ترجمات

وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية تدعو بشكل صريح إلى تهجير الفلسطينيين

نشرت وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية جيلا جملئيل في 19 نوفمبر 2023 مقال رأي في صحيفة جيروزاليم بوست بعنوان: “النصر فرصة لإسرائيل في ظل الأزمة”، حيث دعت فيه بشكل صريح إلى “خطة عالمية لإعادة توطين اللاجئين” الفلسطينيين الذين سيتم دفعهم بطرق شتى إلى مغادرة قطاع غزة. وأضافت الوزيرة الإسرائيلية أنه، “بدلا من توجيه الأموال لإعادة بناء غزة أو الأونروا الفاشلة، ينبغي على المجتمع الدولي أن يساعد سكان غزة على بناء حياة جديدة لهم في الدول الجديدة التي ستستضيفهم”.

وبذلك تكون وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية أحدث مسؤول إسرائيلي كبير يدعو بشكل رسمي إلى ممارسة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين وتهجيرهم من غزة.

وتكمن أهمية هذا المقال، الذي يعرض المعهد المصري للدراسات هنا أهم ما جاء فيه، في أن الكاتبة هي وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية، مما يعني أن هذا المخطط لتهجير الفلسطينيين من غزة أصبح يتم الدفع به الآن بشكل رسمي من قبل دولة الاحتلال، بعد أن كان في البداية يُطرح في سياق تقرير أو خطة مسرّبة لوزارة الاستخبارات، والتي قامت بإصدارها في 13 أكتوبر وتوجيهها للجهات المنوطة بالتنفيذ، وكان التسريب على ما يبدو إشارة لبدء تناول الخطة، والحديث عنها، والتمهيد لتمريرها.

ولم تكن وزيرة هي المسؤول الإسرائيلي الأول الذي يطرح أو يدعم هذه الفكرة، ففي تغريدة نشرها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش تعقيباً على مقال لنائبين إسرائيليين –داني دانون، سفير إسرائيل السابق لدى الأمم المتحدة، ورام بن باراك، نائب مدير جهاز المخابرات الموساد السابق– في صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية في 13 نوفمبر 2023 حثّا فيها المجتمع الدولي على استقبال اللاجئين الفلسطينيين من قطاع غزة، قال سموتريش إن “الهجرة الطوعية واستيعاب عرب غزة في دول العالم هو حل إنساني ينهي معاناة اليهود والعرب على حد سواء”. وأضاف: “أرحب بمبادرة الإجلاء الطوعي لعرب غزة إلى دول العالم، هذا هو الحل الإنساني الصحيح لسكان غزة والمنطقة بأكملها بعد 75 عاماً من اللجوء والفقر والمخاطر”.

لكن مقال وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية في صحيفة جيروزاليم بوست يكتسب أهمية خاصة، كونه تصريح رسمي يأتي من رئيسة مؤسسة حكومية كان قد تم تسريب وثيقة لها في أواخر شهر أكتوبر، قيل إنه قد تم بالفعل توزيعها على الجهاز الأمني من شعبة السياسات في وزارة الاستخبارات، وأنه “لم يكن من المفترض أن تصل إلى وسائل الإعلام”، كما صرّح أحد مسؤولي الاستخبارات الذي أقر بصحتها.

ففي يوم الاثنين 28 أكتوبر 2023، نشرت مجلة ميكوميت الإسرائيلية المحتوى الكامل لوثيقة نسبتها إلى وزارة الاستخبارات الإسرائيلية لأول مرة، وقام بعرضها يوفال أفراهام، الكاتب والمراسل بالمجلة، حيث توصي الوثيقة التي صدرت يوم 13 أكتوبر بالتهجير القسري لسكان قطاع غزة إلى سيناء بشكل دائم، وتطالب الوثيقة بتسخير المجتمع الدولي لهذه الخطوة. وتقترح الوثيقة أيضاً الترويج لحملة مخصصة لسكان غزة من شأنها “تحفيزهم على الموافقة على الخطة”.

الوثيقة الكاملة التي نشرتها المجلة الإسرائيلية تتكون من 10 صفحات وقدم الصحفي يوفال أفراهام عرضاً مختصراً لها بالمجلة هي وثيقة رسمية صادرة عن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية توصي الجهاز الأمني الإسرائيلي بتنفيذ عملية تهجير كاملة لجميع سكان قطاع غزة إلى شمال سيناء، باعتباره الخيار المفضل بين البدائل الثلاثة التي تطرحها فيما يتعلق بمستقبل الفلسطينيين في القطاع بعد نهاية الحرب.

وتوصي الوثيقة إسرائيل بالتحرك لإجلاء سكان غزة إلى سيناء خلال الحرب؛ وإنشاء مدن كاملة من الخيام ومدن جديدة في شمال سيناء، والتي سوف تستوعب السكان المهجَّرين، وبعد ذلك إنشاء منطقة خالية تماماً لعدة كيلومترات داخل مصر. وعدم السماح للسكان بالعودة إلى النشاط أو الإقامة بالقرب من الحدود “الإسرائيلية”. وفي الوقت نفسه، تؤكد الوثيقة على أنه يجب تسخير جميع دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لتنفيذ هذه الخطوة.

وقد أكد مسؤول في وزارة الاستخبارات، التي ترأسها الوزيرة جيلا جمليل، من حزب الليكود، للمجلة الإسرائيلية بأن هذه الوثيقة صحيحة، وقد تم بالفعل توزيعها على الجهاز الأمني من شعبة السياسات في الوزارة، و “لم يكن من المفترض أن تصل إلى وسائل الإعلام”. وتحدد التوصيات بالتهجير لكامل سكان غزة الصادرة عن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية مراحل أربع لإتمام الخطة، وهي: 1) دعوة المدنيين الفلسطينيين إلى إخلاء شمال غزة والسماح بالعمليات البرية. 2) تنفيذ عمليات برية متتابعة من شمال غزة إلى جنوبها؛ 3) ترك الطرق (إلى مصر) مفتوحة عبر رفح؛ 4) إنشاء “مدن من الخيام” في شمال سيناء وبناء مدن جديدة لتوطين الفلسطينيين في مصر. وبحسب المجلة الإسرائيلية، فقد صادقت وزارة الاستخبارات الإسرائيلية يوم 13 أكتوبر على الخطة رسمياً، لتهجير حوالي 2.4 مليون فلسطيني من قطاع غزة المحتل إلى مصر ودول أخرى، مع تحديد مراحل التنفيذ، وتسخير دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لإتمامها.

ورغم تأكيد مسؤول في وزارة الاستخبارات الإسرائيلية للمجلة الإسرائيلية بأن هذه الوثيقة صحيحة، وأنه قد تم بالفعل توزيعها على الجهاز الأمني من شعبة السياسات في الوزارة، وأنه “لم يكن من المفترض أن تصل إلى وسائل الإعلام”، إلا أن إسرائيل تبرأت منها لاحقاً، قبل أن تؤكدها تصريحات متواترة لكبار مسؤوليها، وأحدثهم على الإطلاق المقال الذي نشرته وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية في صحيفة جيروزاليم بوست، والذي جاء فيه:

يقول ألبرت أينشتاين: “في وسط كل أزمة، تكمن فرصة عظيمة”. وبالتأكيد فإن “إسرائيل” تعيش في خضم واحدة من أكبر أزماتها، منذ جيلين على الأقل. لقد قُتل أكثر من 1200 من أبناء شعبنا، واختُطف 239 منهم، وأصيب آلاف آخرون، وأصبح 240 ألف شخص بلا مأوى على يد النظام الموجود في غزة.

ومن الواضح أن هناك الكثير الذي يجب تغييره، حيث ثبت خطأ العديد من المفاهيم في ضوء ما حدث في السابع من أكتوبر. وما ينبغي أن يكون واضحاً بنفس القدر هو أن العديد من المفاهيم الأخرى يجب معالجتها، وتحدّيها، وربما القضاء عليها في الأسابيع والأشهر القادمة.

إحدى القضايا التي ظل مكتبي يعمل عليها بجد هي الكيفية التي ستسير عليها الأمور في اليوم التالي للحرب في غزة. حيث يوجد في القطاع نحو مليوني إنسان، أغلبهم صوتوا لصالح حماس واحتفلوا بما قامت به في السابع من أكتوبر. وعلى مدى فترة طويلة، أعطى حكام قطاع غزة المكتظ بالسكان، وليس بالضرورة الأكثر اكتظاظاً بالسكان على وجه الأرض، الأولوية للحرب ضد اليهود على السعي لتوفير حياة أفضل لشعبهم. ولذلك، فهو مكان لا أمل فيه، حيث سيطرت عليه حركة حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من الجماعات.

وقد أدى هذا الوضع بالفعل إلى نزوح أعداد كبيرة من الشباب من غزة. وتشير التقديرات إلى أنه منذ سيطرة حماس على القطاع في عام 2007، غادر غزة ما بين 250,000 إلى 350,000، معظمهم من الشباب، لبدء حياة جديدة في الخارج. وبينما ننظر في خياراتنا لليوم التالي للحرب، يبدو أن المجتمع الدولي يدفع باتجاه إعادة السلطة الفلسطينية إلى حكم غزة. وهذا ينطوي على عيوب هيكلية واضحة، كما تمت تجربته في عام 2005 بعد كارثة “فك الارتباط” عندما تم إجلاء جميع المستوطنين اليهود البالغ عددهم 8600 من قطاع غزة. وقد استغرق الأمر عامين فقط حتى تتمكن حماس من إحكام قبضتها على السلطة.

وبالإضافة إلى ذلك، وكما نشهد في هذه اللحظة بالذات، فليس لدى السلطة الفلسطينية أي أيديولوجية تختلف بشكل ملحوظ عن حماس. ومؤخراً، على سبيل المثال، قامت وزارة الشؤون الدينية في السلطة الفلسطينية بتوزيع تعليمات على الدعاة في المساجد في جميع أنحاء الضفة الغربية بالدعاية ضد اليهود. لذا فإن هذا الخيار –إعادة السلطة الفلسطينية إلى حكم غزة– قد فشل في الماضي وسيفشل مرة أخرى. إنه خيار يعتبره الجمهور الإسرائيلي غير شرعي ومن شأنه أن يعيدنا إلى المربع الأول خلال فترة زمنية قصيرة.

أما الخيار الآخر فهو تشجيع إعادة التوطين “الطوعي” للفلسطينيين الموجودين في غزة، خارج القطاع، “لأسباب إنسانية”.

فمن المهم أن تتاح تلك الفرصة لأولئك الذين يبحثون عن حياة في مكان آخر. حيث يناقش بعض زعماء العالم بالفعل خطة لإعادة توطين اللاجئين في جميع أنحاء العالم ويقولون إنهم سيرحبون بسكان غزة في دولهم. وهذا يمكن أن يحظى بدعم العديد من الدول حول العالم، وخاصة تلك التي تدّعي أنها صديقة للفلسطينيين. وهذه فرصة لأولئك الذين يقولون إنهم يدعمون الشعب الفلسطيني لكي يُظهروا أن هذه ليست مجرد كلمات فارغة.

إن مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة التي تتعامل مع اللاجئين، مفوضة بموجب نظامها الأساسي وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة للقيام بإعادة التوطين كواحد من حلولها الثلاثة الدائمة. ولكن لسوء الحظ، على مدى السنوات الخمس والسبعين الماضية، لم تفعل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهي هيئة اللاجئين التي تمنح الفلسطينيين امتيازات على كل اللاجئين الآخرين، أي شيء لمساعدة الشعب الفلسطيني، على الرغم من أن ميزانيتها السنوية تبلغ أكثر من 1 مليار دولار.

وبدلاً من توجيه الأموال لإعادة بناء غزة أو للأونروا “الفاشلة”، يستطيع المجتمع الدولي أن يساعد في تكاليف إعادة التوطين، ومساعدة سكان غزة على بناء حياة جديدة في الدول الجديدة التي ستستضيفهم. لقد كان يُنظر إلى غزة منذ فترة طويلة على أنها مشكلة لا يوجد لها حل. لقد جربنا العديد من الحلول المختلفة: “فك الارتباط”، و “الإغناء”، و “إدارة الصراع”، و”بناء جدران عالية على أمل إبعاد مقاتلي حماس الوحوش عن إسرائيل. ولكن كل ذلك قد فشل. وعلينا أن نجرب شيئاً جديداً، وندعو المجتمع الدولي إلى المساعدة في تحويله إلى حقيقة.

ويمكن أن يكون هذا حلاً مربحاً للجانبين: مكسباً لإسرائيل بعد هذه المأساة المدمرة، ومكسباً للمدنيين في غزة الذين يتطلعون إلى حياة أفضل. ويمكن بعد ذلك للمجتمعات الإسرائيلية في منطقة حدود غزة والجنوب العودة إلى منازلهم ومجتمعاتهم والعيش في سلام وأمان. ولا ينبغي لهم أن يستمروا في العيش في ظل التهديد المستمر بالهجمات الصاروخية وعمليات التسلل القاتلة. وهذا الحل، الذي اقترحته بالفعل خلال الأيام الأولى من الحرب، بعيد عن الكمال. فله عيوبه وعقباته، ولكن مهمتنا هي أن ننظر إلى جميع الخيارات ونقرر أيها أفضل.

ويسعدني أن أسمع أن أعضاء الكنيست من مختلف الأطياف السياسية، بما في ذلك الائتلاف والمعارضة، قد انضموا إلى مبادرة وزارتي وأعلنوا دعمهم لها. وأنا متأكد من أن كثيرين آخرين سوف يحذون حذوي. وكما يقول المثل، فإن الكمال هو عدو الخير. فهذه ليست خطة مثالية بأي حال من الأحوال، لكنها خطة جيدة. إنه أمر ممكن، ويجلب الأمن والرخاء، والسلام للجميع. وهذا هو الحل الذي أطرحه للنقاش والنقد قبل الموافقة عليه. علينا أن نفكر خارج الصندوق وأن نبحث عن الفرص حتى في خضم الأزمات الخطيرة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى