إصدارات

الدليل الأميركي لمكافحة التمرد ج3

الجزء الثالث: الفاعلون

ترجمة

خالد أحمد – أحمد مولانا

تمهيد

في إضافة نوعية للمكتبة العربية، يقدم المعهد المصري للدراسات، ترجمة حصرية لدليل الحكومة الأميركية لمكافحة التمرد”، الصادر عام 2009، الذي ساهمت الإدارات والوكالات التالية في صياغة مشروع مسودة دليل الحكومة الأمريكية لمكافحة التمرد: وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وزارة العدل، وزارة الخزانة، وزارة الأمن الداخلي، وزارة الزراعة، وزارة النقل، مكتب مدير المخابرات الوطنية.

وقاد صياغة هذا الدليل مكتب الشؤون (السياسية – العسكرية) بوزارة الخارجية بمساهمة رئيسية من ديفيد كيلكولن (مستشار خاص لوزير الخارجية لمكافحة التمرد)، ومات بورتر (لفتنانت كولونيل في المارينز الملكي بالمملكة المتحدة)، وريت كارلوس بورغوس (كولونيل بالجيش الأمريكي).

وتمت إتاحة الدليل إلكترونيا، عن مكتب الشؤون السياسية العسكرية- يناير 2009، بتوقيع كل من كوندوليزا رايس (وزيرة الخارجية الأميركية) وروبرت غيتس (وزير الدفاع) وهنريتا فور، مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

ونحن في المعهد المصري للدراسات، إذ نقدم هذه الترجمة الحصرية، لهذا العمل المهم والكبير، نؤكد على كامل حقوق الفكرية للجهات الأصلية التي أصدرت التقرير، وكذلك حقوق الملكية الفكرية للنسخة العربية للمعهد المصري، على أن يكون هذا العمل خطوة نحو طريق ممتد لمزيد من الجهود في هذا السياق.

الفصل الثالث: الفاعلون

صورة من ألبوم الرقيب كريستيان فوستر
على اليمين جيمس كوندر نائب مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وأعضاء فريق إعادة الإعمار الإقليمي يناقشون قضايا التنمية مع شيخ عراقي (صورة من ألبوم الرقيب كريستيان فوستر، وزارة الدفاع).

