بحوث

أزمات النظام السعودي بين الاستمرارية والتغير

منذ تولّي الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد في المملكة العربية السعودية منتصف 2017، تزايدت التساؤلات عن طبيعة التغيرات التي تحدث في بلاد الحرمين الشريفين، سواء على صعيد سياساتها الداخلية أم الخارجية.

ورغم كثافة المتغيرات التي أحاطت بالسعودية منذ ذلك الحين، وتزايد أزمات النظام السياسي على نحو مطّرد، وتصاعد وتيرة التهديدات المختلفة، وازدياد درجة الترابط بين السياسات الداخلية والخارجية بحيث لم يعد ممكنًا الفصل بينهما في ظل المستجدات الإقليمية والدولية الضاغطة على النظام السعودي، فإن استجابته لهذه التهديدات لم تكن ملائمة في مجملها؛ إذ لم يستطع – وربما لم يرغب في – إجراء أية مراجعة حقيقية لسياساته، ناهيك عن تعديلها جزئيًّا أو تغييرها كليًّا.

وفي ظل تداخل الضغوط الداخلية والخارجية على النظام، لجأت الرياض إلى “سياسة تصدير الأزمات” إلى الخارج، ربما في محاولة لصرف الأنظار عن مشكلاتها/أزماتها الداخلية، بما قد يعني وجود قصور أو خللٍ ما في نظام الحكم، خصوصًا في عدة جوانب: مسألة مخالفة نظام توريث العرش، وبروز قدرٍ من العشوائية/التخبط في إدارة شؤون الدولة وتوظيف مواردها، سيما بعد اتضاح محدودية أفق “رؤية 2030″، والعجز عن تقديم رؤيةٍ استراتيجية حقيقية وبلورة “مشروع وطني سعودي”، بما يعيد صياغة السياسات العامة للدولة، وبما يكفل تحقيق مصالحها، وصولًا إلى الخروج من الأزمات السعودية المتراكمة.

إشكالية الدراسة:

منذ طرح “رؤية 2030” قبل أكثر من ثلاث سنوات، يتصاعد الجدل حول مآلات “المرحلة الانتقالية” التي تمرُّ بها المملكة العربية السعودية، وما إذا كانت ستنتهي بتنفيذ هذه الرؤية على الرغم من الصعوبات والتحديات أمامها، بما يعنيه من نجاحٍ في صياغة “سياسات عامة” على أسسٍ سليمة، بحيث تؤدي إلى حل/تقليص الأزمات التي تعانيها الدولة. في حين يجادل آخرون بأن هذه الرؤية لا تمثّل جديدًا نوعيًا بالنسبة لمجمل عملية صنع السياسات العامة في السعودية، التي تبقى محكومة بمجموعة من المحدّدات/العوائق الهيكلية، التي تعكس بدورها أزمات النظام سواء الموروثة من عهود سابقة أم المستجدة في عهد الملك سلمان.

وفي هذا الإطار، تهتم هذه الدراسة بالإجابة على تساؤل رئيس: كيف انعكست أزمات النظام السعودي على صنع السياسات العامة في عهد سلمان بن عبد العزيز؟، وخصوصًا بعد تولي نجله محمد، منصب ولاية العهد منتصف 2017؟

وبهذا تكون أزمات النظام السعودي هي المتغير المستقل في هذه الدراسة، في حين يتم التعامل مع عملية صنع السياسات العامة بوصفها متغيرًا تابعًا.

تقسيم الدراسة:

في ضوء ما تقدم تنقسم الدراسة إلى مبحثين؛ أحدهما يتناول أزمات النظام السعودي القديمة، أي ما قبل تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مطلع 2015، والآخر تفاقم أزمات الدولة بعد تولي محمد بن سلمان ولاية العهد، ثم تأتي الخاتمة في النهاية.

المبحث الأول: أزمات النظام السعودي قبل تولي الملك سلمان بن عبد العزيز

يمكن التمييز بين ثلاث مراحل في السياسات السعودية في عهد الملك سلمان؛ أولاها بدأت بمجرد وصوله إلى العرش، أوائل عام 2015، واستمرت عامًا وبضعة أشهر. أما المرحلة الثانية في عهده فهي التي شهدت طرح “رؤية 2030”. ثم جاءت المرحلة الثالثة بعد تولّي/استيلاء الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في حزيران/يونيو 2017، التي تداخلت فيها عدة متغيرات داخلية وخارجية، لتكون تمهيدًا لأن تدخل البلاد في مرحلة “انتقالية غامضة” بشأن مستقبلها السياسي والاقتصادي.

وفي سياق تحليل أزمات النظام السعودي، ربما يجب التمييز بين أزمات قديمة/مستمرة/موروثة من العهود السابقة، وبين أزمات جديدة برزت في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز؛ إذ تشهد الدولة في عهده “تغيرًا داخليًا شكليًّا” على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكن هذا التغير لا ينطوي على أية عملية إصلاح سياسي، ويبقى بالتالي محدودًا وغير كافٍ لحل أزمات الدولة، التي تواجه سيناريوهات مستقبلية خطرة، أحلاها مرٌّ. 

أولًا- مشكلة التوريث وصراعات الأسرة المالكة

“تعتبر مسألة التوريث من نقاط ضعف النظام السعودي منذ مطلع القرن التاسع عشر. ويرجع ذلك إلى المنظومة الصـنْوية المعتمدة (adelphic system). فوِفْقًا لهذه الطريقة الأفقية لنقل السلطة، يمكن نظريًّا لجميع أعضاء البيت الحاكم الذكور الوصول إلى سدة الملك؛ وهو ما يؤدي إلى صراعات وأزمات لاسيما أثناء الانتقال من جيل إلى آخر؛ إذ يحاول كل مُتطلع إلى السلطة، أن يستبد بالأمر ويحصره في ذريته دون باقي بطون عشيرته. ويؤدي تكرار هذه الأزمات إلى إضعاف المجموعة المهيمنة على السلطة، وتسهيل التدخل الأجنبي، مما قد يفضي إلى انهيار الكيان في آخر المطاف، كما توضح ذلك بجلاء حالة الدولة السعودية الثانية؛ فقد اغتيل أميران (تركي ومشاري)، وعُزل ثلاثة (فيصل وخالد وثنيان)، ونشبت عدة حروب أهلية دام آخرها ربع قرن، وتدخلت قوى أجنبية عدة مرات كالعثمانيين وآل رشيد في شؤون الإمارة الداخلية. والحاصل أن الدولة انهارت سنة 1891 أساسًا بسبب مسألة التوريث”[1]

أما الدولة السعودية الثالثة التي أسسّها الملك عبد العزيز آل سعود، فإن شخصيته وقدراته وتحالفاته الداخلية والخارجية أسهمت في أن يكون عهده “مستقرًا نسبيًّا”، ولم يشهد بالتالي صراعًا ملحوظًا على العرش؛ إذ تأخر ذلك حتى استلام نجله سعود بن عبد العزيز مقاليد السلطة.

 ويمكن القول “إن صيانة وحدة الأسرة السعودية كانت من أسس “الاستقرار النسبي” لسلطتها على البلاد؛ فقد أدى احتدام الصراع على السلطة بين الملك سعود وولي عهده الأمير فيصل في الفترة 1958- 1964، الذي تزامن مع ما سمّي تمرد “الأمراء الأحرار”، إلى انقسام الأسرة السعودية إلى كتل متصارعة، ما أحدث ضعفًا كبيرًا وأزمةً في النظام”[2].

ودون الخوض في تاريخ هذه الانقسامات وتفاصيلها وملابساتها، يمكن القول إن عهدي الملك عبد الله بن عبد العزيز والملك سلمان بن عبد العزيز، شهدا أحداثًا ومؤشرات، ربما تدل على ضعف تماسك أسرة آل سعود، مقارنةً بما كان عليه الحال أيام الملك المؤسّس.

وفي هذا الإطار، يمكن إبراز الشواهد والأمثلة الآتية:

1-ركّز الملك عبد الله بن عبد العزيز (الذي كان يتولّى منصب قائد الحرس الوطني السعودي) اهتمامه منذ بداية عهده – في آب/أغسطس 2005 – على موازنة نفوذ الأمراء الآخرين، أكثر من اهتمامه بتقرير مسار التطور العام في الشؤون السياسية للمملكة، وقد كان عليه في بعض الأحيان قبول تشتت السياسة السعودية وانتشار مراكز صنع القرار داخل الدولة[3].

ويُذكر هنا أن العائلة المالكة كانت تضم خمس دوائر نفوذ لكنها تقلّصت إلى ثلاث فقط بعد رحيل كلٍّ من: الملك فهد عام 2005، وولي العهد الأمير سلطان عام 2011.

هذه الدوائر هي: دائرة الأمير الراحل نايف وابنه الأمير محمد اللذيْن كانا يتوليان منصب وزير الداخلية. وهذه الوزارة هي أكبر جهاز للتوظيف في الحكومة السعودية (يحوي أكثر من 500 ألف موظف). والثانية هي دائرة الملك عبد الله وابنه الأمير متعب الذي كان يتولى منصب وزير الحرس الوطني، وهو الجهاز الذي ينسج شبكات ولاء ورعاية مهمة داخل المجموعات القبلية التقليدية. ثم تأتي الدائرة الثالثة، وهي دائرة الأمير سلمان وأولاده، ويهتمون بصورة أساسية بالسيطرة على الشؤون العسكرية والدفاعية، بالإضافة إلى أدوات الإعلام القديم والجديد، وقد أصبح وضع سلمان وأولاده متفوقًا نسبيًا بعد وفاة الملك عبد الله، وربما يكون هذا الوضع مؤقتًا وقابلًا للتغيير مستقبلًا. ويشار إلى دائرة أخيرة – تلعب دورًا ترجيحيًا بين هذه الدوائر لكنها لا تنافس على منصب الملك أو ولي العهد – وتضم أولاد الملك الراحل فيصل (سعود، وتركي، وخالد)[4].

هذه الدوائر المتنافسة، ربما تكون دفعت الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى تأسيس “هيئة البيعة” بغرض تنظيم شؤون انتقال العرش بصورةٍ سلسة بعد رحيله؛ وفي هذا السياق صدر أمرٌ ملكي في 18/10/2006 يقضي بتعديل الفقرة ج من “النظام الأساسي للحكم” للنصِّ على تشكيل هيئة للبيعة، تنظّم شؤون الحكم وتبايع الملك وتختار ولي عهده. وبينما رأى البعض في ذلك خطوةً رابعةً في طريق الإصلاح الداخلي، الذي بدأ أولًا بتحديث البنى الإدارية والمؤسسية في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، ثم تواصل في عقد التسعينيات عبر إصدار “النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية” و”نظام مجلس الشورى” و”نظام المناطق”، ثم إجراء الانتخابات البلدية في عام 2005. في حين رأى آخرون أن تشكيل هذه الهيئة له علاقة بتنظيم انتقال العرش، أكثر من علاقته بمسألة الإصلاح السياسي[5].

ورغم أن العائلة المالكة في السعودية كانت تحاول دائمًا تجنب وصول الأمور إلى درجة التنازع العلني بشأن العرش، فقد توقع البعض أن تتحول مسألة الخلافة إلى صراع مرير خلف الكواليس يولّد حالة من عدم الاستقرار. لا سيما إذا تحرك الأمراء الكبار نحو تعيين أبنائهم في مناصب تخولهم اكتساب النفوذ السياسي الداخلي أو الخارجي الضروري للمطالبة بالحق في العرش، على حساب الأمراء الآخرين[6]. الأمر الذي تحقّق بالفعل في عهدي الملك عبد الله والملك سلمان، كما ستفصّل الدراسة أدناه. 

2-قام الملك عبد الله – في آذار/مارس 2014 – بتعيين أخيه الأمير مقرن بن عبد العزيز وليًّا لولي العهد. وهو ما اعتبره البعض رغبةً من الملك في تحجيم نفوذ ولي عهده الأمير سلمان، الذي كان يأمل أن يتولى نجله الأمير محمد بن سلمان منصب نائب وزير الدفاع، من أجل السيطرة على صناعة القرار في جيش المملكة وقواتها الجوية والبحرية، وكافة شؤونها العسكرية/الدفاعية[7].

3-سبق انتقال العرش السعودي، بعد وفاة الملك عبد الله أواخر يناير/كانون الثاني 2015، توقعاتٌ باحتمال بروز مشكلات وتحديات أمام الملك سلمان؛ أولها تحديات عدم الاستقرار السياسي بعد غياب أخيه الملك عبد الله بموقعه المهيمن وتوازناته وسياساته السابقة. وثانيها أن الصراع على السلطة داخل الأسرة المالكة، بل والصراع بين أجيال هذه الأسرة، لم يحسم كاملًا رغم تعيين الأمير محمد بن نايف وليًا للعهد، والأمير محمد بن سلمان وليًّا لولي العهد. وثالثها حزمة الصراعات والتهديدات المتداخلة بين أولوية الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، وبين الحرب على تنظيم القاعدة، وكذلك بين تصاعد المطالب الإصلاحية الداخلية وبين المواقف المتشددة للمؤسسة الوهابية، وكذلك الموقف من الأقلية الشيعية في السعودية. ورابعها المخاطر التي تجعل مستقبل مجلس التعاون الخليجي في مهب الريح، على ضوء تصاعد الخلافات السعودية مع كل من عُمان وقطر والكويت وشيعة البحرين[8].

4-في بداية عهد الملك سلمان، كانت هناك توقعات باستعادة جناح “السديري” في الأسرة المالكة نفوذه السابق (على نحو ما كان أيام الملك الراحل فهد)، خصوصًا أن الملك سلمان عيّن ابنه محمد بن سلمان وزيرًا للدفاع ورئيسًا لمجلس الشؤون الاقتصادية، وعيّن أيضًا ابن شقيقه الراحل، وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، وليًّا لولي العهد ورئيسًا لمجلس الشؤون السياسية والأمنية، وهو ما وضع رموز جيل أحفاد الملك المؤسّس ابن سعود في مواقع المسؤولية المتقدمة.

بيد أن الملك سلمان حرص أيضًا على إبقاء شيء من التوازنات السابقة يتمثل في إبقاء الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز في منصبه وزيرًا للحرس الوطني السعودي. ويرى البعض أن سياسة الملك سلمان كانت حينها هي “التغيير المحسوب، مع حفظ التوازنات السابقة في النظام السعودي، بقدر الإمكان”[9]. وهو الأمر الذي تغيّر بعد تولي الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد منتصف 2017، على نحو ما ستناقشه هذه الدراسة لاحقًا.

5-ثمة من يرى أن التغييرات التي أجرها الملك سلمان بن عبد العزيز في 29 نيسان/أبريل 2015، والتي أبعدت كلًا من: ولي العهد السابق مقرن بن عبد العزيز، ووزير الخارجية المخضرم سعود الفيصل، تؤكد أن “النظام السياسي السعودي لا يزال غامضًا إلى حد ما؛ فربما جاء هذا التعديل الوزاري على خلفية الأزمات والخلافات التي تواجهها السعودية على عدة جبهات. وفي مقدمتها الحرب في اليمن، وهو الصراع الذي دخل في مأزق على ما يبدو، وتعقد بسبب التوترات مع إيران – المنافس الاقليمي للسعودية – والصراع الأوسع نطاقًا بين السنة والشيعة. بالإضافة إلى ذلك، فإن سير الحرب نفسها قد أثار قلق واشنطن. ولذا يبدو أن السياق الرئيس لهذه التغييرات هو صراع يدور في صفوف العائلة المالكة السعودية. ومن غير المرجح أن تكون هذه التغييرات هي الأخيرة من نوعها. وهذا يطرح سؤاًلا مستقبليًّا مهمًا، ألا وهو: متى ستحدث الجولة المقبلة من التغييرات، ومن هم الذين سيستفيدون منها؟”[10].

ويذكر أن الأمير مقرن حضر مراسم البيعة للأمير محمد بن نايف ولي العهد، والأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، ثم قام العاهل السعودي بزيارة الأمير مقرن – ولي العهد السابق – في قصره بالرياض 29/4/2015. واصطحب الملك سلمان معه الأمير محمد بن نايف، والأمير محمد بن سلمان، فيما بد أنها زيارة لتطييب خاطر الأمير مقرن، والتأكيد على أن الأمور طبيعية، وأن العلاقات مستمرة بغض النظر عن هذه التغييرات والقرارات الملكية[11].

وقد برز في هذا السياق انتقادات الأمير طلال بن عبد العزيز – التي نشرها على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي تويتر – وأشار فيها إلى ارتجالية بعض القرارات في عهديْ الملكيْن الراحل عبد الله والحالي سلمان، وكان واضحًا أنه يقصد – دون أن يصرح – قرارات تعيين ولي العهد وولي ولي العهد؛ إذ رأى الأمير طلال أنها مخالفة للشريعة الإسلامية وأنظمة الدولة[12].

كما دعا الأمير طلال إلى اجتماع عام يضم أبناء عبد العزيز وبعض أحفاده المنصوص عليهم في هيئة البيعة ويضاف لهم بعض من هيئة كبار العلماء، وبعض من أعضاء مجلس الشورى، ومن يُرى أنه على مستوى الدولة من رجال البلاد، للنظر في هذه الأمور[13].

6- لعل شنّ التحالف العربي – بقيادة السعودية – الحرب على اليمن، منذ 26 مارس/آذار 2015، له صلة بعملية التغيير الداخلي في السعودية؛ فالتدخل العسكري المباشر في اليمن هو “معركة مباشرة كانت تعكس متطلبات الوضع السعودي الداخلي المتغيرة، حين تسلّم الملك سلمان العرش. هذا الوضع حتّم على سلمان أن يسمّي نفسه “ملك الحزم”، على عكس أخيه الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي كان لقبه “ملك الإنسانية”[14].

وبهذا المعنى، تم توظيف الحرب على اليمن في سياق يتعلق ببروز الصراع داخل الأسرة المالكة، حيث تم تهميش دور ولي العهد آنذاك الأمير مقرن بن عبد العزيز، مقابل إبراز صورة جيل أحفاد الملك السعودي المؤسس، سيما وزير الدفاع محمد بن سلمان، ووزير الداخلية محمد بن نايف، ووزير الحرس الوطني متعب بن عبد الله، فضلًا عن الرغبة الواضحة في رسم صورة جديدة للسعودية وقدرتها على التصدي الحازم لمصادر تهديد أمنها، وخصوصًا تلك القادمة من إيران، والميليشيات التابعة لها في المنطقة العربية[15].

ومن المؤشرات الإضافية على خلافات أسرة آل سعود بشأن حرب اليمن أن ثمة أمراء كبارًا، ومنهم الأمير أحمد بن عبد العزيز، وزير الداخلية الأسبق، قاموا بتحميل مسؤولية القرارات فيها للملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان، رغم حرص وسائل الإعلام السعودية على نشر نفي الأمير أحمد للتفسيرات والتحليلات التي شوّهت حقيقة موقفه؛ عندما اقترب في مقطع فيديو من متظاهرين – أمام منزله في لندن – كانوا يهتفون باللغة الإنجليزية “يسقط آل سعود، عائلة آل سعود المجرمة”، وسألهم لماذا ينتقدون آل سعود كلهم، بينما المسؤولية تقع على أفراد معينين[16].

وبغض النظر عن تفسير هذه الواقعة المحددة، وما أثاره هذا المقطع من جدل واسع على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، وظهور وسم “نبايع أحمد بن عبد العزيز ملكًا” [17]، فإن الأكثر أهمية هو ظهور تحليلات أميركية تقترح على إدارة الرئيس دونالد ترامب أن يتوافق مع الرياض لكي تغير طريقة إدارة حربها على اليمن، عبر تعليق كافة الغارات التي تستهدف القادة الحوثيين، وتعليق كافة الغارات على المواقع المدنية، مقابل أن يوافق الحوثيون على وقف الهجمات المضادة للسفن، والهجمات العابرة للحدود (سواء كانت بالصواريخ، أو بالطائرات بلا طيار، أو بتسلل المقاتلين الحوثيين)، وذلك ضمن ترتيبات وقف التصعيد التي يتفاوض بشأنها مبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث، خصوصًا مع نفاد صبر أعضاء الكونجرس الأمريكي، إزاء حملة التحالف العربي على اليمن[18].

والمقصود هنا أن الأمير أحمد بن عبد العزيز ربما كان يعبّر عن حالة ضجر داخل بعض أوساط آل سعود من حرب اليمن، وهي حالة تعكس أصواتًا تشريعية وحقوقية في أميركا وعدة دول غربية أخرى.

7- لعل أحد مؤشرات ظهور خلافات أسرة آل سعود إلى العلن، ودخولها مرحلة غير مسبوقة، هو انتهاء “السياسة السعودية القديمة في حقبة ما قبل الثورات العربية”، التي كانت أكثر توازنًا، بالمعنى النسبي، كونها تعكس توافقات أجنحة داخل الأسرة المالكة، وإجراء مشاورات عائلية قبل اتخاذ القرار.

أما بعد تولي محمد بن سلمان منصب ولي العهد، فقد بات الملك وأبناؤه يستأثرون بأبرز مواقع صنع القرار، مع تهميش ملحوظ لباقي الأمراء، بمن فيهم أحمد بن عبد العزيز ومقرن بن عبد العزيز، وأولاد الأمراء “السديريين السبعة” وأحفادهم، كما رأى القاصي والداني في اعتقالات فندق الريتز كارلتون في الرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، التي مثّلت خروجاً عن مألوف سياسات أسرة آل سعود، عبر اعتقال الأمراء المنافسين والنافذين وأصحاب الثروات والوزراء السابقين، وتجريدهم من بعض أموالهم وثرواتهم.

ويمكن إجمال القول في مشكلة صراعات الأسرة المالكة في عهد الملك سلمان في ثلاث ملاحظات متداخلة؛ أولها كثرة التعيينات والإقالات والمراسيم الملكية في فترات قصيرة نسبيًّا، مقارنةً بما عليه الحال في السعودية سابقًا، ما قد يعني تزايد مؤشرات عدم الاستقرار السياسي والحكومي. وثانيها وجود قرارٍ واضح لدى الملك سلمان بتجاوز “هيئة البيعة” وتهميش دورها، خصوصًا بشأن منصب ولي العهد وإعطاء أبنائه عددًا من المناصب المؤثرة. وثالثها دخول صراعات آل سعود مرحلة جديدة عبر تبني سياسة اعتقال الأمراء والوزراء، في حملة اعتقالات الريتز كارلتون في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وهو ما يعكس تغيرًا أو خروجًا عن مألوف إدارة العلاقات داخل الأسرة المالكة عبر التوافقات والمشاورات والتوازنات دون أن يظهر ذلك على وسائل الإعلام، بما يضعف صورة الأسرة في أعين الشعب السعودي.  

ثانيًا- النفط ومشكلة التوجّه الاقتصادي للدولة

رغم الجهد الذي تقوم به السلطات السعودية ضمن “رؤية 2030″، وتصريح الأمير محمد بن سلمان “أنه بحلول عام 2020، يستطيع السعوديون العيش من دون نفط”[19]، و”أن النفط لن يكون مصدرًا رئيسيًا لدخل السعودية خلال 20 عامًا”[20]، فإن نجاح النظام في مسارات التنويع الاقتصادي وتقليص الاعتماد على النفط، والتخلص من سمات “الدولة الريعية”، يبدو حتى الآن محدودًا، ويحتاج وقتًا طويلًا نسبيًا حتى يتحقق في الواقع.

أما مفهوم “الدولة الريعية” الذي تُنعت به السعودية فيرجع لاعتماد سياستها الاقتصادية على النفط وريعه على وجه الخصوص؛ إذ يؤدي احتكار عائداته إلى تراكم رأس مال الدولة، لتصبح العامل الأهم في كامل الحياة الاقتصادية والاجتماعية. ويتجسد هذا البعد في إدارة الدولة للريع وإعادة توزيعه وتدويره، مما يطلق يدها في التعامل مع المواطنين الذين يبقون في حاجةٍ دائمة إليها[21].

إن الأهمية الفائقة للذهب الأسود بالنسبة للسعودية تتجلّى في أنه يمثل عنصرًا من أهم أربع ركائز يستند إليها النظام السياسي، (وهي: الدِّين/خدمة الحرميْن الشريفين، والقبيلة التي تمثل قاعدة النظام، والقوى الاجتماعية المساندة، والنفط). وقد لعب النفط دورًا أساسيًّا في زيادة الحضور السعودي على الساحتين العربية والدولية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو عنصر فاعل في كل الأزمات التي مرّت بها منطقة الشرق الأوسط منذ ذلك التاريخ إلى اليوم، بل يمكن وصف بعض الحروب التي شهدتها المنطقة بأنها “حروب النفط”، ولعل الحرب على العراق عام 2003 لا تكون آخرها[22]، خصوصًا مع أجواء التصعيد الأميركي – الإيراني ربيع وصيف 2019.  

صحيحٌ أن النفط أسهم في إحداث سيولةٍ كبيرة لدى السعودية، وأعطى سياستها الخارجية قدرةً للتأثير على مواقف الدول الأخرى عبر المال، بيد أن هذه السيولة لم تستخدم في القطاعات الإنتاجية في كافة المجالات، بل استخدمت في قنوات أدت على الصعيد الداخلي إلى: مزيد من تدخل الدولة في الاقتصاد، والشراهة في الاستهلاك، وتضخم الأجهزة الحكومية والخدمية، والإخفاق في خلق بيئة صناعية في المجتمع السعودي؛ فصناعة النفط لم تكسب عمالها من المواطنين مهارات تفيدهم في مجالات خارج النفط، رغم محاولات شركة آرامكو السعودية في هذا الصدد، وطول مدة خدمتها. أما خارجيًّا، فقد أدت الوفرة النفطية إلى التوسّع في القروض الخارجية والهبات، وإقحام الدولة السعودية في القضايا الخارجية، على حساب التنمية الوطنية[23].

وبهذا المعنى تعد السعودية نموذجًا لاقتصاد المنتَج الواحد المندمج كليًّا في النظام الاقتصادي الدولي. ورغم محاولات الدولة الاتجاه نحو اتباع سياسة اقتصادية تعتمد على مبدأ تنويع مصادر الدخل للدولة منذ الخطة الخمسية الثانية (1975-1980)، فإن هذا التوجّه الاقتصادي لم ينجح بعد في أن يكون بديلًا للاعتماد على عائدات النفط[24].

ولذا فإن “ارتباط السعودية بالاقتصاد الرأسمالي العالمي عمومًا، وبالولايات المتحدة الأميركية خصوصًا، هو ارتباط عميق ومتعدد الجوانب. فالسعودية كانت وما زالت تعتمد على الاقتصاد الرأسمالي العالمي في بيع النفط، وفي الحصول على حاجاتها من السلع والخدمات، وفي توظيف الفوائض المالية النفطية، وفي إقامة الصناعات الجديدة وتشغيلها، وتطوير الحياة الاقتصادية داخلها”[25].

وبسبب ذلك، فإن ثمة محدودية في منجزات الخطط الاقتصادية الخمسية للدولة في الفترة من 1970 إلى 2010، ولا يزال الإيراد النفطي في ميزانية الدولة ونفقاتها يمثل نسبةً عالية، مما يدل على استمرار الحاجة إلى تشجيع الادخار وبناء رأسمال منتج ليحل مكان الدخل النفطي عندما تغيب شمسه، وهو ما يحتاج بدوره إلى قرار سياسي/استراتيجي يقوم بضبط وإدارة السياسات الاقتصادية العليا والكلية لكي تقوم على الاستثمار في رأس المال البشري وكل ما يتعلق بالإنسان تعليمًا وصحةً ودخلًا وإنتاجًا وحضارةً[26]

وفي سياق تحليل الآثار الاقتصادية لاحتمالات تراجع عائدات النفط مستقبلًا طرحت إحدى الدراسات ضرورة ترشيد السياسات الاقتصادية السعودية عبر خطوات سريعة لإيجاد موارد غير بترولية، وتطوير قنوات إيراد أخرى وسن الضرائب والرسوم، وترشيد عمليات الإنفاق الحكومي عبر تطوير مؤسسات إدارة المالية العامة، وضرورة الملاءمة بين السياسة الاقتصادية وسياسات التعليم والتدريب الوطني، والحد من الفساد الإداري، والبيروقراطية التي تعيق حركة القطاع الخاص الوطني، وتزيد من التكلفة الإنتاجية في القطاعين العام والخاص والاقتصاد برمته[27].

ورغم أهمية هذا الاتجاه الناقد لاعتماد النموذج التنموي السعودي على النفط، فإن ثمة من يذهب في اتجاه آخر يقوم على الإشادة بهذا النموذج واستمراريته وتوافقه مع البيئة المحلية، خصوصًا عبر مقارنته بالنموذجين العراقي والمصري. وهكذا يكون “للنموذج السعودي مزية في أن منطلقه يتفق مع الركائز الأساسية والخط العام الذي قام عليه بناء الدولة السعودية الحديثة؛ فمن ناحية هناك سنة الاستمرارية في النمو العضوي للنظام؛ أي أن تطور النظام السعودي منذ تأسيس الدولة السعودية قد تميز بوضع فريد استطاعت بموجبه الدولة السعودية أن تقيم قواعد دولة عصرية من واقع تقليدي، فهي لم تشهد فترات الانقطاع أو الانفصال، وإنما تعرف وصلًا في نمط النمو السعودي يتفق مع منشأ الدولة السعودية المعاصرة. من هنا يلقب النموذج السعودي بــ “التقليدية الحديثة”. ولذلك على المخطط السعودي أن يراعي التوفيق بين ضوابط وتوازنات معينة قائمة في النظام، الأمر الذي قد يحد من حرية حركته.

وإذا كان النظام السعودي قد استطاع – إلى حد كبير، وعلى مدى فترة زمنية طويلة – الحفاظ على هذا الانسجام وهذه السلاسة في الحركة وإحداثيات التطور والتغيير، فإن ذلك لم يمنع من حدوث اختلالات فجائية نتيجة الآثار غير المحسوبة لمعدلات التغيير السريع التي لا يمكن لأي نظام – مهما بلغت قدرته – أن يسيطر تمامًا على عواقبها الاجتماعية والسياسية، ولعل أبرز هذه الانقطاعات حادث الاستيلاء على الكعبة عام 1979، والذي كشف عن التطور التحتي لعوامل السخط الاجتماعي والسياسي التي حملت بدورها الشعارات الإسلامية نفسها التي يحملها النظام، والتي يرى المحللون الاجتماعيون أنها كانت النتاج الطبيعي لعمليات التغيير السريع التي تبنتها برامج التنمية السريعة في السبعينيات”[28].

وصفوة القول فيما يتعلق بمشكلة التوجّه الاقتصادي للدولة السعودية، خصوصًا اعتمادها على المداخيل النفطية، أن هذا التوجه لا يزال يمثّل واحدة من أزمات النظام السعودي الممتدة، التي تنتظر علاجًا، لأنها تؤثر على مجمل السياسات العامة في البلاد.  

ثالثًا- “شرعية” النظام السعودي وأزماته بعد الثورات العربية

أحرز النظام السعودي “نجاحًا نسبيًّا” في تجاوز الاحتجاجات المتفرقة التي شهدتها البلاد ربيع 2011، خصوصًا ما سمّي “ثورة حنين” في 11 آذار/مارس 2011، التي دعا إليها بعض الناشطين السعوديين المطالبين بالإصلاح السياسي، دون أن تحرز نجاحًا ملموسًا”[29]؛ إذ “أخفقت الاحتجاجات في التحوّل إلى حركة شعبية تطالب بإسقاط النظام، الأمر الذي جرى تفسيره آنذاك بأنه “صنيع سلطة قابلة للتوزيع في نظام دولة نفطية، ورضى السعوديين عن قيادتهم، ودعم خارجي تلقاه النظام من حلفائه الغربيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة”[30].

ورغم ذلك يمكن القول إن تداعيات الثورات العربية شكّلت – ولا تزال – تحديًا استراتيجيًّا كبيرًا للنظام السعودي. وبعد مرور أكثر من ثماني سنوات منذ اندلاع الثورات العربية عام 2011، ربما يمكن القول إن أزمة شرعية النظام السعودي قد تزايدت بعد هذه الثورات، بسبب سياسات الرياض وأنماط تحالفاتها على الصعد العربية والإقليمية والدولية.

لقد اتخذت الرياض موقفًا معارضًا – من حيث المبدأ – من مجمل الثورات العربية، ربما بسبب طبيعة النظام السعودي التقليدية وتوجهاته المحافظة سياسيًّا، التي تقوم على رفض فكرة الثورات والتغيير من أسفل إجمالًا، وتفضيل أسلوب التغيير من أعلى، عبر “المكرمات والمنح الملكية”، ورغم تحفظ السعودية على هذه الثورات، فإن تعاملها مع كل ثورة كان مختلفًا، بناء على قرب هذه الثورة أو تلك من تهديد مصالحها[31]؛ فعلى حين رغبت الرياض في أن تبقى ثورة تونس داخل حدود ذلك البلد، خشية امتداد النموذج التونسي عربيًّا، لم يعد هذا ممكنًا بعد الثورة المصرية، بسبب موقع مصر الجيوبوليتكي ضمن المنظومات العربية والأفريقية والإسلامية، خصوصًا إذا دانت صدارة المشهد السياسي المصري بعد الثورة لحركة الإخوان المسلمين، بما يعنيه ذلك من إمكانات لمدِّ جسور تحالف مع الأتراك بنموذجهم المختلف مع النموذج القبَلي-الديني السائد في السعودية. ومن شأن مثل هذه النتيجة أن تدعم أفكار الإصلاحيين الإسلاميين السعوديين (تيار الصحوة)، وكذا المطالبين بمزيد من الانفتاح السياسي على اختلاف مشاربهم الفكرية/السياسية، وأنصار الملكية الدستورية في السعودية.. إلخ. ما يعني في المحصلة إضعاف “النموذج السعودي”، الذي يصرّ دائمًا على إبراز صفته المرجعية بالنسبة للعالم الإسلامي[32].

وبالنسبة للدراسة التي بين أيدينا، ربما يكون أهم تأثيرين للثورات العربية عام 2011 على نظام الحكم السعودي وأزماته، يتعلقان بنقطتين محددتين؛ إحداهما مشكلة تعامل النظام السعودي مع الشيعة وحراكهم السلمي. والأخرى تعامل النظام مع قوى المعارضة والمطالبين بالإصلاح السياسي والاقتصادي.

1-تعامل النظام السعودي مع الشيعة وحراكهم السلمي

يتركز الشيعة السعوديون في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، ويشتكون من أوضاعهم الاقتصادية الصعبة، ما يجعل “المسألة الشيعية” ذات تقاطعات فيها بعد جغرافي، وبعد مذهبي، وبعد اقتصادي.

وبسبب طبيعة النظام السعودي وسياساته الطائفية تشعر الرياض بخطورة “البعد الإقليمي للمسألة الشيعية”، الذي يبدو داعمًا لطموحاتهم السياسية، لا سيما تلك التأثيرات القادمة من تحسّن الوضع السياسي لشيعة العراق والبحرين والكويت. بالإضافة إلى إشكاليات العلاقات السعودية-الإيرانية، خصوصاً منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، فقد شهدت السعودية عدة مظاهر لتأثيرات الإسلام السياسي الإيراني كان أخطرها ما يتعلق بالمنطقة الشرقية في السعودية عامي 1978 و1979 حيث انتشرت أعمال الشغب وقامت المواجهات في عدد من المدن والقرى الشيعية، مما أعاد إلى ذاكرة النظام السعودي الإضرابات السابقة للشيعة أعوام 1953و1956و1970[33].

ومع تصاعد أهمية العامل الشيعي/المذهبي في السياسات الإقليمية بعد احتلال العراق ربيع عام 2003. زاد التركيز على الشيعة السعوديين من جهتين؛ “إحداهما تتعلق بانتمائهم إلى عموم الشيعة الذين تحوّلوا إلى كتلة سياسية في مقابل كتلة سياسية سُنّية في المنطقة العربية، مما يكرس ثنائية طائفية سياسية في عموم المنطقة ويؤثّر في السعودية والخليج من حيث تصاعد النبرة الطائفية. والجهة الأخرى أنهم أقلية في البلد الخليجي الأكبر والأغنى بالنفط، والمتبني للهوية السلفية الوهابية التي دخلت، منذ نشوئها، في حالة تصادمية مع الشيعة على المستوى العقدي”[34].

ولقد أثارت مطالب الشيعة منذ عام 2003 – أي بعد احتلال العراق – جدلًا كبيرًا في الساحة السعودية، بين الذين نظروا إليها بوصفها خطرًا يجب مواجهته، سواء في السلطة أو في المؤسسة الدينية، وبين الذين عملوا على التفاعل معها ومحاولة احتوائها، سواء في السلطة أو في المؤسسة الدينية أيضًا[35].

ويرى البعض في تصاعد الاحتجاجات الشيعية في المنطقة الشرقية مؤشرًا على احتمال تطورها إلى بؤرة ثورية حقيقية، سيما بعد اعتقال رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، في بلدة العوامية بمدينة القطيف في تموز/يوليو 2012، بسبب توجيهه انتقادات حادة للحكومة السعودية، فضلًا عن دعوته المستمرة لانفصال القطيف والإحساء، وإعادتها إلى البحرين لتشكيل إقليمٍ واحد أو ما يسمى بــ “البحرين التاريخية”، الأمر الذي يفسر ترديد المتظاهرين عبارة “القطيف والبحرين شعب واحد”. وقد تسبب اعتقاله في اندلاع مظاهرات عنيفة، نتج عنها وفاة اثنين من المحتجين على أيدي قوات الأمن، فضلًا عن إصابة آخرين[36]. أضف إلى ذلك تداعيات حكم القضاء السعودي عليه بالإعدام، وما أثاره من محاولات وساطة عربية وإقليمية رجاء أن يصدر الملك سلمان عفوًا عنه، لكنه لم يفعل.

وثمة من يرى أن “إعدام الشيخ نمر في 2 يناير/كانون الثاني 2016 كان مغامرة محسوبة من جانب القيادة السعودية لتظهر استعداد الرياض للضرب بيد من حديد لتحقيق هدفين؛ أحدهما إسكات المعارضة، والآخر حرمان إيران من فرصة استغلال الشيعة السعوديين، في زعزعة استقرار السعودية”[37]

ويبدو أن السلطات السعودية باتت تستخدم أداة إعدام الناشطين الشيعة و”صلبهم” لتحقيق هدفين؛ أحدهما ردع شيعة السعودية خصوصًا الناشطين منهم. والآخر تأكيد استمرار الرياض في “مواجهتها” الإقليمية ضد إيران؛ إذ قامت هذه السلطات في 23 أبريل/نيسان 2019 بإعدام 34 مواطنًا شيعيًا على الأقل[38]. فيما بدا كأنه بالون اختبار لمدى تقبل الرأي العام لسياسة إعدام الناشطين، توطئة لاحتمال تطبيقها ضد العلماء المعتقلين منذ سبتمبر/أيلول 2017، ومنهم سلمان العودة وعلي العمري وعوض القرني، ضمن جولة أخرى من الإعدامات المتوقعة في يونيو/حزيران 2019.

2- تعامل النظام مع قوى المعارضة والمطالبين بالإصلاح السياسي والاقتصادي

لم تكن سياسةُ النظام السعودي – منذ سنوات تأسيسه الأولى – تجاه قوى المعارضة قائمةً على أساليب الاحتواء في أغلب الأحيان؛ إذ تشير دراسةٌ تاريخية إلى أن “الاستقرار النسبي لسلطة آل سعود جاءت من أنهم كانوا ينكّلون بالمعارضة، اليسارية خصوصًا، من جهة، بينما تقوم أسرة آل سعود، من جهة أخرى، بتلبية مصالح الحلقات الأخرى من الطبقة الحاكمة والبيروقراطية ومنتسبي القوات المسلحة، ما يكفل ولاءهم. كما أن رغبة السكان في الاستقرار ورفع مستوى المعيشة لعبت دورًا مساعدًا، سيما مع مقاربة آل سعود الحذرة في الموازنة بين الأوساط السلفية في الطبقة الحاكمة، وبين الأعداد المتزايدة من أنصار الإصلاحات والتحديث النسبي”[39].

وبالإضافة إلى قمع النظام السعودي أفراد المعارضة اليسارية، ربما تكون أصوات المعارضة الأهم هي التي تصاعدت بمجرد انتهاء حرب الخليج الثانية ربيع 1991؛ إذ واجهت الدولة أزمةً تتعلق بشرعية النظام، وسوء إدارته للعوائد النفطية، وإسرافه في الإنفاق على منظومة دفاعية لم يكن في مقدروها صدّ الخطر الخارجي القادم من عراق صدام حسين. وأصبحت علاقة “الإعالة الأمنية” بين الولايات المتحدة والنظام السعودي مادةً لانتقادات علماء الدين السعوديين، خصوصًا العلماء الشباب. ولم تكن مصادفة أن يشهد عاما 1991 و1992 تقديم عدد من المذكرات والرسائل المفتوحة، التي تخاطب الملِك وتدعو إلى إصلاحات عامة.

واشتهر منها المذكرة التي طالبت بعشرة إصلاحات، وحملَت تواقيعَ ثلاث وأربعين شخصية عامة، وتُعرف أحيانًا بـ “المذكرة العلمانية أو المدنية” (كانون الأول/ديسمبر 1991)، و”المذكرة الدينية” (مايو/أيار 1991) التي حملَت تواقيع اثنين وخمسين إسلاميًا (بينهم: سفر الحوالي، وعائض القرني، وناصر العمر، وسلمان العودة). ثم جاءت “مذكرة النصيحة” (1992) التي دعت إلى إصلاحات واسعة للمجتمع والسياسة والحكم في البلاد، ونادت بلهجة قوية بالعودة إلى نظام إسلاميّ يَكون أساس الحكم، وشدَّدت على توسيع دور العلماء في الحكم، عبر تشكيل مجلس شورى مستقل يسهم في رسم السياسات الداخلية والخارجية[40].

وهكذا “أدت استعانة النظام السعودي بقوات أجنبية عام 1990، لحماية أراضيه من هجوم عراقي محتمل، إلى إطلاق حملة معارضة هائلة للأسرة المالكة أشرفت عليها حركة الصحوة الإسلامية (المعروفة بالصحوة اختصارًا)؛ إذ استقطبت الخطب الحماسية التي تشجب الوجود الأميركي عشرات الالاف من الشباب السعودي، بوصفه علامةً على فشل أخلاقي وسياسي للنظام السعودي، الذي اهتز ربما لأول مرة في تاريخه، واستمرت حملة الاحتجاجات والمطالبة بالإصلاح الجذري حتى عام 1994، وأدّت إلى اعتقال عدة آلاف من أنصار المعارضة”[41].

واعتبارًا من منتصف التسعينيات تعاظَم حجمُ المعارضة السعودية؛ بحيث شكَّل نفوذ “لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية” مصدرَ إزعاج حقيقي للنظام. وقد انتقل أغلب الناشطين في هذه اللجنة التي تأسست داخل السعودية في مايو/أيار 1993 إلى ممارسة نشاطهم من لندن في أبريل/نيسان 1994، وبرز منهم محمد المسعري وسعد الفقيه. وكانت المطبوعة المنتظمة للجنة “الحقوق” تركز على قضايا فساد الحكم وانتهاك حقوق الإنسان، وسوء الإدارة في مجالات مختلفة. لكن اللجنة تعرَّضت في مارس/آذار 1996 إلى انشقاق داخلي في صفوفها، أضرَّ بمصداقيتها في السعودية والخارج، وبادر سعد الفقيه إلى تأسيس “حركة الإصلاح الإسلامي في الجزيرة العربية”، التي أصدرت نشرات أسبوعية بعنوان “الإصلاح”، كانت تستمد روحها وإطارها المرجعي من محتوى “مذكرة النصيحة” (1992). وقامت الحركة بدعم جماعة “العلماء الشباب” ذات البنية التنظيمية الفضفاضة، والتي أخذ أعضاؤها على عاتقهم الدعوة إلى الإصلاح عبر إلقاء الخطب في المساجد والجامعات[42].

أما بعد الثورات العربية عام 2011، فقد بات “النظام السعودي يواجه أزمةً داخلية تفرضها عوامل التغيير التي هبّت على المنطقة العربية قبل الثورات وخلالها. وهي أزمة نظام يواجه وعي المجتمع وحراكه السلمي. لقد تبلور هذا الوعي وتركّز على خطاب الحقوق المدنية والسياسية، وظهرت تيارات تؤصّل لخطاب ثالث بين استبداد العنف وبين استبداد النظام. أو ما بين الثورة المسلحة وتفجير الوضع من جهة، وبين قمع السلطة وإقصائها للمجتمع ومنعه من المشاركة السياسية والتضييق عليه أمنيًّا وفكريًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا من جهة أخرى. ولذا فإن الوعي بالحقوق والمطالبة بها سلميًّا هو الخطر الوجودي على النظام السعودي (ولهذا كانت الخشية من سلمية التحرك في الثورات اليمنية والمصرية والتونسية، مخافةَ وصول عدواها إلى السعودية)؛ فقد اعتاد النظام أن يمارس السياسة عن طريق تفعيل ركائز الحكم التسلطي والتفرد بالسلطة السياسية وأذرعها الاقتصادية والإعلامية والأمنية التي تعمل في تناغم لخلق حالة شتات فكري وتخبط لدى المواطن السعودي، بما يعرقل أي عمل جماعي، ويقهر الروح البشرية حتى يصل الناس إلى مرحلة العبودية الطوعية”[43].

وترى دراسة مختصة في تحليل خطابات “الإسلاميين السعوديين” الذين مزجوا بين المعرفة الدينية المتعمقة وبين الانخراط في القضايا السياسية الملحة، عبر التركيز على خطابات سلمان العودة وعبد الله الحامد وعبد الله المالكي ومحمد العبد الكريم ومحمد حامد الأحمري، بالإضافة إلى تحليل خطاب جمعية الحقوق المدنية والسياسية السعودية “حسم”، أن ثمة تحولات عميقة شهدتها “الإسلاموية السعودية” مؤخرًا بضغط من السياقات المحلية والإقليمية؛ إذ يعرض هؤلاء المفكرون والدعاة الإسلاميون، ضمن التزامهم ببناء الفرد والجماعة معًا، رؤيةً للمستقبل تجمع بين التشبث بالإسلام دينًا، مع تقدير التقاليد الفكرية الأخرى. ويشكّلون بذلك “إسلاميين حداثيين” يتحدّون الحكم الاستبدادي، الذي يراهم أشد خطرًا من الإسلاميين الجهاديين[44].

وضمن مسعى هؤلاء “الإسلاميين الحداثيين” إلى “أنماط جديدة من السياسة تتجاوز الأفكار والتفسيرات السلفية/الوهابية، ينخرطون في السياسة الشرعية بطرائق براجماتية تعتمد على إعادة تفسير النصوص، رغم اهتمامهم بإبقاء الإسلام وثيق الصلة بمستقبل السعودية التي يجب أن تشهد “إصلاحًا سياسيًّا حقيقيًّا”، كما يقولون. ولذلك يراهم النظام السعودي مشروعًا خطرًا وتهديدًا أعظم للنظام على المدى الطويل من العنف الجهادي؛ إذ يمكن للنظام أن يعتمد على دعم المجتمع حين يزعم أنه يحارب “الإرهابيين”، لكن حين يسجن إسلاميين حداثيين مسالمين يواجه تحدياتٍ جدية، نظرًا إلى عجزه عن تبرير قمعهم إلى الأبد”[45].

وإزاء فشل المطالبة بالإصلاح السياسي، ومراوغات النظام السياسي السعودي، ولجوئه إلى تكثيف سياسة الاعتقالات والقمع في عهد محمد بن سلمان، ثمة مخاوف حقيقية من انزلاق السعودية إلى دائرة العنف والعنف المضاد – بغض النظر عن مبرراته ومسوغاته ومشروعيته أو عدم مشروعيته – لتصل إلى مرحلة الصراع الاجتماعي المفتوح أو “الحرب الأهلية”[46]. خصوصًا مع وجود سياق عربي أوسع ربما يسير في اتجاه تزايد “العنف السياسي”، ومن أسبابه: أزمة بناء الدولة الوطنية الحديثة، وأزمة التنمية، وغياب العدالة الاجتماعية، واستشراء الفساد الإداري والسياسي، وسوء إدارة التعددية المجتمعية وتفجر مشكلات الأقليات، وتجذر التسلطية مع غياب الديمقراطية وحقوق الإنسان، وعدوى العنف، إضافة إلى العوامل الخارجية[47].

المبحث الثاني: تفاقم أزمات الدولة بعد تولي محمد بن سلمان ولاية العهد

بعد انتهاء سياسة “التوازن الداخلي والتهدئة الخارجية”، التي اتبعها الملك سلمان بن عبد العزيز في أوائل عهده، كما أشير إليه آنفًا، انتقلت السعودية إلى مرحلة من التأزم الداخلي، ما انعكس بصورة جلية على سياساتها العامة، وتآكل القدرة على معالجة المشكلات وإدارة الأزمات التي تواجهها البلاد.

وكان أبرز متغيرات هذه المرحلة على الصعيد الداخلي السعودي، إقصاء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، من ولاية العهد، ومن جميع مناصبه، وهو ما اعتبره البعض خروجًا على تقاليد الأسرة المالكة السعودية؛ فهذا “الانقلاب الأبيض” على ابن نايف، كان له عدة دلالات[48]:

1-أنه يعتبر تجاوزًا لقرار “هيئة البيعة” التي أقرت عام 2015 تعيين ابن نايف في منصب ولي العهد.

2-أن تعيين الأمير محمد بن سلمان لم يأتِ ليسد فراغًا في منصب ولاية العهد، بل ليطيح بولي العهد ابن نايف، الذي لم يُتهم بارتكاب أخطاء أو مخالفات تفقده صلاحية البقاء في المنصب، رغم تعرضه بعدها لحملة لتشويه صورته بوصفه “مدمنًا على أدوية مخدرة”.

3-أن ما رشح عن طريقة مبايعة ولي العهد الجديد، قد تكون مدخلًا للتعرف على مسار العلاقات داخل أسرة آل سعود، التي بدأت صراعاتها تطفو للعلن بصورة غير مألوفة، منذ صراع الأمير فيصل بن عبد العزيز مع أخيه الملك سعود في ستينيات القرن العشرين[49].

 ورغم أن أزمات السعودية الداخلية والخارجية قد تعود إلى وقت بعيد نسبيًّا، فإن ثمة حدثين فارقين في إظهار هذه الأزمات السعودية وتشبيكها معًا. أحدهما داخلي ويتعلق بتغيير نظام توريث العرش في البلاد، وتولّي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد وبروز نتائج سياساته الجديدة في عدة مجالات اجتماعية واقتصادية وسياسية. والآخر خارجي، ويتعلق باغتيال الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، فقد أعاد هذا الحدث تسليط الضوء بكثافة على السياسات السعودية الداخلية والخارجية، ولا سيما النتائج الكارثية للحرب السعودية-الإماراتية على اليمن، فضلًا عن تفاقم سياسة اعتقال الدعاة والمفكرين والناشطين الحقوقيين والنسويات السعوديات وجميع معارضي سياسات محمد بن سلمان من الأمراء ورجال الأعمال والوزراء السابقين.

“وفي مواجهة هذه الأزمات السعودية المتراكمة، اقترح جزء من النخبة الحاكمة مجموعة من الحلول تتمثل في: إصدار الرؤى الاستراتيجية (مثل رؤية 2030)، وتعيين جيل الشباب في المناصب العامة، والدعوات إلى إسلام وسطي معتدل، ومنح المرأة بعض الحقوق والإعلان عن نية مكافحة الفساد، وإنشاء مشاريع ضخمة لتنويع مصادر الدخل والخصخصة والسعودة والإصلاحات القانونية والمالية. وبهذا يعيد الأمير محمد بن سلمان تدوير أفكار وتصورات قديمة منذ عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، لكن الجديد أن ابن سلمان يسعي لإعادة تشكيل المنظومة السلطوية المهترئة عبر خطوتين؛ إحداهما تدمير منظومة الهيمنة متعددة الأطراف، التي كانت تسمح لأجنحة مختلفة من آل سعود بالمشاركة في القرار، والأخرى إرساء منظومة سلطوية عمودية تحصر القرار في سلالة الملك سلمان فقط”[50].

ولا شك أن تولي الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد، ترك تداعيات مهمة على صعيد السياسات العامة السعودية. ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى الأمور الآتية:

1-إعادة رسم العلاقة بين السياسي والديني التي كانت تشكّل أقوى أسس شرعية الدولة السعودية الأولى، منذ نشأتها في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، عبر عقد حلف ديني- سياسي بين المصلح والقائد الديني للحركة الوهابية الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبين محمد بن سعود رئيس مدينة الدرعية[51]. وهو حلفٌ قوّى سيطرة السياسي على الديني، رغم استمرار حاجة أسرة آل سعود للشرعية الرمزية/الدينية، التي توفرها المؤسسات الوهابية في السعودية، التي تحتضن مكة المكرمة والمدينة المنورة.

لقد قام الأمير محمد بن سلمان باتخاذ خطوات متلاحقة لإعادة رسم هذه العلاقة، وذلك عبر تقليص صلاحيات “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” ونزع الضبطية القضائية منها، وتواتر الأنباء عن وجود نيات لفصل منصب الملك، عن لقب “خادم الحرمين الشريفين”، في إطار مسعى لتحديث شكل النظام.

 2-البحث عن نمط جديد للشرعية يمزج بين “الشرعية الاقتصادية/شرعية وعد الرخاء”، المتمثلة في تقديم الوعود الاقتصادية للشعب السعودي وإنعاش آمال الشباب بالمستقبل عبر طرح “رؤية 2030″، وبين “شرعية الانفتاح الاجتماعي”، عبر السماح باختلاط الرجال والنساء في احتفالات العيد الوطني للمملكة، ثم عبر قرار العاهل السعودي في 26 أيلول/سبتمبر 2017 بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة[52].

وبخصوص هذا القرار، ثمة اتجاهان في تحليل أهدافه ودوافعه وتداعياته المحتملة؛ أحدهما يرى أن “المحرّك الرئيس وراء اتخاذه كان الأمير محمد بن سلمان، الذي يريد تحويل اقتصاد السعودية، ضمن “رؤية 2030″، ولأن نظرته للعادات والتقاليد الاجتماعية أكثر انفتاحًا، لذا تنطوي الرؤية على إنشاء وتطوير منتجعات سياحية على طول ساحل البحر الأحمر، قد تسمح بالسباحة المختلطة بين الرجال والنساء وارتداء البيكيني، وربما احتساء المشروبات الروحية”[53].

أما الاتجاه الآخر فلا يرى في قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، سوى خطوة محدودة جدًا، لأنها تأتي في سياق تحسين صورة السعودية خارجيًّا، لا سيما بعد اتضاح فداحة الانتهاكات التي قام بها “التحالف العربي” ضد المدنيين العزل في اليمن منذ بداية الحرب أواخر آذار/مارس 2015، وأيضًا بعد تجلّي الآثار المجتمعية والإنسانية السلبية لأزمة حصار قطر منذ حزيران/يونيو 2017؛ فهذا القرار مرتبط بالاضطرابات الداخلية في السعودية مع ولاية العهد بقيادة محمد بن سلمان، والمشكلات الاقتصادية، فضلًا عن حرب اليمن والتوتر مع قطر وإيران؛ فالناتج الأهم لهذا القرار، هو مكسب تحتاجه الرياض في علاقاتها العامة، خلال مواجهة ما تمرّ به، خصوصًا أنه جاء قبيل تصويت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة نهاية أيلول/سبتمبر 2017، حول تشكيل لجنة تحقيق لتوثيق جرائم الحرب في اليمن، ما يعني أن السعوديين كانوا يحاولون الإيحاء بأن بلادهم في طريقها لمزيد من الانفتاح واحترام حقوق الإنسان”[54].

3- ترويج مصطلح “السعودية الجديدة”، رائدة “الإسلام المعتدل”، في مواجهة “التشدد الشيعي الإيراني”، و”التشدد الإخواني السني”؛ إذ سعى محمد بن سلمان إلى تقديم قراءة جديدة لتاريخ السعودية، زاعمًا في مقابلة مع البرنامج الإخباري الأمريكي “60 دقيقة”، أن بلاده قبل عام 1979، كانت تعيش حياة طبيعية جدًا مثل بقية دول الخليج، كانت النساء تقود السيارات وكانت المرأة تعمل في كل مكان، وكانت هناك دور سينما في السعودية؛ حتى حدث تطوران؛ أحدهما وقوع ثورة إيران والآخر احتلال الحرم المكي من قِبل جماعة جهيمان العتيبي عام 1979، التي فرضت على السعودية تبني “الوهابية الصارمة”[55].

لكن ابن سلمان لم يهتم بشرح أسباب حملته على الإخوان المسلمين وتشويه صورتهم في المناهج السعودية وإقصائهم من التدريس في الجامعات والمدارس، ولم يبرّر الرقابة في معرض الرياض الدولي للكتاب، ولا سياسة الاعتقالات في عهده التي شملت عشرات المعتدلين من مفكرين وعلماء دين واقتصاديين، ورجال أعمال وأفراد من العائلة المالكة، بحجة مكافحة الفساد[56].

وفي ظل غياب أي نقد ذاتي للممارسات السعودية وإغلاق المجال العام والتضييق على الحريات، كتب عددٌ من الباحثين العرب في نقد سياسات الأمير محمد بن سلمان وتناقضاتها وتركيزها على “الصورة” والدعاية في جولاته الخارجية[57]، وفي كشف حقيقة مصطلح “السعودية الجديدة”، متوقعين أن يُواجه تحديات ومشكلات جمة قد تفضي إلى فشل مشروعه “التحديثي/التسلطي”، وتفاقم الأزمات الداخلية والخارجية بسبب نمط الاستبداد الكامن في المشروع، و”تجاهل مراكز القوة التقليدية في السعودية (مثل الأسرة الحاكمة، المؤسسة الدينية، القبائل والعشائر الرئيسة، ومجتمع التجار والمال والأعمال)، وحماس الأمير لبناء علاقة جديدة بين الدولة وشعبها عبر مشروع مفاجئ وسريع وصدامي”[58].

لقد أدّى تقديم ملف توريث الأمير محمد بن سلمان على ما عداه من ملفات وأولويات، إلى توليد حالة من الاندفاع والارتباك غير المعهود في تاريخ السياسة السعودية، التي كانت تراعي – سابقًا – حدًّا أدنى من التوازنات في حساباتها، بما يراعي عدم الإضرار بالقضايا والمصالح العربية بشكل سافر.

هذا فضلًا عن الارتباك الداخلي، الناجم عن سوء إدارة ملف توريث الأمير محمد بن سلمان، بالتزامن مع ظهور ثغرات مهمة في “رؤية 2030” السعودية، التي تتجاهل بوضوح العلاقة بين التحول الاقتصادي وتوفير البيئة السياسية والاجتماعية الملائمة له، على نحو ما ستفصله الدراسة حالًا.

تنقسم “رؤية 2030” إلى ثلاثة محاور؛ مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطن طموح. وثمة ثمانية برامج لتحقيق هذه الرؤية: برنامج التحول الوطني، برنامج الإسكان، برنامج تطوير القطاع المالي، برنامج جودة الحياة، برنامج التخصيص، برنامج صندوق الاستثمارات العامة، برنامج تحقيق التوازن المالي[59]. 

ويشير أحد الباحثين إلى أن “طريق الإصلاحات الاقتصادية يبقى محفوفًا بزيادة المخاطر السياسية في السعودية، علاوة على الآثار الاجتماعية الكبيرة التي قد تولِّد ردَّات فعل سلبية ربما تدفع بالمحصِلة إلى إبطاء عجلة الإصلاحات أو توقفها. ومن التحديات السياسية التي تواجهها “رؤية 2030″، التحديات الآتية[60]:

-“تماسك الأسرة الحاكمة؛ فبرامج الإصلاحات التي يقودها ابن سلمان قد تواجه مقاومة في المستقبل؛ فالمعارضة قد تزداد داخل الأسرة الحاكمة ضد ولي العهد في حال ارتكب خطأ جسيمًا في اليمن، أو تصاعد التذمر الشعبي نتيجة فشل الإصلاحات الاقتصادية. 

– السخط الشعبي؛ فقد تضطر الحكومة السعودية إلى إبطاء بعض الإصلاحات إذا ما تسبَّبت في ردود فعل سلبية لدى السعوديين، وهو أمر بالمحصلة قد يقوِّض العديد من أهداف رؤية 2030.

في هذا السياق، قررت الحكومة السعودية، في شهر مايو/أيار 2017، إعادة البدلات لموظفي الدولة والجيش، بعد تخفيضها في سبتمبر/أيلول 2016، عازية ذلك إلى تحسن الأداء المالي، ومن أجل تحفيز النمو الاقتصادي.

-المؤسسة الدينية؛ إذ تتطلع الحكومة السعودية على مدى العقد القادم، إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية، وزيادة الترفيه في المملكة، فضلًا عن تطوير السياحة غير الدينية، وهذا النوع من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية قد تولِّد توترات مع القوى المحافظة في البلاد. وفي حال حدث هذا الأمر، قد يؤدي إلى تآكل سلطة المؤسسة الدينية بصورة متزايدة، وربما يدفعها أو بعض رموزها إلى زيادة جرعة الانتقادات أو حتى المعارضة بما يترتب على ذلك من تداعيات ربما تؤثر سلبًا على الاستقرار السياسي في البلاد.

– الإصلاحات السياسية؛ فرغم أن السعودية شرعت في إجراء إصلاحات اقتصادية دون الإعلان عن أي إصلاحات سياسية، لكن عدم توفر آليات سياسية حقيقية وفعالة لمراقبة أداء الحكومة بشكل شفاف، قد يقوِّض الدعم الشعبي في المديين المتوسط والطويل، أو يدفع الحكومة للتخلي عن جوانب مُهمَّة من الإصلاحات في حال تصاعد المعارضة الشعبية. ومعلوم في هذا السياق، أن الإصلاحات السياسية (برلمان منتخب، القضاء المستقل، الأحزاب، النقابات…إلخ)، وتدابير مثل زيادة المساءلة السياسية لا تزال خارج جدول أعمال الحكومة السعودية، وبعيدةً عن النقاشات المجتمعية والشعبية.

– خطر الجماعات الجهادية واضطرابات المنطقة الشرقية؛ ثمة احتمال لأن تقوم تنظيمات راديكالية مثل القاعدة وتنظيم “داعش” بتنفيذ المزيد من الهجمات داخل السعودية. ورغم أنها لا تشكِّل خطرًا وجوديًّا، فإن استمرارها أو تصاعدها يمكن أن ينعكس سلبًا على التوقعات الاقتصادية أو الاستثمارية. وهناك أيضًا قضايا حقوق الإنسان التي تثيرها المنظمات الدولية، والاضطرابات المستمرة في المنطقة الشرقية التي يقطنها السعوديون الشيعة الذين يطالبون بحقوقهم السياسية، مما يرسل في المحصلة إشارات سلبية للعالم الخارجي.

– عمليات الخصخصة: هناك تحفظات داخل السعودية على خصخصة الأصول المملوكة للدولة في ظل انخفاض أسعار النفط العالمية؛ حيث من المحتمل أن تُقيَّم هذه الأصول أقل بكثير من قيمتها الحقيقية. كما توجد مخاوف حقيقية من أن تشجع عمليات الخصخصة ما يشبه “رأسمالية المحاسيب”، من خلال بيع ممتلكات الدولة لكبار المستثمرين المرتبطين بالنظام أو العائلات المتنفذة. بينما يذهب آخرون للقول: إن برامج الإصلاح الشكلية في السعودية لا تهدف إلى دعم القطاع الخاص بشكل يؤدي إلى ظهور طبقة وسطى حقيقية في المملكة، يمكن لها في نهاية المطاف تحدي الهيمنة الاقتصادية للأسرة الحاكمة أو العائلات المتنفذة.

– الوضع الإقليمي الملتهب: لا تزال القضايا السياسية والأمنية الإقليمية تشكِّل تحديات صعبة، ويمكن أن تضع المزيد من الضغوط على اقتصاد السعودية، وهي تمتد من الحرب في اليمن، إلى الأوضاع في سورية والعراق، مرورًا بدعم الاستقرار في مصر، والمغرب، والأردن، والبحرين، والمخاوف من تزايد النفوذ الإيراني، وصولًا إلى الأزمة الخليجية الحالية وحصار قطر”[61].

خاتمة: أزمات الدولة السعودية بين الاستمرارية والتغيير

ثمة مؤشراتٌ ربما تفيد بانتقال أزمات الدولة إلى مستويات أعلى من الخطورة والتعقيد، سواء فيما يتعلق بخرق نظام توريث العرش وتجاوز دور “هيئة البيعة”، مع تولي جيلٍ شاب من المستشارين محدودي الخبرة والكفاءة، إضافة إلى تفاقم البطالة واستشراء الفساد، والتوسع في قمع المعارضة عبر اعتماد سياسة “اعتقالات وتعذيب واغتيالات”، وكذلك تزايد المشكلات الأمنية في المنطقة الشرقية من البلاد (حيث يسكن الشيعة).

ربما لم تتغير السياسات العامة في البلاد كثيرًا من حيث الجوهر، على الرغم من طرح “رؤية 2030″، التي تزخر بأوجه قصور عديدة، ما يجعلها صعبة التنفيذ، برغم كثافة محاولات الترويج لها وتسويقها عبر: صك المصطلحات (مثل “السعودية الجديدة”)، وتدشين سياسات الترفيه والانفتاح الثقافي وتشجيع السياحة.. إلخ.

وهذا قد يعني أن الخطَّ الأساسي الذي تنتهجه السعودية الآن هو مزيج من “الإصلاح الشكلي”، مع سياسات “نيوليبرالية” براجماتية قصيرة المدى، وكل هذا لن يوفّر حلولًا حقيقية، بل من المرجح أن يتزايد نطاق التهديدات والمشكلات المتراكمة، بدلًا من أن يتراجع[62].

وإذا بحث المرءُ عن “نموذج مثالي” يعكس استمرارية أزمات الدولة السعودية، خصوصًا على صعيد صنع القرارات الاستراتيجية الخارجية وقرارات السياسة العامة، فلربما يمكن الإشارة إلى قرارين؛ أحدهما شنّ الحرب على اليمن التي كانت واحدة من أسوأ الأزمات التي افتعلتها السعودية مع جوارها، دون أن تعرف بالضبط ماذا تريد من هذه الحرب[63]، والآخر قرار اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018. وكلاهما يعكس التغير الحاصل في هيكل صناعة القرار السعودي، بعد انتقاله إلى جيل أحفاد الملك المؤسّس، سيما بعد تولي محمد بن سلمان منصب ولي العهد، بالتوازي مع تعيين مجموعة من المستشارين من ذوي الخبرة المحدودة، واحتكارهم مسألة توجيه السياسات السعودية الداخلية والخارجية.

باختصار، لا يمكن أن تحلّ الدولة السعودية أزماتها المتراكمة، دون أن تلج عملية “إصلاح سياسي حقيقية وكاملة”، تكفل انتقالها تدريجيًّا إلى “ملكية دستورية”، قبل أن يقع المحظور وتنفلت الأمور من عقالها، بما يهدّد مصالح الجميع، بما في ذلك أسرة آل سعود نفسها. [64].


الهامش

[1] – محمد نبيل مُـلين، “إرساء سلطة عمودية: جذور ومآلات الصراع على العرش السعودي”، تقارير، الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات 10/12/2017. على الرابط: https://bit.ly/2BPMfLO

[2] – راجع: أليكسي فاسيلييف، تاريخ العربية السعودية من القرن الثامن عشر وحتى نهاية القرن العشرين، بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، ط4، 2013، ص 616.

[3] – انظر: مضاوي الرشيد، “مشروع تحديث الحكم السعودي”، ورقة العمل في حلقة نقاشية بعنوان “السعودية.. إلى أين؟”، المستقبل العربي، العدد 368، تشرين الأول/أكتوبر 2009، ص 117.

[4] – بتصرف عن: مضاوي الرشيد، “دوائر النفوذ: الأسرة المالكة والمجتمع في المملكة العربية السعودية”، في: بول آرتس وغيرد نونمان، (محرران) المملكة العربية السعودية في الميزان: الاقتصاد السياسي والمجتمع والشؤون الخارجية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط2، سبتمبر/أيلول 2013، ص 241- 250.

[5] – انظر: أحمد يوسف أحمد ود. نيفين مسعد (محرران)، حال الأمة العربية 2006-2007: أزمات الداخل وتحديات الخارج، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2007، ص 82-83.

[6] – جوزيف أ. كيشيشيان، الخلافة في العربية السعودية، ترجمة: غادة حيدر، بيروت: دار الساقي، ط2، 2003، ص 29- 31.

[7] – Simon Henderson, “Saudi Arabia’s Family Feud”, The Washington Institute, July 7, 2014. https://bit.ly/2M28tEi

[8] – انظر: محمد السعيد إدريس، “تحديات الحكم السعودي الجديد ومستقبل مجلس التعاون الخليجي”، آفاق سياسية (تصدر عن المركز العربي للبحوث والدراسات)، العدد 15، مارس 2015، ص 64- 72.

[9]– أمجد أحمد جبريل، “المملكة العربية السعودية وملفات الربيع العربي”، في: أحمد البرصان وآخرون، “آفاق السياسة الخارجية السعودية في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز”، دراسات (96)، عمّان: مركز دراسات الشرق الأوسط، 2015، ص 23- 24.

[10] – بتصرف عن: سايمون هندرسون، “تعديل وزاري في الرياض”، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى 29/4/2015. (زيارة 22/5/2019) على الرابط: https://bit.ly/2WgXHxB

[11] – “العاهل السعودي يزور أخاه مقرن، والأمير طلال ينتقد التغييرات”، روسيا اليوم 30/4/2015. (زيارة 22/5/2019) على الرابط: https://bit.ly/2VSnr4a

[12] – المصدر نفسه.

[13] – “الأمير طلال يعتبر قرارات الملك السعودي ارتجالية، ولا تتفق مع الشريعة وأنظمة الدولة”، القدس العربي 1/5/2015. على الرابط: https://bit.ly/30Cvp00

[14] – راجع: مداخلة مضاوي الرشيد، في: حلقة نقاشية بعنوان: “السعودية وتحديات المرحلة”، المستقبل العربي، العدد 467، كانون الثاني/يناير 2018، ص 23.

[15] – انظر: أمجد أحمد جبريل، “السعودية والتدخل في اليمن: بين الدوافع الداخلية والخارجية”، مركز الحضارة للدراسات والبحوث 4 مايو/أيار 2015. (زيارة 22/5/2019)، على الرابط: https://bit.ly/2JA1YGO

[16] – “أخو العاهل السعودي الأمير أحمد بن عبد العزيز ينفي انتقاده للملك وولي العهد”، بي بي سي العربية 5/9/2018. (زيارة 22/5/2019)، على الرابط: https://bbc.in/2Q8DQL6

[17] – المصدر نفسه.

[18] – Michael Knights, “Setting Limits on the Saudi Air Campaign in Yemen”, The Washington Institute, August 16, 2018. https://bit.ly/2L3S0JT

[19] – انظر: “محمد بن سلمان: السعودية تستطيع العيش من دون نفط بحلول 2020″، الحياة 26/4/2016.

[20] – راجع: “ولي ولي العهد السعودي: النفط لن يكون مصدرًا رئيسيًا للدخل خلال 20 عامًا، “أرامكو” ستطرح أقل من 5% للاكتتاب وصندوق الاستثمارات العامة سيكون الأكبر في العالم”، الشرق الأوسط 2/4/2016. على الرابط: https://bit.ly/2EoxJ16

[21] – محمد بن صنيتان، السعودية الدولة والمجتمع: محددات تكوّن الكيان السعودي، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2008، ص 51- 63.

[22] – يوسف مكي، “الحالة السعودية”، في: نيفين مسعد (محرر ومنسق)، كيف يصنع القرار في الأنظمة العربية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2010، ص 150-154.

[23] – محمد بن صنيتان، السعودية الدولة والمجتمع، مصدر سابق، ص 58- 59.

[24] – عمر الحضرمي، البعد الاقتصادي في السياسة الخارجية السعودية، عمّان: دار الفتح، 2002، ص 108.

[25] – إبراهيم العيسوي، قياس التبعية في الوطن العربي، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية وجامعة الأمم المتحدة، مشروع المستقبلات العربية البديلة، 1989، ص 93.

[26] – عبد العزيز محمد الدخيل، التنمية الاقتصادية في المملكة العربية السعودية: قراءة نقدية، بيروت: دار الساقي، 2012، ص 878-880.

[27] – المصدر نفسه، ص 110- 115.

[28] – بتصرف عن: منى أبو الفضل، المدخل المنهجي لدراسة النظم العربية، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 2013، ص 252- 254.

[29] – راجع: عبد الخالق عبد الله، “الربيع العربي: وجهة نظر من الخليج العربي”، المستقبل العربي، العدد 391، أيلول/سبتمبر 2011، ص 122.

[30] – انظر: مضاوي الرشيد، “مستقبل مطالب الإصلاح في السعودية”، في: أحمد يوسف أحمد وآخرون، مستقبل التغيير في الوطن العربي، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية والمعهد السويدي بالإسكندرية، يناير/كانون الثاني 2016، ص 671.

[31] – راجع: منصور المرزوقي البقمي، “الموقف السعودي من ثورات الربيع العربي”، في: محمد بدري عيد وجمال عبد الله (محرران)، الخليج في سياق استراتيجي متغير، الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات وبيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2014، ص 113- 132.

[32] – بتصرف عن: إبراهيم محمد علي، “موقف المملكة العربية السعودية من الثورات العربية”، دراسات شرق أوسطية، (عمّان: مركز دراسات الشرق الأوسط)، العدد 57، خريف 2011، ص 64.

[33] – جوزيف أ. كيشيشيان، الخلافة في العربية السعودية، مصدر سابق، ص162- 165.

[34] – بدر الإبراهيم ومحمد الصادق، الحراك الشيعي في السعودية: تسييس المذهب ومذهبة السياسة، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2013، ص 11.

[35] – شحاتة محمد ناصر، “سياسات النظم الحاكمة في البحرين والكويت والعربية السعودية في التعامل مع المطالب الشيعية (2003-2008): دراسة مقارنة”، المستقبل العربي، العدد 387، أيار/مايو 2011، ص 38 و47.

[36] – راجع: التقرير الاستراتيجي العربي 2011-2012، القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام، 2013، ص148- 149.

[37] – راجع: ريفا بهالا، “المملكة العربية السعودية: دسائس القصر في مرحلة انتقالية”، المستقبل العربي، العدد 445، مارس/آذار 2016، ص 143.

[38] – Madawi al-Rasheed, “Saudi Arabia executions: A cruel travesty of justice”, Middle East Eye, 24 April 2019. https://bit.ly/2weifbu

[39] – أليكسي فاسيلييف، تاريخ العربية السعودية من القرن الثامن عشر وحتى نهاية القرن العشرين، بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، ط4، 2013، ص 681.

[40] – مضاوي الرشيد، تاريخ العربية السعودية بين القديم والحديث، ترجمة: عبد الإله النعيمي، بيروت: دار الساقي، طـ2، 2005، ص 225-235. وللاطلاع على نصوص هذه المذكرات والعرائض، انظر: جوزيف أ. كيشيشيان، الخلافة في العربية السعودية، مصدر سابق، ص 297-306.

[41] – ستيفان لاكروا، زمن الصحوة: الحركات الإسلامية المعاصرة في السعودية، ترجمة بإشراف: عبد الحق الزمّوري، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2012، ص 13.

[42] – لمزيد من التفاصيل انظر راجع: مضاوي الرشيد، تاريخ العربية السعودية بين القديم والحديث، ص 231 – 248.

[43] – “المعارضة السياسية السعودية الدكتورة مضاوي الرشيد: نظام آل سعود المستبد يواجه أزمة وعي المجتمع وحراكه السلمي”، المشاهد السياسي، العدد 930، 23 فبراير- 1 مارس 2014، ص 17- 18.

[44] – راجع: مضاوي الرشيد، حداثيون مكتومون: الصراع على السياسات الشرعية في المملكة العربية السعودية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، أيار/مايو 2018.

[45] –  بتصرف عن: المصدر نفسه، ص 206.

[46] – يطرح باحثان “سيناريوهات السقوط المحتمل لآل سعود”، وهي خمسة: “1-التخبط. 2-الانفجار الاجتماعي. 3-الإصلاحات: معضلة المُلك. 4-القمع الصارم. 5-انفجار داخلي”. راجع: بول آرتس وكارولين رولانتس، العربية السعودية: مملكة في مواجهة المخاطر، ترجمة: ابتسام الخضرا، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2016، ص 153- 158. وراجع أيضًا: متروك الفالح، “العنف والإصلاح الدستوري في السعودية”، في: مجموعة باحثين، الدستور في الوطن العربي: عوامل الثبات وأسس التغيير، سلسة كتب المستقبل العربي (47)، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، يناير/كانون الثاني 2006، ص 129.

[47] – انظر: حسنين توفيق إبراهيم، “العنف السياسي في الوطن العربي”، أوراق عربية، (17)، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2012، ص 23-30.

[48] – بتصرف عن: سعيد الشهابي، “ثلاثة انقلابات سعودية في أعوام ثلاثة”، القدس العربي 28/6/2017. على الرابط: https://bit.ly/2w2AKj9

[49] – المصدر نفسه.

[50] – محمد نبيل مُـلين، “إرساء سلطة عمودية: جذور ومآلات الصراع على العرش السعودي”، تقارير، الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات 10/12/2017. على الرابط: https://bit.ly/2BPMfLO

[51] – حول العلاقة بين السياسي والديني في السعودية، راجع المصادر الآتية:

– أيمن الياسيني، الدين والدولة في المملكة العربية السعودية، ترجمة: كمال اليازجي، بيروت: دار الساقي، ط 2، 1990.

– خالد الدخيل، الوهابية بين الشرك وتصدع القبيلة، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث، 2013.

– توفيق السيف، “علاقة الدين بالدولة في السعودية ودور المؤسسة الوهابية في الحكم”، (ملف: الدين والدولة في الوطن العربي)، المستقبل العربي، العدد 407، كانون الثاني/يناير 2013.

[52] – “السعودية تجيز للمرأة قيادة السيارات”، الحياة 26/9/2017. (زيارة 17/5/2019). على الرابط: https://bit.ly/2JomaLt

[53] – بتصرف عن: سايمون هندرسون، “هل تشهد السعودية تغييراً فعلياً؟”، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى 27/9/2017. (زيارة 17/5/2019). على الرابط: https://bit.ly/30myUaI

[54]  – Robin Wright، “Why Saudi Women Driving Is a Small Step Forward, Not a Great One”, The New Yorker, September 26, 2017. (seen on: May 17,2019). https://bit.ly/2hwsqnK

[55]– Jamal Khashoggi, “By blaming 1979 for Saudi Arabia’s problems, the crown prince is peddling revisionist history”, The Washington Post, April 3, 2018. (seen on: May 17,2019). https://wapo.st/2YyWek0

[56] – Ibid.

[57] – راجع على سبيل المثال:

-إبراهيم عوض، “مشروع الدولة السعودية الجديدة”، الشروق (مصر) 8/4/2018. على الرابط: https://bit.ly/2JRlyh3

– علاء بيومي، “صورة محمد بن سلمان”، العربي الجديد 9/4/2018. على الرابط: https://bit.ly/2Ys2xFU

[58] – انظر: بشير موسى نافع، “ما الذي قد يصنع بن سلمان من العربية السعودية؟”، القدس العربي 21/12/2017. على الرابط: https://bit.ly/2JMaDVy

[59] – لمزيد من التفاصيل راجع: موقع “رؤية 2030″، (زيارة 23/5/2019) على الرابط: https://vision2030.gov.sa/

[60] – بتصرف عن: ناصر التميمي، “السعودية: رؤية 2030 وتداعيات الأزمة الخليجية”، تقارير، الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات 5/7/2017. على الرابط: https://bit.ly/2VgKTCZ

[61] – بتصرف عن: المصدر نفسه.

[62] – James M. Dorsey, “The Saudi Paper Tiger”, the globalist, October 8, 2017. https://bit.ly/2iYsFZq

[63] – Neil Partric, “Saudi Arabia Does Not Know What it Wants”, Carnegie endowment for International Peace, April 10, 2019. https://bit.ly/2D7fE7d

[64]الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

الوسوم

أمجد أحمد جبريل

باحث وكاتب فلسطيني يعد للحصول على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية حصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى