fbpx
الشرق الأوسطقلم وميدان

النُخب وصناعة الوعي

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

لا شك أن هناك عوامل متشابكة ومترابطة تربط مصطلح النُخب بمصطلح صناعة الوعي بشكل واسع، حيث إن أولويات الدور النُخبوي هي صناعة المعرفة وصياغة وعي الشعوب باتجاه النهوض وتجاوز العقبات التي تحول دون التقدم والتطور.

ويؤثر انعزال النُخب عن واقع المجتمع ومشاكله على صناعة الوعي المجتمعي، لأنهم بصفة تكليفية جزء أساسي من وعى الشعوب، وبالتالي فإن نجاح النخبة في دورها مرهون بمدى انخراطها فى كل طبقات المجتمع مهما كان وضعه الاقتصادي والحضاري.

تعريف النُخب

مصطلح فرنســي من أصل لاتيني يشتمل معناه الحرفي على عدة مفاهيم منها:

1- الأقلية المنتقاة.

2- أفضل جزء في الشيء.

3- الطبقة العليا.

استُعمل في القرن السابع عشر لوصف سلع ذات مزايا معينة وفيما بعد للإشارة إلى فئات متميزة كالنبلاء والعسكريين، المصطلح لغوياً اسم جمع يطلق على من يشغلون مراكز عليا في المجتمع لما يتفوقون به على غيرهم من صفات حقيقية أو مزعومة.

ونظراً لاستخدامه خلال قرون طويلة وفي أطر وبيئات حضارية وثقافية مختلفة فقد اتسم الحوار السياسي حوله ببعض التشويش وعدم الوضوح، تمثل ذلك في الاستعانة بمصطلحات متباينة لتدل على معنى النخبة، وأحياناً أخرى استخدم مصطلح النخبة نفسه في أكثر من معنى كما يلاحظ مثلاً في كتابات موسكا وباريتو وماركس وميشيل وأنصار التعددية، وتبدو أهمية التفرقة بين كل من الألفاظ والمعاني في أن المصطلحات ليست مترادفة وإنما لكل منها معنى محدد يختلف عن الآخر(1).

ولكن لابد من التمييز بين مفهومي ”النُّخبة السياسية” و ”الطبقة السياسية”، ذلك أن الأولى تضم أعضاء الحكومة، وأعضاء الإدارة العليا، والقادة العسكريين، وفي بعض الحالات الأُسر ذات النفوذ السياسي، وقادة المؤسسات الاقتصادية القوية، أما الثانية فتضم النُّخبة السياسية، لكنها تضم أيضاً النخب المضادَّة المؤلفة من قادة أحزاب سياسية ليست في الحكم، وممثلي مصالح أو طبقات اجتماعية كالنقابات ورجال الأعمال، ورجال الفكر ممن هم فاعلون في الحقل السياسي.

صفات وأدوار النُخب في المجتمع

من خلال استقراء التاريخ نجد أن الأمم في حركتها الحضارية صعوداً ونزولاً وانهياراً، لا تحركها الجماهير والعامة، بل تحركها النخبة، سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وعلمية، إما نحو النهوض والتقدم، وإما نحو الانهيار والسقوط في التخلف.

 وحرر البروفيسور دينكن ميشيل تعريف دور النُخب في المجتمع فى معجمه لمصطلحات علم الاجتماع، بأن النخبة مصطلح يتعدى مفهوم السيطرة السياسية ليعني أي جماعة أو صنف من الناس أو مجموعة من الأفراد يملكون بعض الصفات والقابليات التي يتمنها المجتمع كالقابلية العقلية العالية المراكز الإدارية الحساسة القوة العسكرية السلطة الأخلاقية أو السمعة العالية والتأثير الكبير لكن هؤلاء الأفراد الذين يتمتعون بهذه الصفات قد يتميزون بالتماسك أو الفرقة والانقسام وقدراتهم في التأثير في الجماهير تفوق قدراتهم في حكم الجماهير ويمكن القول هنا بأن أبرز صفات وأدوار النخب هي (2):

– قلة العدد نسبياً باعتبارهم الصفوة ومن ثم فهي متجانسة متحدة وواعية وتتميز بخاصية الحفاظ على ذاتها.

– التمتع بمكانة اجتماعية مرموقة (السياسيون ورجال الدين والمثقفون ورجال الأعمال).

– الإمساك بمصادر القوة السياسية (النخبة السياسية) ولها دور فاعل في صناعة السياسة وتنفيذ ما تتضمنه من برامج.

– القدرة على صنع القرارات.

– توجيه المواطنين إلى القيم الاجتماعية التي تؤمن بها.

– تشكل عناصرها وتؤيدها لتولي المناصب المهمة في المجتمع (مقاليد السلطة).

– القدرة على توجيه المشاركة في توجيه النشاط الاقتصادي من خلال السيطرة على وسائل الإنتاج.

– التأثير في العقيدة من خلال الدعاة أو النخبة الدينية).

– القدرة على تعديل سلوكيات المواطنين وترويج الأفكار التي تخدم النظام الحاكم وإضفاء الشرعية على أدائه وهناك من يرى في النخب أنها خليط فئات وتناقضات. تدافع عن مصالح كما تدافع عن أفكار وتوجهات.

– الاستقلالية بمعني أنها لا تسأل عن أفعال أمام أي طرف أخر فهي وحدها تتولي حسم القضايا وحل المشكلات حسب مصالحها وتصوراتها.

النُخب وصناعة الوعي

عرّف المؤلف الألماني هانس ماغنوس إنتزنسبيرغر، مصطلح صناعة الوعي على أنه يحدد الآليات التي يتم من خلالها استنساخ العقل البشري كمنتج اجتماعي، ومن أهم هذه الآليات هي مؤسسات وسائل الإعلام والتعليم (3).

والوعي هو ما يمتلكه الإنسان من أفكار ووجهات نظر تتعلّق بالحياة ومفاهيمها وما يحيط به من بيئة، وقد يكون وعياً حقيقياً بطبيعة القضايا المختلفة المطروحة حول الإنسان، وقد يكون وعياً مُضللاً لا يدرك الأمور على حقيقتها التي تجري عليها؛ ما يجعل حكمه على مختلف القضايا والأمور التي تجري من حوله حكماً خاطئاً لا يستطيع مقاربة عين الصواب بأيّ شكلٍ من الأشكال.

الخلاصة

على النُخب أن تعي أن التأثير الآن على وعي الشعوب والأفراد لهو الهدف الأساس الذي تسعى إليه كل الأطراف المتدخلة في تشكيل وعي المجتمع بغض النظر عن توجهاتها الأيديولوجية والفكرية والسياسية.

محاولات نشر الوعي تحتاج إلى نُخب حقيقية تعمل على بناء وعى الشعوب التى تسعى لإعادة ريادتها بين الأمم الأخرى، ويُرد لها نصاعة تقدمها وسبقها في مجالات شتى.

من واجب النُخب العمل على إمداد الوعي الجماعي بما يملكونه من إمكانيات ومواهب، إذ أن صناعة الوعي لا تتأتى إلا بالاستفادة الكاملة حيث إن الاستفادة من جميع الطاقات والكفاءات، والبحث عنها واستثمارها في جذب الناس إلى الفكر الأصيل والثقافة الواعية.

لا شك بأن النخب في مصر وفى العالم العربي كله في مأزق كبير، بسب ما تمارسه الأجهزة الأمنية في العالم العربي وخاصة بعد إفشال ثورات الربيع العربي، لكن هذا لا يبرر ضعف حالة النُخب، والتي تعاني من أزمة حقيقية وتعيش حالة فاقدة لثقة الجماهير.

تعد إشكالية صناعة الوعي محل جدل واسع على مر التاريخ، لذا فيقع على النُخب دور استراتيجي بالغ الأهمية، وهو خلق الوعي وتعميم المعرفة في الوسط الاجتماعي، لأنه لا يمكن للمجتمع أن يمارس دوره ويقوم بواجباته، ويتجاوز عقباته، وينتصر على مشاكله إلا بالوعي، وهنا يكمن الدور الأهم والحقيقي للنُخب. 

إذا كان القصور في الوعي العام، لدى العامة، فإن ذلك لا يؤثر في سير عجلة التحضر والتقدم، ولكن الخلل يقع عندما يضيع الوعي عند النُخب.

على النُخبة أن تراجع العديد من المفاهيم التقليدية الموروثة لها سواء من تراثنا الإسلامي أو من التراث الحضاري للأمم الأخرى، بحيث تمتلك رؤية علمية مبنية على الحجة البينة والبرهان العلمي والحوار المنفتح على الآخر، القابل للحقيقة مهما كان مصدرها.

وفى النهاية، يجب توجيه أسئلتنا للنُخب المتواجدة على الساحة الآن، ماهي خططتهم المفترض العمل عليها فى المرحلة القادمة؟ وهل كانت الجهود السابقة على قدر من المستوى الذي بإمكانه إحداث تغيير حقيقي داخل المجتمع؟ وما الذي تقدمه النُخب لإعداد أبناء صفوفها؟

الهامش

(1) نداء الى حضارة واحدة لعالم واحد (الربط)

(2) ميشيل، دينكن، معجم علم الاجتماع (الرابط)

(3) هانس ماغنوس صناعة الوعي (Hans Magnus Enzensberger) (الرابط)

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close