(1) الحكومة المتضررة

الحكومة المهددة بتمرد وليد أو نشط هي أهم فاعل في مكافحة التمرد. إذ لا يمكن للفاعل الخارجي مهما كانت درايته وحماسته أن يعوض بشكل كامل ضعف الإرادة أو عدم الكفاءة أو السلوك غير المثمر من قبل الحكومة التي يدعمها، وبالتالي لا يمكن توصيف أي حملة لمكافحة التمرد بأنها جيدة إلا وفقا لمدى نجاعة الاستراتيجية السياسية التي تعتمدها الدولة المتضررة.
إن تصور حكومة الولايات المتحدة لدور كل فاعل في مكافحة التمرد (بما في ذلك دورها الخاص) قد لا يتطابق مع تصور الجهات الفاعلة الأخرى أو السكان. بالإضافة إلى ذلك قد يعتبر المتمردون أن التدخل الأميركي يأتي في سياق اعتداء أجنبي على بلدهم، وهو التوصيف الذي قد يتردد صداه لدى السكان المتضررين. وهؤلاء السكان ربما يدعمون أو يقدرون الأمن الذي توفره القوات الأجنبية وقد لا يدعمونه، ولكنهم بكل تأكيد سوف يرونه بمثابة تدخل خارجي ومؤقت؛ لذا فإن ولاءهم على المدى الطويل سيتأرجح مع الفاعل المحلي (الحكومة أو المتمردين) وفقا للجهة التي تلبي احتياجاتهم، وتتسق مع هويتهم السياسية، وتوفر الأمن على أفضل وجه. ولذلك فإن مكافحة التمرد الفعالة تتطلب أن تقود الحكومة الوطنية الأنشطة الرئيسية لها (في نظر السكان المحليين).
ففي ظل الظروف المثالية لا تعمل القوات الأجنبية بشكل مستقل عن الحكومة المتضررة، إنما تضطلع بأنشطة سياسية أو اقتصادية أو غيرها من أنشطة المساعدة الإنمائية بناء على طلب الحكومة.
أوضاع العالم الحقيقية ليست مثالية، فالحكومات الفعالة والشرعية التي تلبي احتياجات شعوبها، وتملك القدرة على إدارة التهديدات الأمنية الداخلية من غير المرجح أن تحتاج مساعدة خارجية لمكافحة التمرد. أما الحكومات التي تلجأ إلى المساعدة الخارجية فتحتاج دائما إلى التشجيع والعون لمعالجة أوجه القصور في الإدارة والفساد والمشاكل الحقيقية والملموسة التي يستخدمها المتمردون لتعبئة السكان. وبشكل مشابه ففي الحالات التي ينمو فيها التمرد بعد تغيير النظام قسريا، ستخضع الحكومة المتضررة لإصلاحات كبيرة أو حتى لبناء مؤسساتها من الصفر. فالدولة أو الائتلاف المتدخل سيحتاج غالبا إلى استيعاب أو إقناع أو الضغط أحيانا على الحكومة المحلية للتخلي عن سلوكياتها غير الإيجابية، واتخاذ خطوات حقيقية لإصلاح ممارساتها، وكسب تأييد شعوبها، وإظهار فعاليتها وشرعيتها. علما بأن هناك أربع سمات يمكن استخدامها لقياس شرعية الحكومة هي:
• درجة احترامها ودعمها لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.
• درجة استجابتها لآراء مواطنيها.
• ما إذا كانت تمارس السيادة الفعالة.
• مدى توافر قيود مقبولة على حيز هيمنة الحكومة على الحقوق الفردية.
قد تكون لدى الحكومة المتضررة الرغبة في القيام بأدنى قدر من الجهد اللازم لهزيمة التمرد قبل أن تعود مجددا إلى ممارساتها المعتادة. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى التفاوت والتوتر بين أماني الحكومة المتضررة، وطموح الدولة المتدخلة التي تتطلع إلى تنفيذ إصلاحات كلية وبناء المؤسسات لمنع تكرار الاضطرابات. ولأن قادة الدولة المتضررة يبرزون دائما من خلال نفس العمليات المؤسسية التي أدت إلى اندلاع التمرد، فقد لا يكونون قادرين أو راغبين في إجراء إصلاحات؛ وعلى العكس من ذلك فقد تفتقر القوى المتدخلة إلى المعرفة المحلية والوعي بحقيقة الموقف للحكم على الإصلاحات الممكنة وفهم كيفية تنفيذها على نحو فعال. ويبقى التعاون بين الدولة المتضررة والقوة المتدخلة مهما كان صعبا أمرا ضروريا للغاية للقيام بعملية مكافحة تمرد فعالة.
تتسم العلاقات بين الحكومة الأمريكية والدولة المتضررة بالديناميكية خاصة عندما تؤثر الانتخابات أو التغييرات الأخرى على تشكيل الحكومة الوطنية. إذ يمكن لأي حكومة ذات سيادة أن تمارس استقلاليتها بطرق تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة مما يؤدي إلى نشوء تعارض بين رغبة الولايات المتحدة في الوصول إلى الشكل النهائي المنشود للدولة (دولة وطنية تعمل بكامل طاقتها ومستقلة وشرعية) وبين حمايتها للمصالح الأمريكية الهامة التي دفعت الولايات المتحدة للمشاركة في مكافحة التمرد بالمقام الأول.
إنه من المهم الاعتراف بالتمييز بين الحكومة على المستوى الوطني والإدارة المحلية أو الإقليمية بالمقاطعات. فحكومات المقاطعات عادة ما تكون مسئولة عن إدارة الموارد نيابة عن الحكومة الوطنية، ولكن بعض البلدان التي لديها حكومات مركزية ذات كفاءة عالية لا تزال غير قادرة على توسيع سلطتها وشرعيتها في المقاطعات النائية، وخاصة عندما تتعدى تلك المقاطعات الخطوط الحمراء الاجتماعية أو الاثنية أو الدينية أو الاقتصادية. وفي كثير من مناطق العالم يُعد تقديم الخدمات التقليدية من قبل الإدارة المحلية أكثر أهمية من الخدمات التي تقدمها الحكومة المركزية في العاصمة البعيدة. فمن شأن وحدات الحكومة المحلية التي يُنظر إليها على أنها غير شرعية أو فاسدة أو قمعية أو غير كفؤة أن توفر أرضا خصبة لنمو التمرد، ولكنها تمثل أقل مستوى يمكن للحكومة الوطنية من خلاله توفير الأمن والخدمات العامة الأخرى، ومن ثم فإن القدرة الملموسة للحكومة المحلية على توفير تلك الأمور للسكان أمر بالغ الأهمية لشرعية الحكومة الوطنية.

(2) الفريق القومي للولايات المتحدة:

يتم تنفيذ وإدارة جميع استراتيجيات حكومة الولايات المتحدة لمكافحة التمرد وخططها وبرامجها وأنشطتها الداعمة للحكومة المتضررة من خلال الفريق القومي للبعثة الأمريكية بقيادة رئيس البعثة وبالتنسيق مع وزارة الخارجية.
وبوصفه سفير الولايات المتحدة، فإن رئيس البعثة هو الممثل الشخصي للرئيس في الدولة المضيفة، وهو مسئول عن التوصية بسياسة الولايات المتحدة في هذا البلد وتنفيذها، فضلا عن الإشراف على جميع موظفي الفرع التنفيذي هناك وأنشطتهم دون السماح بوجود استثناءات إلا في أضيق نطاق. ويُُعين رئيس البعثة من قبل الرئيس الأميركي بموافقة مجلس الشيوخ، ويتمتع بسلطة استثنائية في اتخاذ القرار بوصفه مسئولا أمريكيا رفيع المستوى يتواجد خلال فترات عدم الاستقرار والأزمات. وفي حال عدم وجود سفير معتمد، يتحمل العبء القائم بأعمال وزير الخارجية بوصفه الدبلوماسي الأقدم المعتمد لدى الحكومة الأجنبية. ويشكل الفريق القومي الأميركي العنصر الرئيسي للتنسيق وتنفيذ الأعمال بين الوكالات في البلد الأجنبي.
عندما يتاح تشخيص التمرد في مراحله المبكرة، فقد يشجع رئيس البعثة وكبار موظفيه الحكومة المتضررة على اتخاذ إجراءات وقائية من خلال استخدام الإجراءات الإعلامية والأمنية والسياسية والاقتصادية اللازمة. كما سيلفت رئيس البعثة أنظار صانعي القرار في العاصمة واشنطن للاهتمام مبكرا بالوضع، وكثيرا ما توفر معرفته المحلية وفهمه للوضع مصدرا للنصح الثاقب والواقعي. ويمكن لرئيس البعثة أن يطلب مساعدة أجنبية للدولة المتضررة بالتنسيق مع مقرري السياسات في واشنطن، وأن يساعد على حشد الدعم الدولي، وأن يشرك المنظمات غير الحكومية. كما يمكن في المستقبل لرئيس البعثة أن يطلب المساعدة من عناصر فريق(الاستجابة المدنية) الذي يجري تطويره حاليا داخل وزارة الخارجية، ويهدف إلى توفير مجموعة من الأخصائيين المدنيين، والخبراء في مجال التعمير والاستقرار ممن لديهم القدرة على الاستجابة السريعة للبلدان التي تمر بأزمات. وهذه الإجراءات قد تساعد على معالجة أسباب الاضطرابات قبل أن تتصاعد الأزمة، فيقلل تصاعدها من البدائل السياسية لاستخدام القوة.
سيتواصل القائد العسكري الأميركي الذي تقع منطقة التوتر ضمن النطاق الجغرافي لقيادته (وهو جنرال أو أدميرال يحمل أربعة نجوم) مع رئيس البعثة بشكل ملائم، وسيكون قادرا على المساعدة في استباق حالات التمرد الناشئة عن طريق تقديم المشورة العسكرية ودعم برامج تعزيز الأمن.
أما إذا قررت الولايات المتحدة نشر قوات قتالية أمريكية لمساعدة الحكومة المتضررة، فسيتم تكليف هذا القائد العسكري بتخطيط وتنفيذ الجوانب العسكرية لذلك الدعم. ويجب أن تُصمم جهود الولايات المتحدة وتُنفذ على النحو السابق لزيادة كل من شرعية وفاعلية الحكومة المهددة في نظر شعبها. وتتطلب استراتيجية مكافحة التمرد نهجا تكامليا يدمج إمكانات مجموعة الوكالات الحكومية والإدارات الأمريكية. كما قد تختار حكومة الولايات المتحدة أيضا تقديم الدعم الميداني للقوات الأهلية (المشكلة من السكان المحليين). وهذه المساعدة ستكون نتاج قرارات مدروسة للسياسة الخارجية تتخذ في واشنطن العاصمة، وستخضع لإشراف رئيس البعثة. وسوف نتعرض إلى قدرات ممثل الوكالات الحكومية الأمريكية ذات الصلة بمكافحة التمرد في الملحق(أ).

