دراسات

الإخوان_المسلمون_في_البحرين_وإدارة_التحولات_الراهنة

 

مقدمة

للإخوان المسلمين وجود تاريخي في البحرين، إذ تأسست في مايو 1941 “جمعية الإصلاح” كأول جمعية تحمل فكر الإخوان في المملكة، واتخذت الآية القرآنية }إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت { شعاراً لها. والملاحظ أن نشاط الجمعية لم يكن منصباً في البداية على العمل السياسي، بقدر ما كان اهتمامها بالعمل الدعوي والتربوي والخيري، منذ نشأتها وحتى تسعينيات القرن الماضي.

ولكن تبدل الأمر نسبياً مع تشكيل ملك البحرين (الأمير آنذاك) في عام 2000 لجنة لصياغة ميثاق للبلاد، حيث تنطلق من خلاله العملية السياسية وما اصطلح عليه محليا “المشروع الإصلاحي”، وتم تأسيس ذراع سياسية لجمعية الإصلاح تحت اسم “المنبر الوطني الإسلامي”، الذي حمل فكر وتوجه الإخوان المسلمين.

وتمكّن المنبر في انتخابات عام 2002 من الفوز بـ7 مقاعد نيابية من أصل 8 مقاعد كان يتنافس عليها، الأمر الذي تكرر في انتخابات عام 20061 ، ولكن في مقابل ذلك تراجع عدد مقاعد المنبر في انتخابات عام 2010 إلى مقعدين فقط، الأمر الذي ردّه البعض إلى استهدافه من جانب الإعلام الموالي للسلطة مقابل تشجيع المستقلين على خوض الانتخابات، بسبب الموقف التعاوني الذي أبداه عناصر المنبر في المجلس مع كتلة “الوفاق” الشيعية المعارضة في عدد من الملفات، أبرزها قضية أملاك الدولة 2.

وفي ضوء ذلك، فإن التساؤل يثار عن تأثير الربيع العربي على مواقف الإخوان المسلمين في البحرين، وتداعيات التطورات الإقليمية الأخيرة على نشاطهم السياسي في المملكة، في ظل التضييق الذي يمارس على الإخوان في عدد من الأقطار العربية؟

ويمكن الإجابة على هذا التساؤل، من خلال المحاور التالية:

أولاً: علاقة الإخوان بالنظام في ظل الثورات العربية:

في اختلاف تأثير الربيع العربي على مواقف الاخوان المسلمين في الدول العربية، والذين عمدوا إلى الدفع لأجل تحقيق إصلاحات واسعة في مجتمعاتهم، فإن تأثير هذا الربيع على إخوان البحرين ارتبط بتحالف أكبر مع النظام الحاكم، وحيث اندمجوا بالتجمّع السني الذي ناهض الحركة الاحتجاجية الشيعية التي انطلقت في 14 فبراير 2011، وذلك ضمن ما يُعرف بـ”تجمّع الوحدة الوطنية”34 .

وكان لذلك الموقف عدد من الأسباب:

الأول: أن الحركة الاحتجاجية في البحرين ارتبطت بأجندة شيعية هادفة إلى تغيير راديكالي لنظام الحكم تنفيذاً لأهداف إقليمية خاصة بإيران، والتي لم تُخفِ من ناحيتها دعمها الصريح للحركة الاحتجاجية، لتوجه لها السلطات البحرينية تهم التدخل في الشئون الداخلية للدولة، وخصوصاً بعد ضبط عناصر من حركة “14 فبراير” اتهموا بالتجسس لصالح إيران، بجانب الشكوك في ارتباطها بخلايا إرهابية اتهمت بتنفيذ عدد من التفجيرات في البلاد خلال عامي 2012 و20135 .

ومن ناحية أخرى، فإن التوتر في البلاد دفع الحكومة إلى تعزيز ارتباطها بقوى الإسلام السياسي السني وفي الإطار جمعية “المنبر الوطني الإسلامي”، التي شاركت في الحكومة بالرغم من ضعف النتائج التي حققتها في مجلس النواب، بتولي النائب السابق صلاح علي حقيبة حقوق الإنسان، وجمع وزارتي الشئون الاجتماعية والصحة بيد الوزيرة فاطمة البلوشي 6.

الثاني: تبني النظام الحاكم عدد من الإصلاحات في أعقاب أحداث فبراير ومارس 2011، بإقرار مجلس الشورى في 25 أبريل 2012 تعديلات على دستور عام 2002، تمنح مجلس النواب جملة من الصلاحيات الجديدة في ثلاث مواد دستورية7، يتطلب معها أن تنال الحكومة ثقة المجلس على برنامج عملها، كما تتضمن نقل صلاحيات رئيس مجلس الشورى المعين من قِبل الملك إلى رئيس مجلس النواب المنتخب من قِبل المواطنين، وفي التعديل الثالث تحديد لآليات حل مجلس النواب الذي كان من صلاحيات الملك بالاتفاق مع رئيس الحكومة ليصبح من صلاحيات الملك بالاتفاق مع رؤساء مجلسي النواب والشورى والمحكمة الدستورية8 .

الثالث: وجود ارتباط قوي بين الإخوان المسلمين في البحرين والنظام الحاكم، وحيث ضمّت “جمعية الإصلاح” الممثلة للإخوان في المملكة عدد من القادة المنتمين إلى الأسرة الحاكمة منذ نشأتها قبل سبعة عقود؛ فتذكر المراجع المؤرّخة للجمعية أن من أبرز من أسس “نادي الطلبة” -البذرة التأسيسية الأولى للإخوان في البحرين والتي تبدّل اسمها مراراً حتى انتهت إلى “جمعية الإصلاح”- الشيخ خالد بن محمد آل خليفة، والشيخ دعيج بن علي آل خليفة، وهما أول من تناوب على رئاسة هذا الكيان منذ تأسسه في عام 1941، ويضاف إليهما الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، الذي أتمّ في عام 2013 العقد الخامس من ترؤسه للجمعية، وكان له دور مهم في تحقيق التوازن مع السلطة الحاكمة.

الرابع: أن “جمعية الإصلاح” الممثلة لإخوان البحرين، رسمت علاقتها مع السلطة السياسية في المملكة من خلال أربعة أركان، كانت على النحو التالي:

  • “نحن نعترف بشرعية النظام القائم، وهي شرعية قائمة على أساس التوافق التاريخي الذي استقر عليه الوضع في البحرين منذ 1783، وها نحن نمارس عملنا السياسي في ظل هذه الشرعية، التي ننظر إليها على أنها الجهة التي تكفل استمرارية كيان الوطن الموحّد والمستقر.
  • سنتعاون مع السلطة السياسية بكل جد وإخلاص في سبيل المحافظة على إسلامية الدولة وعروبتها ووحدتها واستقلالها، والوقوف في وجه كل المشاريع الطائفية والأطماع الخارجية.
  • سياستنا هذه لا تعني تساهلنا في قضايا الظلم والفساد، والتوزيع غير العادل للثروة والامتيازات، فالظلم ظلمات يوم القيامة.
  • سنسعى لمناصحة الحاكم بكل الوسائل المشروعة، لما فيه خير الدين والوطن”9 . وفي ضوء ذلك لم يكن لدى جماعة الإخوان في البحرين أي حماس لتغيير صيغة الحكم بالدولة بل هم يدعون إلى التناصح معه، وأسلمة القوانين بشكل تدريجي.

الخامس: أن العلاقة بين إخوان البحرين والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين ومقره مصر، هي علاقة أيديولوجية أكثر منها علاقة تنظيمية، وما يؤكد ذلك أن شعار الإخوان في مصر قائم على سيفين يتقاطعان فوق مصحف كتب تحته “وأعدوا”، فيما اتخذت “جمعية الإصلاح” البحرينية شعاراً مستوحى من القرآن الكريم أيضاً، ولكن بدلالات تشي بالنهج الذي تسير عليه وهو {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت} 10.

وفي ضوء ذلك، وحتى مع ترحيب إخوان البحرين بالربيع العربي في تونس ومصر وليبيا وسوريا، فقد اختلف موقفهم مع الموقف العام للإخوان المسلمين إزاء الحركة الاحتجاجية في بلادهم، مما استدعى توجه وفد بحريني من إخوان المملكة إلى القاهرة بعد تولي محمد مرسي الحكم، وحيث التقى بالرئيس المصري والمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، بهدف “تصحيح أفكار قادة ثورة 25 يناير من الأحداث التي شهدتها البلاد”، بحسب ما أوضح القيادي في “المنبر الوطني” ناصر الفضالة، الذي أوضح أنهم كانوا يعتقدون بأهمية دعم حراك البحرين “لكننا أقنعناهم بأن ذلك الحراك يتضمن دعماً أجنبياً، ويتحرك وفق الأجندة الإيرانية في المنطقة”11 .

وفي تصريحات سابقة للفضالة، في 29 مارس 2012، نفى أن “يكون الإخوان يسعون للوصول للحكم بدول مجلس التعاون الخليجي وذلك بعد نجاح بعض الحركات الإسلامية المحسوبة عليهم في الوصول لمراكز القرار في بلدان مثل مصر وتونس وليبيا”، وقال: “إن جماعات الإخوان بدول مجلس التعاون لها خصوصية من خلال علاقتها الوطيدة مع الأنظمة الحاكمة بالخليج التي تختلف عن الأنظمة الديكتاتورية في مصر وتونس وسوريا إضافة إلى ليبيا التي تمارس البطش ضد المنتمين للإخوان”12 .

ثانياً: التطورات الإقليمية وانعكاساتها على علاقة الإخوان بالنظام:

حرصاً على علاقتهم مع النظام الحاكم، أبدى الإخوان في البحرين حذراً واضحاً إزاء التطورات الإقليمية وخصوصاً فيما بعد 30 يونيو 2013، فلم يبدو أي موقف سلبي أو إيجابي إزاء سقوط نظام محمد مرسي بعد أن كانوا قد أظهروا فرحاً غامراً بفوزه بالرئاسة في مصر، ولم يسجلوا من خلال “جمعية الإصلاح” أو “المنبر الوطني الإسلامي” أي موقف سياسي إزاء فض اعتصام رابعة العدوية، فضلاً عن عدم استنكارهم قيام ملك البحرين في 3 أكتوبر 2013، بأول زيارة خليجية للقاهرة بعد تسلم عدلي منصور منصبه رئيساً مؤقتاً للبلاد.

ذلك أن الظروف والمتغيرات الإقليمية الخليجية والعربية، فرضت على الإخوان في البحرين التزام الحياد وعدم الاصطدام مع النظام البحريني والأنظمة الخليجية13 .

ولكن لم يقتصر الأمر على التزام الحياد، فقد استبعد نائب رئيس كتلة “المنبر” محمد العمادي، في أغسطس 2013، وجود أي علاقة مع التنظيم العالمي للإخوان، وقال بالحرف: “إن المنبر الإسلامي جزء من الشعب البحريني، وتوجهاتنا وطنية، وأثبتت مواقفنا أننا مع شعب وقيادة البحرين، ولا ننتمي لأي توجهات خارجية، ولا تملى مواقفنا من الخارج، ولا نرتبط بأي ارتباط خارجي، وقراراتنا داخلية ووطنية”14 .

وتكرر الأمر بإعلان القيادي في “المنبر” الدكتور ناصر الفضالة، في تصريحات له في أغسطس 2014، براءة الجمعية من اتباع تنظيم الجماعة أو الخضوع لمرشدها، موضحاً أنهم يؤمنون ببعض أفكار سيد قطب وحسن البنا الدينية “التي تخلو من الشبهات”، بيد أنهم لا يساومون على وطنهم البحرين، وأنه ليس لديهم أي نشاط واتصال مع أي دولة بما فيها قطر.

وأشار الدكتور الفضالة إلى أن جمعيته لن تلقي بثقلها مع أطراف إقليمية ضد بلاده البحرين، مضيفاً أن اهتمام الجمعية ومنسوبيها ينصب على تلاحم الشعب البحريني خلف قيادته “التي هي أساس الشرعية”، لافتاً إلى الجهود التي بذلتها جمعية “المنبر” في الوقوف وراء استقرار البلاد وقت اندلاع ما وصفه بـ”حملات الولي الفقيه في عام 2011″، في مقابل اعتباره ما شهدته مصر من الإطاحة بحكم الإخوان “شأناً مصرياً خالصاً”15 .

وعلى نحو عام، فقد شرعت جمعية “المنبر” الذراع السياسي لإخوان البحرين، في التحرك للحصول على ما أسمته بـ”تطمينات” من النظام، اثر لقاء مع القائد العام لقوة دفاع البحرين المشير الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، في مايو 2014. وبحسب ما أوضح الأمين العام للجمعية علي أحمد، فإنهم خرجوا من اللقاء بـ”مزيد من الاطمئنان على أمن واستقرار البلاد”، وحيث أشاد القائد العام بـ”دور الجمعية ومواقفها الوطنية التي أثبتت انحيازها للثوابت الوطنية والمشروع الوطني ضد المشاريع والأجندات التأزيمية والانقلابية”. وتبع لقاء الجمعية بالقائد العام لقاء آخر مع رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، الذي أكد أن “المجال مفتوح أمام الجمعيات والقوى السياسية كافة للمساهمة كقوة وطنية في دعم جهود الدولة نحو البناء والتنمية والحفاظ على الأمن والاستقرار”16 .

وكذلك فقد استقبل ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، في يونيو 2014، رئيس مجلس إدارة “جمعية الإصلاح” الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة وأعضاء مجلس الادارة، وحيث أشاد بجهود الجمعية ومساهماتها في تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ روح المحبة والولاء للوطن إنطلاقاً من رسالتها وأهدافها في إشاعة التعاون ونشر القيم والتعاليم الدينية السمحة17 .

غير أن ذلك لم يحل دون مضايقات تعرض لها الإخوان في البحرين، في ظل الهجوم الخليجي المستمر على الجماعة من المملكة السعودية ودولة الإمارات على نحو خاص، وكان من مظاهر التضييق على إخوان البحرين الآتي:

1ـ تهميش القيادات الحكومية المنتمية للإخوان:

ومن ذلك استبعاد القيادي في الجماعة وزير شئون حقوق الإنسان صلاح علي، من تمثيل البحرين في المحافل الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وخصوصاً في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وصولاً إلى استبعاده من اللجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان التي نقلت رئاستها إلى وزير الخارجية، واقتصار الأمر على ممثل فيها من وزارة شئون حقوق الإنسان. وكانت المفاجأة بالنسبة للبعض أن لا يكون الوزير ضمن حضور المؤتمر الدولي للمحكمة العربية لحقوق الإنسان الذي عقد في البحرين واختتم أعماله في 26 مايو 2014.

ونتيجة لذلك، فإن الوزير الذي كان عضواً في مجلس النواب لفصلين تشريعيين ثم عضواً في مجلس الشورى في الفصل التشريعي الثالث، قبل توليه الوزارة في عام 2012، كان قد أبدى تذمره في مقابلة صحفية أجريت معه في أبريل 2014، وقال حينها إن وزارته لم تُحدد اختصاصاتها بعد، وأشار إلى أن “الوزارة لا تتخذ قراراً سياديّاً بل هي جهة تنسيقية وتنفيذية لا تمتلك كل الصلاحيات والمسارات في الملف الحقوقي نظراً لتداخل العمل الحقوقي مع وزارات وجهات عدة”18 .

ولم يستبعد الوزير تغييره في أي تعديل وزاري، الأمر الذي تحقق بإلغاء وزارة حقوق الإنسان في التشكيل الحكومي الذي أُعلن عنه في السادس من ديسمبر 2014، بعد الانتخابات النيابية التي أجريت في نوفمبر19 .

والوزيرة الأخرى التي تُحسب على الإخوان المسلمين، وتم تغييرها هي الأخرى في التشكيل الحكومي الجديد، هي وزيرة التنمية الاجتماعية فاطمة البلوشي، فرغم نفيها الانتماء إلى الإخوان ولكن الشكوك قوية في دعمها من جانب أعضاء كتلة “المنبر” في مجلس النواب ضد الهجمات التي تعرضت لها في الأشهر الأخيرة من جانب نواب مقربين من الحكومة20 .

2ـ موقف البحرين من اعتبار الإخوان “جماعة إرهابية”:

فيما تتحدث التقارير عن تردد البحرين في التعامل مع ملف الإخوان المسلمين بعد قرار السعودية والإمارات وضع التنظيم على قوائم الجماعات الإرهابية، ولكن ذلك لم يحل وتأكيد وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، في تغريدات له على موقع “تويتر” في مارس 2014، أن بلاده “تتصدى لجماعة الإخوان المسلمين وتهديدها الإرهابي الواضح لاستقرار مصر والسعودية والإمارات وتعتبره تهديداً للبحرين ولأمنها”، في تعارض وما نقلته عنه وسائل إعلام خلال زيارته العاصمة الباكستانية، بأن بلاده لا تعتبر الإخوان جماعة إرهابية وإن كانت تتفهم موقف المملكة السعودية من الجماعة.

ورداً على ذلك أوضح الوزير: “لم أقل أو أذكر أن جماعة الإخوان المسلمين ليست إرهابية، ولكن كل بلد يتعامل معهم بحسب ما يبدر منهم تجاهه، مع ضمان الموقف الموحد تجاههم، هذا ما قلته وأعنيه في المؤتمر الصحفي في إسلام أباد، وهو واضح ولا يحتمل التأويل”.

مشدداً على أن البحرين “تقف مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في تصديهم لمخططات الإخوان المسلمين”، وأنها “ستتعامل مع أي تهديد مماثل من جماعة الإخوان المسلمين في البحرين بالأسلوب نفسه الذي تتعامل به مع أي تهديد آخر لأمنها واستقرارها”، ومضيفاً “إذا طلبت السعودية من البحرين التعاون معها فسنتعاون بالشكل المطلوب في هذا المجال كحليف في منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية”21 .

3ـ التراجع في انتخابات مجلس النواب:

فيما كان يسعى الإخوان المسلمون إلى استعادة موقعهم السياسي على الساحة البحرينية، وتعويض خسارتهم في انتخابات عام 2010، فإن نتائج الانتخابات النيابية التي أجريت يومي 22 و29 نوفمبر 2014، لم تُسفر عن فوز الإخوان إلا بمقعد واحد (حيث فاز في الدائرة العاشرة بالمحافظة الشمالية محمد اسماعيل أحمد العمادي)، فيما حصل السلفيون على مقعدين، في نتيجة تتعارض ومقاطعة جمعيات المعارضة الشيعية للانتخابات، الأمر الذي كان يتوقع معه تحقيق الجمعيات السنية نتائج أفضل أسوة بما تحقق في انتخابات عامي 2002 و2006.

وفي المقابل، اكتسح المرشحون السنة من المستقلين مقاعد البرلمان حيث فازوا بـ27 من أصل 40 مقعد، فيما فاز الشيعة بالمقاعد الـ13 الباقية من بينهم 3 نساء، مع إعلان وزير العدل رئيس اللجنة العيا للانتخابات أن نسبة المشاركة بلغت في الانتخابات 52.6%، في نتيجة رفضتها الجمعيات الشيعية المقاطعة، وحيث أعلنت جمعية “الوفاق” أن نسبة المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية والبلدية “لم تتجاوز 30%”، في حين بلغت النسبة 67.7% في الانتخابات النيابية لعام 201022 .

ثالثاً: السيناريوهات المستقبلية لعلاقة الإخوان بالنظام في البحرين:

في ضوء موقف إخوان البحرين من التطورات الإقليمية ومن النظام الحاكم، وفي ظل نتائج الانتخابات النيابية التي أثارت حفيظة المعارضة الشيعية، فإن مستقبل الإخوان في البحرين مفتوح على سيناريوهين رئيسيين.

السيناريو الأول: فتور العلاقة بين النظام والإخوان:

ويرتبط هذا السيناريو بالعديد من الاعتبارات، منها:

1ـ نتائج الانتخابات النيابية:

إذ أن نتائج الانتخابات التي أسفرت عن تراجع نفوذ الإخوان المسلمين، من شأنها أن تعطي دفعاً للنظام الحاكم لتطويق نشاط الإخوان، وخصوصاً أن تلك النتائج حظيت بقبول إقليمي ودولي واسعين رغم مقاطعة المعارضة الشيعية لها؛ فلم تتوقف مباركة نتائج الانتخابات عند المستوى الخليجي والعربي الرسمي، بل كان لافتاً ترحيب أمين عام منظمة التعاون الإسلامي إياد بن أمين مدني, بنجاح الانتخابات البرلمانية والبلدية، وحيث أعرب عن ثقته في أن “تسهم هذه الانتخابات في دعم المسيرة الديمقراطية في البحرين في إطار المشروع الإصلاحيّ الشامل لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة”23 .

وحتى على المستوى الدولي، فقد هنأت واشنطن مملكة البحرين على إتمام الانتخابات النيابية والبلدية، داعية الحكومة والأطراف السياسية إلى مواصلة العمل تجاه مصالحة وطنية عن طريق حوار سياسي حقيقي24 . في وقت رحب فيه الاتحاد الاوروبي بالانتخابات، معتبراً اياها “خطوة مهمة” للنهوض بالإصلاحات الضرورية في البلاد 25.

وكذلك فإن دولة قطر رحبت بـ”نجاح الانتخابات النيابية والبلدية في المملكة”، ووصفت وزارة الخارجية القطرية بيان لها الانتخابات بأنها “خطوة مهمة في مسيرة الديمقراطية والوحدة الوطنية في البحرين”، وأكدت أن “نجاح هذه الانتخابات يمثل انعكاساً للرغبة الحقيقية للشعب البحريني في الالتفاف حول الحكومة لإنجاح المشروع الإصلاحي الرائد لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة”26 .

2ـ استمرار التنسيق بين البحرين والقوى الإقليمية:

فالنظام القائم في البحرين، وفي سبيل مواجهته لحركة الاحتجاجات الشيعية، يعتمد على دعم خليجي قوي تجلى في إرسال قوات “درع الجزيرة” التابعة لمجلس التعاون الخليجي إلى البحرين في أعقاب احتجاجات فبراير ومارس 2011، وبدعم واضح من المملكة السعودية، وحيث أشاد العاهل البحريني بـ”أمر خادم الحرمين الشريفين الكريم بإرسال قوات درع الجزيرة المشتركة إلى البحرين”، فيما قررت الإمارات إرسال قوة أمنية للمساهمة في حفظ الأمن والنظام بالمملكة27 .

وفي ضوء ذلك لا يستبعد أن يتخذ النظام البحريني مواقف أكثر انسجاماً مع موقفي السعودية والإمارات إزاء الإخوان المسلمين، على المستويين المحلي والإقليمي، وخصوصاً أن التوترات الطائفية لاتزال قائمة في البلاد في أعقاب الإعلان عن نتائج الانتخابات النيابية.

ومن جهة أخرى فإن المنامة كانت قد أظهرت تحفظاً واضحاً على التغيير السياسي الذي شهدته مصر فيما بعد 2011، وحيث أرسل العاهل البحريني إلى القاهرة في 8 فبراير من ذلك العام وزير استخباراته السابق خليفة بن عبد الله، دعماً للرئيس المخلوع محمد حسني مبارك الذي كان يشهد أقوى حملة شعبية أدت إلى خروجه وحزبه الوطني من الحياة السياسية، وقام بأول زيارة خليجية للقاهرة بعد تسلم عدلي منصور منصبه رئيساً مؤقتاً لمصر في 3 أكتوبر 2013، معبراً عن دعمه مسار الجيش بإطاحة الإخوان المسلمين28 ، وأخيراً فإن الملك حمد بن عيسى آل خليفة، كان أول قيادي عربي يجري اتصالاً هاتفياً بمبارك لتهنئته بالبراءة التي حصل عليها في نوفمبر 201429 .

3ـ تراجع نفوذ الأسرة المالكة داخل الإخوان المسلمين:

صحيح أن عنصر دعم قوي لإخوان البحرين تمثل في انتماء مشايخ من العائلة الحاكمة للإخوان، وحيث ترأسوا “جمعية الإصلاح” المحسوبة على الجماعة في البحرين، ولكن هذا النفوذ غالباً في اتجاهه إلى التراجع. فعلى الرغم من عدم توفر قوائم رسمية بأسماء أعضاء الجمعية المسجلين، ولكن الملاحظ خلو الجمعية ممن ينتمون إلى الأسرة الحاكمة في الوقت الحالي، باستثناء الشيخ الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة الذي يتولى منصب رفيع بالجمعية، والشيخ جابر بن محمد آل خليفة، المقيّد رسمياً في سجلات المتقدمين لطلب تأسيس جمعية سياسية منبثقة عن جمعية الإصلاح 30.

السيناريو الثاني: استمرار التعاون والتنسيق بين النظام والإخوان:

يقوم هذا السيناريو على اعتبار أن الخلاف الذي قد يتوسع بين النظام والمعارضة الشيعية بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات النيابية قد يدفع النظام إلى الحفاظ على درجة التنسيق والتعاون مع الإخوان المسلمين، وخصوصاً أنهم اعتبروا على مدار العقود الماضية داعمين إلى حد كبير للسلطة القائمة للمملكة، وأيضاً لحرص النظام على تجنب الشقاق داخل الأسرة الحاكمة، والتي لايزال عدد من أفرادها على علاقة بالإخوان المسلمين 31.

وفيما يسعى النظام في البحرين إلى إلزام المعارضة بالتقيد بقواعد اللعبة السياسية، معتبراً أن مجلس النواب هو الهيئة الشرعية المخوّلة التفاوض مع الحكومة حول الإصلاحات السياسية، وخصوصاً بعد أن تمّ في مايو 2013 تعديل الدستور بما يُجيز لمجلس النواب طرح الثقة بالحكومة (مع العلم بأنه لايزال غير قادر على سحب الثقة من رئيس الوزراء أو استجوابه)، لكن المعارضة تعتبر أن مثل هذه التغييرات عديمة الجدوى، وأن الطريقة التي صُمِّمت بها المنظومة تجعل من المستحيل تغييرها من الداخل.

وعليه، فإن المؤشرات بأن الانتخابات الأخيرة ستثير مزيداً من الخلافات بين المعارضة الشيعية والنظام قد تكون سبباً لمزيد من التنسيق مع الإخوان في البحرين، وضعاً في الاعتبار الملاحظات التالية:

1ـ الاعتراض على مسار العملية الانتخابية:

فتحفظ المعارضة الشيعية على نتائج الانتخابات جاء بعد قرار خمس جمعيات مقاطعة العملية الانتخابية من الأساس، وهي جمعيات: “الوفاق الوطني”، و”العمل الوطني الديمقراطي” (وعد)، و”التجمع القومي الديمقراطي”، و”المنبر الديمقراطي التقدمي”، و”الإخاء الوطني”، و”التجمع الوحدوي”. وقد بررت المعارضة قرارها بـ”أن الانتخابات لا يترتب عليها تداول للسلطة في إطار الملكية الدستورية على غرار الديمقراطيات العريقة التي بشر بها ميثاق العمل الوطني منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً”32، واتهمت النظام بعدم تلبية مطالبها للمشاركة في الانتخابات، والمتمثلة في “المساواة في الحقوق والواجبات والصوت الانتخابي المتساوي، ومجلس وطني منتخب يتولى الصلاحية التشريعية والرقابية، وحكومة منتخبة تمثل الإرادة الشعبية لشعب البحرين، وقضاء عادل ومستقل، والإفراج عن كافة المعتقلين والسياسيين، ومشاركة أبناء الوطن في تحمل المسؤولية في الوظائف العامة المدنية والعسكرية، وإيقاف التجنيس، والعدالة الانتقالية”.

والجدير بالذكر، أن الساحة البحرينية شهدت على مدار العقود الماضية عدداً من الانتفاضات ضد نظام الحكم، لم ترتبط فقط بأحداث فبراير ومارس من عام 2011، ويمكن الإشارة هنا إلى الانتفاضة التي شهدتها البحرين في تسعينيات القرن العشرين، عندما طالبت حركة احتجاجية واسعة النطاق النظام الحاكم بإعادة العمل بالبرلمان الذي أنشئ بعد الاستقلال، وتحديداً في عام 1973، ولم يُعمِّر طويلاً إذ حُلّ بعد عامين .

2ـ توقيف الأمين العام للوفاق:

مما يضيف إلى أسباب الاحتقان على الساحة البحرينية، توقيف السلطات للأمين العام لجمعية “الوفاق” الشيخ علي سلمان في 30 ديسمبر 2014، وحيث يواجه جملة من التهم تتضمن الترويج لتغيير النظام السياسي بالقوة والتهديد، والتحريض على عدم الانقياد للقوانين، والتحريض على بغض طائفة من الناس، وإهانة هيئة نظامية (وزارة الداخلية) بشكل علني، وذلك بغية الوصول إلى تغيير النظام قسراً، كما وجهت إليه تهم الاستقواء بالخارج.

وقد اعتبرت “الوفاق” في بيان أصدرته بعد إيقاف أمينها العام، أن هذه الإجراءات تغلق كل أبواب الحل السياسي، كما اعتبرت قرار حبس الشيخ علي سلمان على ذمة التحقيق “قراراً تصعيدياً خطيراً يستهدف الواقع السياسي والأمني في البحرين”34 . ومع الإشارة إلى أن القضاء البحريني كان قد أصدر في 28 أكتوبر 2014 حكماً بتعليق أنشطة جمعية الوفاق لثلاثة أشهر بتهمة مخالفة قانون الجمعيات 35.

3ـ دعم احتجاجات الشارع:

بعد أن شددت “الوفاق” على “استمرار الحراك الشعبي الجماهيري المطالب بالتحول الديمقراطي دون اكتراث بهذه العملية الهزلية (أي العملية الانتخابية) التي ستزيد الوضع سوءً”36 ، فقد شهدت مناطق الأكثرية الشيعية في البحرين مظاهرات متواصلة وقعت خلالها مواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين الذين خرجوا تنديداً بقرار النيابة العامة تجديد حبس أمين عام “الوفاق” على ذمة التحقيق معه في التهم المنسوبة إليه، وامتد نطاق المظاهرات إلى العاصمة المنامة التي شهدت هي الأخرى اشتباكات بين شرطة مكافحة الشغب والمتظاهرين37 .

وفي إطار مواز، وقع انفجاران باستخدام قنبلتين محليتي الصنع في محيط مركز لتدريب قوات الأمن البحرينية يومي 8 و9 ديسمبر 2014، ونتج عن الحادث الأول مقتل رجل أمن أردني كان يعمل ضمن الفريق التدريبي المنبثق عن الاتفاقية الأمنية الموقعة بين البحرين والأردن في مجال تبادل الخبرات، بينما نتج عن حادث التفجير الثاني مقتل مواطن بحريني وإصابة وافد آسيوي في الحادث38 . ومرة أخرى أعلنت وزارة الداخلية البحرينية في 20 ديسمبر، أن ثلاثة من عناصر الشرطة جرحوا نتيجة تفجير وقع في إحدى قرى البحرين 39.

رابعاً- توصيات ختامية:

إزاء الوضع السياسي والأمني القائم في البحرين، وحتى مع الضغوط الإقليمية وتراجع التمثيل النيابي والحكومي للإخوان، ولكن يظل هناك دور مهم يمكن لهم القيام به كعنصر توافق واستقرار في المجتمع، تفعيلاً لدورهم التاريخي في البحرين، وعلى أن يراعى في إطار ذلك الآتي:

1ـ مراجعة التكتيك السياسي للإخوان:

بالرغم من الدلالات السلبية المرتبطة بتراجع تمثيل الإخوان في مجلس النواب البحريني، فإن دورهم السياسي المحدود على الساحة البحرينية ربما ارتبط بحداثة التجربة الديمقراطية في المملكة والتي بدأت فقط منذ عام 2002، ولايزال يرد عليها عدد من القيود، فيما ارتبط النشاط التاريخي للإخوان في البحرين منذ ثلاثينيات القرن العشرين -قبل الإعلان عن التنظيم رسمياً في عام 1941- بالجانب الدعوي والتربوي والخيري دون الجانب السياسي، وذلك ما يستلزم مراجعة التكتيكات السياسية لإخوان البحرين وبما يتلاءم والمستجدات داخل الدولة40 .

ويمكن بهذا الشأن إيجاد سبل للتعاون والتنسيق مع الأطراف السنية الفائزة في الانتخابات، وبحيث يتم البناء على ما حققته كتلة الإخوان في المجلس من تمرير عدد من القوانين استهدفت من خلالها تحسين الأحوال المعيشية للمواطنين، وكانت واحدة من النجاحات الأولى المشتركة لها، مع بعض الكتل الأخرى والمستقلين، هي القضية التي عرفت في برلمان 2002 بـ”إفلاس الهيئتين”، أي هيئة صندوق التقاعد وهيئة التأمين الاجتماعي، ونجحت في استرداد حوالي 350 مليون دينار بحريني إلى خزينة الدولة.

فلم تعتمد الكتلة الإخوانية في مجلس النواب على عددها قط، فكانت تنسق وتتحالف في الكثير من المواقف المهمة مع أقرب الكتل السنية لها (الأصالة)، ومع المستقلين، بل حتى مع جمعية “الوفاق” في قضية “أملاك الدولة”، وكانت واحدة من أكثر القضايا تعقيداً وحرجاً على الساحة البحرينية، ولذلك قد يكون محدودية التمثيل الرسمي للإخوان في المجلس فرصة لتجنب الصدام المباشر مع السلطة الحاكمة في مقابل التنسيق مع القوى السياسية المختلفة41 .

2ـ أداء دور موازن على الساحة السياسية:

إن الوضع السياسي القائم في البحرين، والمخاوف من التصعيد بين المعارضة الشيعية والنظام، يستدعي من الإخوان محاولة لعب دوى موازن على الساحة السياسية لأجل معالجة هذا الاستقطاب وتجنيب البلاد الأزمات الأمنية، وهذا الدور قد يكون ملائماً للإخوان القيام به، وضعاً في الاعتبار الآتي:

  • هذا الدور لإخوان البحرين ليس بجديد، ويمكن الإشارة هنا إلى البيان الذي سبق أن أصدره الإخوان إبان الأحداث السياسية التي شهدتها المملكة في تسعينيات القرن العشرين، قبل ولوجهم رسمياً إلى العمل السياسي العام؛ فقد تضمن البيان الذي حمل عنوان “هذا بياننا” موقف “جمعية الإصلاح” الممثلة لإخوان البحرين من الأحداث التي حصلت في المملكة آنذاك وعرفت لاحقاً باسم “انتفاضة التسعينيات”.

وتميز البيان بوسطية في الطرح حيث لم ينحز بشكل واضح للنظام الحاكم وإن أبدى تفهماً للإجراءات التي اتخذتها الحكومة في التصدي للأعمال الشغب والتخريب، واشتمل البيان على توضيح موقف الجمعية الرافض لأعمال العنف، بالإضافة للمطالبة بضرورة الإسراع بتنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية لتجنب انزلاق البلاد في الفتنة42 .

  • جاءت الإطلالة التالية لـ”جمعية الإصلاح” سياسياً في الفترة التي شهدت إرهاصات الحراك السياسي الرسمي في البحرين في عام 2000، وذلك عندما تشكّلت لجنة عليا لصياغة ميثاق عمل وطني يتوافق عليه الشعب، ويشكّل خريطة طريق للمستقبل، فأعلنت الجمعية حينها وجهة نظرها الموازية لما كان يناقش في اللجنة، تضمنت رؤيتها للشئون السياسية والدينية والاقتصادية والعلاقات الخارجية.

وكان الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، عضواً في اللجنة العليا بصفته واحداً من قيادات هيئات المجتمع المدني الذين دُعوا لمناقشة صياغة “الميثاق”، وأسهم بـ19 مداخلة في هذا النقاش تركزت حول رؤية جمعيته للشئون الاقتصادية والسياسية ومكانة التشريع والدين الإسلامي من الدستور، وكانت وجهات النظر التي عرضها قريبة من وجهات النظر رجال الدين الشيعة في اللجنة 43.

  • يمكن للإخوان في الأردن محاولة التوفيق بين النظام الحاكم وحركات المعارضة الشيعية، وفي المقدمة منها جمعية “الوفاق”، ولاسيما أن الإخوان في المجلس النيابي سبق لهم التعاون مع “الوفاق” بشأن عدد من ملفات الفساد الخاصة بهيئات شبه حكومية.

ولكن في ضوء الوضع السياسي القائم، وبالنظر إلى أن “الوفاق” تعتبر حركة معارضة معتدلة في حال مقارنتها بالتنظيمات الشيعية الأخرى على الساحة البحرينية44، وجزء من مطالبها يصب لصالح خدمة الهيكل الديمقراطي في المملكة، فإن مطالبها يمكن تعديلها لأجل التوصل إلى حلول وسط تجنب البلاد الفتنة، وتزيل أسباب التدخل الخارجي في شئون المملكة، وخصوصاً أن النصف الأول من عام 2014 كان قد شهد عقد ولي العهد البحريني سلمان بن حمد آل خليفة، اجتماعات مع كل المجموعات السياسية في البحرين، المعارِضة والموالية للنظام على السواء، من أجل مناقشة مطالبها الإصلاحية، وحيث تم تنفيذ البعض منها، لكن التضارب في التوقعات كان كبيراً جداً45 .

3ـ عدم إغفال الجانب الدعوي والخيري:

إن تراجع النشاط السياسي للإخوان في البحرين لا يجب أن يكون سبباً للتأثير في النشاط الدعوي والتربوي والخيري الذي ارتبط بنشاطهم على الساحة البحرينة، وحيث تعهد الإخوان في المملكة بالاهتمام بالعمل الخيري الإسلامي وتطويره لتلبية حاجات المجتمع المادية والاجتماعية، وإغاثة المنكوبين ودعم الجاليات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم. ولتنظيم تلك الأعمال الاجتماعية استحدثت مشاريع مثل مشروع “كفالة اليتيم” ومشروع “الصدقة الجارية”، وغيرهما من المشاريع الخيرية التي تُمَوَّل عن طريق التبرعات.

وعدم اعتبار الإخوان المسلمين جماعة إرهابية في البحرين- كما هو الحال في المملكة السعودية والإمارات ومصر- يعطي لهم فسحة للاستمرار في دورهم الخدمي والاجتماعي المميز داخل المملكة، وبما يصب على الجانب الآخر في استمرار تأثيرهم الإيجابي داخل المجتمع 46.

4ـ السعي لتمثيل متوازن داخل المجتمع:

تشير الدراسات والتقارير في البحرين إلى وجود مميز للإخوان المسلمين في القطاع التعليمي والتربوي داخل المملكة، وبالرغم من أهمية هذا التواجد في تنشأة وتقويم الأجيال، ولكن من الأهمية بمكان التركيز على اختصاصات وقطاعات أوسع لتحقيق تمثيل متوازن للإخوان داخل البحرين.

وربما ترتبط هذه المشكلة بتواجد وتمثيل الإخوان المسلمين في مختلف الأقطار العربية؛ فإن كان لهم تواجد ملحوظ في حقول التعليم والتربية والطب والهندسة وعلوم الحاسوب، ولكن في المقابل فإن وجودهم محدود في مجالات الأدب والفلسفة، والقانون، وعلم الاقتصاد، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم الإدارة، وحيث أن الاستثناءات المتواجدة في هذه القطاعات شقت اختياراتها بشكل فردي لم تخطط له الجماعة في الغالب، الأمر الذي كان سبباً في عدم نجاح تيار الإخوان المسلمين في تولي زمام السلطة حتى في الدول التي تقدموا فيها خلال ثورات الربيع العربي، وحيث لم ينجح هذا التيار في إخراج منظرين حركيين أو فكريين على المستوى العربي العام، وكذلك الحال في البحرين 47.

————————————

الهامش

في تفاصيل الدور التاريخي لإخوان البحرين في المملكة، انظر: الإخوان المسلمون في البحرين، موقع المعرفة الالكتروني، http://www.marefa.org/index.php /الإخوان_المسلمون_في_البحرين. جمعية المنبر الوطني الإسلامي، http://ar.wikipedia.org/wiki /جمعية_المنبر_الوطني_الإٍسلامي قاسم حسين، ماذا ينتظر اخوان البحرين؟، صحيفة الوسط البحرينية، 4/7/2013

* مرّ “تجمّع الوحدة الوطنية” بخلافات داخلية بسبب عدم القدرة على رسم سياسته بين التيارات السنية السياسية، ووجد الجناح السياسي للإخوان أنه لم يمكّن من هذا التيار كما ينبغي لقوته وتاريخه ووجوده على الساحة، ففضل الانفصال ولكن من دون محاربة “التجمّع” حتى لا يتم إضعافه.

الإخوان المسلمون في البحرين.. الريادة في الخليج.. التوافق مع السلطة، بوابة الحركات الإسلامية، 25/6/2014

البحرين: “خلية 14 فبراير” تجسست لصالح إيران، موقع المسلم الالكتروني، 26/11/1434هـ. موقع سي ان ان العربية، 20/2/2013

قاسم حسين، مرجع سابق

* يشمل الهيكل التشريعي في البحرين غرفتين برلمانيتين، الأولى مجلس النواب، وهو الهيئة التشريعية الرئيسية ويتألف من أربعين عضواً ينتخبون بالاقتراع المباشر، ويتمتع بالعديد من الصلاحيات والتشريعية والرقابية. والغرفة البرلمانية الثانية هي مجلس الشورى، وهو مجلس استشاري له صلاحيات أقل من مجلس النواب، ويتألف من أربعين عضواً يعينهم الملك مباشرة.

صحيفة الشرق الأوسط، 26/4/2012

غسان الشهابي، إخوان البحرين: خصوصية الفلسفة ومستقبل الحراك، موقع الجزيرة. نت، 10 يونيو 2014

الإخوان المسلمون في البحرين.. الريادة في الخليج.. التوافق مع السلطة، مرجع سابق

«إخوان البحرين» يتبرّأون من التنظيم والمرشد، صحيفة الوسط البحرينية، 21/8/2014

هاني الفردان، لماذا تكذب قيادات «الإخوان» في البحرين؟، صحيفة الوسط البحرينية، 27/8/2014

عباس بوصفوان، إخوان البحرين: النموذج المرضيّ عنه عربياً، صحيفة الأخبار اللبنانية، 13/1/2014

هاني الفردان، «التقية»… عنوان «الإخوان» في البحرين، صحيفة الوسط البحرينية، 31/8/2013

«إخوان البحرين» يتبرّأون من التنظيم والمرشد، مرجع سابق

قيادات «الإخوان المسلمين» في البحرين يقودون تحركات بحثاً عن «تطمينات»، صحيقة الوسط البحرينية، 28/5/2014

ملك البحرين يشيد بجماعة الإخوان المسلمون في بلاده، http://bmirror14feb2011.no-ip.org/news/16779.html ، 18/6/2014

قيادات «الإخوان المسلمين» في البحرين يقودون تحركات بحثاً عن «تطمينات»، مرجع سابق

في تفاصيل التشكيلة الحكومية الجديدة في البحرين، انظر: موقع العربية. نت، 6/12/2014. صحيفة الشرق الأوسط، 7/12/2014

قيادات «الإخوان المسلمين» في البحرين يقودون تحركات بحثاً عن «تطمينات»، مرجع سابق

صحيفة الحياة اللندنية، 22/3/2014. صحيفة الشرق الأوسط، 21/3/2014

http://www.alarabonline.org/?id=39351 ، 1/12/2014

أمين منظمة التعاون الإسلامي يرحب بنجاح الانتخابات البرلمانية والبلدية البحرينية، وكالة أنباء البحرين، 24/11/2014

واشنطن تهنئ البحرين بإتمام الانتخابات البرلمانية والبلدية، صحيفة الخليج الجديد، 1/12/2014

الاتحاد الأوروبي يعتبر انتخابات البحرين إنجازاً إيجابياً، وكالة أنباء البحرين، 26/11/2014

صحيفة الراي الكويتية، 1/12/2014

صحيفة الشرق الأوسط، 15/3/2011

عباس بوصفوان، مرجع سابق

صحيفة الوسط البحرينية، 29/11/2014

غسان الشهابي، مرجع سابق

مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، http://carnegieendowment.org/sada/2014/05/20 /بحرين-بين-أنصارها-والإخوان/hb89 ، 20/5/2014

* في الواقع فإن طبيعة النظام السياسي تضمن سيطرة السلطة التنفيذية على مقاليد الحكم، فالملك يتولّى تعيين جميع الوزراء، وفي هذا الإطار يعهد بالحقائب الوزارية الأهم إلى أفراد من أسرته، كما أنه يُعيّن مجلس الشورى (الذي يملك أعضاؤه الأربعون ثقلاً موازياً للنواب المنتخبين وعددهم أيضاً 40)، وكذلك القضاة.

جاين كينينمونت، مقاطعة الانتخابات في البحرين، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 21/11/2014

صحيفة الشرق الأوسط، 30- 31/12/2014

حنان براي، انتخابات البحرين.. تغيير حقيقي أم مجرد تمثيلية؟، موقع راديو سوا الالكتروني، 6/11/2014

http://arabi21.com/Story/792444 ، 30/11/2014

http://www.almanar.com.lb/adetails.php?eid=1074203 ، 5/1/2015. موقع روسيا اليوم الالكتروني، 1/1/2014

صحيفة الشرق الأوسط، 10/12/2014

موقع روسيا اليوم الالكتروني، 20/12/2014

الإخوان المسلمون في البحرين.. الريادة في الخليج.. التوافق مع السلطة، مرجع سابق

غسان الشهابي، مرجع سابق

تاريخ الإخوان المسلمون في البحرين، ويكيبيديا الإخوان المسلمون، http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title =تاريخ_الإخوان_المسلمين_في_البحرين

غسان الشهابي، مرجع سابق

* يسعى “الوفاق” إلى الحصول على حصة أكبر من السلطة في ظل نظام ملكي دستوري، لكنه يواجه منذ عام 2011 منافسة من تيارات معارضة أكثر طموحاً تطالب بإطاحة النظام الملكي، ومنها ائتلاف “شباب ثورة 14 فبراير” (الذي تأسّس بعد انتفاضة 2011)، وحركتا “حق” و”وفاء” (اللتان تضمّان أعضاء كانوا ينتمون إلى جمعية “الوفاق” سابقاً وانسحبوا منها بعد مشاركتها لأول مرة في الانتخابات في العام 2006)، وحركة “أحرار البحرين” التي تتخذ من لندن مقراً لها، فضلاً عن مجموعات شبابية مجزّأة ومحلية الطابع تنظّم احتجاجات روتينة في القرى الشيعية.

جاين كينينمونت، مرجع سابق

الإخوان المسلمون في البحرين.. الريادة في الخليج.. التوافق مع السلطة، مرجع سابق

محمد البنكي، جذور أزمة الإخوان المسلمين في البحرين، النص متاح على الرابط التالي: http://www.albanki.com/ViewItem.aspx?id=336&cat=19

إيمان أحمد

باحثة مصرية، دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية، 2016، ماجستير العلوم السياسية 2008 جامعة القاهرة

اعمال اخرى للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى