
ويرى مراقبون أن هذا الاتفاق يمثل تحولاً كبيراً في الموقف الأميركي، إذ استخدم ترامب ضغوطاً مباشرة على حكومة نتنياهو لإجبارها على القبول بالانسحاب المرحلي، في سابقة لم تقدم عليها إدارات سابقة.
كلينتون اختتمت بقولها:
“الآن هو وقت الوحدة — يجب أن يتحول هذا الاتفاق إلى مشروع عالمي للسلام، تشارك فيه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لبناء مستقبل أكثر استقراراً للشرق الأوسط.”
تصاعد التحذيرات من انقسام داخلي خطير يهدد الولايات المتحدة
تشهد الولايات المتحدة تزايداً في التحذيرات من خطر الانقسام الداخلي العميق الذي قد يقود البلاد إلى حرب أهلية جديدة، في ظل تفاقم التباينات الثقافية والديموغرافية والسياسية بين فئات المجتمع والولايات.
يشير محللون ومفكرون سياسيون إلى أن التنوع الذي كان يُعتبر يوماً مصدر قوة أصبح اليوم أحد عوامل الضعف والانقسام، مع تصاعد الخطاب العدائي بين الجماعات المختلفة وتراجع الإحساس بالهوية الوطنية المشتركة. ويؤكد الخبراء أن إحياء الروح الوطنية وتوحيد المواطنين حول مبادئ الدستور والقانون هو السبيل الوحيد لتفادي الانزلاق نحو الفوضى أو الحكم الاستبدادي.
وتواجه الحكومة الفيدرالية تحديات متزايدة من بعض الولايات التي تتجاهل القوانين الفيدرالية، ما يعكس تآكل سلطة الدولة المركزية. ويستحضر بعض المراقبين سوابق تاريخية مثل تدخل الرئيس دوايت آيزنهاور عسكرياً في خمسينيات القرن الماضي لضمان تطبيق القانون، محذرين من احتمال تكرار مثل هذه السيناريوهات إذا استمر تفكك النظام.
في المقابل، تعيش المدن الأمريكية حالة من التدهور المعيشي والأمني، مثل بورتلاند وشيكاغو، حيث تنتشر البطالة والعنف والمخدرات، وسط اتهامات للسلطات المحلية بالفشل في إنفاذ القانون وتسييس المؤسسات الأمنية. هذا الواقع، وفق محللين، يعزز شعور المواطنين بانعدام الأمان وفقدان الثقة في النظام القضائي.
كما تُعتبر الهجرة غير الشرعية والتغيرات الديموغرافية عاملاً إضافياً في تأجيج التوترات، مع تزايد المخاوف من فقدان التوازن الثقافي والاجتماعي، بينما يرى البعض أن القوى السياسية، وخاصة داخل الحزب الديمقراطي، تستخدم هذه القضايا لخدمة مصالح انتخابية.
ويحذر مراقبون من أن استمرار الانقسام بين الجمهوريين والديمقراطيين يهدد بتقويض مؤسسات الدولة ويمنح التطرف مساحة أوسع. ويؤكدون أن الولايات المتحدة اليوم تقف أمام خيار مصيري: إما استعادة حكم القانون وتوحيد المجتمع، أو الانزلاق نحو الفوضى والانقسام الدائم. (شاهد)
وسائل إعلام أمريكية ترفض توقيع القواعد الجديدة للبنتاغون وتعتبرها تهديداً لحرية الصحافة
رفضت العديد من المؤسسات الإعلامية الأمريكية الكبرى، من بينها نيويورك تايمز، واشنطن بوست، رويترز، سي إن إن، أسوشيتد برس، وذا غارديان، توقيع وثيقة جديدة أصدرها البنتاغون تتضمن قواعد تنظيمية مشددة على عمل الصحفيين داخل المؤسسات العسكرية ومحيطها.
القواعد الجديدة، التي وُصفت بأنها الأكثر تقييداً منذ حرب فيتنام، تُلزم الصحفيين بعدم دخول معظم المناطق التابعة لوزارة الدفاع إلا برفقة مسؤول رسمي، كما تمنعهم من نشر أي معلومات حصلوا عليها من دون موافقة مسبقة من السلطات المختصة، حتى لو لم تكن المعلومات مصنّفة “سرية”.
في بيان رسمي، قالت وكالة رويترز إن رفضها توقيع الوثيقة يأتي “انطلاقاً من التزامها بالصحافة الحرة والمستقلة”، مضيفة أن “القيود الجديدة تُقوّض المبادئ الدستورية المنصوص عليها في التعديل الأول، وتهدد حق الجمهور في الوصول إلى المعلومات”.
من جانبها، وصفت شبكة نيوزماكس، المقربة من إدارة الرئيس دونالد ترامب، التعليمات الجديدة بأنها “مرهقة وغير ضرورية”، داعية البنتاغون إلى “إعادة النظر في القرار الذي يضر بثقة الإعلام والرأي العام”.
وطالب البنتاغون المؤسسات الإعلامية بتوقيع الوثيقة قبل الساعة الخامسة مساءً بالتوقيت المحلي، ملوّحاً بسحب بطاقات الاعتماد الصحفي خلال 24 ساعة من أي جهة ترفض الالتزام بالقواعد.
ويخشى مراقبون أن تمثل هذه الإجراءات سابقة خطيرة في تقييد حرية الصحافة داخل الولايات المتحدة، معتبرين أنها تعكس تصاعد التوتر بين وزارة الدفاع ووسائل الإعلام بشأن الشفافية والمساءلة في تغطية القضايا العسكرية والأمنية.
نمو الاقتصاد الأميركي في النصف الأول من 2025 اعتمد كلياً على مراكز البيانات
كشف الخبير الاقتصادي في جامعة هارفارد جيسون فورمان أن النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة خلال النصف الأول من عام 2025 كان مدفوعاً بالكامل تقريباً باستثمارات شركات التكنولوجيا في مراكز البيانات وتقنيات معالجة المعلومات. وقال فورمان إنّه لولا هذه الاستثمارات، لما تجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي 0.1% على أساس سنوي، ما يعني أن الاقتصاد الأميركي كان سيقارب حالة الركود.
وأوضح فورمان في منشور على منصة “إكس” بتاريخ 27 سبتمبر أن استثمارات التكنولوجيا مثل الأجهزة والبرمجيات شكّلت نحو 4% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، لكنها كانت مسؤولة عن 92% من إجمالي النمو في تلك الفترة، مشيراً إلى أن “الطفرة في الذكاء الاصطناعي” أصبحت المحرك الرئيسي للاقتصاد الأميركي.
شركات التكنولوجيا الكبرى مثل مايكروسوفت، جوجل، أمازون، ميتا، وإنفيديا ضخت عشرات المليارات من الدولارات في بناء وتوسيع مراكز البيانات لتلبية الطلب المتزايد على الذكاء الاصطناعي والنماذج اللغوية العملاقة. وتشير تقديرات “مورغان ستانلي” إلى أن الإنفاق السنوي على مراكز البيانات يقترب من 400 مليار دولار، مضيفة أن هذا الإنفاق يضيف نحو 1% إلى معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الأميركي.
ورغم هذا النمو التقني، أظهرت قطاعات أخرى مثل التصنيع والعقارات والتجزئة ضعفاً ملحوظاً أو حتى تأثيراً سلبياً على الاقتصاد. ومع ذلك، تبدو أرقام الناتج المحلي الإجمالي قوية بفضل الزخم التقني، وهو ما وصفه محللون بـ“لغز الاقتصاد الأميركي لعام 2025”.
ويرى خبراء، من بينهم كبير الاقتصاديين في “أبولو غلوبال مانجمنت” تورستن سلوك، أن الاقتصاد الأميركي يبدو قوياً إحصائياً رغم تباطؤ التوظيف. في المقابل، حذّر بعض المحللين من “فقاعة صناعية” محتملة في قطاع مراكز البيانات، بينما اعتبر جيف بيزوس أن هذه الاستثمارات “ستُثبت فائدتها مستقبلاً” لأنها توفر قدرات حوسبة هائلة قد تصبح أساسية للاقتصاد العالمي.
يُظهر تحليل فورمان أن الاقتصاد الأميركي بات يعتمد بشكل متزايد على بنية الذكاء الاصطناعي التحتية، في وقت تتراجع فيه مساهمة القطاعات التقليدية. ويطرح ذلك سؤالاً جوهرياً حول مدى استدامة النمو القائم على التكنولوجيا وما إذا كان يمكن أن يستمر بعد انتهاء طفرة مراكز البيانات.
داخل محاضرات بيتر ثيل السرية: تحذيرات من «المسيح الدجال» ونبوءات نهاية الزمان بانهيار الولايات المتحدة
كشفت تسريبات صوتية حصلت عليها واشنطن بوست عن سلسلة محاضرات خاصة، ليست للنشر، ألقاها الملياردير الأمريكي ومستثمر التكنولوجيا بيتر ثيل في سان فرانسيسكو، تناول فيها رؤيته الدينية للعالم وربط بين التكنولوجيا والإيمان المسيحي ونهاية الحضارة كما نعرفها.
ووفقاً للتسجيلات التي استمعت إليها الصحيفة، حذّر ثيل من أن الناشطين البيئيين مثل غريتا تونبرغ، ومنتقدي الذكاء الاصطناعي عامة، هم «فيالق المسيح الدجال»، وأن الدعوات إلى تقييد التطور التكنولوجي قد تؤدي إلى تدمير الولايات المتحدة وظهور نظام عالمي شمولي.
المسيح الدجال في القرن الحادي والعشرين
في أولى محاضراته التي عُقدت يوم 15 سبتمبر ضمن سلسلة بعنوان «المسيح الدجال: أربع محاضرات خاصة»، قال ثيل: «في القرنين السابع عشر والثامن عشر، كان متصوراً أن المسيح الدجال سيكون عالِماً مجنوناً من نوع دكتور سترينجلوف، لكن في القرن الحادي والعشرين، المسيح الدجال هو مناهض العلم… شخص مثل غريتا أو إيليزر».
وكان يشير بذلك إلى الناشطة السويدية غريتا تونبرغ (التي شاركت مؤخراً في القافلة البحرية لفك حصار غزة) والباحث إيليزر يودكوفسكي، وهو من أبرز المنتقدين لتطور الذكاء الاصطناعي.
وقال ثيل إنه يشعر بالحرج من دعمه السابق ليودكوفسكي، مؤكداً أن الأخير أصبح «مهووساً» وأن أمثاله يشكلون خطراً على تقدم البشرية.
الإيمان والتكنولوجيا… رؤية ميتافيزيقية
في المحاضرات الأربع، التي استمرت كل منها نحو ساعتين أمام جمهور حضرها بناءً على دعوات خاصة، رسم ثيل تصوراً واسعاً يجمع بين الدين والسياسة والتكنولوجيا، معتبراً أن الذين يسعون إلى تقييد الابتكار هم أعداء الحرية الإلهية للإنسان، وأن تعطيل التطور العلمي «أشد خطورة من شر التكنولوجيا نفسها».
وأظهرت التسريبات أن ثيل ربط بين الذكاء الاصطناعي ونبوءات “سفر الرؤيا”، وفسّر مفهوم “الكاتخون” الوارد في رسالة بولس الثانية إلى أهل تسالونيكي بأنه القوة التي “تمنع ظهور المسيح الدجال”، قائلاً إن الذكاء الاصطناعي قد يكون هذا الحاجز الروحي والتقني.
ويرى أن تأخير الابتكار أو فرض رقابة على التطور العلمي “عمل معادٍ للخير الإلهي”.
وقال في إحدى المحاضرات: «ربما يكون للذكاء الاصطناعي أو الإنترنت تأثيرات سلبية، لكن إيقافها بالكامل سيكون كمن يقفز من المقلاة إلى النار. العلاج سيكون أسوأ من المرض».
وأضاف: «من دون الإطار الكتابي للخير والشر، لن تشعر بالخطر الحقيقي الذي يمثله النظام العالمي الموحد… لا يمكن مقاومته بعقلانية فقط».
تكنولوجيا بلا قيود: معركة دينية جديدة
بحسب التسجيلات، حذّر ثيل من أن محاولات فرض الرقابة أو تنظيم الذكاء الاصطناعي هي بوابة لما سماه «حكومة عالمية واحدة» يمكن أن يستولي عليها «المسيح الدجال» للتحكم بالبشر.
وقال: «لقد أصبح من الصعب إخفاء المال، بُني نظام مذهل من المعاهدات الضريبية والمراقبة المالية والعقوبات. الثروة تمنح شعوراً بالسلطة، لكنها قد تُسلب في أي لحظة».
ثيل، الذي تُقدر ثروته بـ27 مليار دولار، وصف التنظيم المالي والتكنولوجي بأنه مقدمة لاستعباد البشرية، مضيفاً أن الإنقاذ الوحيد يتمثل في مقاومة هذه «القيود الشيطانية» باسم الإيمان والحرية.
خلفيات سياسية ودينية
تأتي هذه التصريحات في وقت يتصاعد فيه المد القومي المسيحي في الولايات المتحدة، حيث يربط بعض المحافظين المتدينين التطور العلمي والذكاء الاصطناعي بفقدان السيطرة البشرية والاقتراب من «نهاية الزمان» (وهو في واقع الأمر عكس ما يتحدث عنه ثيل!).
وترتبط محاضرات ثيل بمنظمة مسيحية ناشئة تُدعى ACTS 17، وهي اختصار لعبارة Acknowledging Christ within Technology and Society أي «الاعتراف بالمسيح في قلب التكنولوجيا والمجتمع».
وقد أسستها ميشيل ستيفنز، زوجة أحد شركاء ثيل في صندوقه الاستثماري Founders Fund، بهدف إدخال الخطاب الديني إلى مجتمع وادي السيليكون التقني.
في أولى المحاضرات، قدّمت ستيفنز ثيل باعتباره «واحداً من أعظم المسيحيين والرأسماليين في عصرنا»، في حين احتجّ متظاهرون خارج القاعة ورفع بعضهم لافتات تصف ثيل نفسه بأنه «المسيح الدجال».
هجوم على النقّاد ومديح لماسك
في التسجيلات، وصف ثيل الملياردير الأمريكي بيل غيتس بأنه «شخص مروّع للغاية»، لكنه استبعد أن يكون «المسيح الدجال»، في حين وجّه انتقادات إلى المستثمر مارك أندريسن بسبب ما سماه «دعاية تقنية جوفاء».
أما عن إيلون ماسك، فقد كان موقفه إيجابياً في الحديث، إذ قال ثيل عنه إنه «من أكثر الأشخاص ذكاءً وتأملاً»، وأشار إلى أنه نصحه بعدم الالتزام بتعهده السابق في مبادرة Giving Pledge التي أسسها غيتس ووارن بافيت للتبرع بمعظم الثروات للأعمال الخيرية.
وقال ثيل مازحاً في التسجيل: «200 مليار دولار قد تذهب إلى منظمات يسارية يديرها بيل غيتس إن لم تكن حذراً!».
ترامب والمسيح الدجال
أكثر أجزاء المحاضرات إثارة للجدل كانت حين تساءل ثيل عن إمكانية أن يكون بعض القادة العالميين «رموزاً للمسيح الدجال»، من بينهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الأمريكي السابق جو بايدن.
وقال ثيل: «إذا كان أحدكم قادراً على أن يبرهن، بعقلانية، أن ترامب هو المسيح الدجال، فسأستمع له… أما إن لم تستطع، فعليك أن تفكر في احتمال أن يكون الرجل على الأقل في الجانب الجيد نسبياً».
وعندما سُئل المتحدث باسم ثيل عن هذا التصريح، قال: «بيتر لا يؤمن بأن ترامب هو المسيح الدجال. كان يتحدّى منتقدي ترامب الليبراليين ليقدّموا حججهم، وهو يعلم أنهم لا يستطيعون».
نهاية مفتوحة
ختم ثيل محاضراته في نادي الكومنولث بسان فرانسيسكو بتحذير لاذع: «العالم يتجه نحو توحيد قسري، نحو دولة واحدة تفرض السيطرة باسم الأمن والسلام. لكن من دون الإيمان، لن نملك الشجاعة لمقاومتها».
وبينما يتعامل بعض الحاضرين مع هذه التصريحات كـ«نقد فكري ساخر»، يرى آخرون أنها مؤشر على تحول خطير في فكر وادي السيليكون، حيث يمتزج الدين بالذكاء الاصطناعي، والمستقبل بالتنبؤات الأبوكاليبتية (نبوءات نهاية العالم) .
تعليق المعهد المصري
بيتر ثيل، أحد مؤسسي منصة باي بال (التي يطلق عليها البعض عصابة باي بال) والمستثمر الأول في فيسبوك، ومؤسس شركة البيانات العملاقة Palantir، ذات العلاقات الوثيقة بأجهزة الاستخبارات الأمريكية منذ تأسيسها، والتي أحدثت اختراقاً واسعاً للمؤسسات الفيدرالية الأمريكية في ولاية ترامب الثانية، كان معروفاً منذ سنوات بتوجهاته الليبرتارية الرافضة لتدخل الدولة في الاقتصاد وشئون المجتمع (راجع بعض الخلفيات المهمة عن بيتر ثيل في هذا المقال الهام الذي ترجمه المعهد المصري، وأشار إلى دور ثيل في اختيار نائب الرئيس الأمريكي الحالي جي دي فانس).
لكن محاضراته الأخيرة تعكس تحولاً أعمق نحو تسييس الدين وتقديس التكنولوجيا، بحيث يصور مقاومة التنظيمات الحكومية كمعركة روحية بين الخير والشر .
ويبدو أن الرجل الذي ساعد في بناء الإنترنت الحديث، أصبح اليوم يسعى إلى بناء لاهوت جديد للتكنولوجيا، يرى في المبرمجين والمبتكرين «أنبياء العصر الحديث»، وفي معارضيهم «جنوداً للمسيح الدجال».
إن خطاب ثيل يعكس مزجاً خطيراً بين الدين والتكنولوجيا، ويهدف إلى تبرير مصالحه التجارية ونفوذه السياسي في شركات الذكاء الاصطناعي والمراقبة الرقمية.
أثار المقطع جدلاً واسعاً في الأوساط الفكرية الأمريكية، إذ يرى منتقدوه أن ثيل يقدم الذكاء الاصطناعي كـ”خلاص روحي” للبشرية، بينما هو أحد أبرز المستفيدين من توسيع سلطته الاقتصادية والتقنية وحتى السياسية.
ثيل ينتقد التوجه نحو “حكومة عالمية” رغم أن عمله الرائد على مدار نحو ثلاثين عاما يساهم في واقع الأمر في تكريس “دولة المراقبة”، والتمهيد لمثل هذه الحكومة العالمية.
ويرى مراقبون أن ثيل يسعى لتقديم نفسه كـ“نبي للتكنولوجيا” في عصر الذكاء الاصطناعي، وسط تصاعد المخاوف من أن يتحول الذكاء الاصطناعي إلى أداة هيمنة عالمية تشبه نبوءات نهاية الزمان التي يتحدث عنها ثيل نفسه.
المفارقة الكبرى تكمن في أن الرجل الذي يحذر من “المسيح الدجال التكنولوجي”، هو نفسه من يبني أدواته. ثيل الذي يحذر من المسيح الدجال والحكومة العالمية، يبدو أنه يثير ستارة دخانية حول ما يسعى هو نفسه لتحقيقه.
سوريا
في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة تحولات متسارعة ترسم ملامح شرق أوسط جديد؛ تحاول سوريا ما بعد الحرب أن تنهض من الرماد بخطاب أكثر انفتاحاً يقوده الرئيس أحمد الشرع، داعياً إلى شراكة دولية لا عزلة، في وقتٍ تستمر فيه دمشق بتقريب الصفوف مع “قسد” ولبنان في خطوات تُقرأ كتهيئة لمرحلة ما بعد الصراع. في الجنوب، يثير الجدل حول تسمية “جبل باشان” توتراً هويّاتياً يعكس صراع الرموز بين الدين والسياسة.
الشرع: سوريا الجديدة تنهض من الرماد… ونحتاج شراكة العالم لا عزلته
في مقابلة متلفزة له مع شبكة إعلام أمريكية، تحدث الرئيس السوري أحمد الشرع لبرنامج 60 دقيقة عن رؤيته لمستقبل البلاد، موضحاً حجم التحديات الهائلة التي تواجه الدولة في مرحلة ما بعد الحرب، بدءاً من إعادة الإعمار ورفع العقوبات، مروراً بالعنف الطائفي والانقسامات الاجتماعية، وصولاً إلى التوترات المتصاعدة مع إسرائيل.
اصطحب الشرع فريق التصوير إلى حي جوبر شرق دمشق، الذي كان يقطنه أكثر من 300 ألف شخص قبل أن يتحوّل إلى ركام بفعل القصف الجوي. وقال: “ما حدث هنا لم يكن خطأ. كان استهدافاً مباشراً… لتفريغ هذه المناطق من سكانها.”
وأضاف: “من المهم أن تمنح مرحلة التحرير الشعب السوري أملاً حقيقياً بالعودة وإعادة الإعمار.”
وأكد الشرع أن بلاده لن تتهاون في ملاحقة المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت بحق المدنيين خلال سنوات الحرب، وعلى رأسهم الرئيس السابق بشار الأسد، مشدداً على أن حكومته ستستخدم “كل الوسائل القانونية المتاحة” للمطالبة بمحاكمته دولياً.
وفي معرض ذلك أشار إلى أن الدخول في صدام مباشر مع روسيا في الوقت الحالي سيكون “مكلفاً للغاية” ولن يصبّ في مصلحة البلاد، لكنه أكد في الوقت نفسه أن دمشق لن تتخلى عن ملف العدالة.
وحول ماضيه، أوضح الشرع أنه لم ينخرط في أي عمليات خارج سوريا، وأنه لم يستهدف سوى النظام السابق. وأضاف: “لو كنت أتفق مع تنظيمي الدولة أو القاعدة، لما تركتهم.”
الرد على إسرائيل
وفيما يتعلق بالتوتر مع إسرائيل، رد الشرع على الاتهامات الإسرائيلية بالتقصير في حماية الطائفة الدرزية بقوله: “حماية الدروز شأن داخلي سوري… ويجب أن يُحلّ قانونياً عبر مؤسسات الدولة السورية.”
كما جدد التأكيد أن بلاده لا تسعى للحروب، لكنها تحتفظ بحقها السيادي في الرد.
ولفت إلى أن “أي اتفاق يجب أن يشمل انسحاباً إسرائيلياً من كل الأراضي التي تم احتلالها بعد 8 ديسمبر 2024.”
اتهامات بانتهاكات… ورد واضح
رداً على تقارير أممية تتهم قواته بارتكاب مجازر طائفية بحق العلويين في الساحل والدروز في الجنوب، قال الشرع: “نرفض هذه المبالغات. نعم، قد تقع تجاوزات… لكننا ملتزمون بمحاسبة أي شخص ارتكب جرائم ضد مدنيين من أي طائفة أو خلفية.”
سوريا ما بعد الأسد: مرحلة انتقالية… فدستور فانتخابات
وعن الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخراً، لفت الشرع إلى أنها كانت محدودة المشاركة مضيفا: “نحن لا نزعم الكمال… لكننا نبدأ من الصفر.”
وأضاف: “هدفنا ديمقراطية حقيقية – صوت لكل مواطن. لكن نحتاج أولاً لإعادة البنية التحتية وتوثيق السجلات المدنية.”
الشيخ الهجري يغيّر اسم “جبل العرب” إلى “باشان”: دلالات رمزية وتداعيات سياسية
أثار إعلان الشيخ حكمت سلمان الهجري، الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في سوريا، عن اعتماد تسمية “جبل باشان” بدلاً من “جبل العرب”، جدلاً واسعاً داخل سوريا وخارجها، لما تحمله التسمية الجديدة من أبعاد دينية وتاريخية وسياسية متشابكة.
تسمية “جبل باشان”: رمزية توراتية مثيرة للجدل
جاء استخدام الشيخ الهجري لتعبير “جبل باشان” للمرة الأولى منذ أحداث السويداء في تموز 2025، ليشكّل تحولاً لافتاً في الخطاب المحلي.
فـ”باشان” كلمة سامية قديمة تعني “الأرض الخصبة”، ووردت في العهد القديم كمنطقة اشتهرت بمراعيها الوفيرة، وكان ملكها يُدعى “عوج ملك باشان”، الذي يُصنَّف في التراث الكنعاني ضمن “العمالقة” القدماء.
وتشير الدراسات الجغرافية الحديثة إلى أن منطقة باشان التوراتية تقابل تقريباً جبل العرب وسهل حوران وأجزاء من الجولان، ما يضفي على المصطلح بعداً رمزياً مرتبطاً بالأرض نفسها، لكنه في الوقت ذاته يحمل حمولة دينية يهودية–توراتية واضحة.
الاسم في الذاكرة العسكرية الإسرائيلية
تعود الظهور الأول لتسمية “باشان” في السياق السوري الحديث إلى كانون الأول/ديسمبر 2024، عندما أطلقت إسرائيل على عمليتها العسكرية الواسعة في سوريا اسم “سهم باشان”، المستوحى من التوراة.
وخلال تلك العملية، دمّرت القوات الإسرائيلية معظم القدرات العسكرية السورية، وسيطرت على المنطقة العازلة بطول يزيد عن 75 كيلومتراً، وبعرض يتراوح بين 200 متر و10 كيلومترات.
التدخل الإسرائيلي بعد أحداث السويداء
تزايد الحضور الإسرائيلي في الجنوب السوري بشكل واضح بعد اشتباكات تموز 2025، حين اندلعت مواجهات بين قوات حكومية وفصائل عشائرية في محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، أسفرت عن مئات القتلى والجرحى.
وردّت إسرائيل بسلسلة غارات جوية مكثفة استهدفت مواقع عسكرية سورية، من بينها مبنى وزارة الدفاع في دمشق.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حينها إن وقف إطلاق النار في الجنوب جاء “بفضل التدخل العسكري الإسرائيلي”، متعهداً بـ”إبقاء المنطقة خالية من السلاح”، ومؤكداً “التزام إسرائيل بحماية الطائفة الدرزية التي وصفها بأنها إخوة لإسرائيل”.
ردود فعل متباينة على التسمية الجديدة
أثار إعلان الشيخ الهجري عن “جبل باشان” موجة واسعة من التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي.
فقد رأى معارضون أن التسمية تمثل قطيعة مع الهوية التاريخية المحلية لجبل العرب، وذهب بعضهم إلى حد اتهام الهجري بـ”الانحياز لإسرائيل”، مستندين إلى أن الاسم بات مرتبطاً بعملية عسكرية إسرائيلية.
تفاهم مبدئي بين “قسد” ودمشق لدمج القوات ضمن وزارتي الدفاع والداخلية
أعلن القائد العام لـ قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، عن التوصل إلى تفاهم مبدئي مع الحكومة السورية حول آلية دمج قواته وقوى الأمن الداخلي (الأسايش) ضمن وزارتي الدفاع والداخلية في دمشق، في خطوة وُصفت بأنها الأكثر تقدماً منذ بدء المحادثات بين الطرفين.
مرحلة جديدة من المفاوضات
وفي تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية (أ ف ب)، أوضح عبدي أن المباحثات الأخيرة في دمشق اتسمت بـ “الإصرار المشترك والإرادة القوية لتسريع تطبيق الاتفاق”، كاشفاً عن وجود وفدين عسكري وأمني من قسد في العاصمة السورية لمتابعة التفاصيل الفنية والإدارية الخاصة بعملية الدمج.
وأشار إلى أن أبرز ما تم التوصل إليه هو تفاهم مبدئي حول آلية الدمج، بحيث تتم إعادة هيكلة قوات قسد أثناء إدماجها ضمن بنية وزارة الدفاع، في تشكيلات جديدة تحمل تسمية مختلفة تتوافق مع النظام العسكري الرسمي، على أن يبقى اسم “قوات سوريا الديمقراطية” اسماً رمزياً وتاريخياً يخلّد دورها في محاربة تنظيم داعش.
مطالب سياسية ودستورية
وفي ما يتعلق بالإطار السياسي للمفاوضات، شدد عبدي على أن أي اتفاق ناجح يرتبط بدور تركيا الإقليمي، معرباً عن أمله في أن تلعب أنقرة دوراً مساعداً في إنجاح عملية التفاهم.
كما دعا إلى تعديل بعض البنود في الإعلان الدستوري الحالي لضمان حقوق الشعب الكردي، مؤكداً وجود تجاوب مبدئي من دمشق مع هذه المقترحات، على أمل إنجازها في المدى القريب ضمن إطار وطني جامع.
توافق على وحدة الأراضي والرموز الوطنية
وأوضح القائد العام لـ”قسد” أن نقاط التفاهم بين الطرفين تتجاوز نقاط الخلاف، مشيراً إلى اتفاقهما على وحدة الأراضي السورية، ووحدة الرموز الوطنية، واستقلال القرار السياسي، ومواصلة محاربة الإرهاب.
أما ملف النفط والثروات الباطنية، فأوضح عبدي أنه لم يُناقش بعد، لكنه سيكون مطروحاً على طاولة الاجتماعات المقبلة، مؤكداً أن تلك الموارد ملك لجميع السوريين ويجب توزيع عائداتها بشكل عادل على المحافظات.
وختم تصريحاته بالتأكيد على أن الهدف المشترك هو منع عودة البلاد إلى أجواء الحرب، والعمل على ترسيخ الأمن والاستقرار، معرباً عن تفاؤله بأن تؤدي هذه التفاهمات إلى اتفاق دائم يمهّد لمرحلة جديدة في سوريا.
تفاصيل التفاهم العسكري: ثلاث فرق وعدة ألوية
مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا كشفت أن التفاهمات بين الحكومة السورية و”قسد” جرت برعاية أميركية مباشرة، خلال اجتماع عُقد في دمشق قبل أسبوع، شارك فيه كل من الرئيس السوري أحمد الشرع، ومظلوم عبدي، والمبعوث الأميركي إلى سوريا توم باراك، إضافة إلى قائد القيادة المركزية الأميركية الأدميرال براد كوبر.
وبحسب المصدر، فقد أعقب اللقاء اجتماع آخر بين وفد “قسد” ووزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة حسين السلامة، وجرى خلاله الاتفاق المبدئي على دمج ثلاث فرق وعدة ألوية من قسد ضمن الجيش السوري، توزّع في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور.
كما نصّت التفاهمات على دمج قوات الأمن الداخلي (الأسايش) مع نظيرتها التابعة لوزارة الداخلية السورية، في إطار عملية توحيد أمنية وإدارية تشمل إعادة توزيع القيادات وضمان مشاركة متوازنة للعناصر في المناطق ذات الغالبية الكردية والعربية.
تقاطعات إقليمية ودلالات سياسية
يرى مراقبون أن هذا التفاهم — إذا ما تم تطبيقه فعلاً — قد يشكل نقطة تحول في مسار الصراع السوري، إذ يعيد دمج القوة العسكرية الكردية الرئيسية ضمن مؤسسات الدولة، تحت إشراف ورقابة مشتركة، مع ضمانات أميركية للحفاظ على التوازن بين الأطراف.
كما يُنظر إلى الاتفاق كخطوة عملية نحو تفكيك الهياكل العسكرية الموازية في الشمال الشرقي من البلاد، تمهيداً لمرحلة تطبيع تدريجي بين دمشق والإدارة الذاتية، في ظل توافق إقليمي متزايد على تهدئة الجبهات السورية. (تلفزيون سوريا)
اتفاق سوري–لبناني لتسليم السجناء السوريين غير المدانين بالقتل: خطوة جديدة في مسار تطبيع العلاقات
في خطوة تُعدّ الأولى من نوعها منذ إعادة تشكيل الحكومة السورية الجديدة مطلع العام، أعلنت دمشق التوصل إلى اتفاق مع بيروت يقضي بتسليم السجناء السوريين في لبنان ممن لا يواجهون تهماً بالقتل، وذلك خلال زيارة رسمية أجراها وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى العاصمة اللبنانية.
تفاصيل الاتفاق
وقال مدير إدارة الشؤون العربية في وزارة الخارجية السورية، محمد طه الأحمد، إن الوفد السوري “توصل إلى اتفاق مع الجانب اللبناني لتسليم السجناء السوريين، باستثناء أولئك الذين ترتّب على جرمهم دم بريء”.
وأوضح الأحمد أن الرئيس السوري أحمد الشرع يولي ملف الموقوفين في لبنان “اهتماماً خاصاً”، مشيداً بما وصفه بـ “الاستجابة الجيدة جداً” من الحكومة اللبنانية، ومعرباً عن أمل بلاده في “طي صفحة الماضي وفتح مرحلة جديدة من التعاون القضائي والإنساني بين البلدين”.
وبحسب الأحمد، فإن دمشق أثارت هذا الملف خلال ثلاث اجتماعات متتالية مع الجانب اللبناني، مؤكداً أن المباحثات تناولت أوضاع السجناء بشكل مباشر بهدف وضع آلية قانونية لعودتهم إلى سوريا.
اتهامات ملفقة وتجاوزات قضائية
وأشار المسؤول السوري إلى أن “عدداً كبيراً من الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية يواجهون تهماً ملفقة أو غير مثبتة”، مضيفاً أن الملف يتضمن حالات لأشخاص اعتُقلوا بسبب “أنشطتهم الإغاثية أو اللوجستية خلال سنوات الحرب السورية”.
وتُقدّر مصادر سورية عدد السجناء السوريين في لبنان بنحو ألفي شخص، كثير منهم احتُجز على خلفية دعم فصائل المعارضة بين عامي 2011 و2024، أو بسبب الاشتباه في تقديم مساعدات إنسانية للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام السابق.
زيارة رفيعة المستوى إلى بيروت
وجاء الإعلان عن الاتفاق عقب زيارة رسمية أجراها وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بيروت، على رأس وفد ضم وزير العدل مظهر الويس ورئيس جهاز الاستخبارات العامة حسين السلامة.
وخلال الزيارة، التقى الوفد السوري الرئيس اللبناني جوزيف عون، ورئيس الوزراء نواف سلام، حيث جرى بحث الملفات الثنائية، وفي مقدمتها ملف المعتقلين والتعاون الأمني وضبط الحدود.
وتُعدّ هذه الزيارة الأولى من نوعها منذ تولي الشيباني منصبه بعد سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، كما تمثل أول زيارة رسمية لمسؤول سوري رفيع إلى لبنان منذ تأسيس الحكومة السورية الجديدة في آذار/مارس الماضي.
دلالات سياسية وإنسانية
يرى مراقبون أن الاتفاق يشكل مؤشراً جديداً على تقارب تدريجي بين دمشق وبيروت بعد سنوات من التوتر، كما يعكس رغبة الطرفين في تسوية الملفات العالقة عبر القنوات الدبلوماسية بعيداً عن الوساطات الدولية.
كما يُتوقع أن يسهم هذا التفاهم في تخفيف الضغط عن السجون اللبنانية المكتظة، ويمهّد لإعادة تنظيم وضع العمالة السورية والمقيمين السوريين في لبنان ضمن أطر قانونية جديدة يجري التفاوض حولها.
بهذا الاتفاق، تفتح دمشق وبيروت باباً جديداً للتعاون القضائي والإنساني بعد سنوات من القطيعة والشكوك المتبادلة، في خطوة تُعدّ اختباراً عملياً للعلاقات بين الجانبين في مرحلة ما بعد الحرب، وسط آمال بأن يُستكمل هذا المسار بترتيبات تشمل اللاجئين والمفقودين والممتلكات المتبادلة، ضمن رؤية أوسع لإعادة ضبط العلاقات السورية–اللبنانية على أسس جديدة.
قطاع الشحن في سوريا بين الانفتاح والتعقيدات البنيوية: تحولات ما بعد سقوط النظام
لطالما شكّل قطاع الشحن الدولي في سوريا مرآة تعكس واقع الاقتصاد والسياسة في البلاد، إذ ارتبط نشاط الاستيراد والتصدير لعقود طويلة بطبيعة القرارات المصرفية والقيود التنظيمية التي فرضها النظام السابق. وبين تعقيدات الإجراءات البيروقراطية ومنع استيراد سلع معينة، عاش هذا القطاع سنوات من الانكماش والعزلة، قبل أن تبدأ مؤشرات تحول تدريجي بالظهور بعد سقوط النظام نهاية عام 2024.
وبعد سنوات من الانهيار التجاري والقيود المصرفية التي فرضها القرار رقم 1130-ل أ عام 2023، بدأ الاقتصاد السوري يشهد بوادر انفتاح تدريجي عقب سقوط النظام في أواخر 2024. إذ خفّفت بعض العقوبات الدولية، وبدأت المرافئ والمعابر الحدودية تستعيد نشاطها، ما انعكس على عودة حركة الشحن البحري والبري بنسبة تجاوزت 60%.
وسجّلت بيانات تموز 2025 ارتفاعاً ملحوظاً في حجم الشحن الوارد عبر مطار حلب الدولي (133 ألف طن)، مقابل انخفاض في دمشق (6 آلاف طن) التي احتفظت بأعلى معدل للشحن الصادر. كما شهد مرفأ اللاذقية نشاطاً متزايداً في استيراد القمح والمعدات الصناعية والسيارات.
الخبيرة ليلى خضرة أشارت إلى أن رفع بعض القيود “سهّل حجز الحاويات وفتح المعابر”، في حين أوضح ماهر الطويل، مدير شركة Across MENA، أن “التحويلات البنكية ما زالت محدودة لكنّها تتحسن تدريجياً”، مع بدء عودة شركات تأمين وسفن أجنبية إلى السوق السورية.
ورغم هذا التحسن، تبقى المصارف المحلية ضعيفة الثقة دولياً، ما يعيق تسوية المدفوعات ويؤخر العمليات اللوجستية. كما تحتاج المرافئ والطرق الداخلية إلى تحديث واسع لمواكبة حركة التجارة المتنامية.
ويتفق الخبراء على أن قطاع البناء ومواد التشييد يتصدر الواردات، فيما تتراجع الصناعة المحلية. وبينما يُعدّ الشحن البحري الأرخص والأكثر استخداماً، يبقى الجوي محصوراً بالبضائع العاجلة.
ورغم التفاؤل الحذر، يؤكد محللون أن تحويل هذا الانفتاح إلى تعافٍ اقتصادي مستدام يتطلب إصلاحات عميقة في البنية التحتية، وتوحيد الأنظمة الجمركية، وإعادة بناء الثقة مع المؤسسات المالية الدولية.
تركيا
مستشار الرئيس التركي: مرحلة “تركيا بلا إرهاب” تمهّد لعصر جديد من الديمقراطية والإصلاح
قال محمد أتشوم، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونائب رئيس مجلس السياسات القانونية في الرئاسة التركية، إن المرحلة التي تمر بها البلاد تُعدّ نقطة تحول حاسمة نحو “تركيا بلا إرهاب”، مشيراً إلى أن هذه المرحلة ستفتح الباب أمام عهد إصلاح ديمقراطي شامل يضع أسس “عصر الصعود التركي”.
وفي تحليل نُشر عبر وكالة الأناضول، أوضح أتشوم أن هذه المرحلة تتكوّن من مرحلتين أساسيتين:
- مرحلة الانتقال إلى تركيا خالية من الإرهاب (Geçiş Süreci)
- مرحلة تطوير الديمقراطية (Demokrasiyi Geliştirme Süreci)
وأكد أن كل مرحلة يجب أن تُدار بشكل منفصل عن الأخرى، نظراً لاختلاف طبيعتها وأهدافها السياسية والقانونية.
مرحلتان منفصلتان: الأمن أولاً ثم الإصلاح
وأشار أتشوم إلى أن عملية “الانتقال إلى تركيا بلا إرهاب” بدأت رسمياً في 1 أكتوبر 2024 مع افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة وخطاب الرئيس أردوغان، الذي تزامن مع مبادرة الحوار والمصافحة التي أطلقها زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي.
وقال إن هذه المرحلة شهدت العديد من الخطوات الملموسة نحو إنهاء الإرهاب، لكنها لا تزال في طور التقدم التدريجي، مشيراً إلى أن الهدف النهائي هو إنهاء التهديدات الإرهابية بشكل دائم.
وأوضح أن هذه المرحلة يقودها جهاز الدولة بشكل مباشر، وتتمحور حول إعادة دمج عناصر التنظيمات السابقة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، باستثناء من تورطوا في جرائم خطيرة.
وأكد أن إصدار قانون خاص بمرحلة الانتقال سيكون ضرورة عاجلة لضمان العدالة والمصالحة، على أن يكون القانون “فريداً، شاملاً، ومتكاملاً” دون أن يُفرض كحل شامل أو جماعي.
من الانتقال إلى الديمقراطية
أما المرحلة الثانية، أي مرحلة تطوير الديمقراطية، فستبدأ بعد اكتمال المرحلة الأولى، وتهدف إلى تعزيز الحريات السياسية وإطلاق برنامج إصلاحات دستورية وقانونية جديدة.
وأوضح أتشوم أن هذه المرحلة ستقودها إرادة الشعب، وستُدار من خلال المؤسسات المنتخبة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني، مشيراً إلى أن الهدف منها هو بناء دولة أكثر ديمقراطية وأكثر فاعلية.
وأضاف أن الرئيس أردوغان يرى في هذا المسار وسيلة لتحقيق “المزيد من الديمقراطية والمزيد من الحرية ودولة أكثر كفاءة”، مؤكداً أن هذا التوجه سيكون مدخلاً إلى صياغة دستور مدني جديد.
تمييز بين الفاعلين في المرحلتين
وأوضح أتشوم أن فاعلي مرحلة الانتقال هم الدولة والأطراف المرتبطة بالتنظيمات السابقة التي أعلنت التخلي عن السلاح – في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني (PKK) – مشيراً إلى أن هذه المرحلة ليست حواراً سياسياً مع المكوّن الكردي بأكمله، بل معالجة قانونية وأمنية لإنهاء العنف المسلح.
وأضاف أن تنوع التمثيل السياسي للأكراد يظهر فقط في المرحلة الثانية، أي مرحلة تطوير الديمقراطية، التي تشمل جميع المكونات السياسية والاجتماعية في البلاد.
قانون خاص ومقاربة تفاضلية
وشدد أتشوم على ضرورة أن يكون قانون الانتقال قائماً على مبدأ التمييز بين الحالات المختلفة داخل التنظيم المنحل، وألا يُطبَّق بمنطق شامل على الجميع، موضحاً أن العدالة تقتضي “تدرجاً قانونياً بين الحالات المختلفة”.
وأشار إلى أن هذا النهج لا يُعد تساهلاً مع الإرهاب، بل مقاربة قانونية تراعي العدالة الفردية وتساعد على دمج من تخلّوا عن العنف في المجتمع.
لغة المرحلة وحساسية الخطاب
وحذّر أتشوم من الخطابات أو التحركات الفكرية التي قد تُفهم على أنها “تخريب فكري أو سياسي” لمرحلة الانتقال، مشدداً على ضرورة الحفاظ على لغة مسؤولة وهادئة تراعي حساسية المرحلة.
وقال إن بعض الأطراف التي “تبدو مؤيدة للعملية” تمارس في الواقع عرقلة فكرية أو سياسية لها، داعياً الجميع إلى الالتزام بخطاب يساهم في إنجاح المرحلة بدل التشكيك فيها.
وأضاف: “لا بد من تجنب ازدواجية المواقف: فلا يمكن أن تكون ديمقراطياً وتدعو في الوقت نفسه إلى ممارسات مناقضة للديمقراطية.”
كما دعا إلى احترام الدور البنّاء لعبد الله أوجلان في هذه المرحلة، مشيراً إلى أن طرح شروط أو مبادرات تتجاوز موقفه الرسمي من شأنها الإضرار بالعملية لا دعمها.
نحو عهد جديد
واختتم أتشوم تحليله بالتأكيد على أن نجاح مرحلة “تركيا بلا إرهاب” سيشكل الأساس لبناء تركيا أكثر ديمقراطية واستقراراً، مضيفاً أن البلاد تستعد لمرحلة جديدة عنوانها “الإصلاح، المصالحة، والدستور المدني”.
تركيا تجذب استثمارات أجنبية بقيمة 10.6 مليارات دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2025 بزيادة 58%
سجلت تركيا ارتفاعاً كبيراً في تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة (FDI) خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، لتصل إلى 10.6 مليارات دولار، بزيادة بلغت 58% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفق بيانات صادرة يوم الاثنين عن جمعية المستثمرين الدوليين (YASED).
وأظهرت البيانات أن هولندا تصدّرت قائمة الدول الأكثر استثماراً في تركيا خلال الفترة بين كانون الثاني/يناير وآب/أغسطس، بإجمالي 2.5 مليار دولار، تلتها كازاخستان ولوكسمبورغ بمعدل 1.1 مليار دولار لكل منهما.
نمو ملحوظ في حصة الاتحاد الأوروبي
وأشار التقرير إلى أن دول الاتحاد الأوروبي رفعت حصتها من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في تركيا إلى 91% خلال العام الجاري، مقارنةً بمتوسط 58% خلال الفترة بين 2002 و2024، وهو ما يعكس عودة الثقة الأوروبية إلى الاقتصاد التركي.
القطاعات الأكثر جذباً
وجاءت قطاعات التجارة بالجملة والتجزئة في صدارة القطاعات الجاذبة للاستثمارات خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام، باستثمارات بلغت 2.5 مليار دولار، تلاها قطاع المعلومات والاتصالات وتصنيع الأغذية بإجمالي 1.2 مليار دولار لكل منهما.
وفي شهر أغسطس وحده، بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة 1.8 مليار دولار، حيث شكّلت أدوات الدين 137 مليون دولار منها، بينما بلغت قيمة مبيعات العقارات للأجانب 202 مليون دولار.
في المقابل، أثّرت عمليات تصفية الاستثمارات سلباً بمقدار 494 مليون دولار خلال الشهر نفسه.
هيمنة لوكسمبورغ على الاستثمارات الشهرية
وبحسب التقرير، بلغت إجمالي تدفقات رؤوس الأموال في أغسطس نحو 1.5 مليار دولار، استحوذ منها قطاع الخدمات المعلوماتية والاتصالات على 69% (مليار دولار)، بينما حافظ قطاع التجارة بالجملة والتجزئة على زخمه مستحوذاً على 10% من إجمالي التدفقات.
أما على صعيد الدول، فقد جاءت لوكسمبورغ في المرتبة الأولى بنسبة 71% من إجمالي الاستثمارات الجديدة في أغسطس، تلتها هولندا بنسبة 14%، ثم سويسرا وأذربيجان وأيرلندا بنسبة 2% لكل منها.
دلالة اقتصادية
ويرى محللون أن هذه الزيادة الكبيرة في تدفقات الاستثمارات الأجنبية تعكس تحسن الثقة الدولية بالاقتصاد التركي بعد سلسلة من الإصلاحات المالية والنقدية التي نفذتها الحكومة، وعودة المستثمرين الأوروبيين والآسيويين إلى السوق التركية بوصفها مركزاً إقليمياً للصناعة والخدمات اللوجستية والتكنولوجيا.
إيران
في خضم تصاعد التوترات الإقليمية، تواصل روسيا وإيران توثيق تحالفهما العسكري رغم العقوبات الدولية، إذ أعلن لافروف بوضوح أن “لا قيود” على التعاون بين موسكو وطهران. في المقابل، تتهم طهران حليفتها بالتقاعس وحتى “الخيانة” خلال حربها الأخيرة مع إسرائيل، بينما تسعى لتعزيز علاقاتها مع الصين لتعويض ذلك الفتور.
تصريحات ترامب حول نية إيران التفاوض فجّرت بدورها رداً غاضباً من طهران التي اتهمت واشنطن بالتواطؤ مع تل أبيب. وبين ضغوط الغرب وتوجه طهران شرقاً، يبدو أن النظام الإيراني يقف عند مفترق طرق جديد بين الحصار والعناد، في منطقة تتغير توازناتها بسرعة غير مسبوقة.
لافروف يتحدّى العقوبات الدولية: لا قيود على التعاون العسكري بين موسكو وطهران
أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بلاده لا تواجه أي قيود قانونية أو سياسية على التعاون العسكري والتقني مع إيران، مؤكداً أن موسكو “تزوّد طهران بالمعدات الحربية التي تحتاجها في إطار اتفاقيات ثنائية مشروعة”.
تصريحات لافروف جاءت خلال مؤتمر صحفي عُقد في موسكو يوم الاثنين (13 أكتوبر)، ردّاً على سؤال حول احتمال تزويد إيران بمنظومات الدفاع الجوي المتطورة “إس-400” أو بطائرات مقاتلة روسية حديثة. ولم يقدّم الوزير تفاصيل محددة حول طبيعة أو توقيت هذه الإمدادات المحتملة، مكتفياً بالتأكيد على أن التعاون العسكري بين البلدين “يتم وفق القانون الدولي وبما يخدم مصالح الطرفين”.
موسكو ترفض العقوبات الأوروبية وآلية الزناد
وشدد لافروف على أن روسيا لا تعترف بتفعيل “آلية الزناد” الأوروبية التي أعادت فرض العقوبات الأممية ضد إيران، بما في ذلك القيود المتعلقة بتجارة السلاح، معتبراً أن هذه الإجراءات “تفتقر إلى الشرعية بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018”.
وأضاف أن بلاده تعتبر العقوبات التي أعادت الأمم المتحدة تطبيقها بناءً على طلب من دول أوروبية “باطلة وغير ملزمة”، مشيراً إلى أن موسكو “ستواصل دعم طهران في المجالات الدفاعية والعلمية من دون خضوع لأي ضغوط خارجية”.
تأتي هذه التصريحات في وقتٍ أعلنت فيه الأمم المتحدة إعادة تفعيل العقوبات الدولية على إيران بسبب برنامجها النووي، بعد قرار أوروبي جماعي لتفعيل “آلية الزناد” المجمّدة منذ توقيع الاتفاق النووي عام 2015، وهو ما يُعيد التوتر بين موسكو والغرب إلى واجهة المشهد.
انتقادات إيرانية لموسكو بعد الحرب مع إسرائيل
ورغم المواقف الروسية الداعمة رسمياً لإيران، وجّه عدد من المسؤولين الإيرانيين انتقادات حادة لموسكو على خلفية الحرب الإيرانية–الإسرائيلية الأخيرة التي استمرت 12 يوماً.
فقد قال وزير الصحة الإيراني محمد رضا ظفرقندي مطلع أكتوبر إن روسيا “لم تقدم أي دعم لإيران، لا في المجال الطبي ولا العسكري”، مضيفاً أن “الاتفاقيات الاستراتيجية مع موسكو لم تحقق أي نتائج عملية”.
من جهته، اتهم محمد صدر، عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، روسيا بتسريب معلومات حساسة إلى إسرائيل أثناء الحرب، موضحاً أن “تل أبيب كانت على علم دقيق بمواقع منظومات الدفاع الجوي الإيرانية، والبيانات تشير إلى أن الروس هم من زوّدوا الإسرائيليين بها”، واصفاً ذلك بأنه “خيانة سافرة”.
كما انتقدت صحيفة “فرهيختكان” المقرّبة من التيار المحافظ، الموقف الروسي معتبرة أنه “أقل من مستوى التوقعات”، مشيرة إلى أن موسكو اختارت الحياد بينما كانت إيران تتعرض لهجمات إسرائيلية مكثفة.
خسائر جسيمة في منظومات الدفاع الإيرانية
وأفادت تقارير إعلامية، أبرزها من قناة “إيران إنترناشيونال”، بأن إسرائيل دمّرت نحو 80 منظومة دفاع جوي إيرانية خلال الحرب الأخيرة.
في حين ذكرت قناة “فوكس نيوز” الأميركية أن ثلاث منظومات روسية الصنع من طراز “إس-300” تم تدميرها داخل الأراضي الإيرانية خلال الضربات الانتقامية الإسرائيلية، ما كشف عن ثغرات كبيرة في الدفاعات الإيرانية واعتمادها على أنظمة روسية لم تثبت كفاءتها في مواجهة الهجمات الدقيقة.
طهران تسعى لتعزيز تحالفها مع موسكو وبكين
ورغم حالة التوتر، تواصل إيران السعي لتوسيع تعاونها العسكري مع روسيا والصين.
ونقلت مصادر مطّلعة عن “إيران إنترناشيونال” أن الحرس الثوري الإيراني وهيئة الأركان العامة يجريان مفاوضات عبر شبكات تجارية تابعة لهما في الصين لشراء أنظمة دفاع جوي متطورة وطائرات مسيّرة وصواريخ دقيقة.
وكانت طهران وموسكو قد وقعتا في وقت سابق مذكرة تفاهم استراتيجية شاملة لتعزيز التعاون العسكري والاقتصادي طويل الأمد، تشمل مجالات الطاقة والتكنولوجيا والتسليح.
تصريحات لافروف تمثل تحدياً مباشراً للعقوبات الدولية وتؤكد تمسّك موسكو بدعم طهران كجزء من تحالف إستراتيجي موازٍ للمحور الغربي.
لكن في المقابل، تثير الانتقادات الإيرانية الأخيرة تساؤلات حول مدى عمق الثقة المتبادلة بين الجانبين، خصوصاً بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، التي كشفت هشاشة المنظومات الدفاعية الإيرانية وفتحت الباب أمام إعادة تقييم العلاقة العسكرية بين موسكو وطهران.
إيران تندد بتصريحات ترامب وتتهم واشنطن بالتواطؤ في جرائم إسرائيل
نددت وزارة الخارجية الإيرانية، بتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي وصفتها بـ“الادعاءات الباطلة”، معتبرة أن الولايات المتحدة هي “أكبر راعٍ للإرهاب في العالم”.
وكان ترامب قد صرّح، خلال كلمة أمام الكنيست الإسرائيلي في 13 أكتوبر/تشرين الأول، قبيل مشاركته في قمة السلام الدولية بمدينة شرم الشيخ المصرية، أن “إيران تسعى للتوصل إلى اتفاق سلام مع الولايات المتحدة حتى لو قالت إنها لا تريد ذلك”.
وفي بيان نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، قالت الخارجية الإيرانية إن “الولايات المتحدة، بصفتها أكبر منتج للإرهاب في العالم والداعم الرئيس للنظام الصهيوني الإرهابي والإبادي، لا تملك أي سلطة أخلاقية لتوجيه الاتهامات إلى الآخرين”.
وأضاف البيان أن “تكرار الادعاءات الكاذبة بشأن البرنامج النووي السلمي الإيراني لا يمكن أن يبرر بأي شكل الجرائم المشتركة التي ارتكبتها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في انتهاك السيادة الإيرانية”.
وكانت إسرائيل قد شنت في 13 يونيو/حزيران هجوماً مفاجئاً على العاصمة طهران استهدف مواقع عسكرية ونووية ومدنية، إضافة إلى قادة كبار وعلماء في المجال النووي، ما دفع طهران إلى الرد بهجمات صاروخية وطائرات مسيرة، فيما قصفت القوات الأمريكية ثلاثة مواقع نووية إيرانية. واستمر التصعيد 12 يوماً قبل أن يتوقف بوساطة أمريكية عبر وقف إطلاق نار دخل حيز التنفيذ في 24 يونيو/حزيران.
ودعت الخارجية الإيرانية في بيانها إلى “محاسبة واشنطن على دورها في توفير الحصانة لإسرائيل ومنعها لأي تحرك فعال ضدها في مجلس الأمن الدولي، وعرقلتها للإجراءات القضائية الدولية الهادفة إلى ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين”.
مقال رأي: النظام الإيراني بعد عامين من “7 أكتوبر”.. مرحلة جديدة من التعقيد والمفارقات
الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 والحرب الواسعة في غزة لم يُعكّر فقط النظام الأمني في الشرق الأوسط، بل أدخل أيضاً النظام الإيراني في مرحلة جديدة من التعقيد والمفارقات.
الآن، بعد عامين من ذلك الحدث، يمكن القول إن النظام الإيراني يواجه وضعاً أكثر تعقيداً وتناقضاً من السابق؛ من جهة يواجه تضعيفاً ميدانياً لتحالفاته، ومن جهة أخرى يحاول من خلال الاستفادة من الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والأيديولوجية الحفاظ على نفوذه الإقليمي وإعادة تعريفه.
يُنظر إلى هجوم 7 أكتوبر على أنه نتاج شبكة من الجماعات القريبة من النظام الإيراني، لكن في الواقع، كانت تداعياته على طهران ليست سهلة.
في عام 2024، شنت إسرائيل وحلفاؤها هجمات متعددة على البنية العسكرية لحماس وحزب الله والقوات التابعة للنظام الإيراني في سوريا. وفقاً لمركز “تشاتام هاوس”، فإن هذه الهجمات وضعت محور المقاومة في موقف “ضعف أو على حافة الانهيار”. ومع ذلك، حاول النظام الإيراني إدخال تغييرات على استراتيجيته وإعادة ترتيبها تحت الضغط العسكري.
خلال العامين الماضيين، سعى ما يُعرف بمحور المقاومة، تحت ضغط إسرائيل وأميركا، إلى الخروج من كونه مجرد تحالف عسكري، والتحول إلى شبكة متعددة الأوجه من الروابط المالية والسياسية والأيديولوجية.
ومن خلال التدفقات المالية العابرة للحدود، والتعاون في مجال الطاقة، والدعم الإعلامي، حاول النظام الإيراني الحفاظ على هيكل هذا المحور حياً وفعالاً.
في هذه المرحلة، يشهد الشرق الأوسط وقوى المقاومة فيه مرحلة جديدة من التغير، وهنا تبرز أهمية تفعيل آلية الضغط الاقتصادي والعزلة الشديدة للنظام الإيراني في المنطقة.
العلاقات مع الجيران العرب: من التنافس إلى الحذر
كانت حرب غزة اختباراً جاداً للعلاقات المستعادة بين إيران والمملكة العربية السعودية. منذ اتفاق بكين في ربيع 2023، كان البلدان يسيران على مسار تخفيف التوتر، لكن أزمة غزة كشفت مرة أخرى عن فجوات خفية.
كما لعبت قطر دور الوسيط، وكانت الموقع الرئيسي لمفاوضات وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل. وقد رحبت طهران ضمنياً بهذا الدور، إذ سمحت قطر للسلطات الإيرانية بمتابعة جزء من مطالبها السياسية عبر مفاوضات غير مباشرة دون مواجهة مباشرة مع الغرب.
أما تركيا، فقد اتخذت موقفاً حاداً ضد إسرائيل بعد الهجوم، مستدعية سفيرها، لكنها، خلافاً للنظام الإيراني، تجنبت الانخراط في مواجهة مباشرة.
بشكل عام، أدت حرب غزة إلى أن تصبح علاقات النظام الإيراني مع الجيران المسلمين أكثر اعتماداً على الحذر وليس على الانسجام الأيديولوجي.
المواجهة مع الولايات المتحدة والغرب
أعاد “7 أكتوبر” اسم إيران إلى صدارة المخاوف الأمنية في الغرب. حيث اتُهمت طهران، بعد السابع من أكتوبر، بالدعم التسليحي والتدريبي لحماس، رغم عدم تقديم دليل قاطع. ومع ذلك، من خلال الوثائق المكتشفة في أنفاق حماس، والصورة التي نشرتها مؤخراً وسيلة إعلام قريبة من الحرس الثوري من غرفة عمليات 7 أكتوبر قبل أن تُحذف، يمكن استنتاج أن إيران لم تكن غافلة عن الهجوم.
رداً على ذلك، فرضت واشنطن وحلفاؤها عقوبات جديدة على المؤسسات المالية والأشخاص المرتبطين بمحور المقاومة.
إلى جانب الضغط الاقتصادي، زاد الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، حيث تمركزت حاملات الطائرات في شرق المتوسط والمنطقة الخليجية، وشنت هجمات على قواعد شبه عسكرية مدعومة من إيران في سوريا والعراق.
كانت هذه الاستعراضات العسكرية رسالة واضحة لطهران: أي توسع للصراع إلى جبهات أخرى سيواجه رداً مباشراً من الولايات المتحدة.
في الوقت نفسه، فرض الاتحاد الأوروبي، مع دعم وقف إطلاق النار الإنساني، عقوبات جديدة على الشبكات المالية والتكنولوجية المرتبطة بالحرس الثوري.
نتيجة لذلك، بعد 7 أكتوبر، توقف عمليا مسار التهدئة المحدود للنظام الإيراني مع الغرب، بينما أصبح الأميركيون، الذين كانت إيران تسعى لإخراجهم من المنطقة، متواجدين بكامل قوتهم العسكرية.
التوجه نحو الشرق
رداً على العزلة المتزايدة من الغرب، توجه النظام الإيراني أكثر نحو الشرق. وصلت العلاقات العسكرية مع روسيا إلى أعلى مستوياتها بعد حرب أوكرانيا، وبدأ البلدان تعاوناً استراتيجياً جديداً من خلال اتفاقيات دفاعية وأمنية.
قدمت طهران جزءاً من الاحتياجات العسكرية لموسكو من خلال تزويدها بالطائرات المسيّرة والمعدات، وفي المقابل استفادت من الدعم الدبلوماسي الروسي في مجلس الأمن.
أما الصين، فازدادت أهميتها باعتبارها المشتري الرئيسي للنفط الإيراني وشريكاً رئيسياً في مشاريع البنية التحتية، حيث ترى طهران عنصراً محورياً في الهيكل الأمني الجديد لغرب آسيا، ودعمت وجودها ضمن أطر منظمة شنغهاي وبريكس.
وبذلك، رغم عزلة إيران عن الغرب، فقد وجدت موقعاً جديداً في الشرق، قائماً على التعاون الاقتصادي والسياسي مع موسكو وبكين.
يمكن القول إن آثار السابع من أكتوبر لا تزال حاضرة، ويظهر الوضع المزدوج للنظام الإيراني: من جهة، ضعفت تحالفاته الإقليمية وتعرض نفوذه العسكري لضربات إسرائيلية متتابعة؛ ومن جهة أخرى، استطاع، عبر التحالفات الشرقية والدبلوماسية النشطة والشبكات الاقتصادية، الحفاظ على نفوذه حتى الآن.
لم يعد محور المقاومة يعتمد فقط على الصواريخ والحرب، بل أصبح شبكة من الروابط السياسية والمالية، ولا يزال يعمل تحت راية الأيديولوجيا الإيرانية.
يبقى السؤال: مع خطة السلام المقترحة من ترامب وهدوء جبهة غزة، ما التحولات المقبلة في مناطق نفوذ إيران؟ الأشهر القادمة ستكون حاسمة لتحديد مستقبل الشرق الأوسط.
اغتيال المعارض الإيراني مسعود نظري في إسطنبول يفتح فصلاً جديداً من الصراع الأمني بين طهران وأنقرة
قُتل المعارض الإيراني مسعود نظري مساء 14 أكتوبر في منطقة أرناؤوط كوي بإسطنبول بعد تعرضه لإطلاق نار أثناء عودته إلى منزله. ونُقل نظري إلى المستشفى بحالة حرجة لكنه فارق الحياة متأثراً بجراحه، فيما تواصل الشرطة التركية التحقيق لتحديد هوية المنفذين.
نظري، وهو شخصية دينية معروفة بانتقادها اللاذع للنظام الإيراني والحرس الثوري، كان قد فرّ من إيران قبل عشر سنوات عقب ملاحقته أمنياً. وقد حظي خبر اغتياله بتغطية واسعة في الإعلام الإيراني، وسط مؤشرات على تورط أطراف مرتبطة بأجهزة أمنية.
إيران بين الفوضى والخوف
تشهد إيران اليوم احتقاناً داخلياً غير مسبوق مع تصاعد التململ الشعبي وتنامي الحديث عن “اليوم التالي لسقوط النظام”. وبينما تتصارع الأجنحة السياسية والعسكرية على النفوذ، تواصل نواة الحرس الثوري إدارة المشهد من خلف الستار في ظل شعور متزايد باقتراب النهاية.
الاغتيالات كأداة للبقاء
في خضم هذا الاضطراب، اختار الحرس الثوري استراتيجية الرعب الخارجي لاستهداف المعارضين، خصوصاً من العلماء والنشطاء السنة في الخارج. فبعد اغتيال الناشط البلوشي رستم إجباري في هرات بأفغانستان في 8 أكتوبر، جاء اغتيال الشيخ مسعود نظري في إسطنبول ليؤكد انتقال المعركة إلى الأراضي التركية.
النظام الإيراني وجّه سابقاً تهديدات مباشرة لعائلة نظري، واعتقل والده في مدينة جوانرود الكردية، ملوّحاً بتصفيته إن لم يتوقف عن نشاطاته الدعوية بين الشباب السنة الإيرانيين..
أنقرة بين الحذر والتحول
بعد سنوات من ضبط النفس، تشير المؤشرات إلى أن تركيا بدأت تعيد تقييم موقفها الأمني تجاه إيران، خصوصاً بعد تكرار حوادث التجسس والاغتيالات على أراضيها.
ويرى مراقبون أن استمرار هذه العمليات قد يدفع أنقرة إلى إعادة صياغة العلاقة الأمنية مع طهران وربما الانخراط في تنسيق استخباراتي أوسع مع قوى عربية وغربية لمواجهة التمدد الأمني الإيراني.
متابعات عربية
قمة شرم الشيخ تضع حدّاً للحرب في غزة: اتفاق شامل لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى برعاية دولية
في حدث وُصف بالتاريخي، شهدت مدينة شرم الشيخ المصرية توقيع اتفاق شامل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعد شهور من الحرب المدمّرة بين إسرائيل وحركة حماس، وذلك برعاية الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا.
القمة التي عُقدت برئاسة مشتركة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، جمعت ممثلين عن أكثر من 20 دولة، وتهدف إلى تثبيت التهدئة وإطلاق مسار لإعادة إعمار غزة وضمان الأمن المتبادل على ضفتي الحدود.
تفاصيل الاتفاق
الاتفاق، الذي تم التوقيع عليه في منتجع شرم الشيخ المطلّ على البحر الأحمر، ينص على وقف فوري لإطلاق النار بين الجانبين، وبدء عملية تبادل للأسرى والمحتجزين تشمل إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء لدى حماس مقابل الإفراج عن نحو 2000 أسير فلسطيني من السجون الإسرائيلية.
كما يتضمن الاتفاق آلية رقابة دولية مشتركة تشارك فيها مصر وقطر وتركيا لضمان الالتزام بالهدنة، إضافة إلى خطة أولية لإعادة الإعمار بإشراف الأمم المتحدة ومؤسسات التمويل العربية.
في كلمته خلال الجلسة الختامية، قال الرئيس الأمريكي ترامب إن “اليوم يمثل لحظة تاريخية تُنهي واحدة من أطول الحروب في الشرق الأوسط”، معتبراً أن “اتفاق شرم الشيخ سيكون بداية لسلام حقيقي إذا التزمت جميع الأطراف”.
أما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فوصف الاتفاق بأنه “الفرصة الأخيرة لتحقيق سلام دائم في المنطقة”، مؤكّداً أن القاهرة ستواصل دورها كضامن للتهدئة وإعادة الإعمار.
ردود الفعل
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن عدم مشاركته في القمة، مبرراً غيابه بتزامن الموعد مع عطلة دينية يهودية، فيما اعتبرت مصادر دبلوماسية أن غيابه يعكس تحفظات إسرائيلية على بعض بنود الاتفاق، خصوصاً المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب، وذكرت مصادر أخرى أن عدم حضوره مرتبط برفض أطراف أخرى مثل تركيا والعراق.
من جانبها، رحبت السلطة الفلسطينية وحركة حماس بالاتفاق، مع تأكيد الأخيرة على “ضرورة التزام إسرائيل بوقف العدوان ورفع الحصار”.
مواقف دولية
الدول الراعية — مصر وقطر وتركيا والولايات المتحدة — أصدرت بياناً مشتركاً أكدت فيه التزامها بضمان تطبيق الاتفاق ومواصلة الجهود لتحقيق “سلام شامل وعادل في الشرق الأوسط”.
كما أعربت إيطاليا عن استعدادها للمشاركة في قوات حفظ الاستقرار في غزة في حال صدور تفويض أممي، فيما وصفت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني الحدث بأنه “يوم تاريخي وفرصة لبناء دولة فلسطينية مستقلة في المستقبل”.
حادث مأساوي يسبق القمة
وقبيل انطلاق القمة بساعات، لقي ثلاثة دبلوماسيين قطريين مصرعهم في حادث سير أثناء توجههم إلى شرم الشيخ، ما ألقى بظلال من الحزن على أجواء المؤتمر وأكّد حساسية المرحلة الأمنية.
ويرى محللون أن الاتفاق يشكّل نقطة تحول مهمة، لكنه لا يعني بالضرورة نهاية الصراع، إذ تبقى ملفات نزع سلاح الفصائل، مستقبل إدارة غزة، وحق الفلسطينيين في الدولة عالقة بانتظار مفاوضات لاحقة. (انظر) (انظر) (انظر) (انظر)
تحليل للأناضول: كيف تعيد تل أبيب تشكيل مفهوم التهديد لدى دول مجلس التعاون الخليجي
أعاد الهجوم الإسرائيلي على الدوحة طرح تساؤلات جوهرية حول مصداقية المظلة الأمنية الأمريكية التي طالما كانت تعتبر الركيزة الأساسية لأمن الخليج. إذ لم يعد من الممكن، وفق المؤشرات الراهنة، الاعتماد على النماذج الأمنية القديمة التي حكمت العلاقة بين واشنطن ودول مجلس التعاون الخليجي، بعدما برزت إسرائيل كلاعب مهيمن ومزعزع للاستقرار في معادلة التهديد الجديدة التي تواجهها المنطقة.
فعلى مدى عقود، كان الرأي العام العربي ينظر إلى كلٍّ من إسرائيل وإيران كمصدرين رئيسيين للخطر وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، حيث رأى كثيرون أن كلاً منهما يسهم، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في تأجيج الصراعات العربية بما يخدم مصالحه التوسعية.
أما الحكومات الخليجية، فكانت تميل إلى التركيز على التهديدات الجغرافية المباشرة مثل إيران أو الإرهاب، معتبرةً أن بقائها مرتبط بالتعامل مع تلك الأخطار القريبة.
لكن الضربة الإسرائيلية للدوحة في سبتمبر 2025 شكّلت نقطة تحول حاسمة، إذ فتحت الباب أمام تصور أوسع وأكثر تعقيداً للأمن الإقليمي.
التحول في إدراك التهديد: إسرائيل في موقع الصدارة
رأت بعض دول الخليج، سابقاً، في إسرائيل بوابة لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة أو حتى شريكاً ضمنياً ضد إيران. واستغلت تل أبيب تلك النظرة لتعزيز حضورها السياسي في الخليج والمنطقة.
غير أن تغيّر موازين القوة – بضعف إيران وتزايد النفوذ الخليجي داخل دوائر القرار الأمريكي – قلّص الحاجة إلى تلك الشراكة غير المعلنة، بل جعلها عبئاً سياسياً.
الهجوم على قطر، الذي مثّل أول اعتداء إسرائيلي مباشر على دولة عضو في مجلس التعاون، شكّل تحولاً في قواعد اللعبة. فاستهداف دولة حليفة لواشنطن وتضم أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، أعاد صياغة حسابات الأمن الخليجي وأجبر العواصم الخليجية على إعادة تقييم مصادر التهديد.
ولم يكن هذا التحول نابعاً من ثقة جديدة في طهران، بل من إدراك متزايد لخطورة النزعة العسكرية الإسرائيلية المنفلتة التي تهدد بجرّ المنطقة إلى فوضى شاملة.
إسرائيل كتهديد مباشر ومتعدد الأبعاد
قال ماجد الأنصاري، المتحدث باسم الخارجية القطرية ومستشار رئيس الوزراء، إن “الهجوم على قطر غيّر وجه المنطقة إلى الأبد. منطقتنا بعد 9 سبتمبر ليست كما كانت قبله.”
هذه العبارة تختصر التحول في الإدراك الأمني الخليجي من تركيز تقليدي على إيران والجماعات المسلحة إلى رؤية أوسع تعتبر إسرائيل تهديداً مباشراً للسيادة والاستقرار الإقليمي.
يتجلى هذا التحول في ثلاث نقاط رئيسية:
- الطموح الهيمني لإسرائيل:
باتت عملياتها العسكرية في غزة ولبنان وسوريا، والآن في الخليج، تُفسَّر كجزء من استراتيجية توسعية لفرض الهيمنة الإسرائيلية على العالم العربي. هذا التوجه يهدد السيادة والاستقلال السياسي لدول الخليج ويقوض شرعية أنظمتها الحاكمة. - الغضب الشعبي والضغط الداخلي:
استمرار الإبادة الجماعية في غزة أثار موجات غضب عارمة في الشارع العربي، ما زاد الضغط على الحكومات الخليجية التي تسعى للحفاظ على استقرارها الداخلي وسط تصاعد النقمة الشعبية تجاه إسرائيل وحلفائها. - تهديد الخطط الاقتصادية الخليجية:
التوتر الدائم الذي تسببه إسرائيل في المنطقة يهدد برامج التنويع الاقتصادي في دول الخليج، ويقوّض الاستقرار اللازم لجذب الاستثمارات والسياحة، ما يجعل إسرائيل تُرى الآن كخطر مباشر على الأمن الاقتصادي الخليجي.
تآكل الثقة في المظلة الأمنية الأمريكية
أعاد الهجوم الإسرائيلي على الدوحة التشكيك في موثوقية الضمانات الأمنية الأمريكية، إذ فشلت واشنطن في منع استهداف أحد أهم حلفائها. هذا الفشل دفع العواصم الخليجية إلى إعادة تقييم اعتمادها شبه المطلق على الولايات المتحدة، والبحث عن بدائل لتعزيز أمنها.
تشير المعطيات إلى توجه متصاعد نحو تنويع التحالفات الدفاعية، عبر بناء شراكات مع قوى إقليمية ودولية مثل تركيا، الصين، وروسيا، إلى جانب السعي لإنشاء هيكل أمني إقليمي أكثر استقلالاً.
ولا يعني ذلك قطيعة مع واشنطن، بل تحولاً استراتيجياً نحو سياسة خارجية متعددة المحاور.
مستقبل الأمن الخليجي في ظل التوازنات الجديدة
تتجه دول الخليج، بحسب التحليلات، إلى زيادة إنفاقها الدفاعي بعد هجوم قطر، خصوصاً في مجالات الدفاع الجوي، ومكافحة الطائرات المسيّرة، والأمن السيبراني. كما تسعى لتقليص اعتمادها على الأسلحة الأمريكية عبر تنويع مصادر التسليح.
في المحصلة، باتت الأنماط الأمنية القديمة غير قابلة للاستمرار. فإسرائيل لم تعد مجرد طرف إقليمي مثير للجدل، بل فاعل مهيمن ومزعزع أعاد رسم خريطة التهديدات في الذهنية الخليجية.
والسؤال المطروح اليوم: هل ستنجح دول الخليج في بناء نظام أمني عربي جديد يوازن بين مصالحها ويحمي استقلالها أمام تمدد تل أبيب وتراجع واشنطن؟ (الأناضول)
انتفاضة الجيل الرقمي في المغرب… جيل “زد” يقود ثورة احتجاج بلا شوارع
كشفت دراسة بحثية موسعة بعنوان «انتفاضة الجيل الرقمي في المغرب: تحليل شامل لاحتجاجات جيل زد» عن تحوّل عميق في طبيعة الحراك الاجتماعي والسياسي داخل المغرب، بعد أن أصبح الفضاء الرقمي المنصة الأساسية للاحتجاج والتعبير، بدل الشارع أو الأحزاب التقليدية.
ووفق الدراسة، التي حلّلت أنماط التعبئة الرقمية بين عامي 2023 و2024، فإن جيل زد المغربي — أبناء الإنترنت ومنصات التواصل — بات يشكل قوة احتجاجية جديدة تتجاوز الأيديولوجيات الحزبية، وتتحرك بدوافع الكرامة والعدالة الاجتماعية والغضب من التفاوت الاقتصادي.
ويشير التقرير إلى أن هذا الجيل «لا ينتمي إلى اليسار أو اليمين»، بل إلى ما تسميه الدراسة «الفردانية الواعية»، أي الوعي الجمعي الذي يتشكّل عبر الإنترنت خارج مؤسسات الدولة والمجتمع المدني.
ويؤكد الباحثون أن وسائل التواصل الاجتماعي تحولت إلى فاعل سياسي حقيقي، بعد أن فقد الإعلام التقليدي قدرته على التأثير، حيث لعب المؤثرون دور “قادة رأي” جدد، ونجحوا في كسر احتكار الدولة للمعلومة وتوجيه النقاش العام.
أما على مستوى التعامل الرسمي، فتشير الدراسة إلى أن السلطات المغربية اعتمدت نهجاً أكثر هدوءاً وذكاءً في مواجهة هذا الجيل، يقوم على الاحتواء الرقمي والمراقبة والتعاون مع بعض صناع المحتوى، بدل القمع المباشر أو الاعتقال الجماعي كما في احتجاجات العقد الماضي.
وتخلص الدراسة إلى أن جيل زد لا يسعى لإسقاط النظام السياسي، بل إلى «إعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة على أساس الشفافية والعدالة». وتؤكد أن ما يجري في المغرب يمثل نموذجاً مبكراً لاحتجاجات عربية قادمة، حيث تتحول المنصات الرقمية إلى ساحات احتجاج رمزي ومجتمع مدني جديد.
متابعات دولية
الصين تشدد قيود تصدير المعادن النادرة واستيراد فول الصويا الأمريكي في خطوة استراتيجية تسبق لقاء شي جين بينغ وترامب
في خطوة تحمل أبعاداً استراتيجية واضحة، أعلنت الصين فرض قيود جديدة على تصدير عدد من المعادن النادرة التي تُعدّ أساسية في الصناعات التكنولوجية والعسكرية حول العالم.
ويأتي القرار قبل أسابيع قليلة من اللقاء المرتقب بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ، المتوقع عقده على هامش قمة أبيك (APEC) في كوريا الجنوبية أواخر الشهر الجاري.
تفاصيل القرار الجديد
في “الإعلان رقم 61 لعام 2025″، أوضحت وزارة التجارة الصينية أنها ستوسّع قائمة المعادن الخاضعة للرقابة التصديرية، مضيفة خمسة عناصر جديدة إلى قائمة تضم سبعة معادن سبق تقييد تصديرها في أبريل الماضي.
وتشمل العناصر الجديدة:
الهولميوم، والإيربيوم، والثوليوم، والأوروبيوم، والإيتربيوم.
أما المعادن السبعة التي فُرضت عليها قيود سابقة فهي:
الساماريوم، والجادولينيوم، والتيربيوم، والديسبروسيوم، واللوتيتيوم، والسكانديوم، والإيتريوم.
وبذلك تصبح 12 من أصل 17 معدناً نادراً خاضعة لتراخيص تصدير مشددة من قبل بكين.
كما فرضت الحكومة قيوداً إضافية على تصدير الأجهزة والتقنيات المتخصصة في معالجة وتنقية المعادن النادرة، على أن تدخل الإجراءات حيّز التنفيذ في الأول من ديسمبر 2025.
وبموجب القرار، بات على الشركات الأجنبية الراغبة في استيراد معادن نادرة أو مواد تحتوي على أكثر من 0.1% من العناصر الثقيلة النادرة أن تحصل على موافقة مسبقة من بكين، مع تقديم توضيح مفصل حول الاستخدام النهائي للمنتجات المصنّعة بها.
دوافع القرار: الأمن القومي أولاً
أرجعت الصين هذه الخطوة إلى اعتبارات الأمن القومي، مشيرة إلى أن بعض الكيانات الأجنبية “نقلت أو أعادت تصدير” المواد النادرة الصينية لاستخدامات عسكرية حساسة.
وقال متحدث باسم وزارة التجارة الصينية: “المعادن النادرة تُستخدم في التطبيقات المدنية والعسكرية على السواء، وتطبيق ضوابط تصديرها ممارسة دولية مشروعة. لكن بعض الأطراف الأجنبية قامت بتحويل هذه المواد لأغراض عسكرية، مما يهدد الأمن القومي الصيني ويقوّض الاستقرار الدولي وجهود منع الانتشار.”
أهمية المعادن النادرة
تُستخدم المعادن النادرة في إنتاج البطاريات، والسيارات الكهربائية، وشاشات LED، وعدسات الكاميرات، والشرائح الإلكترونية، كما تدخل بشكل مباشر في الصناعات الدفاعية.
وبحسب مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS)، تُستعمل هذه المعادن في تصنيع مكونات مقاتلات F-35، وغواصات Virginia وColumbia، وصواريخ توماهوك، وأنظمة الرادار والطائرات المسيّرة والصواريخ الذكية الموجّهة.
الصين تمثل أكبر منتج ومصدّر للمعادن النادرة في العالم، إذ تستخرج أكثر من 60% من الإنتاج العالمي وتُعالج نحو 90% من مجمل الكميات المستخدمة دولياً، ما يجعلها لاعباً احتكارياً في هذا المجال الحيوي.
خلفية سياسية وتجارية
يأتي القرار قبل 3 أسابيع فقط من زيارة الرئيس ترامب إلى آسيا، حيث سيحضر قمة APEC ويلتقي الرئيس الصيني للمرة الأولى منذ عام 2019.
وتسعى واشنطن وبكين منذ أشهر إلى إعادة التوازن للعلاقات التجارية بعد تبادل فرض رسوم جمركية مرتفعة (145% من الجانب الأميركي و125% من الجانب الصيني) مطلع العام الجاري، قبل أن يتم خفضها تدريجياً والتوصل إلى هدنة مؤقتة مدتها 90 يوماً تم تمديدها مرتين.
ويرى محللون أن بكين تسعى عبر هذا القرار إلى تعزيز أوراقها التفاوضية قبيل اللقاء المرتقب، وتذكير واشنطن بأنها تملك القدرة على “تسليح” سلاسل الإمداد العالمية في حال تصاعد التوترات التجارية أو التكنولوجية.
التأثيرات المحتملة على الولايات المتحدة
الولايات المتحدة هي أكبر مستورد للمعادن النادرة الصينية، إذ بلغت وارداتها نحو 22.8 مليون دولار عام 2023، أي ما يعادل 70% من إجمالي احتياجاتها في هذا المجال.
وتُستخدم هذه المعادن في مجالات تمتد من الأسلحة المتقدمة والطائرات الحربية إلى الهواتف الذكية والمعدات الطبية والسيارات الكهربائية.
وقالت الباحثة غرايسلين باسكاران، مديرة برنامج أمن المعادن الحرجة في مركز CSIS، إن القرار الصيني سيُعمّق هشاشة سلاسل التوريد الأميركية: “القيود الجديدة تزيد الفجوة بين قدرات الصين والولايات المتحدة الصناعية والعسكرية، وقد تمنح بكين تفوقاً تقنياً في المجالات الدفاعية خلال السنوات المقبلة.”
من جانبها، رأت الخبيرة الأميركية كريستين فيكاسي من جامعة مونتانا أن القرار يمثل “مناورة سياسية مدروسة”: “الصين لم تُطلق بعد الرصاصة الأولى في حرب المعادن، لكنها تذكّر واشنطن بأنها قادرة على ذلك متى شاءت. إنها رسالة ضغط قبل قمة ترامب–شي، تهدف إلى تقوية موقف بكين التفاوضي.”
استثناءات محدودة
أوضحت وزارة التجارة الصينية أن القيود الجديدة لن تشمل الصادرات المتعلقة بالاحتياجات الطبية العاجلة أو الاستجابة للكوارث، مؤكدة في الوقت نفسه استعدادها لـ”تعزيز الحوار الثنائي ومتعدد الأطراف لضمان أمن واستقرار سلاسل الإمداد العالمية”.
في سياق متصل، وجد مزارعو فول الصويا الأميركيون أنفسهم أمام واقع صادم: الصين لم تعد بحاجة إليهم.
ووفقاً لتقرير صادر عن جمعية فول الصويا الأميركية، فإن بكين لم تشتر أي شحنات من فول الصويا الأمريكي منذ مايو الماضي، بعدما حولت وارداتها نحو البرازيل والأرجنتين، اللتين استحوذتا على الطلبيات الصينية الضخمة. وبهذا التحول، خسر المزارعون الأميركيون أحد أهم أسواقهم التاريخية، وبدأت المخاوف تتصاعد مجدداً من تكرار سيناريو عام 2018، حين هبطت صادرات فول الصويا الأمريكية إلى 3.1 مليارات دولار بعد أن كانت 14 مليار دولار قبل الحرب التجارية الأولى لترامب.
ويُنظر إلى تراجع المشتريات الصينية على أنه ضربة قاسية للقطاع الزراعي الأميركي، خصوصاً أن كثيراً من المزارعين لم يتعافوا بعد من آثار النزاعات التجارية السابقة التي أغلقت أمامهم سوقاً كانت تستحوذ على نحو 60% من صادراتهم.
وتُظهر بيانات وزارة الزراعة الأميركية أن إجمالي الصادرات الزراعية إلى الصين تراجع بنسبة 53% خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بعدما فرضت بكين رسوماً جمركية بنسبة 20% على الواردات الأميركية.
خلاصة تحليلية
تُظهر هذه الخطوة أن الصين تستخدم الموارد الطبيعية كورقة نفوذ إستراتيجية في معركتها التجارية مع الولايات المتحدة.
ففي وقت تسعى واشنطن للحد من وصول بكين إلى تقنيات الرقائق الإلكترونية المتقدمة، تردّ الصين بإمساك “عنق الزجاجة” في سوق المعادن الحيوية التي يعتمد عليها الاقتصاد والتسليح الأميركي، وفي نفس الوقت تقيد استيراد فول الصويا الأمريكي ما سيشكل ضرراً بالغاً على المزارعين الأمريكيين، خاصة في منطقة وصت الغرب، وهم الذين يشكلون جزءاً رئيسياً من القاعدة الشعبية الداعمة لترامب.
ويبدو أن قمة شي–ترامب المقبلة، إن تمت، ستكون اختباراً حقيقياً لمدى قدرة الجانبين على كبح التصعيد، أو أنها ستفتح فصلاً جديداً من “حرب الموارد النادرة” التي قد تعيد تشكيل خريطة النفوذ الاقتصادي العالمي خلال السنوات المقبلة.
ما بعد الاشتباكات الدامية بين باكستان وأفغانستان: هل تتجه المنطقة نحو انفجار جديد أم احتواء دبلوماسي؟
شهدت الحدود بين باكستان وأفغانستان خلال الأيام الماضية توتراً غير مسبوق، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة أسفرت عن سقوط عشرات القتلى وتبادل الطرفين الاتهامات بشأن انتهاك السيادة وتدمير مواقع حدودية.
شرارة الانفجار: تفجيرات داخل كابل وباكتيا
بدأت الأحداث حين دوّت ثلاث انفجارات يوم الخميس 9 أكتوبر، اثنان منها في العاصمة كابل والثالث في سوق مدني بولاية باكتيا، ما دفع وزارة الدفاع في حكومة طالبان إلى اتهام إسلام آباد بخرق السيادة الأفغانية.
ورغم عدم تبنّي باكستان للهجمات، شدّدت على ضرورة تحجيم نشاط مسلحي “تحريك طالبان باكستان”، الذين تتهمهم بالانطلاق من الأراضي الأفغانية.
وكشف مسؤول أمني باكستاني لوكالة رويترز أن الهجمات كانت تستهدف اغتيال قائد طالبان باكستان نور ولي محسود أثناء تنقله في كابل، إلا أن مصيره لا يزال مجهولاً حتى الآن.
من الحلفاء إلى الأعداء: علاقة متدهورة
رغم أن طالبان وأجهزة الأمن الباكستانية كانتا حليفتين في الماضي، فإن العلاقة بينهما توترت بشدة خلال العامين الماضيين، خصوصاً بعد اتهامات متكررة من إسلام آباد بأن كابل تؤوي قادة طالبان باكستان وتغض الطرف عن نشاطاتهم داخل أراضيها.
ووفقاً لمركز الدراسات الأمنية في إسلام آباد، فقد قُتل أكثر من 2414 شخصاً في أعمال عنف خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025، ما يجعل هذا العام من أكثر الأعوام دموية في باكستان بعد عام 2024 الذي شهد مقتل 2546 شخصاً.
الضربات الجوية تتجاوز الحدود
بالتوازي مع تصاعد الهجمات، كثفت باكستان الضربات الجوية داخل الأراضي الأفغانية، مستهدفة مواقع تزعم أنها تأوي خلايا تابعة لطالبان باكستان.
ويرى المحلل السياسي محمود جان بابر أن كابل تتردد في اتخاذ إجراءات صارمة ضد طالبان باكستان خشية اندلاع تمرد داخلي، مشيراً إلى أن بعض مقاتليها قد ينضمون إلى تنظيم الدولة – ولاية خراسان في حال تفاقم الصراع.
قبل الهدنة: انفجارات تهز كابل
وقبيل ساعات من أي اتفاق لوقف إطلاق النار، تصاعدت سحب الدخان الأسود فوق كابول مساء الأربعاء إثر انفجارين متزامنين، أسفرا عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة 35 آخرين وفق منظمة إيميرجنسي الإيطالية التي تدير مستشفى في العاصمة.
اتفاق على وقف إطلاق نار مؤقت
وفي محاولة لاحتواء الموقف، أعلنت وزارة الخارجية الباكستانية وحكومة طالبان الأفغانية عن اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة.
وجاء في بيان الخارجية الباكستانية أن “الطرفين اتفقا على التهدئة اعتباراً من الساعة السادسة مساء الأربعاء بناءً على طلب طالبان”، مؤكدة أن الجانبين “سيعملان بجد لإيجاد حل بنّاء ودائم للأزمة”.
بينما قال المتحدث باسم حكومة أفغانستان ذبيح الله مجاهد إن “الهدنة جاءت بناءً على طلب وإصرار الجانب الباكستاني”، مضيفاً أن “الإمارة الإسلامية وجّهت جميع قواتها لاحترام وقف إطلاق النار وعدم خرقه”.
موقف الدول الإقليمية
قوبلت الاشتباكات بقلق إقليمي واسع، إذ دعت إيران وقطر والسعودية الطرفين إلى التهدئة وتغليب الحوار.
وفي المقابل، التزمت الهند الصمت رغم زيارة وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي إلى نيودلهي، ما أثار تساؤلات في أوساط إسلام آباد التي رأت في الزيارة إشارة سياسية غير ودّية.
وتشير تحليلات إلى أن الترحيب الهندي الحار بمتقي ربما ساهم في توتر الموقف الباكستاني ودفع الجيش إلى التصعيد الأخير.
هل تتجه الأمور نحو حرب مفتوحة؟
رغم حدة الاشتباكات، يستبعد محللون تطور المواجهة إلى نزاع شامل، إذ يرى السفير الباكستاني السابق عاصف دوراني أن أفغانستان “تفتقر للقدرات العسكرية النظامية لمواجهة مفتوحة”، مضيفاً أن “حرب العصابات شيء، والمواجهة النظامية شيء آخر”.
ويشير الخبير إبراهيم بحيس من مجموعة الأزمات الدولية إلى أن البلدين يواجهان ضغوطاً داخلية معقدة، ما يجعل من مصلحتهما تهدئة الوضع لا تصعيده.
فرصة دبلوماسية حذرة
يرى مراقبون أن الهدنة المؤقتة قد تكون فرصة لاختبار النوايا وفتح الباب أمام مفاوضات أوسع، خاصة في ظل رغبة قوى كبرى مثل الصين وروسيا في استقرار الحدود.
لكن تبقى طالبان باكستان هي العقدة الأصعب، إذ ترفض كابل الاعتراف بوجودها داخل أراضيها، لتظل مصدر التوتر الدائم بين الجارين اللذين يختبران اليوم أصعب فصول علاقتهما منذ عقود. (الجزيرة نت)
تحليل: التصعيد المتدحرج بين باكستان وأفغانستان.. جذور الصراع
شهدت الحدود بين باكستان وأفغانستان مؤخراً تصعيداً عسكرياً خطيراً، أعاد فتح ملفات الصراع المزمن بين البلدين، وأثار تساؤلات حقيقية حول طبيعة المرحلة القادمة في العلاقة الثنائية، لا سيما في ظل تداخلات داخلية وإقليمية معقدة.
الأبعاد التاريخية والجيوسياسية
تستند جذور التوتر البنيوي بين البلدين إلى الخلاف المزمن حول “خط ديوراند”، الذي رسمته بريطانيا في نهاية القرن التاسع عشر، وفصل مناطق البشتون بين ما كان حينها “الهند البريطانية” وأفغانستان.
رفضت كابل الاعتراف بالخط كحدود دولية، واعتبرت إقامة باكستان لسياج حدودي انتهاكاً لسيادتها، ما أدى إلى تكرار الاشتباكات بين الجانبين خلال العقود الماضية.
تصاعد التوتر بشكل خاص بعد عودة حركة طالبان الأفغانية إلى السلطة عام 2021، حيث نشطت على إثرها حركة طالبان باكستان، التي تتهمها إسلام آباد بالتخطيط لهجمات عبر الأراضي الأفغانية، بينما تنفي كابل هذه الاتهامات، وتحمّل باكستان مسؤولية فشلها في احتواء الأزمة داخلياً.
أدوات الضغط المتبادل
لجأت باكستان إلى سياسة ضغط شاملة ومتعددة الأدوات، تمثّلت في:
تنفيذ غارات جوية متكررة على ما تصفه بمعسكرات طالبان باكستان داخل العمق الأفغاني.
إغلاق المعابر التجارية وفرض قيود على تدفّق السلع، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في أفغانستان.
إصدار قرار رسمي بترحيل ما يُقارب 3 ملايين لاجئ أفغاني، مما تسبب في أزمة إنسانية خانقة.
في المقابل، ردت كابل عبر هجمات على عشرات المواقع العسكرية الباكستانية، مستخدمة تكتيكات مدروسة لتوجيه رسالة ردع دون الانجرار إلى حرب مفتوحة.
التحركات الدبلوماسية والمشهد الإقليمي
أضفى السياق الإقليمي مزيداً من التوتر على المشهد، حيث تزامن التصعيد مع زيارة وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي إلى الهند، في تحرك فُسّر في باكستان كمؤشر على انفتاح استراتيجي مقلق تجاه الخصم التقليدي.
جاء ذلك في ظل تقارب متسارع بين باكستان والولايات المتحدة، تُرجم بزيارة قائد الجيش الباكستاني عاصم منير إلى واشنطن، ما يشير إلى أن التصعيد لم يكن معزولاً عن تحوّلات التحالفات في جنوب آسيا.
دلالات الضربة داخل كابل
تمثل الغارة الباكستانية في كابل تطوراً نوعياً في نمط الاشتباك، إذ تجاوزت لأول مرة الخطوط الحدودية التقليدية، ونُفذت في قلب العاصمة السياسية والأمنية لأفغانستان.
هذه الخطوة حملت دلالات سياسية واضحة: كسر هيبة السلطة، واختبار حدود رد فعلها، وفرض قواعد اشتباك جديدة، ما فرض على كابل الرد دون الانجرار إلى تصعيد شامل.
سيناريوهات محتملة
استمرار التصعيد المحدود: عبر ضربات متبادلة مدروسة، وتبادل رسائل ردع داخل نطاق محسوب.
انفجار الصراع: في حال فشل الوساطات الإقليمية أو حدوث هجمات نوعية جديدة.
احتواء تدريجي: بدفع من قوى إقليمية فاعلة (الصين، قطر، إيران) لتثبيت خطوط التماس وإعادة إطلاق حوار أمني مباشر.
التقدير النهائي
يُرجّح أن الطرفين لا يرغبان في حرب مفتوحة، نظراً للأزمات الداخلية الاقتصادية والأمنية التي تعصف بهما، لكن استمرار الاتهامات، وغياب آليات موثوقة لفض الاشتباك، ووجود أطراف خارجية متضاربة المصالح، تجعل من خطر الانزلاق دائم الحضور.
الاختبار الحقيقي الآن يتمثل في قدرة الطرفين على تحييد ملف طالبان باكستان، وفصل مسارات الاشتباك الحدودي عن حسابات التحالفات الإقليمية. (مركز قاسيون للدراسات)
هل تغيّر صواريخ “توماهوك” مجرى الحرب في أوكرانيا؟
تثير مطالبة أوكرانيا للولايات المتحدة بتزويدها بصواريخ “توماهوك” الجوالة جدلاً واسعاً حول التداعيات العسكرية والسياسية المحتملة لهذه الخطوة، إذ تُعدّ هذه المنظومة من الأسلحة القادرة على تغيير موازين القوة الإقليمية، وربما تفجير أزمة جديدة في العلاقات بين واشنطن وموسكو.
طلب رسمي وتلميحات بالموافقة
خلال لقائه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سبتمبر الماضي، طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رسمياً تزويد بلاده بصواريخ “توماهوك”، وهي من أكثر الصواريخ الأمريكية تطوراً في فئتها. وبعد أسابيع، صرّح نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس بأن الطلب قيد الدراسة، في حين لمح ترامب في السادس من أكتوبر إلى إمكانية إعطاء الضوء الأخضر لعملية التسليم.
هذا الطلب يأتي ضمن سلسلة طويلة من المساعي الأوكرانية للحصول على أسلحة بعيدة المدى منذ اندلاع الحرب، في إطار محاولة نقل المعركة إلى العمق الروسي وكسر الجمود الميداني.
ما الذي يجعل “توماهوك” مختلفة؟
صُمّمت صواريخ توماهوك في سبعينيات القرن الماضي كمنظومة هجومية استراتيجية يمكن إطلاقها من السفن والغواصات والطائرات والمنصات البرية، وتتميز بمدى يتجاوز 1500 كيلومتر وقدرة عالية على إصابة الأهداف بدقة شبه مطلقة.
تعتمد الصواريخ على أنظمة ملاحية متقدمة مثل TERCOM (مطابقة التضاريس) وDSMAC (مطابقة الصور الرقمية)، ما يتيح لها التحليق على ارتفاع منخفض جداً لتفادي الرادارات وضرب أهدافها بدقة سنتيمترية.
ومنذ دخولها الخدمة في الثمانينيات، استخدمتها الولايات المتحدة في معظم عملياتها العسكرية، من حرب الخليج عام 1991 إلى العمليات في العراق وسوريا وليبيا.
تأثير عسكري محتمل
يمتلك الجيش الأوكراني حالياً ترسانة من الصواريخ الغربية، أبرزها Storm Shadow البريطانية وATACMS الأمريكية، إضافة إلى مسيّرات انتحارية محلية الصنع. ومع ذلك، تبقى هذه القدرات عاجزة عن استهداف البنية التحتية الروسية العميقة.
أما في حال حصول كييف على صواريخ “توماهوك”، فستتمكن نظرياً من ضرب منشآت الطاقة، والمراكز القيادية، والقواعد العسكرية داخل العمق الروسي، وهو ما قد يلحق ضرراً جسيماً بالاقتصاد الروسي وقدراته الدفاعية.
كما قد تشكل هذه الصواريخ تهديداً مباشراً لأسطول البحر الأسود الروسي ومرافئه الحيوية. فتعطيل مرافق الصيانة والدعم أو تدمير القطع البحرية الكبيرة قد يضعف قدرة موسكو على الحفاظ على نفوذها في البحر الأسود بعد الحرب.
البعد السياسي والاستراتيجي
رغم هذه المكاسب المحتملة لأوكرانيا، يرى الخبراء أن تداعيات التسليم السياسية قد تكون أخطر من تأثيره العسكري. فروسيا تعتبر تزويد كييف بصواريخ “توماهوك” عملاً عدائياً مباشراً و “تجاوزاً لخط أحمر”.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صرّح بأن هذه الخطوة “قد تُدمّر العلاقات الروسية – الأمريكية بالكامل”، في حين حذّر المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف من أن القرار “سينقل الصراع إلى مرحلة أكثر خطورة”.
تخشى موسكو من أن هذه الصواريخ، بحكم طبيعتها التقنية، تتطلب إشرافاً استخباراتياً أمريكياً مباشراً لتحديد الأهداف ومسارات الطيران، ما يعني – من وجهة نظرها – أن الولايات المتحدة ستصبح طرفاً فعلياً في الحرب.
لماذا تصرّ كييف على الحصول عليها؟
- ترتكز إصرارية أوكرانيا على ثلاثة أهداف رئيسية:
- تعزيز قدرة الردع والانتقام ضد الهجمات الروسية بعيدة المدى.
- ضرب مراكز الإمداد والقيادة الروسية لإضعاف الجبهة الخلفية.
- رفع المعنويات داخلياً وإرسال رسالة إلى موسكو والعالم بأن الدعم الغربي مستمر ومتطور.
لكن مع مرور أكثر من ثلاث سنوات على الحرب دون تغيير جذري في مسارها، يشكك كثيرون في أن إدخال “توماهوك” وحده سيكون كافياً لإحداث تحول استراتيجي كبير، خاصة إذا اقتصر الدعم الأمريكي على أعداد محدودة وتحت قيود تشغيلية صارمة.
خاتمة: سلاح يخلّ بتوازن القوى
تُعدّ “توماهوك” أكثر من مجرد سلاح هجومي، بل أداة قادرة على قلب المعادلات السياسية والعسكرية في المنطقة. فبينما تمنح كييف قدرة على توجيه ضربات مؤلمة، فإنها أيضاً تزيد من احتمالات التصعيد المباشر بين موسكو وواشنطن.
لذلك، يرى المحللون أن التأثير النهائي لهذه الخطوة سيعتمد على حجم التسليم، وطبيعة الاستخدام، وردّ الفعل الروسي.
فقد تكون هذه الصواريخ بداية مرحلة جديدة من التوازن الردعي… أو نقطة انطلاق لتصعيد لا يمكن السيطرة عليه.
إيطاليا تقترب من الاعتراف بدولة فلسطين بعد اتفاق غزة
أعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني الإثنين 13 أكتوبر، أن بلادها باتت “أقرب من أي وقت مضى” إلى الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، وذلك عقب اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل وحركة حماس بوساطة أمريكية.
وقالت ميلوني، في تصريحات للصحفيين على هامش قمة السلام في شرم الشيخ بمصر، وفقاً لوكالة الأنباء الإيطالية (ANSA): “من الواضح أنه إذا تم تنفيذ الخطة، فإن اعتراف إيطاليا بدولة فلسطين سيصبح أقرب بالتأكيد.”
وأكدت ميلوني أن إيطاليا تهدف إلى دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة، مع الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة، مشيرةً إلى استعداد بلادها للمساهمة في استقرار القطاع، بما في ذلك إرسال قوات من الدرك (الكارابينييري) في حال صدور قرار أممي بهذا الشأن.
وأضافت: “إيطاليا مستعدة للقيام بدورها. إنها فرصة عظيمة ويوم تاريخي، وأنا فخورة بوجود إيطاليا هنا.”
وأشادت ميلوني بالاتفاق ووصفته بأنه “نجاح كبير للرئيس الأمريكي دونالد ترامب”، متمنية له “مزيداً من النجاحات، بدءاً من الملف الأوكراني”.
متابعات إفريقية
عودة قضية صوماليلاند إلى واجهة الاهتمام الدولي
عادت قضية صوماليلاند إلى دائرة الضوء مجدداً بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كشف أن واشنطن “تمسك بالمبادرة وتعمل عليها حالياً”، في إشارة إلى تحرك دبلوماسي محتمل نحو حلّ قضية الإقليم الانفصالي عن الصومال.
ورغم الإنجازات التي حققتها هرجيسا في مجالات الأمن والتنمية والانتقال السلمي للسلطة، إلا أن مساعيها للاعتراف الدولي تواجه عقبات قانونية وسياسية، أبرزها غياب توافق داخلي شامل، وافتقار الانفصال الأحادي عام 1991 لأي غطاء أممي أو اتفاق رسمي مع مقديشو.
التحليل يشير إلى أن الإرث الاستعماري البريطاني أسهم في تعقيد العلاقة بين الشمال والجنوب، من خلال تقسيم الأراضي وخلق اختلالات اقتصادية واجتماعية لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم. كما يرى الخبراء أن تجارب الانفصال السابقة مثل إريتريا وجنوب السودان لا تصلح كمرجعية قانونية لحالة صوماليلاند.
وتشير التقارير إلى أن عشر جولات تفاوضية بين هرجيسا ومقديشو لم تثمر عن نتائج ملموسة بسبب تمسك كل طرف بموقفه، بينما اعتُبر تقرير الاتحاد الإفريقي لعام 2005 منحازاً لجهة هرجيسا ومفتقراً للتوازن المهني.
ويرى مراقبون أن الحلّ لن يكون عبر الضغط الدولي بل من خلال حوار وطني شامل يعيد تعريف العلاقة بين الإقليم والدولة الأم على أسس سياسية وقانونية جديدة.
إثيوبيا تتهم إريتريا بالتحضير لهجوم عسكري وسط تصاعد التوتر في البحر الأحمر
اتهمت إثيوبيا جارتها إريتريا بالتحضير لعمل عسكري ضدها، في تصعيد جديد ينذر بإعادة إشعال الصراع في منطقة القرن الأفريقي.
وفي رسالة موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قال وزير الخارجية الإثيوبي جيديون تيموثيوس إن لدى بلاده “أدلة على تواطؤ واضح” بين الحكومة الإريترية وجبهة تحرير شعب تغراي، الخصم السابق لأديس أبابا في الحرب الأهلية التي انتهت العام الماضي.
وأشار الوزير إلى أن الجانبين “يمولان ويحشدان ويوجهان جماعات مسلحة” في منطقة أمهرا شمالي إثيوبيا، في ما وصفه بمحاولة لزعزعة استقرار البلاد.
وتأتي هذه الاتهامات في ظل توتر متزايد في البحر الأحمر، وتنامي العلاقات بين إريتريا ومصر، وهي خطوة تراها أديس أبابا مهددة لمصالحها الإقليمية، خصوصاً مع استمرار الخلاف بشأن سد النهضة.
ويرى مراقبون أن هذه التطورات قد تؤدي إلى مواجهة جديدة بين أديس أبابا وأسمرة، بعد عقدين من الحرب الحدودية الدامية بين عامي 1998 و2000، وسط تحذيرات دولية من انزلاق المنطقة مجدداً إلى دائرة النزاعات المسلحة.
الجيش في مدغشقر يطيح بالرئيس راجولينا بعد احتجاجات واسعة ويعلن مرحلة انتقالية مؤقتة
أعلن الجيش في مدغشقر بقيادة وحدة النخبة “كابسَات” توليه السلطة، بعد أسابيع من احتجاجات شعبية حاشدة اندلعت في العاصمة أنتاناناريفو ضد تدهور الخدمات العامة والانقطاعات المتكررة للكهرباء والمياه وارتفاع الأسعار.
وانضم آلاف الشباب وموظفي الدولة إلى المظاهرات التي تحولت تدريجياً إلى حركة تطالب برحيل الرئيس أندري راجولينا، ما دفع البرلمان إلى التصويت على عزله بتهمة التقصير في أداء مهامه.
وبعد التصويت، أعلن الجيش استلام السلطة، وقال الكولونيل مايكل راندريانيرينا إن التحرك جاء “لإنقاذ البلاد من الفراغ السياسي”، مشيراً إلى تشكيل لجنة انتقالية تضم ضباطاً من الجيش والدرك والشرطة، على أن تُشكَّل حكومة مدنية مؤقتة وتنظم انتخابات خلال عامين.
وأفادت تقارير بأن الرئيس المعزول اختفى من الظهور العام بعد قوله إنه في “مكان آمن”، وسط أنباء عن نقله بطائرة فرنسية إلى خارج البلاد.
ورغم المخاوف من الانزلاق في فوضى جديدة، استقبلت حشود ضخمة في العاصمة إعلان الجيش بالترحيب والاحتفالات، فيما دعا الاتحاد الإفريقي إلى احترام الدستور وتجنب أي تصعيد.
ويجمع المراقبون على أن مدغشقر تقف اليوم أمام منعطف تاريخي بين انتقال منظم نحو الاستقرار، أو عودة دوامة الاضطرابات والانقلابات التي عرفتها الجزيرة خلال العقدين الماضيين.