(3) المجتمع الدولي:

ينبغي إيلاء اهتمام كبير لدور المجتمع الدولي في تطوير استراتيجية مكافحة التمرد. ومن الجدير بالذكر أن الاتفاق على تشكيل بعثة متعددة الجنسيات لمكافحة التمرد يوفر أربع مزايا رئيسة:
• الشرعية: لأنه عندما تتسق الإجراءات المتخذة لدعم حملة مكافحة التمرد مع القانون الدولي المعمول به، وتحظى بدعم من الكيانات الدولية (التي تدين المتمردين في آن واحد)، فإن هذا سيساعد على توفير التأييد في كل من الدولة المتضررة والولايات المتحدة والمجتمع الدولي الأوسع نطاقا للتدخل ومواجهة التمرد.
القدرة: سوف يتمكن التحالف متعدد الجنسيات من استدعاء عدد أكبر من القوات وموارد مالية أكثر مما تستطيع الولايات المتحدة حشده بمفردها. وهذا قد يكون له تأثير إيجابي على الدعم الشعبي الأمريكي للحملة عندما يرى دافعو الضرائب الأمريكيون البلدان الأخرى تشارك في جهود مكافحة التمرد وتتحمل جزءا من التمويل.
ومع أن قوات الدول الأخرى قد تكون محدودة القدرات أو أنه قد توجد بعض القيود السياسية على طبيعة مشاركتها، فإنها من خلال الاضطلاع بمهام مناسبة ستتيح للقوات الأمريكية التفرغ للمهام التي تتمتع فيها بميزة نسبية.
الكفاءات المتخصصة: لدى العديد من حلفاء الولايات المتحدة وشركاء التحالف مزايا نسبية في استعمال الإمكانات المتعلقة ببرنامج الولايات المتحدة لمكافحة التمرد، من قبيل كفاءة نشر القوات، وتطوير قوات الشرطة الوطنية، أو تعزيز النمو الاقتصادي، أو تطوير القدرة الإدارية للمسؤولين المحليين في المناطق عالية المخاطر أو البيئات النائية.
التأثيرات الإقليمية: يمكن للشركاء الإقليميين أن يساعدوا في منع إنشاء ملاذات خارجية، ومنع أو إبطاء انتشار النزاع إلى مناطق أخرى، وتوفير الخبرة المحلية، والاسناد وربما حتى المساعدة الأمنية.
وبالرغم من هذه المزايا، تجلب عمليات التحالف العديد من التحديات الإضافية مثل الاختلافات في الأهداف والتدريب والقدرات والمعدات واللوجستيات والثقافة والعقيدة والاستخبارات واللغة. وهي أمور تتطلب تنسيقا مباشرا ووثيقا للجهد من أجل إدماج القدرات والخبرات على أفضل وجه لتحقيق الأهداف السياسية والاقتصادية والأمنية والإعلامية المشتركة. ورغم تلك التحديات فإن أهمية التضامن والمشروعية الدوليين تعني أن العمل ضمن التحالف سيمثل الطريقة المفضلة للتدخلات الأمريكية لمكافحة التمرد في المستقبل المنظور.

(4)المنظمات الحكومية الدولية 1 :

تتشكل المنظمات الحكومية الدولية عندما توقع حكومتان أو أكثر من الحكومات الوطنية اتفاقية متعددة الأطراف لتشكيل تلك الهيئة وتمويل عملياتها، وتمتلك تلك المنظمات الشخصية الاعتبارية في القانون الدولي، كما يتمتع موظفوها بالوضع الدبلوماسي. تركز أغلب المنظمات الحكومية الدولية على مناطق بعينها، ولهذا فعندما تتأثر الدول الأعضاء بإحدى تلك المنظمات سلبيا بأحداث التمرد في منطقتها، ستتصرف المنظمة بشكل جماعي لنزع الشرعية ومنع المأوى والدعم عن المتمردين. كما يمكن للمنظمات أيضا أن تؤدي دورا هاما في جهود المساعدة الإنسانية والتنمية.

(5)المنظمات غير الحكومية 2 :

المنظمات غير الحكومية هي منظمات خاصة ذاتية الحكم، وغير ربحية وتتسم أنشطتها بالتنوع الشديد (تُوظف من أجل مصالح المانحين)، وتشمل اهتماماتها الاعتناء بالتعليم والرعاية الصحية وحماية البيئة وحقوق الإنسان وحل النزاعات والقضايا المماثلة. بعض المنظمات غير الحكومية تشارك في تنفيذ برامج المساعدة الخارجية الأمريكية، ولكن هذه حالة خاصة وستتم مناقشتها بشكل منفصل.
وبما أن أهداف هذه المنظمات غالبا ما تكون مكملة لجهود مكافحة التمرد عبر تلبيتها احتياجات السكان المحليين، فينبغي استشارتها قدر المستطاع لتقليل الازدواجية أو الثغرات إلى أدنى حد ممكن. مع الانتباه إلى أن تلك المنظمات كي تتمتع بضمان حرية التنقل وإمكانية الوصول إلى البيئات شبه المحايدة، تحرص على أن تكون مستقلة ومحايدة سياسيا وملبية لاحتياجات الشعوب. وبالتالي فإنها غالبا ما تسعى إلى تقليل الاتصال بالأفراد العسكريين النظاميين أو الجهات الفاعلة الحكومية الأخرى، سعيا لاكتساب “حيز إنساني” تعمل من خلاله. وفي محاولة لمعالجة هذه الديناميكية الصعبة، أنشأ المعهد الأمريكي للسلام (USIP ) مجموعة من المبادئ التوجيهية (المشار إليها في الملحق ج) تحدد العلاقات بين القوات المسلحة الأمريكية والمنظمات الإنسانية غير الحكومية.
إن الحاجة إلى استقلال العمل ليست مطلقة، فعلى الرغم من الجهود المتفانية لتلك المنظمات، لن يُنظر إليها على أنها محايدة من جانب بعض المتمردين، وحيثما تحدث مشكلات أمنية قد تعتمد المنظمات على الموارد (الحكومية – العسكرية) وغيرها لأغراض النقل والحماية. لذا عند وضع الخطط الخاصة بمكافحة التمرد يجب أخذ أنشطة تلك المنظمات في الاعتبار، مع التأكيد أنه ليس من الحكمة الاعتماد عليها في توفير العناصر الرئيسية لأي خطة بسبب وضعها المستقل.
قد تقوم بعض المنظمات غير الحكومية في الواقع بتشجيع الأهداف التي تتعارض مع أو تصادم استراتيجية مكافحة التمرد، لذا يجب على مخططي مكافحة التمرد الانتباه والتثبت من دوافع المنظمات وأنشطتها قبل السماح بمشاركتها. فالمنظمات غير الحكومية التي تعارض الحكومة المتضررة أو تقيم علاقات مع المتمردين بشكل فعال، سوف تخلق مشاكل أمنية ومخاطر، وإن كانت قد توفر أيضا فرصا لفتح قنوات للتفاوض أو الوساطة مع المتمردين. ويمكن أن يكون النقد الموجه من المنظمات غير الحكومية مفيدا في توجيه الانتباه إلى القضايا التي تحتاج لإجراءات إصلاح ضرورية. وأخيرا باعتبارها مصدرا مستقلا وموثوقا في كثير من الأحيان “نظرا لمخالطتها للواقع على الأرض” في المجالات التي تعمل بها، فإنها ستكون مصدرا هاما للمعلومات لكثير من الأطراف المعنية.

(6) مجموعات الشتات:

مجموعات المنفى أو الشتات من مواطني الدولة المتضررة، سواء أكانت مقيمة في الولايات المتحدة أو في أي مكان آخر، ستحاول أحيانا التأثير على حالات التمرد. وقد تتعاطف مع المتمردين، وبالتالي تعارض أي تدخل بالنيابة عن الدولة المتضررة، أو قد تقدم المساعدة للتدخل ضمن تطلعها إلى لعب دور في تخطيط أو تنفيذ استراتيجية مكافحة التمرد. وإذا نجحوا في التأثير على الوضع، فمن المهم أن يكون لدى المختصين العاملين في مكافحة التمرد صورة دقيقة عن دوافعهم وقدراتهم وعلاقتهم بالحكومة المتضررة، لأن هذه الأمور غالبا ما يساء فهمها أو تحريفها.

(7) الإعلام:

إن الإعلام هو الفاعل الرئيسي في الاستراتيجية الناجحة للمعلومات في أي حملة لمكافحة التمرد. وقد اعتادت حكومة الولايات المتحدة على التفاعل مع المجموعات الإعلامية الغربية، ولكن في حالات التمرد بالخارج غالبا ما يكون هناك ضعف في العلاقة مع وسائل الإعلام الإقليمية، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تضييع فرص متاحة للتأثير على اللاعبين الرئيسيين.

(8) القطاع الخاص:

أ-الشركات متعددة الجنسيات: عادة ما تشارك الشركات متعددة الجنسيات في مكافحة التمرد عندما تتعرض مصالحها التجارية للتهديد (المصالح المالية، والموظفون الأجانب، أو البنية التحتية، وما إلى ذلك) أو عندما تدرك وجود فرص للاستثمار.
لن يكون لدى مخططي برنامج مكافحة التمرد القدرة دائما على التأثير على أنشطة الشركات متعددة الجنسيات في بلد متضرر، ولكنهم قد يجدون أن مصالحهم تتكامل مع الجهود التي يبذلها برنامج مكافحة التمرد. وعلى وجه الخصوص، فإن الشركات في القطاعات الاستخراجية (النفط، والتعدين، وما إلى ذلك) لديها استثمارات أولية كبيرة ودورات إنتاج طويلة، مما يعني أن الانسحاب من بلد ما يمكن أن يتسبب في خسائر مالية كبيرة. وبالنسبة لهذه الشركات، فإن الاستثمار في الأنشطة المحلية لتحقيق الاستقرار (من تقديم القروض بالغة الصغر إلى أنشطة إصلاح قطاع الأمن) سيكون أمرا مجديا من الناحية الاقتصادية.
ب- المتعهدون (المقاولون):
كثيرا ما يُستخدم المقاولون من قبل الدولة المتضررة والبلدان الداعمة لتوفير مجموعة متنوعة من الوظائف التي يكون الأمن في مقدمتها. وينبغي أن يدرك صانعو السياسات أن ديناميكيات ترتيبات التعاقد كثيرا ما تؤدي إلى تضخم مهمة المقاول مع مرور الوقت، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف والمسؤوليات المتعلقة بالأفراد المتعاقدين. وينبغي أن يدرك صناع السياسات أيضا حقيقة أن المقاولين الأمريكيين ولا سيما المتعاقدون الأمنيون، كثيرا ما ينظر إليهم السكان المحليون كممثلين للحكومة الأمريكية، وأن أي سلوك سلبي أو تفاعل خاطئ مع السكان المحليين يمكن أن يكون له أثر سلبي على الجهود التي يبذلها فريق مكافحة التمرد. ولذلك ينبغي أن يخضع المتعاقدون المسلحون (بمن فيهم أفراد الأمن وحراس المرافق والمدربون والمستشارون) لقواعد متينة ومصممة تصميما جيدا لاستخدام القوة، وأن تتسم علاقتهم بالحكومة المتضررة بالأخلاقية والشفافية. وعلى الرغم من هذه المخاوف، أصبح المقاولون (من خلال جميع وظائفهم) الآن ضرورة لعمليات حكومة الولايات المتحدة عبر البحار. ولا يمكن تصور عمليات مكافحة التمرد الضخمة بدونهم.
ج-المستفيدون (الجهات المتلقية للمنح):
تقدم حكومة الولايات المتحدة المساعدة الإنمائية عبر المنح التي تقدمها للمنظمات غير الحكومية وللأفراد العاديين أو من خلال العقود. ويشرف مديرو المنح الحكومية في الولايات المتحدة على أنشطة الجهات المتلقية للمنح لضمان استخدام الأموال في الأغراض المخصصة لها. وبصفة عامة فإنه يمكن تغيير طبيعة المنحة في حال تم النص في اتفاقية المنحة على الإلغاء أو التعديل في حالة إذا ما تغيرت الأوضاع.
وكثيرا ما يخضع أصحاب المنح إلى اعتبارات المجال الإنساني مثلما تفعل المنظمات غير الحكومية، إذ يفضلون في كثير من الأحيان الابتعاد عن النشاط العسكري. ولذلك يجب على مخططي مكافحة التمرد الانتباه جيدا إلى أنشطة المنح الممولة من الحكومة الأمريكية من أجل حماية الاستثمار الأمريكي، ولتجنب ازدواجية الجهود، ولمنع الانتهاكات العسكرية لمراكزهم أو أوضاعهم. وربما يحتاج المتلقون للمنح إلى توفير حماية من قبل أفراد أمن مسلحين يتم التعامل معهم لنفس الاعتبارات كمتعاقدين أمنيين عسكريين.(3 ).

———-

الهامش

1 – مثل منظمة الأمم المتحدة.

2 – مثل منظمة الصليب الأحمر ومنظمة أطباء بلا حدود.

3 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

أحمد فريد مولانا

باحث وكاتب مصري، بكالوريوس الهندسة الميكانيكية، عضو المكتب السياسي للجبهة السلفية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى